الحوار الشعري عند أحمد عبد المعطي حجازي.
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°27 Vol 15- 2018

الحوار الشعري عند أحمد عبد المعطي حجازي.


pp 164-173

حنان بومالي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

إن التطور الذي لحق لغة الشعر العربي المعاصر وصوره وإيقاعاته، تزامن مع تطور بناء القصيدة الفني، فالقصيدة أو التجربة كل لا ينفصل، وكل ما فيها من عناصر رؤيوية مؤثرة في العناصر الأخرى وأنماط البناء الفني في القصيدة المعاصرة تتعدد وتتسع وتتفق في الانبثاق من النزعة الدرامية، ولقد وعى أحمد عبد المعطي حجازي هذه الحقيقة التي تربط عناصر التجربة بعضها ببعض فوجد في الحوار وأنواعه أحد أشكال الدراما الشعرية المعاصرة، واجتهد في استثمارها في متنه الشعري على نحو شكل علامة بارزة وظاهرة في قصائده، من منطلق أن الحوار في النص الشعري ليس مجرد تعاطي الكلام أو حالة مقابلة بين شخصيتين أو أكثر.

الكلمات المفتاحية: الشعر المعاصر، الدراما الشعرية، الحوار، القصيدة المعاصرة، الإيقاع.

L’évolution de la langue de la poésie arabe contemporaine, d’image et de ses rythmes, qui a coïncidé avec le développement du poème technique construction, poème ou expérience tout indissociable et tous ses éléments d’autres éléments et de la technique de construction influents patrons visionnaires dans poème contemporain multiplié en hausse et s’entendre sur l’émergence de la tendance dramatique, Nous avons consciemment Ahmed Abdel moaty Hegazy ce fait qui lie expérience trouvé dans le dialogue et un types de drame poétique contemporain et retordus avec investissement en forme plus poétique, une étape importante et un phénomène dans ses poèmes, un texte poétique du dialogue non seulement les abus de discours ou h Entretien entre deux ou plusieurs perçons.

 Mots-clés :poésie contemporaine, drame poétique, dialogue, poème contemporain,rythme.

 The evolution of contemporary Arabic poetry language and image and its rhythms, which coincided with the development of construction technical poem, poem or experience all inseparable, and all its elements of other elements and influential visionary patterns technical construction in contemporary poem multiplied up and agree on emergence of dramatic tendency, We have consciously Ahmed Abdel moaty Hegazy this fact that binds together experience found in dialogue and a contemporary poetic drama types, and plied with investment in more poetic form a milestone and a phenomenon in his poems, poetic text dialogue not just speech abuse or h Interview between two or more persons.

Keywords:contemporary poetry, poetic drama, dialogue, contemporary poem ,rhythm.

Quelques mots à propos de :  حنان بومالي

المـركز الجامعي ميلة

نص المقال:

إن بناء القصيدة لا يعبر عن إحساس الشاعر بالتجربة الشعرية فقط، بل قد يتجاوز هذا إلى إحساسه ببناء الحياة عامة، والرؤى الفكرية التي يواجه بها معضلات هذا الوجود وقضاياه، فالبناء الفني يعني الرؤية المعمارية للهيئة التي وفدت بها التجربة إلى مخيلة الشاعر، ويجمع في طياته تفاصيل اللغة والإيقاع والصورة والأساليب ليعبر عن الروح العامة التي سرت في التجربة الشعرية سواء أكانت هذه الروح غنائية أو ملحمية أو درامية.

إن هذه الأنماط من البناء قد تلقي الضوء على قضايا أخرى تتعلق بشخصية الشاعر وقضاياه، ومن هنا فإن أساس نقد الشعر والبحث في الشعر أولا وقبل كل شيء بحث عن الشكل، بما يختاره هذا الشكل من أنظمة خاصة على المستويات الخاصة، بما يختاره هذا الشكل من أنظمة خاصة على المستويات الخاصة، وبناء القصيدة هو السيطرة على التجربة واضطراباتها في نفس الشاعر، أو هو التأكيد للقارئ وللشاعر نفسه بأن الشاعر يسيطر على الاضطراب خارجه وداخل نفسه أيضا.1

ولقد استلزم تطور بناء القصيدة المعاصرة نظرة متحررة من القواعد المسبقة، أو «تجاوز النظرة التقليدية إلى القصيدة على أنها شكل ومضمون، أو مبنى ومعنى، إذ ليس هناك شكل في المجرد، وليس هناك أيضا مضمون خارج بنية التعبير، فالقصيدة نص كتابي لا يمكن تقويمه أي نقده إلا انطلاقا من بنية التعبير».2

وأنماط البناء الفني في الشعر العربي المعاصر تتعدد وتتسع وتتفق جميعها في الانبثاق من النزعة الدرامية التي تغلب على الشعر المعاصر، وهذه النزعة تأخذ دائما في الاعتبار أن «كل فكرة تقابلها فكرة، وأن كل ظاهرة يستخفي وراءها باطن، وأن التناقضات وإن كانت سلبية في ذاتها، فإن تبادل الحركة بينها يخلف الشيء الموجب... إنها تعني الحركة من موقف مقابل، من عاطفة أو شعور إلى عاطفة أو شعور مقابل، من فكرة إلى وجه آخر للفكرة. »3

أولا-تقنية الحوار:

كل جديد ينطلق من رفض القديم ومن تمثل للنتائج التي تتمخض عنها تفاعلات المغايرة وعوامل التضاد المتصارعة مع مكونات ما هو قائم، تلك التي تؤدي حتما إلى تغلب طرف أو أطراف متضافرة مع بعضها وتمكنها من تنحية طرف أو أطراف أخرى متنافرة معها، مما يتيح للأطراف التي لها القوة والغلبة أن تظهر في وضعية جديدة صارعت من أجل تحققها، فَتَغيُّرْ التفاعلات الاجتماعية اقتصاديا وثقافيا ونفسيا أدى إلى تغيُّر أفكارها وقيمها وسلوكها وكان من الطبيعي أن تتغير أشكال تعبيرها عن واقعها الجديد.

وقد أدى ذلك كله بالطبع إلى تباين واضح ومغايرة جمالية لا تَخْطَأُها عين المتلقي وأذنه، ومن ثم تغير الأثر الدرامي، مع التأكيد على أن تلك الأطر متوافقة من حيث جمالياتها مع طبيعة النصالشعري4الذي تتبدى قيمته الدرامية بشكل كامل، حيث يجب أن يتميز  الحوار الشعري بالحيويـة و عدم التكلف.

       و يعد الحوار الدرامي أداة المسرحية لأنها تعتمد عليه في أسلوبها إذا ما قورن بالسرد الذي يضيق مجاله فيها، لأن هدفها هو الاتصال بالآخرين عن طريق عناصر متعددة، فالحوار بمنزلة العمود الفقري للعمل المسرحي، وتكمن أهميته في النقاط الآتية :

1-التركيز والإيجاز: يحدد العمل المسرحي بمكان وزمان معينين، فهو عمل مقيد تحكمه الضرورة الفنية، لارتباطه المباشر مع المتلقي ولارتباطه بالأداء والإشارات التي تفصح عن الطبائع واللمحة التي توضح المواقف، ولهذا وجب «أن يكون الحوار مضغوطا، وعلى الكاتب أن يقتصد في استعمال الكلام ولا يسرف في استخدامه »5وهذا يتطلب طول التروي واستحضار الذوق والمهارة الفنية.

2- الآنية: تكاد تجمع الآراء على أن الحوار الدرامي من أهم العناصر التي يقوم عليها البناء المسرحي، لأنه الوسيلة التعبيرية التي يمكن أن يصل عن طريقها المضمون المطروح وإن كانت تسانده في نقل الفكرة بقية العناصر الأخرى.

ويسهم الحوار في تحريك الأحداث وامتدادها وفي تحديد الشخصية وتنميتها من خلال علاقتها بالحدث وبالشخصيات المسرحية الأخرى، إضافة إلى أنه يسهم في عرض القضايا ومناقشة الأفكار وتحديد المواقف وهو في ذلك كله يقدم القصة المسرحية حية نابضة بالحركة تدل على اللحظة الآنية6، فمهمة الحوار لا أن يروي أحداثا حدثت في الماضي، وإنما يعبر عن الماضي بلغة الحاضر، فهو يصور أشخاصا يعيشون بيننا اللحظة والآن.

3-الانسجام مع الموقف: يتوقف اختيار نوع الحوار تبعا لنوع المسرحية؛ لأنه « يسهم فـي خلق الجو المسرحي أو تقرير المزاج النفسي للشخصية المسرحية لذا لا بد أن يتسم بالحيوية، وذلك من خلال قدرته على إيضاح ما يدور في نفس الشخصية وفكرها، وأن يتلون بما يتناسب مع طبيعة الموقف والشخصية »7مما يعطي تحريكا لجو المسرحية بانسياب إيقاعات مختلفة، وقد « يمضي الحوار على نحو عادي حتى يبلغ الموقف حد التأزم فيتوتر الحوار ويزيد إيقاعه ويصبح في المسرحية النثرية أقرب إلى الشعر، وقد تتطور الشخصية خلال نمو الحدث المسرحي فيتلون الحوار حسب ما طرأ عليها من تغيير كما يتلون حسب اختلاف الشخصيات نفسها في المستوى العاطفي والفكري والاجتماعي »8بمعنى لا يظل الحوار على وتيرة أو إيقاع واحد.

4-الواقعية: أدرك المسرحيون العرب أن لغة المسرح ليست لغة الحياة العادية، إذ إنها تعتمد على الحوار المكثف المختصر، الذي هو أخص ما يعتمد عليه الكاتب المسرحي فـي التعبير عن أمر ما تجري أحداثه في الحياة الواقعية ذلك أن الكاتب المسرحي مقيد بزمن محدد، لذا لا بد له من الاقتصاد في استخدام الكلام والابتعاد عن الحشو من الألفاظ المستخدمة في الحياة العادية، أو كما يقول لوتفج Luduing« إن المأساة الحديثة يجب أن تكون طرازا من الشعر ينبثق لا من اللحظة العابرة بل ينبثق من كيان الحياة الواقعية جميعا، فالمسرحية يجب أن تكون فاجعة تستدعيها الأحداث والشخصيات، ويجب أن ينحو تسلسلها وحوارها منحى التحليل، أي ينبغي أن تطور الحدث وتفضي إلينا بالحقائق التمهيدية ».9

وكما أن « الكاتب المسرحي ملزم باختيار الأحداث فهو ملزم أيضا باختيار الحوار »10الذي يقوم على الذوق والمهارة الفنية، بمعنى أنه الثمرة الناضجة التي يقدمها لنا الكاتب الفنان بعد طول التروي، والمراد بواقعية الحوارالمسرحي هو أن «يلتزم الكاتب حدود الشخصية المرسومة فلا ينطقها إلا بما يتلاءم معها سواء أوتيت القدرة أو لم تؤت القدرة على الإيضاح عن ذاتها »11فالواقعية في الحوار المسرحي إذن ليست في نقل الواقع، وإنما بتصوير الشخصيات وإدراكها لمواقعها الحقيقية، لأن الفن ليس نقلا آليا للحياة، وإنما هو تصوير لها وتعبير عنها.

ومما يلاحظ أن هذه الخصائص التي يؤديها الحوار المسرحي تؤدى في وقت واحد، أي عندما ينطق الشخص بعبارة ما قد يكون في هذه العبارة مجموعة من المهمات، ففيها « إخبار بحادثة وفيها تكوين شخصية وفيها خلق الجو وفيها تلوين لروح مظلم أو مفرح، مثلها كمثل العبارة الموسيقية التي تنطق محملة بالنغم الذي يُرْوَى ويُلَوَّنْ ويُكَوَّنْ ويثير كل هذا في لحظة، وكشأن البيت في القصيدة الشعرية ينطلق حاملا إلى النفس عــذوبة ووزنا وفكرا ومــعنى وصورا كل هذا في آن »12.

ولما كان الحوار تواصلا بين الشخصيات وتعبيرا عنها وعن مكنوناتها، فهو الأداة الفارقة أو هو السمة الجامعة المانعة المنظمة لأي عمل مسرحي، خاصة وأنه ليس كلاما تنطق به الشخصيات فحسب بل هو منطقها الفكري ومنظورها الفني داخل إطار البناء المسرحي، فهو « كلام يحتوي الإنسان كله والكلام بين الأشخاص يحتوي المجتمع كله...وعلى الكاتب الدرامي أن يكتب بفصاحة أي أن عليه أن يحقق مستوى من الكلام أعلى بكثير من كلامنا في الحياة.»13.

إذا كانت هذه جماليات الحوار المسرحي عموما، فمما لا شك فيه أنه في النص الشعري يختلف عنه في المسرح النثري في بعض السمات والصفات، لأن لغة النثر غير لغة الشعر و لا شك أن الحوار متعلق بطبيعة اللغة وبطبيعة إيقاع هذه اللغة، ولا يستوي ذلك عند أهل الخبرة ولا عند أهل العلم المسرحي، خاصة وأن نشوء الحاجة إلى الحوار في النص الشعري مردها إلى شاعرية الموقف الدرامي وشاعرية الشخصيات بالإضافة إلى شاعرية لحظة الانفعال، بمعنى أن التعبير الشعري هو الذي يفرض شكل الحوار بالدافع الانفعالي للشخصية.

إن الشعر كما يقول آرثرسايمونز( Saymonz Arthur)« هو دم الحياة الذي يسري...وأن عظمة المسرحية تطالعنا من خلال الشعر بصورة مشروعة »14، وقد يبدو هذا شيئا عاديا ومتوقعا، ولكن في فوضى أمور الدنيا وعجز معظم الناس في مختلف المناسبات نجد أن شيئا من الحوار الجيد هو بحد ذاته مصدر متعة ويأتينا بما يشبه المفاجأة اللذيذة15، لأن الشاعر يتخلص في الشعر من كل الأسانيد الوصفية والسردية، ويجترح معجزة يثيرها في نفس المتلقي بتحريك الشخوص وانطلاقها بصورة حية ومستقلة فيحقق تكاملا فنيا انطلاقا من الشعور أو الحدث، وانطلاقا من تبنيه لأسلوب درامي تختفي فيه شخصيته عن لغة الحوار وتظهر في روح الحكاية .

وعليه فإن التعبير الشعري يرتبط غالبا بالمناجاة أي المونولوج، إلا أن الديالوج لايخلو أيضا من التعبير الشعري وهو« تلاؤم الصورة الشعرية والوزن مع الشخصية بحيث لا يزيد عن كونه تعبير الشخصية المنفعل مع الموقف الذي تعيشه، ولا يزيد عن كونه أحد عناصر التّوَصُّل لدوافع الشخصية ووجدانها في حالة انفعالها المتفاعل مع عناصر الموقف الدرامي من شخوص ودوافع وعلائق متفاعلة في حالة من توافق المتلائمات، وتناسق المتنافرات في وحدة من الموقف الدرامي»16

          ويتأتى له هذا بالبعد عن وحدة البيت التي عرف بها الشعر العربي وبالبعد عن وحدة القصيدة وتوخي أن يؤدي كل ما تقوله الشخصيات أداء يسعى إلى أن يكون عنصرا ضمن نسيج العمل المسرحي ويتحقق ذلك من قدرة اللغة الشعرية على الإيحاء أوكما يقولإليوت (T.S.Eliot):«لا يكون الشعر شعرا إلا حين يصل الموقف الدرامي إلى حد من العمق والتركيز يصبح معه الشعر الوسيلة اللغوية الوحيدة للتعبير الطبيعي، فهو في هذه الحالة اللغة الوحيدة التي يمكن بها التعبير عن العواطف »17.

والحوار في النص الشعري ليس مجرد تعاطي الكلام أو حالة مقابلة بين شخصيتين أو أكثر، إنه قبل كل شيء إحساس بالزمن والمقدرة على التوظيف المناسب له ومن ثم الإحساس بالإيقاع العام، أو كما قال توفيق الحكيم « الحوار يجري على منطق الشعر بتسلسل، بنظامه الطبيعي في حياة المعاني النفسية، فهو يقفز قفزات ويعبر فجوات ويستعين بالكلمات المضيئة والحكم البليغة والصور اللامعة ليصل في صفحات قليلة إلى أغوار النفس الإنسانية »18، بمعنى أنه في الشعر فن خاضع لتصورات متعددة ويختلف عن الحوار في الفنون الأدبية الأخرى، ويتمرد على كل جملة وعبارة ليتصل بالشخصيات ويعكس مواقفها وانفعالاتها ويعبر عن الواقع.         

والصياغة اللغوية لحوار النص إنما تبلور درجة وعمق ثقافة المؤلف ثم إن « شفافية الحوار وقدرته على التعبير واكتنازه للصورة الدرامية يخضع لا للمعنى المستشف فحسب، بل إلى طبيعة موسيقى الكلمة وحروفها وتأثيرها وقيمتها في خلق الجميل لدى المتلقي »19وعليه فالحوار يشكل العصب الأساس في النص لأنه الطريق الذي يُعَبِّرُ من خلاله عن مشاعر وأفكار وتطلعات وأهداف الشخصيات.

ثم إن استخدام هذا الأسلوب من الحوار في القصيدة الغنائية في الشعر الحديث لم ينتقل فجأة إلى الحوار الدرامي الصرف، أي أنه لم يستغن الشاعر فيه تماما عن أسلوب رواية الحوار، وإنما «وظف الحوار بما يمتلكه من طاقات تفعيل فنية لتطوير أساليب تعبيره، وهو ليس ابتكارا شعريا جديدا...، لذا فإن توظيفه على يد الشاعر الحديث يعد امتدادا لذلك، إلا أن توظيفه على هذا النحو الكبير والواسع في بناء النص الحديث يشكل إضافة جديدة للنهوض بكثافة النص وشعريته».20

ثانيا-أشكال الحوار في شعر حجازي:

لقد وجد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي*في الحوار أحد أشكال الدراما الشعرية، واجتهد في استثمارها على نحو شكل علامة بارزة وظاهرة في شعره، إذ تحتشد الكثير من قصائده بنماذج متنوعة من تقنية الحوار بطابعه الدرامي المميز.

1-الحوار الداخلي (المونولوج):

يطلق هذا النوع على حوار الذات أي محاورة الكاتب نفسه، إذ هو «أحادي الإرسال تعبر فيه الشخصية الواحدة عن حركة وعيها الداخلي في حضور متلق واحد، متعدد، حقيقي، أو وهمي، صامت غير مشارك في الإجابة»21، والحوار الداخلي تقانة تشكيل شعري جديد واسع الاستخدام مستعار أصلا من المسرح.

ويعد الشعر الغنائي حوارا داخليا يقيمه الشاعر مع ذاته لأسباب نفسية أو اجتماعية، فيقيمه عندما يمر بأزمات نفسية، ولاسيما أنه إنسان يتمتع بإحساس جاد وعميق بما يدور حوله من تناقضات يولدها الواقع الخارجي، فيحاول بذلك أن يكشف عن رفضه لهذه التناقضات عن طريق محاورة ذاته، ويبين لنا هذا النوع ما يدور في نفسية الشاعر ومشاعره22، من ذلك قصيدة "موعد في الكهف"، إذ يتخذ منها حوارا داخليا بينه وبين ذاته للتنفيس عن غربته وقلقه وحرمانه، كما في قوله:

مَنْ يَا تُرَى يَذْكُرُنِي

بَعْدَ اخْتِفَاءِ الفَارِسِ الشَّهِيدِ وَالشَّيْخِ الحَكِيمْ

مَنْ يَا تُرَى يَذْكُرُنِي

مِنْ بَعْدِ أَنْ فَقَدْتُ إِيمَانِي وَصِرْتُ مُلْحِدًا

مَنْ يَا تُرَى يَذْكُرُنِي

لَا تَسْأَلْنِي أَنْ أَقُولَ فِي غَدٍ

مَا قُلْتُهُ هَذَا الْمَسَاءْ

لِأَنَّنِي أُحَاوِلُ النِّسْيَانْ... يَا حُبِّي القَصِيرْ

أٌحَاوِلُ النِّسْيَانَ حَتَّى لَا يَرَانِي النَّهَارْ.23

إن القصيدة من عنوانها مركزة تحمل سمة اليومية، وكأن حجازي يعبر فيها عن يومياته، تلك اليوميات المشغولة بقضية الحب، كما تنهض في تكوين شكلها الدرامي الشعري على المونولوج الذي يعد طريقة من طرائق تقديم الشخصية، إذ يعطي الحوار الداخلي في هذا المقطع حافزا للقارئ من خلال فضاء السؤال الدرامي "فمن يا ترى يذكرني"، والذي يطلقه الشاعر بقدر عال من التساؤل والتعجب، هذا التعجب الذي يفضي إلى تغيير الواقع، ولكن إلحاحه في ذات المقطع على محاولة النسيان "أحاول النسيان" يحول دون فعل التغيير، وإنما يبين الرغبة الشديدة في العزلة والهروب من فساد الواقع وتعفنه     بعد أن اكتشف زيفه وخداعه.

ومن خلال الاستغوار في أعماق وعي الذات الحجازية، تتحقق الصلة العلائقية مع الذات بوصفها كينونة عقلية توليدية، يستخدمها لتعميق معرفة الشخصية داخل متنه الشعري "قطار الجنوب":

أَنَا رَاءٍ قَضِيبًا مِنَ النَّارِ فَوْقَ الْمَدِينَه

أَنَا رَاءٍ سَنَابِلَ خَضْرَاءَ تَأْكُلُهُنَّ سَنَابِلُ يَابِسَاتْ

أَنَا رَاءِ إِلَى جَسَدِي رَاجِعًا بَعْدَ مَوْتٍ طَوِيلْ.24

يبحث حجازي في هذا المقطع  عن قضية واقعية كبيرة تتمثل بشخصيته "الرائي"، والتي تمثل أيضا صفة مركزية أساسية لكل شاعر، فهو راء في المقام الأول، لكنها لا تعدو إلا أن تكون اهتماما بالواقع والقدرة على النفاذ إليه في حدس شعري صادق متميز، وهو ينفذ إليه عن طريق الحوار الداخلي "الذاتي" ليعكس شعوره الداخلي، وليعوض عن حالة الإحباط التي يعيشها جراء فساد واقعه.

ويستمر أحمد عبد المعطي في حواره الداخلي مع ذاته بالتسلسل المنطقي للأحداث الذي ينعكس بصورة أخرى على حالة الواقع المتردي، حين يصور قسوة الناس في المدينة؛ وكيف بلغت الحد الذي يتعذر معه على الناس أن يخصوك بنظرة إشفاق، ولو سرت بينهم عاريا، يقول:

رَأَيْتُ نَفْسِي أَعْبُرُ الشَّارِعَ عَارِي الجَسَدْ

أَغُضُ طَرَفِي خَجَلاً مِنْ عَوْرَتِي

ثُمَّ أَمُدُّهُ لِأَسْتَجْدِي اِلْتِفَاتًا عَابِرْ

نَظْرَةُ إِشْفَاقٍ عَلَيَّ مِنْ أَحَدٍ

فَلَمْ أَجِد2ْ5

يكتب الشاعر في المقطوعة بلغة واضحة تمتاز بالإيجاز في إيراد المعاني، وبالسرعة في إيراد الأفعال، إذ يستدعي بذلك جميع الحواس إلى النهوض، ويظهر الحوار الداخلي (المناجاة) من حيث هو حديث النفس للنفس في غيبة الآخرين في مقطع آخر حين يقول:

لَوْ أَنَّنِي –لَا قَدَّرَ اللهُ سُجِنْتُ- ثُمَّ عُدْتُ جَائِعًا

يَمْنَعُنِي مِنَ السُّؤَالِ الْكِبْرِيَّاءْ

فَلَنْ يَرِدَّ بَعْضَ جَوْعِي وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءْ

هَذَا الزِّحَامُ.... لَا أَحَدْ.26

يؤدي الحوار في هذه المقطوعة دورا كبيرا في الكشف عن طبيعة شخصية الشاعر وأفكارها وعواطفها، باستخدام التسلسل المنطقي غير المقصود للأفعال، فحجازي ابتدئ مقطوعته بحرف شرطي غير جازم، ثم ينتقل إلى النفي، والحقيقة أن أداة الشرط والنفي ما هي إلا وسيلة للتعبير الدرامي عن مناخ الاغتراب والمنفى والسجن.

ولما كان الحوار الداخلي (المونولوج) هو «اتجاه إلى الذات واكتفاء بها، وهو عزلة فنية عن الخارج بما يوحي، إما بالخوف من الخارج أو اليأس منه، وفي الحالتين يطلب الشاعر العزلة، والتي يعبر عنها المونولوج فنيا»27، كذلك فإن أحمد عبد المعطي حجازي يندفع إلى اليه من تعقد القضايا واضطراب خيوطها، وتعقد مواقفه منها بما يحتاج إلى الاستبطان واستغوار الذات والانكفاء عليها، كما في قوله:

هَذِهِ رِيحُهَا، كَأَنَّ رَحِيلِي

كَانَ حُلْمًا

وَعَوْدَتِي الْيَوْمَ صَحْوِي

هَذَا النَّهَارُ نَهَارِي

وَهَذِه ِالشَّمْسُ شَمْسِي!

شَجَرٌ فِي دَمِي يَجِيشْ

صَبَاحَاتُ خَريِفٍ مِنْ أَوَّلِ الْعُمْرْ

مَغْسُولَةٌ بِطَلْ

وَمَنْقُوصَةٌ بِسِرْب ٍمِنَ الطَّيْرْ

وَآَسْ

فِي الضِّفَّتَيْنِ، وَرُؤُوسْ.28

إن الحوار الداخلي في هذه المقطع يتكثف زمنيا ومكانيا باستخدام آلية الاختزال، فالزمن النفسي والمكان النفسي يحلان محل الزمن والمكان الطبيعي، وذلك لأن "الشمس، والنهار، والشجر، والطير..." تختزل الأزمنة وتختصر الأمكنة، لينتقل الشاعر إلى الذات الإنسانية الشاعرة ويلتحم معها في اغترابه ومنفاه، وبهذه الملامح الفنية يكون الحوار الداخلي بنية درامية دالة في شعر أحمد عبد المعطي حجازي يصور توتره وتوتر ذاته وتصدعها وصراعاتها الداخلية والخارجية، كما يشكل مرآة لهمومه ومؤشرا على تعقد واقعه المحيط، وعلى وعيه بهذا التعقد، ولقد تنوع هذا النوع  حسب السياق الخاص بكل نص شعري.

2-الحوار الخارجي (الديالوج):

يعد الحوار الخارجي ذا أهمية مركزية في الدراما، وهو عصب الدراما المسرحية تحديدا، فيه تتصاعد الأحداث وتنمو، ولذلك يسميه الدارسون الحوار الدرامي، وهو أكثر دورا وفعالية من بقية عناصر التشكيل الدرامي، وظيفته تعد رئيسة في الدراما سواء المسرحية الشعرية أو حتى درامية الشعر الغنائي،29والحوار الخارجي ينطلق من دوره ووظيفته، فالحوار الجيد هو الذي تدل كل كلمة فيه على معنى يكشف حقيقة معنية ويعبر عن تلك الحقيقة تعبيرا دقيقا لا مبالغة فيه أو افتعال.

وفي الحوار الخارجي لا تكون الدائرة الدرامية مغلقة ولكنها تتخذ شكل زاوية، ويعد المشاهد القارئ طرفا ثالثا فيها وجزءا أساسيا، بمعنى أنه جسر الشاعر نحو الآخر، فكما حاجته في مواجهة عالمه الداخلي من خلال الذات، فإن مواجهة العالم الخارجي يعوزه هذا النوع من التحاور.30

إن الشاعر لا يهدف في نصه إلى الحوار لذاته، بل إن حاجته إليه هي التي تقوده إليه، فقد «تكون القصيدة كلها حوارا، بل يستخدمه حين يدرك بحاسته الدرامية جدوى الانتقال من صوته التقريري إلى أصوات المشهد نفسه»31، والحوار الخارجي يتجاوز به الشاعر  إلى المشاركة بوجهة النظر الخاصة به ودخوله طرفا في العملية الحوارية، وهذا يمنح الرؤية الشعرية فتنتها وتأثيراتها، فهي «لا تسير في اتجاه واحد، ولا ترى من الجبل سفحه المواجه لنا فحسب، بل هي سعي دائم لرؤية الشيء ونقيضه على النحو الذي تسعى فيه إلى التعدد والتنوع»32:

صَوَّبْتُ نَحْوَه،ُ نَهَارِي كُلَّه

وَلَمْ أَصِدْ

عَدَوْتُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْغَيْمَه

بَيْنَ الحُلُمِ وَالْيَقَظَه

مَسْلُوبُ الرُّشْدِ

وَمُنْذُ خَرَجْتُ مِنْ بَلْأَيْ... لَمْ أَعُد33ْ

يعد الحوار الخارجي في هذه المقطوعة تقانة أساسية، إذ يجرى حجازي حورا بين صوتين جاعلا من الإبداع الشعري نهارا للعطاء، حيث تتفاعل حركة الشخصيتين (الشاعر والآخر)، وتمتد تلك الحركة امتداد النهار الذي لا ينقطع عطاؤه، ثم إن استخدام هاء الضمير في " نحوه"، إنما جاء ليستثير الطرف الثاني ويحرك فيه صمته وسكونه بحضور الأفعال الماضية التي تنطوي على تسويغ رمزي دلالي (صوبت/ عدوت/خرجت)، فهي تمنح النص الشعري طاقة إيحائية توحي بقضية المنفى والوطن والحلم.

ويؤدي الحوار الخارجي مهمة كبيرة في جدة فكرة النص والإسهام في تقديم تأويلات رمزية من طبيعة السياق، عندما يقدم حجازي في قصيدة "مرثية العمر الجميل"، لاعب السيرك شخصية دالة على السقوط الإنساني وفشله في الانتصار على عوائق الحياة، يقول:

حِينَ يَصِيرُ الْجِسْمُ نَهْبُ الْخَوْفِ وَالمُغَامَرَه

وَتُصْبِحُ الْأَقْدَامُ وَالْأَذْرُعُ أَحْيَاءْ

تَمْتَدُّ وَحْدَهَا

كَأَنَّ حَيَّاتٍ تَلَوَّتْ

قِطَطًا تَوَحَّشَتْ... سَوْدَاءَ بَيْضَاءْ

تعَارَكَتْ وَافْتَرَقَتْ عَلَى مُحِيطِ الدَّائِرَه

وَأَنْتَ تُبْدِي فَنَكَ الْمُرْعِبِ أَلَاءٌ وَآَلَاءْ

تَسْتَوْقِفُ النَّاسَ أَمَامَ اللَّحْظَةِ الْمُدَمِّرَه

وَأَنْتَ فِي مَنَازِلِ الْمَوْتِ تَلِجُ... عَاتِبًا مُجْتَرِئًا.34

إن بنية الحوار في تشكيلها الدرامي تتمثل في هذه الثنائيات (الخوف/ المغامرة) و(سوداء/ بيضاء) و(تعاركت/افترقت) و(الحياة/ الموت) و(عاتب/مجترئ) في آن واحد، وهي بجدلها وتنوعها أدت إلى استظهار القيم التعبيرية المباشرة وغير المباشر في المقطع الشعري المبني على هشاشة الإنسان وسقوطه في براثن الموت والعدم.

وبما أن أخص سمات المسرح التي اكتشفها النقد الحديث هو تلك الحوارية المخصبة التي تسمح بتعدد اللهجات والنبرات داخل الخطاب، لا في الحوار فحسب، وإنما عبر الطبقات الحساسة من لغة الأشخاص، وهي تتجاور وتتباعد عبر سياق النص،35فإن حجازي يقيم حوارا بين شخصيات متعددة في النص، الغالب منها يكون صوت الشاعر الذي هو أحد هذه الأصوات، كما في قصيدة "أنا والمدينة" حين يقول:

هَذَا أَنَا

وَهَذِهِ مَدِينَتِي

عِنْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ

رَحَابَةُ الْمَيْدَانِ، وَالْجُدْرَانِ تَلْ

تُبِينُ ثُم َّتَخْتَفِي وَرَاءَ تَلْ

وُرَيْقَةٌ فِي الرِّيحِ دَارَتْ، ثُمَّ حَطَّتْ ثُمَّ ضَاعَتْ فِي الدُّرُوبْ

ظِلٌ يَذُوبْ

يَمْتَدُّ ظِلْ

وَجَاشَ وُجْدَانِي بِمَقْطَعٍ حَزِينْ

بَدَأَتْهُ، ثُمَّ شَكَتْ

مَنْ أَنْتَ يَا... مَنْ أَنْتَ؟

الحَارِسُ الْغَبِيْ

لَا يَعِي حِكَايَتِي

لَقَدْ طُرِدْتُ الْيَوْمَ

مِنْ غُرْفَتِي36

يستخدم الحوار هنا أداة تفعيل لتحريك حيوات النص، إذ يبدأ بوصف المدينة واغترابه فيها محاورا إياها من خلال الزمان (منتصف الليل) والمشاهد المخيفة التي توحي بضياعه وتضاؤله فيها، ويرسم الشاعر المشهد الشعري هنا بصورة بصرية قائمة على آلية الوصف المشتغلة في القصيدة، ثم يقوم الحوار بعدها على رؤية استفهامية ذات براهين تبث الحزن الموحش والاغتراب، وبهذا حقق النص تفاعلا مهما في تماسك وحداته باختراقه لمنطقة السرد، وتعميق درامية القصيدة باستخدام وسائل فنية أخرى، منها بناء المقطع على الجمل الاسمية التي تعبر عن السكون والثبوت على حالة الاغتراب الموحش.

ويصادف المتلقي هذه البنية الحوارية الاستفهامية في مقطع آخر، عندما يريد حجازي كشف اغترابه، كما في قوله:

يَا عَمْ

مِنْ أَيْنَ الطَّرِيقْ؟

أَيْنَ طَرِيقُ السَّيِّدَه؟

أَيْمِنْ قَلِيلاً، ثُمَّ  أَيْسِرْ يَا بُنَيْ

قَالَ... وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْ.37

جاء الحوار هنا كاشفا لما يدور بداخل الشاعر من معاناة واغتراب ومسهما في الوحدة العضوية داخل القصيدة، حيث تبدو الجملة الاستفهامية أطول من جملة الإجابة، مما يشير إلى حرصه على تصوير القروي في صورة حميمية مع الآخرين، ولكن هذا الآخر غير راغب في هذه الصلة، وغير متصف بالحميمية، لينصهر القروي في بوتقة الألم الوجودي والحزن الإنساني العميق.

والحقيقة أن الحوار الخارجي يحتل مكانه بارزة في شعر أحمد عبد المعطي حجازي، حيث «يبدو بنية فنية مناسبة لاستحضار الشخصيات التاريخية على وجه الخصوص، والتي عن طريق التحاور معها يظهر الشاعر موقفه الواقعي من التاريخ والحاضر في ذات الوقت»38، يقول:

آَهٍ هَذَا الْفَارِسُ الشَّهْمُ النَّبِيلُ

قَالَ: هَيَّا يَا جُنُودَ اللهِ يَا أَهْلَ الْمَدِينَه

 أَنَا مِنْكُمْ وَدَمِي مِنْ قَمْحِكُمْ                                    

وَجِرَاحِي قَطْرَة ٌمِنْ جُرْحِكُمْ

وَقُرَاكُمْ مَوْطِنِي، إِنِّي غَرِيبْ

قَدْ رَعاَنِي ذَلِكَ الوَادِي الخَصِيبْ

فَانْهَضُوا وَامْضُوا مَعِي

آهٍ.. مَا أَرْوَعَ أَصْوَاتَ الجُمُوعْ39

يبدو الحوار الخارجي متعدد في هذه المقطوعة، حيث يظهر الشاعر أكثر من صوت، وتبدو المقطوعة مزدحمة بهم، فالحوار يديره بين أبناء الشعب البسطاء، كما يحرص على إظهار صوت الجموع من جهة وتأييد البسطاء من جهة أخرى.

خاتمة:

هكذا استطاع أحمد عبد المعطي حجازي من خلال الحوار الشعري أن يعبر عن رؤيته الشعرية ببعديها الداخلي والخارجي، حيث يتشكل الحوار الداخلي في متنه الشعري بأشكال عديدة من المناجاة والتمني والصراع مع الذات، وتعمل كلها على إضاءة لحظات التنوير الشعري الحواري في قصائده، إذ تمنحها طاقة درامية مشحونة بالأمل والمعاناة والاغتراب والحزن في آن واحد.

كما يكثر المتن الشعري الحجازي بالحوار الخارجي، والذي قدم قيمة درامية كثيفة تتمثل في محاورة الواقع المغمور بالتناقضات والمفارقات على أشدها، والحوار الخارجي جعل الصور الشعرية تحتشد لتملأ الفضاء الشعري بطاقة درامية حوارية تتشكل بقوة من كل هذه الصور وتفاعلاتها المتداخلة، وبالتالي إنتاج بنية شعرية درامية تحاول استثمار طاقات الفعل الدرامي في فضاء القصيدة.

وبذلك استطاع حجازي أن يجسم الواقع الاجتماعي والسياسي بطريقة مستحدثة ومعاصرة في نصه الشعري، وأن يجمع أحد أهم أركان المسرح الناجح داخل قصائده، والذي قدم من خلاله رؤيته للعالم فكان تكثيفا لدلالات الحياة المختلفة، وسهما في أحشاء القساة الجارحين وسيفا على رقاب الخونة والظالمين مهما كانت مرتبتهم ومهما كان توجههم الإيديولوجي، كما عكس الحوار على الجانب الجمالي الذوقي قدرة الشاعر على تحريك الخيال، وإثارة المتعة الفنية لدى المتلقي بما يثير مشاعره ويجعله قادرا على كسر أفق التوقع مهما بلغت درجته؛ كما استطاع أن يوفر لمتنه الشعري تلك المسافة المزدوجة الجمالية و الرؤيوية التي تجسد التحقق الشعري العميق، وتأسر المتلقي بشكلها المتفوق من حيث الإستراتيجية الإبداعية التي لامست عمق لحظة السياق التاريخي والاجتماعي والنفسي والثقافي والفني .

- ينظر كاميليا عبد الفتاح: القصيدة العربية المعاصرة "دراسة تحليلية في البنية الفكرية والفنية".د ط. دار المطبوعات لجامعة: الإسكندرية. 2007م. ص729.

2- أدونيس: سياسة الشعر" دراسات في الشعرية العربية المعاصرة . ط1. دار الآداب: بيروت. 1985م.ص152.

3- عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية. ط3. دار العودة ودار الثقافة: بيروت. 1981م. ص279.

4- ينظر أبو الحسن سلام: مقدمة في نظرية المسرح الشعري.ط1.دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر: الإسكندرية. 2006م. ص54– 55.

5- عبد اللطيف محمد السيد الحديدي: العمل المسرحي في ضوء الدراسات النقدية. ط1. د د ن: القاهرة. 1996م.ص62.

6- ينظر حورية محمد حمو: تأصيل المسرح تأصيل المسرح العربي بين التنظير والتطبيق في سوريا ومصر. د ط. إتحاد الكتاب العرب: دمشق. 1999م.ص279-280.

7- المرجع نفسه.ص 281.

8- عبد القادر القط:من فنون الأدب "المسرحية".د ط. دار النهضة العربية: بيروت.1978م.ص 34.

9- إريك بنتلي: المسرح الحديث "دراسة في الدراما و مؤلفيها". ج1. تر محمد عزيز رفعت. مر: أحمد رشدي صالح.د ط.الدار المصرية للتأليف و الترجمة: القاهرة .د س.ص 69-70.

10-محمد زكي العشماوي: دراسات في النقد المسرحي والأدب المقارن.د ط. دار النهضة العربية: بيروت.1983م.ص29.

11- علي أحمد باكثير: فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية. ط3. مكتبة القاهرة: القاهرة. 1985م.ص 75.

12- حورية محمد حمو: تأصيل المسرح العربي . مرجع سابق.ص285.

13- إريك بنتلي: الحياة في الدراما. تر:جبرا إبراهيم جبرا. ط3. المؤسسة العربية للدراسات والنشر: بيروت .د س. ص79-80.

14- أبو الحسن سلام: الإيقاع في فنون التمثيل و الإخراج المسرحي. د ط.دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر: الإسكندرية.

د س.ص113-114.

15- ينظر إريك بنتلي: المسرح الحديث "دراسة في الدراما و مؤلفيها".مرجع سابق,ص338.

16- أبو الحسن سلام: الإيقاع في فنون التمثيل و الإخراج المسرحي . مرجع سابق.ص116-145.

17- محمد عناني: دراسات في الشعر والمسرح .د ط.مكتبة غريب: الفجالة. د س.ص30.

18- محمد مصطفى هدارة: دراسات في الأدب العربي الحديث. ط1.دار العلوم العربية: بيروت. 1990م.ص285-286.

19- منصور نعمان: فن كتابة الدراما للمسرح والإذاعة والتلفزيون.ط1. دار الكندي للنشر والتوزيع: الأردن. 1999م. ص79-80.

20- خليل شكري هياس: تجليات القصيدة من فضاء التجربة إلى معمار النص.ط1. دار غيداء للنشر والتوزيع: عمان. 2014م. ص53.

*- أحمد عبد المعطي حجازي:ولد عام 1935بمدينة تلا ( محافظة المنوفية) مصر، حفظ القرآن الكريم وتدرج في مراحل التعليم حتى حصل على دبلوم دار المعلمين 1955، ثم حصل على ليسانس الاجتماع من جامعة السوربون الجديدة 1978، ودبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي 1979.عمل مدير تحرير مجلة صباح الخير ثم سافر إلى فرنسا حيث عمل أستاذا للشعر العربي بجامعاتها، ثم عاد إلى القاهرة لينضم إلى أسرة تحرير (الأهرام) ويرأس تحرير مجلة (إبداع)،عضو نقابة الصحفيين المصرية ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، دعي لإلقاء شعره في المهرجانات الأدبية، كما أسهم في عديد المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية، ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر. ترك زادا شعريا ونقديا، وأهم دواوينه الشعرية: مدينة بلا قلب 1959، أوراس 1959، لم يبق إلا الاعتراف 1965، مرثية العمر الجميل 1972، كائنات مملكة الليل 1978، أشجار الإسمنت 1989أمامؤلفاته فمنها: محمد وهؤلاء ، إبراهيم ناجي، خليل مطران، حديث الثلاثاء، الشعر رفيقي، مدن الآخرين، عروبة مصر أحفاد شوقي.

21- محمود عبد الوهاب: الحوار في الخطاب المسرحي. مجلة الموقف الثقافي: العراق. 1997م. ع10. ص52.

22-  ينظر إبراهيم حمادة: مقالات في النقد الأدبي.د ط. مكتبة الدراسات الأدبية: د ب ن.1989م.ص77.

23- أحمد عبد المعطي حجازي: الديوان.ط1. دار الآداب: بيروت. 1965م. ص34-35.

24- المصدر نفسه. ص85.

25- المصدر نفسه.ص 133.

26- المصدر نفسه. ص140.

27- كاميليا عبد الفتاح: القصيدة العربية المعاصرة. مرجع سابق. ص769.

28- أحمد عبد المعطي حجازي: الديوان. مصدر سابق.ص8.

29- ينظر علي قاسم الزبيدي: درامية النص الشعري الحديث "دراسة في شعر صلاح عبد الصبور وعبد العزيز المقالح".ط1. دار الزمان: دمشق.  2009م. ص292.

30- ينظر خليل شكري هياس: تجليات القصيدة من فضاء التجربة إلى معمار النص. ص71.

31- السيد محمد علي السيد: النزعة الدرامية في الشعر العربي المعاصر. رسالة ماجستير. كلية العلوم: جامعة القاهرة. 1980م. ص64.(غير منشورة )

32- علي جعفر العلاق: في حداثة النص الشعري.مرجع سابق. ص230.

33- أحمد عبد المعطي حجازي: الديوان. مصدر سابق.ص52.

34- المصدر نفسه. ص525.-526.

35- صلاح فضل: تحولات الشعرية العربية.ط1. دار الآداب: بيروت. 2002م. ص120.

36- أحمد عبد المعطي حجازي: مدينة بلا قلب. ط2. دار الكاتب العربي: د د ن. 1968م. ص175-177.

37- المصدر نفسه. ص105.

38- كاميليا عبد الفتاح: القصيدة العربية المعاصرة. مرجع سابق. ص762.

39- أحمد عبد المعطي حجازي: مدينة بلا قلب.مصدر سابق. ص101-103.

@pour_citer_ce_document

حنان بومالي, «الحوار الشعري عند أحمد عبد المعطي حجازي.»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp 164-173,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2018-06-26,
mis a jour le : 11/07/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=3032.