معايير السواء ومؤشرات الصحة النفسية - دراسة نظرية تحليليةCriteria Of Normalcy And Indicators Of Mental Health – A Theoretical Analytical Study
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°27 Vol 15- 2018

معايير السواء ومؤشرات الصحة النفسية - دراسة نظرية تحليلية

Criteria Of Normalcy And Indicators Of Mental Health – A Theoretical Analytical Study
pp 174-192

ناجية دايلي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

إن الصحة النفسية مطلب أساسي في حياة الإنسان إذ بدونها يعيش في بؤس وشقاء، فلا يستطيع الإستمتاع بما وهبه الله من قدرات ليتمتع بملذات الحياة، فعلم الصحة النفسية لا يقتصر في دراسته على المضطربين نفسيا ووقايتهم، أو المرضى النفسيين وعلاجهم فقط، بل إنه يتخطى ذلك في اهتمامه بالأسوياء، وذلك بدراسته للعوامل الفردية والاجتماعية التي تنمي هذه الصحة،  كما يحاول التنبؤ بالعوامل المضرة بالصحة ، لأن الصحة النفسية ليست شيئا ثابت ومستقر ، فقد تتراجع في أي لحظة من لحظات الحياة، كما أنه يدرس الفرد كوحدة زمنية ماضية وما يتضمنه من مؤثرات وراثية وبيئية، ثم حاضر المرحلة العمرية التي يمر بها وما يتمتع به من حالة سوية وغير سوية، معتمدا في ذلك على المعارف والأبحاث  التي تتم في إطار الفروع الأخرى، كعلم النفس التربوي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم الفروق الفردية، وعلم نفس الصحة....إلخ 

الكلمات المفتاحية: الصحة النفسية،  الصحة العقلية، معايير، مؤشرات، السواء، اللاسواء.

La santé psychique est une exigence fondamentale de la vie humaine, Car sans elle il peut vivre dans la misère et le malheurs,et  ne peut pas profiter de ce que dieu lui a donné, l'étude dans la santé psychique ne se limite pas a la préventions des  personnes psychologiquement perturbées,et letraitement des patients psychiatriques seulement , Mais il va même au-delà dans son intérêt pour les normeaux, En étudiant les facteurs individuels, sociaux et environnementaux qui développent la santé, et il tente également de prédire les facteurs nuisibles à la santé, parce que la santé psychique n'est pas quelque chose de stable et constant,il peut décliner à tout moment de la vie ,il étudie également l'individu comme une unité de temps passé et ses influences génétiques et acquis,Puis l'âge actuel et ce qu'il apprécie actuellementd'un caractère normal ou dysfonctionnel,Basé sur les connaissances et les recherches effectuées dans le cadre d'autres branches, telles que la psychologie de l'éducation, la psychologie sociale, la science des différences individuelles, la psychologie de la santé … etc

Mots clés:La santé psychique, La santé mentale, , normes, indicateurs, normale , anormale

The psychological health is a fundamental requirement of human life, because without it ,we can live in misery and misfortune, and can not take advantage of what God has given tous, the study in psychological health is not limited to the preventions of psychologically disturbed people, and the treatment of psychiatric patients only, but it goes even beyond in its interest for the normals, by studying the individual, social and environmental factors that develop health, and italso tries to predict the harmful to health, because psychological health is not something stable and constant, it can decline at any time of life, it also studies the individual as a unit of past time and its genetic influences and acquired , then the current age and what he currently enjoys of a normal or dysfunctional character, based on knowledge and research done in other branches, tell as the psychology of education, social psychology, the science of individual differences, the psychology of health ... etc

Keywords:Psychological health,Mental health, norms, indicators, normal, abnormal

Quelques mots à propos de :  ناجية دايلي

جامعة محمد لمين دباغين سطيف2

دخل الإنسان القرن الواحد والعشرين يحمل معه من القرن الماضي عبئا ثقيلا من المشكلات الإقتصادية  والإجتماعية والسياسية المعقدة، وفي الوقت الراهن  تعقدت أمور الحياة بشكل أكبر وكثرت مطالبها بسبب طغيان المادة على القيم والمعايير الروحية،  مما جعل الإنسان يسعى بكل طاقته لتحقيق أهدافه  وطموحاته مما شكل جوا ملائما لزيادة الاضطرابات النفسية، والأمراض العقلية، والانحرافات السلوكية، وكل ذلك جعل من موضوع الصحة النفسية موضوعا ذا أهمية كبيرة.

         فالصحة النفسية محصلة جميع الوظائف النفسية التي يقوم بها الفرد، وهي غاية الوظائف النفسية المتعددة التي يتعرض علم النفس لدراستها، وهي من الموضوعات الهامة التي شغلت بال العلماء والباحثين في عدة ميادين، كعلم النفس، وعلوم التربية، بسبب مكانتها في حياة الفرد والجماعة على حد سواء، ولأنها من الغايات التي يطمح إليها كل إنسان.

     فالإنسان بإعتباره كائن إجتماعي، ويولد بخلفية وراثية معينة، وينشأ في إطار بيئة طبيعية عليه أن يجد في كل لحظة من لحظات الحياة نوع من التوازن بين إمكانياته الداخلية وبين متطلبات العالم الخارجي ليحقق أعلى درجة من درجات الصحة النفسية وراحة البال ،  معتمدا في ذلك على ما يمتلكه من معرفة وأدوات علمية تجعله قادرا على حل مشكلات الحياة اليومية ، من بينها تلك المتعلقة بالصحة النفسية، ولفهم حقيقة هذا المصطلح قمنا بصياغة التساؤلات الآتية:

- ما هو الفرق بين الصحة النفسية والصحة العقلية؟ ولماذا نجد في بعض المراجع مصطلح النفسية على أساس أنه هو نفسه مصطلح الصحة العقلية، ولما هذا التداخل بينهما؟

- ماهي المصطلحات المرتبطة بمصطلح الصحة النفسية ؟

-  ماهي المعايير الفاصلة بين الصحة والمرض في مجال علم النفس؟

- ما هي مؤشرات السواء أو مظاهر الصحة النفسية السليمة ؟

1-  تعريف الصحة النفسية:

      ليس من السهولة وضع تعريف محدد للصحة النفسية لأن ذلك يتطلب تحديد ماهية النفس، فالصحة النفسية تكوين فرضي يمكن التعرف عليه من خلال بعض الظواهر الإنسانية التي تخص سلوك الإنسان وشخصيته.

 ولقد تعددت وتنوعت تعريفات العلماء والباحثين للصحة النفسية، فما من نظرية أو مذهب أو مدرسة في علم النفس إلا وافترض تعريفاً للصحة النفسية، وفيما يلي سنتناول تعريف الصحة النفسية بالنظر إلى الهدف الذي يسعى إليه الفرد، وتنقسم بذلك هذه التعريفات إلى  خمسة فئات(05)، والمخطط الآتي يوضح ذلك:

شكل رقم(1): يوضح تصنيف الصحة النفسية إلى خمس فئات(05)

  01.png

( من إعداد الباحثة)

1-1تعريف الصحة النفسية على أنها حالة من التوافق النفسي:

* تعريف "القوصي" :

"يرى أن مفهوم الصحة النفسية يعبر عن التوافق (Adjustment) أو التكامل (Integration) بين الوظائف النفسية المختلفة مع القدرة على مواجهة الأزمات النفسية التي تطرأ عادة على الإنسان ، مع الإحساس الايجابي بالسعادة والكفاية" (1)

فالفرد حسب هذا التعريف لا يعاني من أي مرض نفسي، ولكنه دائما في حالة تأهب واستعداد لمواجهة صراعاته النفسية، وبسبب قدرته على حل مشاكله  بثبات وعزم نتيجة تنوع ميكانيزماته الدفاعية وفعاليتها فإنه يشعر بالسعادة، كما يشير هذا التعريف أن مصطلح التوافق مرادف لمصطلح الصحة النفسية، وهذا غير صحيح لأن التوافق بنوعيه " الشخصي والإجتماعي" من مؤشرات الصحة النفسية وليس مرادفا لها.

* صموائيل مغاريوس"1974:

" إن مفهوم الصحة النفسية يتمثل في مدى أو درجة التوافق الداخلي بين دوافع الفرد  ونوازعه المختلفة، وفي التوافق الخارجي في علاقته ببيئته المحيطة، بما فيها من موضوعات وأفراد"( 2)

لقد أشار هذا التعريف إلى أنواع التوافق، بحيث أن هناك توافق داخلي يعكس وجود صراعات داخلية  تتعلق  بالنزوات والرغبات، التي تُنغص على الفرد حياته، وهناك  أيضا توافق خارجي يكون بين الفرد والعالم الخارجي،  وكلا التوافقين يساعد على تمتع الفرد بصحة نفسية.

1-2تعريف الصحة النفسية على أنها خلو من المرض:

* يعرف مصطفى فهمي ( 1976) الصحة النفسية:

"الخلو أو البرء من أعراض المرض العقلي" (3)

ما نلاحظه  أن هناك خلط بين الصحة العقلية والصحة النفسية حسب هذا التعريف، فهما مصطلحان مختلفان عن بعضهما البعض ،كما أن خلو الفرد من المرض لا يعني أنه صحيح نفسيا ، فهناك بعض الأمراض النفسية خاصة الحالات العصابية، يكون فيها المريض مستنفر داخلياً ولا سوي،  ولكنه خارجياً يبدو متماسك ومنسجم، لذلك لا نستطيع أن نلاحظ معاناته أو صراعاته،  وبعض الأفراد من خلال مظهرهم يبدون كما لو كانوا مرضى، ولكن في الحقيقة عكس ذلك.

1-3  تعريف الصحة النفسية على أنها حالة توازن:

وضح الدكتور محمد عثمان نجاتي - أستاذ علم النفس المعاصر- التوازن النفسي كما جاء في القرآن الكريم، بحيث خلق الله الإنسان من جسم وروح، وأودع في كل منهما حاجاته التي تحفظه وتحميه وتنميه، ودعا الإنسان إلى تحقيق التوازن بين حاجاتهما، ووهبه العقل ليميز بين الخير والشر.

-  وفي هذا الصدد اتفق كل من الدكتور نجاتي، الإمام الغزالي، وابن قيم الجوزية:

"في أن الفرد السوي المتمتع بالصحة النفسية، صاحب قلب سليم، قادر على تحقيق التوازن بين مطالب الجسم، والروح، وقادر على إشباع حاجاته باعتدال في حدود ما أمر الله، أما الفرد غير سوي ، فهو مخذول القلب، أو قاسي القلب، يقهر حاجات روحه، باتباع الهوى، ويقهر حاجات جسمه بالرهبانية(4)

تناول هذا التعريف بعض مظاهر الصحة النفسية وحصرها في التوازن الحاصل بين الجسم والروح، لكنه إستعمل مصطلح "الروح" بدلا من مصطلح" النفس"، وكما نعلم أن هناك فرق بينهما، بحيث كلمة الروح تشير إلى علاقة الفرد بخالقه، وتمثل الجانب العقائدي والروحي للإنسان، بينما مصطلح النفس فمرتبط بالأجهزة النفسية لشخصية الفرد، والمتمثلة في: " الأنا ، الانا الأعلى، والهو" .

* تعريف أودرس وآخرون 1992:

"الصحة النفسية عبارة عن حالة توازن بين الموارد الفيزيزلوجية والنفسية والاجتماعية، وآليات الحماية والدفاع للعضوية من جهة، وبين التأثيرات الكامنة المسببة للمرض للمحيط الفيزيائي والبيولوجي والاجتماعي من جهة أخرى"(5)

هذا التعريف يركز على عناصر الحماية في الشخصية، لأن فقدان التوازن الفيزيولوجي يؤدي إلى إصابة الفرد بأمراض سوء التكيف، التي تتمثل في الأمراض البسيكوسوماتية، بسبب فقدان الأعضاء الحيوية القوى اللازمة للصمود.

1-4تعريف الصحة النفسية على أنها الشعور بتحقيق الذات:

* تعريف " كنيث آبلkenneth apple  ":

"إن الفرد المتمتع بصحة نفسية قادر على مواجهة الصعوبات، واتخاذ القرارات، وتحمل مسؤولية نفسه نحو ذاته ونحو الآخرين، ويعتمد على نفسه، ويثق فيها، ويلجأ إلى الناس عند الضرورة، ويساهم في تنمية مجتمعه، ويستمتع بوجوده مع الناس، ويشعر بحبه لهم، وبحبهم له".(6).

هذا التعريف يتناول بعض مؤشرات الصحة النفسية والمتمثلة في: القدرة على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية ، والثقة بالنفس، ولكنه يركز بشكل كبير على علاقة الفرد بالآخرين، وكأنها المظهر الوحيد  من مظاهر الصحة النفسية.

1-5 تعريف الصحة النفسية على أنها الشعور بالسعادة:

و لقد قرر" ماكدوجالmc- dogall، ما قرره العلماء المسلمون من قبله، " أن الفرد السعيد هو فرد متكامل الشخصية، قوي الإرادة، ناضج العقل، يوجه كل طاقاته، ونشاطاته، نحو مبدأ يؤمن به، ويجد سعادته في إسعاد الناس جميعا"(7)

ربط هذا التعريف الشعور بالسعادة بعملية الإدراك التي تستند إلى النضج العقلي، فالإنسان الناضج قادر على تحليل الأمور وحل المشاكل التي تواجهه بعقلانية فيستطيع بذلك إسعاد نفسه وإسعاد من حوله،  والشعور بالسعادة مظهر من مظاهر الصحة النفسية التي نستدل عليها من تقرير الفرد عن نفسه، واعترافه بسعادته، أو في تعبيرات الفرح والسرور التي يلحظها عليه الآخرين، أو فيهما معا.

* تعريف أحمد عبد الخالق(1991):

" حالة عقلية انفعالية مركبة دائمة نسبيا، من الشعور بأن كل شيء على ما يرام، والشعور بالسعادة مع الذات والآخرين، والشعور بالرضا والطمأنينة، والأمن وسلامة العقل، والإقبال على الحياة، مع الشعور بالنشاط والقوة ، وتتحقق في هذه الحالة درجة مرتفعة نسبيا من التوافق النفسي والاجتماعي، مع علاقات اجتماعية راضية ومُرضية " (8)

    حسب هذا التعريف  أن السعادة هي حالة يسعى إليها الفرد ولا تأتي من تلقاء نفسها ، وتكون نتيجة بذل جهد عقلي ونفسي على حد سواء، وهي دليل على التوافق النفسي والإجتماعي الجيد، اللذان يعدان من مظاهر الشخصية السوية.

نستنتج مما كتبه علماء النفس من تعريفات حول الصحة النفسية، أنهم اتفقوا على أنها حالة نفسية تتضمن شعور الفرد بالطمأنينة، والرضا، والارتياح، بمعنى غياب الأعراض السلبية، كما تتضمن الشروط اللازم توافرها حتى يتكيف الفرد مع نفسه ومع الآخرين، ومع البيئة بشكل عام تكيفا يحقق السعادة له ولأفراد مجتمعه.

2- الصحة النفسية وبعض المصطلحات المرتبطة بها:

ارتأينا أن نتناول بعض المصطلحات الموجودة في الطب النفسي، والسيكولوجي على حد سواء، والتي تعتبر مرتبطة بوجود مصطلح الصحة النفسية ، لكن في الحقيقة تختلف عنه، وهذا ما سنلاحظه.

2-1الصحة النفسية والصحة العقلية:

يُطلق الكثير من العلماء والباحثين، كلمة "الصحة العقلية" قاصدين بها "الصحة النفسية"، ولقد سادت كلمة "العقلية" mental، نظرا لأن الاهتمام بالمرضى النفسيين بدأ على يد أطباء الأعصاب في كل من: فرنسا، انجلترا، ألمانيا، النمسا...إلخ، كما كان المخ عندهم هو مركز الاهتمام، وفسروا السلوك الشاذ في إطار إختلال الوظائف العقلية، وكان من أسباب الكتابات الأولى لمصطلح "الأمراض العقلية"، أن فصام المراهقة أو أمراض الذهان الناتجة عن تلف أنسجة المخ كانت أولى الأمراض التي تناولها الأطباء، وساعدت على تأكيد هذا المصطلح (9)

و يرتبط المرض العقلي بعدة عوامل تتدخل في بناء الشخصية ، بالإضافة إلى عوامل خارجية تتمثل أساسا في المحيط الذي يعيش فيه الفرد ، لذا نجد صعوبة في تحديد  مفهومه. (10)

والمرض العقلي هو اضطراب يصيب الجهاز العصبي، ويسبب اضطرابا حادا في الوظائف النفسية المختلفة، كالإدراك، الذاكرة، الانفعال، والشعور بالهلاوس السمعية والبصرية، السمعية، الحسية، والشمية، مع العجز عن القيام بنشاط فعال ، فهناك أمراض ذات منشأ عضوي، كالصرع، ذهان الشيخوخة، أمراض الغدد الصماء، ذهان الحمل والولادة، وهناك أمراض ذات منشأ غير عضوي (11) ،وهي كثيرة ومتنوعة منها:البارانويا، الهوس الإكتئابي، الفصام (12)

ما يمكن أن نستنتجه أن المرض العقلي أخطر على الفرد  وعلى المجتمع من المرض النفسي، والصحة العقلية تهتم بالحالات الذهانية ذات المنشأ العضوي والنفسي، وبعض الحالات العصابية" كالقلق العصابي، والاكتئاب العصابي ، وكذا عصاب الوسواس القهري"، والمساعدة التي يقدمها الطبيب المختص في مجال الصحة العقلية للمريض تتمثل في العلاج بالأدوية للقضاء على المرض والعرض، أما الصحة النفسية ومن خلال المعالج النفسي فتهتم بالحالات الذهانية ذات المنشأ النفسي أكثر من اهتمامها بالحالات الذهانية ذات المنشأ العضوي ، كما تهتم بالحالات العصابية والأفراد الأسوياء الذين يعانون من بعض المشاكل أيضا، وتتم مساعدته لهم باستخدام تقنيات خاصة بالفحص العيادي، تتمثل في الملاحظة،  المقابلة الإكلينيكية، والإختبارات الموضوعية والإسقاطية..إلخ، دون اللجوء للأدوية " لأن إعطاء الأدوية ليس من إختصاص الأخصائي النفساني".

2-2الصحة النفسية والتكيف:

يحمل كل فرد حاجات متعددة، ويعمل باستمرار على إشباعها، ولو تم إشباعها كلها بطريقة سهلة لما كان هناك داع لعملية التكيف، إن هذه الحاجات والدوافع في الواقع دينامية وحركية، إذ أنها تحرك السلوك باستمرار ومن الصعب للفرد إشباعها، وقد يعترضه في ذلك عقبات بعضها داخلي، وبعضها الآخر خارجي، وإذا استطاع الفرد إشباع حاجته فإن حالة التوتر تنتفي عنده ويشعر بالرضا والطمأنينة، وإذا فشل فإنه يبذل محاولات أخرى وأساليب أخرى مثل: الإنسحاب والتبرير أو إتباع أي أسلوب غير سوي "مرضي"، وفي هذه الحالة يكون التكيف السيء دليل اعتلال الصحة النفسية. (13)

   ويشير التكيف النفسي الناجح بذلك إلى تلك العملية المتواصلة التي يسعى بها الفرد إحداث تغيير في حياته، من أجل إحداث علاقة إيجابية بينه البيئة المحيطة به ، فيتمكن بذلك من  خفض التوتر الذي يزعجه.

فعلى الفرد مواجهة العقبات التي تعترضه بأساليب مناسبة من أجل استمرار التوازن النفسي لديه، والمحافظة على مستوى من التكيف الايجابي، فالصحة النفسية هي تعبير عن التكيف، والتكيف مؤشر للصحة النفسية، فهما مفهومان متكاملان يشيران إلى المظاهر نفسها، لأن الفرد حين يمتلك شخصية متكيفة فهو على قدر كبير من الصحة النفسية(14)

في الحقيقة إن التكيف من أهم المؤشرات الدالة على الصحة النفسية وليس تعبيرا أو مرادفا لها، فمصطلح الصحة النفسية أشمل وأوسع كذلك أن يكون التكيف سليما يجب أن يكون إيجابيا وتتبعه شروط ، ومثال على ذلك: أن ينتقل فرد إلى بلد أجنبي، يمكن له أن يتكيف مع الوضع الجديد ويحصل على عمل جديد يُلبي به مختلف حاجياته، لكنه لا يشعر أنه في حالة نفسية جيدة، بسبب المتغيرات لجديدة التي لم يألفها بعد، فهذا التكيف لا يصحبه الشعور بالرضا والسعادة كشرط من شروط نجاح التكيف، وفي هذه الحالة  التكيف ليس مظهر من مظاهر التمتع بالصحة النفسية، لأنه لا يُعد تكيفا إيجابيا .

2-3الشذوذ وسوء التكيف:

تشير عبارة سوء التكيف إلى التركيز على التفاعل بين الفرد ومحيطه، وأثر كل منهما على الآخر، أما إذا كان التركيز على الانحراف، وأخطاره والنظر إليه بوصفه مرضا نفسيا ، فالميل هنا أكثر نحو استعمال كلمة شذوذ (15)، والجدول الآتي يبين أوجه الإختلاف بين سوء التكيف والشذوذ. (16)

جدول رقم ( 1) : يبين أوجه الإختلاف بين سوء التكيف والشذوذ.

سوء التكيف

الشذوذ

يشمل الإضطراب النفسي ما كان منه ضعيف الشدة، أو خفيف.

يغلب استعمال الكلمة عل الاضطرابات النفسية الشديدة فقط.

يستخدم هذا المصطلح للدلالة على الاضطراب الناشئ عن مواقف الحياة اليومية والإجتماعية.

يستخدم هذا المصطلح للدلالة على الإضطراب الذي تكون جذوره الفسيولوجية قوية وبالغة.

يشير إلى التركيز على التفاعل بين الفرد ومحيطه، وأثر كل منهما على الآخر.

يشير إلى التركيز على الإنحراف وأخطاره، والنظر إليه بوصفه مرضا نفسي.

 

المصدر: ( عطا الله فؤاد الخالدي، دلال سعد الدين العلمي، 2009، ص 105)

 

 

يمكن القول أن مصطلح سوء التكيف يدل على الاضطراب البسيط، بينما مصطلح الشذوذ فيدل على الاضطراب الشديد، لكن بالنظر إلى المعيار الإحصائي من وجهة نظرنا أن كل منهما يدل على الانحراف، والإختلاف بينهما يكمن في الدرجة، فسوء التكيف إضطراب بسيط يمس الصحة النفسية كضغوط الحياة اليومية، أو الإكتئاب الإستجابي، بينما الشذوذ فيمكن إدراجه ضمن الإختلالات التي تمس الصحة العقلية  كالفصام،  والبارانويا ، والهوس الإكتئابي، الذي يُفقد الفرد تواصله مع العالم الخارجي.  

 2- 4الصحة النفسية والتوافق:

يجمع معظم الباحثين على ضرورة التوحيد بين الصحة النفسية وحسن التوافق، حيث يرون أن دراسة الصحة النفسية ما هي إلا دراسة للتوافق، وأن حالات عدم التوافق ما هي إلا مؤشرا على اختلال الصحة النفسية، ويرى باحثون آخرون أن السلوك التوافقي ليس هو الصحة النفسية، بل أحد مظاهرها، فالصحة النفسية حالة أو مجموعة شروط والسلوك التوافقي دليل توافرها، على حين يرى آخرون أن الشخصية السوية مرادف لمصطلح الصحة النفسية، والحقيقة أن التداخل كبير بين هذه المصطلحات(17)

و التوافق النفسي هو الأسلوب أو مجموع العمليات النفسية التي تساعد الفرد في التغلب  على المتطلبات والضغوط المتعددة، فيصبح بذلك أكثر كفاءة في علاقته بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.(18)

و يقوم بهذه العمليات النفسية "الأنا" لتحقيق التوافق النفسي للفرد من خلال " الآليات الدفاعية" بإعتبارها إحدى أقسام جهاز المناعة النفسي، والتي تقوم بمواجهة أخطار العالم الخارجي من جهة، وصد هجمات العالم اللاشعوري من جهة أخرى ، اللذان يهددان التوازن والإستقرار النفسي للفرد، فيقوم " الأنا" بإعتباره الركن الواعي والعاقل في شخصية الفرد  بالتحايل على اللاشعور من خلال الميكانيزمات الدفاعية المتنوعة للتوفيق بين الصراعات المختلفة.

- كما يمكن تعريف التوافق:" بأنه العلاقة المُرضية للإنسان مع البيئة المحيطة به، ولهذا التوافق جناحان، هما : الملائمة أو التلاؤم والرضا، والصحة النفسية تشمل التلاؤم والرضا، مضاف إليهما " الفاعلية، والتفاعل ". ويطلق على هذه الحالة، مربع الصحة النفسية(19)، ويمكن توضيحه بالمخطط الآتي:

02.png
شكل رقم (2): يوضح عناصر التوافق

المصدر:  (مصطفى خليل الشرقاوي، د ت، ص 29، ص32)

من خلال الشكل السابق نلاحظ أن التلاؤم يرتبط بالبيئة المادية ومطالب الواقع بجميع جوانبها الاجتماعية، والثقافية، والبيولوجية، ولا يتحقق التوافق أو لا يكون كاملا إلا إذا صاحب هذا التلاؤم "رضا" الإنسان ، وإحساسه بالسعادة والتقبل النفسي لهذه البيئة المحيطة.

و الصحة النفسية  تشمل التوافق، الذي يتمثل في التلاؤم والرضا، بالإضافة إلى وجود عنصرين أساسيين هما: الفاعلية التي تعكس قوة "الأنا" من خلال الميكانيزمات الدفاعية التي يستخدمها الفرد، وكذلك التفاعل الذي يتمثل في علاقة الفرد بالعالم الخارجي، وبذلك فالصحة النفسية  عملية معقدة تتضمن عوامل جسمية ونفسية وإجتماعية.

- يري بعض الباحثين أن دراسة الصحة النفسية ما هي إلا دراسة للتوافق، وأن حالات عدم التوافق مؤشر لاختلال الصحة النفسية، في حين يرى البعض الآخر من الباحثين، أن السلوك التوافقي ليس هو الصحة النفسية بل أحد مظاهرها، فالصحة النفسية حالة أو مجموعة شروط، والسلوك التوافقي دليل توافرها، على حين يرى آخرون أن الشخصية السوية مرادف لمصطلح الصحة النفسية .(20)

 وفي رأينا أن التوافق النفسي مؤشر من مؤشرات الصحة النفسية، وليس مرادفا لها، والحقيقة أن التداخل كبير بين هذين المصطلحين.

  وبعد تناولنا لمصطلحي" التكيف، والتوافق" وعلاقتهما مع الصحة النفسية ، يمكن أن نستنتج، أن التكيف عملية ديناميكية مستمرة ، وهو نتيجة تفاعل ذاتي لشخصية الفرد مع البيئة المحيطة، والتوافق هو عملية ديناميكية مستمرة أيضا، يحاول بها الفرد عن طريق تغيير سلوكه أن يحقق التوافق بينه وبين نفسه من جهة، وبيننه وبين البيئة التي تشمل كل ما يحيط به من مؤثرات وإمكانيات للوصول إلى حالة من الاستقرار النفسي والبدني والتكيف الاجتماعي، ومصطلح التوافق بذلك أوسع  وأشمل من مصطلح التكيف، والصحة النفسية تشمل هذين المصطلحين، ويعتبر كل من "التكيف والتوافق" مظهر من مظاههرها.

2-5الصحة النفسية والصحة الجسمية:

الصحة الجسمية من العوامل التي تساعد على التكيف السوي، فباستطاعة الفرد الذي ينعم بصحة جسمية جيدة أن يواجه مطالب التكيف مع البيئة بنجاح ، إذ تقتضي عملية التكيف أن يتمتع الفرد بقدر مناسب من الصحة الجسمية، التي تمكن الفرد من بذل الجهد المناسب لمواجهة حالات التوتر والضغوط التي يتعرض لها، بينما يُضعف المرض قدرة الفرد في مواجهة الضغوط النفسية (21)  

نستنج مما سبق أن الصحة الجسمية وحدها غير كافية، فإذا كان الفرد يتمتع بصحة جسدية وفي نفس الوقت يعاني من إضطراب نفسي معين، فإنه لن يتمكن من مواجهة صعوبات الحياة بسهولة، لأن هناك حاجز نفسي يحول دون تحقيقه لما يواجهه من أزمات وأحداث حياتية، والعكس صحيح،  بحيث إذا كان يعاني الإنسان من خلل عضوي، فإن هذه الإصابة تعيق حياته، وتؤثر على صحته النفسية، بسبب شعوره بالنقص، على سبيل المثال : إذا  كان الفرد مصاب بإعاقة حركية ، فهذا العجز الجسدي يؤثر على صحته النفسية ، لأن النفس والجسم وحدة متكاملة.

3-  معايير السواء :

       أدرجنا معايير السواء كعنصر في هذه الورقة البحثية لإرتباطها بالصحة النفسية، لأن علم الصحة النفسية كما أشرنا سابقا يهتم بالأفراد الأسوياء وغير الأسوياء، كما أن نقص الصحة النفسية يعتمد على ما نسميه بالسلوك غير السوي، ووجودها وكمالها مرتبط بالسلوك السوي وبتناولنا لهذه المعايير نكون قد أشرنا إلى الأفراد غير الأسوياء أيضا،  بالإضافة إلى ذلك إن هذه المعايير ستساعدنا على وضع حد فاصل بين الصحة والمرض.   

      وعليه فالسلوك السوي هو السلوك العادي والمألوف، وبتعبير آخر، هو السلوك الذي يواجه الموقف بما يقتضيه في حدود ما يغلب على الناس، فإذا كان الموقف يدعو إلى الحزن واجهناه بالحزن، وحين يظهر أحدنا ضاحكا في موقف حزين، نستهجن سلوكه هذا ونعده شذوذا.(22)  

  ويستند  مصطلح السواء كظاهرة إلى عدة معايير، لكنها تختلف عند العلماء والباحثين، وذلك لإختلاف إتجاهاتهم  ومشاربهم، وفيما يلي سنتناول البعض منها:

3-1  المعيار المثالي:

      يتم النظر إلى الصحة النفسية من خلال هذا المعيار على أساس أنها هدف مثالي يسعى الجميع إلى تحقيقه، لكنه صعب المنال، فكل فرد يعمل على تحقيقه بشكل نسبي، فقد يقترب البعض منه إلى حد كبير، في حين قد يعجز البعض الآخر إلى الوصول إليه(23)

  فوفق هذا المعيار فإننا نطلق على الشخص بأنه سوي كلما اتفق سلوكه مع المثل الأعلى، ونطلق على الشخص بأنه شاذ كلما كان سلوكه غير متفق وبعيداً عن المثل الأعلى.

إلا أن أهم ما يؤخذ علي هذا المعيار أن الشيء المثالي أمر لا وجود له في الثقافة التي يعيش فيها الإنسان، ويعتبر هذا المعيار تطرفاً في تحديد السواء وأن كان هناك اتفاق جماعي، على أن ارتفاع مستوى الجمال وارتفاع مستوي الذكاء يعتبر مثالية، ومن الناحية العملية نجد أن الأخذ بهذا المعيار يحيل أفراد الثقافة – باستثناء قلة – إلى أفراد غير أسوياء.(24)

ويقصد بالسواء في هذا المعيار الكمال أو ما يقترب منه، وما يمكن قوله أن هذا المعيار بعيد جدا عن الواقع ، فالصحة المثالية مفهوم مجرد  نسعى إلى تحقيقه والوصول إليه، لكن لن نبلغه أبدا لأن الحياة مليئة بالمشاكل والصراعات،  التي تحول دون تحقيق هذا الهدف.

3-2المعيار الإحصائي:

يعتمد المعيار الإحصائي على درجة تكرار السلوك وشيوعه بين الناس، أو بين أفراد الجماعة الواحدة، فالسلوك الذي يصدر عن الأغلبية في إطار الجماعة سلوك سوي، أما السلوك الذي يصدر عن أقلية في إطار هذه الجماعة فهو غير سوي. (25)

يشير المعيار الإحصائي إلى استخدام تلك القاعدة الإحصائية المعروفة بالتوزيع الإعتدالي، الذي يقوم على التوزيع ذي الحدين فيأخذ التوزيع شكل المنحنى الجرسي.

هذا المنحنى طرفاه متناسقان حيث لو قسمناه عند المنتصف بخط رأسي فإننا نحصل على نصفين متكافئين غالبا، وعلى هذا المنحنى يقع حوالي 68٪ من عدد الأفراد في المستوى المتوسط من السمة التي نقيسها، في حين يتضمن طرفي المنحنى( الطرف الموجب والسالب) 16٪ من التوزيع في كل طرف من الطرفين.

و السواء هو المتوسط العام لمجموعة الخصائص والأفراد، في حين يشير الإنحراف على طرفي المنحنى إلى اللاسواء. (26)

أنظر الشكل الآتي:

03.png
شكل رقم (3): يبين توزيع الناس على منحنى التوزيع الاعتدالي:

المصدر: (مروان أبو حويج، عصام الصدفي، 2001، ص 87)

    هذا يعني أن انتشار السلوك عند غالبية الناس علامة على سواء الفرد ، وعدم انتشاره عند الغالبية علامة على انحرافه وشذوذه.

فإذا كان الفرد الذي يعاني من القلق يقع في نطاق المستوى الوسط، فإن قلقه عادي، أما الفرد الذي يزيد قلقه عن المعتاد فيعتبر شاذا، وكذا الفرد الذي لا يشعر بأي قلق حسب هذا المنحنى شاذ أيضا، لأنهما يعتبران من الفئة المتطرفة سواء كان تطرفا سلبيا أو إيجابيا(27)

ما يعاب على هذا المعيار أنه لا يميز بين الشذوذ السلبي والشذوذ الإيجابي، فالعبقرية والإبداع والموهبة، تعتبر شذوذا، إلا أنها أمور حميدة وإيجابية(28)

ومن المآخذ على هذا المعيار  أيضا أنه قد يصلح عند الحديث عن الناس العاديين من حيث الصفات الجسمية كالطول والوزن، بينما لا يصلح هذا المعيار في حالة القياس النفسي، لأن القياس النفسي يقوم على أسس معينة إن لم يتم مراعاتها يصبح الرقم الذي نخرج به رقماً مضللاً  ولا معنى له، كذلك الوسط على مستوى المنحنى أمر نسبي سواء بالنسبة للأفراد أو المجتمع، أو القائم بعملية إستخدام هذا المعيار، كذلك شخصية الفرد وتقديرها "كل دينامي" متفاعل لا يمكن تفتيتها إلى وحدات رقمية، ثم تجميعها بعد ذلك، كما لا يمكن حساب هذا التقدير كميا.

3-3المعيار الثقافي والاجتماعي:

لكل ثقافة نموذجها في السواء والصحة ، وفي اللاسواء والمرض ، والأمور قابلة للتحول، فما يعتبر في مجتمع ما في فترة ما سويا أو لا سويا قد يتحول إلى عكسه، كذلك لكل ثقافة نسبيتها، وبالتالي معاييرها في السواء واللاسواء، فالسواء إذا هو تركيب ثقافي يرتكز على التوافق الاجتماعي أو المعايير الاجتماعية، وهي معايير متغيرة طالما أن الثقافات تتباين، وأن نفس المجتمع متحول في اتجاه أو آخر تبعا لحركة التاريخ.(29)

فمثلا: تعدد الزوجات في بعض المجتمعات البدائية التي درستها عالمة الأنثربولوجيا "مارغريت ميد"، تمثل السمة الأساسية لهذا المجتمع،  بينما هذه الظاهرة لا تقبلها الكثير من المجتمعات، وتعتبرها سلوكا شاذا يعاقب عليه القانون، وترفضها بعض الأديان.(30)

حتى في الثقافة الواحدة نجد أن المعايير والقيم السائدة تتغير من وقت لآخر نتيجة لعوامل التغير والتطور فما كان يعتبر "شاذ اً" في يوم من الأيام بأحد الثقافات يعتبر اليوم "سواء" ، فعلى سبيل المثال : في المجتمع الجزائري خروج المرأة للعمل  والسفر لوحدها لم يكن مقبولا فيما مضى، لكن في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي أصبح عملها وسفرها سلوكاً مرغوباً فيه وسوي .

   يركز هذا المعيار على أهمية المعايير الإجتماعية والأخلاقية في المجتمع، ويرى أصحاب هذا المعيار أنه من الصعب تحديد مفهوم السواء بمعزل عن نظام القيم، ويستخدمون مفهوم السواء لوصف مدى اتفاق سلوك الفرد مع المعايير الأخلاقية السائدة في المجتمع، وكيف يكون هذا  السلوك مقبولا، ويتخذ هذا المعيار من مسايرة المعايير الاجتماعية أساسا للحكم على السلوك السوي وغير سوي، فالفرد السوي هو المتوافق اجتماعيا ولا يشذ عن معايير الجماعة ويلتزم بقيمها إلتزاما مطلقا، أما اللاسوي هو الفرد غير متوافق اجتماعيا.  (31)

 ويرى المعيار الإجتماعي أن  على الأفراد أن لا يتكيفوا مع البيئة التي يعيشون فيها فحسب، بل عليهم أن يعملوا في سبيل بناء وتدعيم القيم والأهداف والأنشطة الخاصة بالجماعة(32)

        لكن ما يعاب على هذا المعيار، أن المجتمع نفسه قد يمرض، وتنحط نوعية القيم التي يعتبرها أطر مرجعية، كما أن المجتمع لا يتشكل من بنية واحدة، بل يتنوع ويتباين طبقا لتباين ثقافات الأفراد واتجاهاتهم، وبالتالي نجد هذا المعيار نسبي، كما أن الحكم على شخص أنه متوافق نفسيا أو غير متوافق حسب المعيار الثقافي، لا يمكن الوصول إليه إلا بعد دراسة ثقافة الفرد وتحليلها إلى الثقافات الفرعية المختلفة وهذا الأمر  مستحيل واقعيا.

3-4المعيار السيكولوجي:

ويتحدد مفهوم الصحة النفسية في ضوء المعايير الإكلينيكية لتشخيص الأعراض المرضية، فالصحة النفسية تتحدد على أساس غياب الأعراض والخلو من مظاهر المرض (33)

و لا يكفي أن يخلو الفرد من الأعراض المرضية لكي نعتبره متوافقا، بل ينبغي أن تُوظف أهدافه وطاقاته توظيفا فعالا في مواقف الحياة المختلفة، ويحقق ذاته بشكل بناء.

  يعتمد هذا المعيار على أساليب فعالة تمكن الباحث قبل أن يصدر حكمه من أن يصل إلى حقيقة شخصية الإنسان الكامنة في خبراته الشعورية واللاشعورية أيضاً(34)

وفق هذا المعيار أن شخصية الفرد تتكون من جزئين هامين هما  : الشعور الذي يتمثل في الجزء الواعي،  واللاشعور الذي يتمثل في الجانب اللاواعي،  والمساحة الأكبر من شخصيتنا يُسيطر عليها اللاشعور الذي يُخفي مادة مكبوتة تتحكم بدورها في إنفعالاتنا وسلوكاتنا وردود أفعالنا ، كما يحتوى هذا الجزء على خبرات الطفولة الأولى التي تحدد نوع ونمط شخصيتنا فيما بعد.

ومن العوامل النفسية المهمة التي تؤثر على الصجة النفسية للفرد ما يحدث في فترة الطفولة المبكرة من خبرات أليمة، حيث تولد هذه الخبرات قدرا من الحساسية النفسية تمهد لظهور الإضطراب النفسي فيما بعد ، فالإحباط الذي يعاني منه أي فرد نتيجة لإدراكه وجود عائق ما يحول دون تحقيقه لرغاباته ومصالحه، وتكون الإستجابة له هي الشعور بخيبة الأمل والمحصلة النهائية في الغالب تكون حالة المرض ، هذا يعني فشل وسائل وحيل الدفاع النفسي التي لدى الفرد ضد المؤثرات التي تسبب الصراع النفسي، وعليه فحالة المرض ليست سوى إخفاق لهذه الأسلحة الدفاعية، فينهار التوازن النفسي، ويظهر الإضطراب نتيجة لهذا الخلل. (35)

فخبرات الطفولة المبكرة تولد حساسية نفسية لدى الفرد يكون لها دور كبير في هشاشة" الأنا" تُلاحقه حتى سن الرشد، ، فتُصبح بذلك شخصيته ضعيفة اتجاه مؤثرات الحياة.

بالإضافة إلى ما تم ذكره حول خبرات الطفولة الأليمة، فقد تفقد الآليات الدفاعية التي يتحايل بواسطتها "الأنا" على اللاشعور فعاليتها في تحقيق التوازن النفسي للفرد حين يُفرط هذا الأخير في إستخدامها ، فتصبح عملية لاشعورية تهدد نموه وقدرته على معرفة ذاته، كما أنها تؤدي إلى تعطيل علاقاته الإجتماعية بالآخرين، فقد يلجأ الفرد إلى الكبت حتى لا يشعر بالقلق، لكن قد تقوم هذه المادة المكبوتة " المتمثلة في القلق"  بإحداث مقاومة بسبب الإفراط في إستعمال هذه الآلية كلما تعرض إلى موقف مُزعج ، فيقوم " الأنا " ببذل طاقة نفسية جديدة يواجه بها  هذه القوى ، وشيئا فشيئا يضعف ويصبح غير قادر على التفاعل الشعوري مع البيئة، فتبدأ بوادر الإضطراب ومظاهر السلوك اللاسوي في الظهور.

3-5المعيار الطبيعي:

يرى بعض الباحثين أن إطلاق اسم "معيار السلوك الجنسي" على المعيار الطبيعي لتطابقه واتفاقه مع مضمون هذا المعيار، فمن خلال هذا المعيار يعتبر الشخص سوياً لقيامه بالدور المناسب لجنسه مثل أن يكون الولد الذكر مبادرا، والبنت الأنثى خاضعة، والقيام بالدور الجنسي الغيري Hétérosexualitéأسلوب سوي بالنسبة للحياة الجنسية لدى بني البشر، كما تعتبر في نفس الوقت الجنسية المثلية Homosexualitéأي ممارسة الجنس مع فرد من نفس النوع أمرا شاذ اً.(36)

  السواء من وجهة نظر المعتمدين على  هذا المعيار يكون في العمل وفق ما تقتضيه الطبيعة، أما الشذوذ فيكون عند الإنسان في العمل المناقض للطبيعة، أو انحراف بالغ في سلوك ما عن طريق طبيعته الأصلية(37)

و يركز أنصار هذا الاتجاه البيولوجي في دراسة الشخصية إهتماماتهم على مجالات متعددة من بينها ( الوراثة، والتكوين البيوكيميائي والغددي)

* الوراثة:

تمثل الوراثة كل العوامل الذاتية التي كانت موجودة لدى الفرد قبل ولادته أي منذ بداية حياته الرسمية، وتشير قوانين الوراثة إلى أن ما نرثه هو مجموعة الإمكانيات الوراثية الكامنة في البويضة الأنثوية، والحيوان المنوي تتحول بعد الإخصاب إلى خصائص وراثية تُخرج لنا مخلوقاً جديدا يحمل نفس الخصائص والصفات التي اتصف بها آباؤه وأسلافه(38).

وتؤثر الوراثة على النمو سلباً وإيجابياً، فمثلما نرث مستوى رفيعا من الذكاء، قد نرث استعداداً لاستقطاب بعض الأمراض، كما قد نرث بنية جسمية قوية أو ضعيفة أو بشرة بيضاء أو صفراء أي نأخذ مما هو موجود لدى آبائنا وأسلافنا من خصائص وسمات.

* التكوين البيوكيميائي والغددي للفرد:

إن التغيرات الكيميائية الحيوية والتوازن الهرموني يؤثر على وظائف الجملة العصبية والبدن، فأي إختلال في توازن "الأمينات"،  التي لها أنواع عديدة منها: الدوبامين، السيروتونين، النورابينفرين،  وهي عبارة عن نواقل عصبية لها وظيفة نقل المعلومات بين خلايا الجملة العصبية يؤدي إلى إضطراب في التوازن المزاجي، ولهذا تهدف الأدوية المضادة للإكتئاب إلى رفع مستوى النواقل العصبية المنخفضة مما يسهل عملية معالجة الإكتئاب.(39)

   أما الغدد فتعتبر المصانع الصغيرة التي تكرر المواد الغذائية وتستخرج منها العصارات والمركبات الكيميائية اللازمة لنمونا وبناء أجسامنا، وللهرمونات التي تفرزها الغدد أثر بالغ على النمو فالزيادة، أو النقصان في إفراز الغدد يؤدي إلى خلخلة النمو وتأخره أو انحرافه عن مساره الطبيعي، حيث أن إفراز الغدد يرتبط مباشرة بوظائف الجسم المختلفة بما يؤثر بطرق غير مباشرة على سلوك الفرد، ومثال ذلك تصبب العرق على الوجه عند الغضب بسبب زيادة كريات الدم الحمراء،  وكذلك ظهور اصفرار الوجه عند الخوف بسبب زيادة كريات الدم البيضاء  (40)

وبهذا يتلخص عمل الغدد في تكوين مركبات كيميائية خاصة يحتاج إليها الجسم وأعضاءه الأخرى، واضطراب الغدد يؤدي إلى اختلال التوازن الفسيولوجي للفرد ومن ثم توازنه الإنفعالي أيضا.

3- 6المعيار الطبي:

ويشير هذا المعيار إلى أن الصحة النفسية تعني الخلو من المرض النفسي أو العقلي، فظهور الأعراض العضوية أو الخلو منها علامة من علامات الصحة النفسية، ويمكن توضيح وجهة النظر الطبية في ثلاث نقاط:

* اعتلال الصحة النفسية قد يرجع إلى إصابة الجسم بالعدوى عن طريق المكروبات ، مما يؤدي إلى إعتلال السلوك  في بعض الأحيان كالإصابة بالحمى التي قد تؤدي إلى الهذيان.

* إصابة عضو من أعضاء الجسم بخلل أو ضعف يُوقف عمل جهاز مسؤول عن سلوك الفرد، يحدث ذلك في بعض الحالات الوراثية كالتخلف الذهني الراجع لأسباب وراثية.

* العوامل الخارجية كالحوادث والإصابات مثل: التسمم، حوادث المرور، ونقص بعض العناصر الغذائية ونقص الأكسيجين، والضغوط البيئية والصدمات النفسية .(41)

فهذه العوامل الخارجية تؤثر أيضا على الصحة النفسية للفرد ، ففي حالة ما إذا تعرض فرد  معين لحادث مرور، وكان من آثار هذا الحادث إصابة هذا الأخير بصدمة دماغية أو إعاقة حركية فإنه سيشعر بالعجز لأنه لن يتمكن من آداء أعماله ونشاطاته كما في السابق( أي قبل تعرضه للحادث) الأمر الذي يجعله يشعر بالإحباط والأسى، وقد يدخل في نوبة إكتئابية بسبب ذلك، فخلو المرض الجسدي وفق هذا المعيار يؤدي إلى خلو المرض النفسي، ومن ثم تمتعه بصحة نفسية سليمة.

وما يعاب على هذا المعيار أنه ينظر إلى الاضطرابات النفسية بنفس النظرة التي ينظر إليها للمرض العضوي، في حين نجد أن معظم الاضطرابات النفسية متعلقة بظروف حياتية لا علاقة لها بالجانب العضوي .

ما يمكن أن نقوله من خلال عرض هذه المعايير، إنه لا يوجد حد فاصل حاسم بين السواء والمرض ، فهما متداخلان، والآن سنتناول معيار يختلف عن المعايير الوضعية التي تناولناها لأنه معيار رباني ، لذا فصلناه عن بقية المعايير ، لكن أدرجناه ضمنها لأننا لايمكن أن نتجاهله، فقد وضعه الخالق لينير دربنا ويزيل كدر الحياة عنا." المعيار الديني"

3-7المعيار الديني أو الخلقي:

هذا المعيار يتم إكتسابه من القرآن والسنة، والآراء الدينية المفسرة لهما، ومن خلال التنشئة الأسرية، ومدى التزامها بالمبادئ والمعايير الدينية في حياة الأسرة وأفرادها في مرحلة الطفولة، وهو أول الأطر العامة للحكم على السلوك أو رفضه، أو القيام به، وعند قيام الفرد بأي سلوك، يتساءل هل حلال أم حرام، وهل هو مقبول خلقيا أم لا؟

قد تختلف مستويات الحكم الخلقي من فرد لآخر، ومن أسرة لأخرى، لكن المعيار الديني هو الفيصل والأساس في المعيار الخلقي لكل المجتمعات والأسر، ويصاحب ذلك مشاعر ذنب في مستويات متباينة بتباين شعور الفرد بالخطأ ودرجة هذا الخطأ، ومخالفته للمعايير الدينية والخلقية، وإذا كان هناك مشاعر ذنب تتناسب مع الخطأ الذي إرتكبه الفرد، فهو سوي، أما إذا كانت مشاعر الذنب وهمية لا ترتبط بارتكاب خطأ حقيقي، فهذا هو الإضطراب النفسي، أو انخفاض مستوى مشاعر الذنب، واللامبالاة بما يأتي من أخطاء، فهذه حالة تدرج في إطار اللاسواء.

  ويعتبر المعيار الديني والخلقي من أقوي معايير الحكم على سوا ء السلوك،  والإيمان بالقدر خيره وشره على سبيل المثال، يخفض من الخوف المستقبلي، والتوتر واليأس لدى الأفراد(42)

   والصحة النفسية وفقا لهذا المنظور وحسب وجهة نظرنا أنها غاية وهدف المنهج الإسلامي، وهي تشمل السعادة في الدنيا والآخرة، ولا شك أن الإيمان بالله ربا والإسلام دينا ومحمد  نبيا ورسولا ، تقوم بدور فعال في تحقيق الصحة النفسية للشخصية المسلمة، بل تعتبر عاملا أساسيا يؤثر في جميع وظائف الإنسان النفسية والبدنية، وتمده بطاقة روحية هائلة .

ومن المعروف أن الأحكام الخلقية منبثقة من الشرائع الدينية، وأحكامها، وما يلاحظ أيضا أن المعايير السالفة الذكر لا تتعارض مع المعيار الديني، بل هو الأساس الذي نقيس عليه بقية المعايير الأخرى، التي تعتبر قاصرة عن تحديد معنى السواء والشذوذ بشكل قاطع ومقنع، لأنه من الصعوبة تحديد فواصل قاطعة بين درجات الأحوال النفسية، نظرا لطبيعة التداخل بين هذه الأحوال.

 بعد تناولنا لمعايير السواء، سنتناول الآن مؤشرات السواء، بمعنى ما هي مميزات الشخصية السوية ؟

4-مؤشرات الشخصية السوية:

لكي يصل السلوك إلى مستوى السوية لا بد أن تتوفر فيه شروط معينة، ولقد وضع بعض الباحثين عدداً من الصفات اعتبروها محددة للسلوك السوي، تتمثل ما يلي:

4-1الفاعلية:

الشخص السوي يصدر عنه سلوك فعال، سلوك موجه نحو حل المشكلات، والتغلب على الضغوط عن طريق المواجهة المباشرة لمصدر هذه المشكلات والضغوط. (43)

   حسب هذا التعريف يمكن القول أن السلوك الفعال هو سلوك صادر عن شخص سوي، قادر على إستخدام إسراتيجيات لخفض الموارد الفيزيولوجية التي تهدد توازن العضوية بسبب مواقف الحياة الضاغطة، كإرتفاع ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب..إلخ.

4-2الكفاءة

الشخص السوي يستخدم طاقاته من غير تبديد لجهوده، وهو من الواقعية بدرجة تمكنه من أن يعرف المحاولات غير الفعالة،  والأهداف التي لا يمكن بلوغها، وهو في هذه الأحوال يتقبل الإحباط وضياع الأهداف ويعيد توجيه طاقاته.(44)

نستطيع القول أن مؤشر الكفاءة دليل على واقعية الفرد ، فيدرك جيدا ما يملكه من إمكانيات وما يتطلبه الهدف الذي يريد بلوغه، فهو شخص لا يُضيع وقته، ولا ينتظر حصول المعجزات، كما ينظر إلى الأمور نظرة موضوعية.

4-3 المرونة:

الشخص السوي قادر على التكيف والتوافق، فظروف الحياة دائمة التغير لذلك يضطر الإنسان إلى أن يعدل استجاباته كلما تغيرت ظروف البيئة التي يعيشفيها، فالمرونة تعد من أول مستلزمات الإنسان لكي يحيا حياة متوافقة سوية والعكسصحيح، أي أن التصلب مدعاة لحدوث الاضطراب والتوتر وسوء التوافق .(45)

فالأفراد غير الأسوياء يفتقدون لهذه الخاصية بحيث ينظرون إلى الظروف البيئية المتغيرة التي تُحيط بهم على أنها تهديد ، ويرفضون التجديد في حياتهم، وهذا دليل على سوء التكيف الذي يعتبر من علل الصحة النفسية، لأن الأشخاص الأسوياء  يتكيفون بسهولة مع مستجدات الحياة سلبية كانت أو إيجابية.

4-4-نظرة الفرد لذاته:

وتتمثل هذه النظرة في ثلاثة أبعاد وهي: فهم الذات، تقبل الذات، وتطوير الذات، وفهم الذات يعنى أن يعرف المرء نقاط القوة والضعف لديه، أما البعد الثاني: وهو تقبل الذات بمعنى أن يتقبل الفرد ذاته بإيجابياتها وسلبياتها، أما فيما يخص البعد الثالث فعلى الفرد أن يحاول تحسين ذاته وتطويرها، ويتم ذلك بتأكيد جوانب القوة، ويقضي على النقائض ويتخلص من عيوبه أو التقليل منها على الأقل،  وفي المقابل يمكن أن نقول أن السلوك غير سوي يتضمن عدم فهم الذات، أو عدم تقبلها أو عدم الرغبة في تحسينها(46)

       وهذه الأبعاد الثلاث تُعزز من قوة "الأنا"، من خلال قيام  الفرد بحصر نقاط القوة والضعف في شخصيته،  ومن ثم تحديد جوانب القصور التي تعيق تكيفه فيقوم بتقويتها وتطويرها من خلال عملية التعليم والتدريب.

4- 5القدرة على التواصل الاجتماعي

تقوم حياة الإنسان على التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، والشخص المتوافق اجتماعياً يشارك في ذلك إلى أقصى حد،  وتتميز علاقاته الاجتماعية بالعمق والاقتراب والاستقلال في الوقت ذاته. (47)

إن القدرة على التواصل الإجتماعي تعكس لنا جانبا سيكولوجيا مهما في شخصية الفرد والمتمثل في " الذكاء الإجتماعي" ، الذي يُمكنه من إستخدام مهارات وآليات إجتماعية  يستخدمها في تعامله مع الآخرين بحنكة وذكاء، فيكسب  ثقتهم وإحترامهم له .

4- 6الإحساس الواضح بالهوية:

   يتسم الشخص السوي بوضوح رؤيته عن نفسه، وبإحساسه الواعي بهويته، حيث يرى"جولد شتين" أن الإنسان تحركه من الداخل قوى أصيلة لكي ينطلق في الحياة ، ولكي يوظف إمكاناته، وطاقاته وفقا لأحسن مستوى تؤهله له، ولكي يحقق وجوده على الرغم مما تواجهه من معوقات، ومن ثم فإن  توجه الإنسان السوي في الحياة ينطلق من سعيه الأكيد لأن يشعر بنفسه(48)

فالإحساس بالهوية يشمل تلك الصفات الجوهرية الثابتة التي تمنح الفرد التفرد والخصوصية، ويساعده ذلك على تحمل المسؤولية، واتخاذ القرارات دون أن يتأثر بآراء الآخرين وردود أفعالهم اتجاه ما يقوم به من سلوكات، كما يمنحه الشعور بالإستقلالية فلا يكون شخصا تابعا.

4-7- الواقعية:

الواقعية تعني التعامل مع حقائق الواقع، فالفرد الذي يحدد أهدافه في الحياة وتطلعاته للمستقبل على أساس إمكاناته الفعلية يعتبر فرداً سوياً(49)

و هذا الأمر يشير إلى إدراك مناسب للحقيقة، لأن البعد عن الواقعية يؤدي إلى تقدير خاطئ للأمور، مما قد يسبب للفرد بعض المشاكل النفسية والاجتماعية، كما يتطلب فهم الواقع الاتزان في ردود الأفعال ، وفي تفسير ما يجري في العالم المحيط(50)

يجب على الفرد أن لا يبالغ في تقدير ذاته ، أو يقلل من قيمتها، كما عليه أن لا يبالغ في تقدير الأهداف أو يقلل من قيمتها، بمعنى يزن الأمور بميزان العقل حتى يستطيع تقدير الأمور بشكل صحيح .

4-8التناسب:

التناسب يعني عدم المبالغة خاصة في المجال الانفعالي، فالسوي يشعر بالسرور والزهو والأسى والحزن والدهشة وكل الانفعالات الأخرى، لكنه يعبر عنها بقدر مناسب للمثيرات التي أثارتها، ولذلك نقول أن هناك تناسباً بين السلوك السوي والموقف الذي يصدر فيه السلوك، أما السلوك غير السوي فيتضمن مبالغة في الانفعال تزيد عما يتطلبه الموقف.( 51)

فالتناسب هو الإبتعاد عن المبالغة في تقدير الأمور التي توقع الفرد في أخطاء التفكير، والتي أشار إليها " آرون بيك" وإعتبرها من العوامل السلبية التي تقود إلى اللاعقلانية ومنه إلى الإضطراب النفسي ، لذا يجب أن تكون الإستجابة متناسبة مع الحدث  المثير .

4- 9الراحة النفسية:

إن من أهم العوامل التي تحيل حياة الفرد إلى جحيم لا يطاق شعوره بالتعب، وعدم الراحة، والتأزم من الناحية النفسية في جانب من جوانب حياته، وتتمثل أمثلة عدم الراحة النفسية : حالات الاكتئاب، أو القلق الشديد، أو مشاعر الذنب، وإذا راودت الفردهذهالحالات ، واستبدت به إلى جعلته يعيش حالة من الضيق والتأزم الشديدين.

و لكن ليس معنى الراحة النفسية، أن لا يصادف الفرد أي عقبات أو موانع تقف في طريق إشباع حاجاته المختلفة، وفي تحقيق أهدافه في الحياة، فكثيرا ما تصادف الفرد عقبات ومواقف مثبطة في حياته، لكن الشخص المتمتع بصحة نفسية جيدة ، يستطيع حل ما يعترضه من مواقف بطريقة ترضاها نفسه، ويقرها مجتمعه(52)

   وبناءا على ماتم ذكره فإن المريض نفسيا لا يشعر بالراحة النفسية، فإذا كان يعاني من عصاب القلق نجده يشعر بالتهديد والخوف دائما، وإذا كان يعاني من عصاب الوسواس القهري نجده  يعيش حالة الهلع والذعر من أفكاره وأفعاله اللامنطقية، التي إذا لاحظها الآخرون أو سمعوها فإنه سيكون غير سوي في نظرهم وهذا ما يخشاه، بالإضافة إلى ذلك العديد من الأمراض النفسية تُفقد الفرد المصاب الراحة النفسية والهدوء والطمأنينة ، لذلك تُعد الراحة النفسية من مؤشرات الصحة النفسية.

4-10 الإفادة من الخبرة:

يُعدل الفرد السوي من سلوكه دائماً بناء على الخبرات التي تمر به، فهو يغير ويعدل من سلوكه حسب ما تعلمه من المواقف السابقة خاصة المواقف ذات العلاقة والصلة بالموقف الذي يقف فيه،  أما الشخص الغير سوي فلا يبدو أن سلوكه يعتدل بناء على ما يقابله من مواقف لأنه في معظم الحالات لا يكون في وضع يسمح له باكتساب خبرة حقيقية في المواقف التي يمر بها، حيث لا ينتبه إلى جوانب هامة في الموقف ، حيث يكون منشغلا بذاته عما يحدث حوله، وقد تعود عدم الإفادة من الخبرة ، كما أن غير السوي أحيانا لا يدرك العلاقة بين ما سبق أن مر به وبين الموقف الراهن الذي يمر به(53)

والخبرة عامل مهم لتخطي صعوبات الحياة، ولكي لا يقع الفرد مجددا في نفس الخطأ يجب أن يستفيد من التجارب التي يمر بها ويستغلها أحسن إستغلال، وفي هذا السياق يقول رسول الله :"لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"، وفي معناه التحذير من تكرار الخطأ، والحث على التيقظ واستعمال الفطنة، فالفرد السوي يُحسن إستغلال ما تعلمه من مهارات وخبرات لأنه ينعم بالإستقرار الإنفعالي والتوازن النفسي، ويتصدى لما يعترضه من أزمات بقوة وحزم، بينما المعتل نفسيا فإنه لا يحسن إستغلال خبرته مما يجعله دائم الوقوع في دوامة المرض.

4-11الإستقلالية:

الإنسان السوي هو الذي يعي حدود حريته ويدرك مسئولياته،  ويقدر على تحملها دون تردد أو اعتماد على الآخرين، وهو ذلك الإنسان المدفوع من الداخل الذي رسم بنفسه الأهداف التي تتلاءم مع إمكانياته الواقعية، ويتحمل مسئولية تحقيقها وحده متقبلاً بشجاعة نتائج اختياره سواء أصاب النجاح أو صادفه الفشل، فلا يلجأ للتبرير وإنما يعاود النشاط بمثابرة كي يعوض ما فاته، فهو لا يعزل نفسه عن الآخرين بل يمكن أن يعتمد على الآخرين في سياق تبادل الأدوار الاجتماعية لإشباع بعض حاجاته، فالشخص السوي يستطيع أن يصبح عضواً فعلاً في الجماعة التي ينتمي إليها دون أن يفقد احترامه لذاته. (54)

وفي المقابل فالشخص غير سوي نجده شخصا تابعا، يخشى تحمل المسؤولية، وإذا حدث وإن إرتكب خطأً فإنه لا يعترف بذلك، ويسعى جاهدا إلى نسب ذلك الفعل إلى شخص آخر، وعليه فالإستقلالية علامة من علامات الصحة النفسية، والتبعية عرض من أعراض المرض النفسي.

4-12-التوافق:  ويضم جانبين:

* التوافق الاجتماعي:

ويقصد به حسن التكيف مع الآخرين في المجالات الاجتماعية التي تقوم على العلاقات بين الأفراد، وأهمها الأسرة، والحياة المهنية، ويتضمن نجاح الفرد على إقامة علاقات اجتماعية راضية ومرضية.( 55)

-  وتعتبر العلاقات الاجتماعية بما تقدمه من دعم اجتماعي، مصدر من مصادر الصحة النفسية.

* التوافق الشخصي(الذاتي):

     وهو الرضا عن النفس، بأن يقبل الفرد ذاته كما هي بكل جوانبها، وأن يكون لديه مفهوم إيجابي عنها، والأسرة لها دور كبير في تكوين هذا المفهوم الإيجابي، من خلال الممارسات الو الدية داخل المحيط الأسري.

 ويرى "عبد الغفار"1976، أن إدراك الفرد بما زود به من إمكانيات، ورضاه عن نجاحه وإدراك أن الناس يختلفون فيما بينهم من حيث ما زودوا به من إمكانيات، سواء كانت عقلية، أو معرفية، أو انفعالية، من دلائل الصحة النفسية السليمة، لأن هذا الاختلاف لصالح البشرية.(56)

والتوافق النفسي  بنوعيه الإجتماعي والشخصي مظهر من مظاهر الصحة النفسية، يهدف إلى تحقيق الرضا عن النفس نتيجة شعور الفرد بالقدرة على تحقيق التكيف مع متطلباته ومع متطلبات العالم الخارجي، وفي المقابلينشأ سوء التوافق عندما تتعارض حاجات الفرد ورغباته مع البيئة التي يعيش فيها، مما يؤدي إلى حدوث صراع نفسي، وإحباطات، وأمراض نفسية.

4-13-الشعور بالسعادة: وينقسم إلى مايلي:

* الشعور بالسعادة مع النفس:

الشعور بالسعادة لما للفرد من ماض نظيف وحاضر سعيد، ومستقبل مشرق(57)،  ودلائل ذلك الراحة، الأمن، الثقة، احترام الذات، تقبل الذات، التسامح مع الذات، والطمأنينة(58)

و يأتي ذلك عن طريق الاستفادة من مسرات الحياة اليومية، وإشباع الدوافع اليومية، والحاجات النفسية الأساسية. (59)

* الشعور بالسعادة مع الآخرين:

ويظهر ذلك من خلال احترام الآخرين، إقامة علاقات اجتماعية، الانتماء للجماعة، التعاون مع الآخرين، تحمل المسئولية الاجتماعية، حب الآخرين والثقة بهم(60)

إن صحة الفرد النفسية، تبدو واضحة في مدى استمتاعه بالحياة، وبعمله، وبأسرته، وبأصدقائه، وشعوره بالطمأنينة، وبالسعادة، وبراحة البال، وبحب الناس ، وبحب القيم الأخلاقية السامية، ومع ذلك فقد نتعرض في كثير من الأحيان إلى لحظات قلق، أو إحباط.

لكن الفرد الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة ، يستطيع أن يواجه مثل هذه الأزمات، والشدائد، ويحاول حلها حلا سويا وسليما، والشعور بالسعادة لا يكتمل إلا باتباع ما أمر به الله سبحانه وتعالى، واجتناب ما نهى عنه.

والشعور بالسعادة  من وجهة نظرنا هو الرضا بما  منحنا المولى عز وجل من نعم ، والصبر على ما حرمنا منه، كما لا يجب أن نربط السعادة بالأمور المادية، وأن نستمتع بملذات الحياة في حدود ما أمرنا به المولى عز وجل.

4- 14- تحقيق الذات واستغلال القدرات:

إن فكرة الفرد عن ذاته هي النواة الرئيسية التي تقوم عليها شخصيته، كما أنها عامل أساسي في تكيفه الشخصي والاجتماعي، فالذات تتكون من مجموع إدراك الفرد لنفسه، وتقييمه لها، فهي إذن تتكون من خبرات إدراكية وانفعالية، تتمركز حول الفرد، باعتبار أنها مصدر للخبرة، وللسلوك، وللوظائف ودلائل تحقيق الذات تتمثل فيما يلي: فهم النفس، التقييم الواقعي للقدراتوالإمكانيات، تقبل نواحي القصور، احترام الفروق بين الأفراد، تنوع النشاطوشموله، تقبل الحقائق المتعلقة بالقدرات موضوعياً، تقدير الذات حق قدرها، وبذلالجهد في العمل والرضا عنه والكفاية والإنتاج. (61)

   وتحقيق الذات يكون بتعبير الفرد عن مشاعره ، وأفكاره وآرائه، والدفاع على حقوقه، ومواجهة من يستغلون طيبته لينتهكوا حقوقه، ويكون  ذلك بالتعبير على الرفض وقول كلمة " لا" بثبات وحزم.

4-15-القدرة على مواجهة مطالب الحياة:

    يتصف الفرد ذو التكيف الحسن بقدرة على مواجهة متاعب الحياة وأحداثها اليومية، كما يتصف بدرجة عالية من الصمود، ومواجهة عقلانية لمواقف الإحباط لا يطغى عليها الانفعال أو التخبط

 عندما يتعرض الإنسان السوي إلى مشكلة فإنه يفكر فيها ، ويحدد عناصرها ويضع الحلول التي يتصور أنها كفيلة بحلها، وهو في هذا يتجه مباشرة إلى قلب المشكلة ويواجهها مواجهة صريحة، وقد يعلن فشله إذا لم ينجح في حلها، أما الإنسان غير سوي فهو لا يتجه مباشرة إلى المشكلة ويعمد إلى الدوران حولها متهرباً  من اقتحامها مباشرة. (62)

 وهذه المواقف تعتبر وقفة اختبار للفرد في مدى تغلبه عليها، أو خضوعه لها، والدخول في دائرة الاضطرابات النفسية، وقد قال الله سبحانه تعالى في ذلك:" وليبلونكم بشيء من الخوف والجوع ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" البقرة: الآية 155. (63)

والقدرة على مواجهة مطالب الحياة تعتبر مهارة يتم تعلمها للتعامل مع مشكلات الحياة الواقعية، وتتضمن أن يقوم الفرد بتقسيم المشكلة إلى عناصر فرعية، ويجرب الحلول المفترضة الواحد تلوى الآخر، ليختار في الأخير الحل الذي يمكنه الخروج من المأزق بأقل الأضرار.

4-16-مدى نجاح الفرد في عمله ورضاه عنه:

إن العمل بالنسبة للأفراد مصدر من مصادر الأمن الاجتماعي، حيث يشعر الفرد بكيانه ووجوده داخل مجتمعه من خلال ما يقوم به من عمل، كما أن العمل يمثل مصدر من مصادر الأمن المعيشي من خلال ما يتقاضاه من المال مقابل ما يقوم به من مهام وظيفية ، كما أن العمل يعتبر مصدرا هاما في تحقيق الفرد لذاته.

إذ توجد علاقة واضحة بين الصحة النفسية، وما يتركه العمل من آثار، فلا شك أن الفشل والإحباط في العمل قد يؤدي إلى اضطراب الاتزان النفسي لدى بعض الأفراد، الذين يكونون أصلا طبيعيين راضين عن أنفسهم.(64)   

     كذلك يجب أن يتلاؤم العمل مع قدرات الفرد حتى يشعر بالرضا والسعادة ، فقد يكون العمل الذي يؤديه الفرد أعلى من مستوى قدراته، أو قد تكون قدراته واستعداداته أقل من الإمكانيات التي يتطلبها هذا العمل، وبطبيعة الحال هذان الوضعان المتناقضان يؤثران على توافقه مع بيئة العمل، وعلى صحته النفسية.

4-17-التحمس والإقبال على الحياة بوجه عام:

ويقصد بذلك مدى تحمس الفرد للحياة وتفاؤله بها، ولهذا فإن الاتجاه الإيجابي نحو الحياة، هو أحد الدعامات الهامة للشخصية المتمتعة بالصحة النفسية(65)

وقد ذكر "الشرقاوي"1983أن تقدير الحياة والشعور بالرضا للوجود فيها ، يعني أن يكون الفرد سعيدا بحياته ، ويرى أن لها قيمة، وفيها ما يستحق أن يكافح لأجله.(66)

   التفاؤل شعور يعطي للفرد الأمل في الحياة ويعطيه دافعاً قويأً من أجل محاربة الفشل والهزيمة، والإنسان الذي يتّسم بالتفاؤل ينجز أعماله بكل ثقة، وينظر إلى الحياة نظرة مشرقة، يعيش يومه بعمق طوله وعرضه، مستمتعا بكل مباهج الحياة المشروعة، ممتلئا بالتفاؤل والحيوية، وحب الحياة.

4-18  السلوك العادي

السلوك السوي العادي المعتدل المألوف الغالب على حياة غالبية الناس العاديين، والعمل على تحسين مستوى التوافق النفسي، والقدرة على التحكم في الذات وضبط النفس(67).

و السلوك العادي هو مرادف للسلوك السوي وقد أشرنا إليه سابقا.

4- 19 حسن الخلق

ودلائل الخلق الرفيع:  الأدب والالتزام، وطلب الحلال، واجتناب الحرام وبشاشة الوجه،  وبذل المعروف وكف الأذى وإرضاء الناس في السراء والضراء، ولين القول، وحب الخير للناس، والكرم، وحسن الجوار، وقول الخير، وبر الوالدين، والحياء والصلاح، والصدق والبر، والوقار والصبر، والشكر والرضا، والحلم والعفة، والشفقة(68)

و يُعنى بحسن الخلق أن يكون الفرد لينا في التعامل مع الآخرين  في جميع الجوانب الحياتية، وأن يكون بشوش الوجه، وأن يكون حكيما في قوله وفعله، رزين الكلمة، خفيف الظل، وأن يحرص على إدامة المحبة بين الناس،فالأخلاق الحميدة يحتاجها الفرد في حياته اليومية، ويحتاجها مع نفسه، فهي تهذيب للنفس البشرية، ويحتاجها مع الآخرين لأنها تكسبه احترام وتقدير الآخرين، وحبهم له.

4- 20الخلو النسبي من الأعراض:

فكلما قلت مظاهر الاضطراب النفسي دل ذلك على مدى الاستقرار النفسي للفرد ، وهذه أهم مظاهر الصحة النفسية، حيث من الممكن أن تساعدنا في الاستدلال على درجة الصحة النفسية، كما يمكن أن يستخدمها الفرد لتطوير شخصيته، وتعميق شعوره بحالة الصحة النفسية لديه والوقاية من أمراضها.(69)

   إن الخلو النسبي من الأعراض لا يكفي ليتمتع الفرد بصحة نفسية جيدة، بل يجب أن يكون قادرا على حل مشاكله وصراعاته، كما يجب أن يكون قادرا على العمل والإنجاز في جميع مجالات الحياة.

ويمكن تلخيص الأطر الأساسية لهذه االمؤشرات في ثلاثة محاور رئيسية، وهي علاقة الفرد بذاته وخصائصه الفردية، وعلاقته بالآخرين، ونظرته إليهم، وأسلوب حياته، ونظرته للمستقبل، وهدفه في الحياة،

 وتبدو مظاهر الصحة النفسية في علاقة الفرد بذاته وفي علاقته بالآخرين، وفي الأسلوب الذي يتبعه في تسيير  حياته،  ويمكن  إيضاح  هذه العلاقات من خلال الشكل الآتي: (70)

04.png
شكل رقم (4): يوضح مظاهر الصحة النفسية

المصدر:  (بطرس حافظ بطرس،2008، ص 41)  

 فنجاح الفرد في علاقتة بالآخرين ونجاحه في علاقته بذاته، بمعنى خلو هذه العلاقات من الصراعات والمشاحنات، دليل على اتخاذ هذا الفرد أسلوب حياة ناجح، يسهم بشكل كبير في تحقيق مستوى جيد من الصحة النفسية.

خاتمة:

      إن مشكلات الصحة النفسية من الظواهر المهمة التي تستحق الدراسة والبحث، وذلك نظرا لأثرها على تكيف الفرد وعلاقته بمجتمعه، وهي ليست بالأمر السيء أو الشاذ، لكن سوء التعامل معها، وشدتها هو الأمر غير صحي.

   وعلم الصحة النفسية يساهم بشكل كبير في معالجة هذه المشكلات من خلال التدخل وإصلاح وضع الفرد من خلال برامج وقائية وعلاجية يقدمها متخصصون في هذا المجال لديهم القدرة على إعادة التوازن النفسي للفرد، وصولا به إلى حالة إيجابية يكون فيها متوافقا مع ذاته ومع مجتمعه قادرا على أن يعيش حياة سعيدة مستغلا كل إمكانياته وطاقاته في حدودها الطبيعية، قادرا على توظيفها توظيفا سليما من أجل التمتع بصحة نفسية جيدة .

     وما تجدر الإشارة إليه من خلا هذه الورقة البحثية أن الصحة النفسيةليست حالة ثابتة إما أن تتحقق أو لا تتحقق، بل إنها حالة ديناميكية متحركة نشطة ونسبية، تتغير من فرد إلى آخر، ومن وقت إلى آخر لدى الفرد الواحد، وكذا من مجتمع لآخر، وأيضا في نفس المجتمع من حقبة زمنية إلى حقبة زمنية أخرى، فلا يوجد شخص كامل في صحته النفسية.

وعليه فالصحة النفسية تكوين فرضي لا يمكن ملاحظتها ملاحظة مباشرة، لكن يمكن الإستدلال على وجودها من خلال بعض الأدوات العلمية الموضوعية المتمثلة في الإختبارات والمقاييس النفسية .

- سهير كامل أحمد، الصحة النفسية والتوافق، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية،القاهرة، (1999) ص 26،  ص 14.

2- نبيه إبراهيم إسماعيل، عوامل الصحة النفسية السليمة، الطبعة الأولى، إيتراك للنشر والتوزيع، مصر، (2001)، ص 30.

3-عماد محمد محمد عطية،الصحة النفسية "المفهوم والأهمية والرؤى المستقبلية، الطبعة الأولى، الدار العالمية للنشر والتوزيع، الأردن،(2014) ص 16.
4- مروان أبو حويج، عصام الصفدي، المدخل إلى الصحة النفسية، الطبعة الأولى، دار المسيرة ، عمان، الأردن، (2001)،ص 54

5-السيد فهمي علي، علم نفس الصحة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية،(2009)، ص 25.

6- مروان أبو حويج، عصام الصفدي، مرجع سابق، ص 58.

7- مرجع سابق، ص 61.

8- حسن مصطفى عبد المعطي، المقاييس النفسية المقننة،الطبعة الأولى، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة،(2009)، ص 15.

9- مصطفى خليل الشرقاوي(د ت )،علم الصحة النفسية، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان ص 7، ص 8.

10- Sébastien bureau ,Julie-Anne Lalonde et all , santementale et psychopathologie,  group modulo  INC 5800rue saint Denis , bureau 1102Montréal (Québec)  canada,(2012) ,p3. p4.

11- رشيد حميد زغير، الصحة النفسية والمرض النفسي والعقلي، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن،(2010)،  ص 254.

12- نازك عبد الحليم قطيشات، أمل يوسف التل، قضايا في الصحة النفسية، الطبعة الأولى ، دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، عمان الأردن،(2009) ، ص79.

13- مرجع سابق، ، ص 43.

14- زياد بركات، الاتجاه نحو الالتزام الديني وعلاقته بالتكيف النفسي والاجتماعي لدى طلبة القدس المفتوحة، جامعة القدس المفتوحة، (2006)، ( غير منشورة)، ص11.

15- مرجع سابق، ص 92.

16- عطا الله فؤاد الخالدي، دلال سعد الدين العلمي(2009)، الصحة النفسية وعلاقتها بالتكيف والتوافق، الطبعة الأولى،  دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان،  (2009)، ص 105.

17- بطرس حافظ بطرس، التكيف والصحة النفسية للطفل، الطبعة الأولى، دار المسيرة، عمان، الأردن،(2008) ص 112.

18- سامي محسن الختاتنة، دليل المقاييس والاختبارات النفسية والتربوية،الطبعة الأولى، دار حامد للنشر والتوزيع، الأردن،(2013)، ص

19- مصطفى خليل الشرقاوي، مرجع سابق، ص 29، ص32.

20- أشرف محمد عبد الغني شريت، محمد السيد حلاوة، الصحة النفسية بين النظرية والتطبيق، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية،(2003)، ص125، ص 127.

21- موسى جبريل، نزيه حمدى، وآخرون،  التكيف ورعاية الصحة النفسية، الشركة العربية المتحدة للتسويق والتوريدات، مصر،(2009) ص 84.

22- ماجدة بهاء الدين السيد، الضغط النفسي ومشكلاته وأثره على الصحة النفسية، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، (2008)، ص 142.

23- رمضان محمد القذافي ، الصحة النفسية والتوافق، الطبعة الثالثة ، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية،(1998)، ص 51.

24-محمود السيد أبو النيل، الصحة النفسية،  جامعة عين الشمس، القاهرة، 2014، ص 36.

25- عطا الله فؤاد الخالدي، دلال سعد الدين العلمي، مرجع سابق ، ص 103.

26- أشرف محمد عبد الغني شريت، محمد السيد حلاوة، مرجع سابق ، ص 149.

27- مروان أبو حويج، عصام الصدفي، مرجع سابق ، ص 87.

28- ماجدة بهاء الدين السيد، مرجع سابق، ص 144.

29- مصطفى حجازي، الصحة النفسية منظور ديناميكي تكاملي للنمو في البيت والمدرسة، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان،2000، ص 65.

30-كامل محمد محمد عويضة،  الصحة في منظور علم النفس، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان،(1996)، ص 34.

31- أشرف محمد عبد الغني شريت، محمد السيد حلاوة، مرجع سابق، ص 150.

32- عطا الله فؤاد الخالدي، دلال سعد الدين العلمي، مرجع سابق، ص 103.

33- أحمد عزت راجح، أصول علم النفس، الطبعة السابعة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ، القاهرة، (1986)، ص486، ص 488.

34- أشرف محمد عبد الغني شريت، محمد السيد حلاوة، مرجع سابق، ص 154.

35- لطفي الشربيني، الإكتئاب" الأسباب... والمرض... والعلاج"، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 2001، ص 46.

36- محمود السيد أبو النيل، مرجع سابق، ص 37.

37- عبد الحميد محمد الشاذلي، التوافق النفسي للمسنين، المكتبة الجامعية، الإسكندرية، القاهرة،(2001)، ص28.

38-محمد عبد الله العابد أبو جعفر، علم النفس النمو، مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، ليبيا، 2014، ص22.

39-أسامةإسماعيل قولي، العلاج النفسي بين الطب والإيمان، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2006، ص216، ص 220.

40-محمد عبد الله العابد أبو جعفر، مرجع سايق ، ص 33.

41-آمال عبد السميع مليجي باظة، مرجع سابق، ص 26، ص 27.

42- رشاد علي عبد العزيز موسى، الصحة النفسية، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة،(2000)،ص 25.

43- أشرف محمد عبد الغني شريت، محمد السيد حلاوة، مرجع سابق، ص 145.

44-المرجع نفسه، ص 145.

45-المرجع نفسه، ص 145.

46- المرجع نفسه، ص 145.

47- رشاد علي عبد العزيز موسى، مرجع سابق، ص 32.

48- إعداد ابتسام أحمد أبو العمرين، مستوى الصحة النفسية للعاملين بمهنة التمريض بالمستشفيات الحكومية بمحافظات غزة وعلاقته بمستوى آدائهم، رسالة ماجستير في علم النفس بكلية التربية في الجامعة الإسلامية بغزة، 2008، (غير منشورة)، ص21.

49- موسى جبريل ، نزيه حمدي وآخرون، مرجع سابق، ص 59.

50- ابتسام أحمد أبو العمرين، مرجع سابق، ص21، ص23.

51-رشاد علي عبد العزيز موسى، مرجع سابق، ص 25.

52- أشرف محمد عبد الغني شريت، محمد السيد حلاوة، مرجع سابق، ص 147، ص 148.

53- ابتسام أحمد أبو العمرين، مرجع سابق، ص 23.

54- بطرس حافظ بطرس، مرجع سابق، ص 38.

55- رشاد علي عبد العزيز موسى، مرجع سابق، ص 14.

56- حامد عبد السلام زهران، الصحة النفسية والعلاج النفسي، الطبعة الثالثة، عالم الكتب، القاهرة، (1997)ص 11.

57- رشاد علي عبد العزيز موسى، مرجع سابق ، ص 16.

58- ابتسام أحمد أبو العمرين، مرجع سابق، ص21.

59- رشاد علي عبد العزيز موسى، مرجع سابق ، ص 17.

60-ابتسام أحمد أبو العمرين، مرجع سابق، ص21، ص 22.

61-موسى جبريل ، نزيه حمدي وآخرون، مرجع سابق ، ص 60.

62- أشرف محمد عبد الغني شريت، محمد السيد حلاوة، مرجع سابق ، ص 147.

63- مرجع نفسه ، ص 17.

64- سامية لطفي الأنصاري، أحلام حسن محمود، الصحة النفسية والمدرسية، مركز الأسكندرية للكتاب، الأزاريطة، مصر، (2007) ص 14، ص 15.

65- رشاد علي عبد العزيز موسى، مرجع سابق ، ص 23.

66- مروان عبد الله دياب، دور المساندة الاجتماعية كمتغير وسيط بين الأحداث الضاغطة والصحة النفسية للمراهقين الفلسطينيين ، رسالة مقدمة كمتطلبتكميلي لنیل درجة الماجستير في علم النفس، الجامعة الإسلامية بغزة ، (2006)،  غير منشورة، ص 43.

67- رشاد علي عبد العزيز موسى، مرجع سابق ، ص 24.

68- مروان عبد الله دیاب، مرجع سابق ، ص 43.

69-  بطرس حافظ بطرس، مرجع سابق، ص 41.

70- مرجع نفسه، ص 41.

@pour_citer_ce_document

ناجية دايلي, «معايير السواء ومؤشرات الصحة النفسية - دراسة نظرية تحليلية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp 174-192,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2018-06-26,
mis a jour le : 11/07/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=3033.