الهوية التنظيمية وآليات تفعيلها في المؤسسة Organizational Identity And Mechanisms Of Its Activation Inside The Enterprise
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°27 Vol 15- 2018

الهوية التنظيمية وآليات تفعيلها في المؤسسة

Organizational Identity And Mechanisms Of Its Activation Inside The Enterprise
pp 173-207

صونية براهمية
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يعتبر موضوع الهوية التنظيمية أحد أهم الموضوعات التي يجري العمل عليها في سوسيولوجيا التنظيمات، فالتحولات الثقافية والاجتماعية تضغط اليوم لأجل صياغة معايير ناظمة للتصرفات الفردية والجماعية في التنظيم؛ في نفس الوقت تقارب المؤسسات الحديثة علاقة جديدة مع العاملين تسمح لها بدمجهم في مشروعها المؤسسي وتحويل المنظمة إلى مجال إنساني وتنشيئي يمثل امتددا لثراء التجربة الإنسانية في المجتمع.

بناء على ذلك تستهدف هذه الورقة البحثية، تتبع التموضع الجديد لمفهوم الهوية التنظيمية في الأدبيات السوسيولوجية والتسيرية في إطار الإصلاحات التنظيمية المعاصرة، والوقوف على أهم الآليات التي يمكن أن تساهم في تفعيل الهوية التنظيمية في المؤسسة.   

الكلمات المفتاحية:الهوية التنظيمية، التنشئة التنظيمية، الثقافة التنظيمية، رسالة المؤسسة.

Le thème de l’identité organisationnelle est considéré comme l’un des sujets les plus opérationnels en sociologie des organisations. Les mutations culturelles et sociales font pression aujourd’hui pour la formation de normes de conduite individuelles et collectives au sein de l’organisation ; à la fois  les institutions modernes suscitent une relation nouvelle avec les employés et leur permet ainsi leur intégration au sein de son projet institutionnel en transformant l’organisation en un espace humain et constructif et permettant ainsi l’enrichissement de l’expérience humaine dans la société.A cet égard, la présente étude vise la poursuite de la nouvelle objectivation du concept d’identité organisationnelle dans la littérature sociologique et administrative dans le cadre des  réformes organisationnelles modernes et l’identification des principaux mécanismes  susceptibles de concourir à l’activation de l’identité organisationnelle au sein d’institution.

Mots-clés : Identité organisationnelle –la socialisation organisationnelle– Culture organisationnelle – Message d’entreprise.

The theme of organizational identity is considered one of the most operational subjects in sociology of organizations.Cultural, social and values ​​mutations are now pressing for the formation of individual and collective standards of conduct within the organization; At the same time, modern institutions create a new relationship with active subjects and thus enable them to be integrated into their institutional project by transforming the organization into a human and constructive space and thereby enriching the human experience in the society. In this regard, the present study aims to follow the new localization of the concept of organizational identity in the sociological and management literature under the modern organizational reforms and the identification of the main mechanisms likely to contribute to the activation of the organizational identity within Algerian institutions.

Keywords :The Organizational Identity, Organizational Upbringing, Organizational Cultural, Letter Institution. 

Quelques mots à propos de :  صونية براهمية

جامعة سطيف2

مقدمــــــــــة:

إن مفهوم الهوية التنظيمية يعد من المفاهيم الحديثة في حقل الدراسات السوسيولوجية، إذ لم يتناوله الباحثون بالدراسة بشكل ملحوظ إلا في التسعينات من القرن الماضي، ولكن يجب ألاّ نخلط بين دراسة الظاهرة (على مستوى المفهوم) وحقيقة وجودها (على مستوى الدلالة)، أي أن عدم تناول الظاهرة بالدراسة لا يعني أنها غير موجودة.

وتؤكد الأدبيات العلمية أنه على المؤسسة قبل أن تدرك ما يتوجب عليها القيام به وفق طبيعة نشاطها، يجب عليها أن تدرك من هي؟ ما ماهيتها وما هويتها؟ أي على المؤسسات أن تولي قدرا من الأهمية لتُكّون لنفسها هوية تنظيمية قوية تميزها عن غيرها، وتكون لها بمثابة الدعامة التسييرية.

إن تنامي الاهتمام بالهوية التنظيمية في الآونة الأخيرة يرجع لما لها من دور إيجابي بالنسبة للمؤسسة سواء على مستوى محيطها الداخلي أو الخارجي. أما دورها المتعلق بالمحيط الخارجي فيتمثل في إثبات التفرد والتميز عن باقي الهيئات والمؤسسات الأخرى، مما يكسب المؤسسة ميزة تنافسية، وأما الدور المتعلق بالمحيط الداخلي فهو لا يقل أهمية عن سابقه، حيث من خلالها يتم توحيد العاملين على اختلاف خصائصهم الديمغرافية (السن، الجنس، الأقدمية، ...الخ)، على تحقيق أهداف مشتركة، وبهذا تعتبر الهوية التنظيمية من أهم عوامل إدماج وتكيف العاملين. وانطلاقا من هذا الدور تكتسي الهوية التنظيمية أهمية بالغة تحتم على قيادة المؤسسة التركيز على مختلف الآليات التي من شأنها تفعيل الهوية التنظيمية والتي تسعى المؤسسة من خلالها لتحقيق الفعالية التنظيمية ضمن واقع مؤسساتي أقل ما يمكن أن نقول عنه أنه تنافسي. وهو ما دفعنا إلى إثارة تساؤل جوهري حول ما هي الآليات الكفيلة بتفعيل الهوية التنظيمية في المؤسسة الجزائرية؟ والذي سنحاول الإجابة عنه من خلال هذه الورقة البحثية.

أولا-مدخل مفاهيمي: لتحديد مفهوم الهوية التنظيمية ينبغي أن نتطرق أولا  لماهية الهوية الثقافية، لأن العلاقة بين المفهومين هي علاقة جزئ من كل، والهوية التنظيمية للمؤسسة هي امتداد للهوية الثقافية للمجتمع الذي تتواجد وتنشط فيه تلك المؤسسة.

1-مفهوم الهوية الثقافية: يعد مفهوم الهوية الثقافية من المفاهيم التي نالت في السنوات الأخيرة نصيبا وافرا من اهتمامات الدارسين والباحثين في حقل العلوم الاجتماعية عموما وحقل السوسيولوجيا خصوصا، "ويتميز مفهوم الهوية الثقافية بتعدد معانيه وانسيابيته، إنه ذو ظهور حديث في حقل العلوم الاجتماعية، وقد شهد تعريفات وإعادة تـأويلات عدة، كانت الولايات المتحدة هي التي شهدت خلال الخمسينيات من القرن الماضي مَفْهَمَة " الهوية الثقافية"، كان الأمر يتعلق حينها بالنسبة إلى فرق بحث في علم النفس الاجتماعي بالعثور على أداة مناسبة تمكن من الإحاطة بمسائل اندماج المهاجرين. وتحيل مسالة الهوية الثقافية إلى مسألة أكثر اتساعا هي مسألة الهوية الاجتماعية... إنها تعبر عن محصلة التفاعلات المتنوعة بين الفرد ومحيطه الاجتماعي، قريبا كان أو بعيدا.

    إن هوية الفرد الاجتماعي تتميز بمجموع انتماءاته في النسق الاجتماعي: الانتماء إلى صنف جنسي، صنف عمري، طبقة اجتماعية وإلى امة ... إلخ. الهوية تمكن الفرد من أن يحدد لذاته موضعا ضمن النسق الاجتماعي وأن يحدد الآخرون موضعه اجتماعيا. إن الهوية تبدو من هذا المنظور، ككيفية تصنيف للتمايز نحن - هم  قائمة على الاختلاف الثقافي".(1)

       ويرى ريجارد جنكز أن الهوية هي تصورنا حول من نحن ومن الآخرون، وكذلك تصور الآخرون حول أنفسهم وحول الآخرين. والهوية هي شيء قابل للنقاش وتأتي إثر التفاعل الإنساني. 2كما أن الفرد في محاولته لإثبات انتمائه إلى فئة أو جماعة اجتماعية معينة يسعى إلى تقوية هويته من خلال مقارنة مجموعته مع المجموعات الأخرى، حيث أثبتت الدراسات بأن المجموعاتالمختلفة إذا ما واجهت نفس المواقف تكون ردود أفعالهم مختلفة باختلاف هوياتهم ومرجعياتهم الثقافية. 3

وعلى هذا الأساس تعد الهوية بحد ذاتها آلية من آليات التمايز بين الأفراد والجماعات، كما تشكل مرجعية وخصوصية ثقافية تميز المجتمع الواحد عن باقي  المجتمعات الإنسانية.

       " فالهوية الثقافية تمثل الخصوصية التي تميز جماعة بشرية عن غيرها: كالعيش المشترك، العقيدة، اللغة، التاريخ، والمصير المشترك... إلخ. ومن هنا فإن الهوية الثقافية هي المحددات الأساسية لثقافة الأمة، والتي عبر عنها منتسكيو ب «روح الأمة"، لأنها تمثل رمز وحدتها واستمراريتها بحيث تتفاعل عناصر هذه الهوية ضمن هوية مركزية أو أرضية مرجعية تتحدد وفق المرجعين التاليين:

الثقافة:إن الثقافة هي التي تمكن الفرد من التكيف والتوافق مع الجماعات الاجتماعية وتحقيق ذاته في إطار الجماعة والمؤسسات المجتمعية.

الوطنية:تعبر الدولة الحديثة عما يسمى  الهوية الوطنية، كأرضية مرجعية تشمل كل السمات الثقافية للأمة، وتصبح بالتالي أحد الدلالات الأساسية المحددة لهوية شعب يعيش ضمن إقليم جغرافي محدد".  (4)

         وتعرف الهوية الثقافية أيضا بأنها "القدر الثابت والجوهري والمشترك من السمات والقسمات العامة التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات التي تجعل الشخصية الوطنية أو القومية طابعا تتميز به عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى". (5)  وحسب ما أثبَتته الدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية أن الهوية الثقافية هي الشعور بالانتماء إلى جماعة أو مجتمع له من الخصائص والمميزات الثقافية والاجتماعية التي تميزهم عن بقية الأفراد والمجتمعات، وبذلك يصبحوا منسجمين ومندمجين تحت تأثير تلك الخصائص والمميزات.  

        وعليه فالهوية الثقافية تشير إلى مجموع الخصائص الجوهرية التي يشترك فيها غالبية أفراد المجتمع والتي تميزهم عن بقية المجتمعات الأخرى، وتمثل هذه الهوية في نفس الوقت خصوصية ثقافية لهذا المجتمع.

2-مفهوم الهوية التنظيمية: يقدم العاملون أنفسهم في كثير من الأحيان بصفتهم أعضاء في المؤسسة التي يعملون فيها، فالعمل في المؤسسة على هذا الأساس يشكل مصدرا مهما لتكوين هوية الفرد، ذلك لأنه يحتاج إلى الانضمام إلى مجموعة ينتمي إليها ويتبع تقاليدها. والفرد الذي يعمل في مؤسسة ما تنسجم مبادئها وقيمها مع قيمه وقناعاته الذاتية توجد لديه روابط أكثر جاذبية وشعورا أقوى بالهوية التنظيمية، ويتكون لديه استعدادا أكبر لتحقيق أهداف المؤسسة.

وبذلك تعرف الهوية التنظيمية بأنها " فهم أعضاء المنظمة الجماعي للسمات الأكثر جوهرية /مركزية في المنظمة التي تميزها عن غيرها، وتتصف عادة بالاستمرارية". (6)وتعرف أيضا " بأنها الشخصية المميزة للمنظمة التي تم إدراكها من خلال القيم المنتشرة والتي تظهر في اتصالات المنظمة بالخارج ". (7)

تزامن ظهور هذا النوع من الهوية مع بروز البعد التنظيمي في الوسط المهني، ففي هذا الاتجاه تحولت الجماعة الى منظمة وتحول الأفراد الى فاعلين وتحولت الهوية الى استراتيجيات هوياتية غير مكتملة التحقيق، تحاول أن تنسجم مع المعطيات التي يفرزها تفاعل المحيط الخارجي مع الوسط المهني، ولهذا فالهوية في هذا المستوى هي عبارة عن ترتيبات متغيرة بشكل دائم، يسعى الفاعلون من خلالها الى تحقيق التكيف والانسجام مع متطلبات المنظمة التي ينشطون بداخلها.8

 وبناء على ما سبق، يمكن تعريف الهوية التنظيمية على أنها مجموعة من السمات والخصائص، التي تميز المؤسسة عن غيرها من المؤسسات المشابهة، ومن ثمة فإنه على المسيرين الاهتمام بها ورعاية كل العوامل والآليات، التي من شأنها تفعيل هوية المؤسسة.

  كما تعد الهوية التنظيمية غاية في الأهمية، فهي تعتبر من أهم موارد المؤسسة الناجعة، التي تعمل بدورها على بنائها وإدارتها وإيجاد الآليات الكفيلة بتفعيلها، من أجل تحقيق النجاح المطلوب.

وتعكس الهوية التنظيمية، سواء كانت معلنة أو غير معلنة، أهداف المؤسسة والعاملين على حد سواء، حيث أنها كلما كانت أكثر عمقا وتجسدا في كل قيم ومعتقدات المؤسسة، كلما كان العاملين أكثر التزاما ورقابة ذاتية وتماثلا. ولن تكون كذلك إلا إذا توفرت فيها مجموعة من الأبعاد. ويمكن التمييز بين ثلاثة أبعاد أساسية للهوية التنظيمية وهي: (9)

أ/ السمات المركزية للمنظمة:هي تلك السمات التي يمكن عدُها جوهرية، وهي التي من المفروض توافرها في أي مؤسسة.

ب/ السمات المتفردة:هي السمات التي تميز المنظمة عن المنظمات الأخرى، وقد تعرف بعض المنظمات بسمة مميزة لها مثل شركة IBMتميزت بجودة خدماتها في مجال عملها بالحاسبات الإلكترونية.

ج/ الاستمرارية:تعني استمرار وجود السمات المركزية والمتفردة في المنظمة بمرور الزمن، وهذه السمات لها صفة الديمومة ولا تتأثر سريعا بتغيرات البيئة.

ومن الضروري استمرار وجود الخصائص المركزية والمتفردة للمؤسسة، إذ يعد بعد الاستمرارية شرطا اساسيا في تفعيل الهوية التنظيمية، فإذا لم يتحقق هذا الشرط فإن مفهوم الهوية التنظيمية يكون ضعيفا. وتظهر سمات المؤسسة بشكل واضح وجلي أمام العاملين فيها والمتعاملين معها بمرور الوقت (عمر المؤسسة) بعد أن ترسخ المؤسسة لنفسها ثقافة تنظيمية واضحة المعالم تكون الهوية التنظيمية من أهم إفرازاتها.

3-مفهوم الهوية الوظيفية: إذا كانت الهوية التنظيمية تعني" درجة تعريف الأعضاء لأنفسهم بالانتماء إلى المؤسسة ككل وليس لوحدة أو مجال تخصص أو مجال مهني معين ". (10)

    فإن الهوية الوظيفية تمثل "المدى الذي يعرف فيه الفرد نفسه من خلال الوظيفة أو العمل الذي يؤديه." (11)

     إذن الفرق بين المفهومين واضح، فالهوية التنظيمية تشير إلى درجة انتماء العاملين إلى التنظيم أو المؤسسة ككل –هناك من الباحثين من يطلق عليها الهوية المؤسساتية – ومن جانب آخر يشير مفهوم الهوية الوظيفية إلى درجة انتماء العاملين إلى وظيفة معينة أو مهنة معينة، فالعلاقة بين المفهومين هي علاقة جزئ (الهوية الوظيفية) من كل (الهوية التنظيمية) تماما كما هو الفرق بين ثقافة المهنة(الوظيفة) وثقافة المؤسسة.

          وعموما فإن الهوية التنظيمية تركز على محاولة إجابة العاملين عن السؤال المتعلق بمن نحن كمؤسسة؟ وما يميزنا عن غيرنا من المؤسسات المشابهة؟

  " والفرد الذي يكون لديه إحساس عال بهويته الوظيفية يميل لأن يكون أكثر اندماجا، وتعايشا في عمله ووظيفته، و يكون أيضا أكثر احتمالا بشعوره بالولاء للمنظمة و تحدد الهوية الوظيفية اتجاه الأهداف الوظيفية للفرد، ويمكن ترجمة ذلك من خلال بعض التساؤلات:

-هل يرغب الفرد في التقدم في المنظمة؟

-هل يرغب أن يكون في مركز قيادي؟

-هل يرغب أن يحصل على مركز أدبي أو اجتماعي أكبر؟

-هل يرغب الفرد في الحصول على أجر ومزايا مادية أكبر؟

-هل يرغب في تحقيق هذه الأهداف بسرعة؟ (12)  

ثانيا: أنواع الهوية: ويمكن تصنيف الهوية في هذا المجال إلى مستويين رئيسيين:

1-هوية فردية وهوية جماعية: "الهوية الفردية هي مجموع الخصائص الفيزيائية والنفسية والأخلاقية والقانونية والاجتماعية والثقافية، التي يمكن للفرد من خلالها أن يحدد نفسه ويقدمها للآخر، وأن يتعرف عليها ويجعل الآخرين يعرفونها، ...ومن هنا تصبح الهوية الفردية معبرة عن كل القدرات التي بإمكان الفرد الحصول عليها خلال مسار حياته الطويل نسبيا، والتي تمكنه من لعب دور محدد في المجموعة التي يوجد فيها من جهة، وتمكن الجماعة التي ينتمي لها بالاعتراف بحقه في ممارسة هذا الدور من جهة ثانية.

أما الهوية الجماعية فتعبر من جهتها على التمثلات التي تحملها الجماعات عن الفاعلين الاجتماعيين الذين يشكلونها، والتمثلات التي يعطونها للجماعات الأخرى... إنها تعبر عن النحن الذي ينخرط فيه الجميع، فالهوية الجماعية تقتضي في نفس الوقت تحديد العناصر المشتركة بين الفاعلين والاختلافات والتناقضات التي تميز نفس المجموعة عن غيرها من المجموعات".13

وعلى هذا الأساس تمثل الهوية عددا من الخصائص والمميزات المتعلقة إما بالفرد أو الجماعة.   

2-هوية ضعيفة وهوية قوية: "الهوية التنظيمية الضعيفة يكون فيها شعور الأطراف المعنيون بالهوية التنظيمية ضئيلاً إذ قد تتوافر السمات الجوهرية وقد تكون السمات مميزة على المنظمات كّلها، إلا أنه لم يمضِ الزمن الكافي (عامل الاستمرارية) لتعميق هذا الشعور. قد تتغير هوية المنظمة نتيجة لتبني أنماط سلوكية جديدة مما يتطلب بروز هوية أخرى أو تغييرات في الهوية السائدة، لكن هذا التغيير في الهوية سيكون ضعيفاً، حتى يمر عليه وقت طويل لكي يترسخ في أذهان كافة الأطراف المعنية.

أما الهوية التنظيمية القوية هي التي يشعر الأطراف المعنيون بها عند وجود السمات الجوهرية التي تميزها عن غيرها من المنظمات، مع مرور زمن طويل على تلك السمات، فالهوية التنظيمية القوية التي يتم الاتفاق على ماهيتها وأبعادها بين الأطراف المعنية كّلها تساعد الإدارة على تخطي الأزمات التي قد تواجهها، ومن ثم تسهم في نجاح إدارة المؤسسة ورفع مستوى أدائها".14

    هذا يعني أنه لكي تتسم الهوية التنظيمية بالقوة، يجب توافر العناصر الثلاث المكونة لها والمتمثلة في السمات الجوهرية والسمات المميزة وأن يمر على هذه السمات الزمن الكافي  وهو ما يسمى بعامل الاستمرارية.

ثالثا-أهمية الهوية التنظيمية: تكتسي الهوية التنظيمية أهمية بالغة سواء بالنسبة للمؤسسة أو للعاملين، فبالنسبة للعاملين تعد الهوية التنظيمية القوية بمثابة الدعامة الأساسية التي تزيد من رغبة الفرد في الاستمرار بالمؤسسة والالتزام بقيمها التنظيمية وتبي أهدافها وسياساتها، كل هذه المؤشرات بطبيعة الحال هي مؤشرات دالة على الولاء التنظيمي. وبالتالي يمكننا القول أن للهوية التنظيمية أهمية بالغة بالنسبة للعاملين تتمثل في تشكيل ولائهم. وهي ذات الأهمية بالنسبة للمؤسسة فالولاء التنظيمي يكسب الطرفين الكثير من الخصائص الإيجابية. وتزود الهوية التنظيمية المؤسسة بالعديد من الخصائص الأخرى نذكر البعض منها فيما يلي:

1-الهوية التنظيمية كإطار للقرار: يؤكد كل منالبرت  وويتن في تعريفهم للهوية المؤسساتية على ثلاثة صفات تعريفية:

ادعائها بالصفة المركزية: ويعني "ألبرت" و"ويتن" بادعائها بالصفة المركزية، بأن هوية المؤسسة يجب أن تركز على صفة أو عدة صفات للشركة، التي هي إلى حد ما، جوهرية لفهم "لماذا توجد الشركة" وهدفها أو مسألتها.

ادعائها بالتميز: أما بالنسبة للادعاء بالتميز فيناقش "ألبرت" و"ويتن" بأنه مهما كانت هذه الصفات فيجب فهمها بأنها فريدة بنوعها من قبل أولئك الذين يعتنقون هوية المؤسسة.

وهذا الإدراك للتمييز يوعز بأن المؤسسات تسعى جهدها لتمييز نفسها عن المؤسسات الأخرى المشابهة.

ادعائها بالاستمرارية الزمنية: أما الادعاء بالاستمرارية الزمنية فإن الباحثان يؤكدان على طول عمر الهوية المؤسساتية، أي بأن هوية المؤسسة سوف تبقى بدون تغير خلال الزمن، بغض النظر عن التغيرات الموضوعية في البيئة التي تعمل الشركة ضمنها.

 إن الصفات الثلاثة التي تم اقتراحها أعلاه تظهر بأن طبيعة الهوية المؤسساتية كخطة مشتركة ترشد متخذي القرار ضمن المؤسسات.15

       "...فالهوية المؤسساتية تقترح ما هو مناسب ومشروع وذي جدوى وبالعكس فهي تحدد أيضا ما هو غير مناسب وغير شرعي وغير ذي جدوى، فتأثير الهوية المؤسساتية إذن هو في النهاية توافق أهداف الأفراد مع أهداف المؤسسة".16

2-الهوية كقيمة اقتصادية: تسعى المنظمات دائماً نحو التميز وصنع العلامة المميزة لها عن جميع منافسيها ولن يكون ذلك ما لم تتميز المنظمة بهوية خاصة بها تجعلها أكثر فاعلية وذات أثر بارز على المجتمع بشكل عام وعلى موظفيها بشكل خاص، من أبرز الأمثلة للمنظمات ذات الهوية المميزة شركة " أبلApple" فعلى الرغم من انتشارها الواسع في العالم وتعدد فروعها إلا أن لها هوية تنظيمية رائدة تتحدث نيابة عنها حتى أصبح شعار التفاحة المقضومة معياراً للجودة في مجال الأجهزة الإلكترونية.17

ويرى بعض الباحثين أنه من أجل أن تضيف الهوية التنظيمية قيمة اقتصادية للشركة، فعلى الهوية أن يكون لديها مضامين محددة للقرارات العملياتية والاستراتيجية، وفي الواقع، فإذا لم يكن لدى الهوية التنظيمية مثل هذه المضامين، فهي عندئذ إما على الأرجح بأنها غير شائعة بشكل واسع بين مستخدمي الشركة أو أنها غير مناسبة لقرارات العمل التي تصدرها الشركة.

     وفي الواقع فإن الجهود لإعطاء فعالية للهويات التنظيمية الضعيفة أو غير الملائمة سوف تنقص القيمة الاقتصادية للشركة. والشركات ذات الهوية التنظيمية الواضحة سوف تتجاوز في أدائها الشركات التي ليس لها هوية واضحة، وأن تأثر الهوية التنظيمية على القيمة الاقتصادية للشركة سوف يكون دال على: قوة الهوية التنظيمية، محتوى الهوية التنظيمية.18

   وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار الهوية التنظيمية رصيداً استراتيجياً وبذلك تكون مصدرا رئيسيا للميزة التنافسية بالنسبة للمؤسسة.

3-الهوية التنظيمية كأداة للتسيير: هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر في ايديولوجيا وقيم وقناعات ومدركات الأفراد وتحدد مستوى دافعيتهم، ومن ثمة تؤثر في مستوى الأداء والذي بدوره يحدد درجة نجاح الأدوات التسييرية للمؤسسة، وهي مسألة الهوية التنظيمية. هذه الأخيرة تعد من المسائل الرئيسية لفهم كافة الأبعاد التي قد تؤثر على نجاح المؤسسة وتلعب دورا رائدا في التأثير على قيم وقناعات ومدركات العاملين فيها، ومن ثم على قراراتهم وسلوكياتهم.

      "ومن الجدير بالذكر أن هناك دورا لمسيري المنظمات ولقادتها الذين يملكون قدرات كبيرة وصفات قيادية مؤهلة في تحديد معالم الهوية التنظيمية .... وهذا ما ينمي ويقوي من مستوى الانتماء لدى العاملين ليأتي سلوكهم وتصرفاتهم متطابقة مع سلوك وتصرفات قادتهم ".19

   من المهم أن نشير  في الأخير إلى ضرورة وجود نموذج ثقافي للتسيير يتماشى مع الواقع الاجتماعي ويلبي حاجاته الخاصة، ونؤكد بذلك على عدم إمكانية نقل نماذج أجنبية جاهزة، هذا لا يعني أننا لا نستفيد من تجارب الدول الغربية ونستغلها ونستثمرها بفعالية، إلا أنه من الضروري تعديلها وتكييفها وفق الخصوصية الثقافية لمجتمعاتنا على مستوى ماكرو ووفق الهوية التنظيمية لمؤسساتنا على مستوى ميكرو.

رابعا-علاقة الهوية ببعض المتغيرات التنظيمية:ارتأينا أن نورد في هذا العنصر علاقة الهوية ببعض المتغيرات التنظيمية، كالصراع التنظيمي والتنشئة الاجتماعية التنظيمية والثقافة التنظيمية للمؤسسة.

1-الهوية والصراع: "يذهب ريتشارد بريارد R.Bréardبعيدا في تحدثه عن الهوية في العلاقات الاجتماعية داخل المؤسسة ويربطها بالجوانب الثقافية وبعامل الصراع. إذ يمكن للجماعة أن تدخل في صراع ما بمجرد احساسها بأن هويتها مهددة أو غير معترف بها، وهذا التحرك يمس الجوانب المعنوية ذات العلاقة الوثيقة بالعامل الثقافي، وهي أبعد ما يكون عن الحركات المطلبية التي تركز أكثر على الجوانب المادية حيث تعتبر الهوية ذات أهمية كبيرة وتتصدر قائمة المطالب.

ومع الهوية نخرج من مجال الأهداف والرهانات –التي تتميز بها باقي الصراعات-لندخل مجال التصورات وهو ميدان لا يقل موضوعية وعقلانية، لكن ملاحظته صعبة أكثر ونتائجه ظاهرة نحلل من خلالها الصراعات وحتى الثورات الاجتماعية".20

أي أن الهوية تكتسي قدرا وافرا من الأهمية لدرجة أن التعرف على الهوية الثقافية للعاملين هو الخطوة الأولى والضرورية في بناء أي علاقة اتصالية بين مختلف الأطراف في مختلف المؤسسات.

"ومن الملاحظ أن الكثير من الصراعات الاجتماعية مردها إلى عنف الهوية مثل: إضراب العمال عام 1982في مصانع سيتروان للسيارات بفرنسا، للمطالبة بالاعتراف بهويتهم وبوجودهم رغم أنهم لم يكونوا مؤطرين في نقابة رسمية ولم تكن لهم أية مطالب فالمهم هو حصولهم على الاعتراف وحصولهم على الشرعية الاجتماعية.

ويمكن ملاحظة أهمية الهوية داخل المؤسسة والتي من عناصرها: الانتماء الجغرافي والتباين الجنسي بين الذكور والإناث، والخصائص العرقية...إلخ ويمكن ملاحظة كيف أن المسؤول الجيد يهتم بهوية أعضاء التنظيم الذين يهتمون بدورهم بهوية الأعضاء الجدد، إذ أن هناك احتمال أن يتم اختيار هؤلاء للانضمام إلى جماعتهم غير الرسمية والتحالف معهم ضد العصب الأخرى المتشكلة على أساس جهوي، بحيث أن التعرف على الهوية هو الخطوة الأولى الضرورية في بناء اي علاقة اتصالية بين مختلف الأطراف".21

لذلك يتعين على إدارة المؤسسة ان تضع استراتيجية واضحة لصقل وتقريب الهوية التنظيمية للمؤسسة مع الهوية الثقافية لكل الموظفين بصفة عامة وللموظفين الجدد بصفة خاصة، وذلك من خلال ما يطلق عليه بالتنشئة التنظيمية، وهو ما سنتناوله في العنصر الموالي.

2-الهوية والتنشئة التنظيمية: "إن الهوية المهنية على اعتبارها هوية اجتماعية، عبارة عن محصلة لتنشئة متتالية ونقصد بها هنا التنشئة الاجتماعية التي تلقاها الفرد قبل دخوله عالم الشغل، بالإضافة إلى تلك التي تلقاها بعد الالتحاق بالعمل وهي التنشئة التنظيمية او المهنية، أي أن الفرد يبني هويته المهنية من خلال مكتسبات قبلية وأخرى بعدية.

وعليه فالتنشئة التنظيمية هي صورة من صور التنشئة الاجتماعية والتي تخص مرحلة من مراحل الفرد الحياتية ألا وهي مرحلة دخوله عالم الشغل، ويقصد بها تلك العملية التي يصبح بواسطتها العمال الجدد مندمجين في جماعات العمل، وهي تشتمل على ثلاث عمليات:

- تطوير المهارات والقدرات المهنية الخاصة بالعمل

- اكتساب مجموعة من أنماط السلوكيات الملائمة للعمل

- التأقلم مع معايير جماعة العمل وقيمها". 22

ويربط "سان سوليو" بين الهوية الاجتماعية والهوية في مجال العمل، فيقول في ذلك " يتأسس جانب مهم من الهوية الاجتماعية، وتتكون شبكة من العلاقات بين الأفراد في العمل والمؤسسة، لكن المؤسسات تحاول تقليص عدد العاملين وأصبحت مجالا خاصا بالأجهزة والآلات، وبذلك فهي تجعل من الشباب والكبار والمسنين يفقدون أعمالهم، وبالتالي يفقدون هوياتهم الاجتماعية". 23

فعندما نضع نصب أعيننا ماضينا الوظيفي، هل يمكننا أن نصف مشاعرنا وردود أفعالنا خلال الفترة الأولى في أي عمل أو وظيفة التحقنا بها؟غالبا ما ستكون فترة غير مريحة لأن البيئة الوظيفية للعمل الجديد مختلفة عن سابقاتها ولأن معظم ان لم يكن كل المحيطين بنا غرباء ويجب علينا الاقدام والتعرف عليهم، بالإضافة الى أن العمل نفسه غالبا ما قد يكون مختلفا عن سابقه ويحتاج منا تعلم إجراءات ومهارات وسياسات جديدة حتى يمكنك ان تؤديه بمهارة كافية.

وبالتالي يجب على إدارة المؤسسة أن تلعب دورا فاعلا في هذه الفترة الحساسة وذلك عن طريق عملية التنشئة التنظيمية وذلك من أجل تقريب الهوية الثقافية للعاملين من الهوية التنظيمية للمؤسسة.

   ويمكن تعريف التنشئة التنظيمية بأنها "العملية التي يتم فيها تحول الافراد من أطراف خارجية عن المنظمة الى أعضاء فاعلين فيها، ويمكننا القول ان العمل أو المهنة هو سلسلة الخبرات الاجتماعية كلما انتقل الفرد من منظمة الى أخرى أو من موقع الى اخر داخل المنظمة نفسها".24

كما عرفها شارلز هل وجارديث جونز بأنها "المصطلح الذي يستخدم ليصف كيفية تعلم الأفراد للثقافة التنظيمية ومن خلال تلك التنشئة الاجتماعية، يندمج الافراد ويتعلمون القواعد السلوكية وقيم الثقافة، حتى يصبحوا أعضاء في المنظمة".25

ولأجل ذلك يجب أن يقوم قسم إدارة الموارد البشرية بالتعرف على ثقافة الموظف الجديد عند تعيينه في المؤسسة والتعرف على مدى تماشي ثقافة هذا الموظف وقابلية اندماجها مع الثقافة التنظيمية، وتقوم بعض المؤسسات بتدريب العاملين الجدد وتهيئتهم للبيئة الثقافية والتنظيمية الجديدة، وذلك لمدة قد تراوح ما بين 3– 12شهرا بهدف صهر الموظف الجديد في العمل تدريجيا من خلال الحوار مع الزملاء والرؤساء ومن خلال تعلمه لكل القيم التنظيمية.

وتمر عملية التنشئة التنظيمية للعاملين الجدد بثلاث مراحل هي:26

المرحلة الاولى:وهي مرحلة ما قبل دخول الموظف إلى المنظمة للعمل بها، وفيها يتم فرز تصنيف جميع المتقدمين لانتقاء من لا تتعارض ثقافتهم مع ثقافة المنظمة.

المرحلة الثانية:مرحلة دخول الموظف للمنظمة وتهيئته للعمل الجديد والثقافة الجديدة، وتسمى مرحلة التصادم بين الثقافتين.

المرحلة الثالثة:مرحلة تغيير مهارات وسلوكيات وتوقعات الموظف الجديد وتوظيف هذا التغيير لخدمة أهداف المنظمة.

وتؤثر المراحل الثلاثة في إنتاجية الموظف وأيضا في سرعة أو بطئ تكيفه الاجتماعي والثقافي مع جماعة العمل التي انضم إليها. وايضا لها تأثير خاص على قراراته بالبقاء في المؤسسة من عدمه.

الشكــــــــــل رقم (1): يوضـــــــــــــــح مراحل التنشئة التنظيمية للموظفين الجدد:

 

المصــــــــــدر: سيد محمد جاد الرب، الاتجاهات الحديثة في إدارة الموارد البشرية، 2009، ص146.

يوضح لنا هذا المخطط الترابط الحتمي للمراحل الثلاث للتنشئة التنظيمية، هذا الترابط الذي يتوقف عليه مجموعة من الإفرازات كمستوى أداء العامل (إنتاجيته) ومعدل دورانه وأيضا درجة ولائه للمؤسسة. كل هذه المداخلات والمخرجات تتوقف على الثقافة التنظيمية للمؤسسة، فكلما كانت هذه الثقافة تتميز بالقوة والإيجابية كلما كانت هوية المؤسسة كذلك.

3-الهوية والثقافة التنظيمية: ما يمكننا التأكيد عليه من البداية هو أن لكل مؤسسة ثقافة تنظيمية تميزها عن غيرها من المؤسسات الأخرى، حيث تعمل المؤسسة من خلال ثقافتها على قولبة وتوجيه سلوك العاملين نحو تحقيق أهدافها المسطرة،كما أن الثقافة التنظيمية تنتج لنا هويات فرعية متجانسة من خلال الوظيفة ومتطابقة من خلال المرجعيات التكوينية والتعليمية، ومتمايزة ومتعارضة فيما بينها، وبذلك تصبح الثقافة التنظيمية جامعة وموحدة لهذه الهويات الفرعية من جهة، وخافضة لمجال الشكوك الذي ينشأ بين هذه الجماعات من جهة أخرى، وبين هذه الأخيرة وإدارة المؤسسة كونها تقوم على منطق تفعيل الكفاءة و التأهيل والمكافأة.

         وتعرف الثقافة التنظيمية على أنها " إنتاج جديد ينشأ داخل المؤسسة من التفاعلات التي تحدث على جميع المستويات بين من ينتمون إلى نفس التنظيم من جهة، وانعكاس الثقافة المحيطة من جهة أخرى". 27

      هذا يعني أن ثقافة المؤسسة هي عبارة عن مزيج من القيم التي يحملها الفاعلون الاجتماعيون من المحيط الخارجي والتي تتفاعل داخل المؤسسة مع القيم التنظيمية والتسيرية.

وتعرف الثقافة التنظيمية أيضا بأنّها "نتيجة تفاعل كيميائي دقيق وفريد من نوعه بين المشروع المؤسس، والمؤسسين لهذا المشروع، والفاعلين الذين يقومون بالعمل".28

      ويعد التعريف الذي قدمه E. H. Schienفي كتابه Organisational Cultur and leadership1985للثقافة التنظيمية من أكثر التعاريف تداولا وشمولا، حيث اعتبرها "مجموع الافتراضات الأساسية التي اكتشفتها وأنتجتها وطورتها مجموعة بشرية معينة، في محاولاتها لإيجاد الحلول لمشاكل التأقلم الخارجي والاندماج الداخلي، والتي أثبتت نجاعتها وفعاليتها بالنسبة لهم واعتمدوها، وأصبحوا يتداولونها على أنّها الطريقة الصحيحة والجيّدة في إدراك ومعالجة هذه المشاكل". 29

من خلال تعريف Schienنستنتج أنّ الثقافة التنظيمية غير قابلة للتقييم في ضوء الصواب والخطأ، بل هي محددات السلوك التي يجب على العاملين الالتزام بها، والامتثال لها دون مراجعتها أو التشكيك فيها.

وعلى العموم فإن الثقافة التنظيمية تشير إلى مجموعة من القيم التنظيمية التي يتقاسمها العاملون ويلتزمون بتطبيقها، والتي تشكلها المؤسسة الاقتصادية الجزائرية تدريجيا عبر مراحل تطورها بهدف ضبط سلوك أفرادها وتنمية ولائهم التنظيمي، وهي تعمل على تشكيل خصوصيتها الثقافية وإبراز هويتها التنظيمية مما يميزها عن غيرها من المؤسسات.

وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسة كيان بداخله ثقافات متعددة، والمؤسسات هي فضاءات يعمل بها أفراد من خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة، وهي أماكن تتفاعل بداخلها ثقافات متشابهة أو متباينة، ويرى سان سوليو  في ذلك "أن معايير العلاقات بين الزملاء في العمل من جهة وبين الرؤساء من جهة أخرى تشكل أربعة نماذج ثقافية في العمل" 30، "وتتمثل هذه النماذج في:

- ثقافة تميز العمال المختصين والعمال غير المؤهلين،  تتميز بالطابع الاندماجي للعلاقات.

- ثقافة تميز العمال المؤهلين (سواء تقنيين أو إطارات).

- ثقافة سماها سان سوليو الحركة الاحترافية تميز الإطارات العصامية،  نمط العمل العلائقي في هذه الثقافة عبارة عن صلات انتقائية حذرة.

- ثقافة تظهر أساسا عند العمال غير المؤهلين والمحرومين من الذاكرة العمالية (العمال الأجانب والعمال الريفيين) وتتميز هذه الثقافة بالإسترداد والاستقلالية". 31

كما يرى"أن وسط المؤسسة نفسها توجد ثقافات مختلفة متعايشة ومتقاطعة وأن ضعف التأهيل لا يعني غياب الثقافة".32       

يظهر تصنيف سان سوليو إشارات ضمنية إلى انتماء الفئات السوسيومهنية الموجودة داخل التنظيم والمتغيرات الثقافية لكل فئة، بمعنى آخر إشارته إلى الثقافات الفرعية الموجودة داخل المؤسسة والتي تشكل مجتمعة ما يسمى بثقافة المؤسسة. هذه الأخيرة التي تمثل القيم الأساسية التي يتفق عليها أغلبية العاملين في المؤسسة، والتي تشكل هوية واضحة للجميع، أما الثقافات الفرعية فتمثل القيم السائدة في الأنظمة الفرعية، أو الوحدات والأقسام الأخرى ضمن المؤسسة، والتي تتفاوت فيما بينها من ناحية، وبينها وبين الثقافة الرئيسية من ناحية أخرى،  وكلما تباينت الثقافات الفرعية وتعددت وكانت مختلفة عن الثقافة الرئيسية،  فإن ذلك قد يؤثر سلبا على فاعلية المؤسسة وبالتالي على هويتها التنظيمية.

"إن الثقافة التنظيمية تكسب الفرد العامل، في مجال زمني ومكاني معين، هوية ثقافية يتقمصها ويظهر من خلالها انتمائه وولائه لها من خلال سلوكياته وتصرفاته،..."33

فالثقافة التنظيمية تؤثر في هوية العاملين، وتدعم التزامهم وتشعرهم بالمسؤولية وترشد سلوكهم، وبالتالي يمكن وصف العلاقة بين الهوية والثقافة التنظيمية بأنها علاقة سببية ( سبب- نتيجة ) فالثقافة التنظيمية سبب في وجود الهوية التنظيمية، وانطلاقا من قراءتنا لواقع ثقافة المؤسسة الجزائرية يمكننا التنبؤ بملامح الهوية التنظيمية لتلك المؤسسة، فكلما كانت الهوية قوية دل ذلك على قوة الثقافة.

وهذا لا يتأتى إلا بإتباع مجموعة من الآليات التي من شأنها تفعيل الهوية التنظيمية للمؤسسة الجزائرية، وهو ما سنتناوله في العنصر الموالي.

خامسا-آليات تفعيل الهوية التنظيمية: نقترح من خلال هذا العنصر عدد من الآليات  والميكانيزمات التي نعتقدها أساسية في تفعيل هوية المؤسسة الجزائرية:

1-دراسة البعد الثقافي للعاملين: تفيد دراسة البعد الثقافي للعاملين في المؤسسة في الاطلاع على هوياتهم الثقافية والإحاطة بقيمهم الاجتماعية التي تشكل مجتمعة جزءا جوهريا من الهوية التنظيمية للمؤسسة، والتي يمكن للمسيرين توظيفها في نجاح المؤسسة وتفعيل هويتها. وذلك على باعتبار أن هوية المؤسسة هي امتداد لهوية المجتمع وكذلك الحال بالنسبة لثقافة المؤسسة وثقافة المجتمع، فإذا تعرف مسيري المؤسسات على القيم الثقافية والمجتمعية للعاملين سهل عليهم ذلك تصميم العديد من العمليات التنظيمية كالاتصال والحوافز والمشاركة غي اتخاذ القرار. ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:(34)

- تحديد القيم الثقافية التي يؤمن بها العاملون ويدافعون عنها، سواء كأفراد أو كجماعات في المؤسسة، يسمح بأخذها بعين الاعتبار عند التعامل معهم على مختلف المستويات الإدارية فيها، واحترام الانسان يبدأ من احترام قيمه وميوله وآرائه.

- تحديد القيم المتعلقة بالأفراد في مختلف مناصبهم، يعطي إمكانية واسعة للتنبؤ بالسلوك الذي ينتج عنهم، سواء في الحاضر أو في المستقبل، وخاصة ردود افعالهم نتيجة اتخاذ قرارات متعلقة بنشاطهم في المؤسسة أو عند مشاركتهم فيها.

- التعرف على القيم التي يتصف بها الافراد في المؤسسة، مثل الرغبة في الإنجاز، إعطاء اعتبار للوقت، الجدية في العمل، وغيرها من الصفات المرتبطة بالشخصية، كل هذا يسمح باختيار الأفراد الذين يتوفرون على استعدادات فكرية وسلوكية لتحمل المسؤوليات في مختلف مستويات الهرم الإداري.

-الاطلاع على دوافع الاشخاص، وطرق تعاملهم مع مختلف المحفزات الممكنة، المادية والمعنوية والإيجابية والسلبية، وهذا انطلاقا من أنماطهم الثقافية واتجاهاتهم، نستطيع اختيار أحسن أنواع المحفزات التي تؤدي دورها بشكل فعال وفي الوقت المناسب والظروف المناسبة.            

-المعرفة الكافية للقيم الخاصة بالأفراد في المؤسسة، تمكن الأخيرة من تكييفها مع نظام قيمهم المرتبطة بها طبقا لأهدافها وثقافاتها أو البحث عن اشخاص لا يبعدون عنها (من حيث القيم)، أو يمكن لهم التكيف معها حتى لا يكون سببا لاهتزازات داخلية، وعراقيل في نشاطاتها.

    ويرى بوفلجة غياث في هذا الإطار " أن إهمال البعد الثقافي هو السبب في كثير من المشاكل التي تعاني منها الكثير من المؤسسات الجزائرية، مثل التغيب والإهمال وانخفاض الرضا الوظيفي وسوء العلاقات بين العمال، وانعدام الثقة بينهم وبين المشرفين والمسؤولين ". (35)

وعلى هذا الأساس إذا لم يتنبه المسيرين إلى أهمية البعد الثقافي للعاملين-هذا البعد الذي يترجم هويتهم- فإن ذلك سيؤدي لا محالة إلى انسداد قنوات الاتصال وظهور بعض جوانب الصراع في المؤسسة الجزائرية.

2-الصورة الذهنية للمؤسسة: إن الصورة الذهنية المدركة هي مجموع العمليات العقلية من ادراك وفهم وتذكر و...التي تتشكل لدى الافراد تجاه أفراد اخرين أو جماعات أو مؤسسات، انطلاقا من مجموع الخصائص والسمات التي تتصف بها هذه الأطراف. وتعد هذه الصورة نتاجا لمجموع الخبرات الثقافية التي يكتسبها الافراد من خلال تفاعلاتهم الاتصالية المختلفة، ويمكن أن تكون سلبية أو إيجابية، ثابتة أو متغيرة.

      يعرف على عجوة الصورة الذهنية للمؤسسة بأنها" الصورة الفعلية التي تتكون في أذهان الناس عن المنشآت والمؤسسات المختلفة، وقد تتكون هذه الصورة من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون عقلانية أو غير رشيدة، وقد تعتمد على الأدلة والوثائق أو على الإشاعات، ولكنها في النهاية تمثل واقعا صادقا لمن يحملونها.          وتبنى الصورة الذهنية للمؤسسة وفق ثلاث نماذج: إما ترسم المؤسسة صورتها الذهنية بنفسها وتتولى إدارتها، وإما سوف يبنيها الخصم، وإما سوف تبنى بطريقة عشوائية غير منظمة." (36)

إن الصورة الذهنية التي ترسمها المؤسسة لنفسها، يعود بالدرجة الأولى لقادتها ومسيريها بمختلف درجاتهم في السلم الهرمي وما يقومون به من إرساء ثقافة تنظيمية قوية من شأنه أن يكون انطباعا إيجابيا على المؤسسة سواء كان ذلك لدى الجمهور الداخلي أي العاملين فيها أو الجمهور الخارجي كالزبائن ومختلف الشركاء والمتعاملين. ذلك على أن تنطلق هذه العملية من الداخل الى الخارج فالمؤسسات التي تعمل على هذا الأساس يسهل عليها بناء صورتها الذهنية المدركة لدى كل من يعمل ويتعامل معها، وبالتالي يسهل عليها بناء وتفعيل هويتها التنظيمية. 

ويشير عبد الله البريدي في هذا المجال: "أن الهوية التنظيمية تشكل الصورة الانطباعية في أذهان الأفراد تجاه منظماتهم بجوانبها السلبية والإيجابية، إذن يمكننا القول بأن الهوية التنظيمية هي الصورة الانطباعية الداخلية. وتعتبر تلك الصورة انعكاساً ديناميكياً لطبيعة الثقافة التنظيمية، كما يقرر ذلك بعض الباحثين.

وكل ما سبق يؤكد على وجود علاقة طردية بين الصورة الانطباعية الداخلية والثقافة التنظيمية، مما يجعلنا نعيد التشديد مرة بعد أخرى على وجوب خلق ثقافة تنظيمية إيجابية، وهذا لا يتأتى إلا إذا آمن المدير أو القائد العربي بدوره الخطير في خلق تلك الثقافة وأدرك حجم تأثيره الضخم في ذلك، إيجاباً وسلبا".37

3-رسالة المؤسسة:لقد أصبح في هذه الأيام وجود رسالة واضحة للمؤسسة ميزة تطبع المؤسسات ذات الهوية التنظيمية القوية عن غيرها من المؤسسات، ويمكن تعريف رسالة المؤسسة بأنها " إعلان من المؤسسة لرؤيتها وأهدافها، وكذلك المجال الذي تعمل فيه، وما يميزها عن غيرها من المؤسسات، سواء كان الأمر يتعلق بالمنتجات أو الخدمات".38

يشير اصطلاح الرسالة أيضا إلى" الغاية من وجود المؤسسة، ومن ثم فهي الأداة لتحديد هوية المؤسسة ومدى تفردها عن غيرها من المؤسسات المناظرة، وهي الأساس في بناء الغايات التي تسعى المؤسسات لتحقيقها والوصول إليها؛ والقاعدة التي تنطلق منها الأهداف والسياسات والاستراتيجيات".  39

ويرى Kaplanand Nortonبأن "تحديد الاتجاه الاستراتيجي في أي منظمة يبدأ أولا بتحديد رسالة المنظمة، وفي إطار هذه الرسالة يتم تحديد لائحة القيم الأساسية التي تعمل عليها".40

وقد يتم صياغة رسالة المنظمة في جملة بسيطة بلغة عامة وعريضة جدا ولكن تتطلب ان لا تكون رسالة المنظمة عامة وواسعة جدا الى حد يسبب الارتباك والغموض ولا يوضح مسار واتجاه المنظمة كما انها يجب ان تكون محددة الى حد لا يسمح باستغلال الفرص المتاحة بل يجب ان تصاغ بلغة واسعة نوعا ما، وبما يساعد على تحقيق المعيارين التاليين:

"- السماح للمنظمة بتوسيع نطاقها ومجالها وتوفير المرونة لها لتطوير استراتيجيات وأهداف بديلة وبالتحديد فرص بديلة للتوسع.

 - السماح لها بإشباع وتلبية حاجات مختلف الجماعات والأفراد الذين لهم علاقة بالمنظمة".41

ومما تقدم يمكن التأكيد على أنه يجب أن تصاغ رسالة المؤسسة بمشاركة جميع الفاعلين الاجتماعيين (العاملين) حتى يتم الاندماج الحقيقي والمشاركة الفعلية في تصميمها ومن ثمة في الحرص على تنفيذها، وبالتالي لا تكون الرسالة مجرد لافتة معلقة على جدران المؤسسة، بل يجب أن تتعدى ذلك إلى حالة وجدانية يعيشها العاملون، وتكون بذلك المرآة العاكسة للهوية التنظيمية للمؤسسة.

"وفيما يلي نورد نماذج من الرسائل الحديثة لبعض المؤسسات:

1-المؤسسات الأجنبية:

-شركة فورد Ford: الجودة هي الوظيفة الأولى.

-شركة دلتاDelta: الشعور الأسري.

-مؤسسة Jepennes: الزبون دائما على حق.

-شركة جنرال الكتريكGE: العمل كفريق، والموردين والعملاء شركاء.

- شركة ماك دونالدMc Donald: الخدمة السريعة والجودة المتكاملة".42

2- المؤسسات العربية:

- رسالة الخطوط الجوية العربية السعودية: أن تكون ناقلا جويا عالمي المستوى، سعودي السمات، فائق العناية بعملائه، حريصا على رعاية موظفيه.

- رسالة الشركة العربية للنظم والمعلوماتية ITS: ستكون أكبر صانع للنظم والمعلوماتية المتكاملة في الشرق الأوسط، وعلى أعلى مستويات الجودة والمهنية العالمية وأكثرها تميزا.43

3-المؤسسات الجزائرية:

-مؤسسة سونلغاز: إرضاؤكم هدفنا خدمتكم غايتنا-لدينا التزامات نوفي بها.

-مؤسسة موبيليس: والكل يتكلم.

-مؤسسة الشروق: رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيكم خطأ يحتمل الصواب.

-اتصالات الجزائر: دائما أقرب.

    وقد يكون لرسالة المؤسسة الجزائرية دورا في ازدواجية هويتها التنظيمية، فعلى سبيل المثال المدارس الخاصة لها هوية نفعية تهدف من خلالها إلى تحقيق الربح، وهوية معيارية تهدف إلى تحقيق رسالة سامية تتمثل في التربية والتعليم وخدمة المجتمع، وهي الرسالة الأصلية للمؤسسات التربوية قبل أن تظهر المدارس الخاصة برسالة مزدوجة وهوية كذلك.

4- القيادة الإدارية:"القيادة هي فن التعامل مع الآخرين على اختلاف أجناسهم وثقافتهم وديانتهم وأنماط سلوكهم، والقدرة على كسب احترامهم وطاعتهم وثقتهم وتعاونهم هذا جانب،  ولكن الجانب المهم الآخر هو أن القيادة علم، على القائد فيها أن يلم بعلم الإدارة بشكل خاص وقدر كبير من العلوم الأخرى كعلم النفس وعلم الاجتماع والقدرة على الاستفادة منها وتسخيرها وتوظيفها لفهم الآخرين وتوجيه سلوكهم أو تعديله لما فيه الصالح العام وتحقيق الأهداف".44

4-1- دور القيادة في تشكيل الهوية التنظيمية:"لقيم العمل أهمية كبرى للمديرين بصورة خاصة، وذلك أن فعالية المنظمة وتطورها يتوقف إلى حد كبير على القيم التي يحملها أعضائها خاصة أولئك الذين يتواجدون في قمة الهرم التنظيمي، إذ من المتوقع أن يتعدى تأثير القيم التي يحملها المديرون ليؤثر على قيم وسلوك المرؤوسين، كما أن لقيم المديرين أثر في رسم المعالم الأساسية لسلوكهم، حيث تضع أمامهم الخطوط العريضة التي يتوجب عليهم إتباعها عند ممارستهم للعمل الإداري واتخاذهم لقراراتهم، ووضع الأهداف والسياسات ووسائل تحقيقها". 45

"إن القيم والمثاليات والمعايير والتقاليد السائدة في أي المنظمة تمتد جذورها بصورة عامة إلى الرياديين المؤسسين فهؤلاء المؤسسين بحكم دورهم كقادة في مرحلة حساسة في مرحلة حياة المنظمة عادة يحملون رسالة/ رؤية محددة لما يجب أن تكون عليه المنظمة وكيفية تحقيق هذه الرسالة،  ويقومون باستقطاب مجموعة من المديرين الذين يشاطرونهم قيمهم واعتقاداتهم،  ويبدون استعداد لتنفيذ رسالتهم ويتبع ذلك اختيار العاملين المؤهلين ذوي القيم والاتجاهات التي تتوافق مع قيم واعتقادات المؤسسين والمديرين ويبدأ بناء تاريخ جديد وثقافة جديدة".46

        "وإن أحد الأدوار الرئيسية للقائد بعبارة أخرى هي وضع نغمة التنظيم وإنشاء ثقافتها على ضوء القيم المشتركة والمعتقدات التي تعيش بها المنظمة والموظفون، وبمجرد تأسيس الثقافة فإنها تزود كل الموظفين بدليل مرشد لهم أينما كانوا وأي ما كانوا يفعلون فإنهم سوف يكونون قادرين على استخدام القيم التي وصفوها في ترشدهم،  فبقيم "الجودة أولا" يكون واضحا لهم أي السلوكيات التي تتبعها منشأتهم". 47

وبالتالي يبرز دور القيادة في تشكيل الثقافة التنظيمية للمؤسسة ومن ثمة تشكيل وترسيخ هويتها، على أساس أن معظم القيم والأعراف والمعتقدات التنظيمية بمختلف أنواعها وأبعادها تعد انعكاسا لقيم و أعراف ومعتقدات القادة ولاسيما القادة المؤسسين.

4-2- القيادة الثقافية:"تحتاج عملية التطبيع التنظيمي والتكيف الاجتماعي الى وجود قيادة واعية تعمل على تعزيز القيم والمعايير الثقافية السائدة داخل المؤسسة واحتواء قيم الموظفين الجدد ويطلق عليها القيادة الثقافية Cultural Leadershipوالتي تلعب دورا هاما في تغيير المعايير والقيم السائدة في التنظيم من خلال إدخال هذه القيم من البيئة الخارجية إلى البيئة الداخلية، وتستلزم هذه العملية تدعيم قنوات الاتصال داخل المؤسسة والقائد الثقافي يستخدم الرموز للتأثير على ثقافة المؤسسة في مجالين مختلفين هما:

-تحديد رؤية واضحة للمؤسسة وثقافتها التي تتناسب مع قيم ومعتقدات الموظفين الجدد،

-تشجيع الأنشطة اليومية التي تعزز هذه الرؤية بحيث يتأكد المدير من أن إجراءات العمل ونظم الإثابة والعقاب تتلاءم مع قيم المؤسسة". 48

"يتمثل العائق الأكبر أمام التغيير الثقافي بالفجوة بين ما يزعم القادة أنهم يقدرونه وما يقدرونه بالفعل، إذ لا يمكن إغراء طاقم المؤسسة بشعار "الثقافة التشاركية" الذي يرفعه القادة في الوقت الذي يحرص فيه هؤلاء القادة في اجتماعاتهم على المحاضرات والإعلانات وإطلاق التحذيرات وهكذا فإن الثقافة الخلاقة تصطدم بممارسة التحفظ والمزاعم حول ثقافة التوقعات العالية".49

ويمكن للقيادة أن تعمل على تفعيل الهوية التنظيمية للمؤسسة وذلك ب:

"تنمية أو تغيير القيم والمعتقدات: عندما لا تكون القيم راسخة عن العمل يلجأ القائد إلى تنميتها ضمن برنامج محدد قد يستغرق وقتا طويلا،  ويمكن تقصيره باستخدام جرعات مكثفة من التوعية والتأثير". 50

-"زيادة الإحساس بالانتماء للمؤسسة.

-زيادة الشعور بالرضا وتحقيق الذات من خلال المشاركة.

-تقبل قيم وأفكار الآخرين.

-الحصول على رعاية الآخرين.

-إقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين". 51

           وعموما يمكننا القول أنه كلما كانت القيادة الإدارية قوية ساعد ذلك على  تشكيل ولاء العامين لمؤسستهم والتزامهم بتحقيق أهدافها، وكلما كانت هذه القيادة ضعيفة مال العاملين إلى التذمر والإحباط، والتخلي عن تحقيق أهداف المؤسسة، وهذا يجعلنا نؤكد على أنه إذا أرادت المؤسسة تشكيل هوية تنظيمية قوية عليها دعم القيم التنظيمية ، ودعم القيم والأهداف المشتركة بينها وبين عامليها لا سيما الجدد منهم، وذلك يكون عن طريق التنشئة التنظيمية.

5-الهوية واللغة: من خلال اللغة تتحدد هوية المجتمع فهي عنصر مهم في نقل الخبرات والأفكار من مجتمع لآخر، وتعد الوسيلة السريعة في عملية الاتصال سواء بين الأفراد أو بين المجتمعات وعن طريقها تفهم معاني الأفكار والخبرات، فهي روح المجتمع وبناؤه الفكري.وعلاقة اللغة بالهوية هي علاقة جد وطيدة ومتكاملة، إذ لا نستطيع التعمق في فهم هوية وثقافة مجتمع ما لم نعرف لغته بكل مدلولاتها ومضامينها.

   وما يقال عن هوية المجتمع يقال عن هوية المؤسسة، فاللغة المستعملة في مؤسسة ما تعكس جزءا كبيرا من هويتها التنظيمية، وتعبر بشكل واضح وجلي عن ثقافتها التنظيمية.

    "بالنسبة للغة المستعملة في المؤسسة الجزائرية يرى علي غربي ويمينة نزار - من خلال دراسة ميدانية قاما بها حول التكنولوجيا المستوردة وتنمية الثقافة العمالية بالمؤسسة الصناعية - سيطرة اللغة الأجنبية في معظم المؤسسات وخاصة الصناعية منها...فمن المعروف أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، إلا اللغة السائدة في الإدارة في معظم المعاملات هي اللغة الفرنسية."52  فإذا كانت اللغة تعكس هوية وثقافة أي مجتمع فإن وجود لغتين في المؤسسة الجزائرية يعكس وجود هويتين وثقافتين مختلفتين.

    ولقد عبر أجمد بن نعمان عن هذا الوضع الذي ساد الجزائر بعد الاستقلال في قوله "لقد خلق ثقافتين لا متجانستين تتنازعان الأولوية وتتصارعان من أجل البقاء وتهددان البناء الاجتماعي بالتصدع، ولقد نتج عن بقاء اللغة الفرنسية كلغة أولى في الإدارة الجزائرية بعد الاستقلال تكوين طبقة اجتماعية تتمتع بجميع الامتيازات في الحصول على مختلف المناصب في المؤسسات الرسمية".53

"وهكذا نجد غالبية الإطارات تستعمل اللغة الفرنسية في تعاملاتها سواء اثناء الاتصالات الرسمية، أو في تحرير الوثائق أو حتى في حديثها مع العمال البسطاء، وهي اللغة التي لا يتقنها عدد متزايد من العمال، بل حتى بعض الإطارات الشابة حديثة التخرج من الجامعات، خاصة في الحقوق والعلوم الاجتماعية."54

في هذه الحالة تعتبر اللغة حاجزا يساهم في خلق الهوة بين الفئات السوسيو مهنية وهو ما يؤدي إلى انتشار التصنيفات الوظيفية والتعليمية والجنسية واللغوية والجغرافية داخل المؤسسة الجزائرية وما ينتج عن ذلك من تعدد في الهويات الفرعية والتي تعمل في كثير من الأحيان على إضعاف الهوية التنظيمية للمؤسسة الجزائرية. 

خاتمــــــــــــة:

وفي الأخير نخلص إلى أنه يمكن للقيادة الإدارية أن تعمل على تفعيل الهوية التنظيمية للمؤسسة عن طريق تشكيل الولاء التنظيمي لدى العاملين، هذا الأخير الذي لا يتشكل بطريقة عفوية وإنما يتم تشكيله بطريقة مقصودة وهذا ما ينبغي على المسيرين إدراكه، وذلك من خلال إشباع رغبات العاملين وتحسيسهم أن أهدافهم تتحقق بتحقق أهداف المؤسسة، وهذا يتطلب الدراية الكافية بنظريات الدوافع والحوافز،تفعيل قنوات الاتصال وأدواته، وتطبيق مختلف آليات المشاركة العمالية ...الخ، وذلك حتى يتمكنوا من فهم القيم الاجتماعية والثقافية للعاملين وجعلها في حالة توافق مستمر مع القيم التنظيمية للمؤسسة.

وهو ما يجعلنا نؤكد علىضرورة تبني كل الميكانيزمات التي من شأنها تفعيل الهوية التنظيمية كصياغة رسالة واضحة ومعبرة، والاهتمام بالبعد الثقافي واللغوي للعاملين وما له من تأثير على الصورة الانطباعية الداخلية والخارجية للمؤسسة الجزائرية، وخلق ثقافة تنظيمية إيجابية يتقاسمها جميع الأطراف المعنية.

  1. الهوامش

    1.- دنيس كوش، ترجمـة: منير السعيداني: مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنـان، ط1، 2007، ص ص 148– 149.

    2.- هارلمبس وهولبورن، ترجمة: حاتم حميد محسن: سوسيولوجيا الثقافة والهوية، دار كيوان، دمشق، سوريا، ط1، 2010، ص96.

    3.- كاري نادية أمينة: العامل الجزائري بين الهوية المهنية وثقافة المجتمع، أطروحة دكتوراه، قسم علم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، 2011-2012، ص42.

    4.- خالد حامد: مدخل إلى علـم الاجتماع، جسور للنشر والتوزيع، الجـزائر، ط2، 2012، ص168.

    5.- أحمد علي كنعان: الشباب الجامعي والهوية الثقافية في ظل العولمة، دراسة ميدانية على طلبة جامعة دمشق، سوريا، 2008، ص12.

    6. Albert،Stuart and David A. Whetten (2006), " Organizational Identity"In. Organizational Identity, Edited by Mary Jo Hatch and Majken Shultz, Oxford University Press.

    نقلا عن:عبد اللطيف عبد اللطيف ومحمود أحمد جودة: دور الثقافة التنظيمية في التنبؤ بقوة الهوية التنظيمية، دراسة ميدانية على أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية الخاصة، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 26، العدد 2، 2010، ص129.

    7.- المرجع نفسه، ص129.

    8. - طيبي غماري: الهوية في العمل في المرحلة الراهنة للمجتمع الجزائري، أطروحة دكتوراه في الأنثروبولوجيا، قسم الثقافة الشعبية، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، 2005-2006، ص109.

    9. - Albert, Stuart and David A. Whetten (2006), Op Cit.

    نقلا عن:عبد اللطيف عبد اللطيف ومحمود أحمد جودة: مرجع سابق ص131.

    10. - جمال الدين محمد مرسي: إدارة الثقافة التنظيمية والتغيير، الـدار الجامعية، الإسكندريـة، 2006، ص15.

    11.- راوية حسن: السلوك في المنظمات، الدار الجامعية الابراهيمية، مصر، 2001، ص285.

    12. المرجع نفسه، ص285.

    13. طيبي غماري: مرجع سابق، ص ص95-96.

    14. عبد اللطيف عبد اللطيف ومحمود أحمد جودة: مرجع سابق،  ص131.

    15 ماجكين شولتز وآخرون، ترجمة: رياض الأبرش العبيكات: المنظمة المعبرة – الهوية، السمعة والعلامة التجارية للشركة-مكتبة العبيكان، الأردن، ط1، 2004، ص68.

    16. المرجع نفسه، ص ص 69– 70.

    17. عبد الله البريدي: الهوية التنظيمية – كيف ينظر الأفراد إلى منظماتهم-مجلة التدريب والتقنية، العدد 96، المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، الرياض، 2007.

    18. ما جكين شولتز وآخرون، مرجع سابق، ص ص 70– 71.

    19. عبد اللطيف عبد اللطيف ومحمود أحمد جودة: مرجع سابق، ص130.

    20. ناصر قاسمي: الاتصال في المؤسسة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2011، ص ص 172– 173.

    21 ناصر قاسمي: الاتصال في المؤسسة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2011، ص ص 172– 173.

    22. كاري نادية أمينة: مرجع سابق، ص24.

    23  Jean Michel Saussois : Les Organisations, Sciences Humaines Edition, Paris, 2012, p391

    24 زاهد محمد ديري: السلوك التنظيمي، دار المسيرة، عمان، ط4، 2011، ص 105.

    25 تشارلز هل، جارديث جونز، ترجمة: محمد سيد أحمد عبد المتعال، إسماعيل علي بسيوني: الإدارة الاستراتيجية – مدخل متكامل-دار المريخ، الرياض، 2008، ص996.

    26.سيد محمد جاب الرب: الاتجاهات الحديثة في إدارة الموارد البشرية، دون ذكر دار النشر، مصر، 2009، ص ص 145– 146.

    27 Denys Cushe : La Notion de Culture dans Les Sciences Sociales , Casbah Editions , Alger , 1998, P100 .

    28.Alain Beltran et Michel Ruffat:Culture d’Entreprise et Histoire, Les Editions d’Organisation, Paris, 1991, P31.

    29. J . F Soutenain, P. Farcet : Organisation et Gestion de L’entreprise, Berti Edition, Paris, 2006, P424.

    30.Jean Michel Morin:Précis de Sociologie, Editions Nathan, Maxéville, 1996, P 151.

    31.Denys Cushe:la Notion de Culture dans les Sciences Sociales, Op, Cit, P 102.

    32.Ibid : P 103

    33.عباس سمير: الثقافة التنظيمية واستراتيجية التغيير في المنظمات، مخبر التطبيقات النفسية والتربوية، جامعة منتوري، قسنطينة، 2012، ص ص 169-170.

    34. ناصر دادي عدون: إدارة الموارد البشرية والسلوك التنظيمي، دار المحمدية، الحامة، الجزائر، 2003، ص ص 105– 106.

    35. بوفلجة غيات: القيم التنظيمية وفعالية التنظيمات، دار القدس العربي، وهران، ط1، 2010، ص11.

    36.عبد الرحمان شقير: الصورة الذهنية، مجلة المعرفة، العدد 7، وزارة التربية والتعليم، المملكة العربية السعودية، 2013.

    37عبد الله البريدي: مرجع سابق.

    38. محمد بن يوسف النمران العطيات: إدارة التغيير والتحديات المعاصرة للمدير، دار الحامد للنشر والتوزيع، الأودن، ط1، 2006، ص152.

    39. السعيد قاسمي: التفاعل بين الرسالة والبيئة في المؤسسة الاقتصادية الجزائرية، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة فرحات عباس، سطيف، 2002، ص 27.

    40. محمد فوزي علي العتوم: رسالة المنظمة وأثرها في تحقيق الميزة التنافسية، رسالة ماجستير، قسم إدارة الأعمال، كلية الأعمال، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا، الأردن، 2009، ص15.

    41. حريم حسن. إدارة المنظمات-منظور كلي-دار ومكتبة الحامد. الأردن.ط1، 2003، ص73؛ نقلا عن: عباس سمير، مرجع سابق، ص 31.

    42. سيد محمد جاد الرب: مرجع سابق، ص ص 124– 125. 

    43.محمد بن يوسف النمران العطيات: مرجع سابق، ص 153.

    44. رفعت عبد الحليم الفاعوري: مرجع سابق، ص 178.

    45. محمد حسن حمادات: قيم العمل والالتزام الوظيفي لدى المديرين والمعلمين في المدارس، مرجع سابق، ص ص 32-33

    46. حسين حريم: مرجع سابق، ص 316.

    47. جاري ديسلر: مرجع سابق، ص ص557- 558.

    48. شبل بدران الغريب وآخرون: مرجع سابق،ص 126.

    49.دوغلاس ريفر، ترجمة: ماجد صرب: مرجع سابق، ص 53.

    50.محمد حسن محمد حمادات: وظائف وقضايا معاصرة في الإدارة التربوية، مرجع سابق،ص 327.

    51. شبل بدران الغريب وآخرون: مرجع سابق، ص187.

    52. علي غربي، يمينة نزار: التكنلوجيا المستوردة وتنمية الثقافة العملية بالمؤسسة الصناعية، مخبر علم اجتماع الاتصال، جامعة منتوري، قسنطينة، 2002، ص93.

    53. المرجع نفسه، ص93.

    54- بوفلجة غياث: مرجع سابق، ص 69.

@pour_citer_ce_document

صونية براهمية, «الهوية التنظيمية وآليات تفعيلها في المؤسسة »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : pp 173-207,
Date Publication Sur Papier : 2011-09-20,
Date Pulication Electronique : 2018-06-26,
mis a jour le : 11/07/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=3035.