حجيّة لغة الحديث النّبوي الشّريف من خلال كتب النّحو واللّغة
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°15 Juillet 2012

حجيّة لغة الحديث النّبوي الشّريف من خلال كتب النّحو واللّغة


محمد بوادي
  • resume:Ar
  • resume
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

    تعدّ قضية الاستشهاد بلغة الحديث النّبوي الشّريف من القضايا اللّغوية الهامّة التّي تفرض على الباحثين والدّارسين المشتغلين بالدّرس اللّغوي ضرورة البحث والتّنقيب، وتقصّي الحقيقة من أجل الإجابة عن السّؤال المطروح حول امتناع النّحاة الأوائل وتحرّجهم من الاستشهاد بلغة الحديث الشّريف في قضايا النّحو العربي.

      غير أنّ التّطوّر الحاصل في قضايا وموضوعات الدّرس اللّغوي خلال العقود المتأخّرة يوجب إعادة النّظر في مدى صحّة ومصداقية الدّراسات التّي تناولت قضية الاستشهاد بلغة الحديث الشّريف، إذ صار هذا الأمر ضّرورة علمية، ومصلحة لغويّة ملحّة تفرض على الباحثين والدّارسين أن يجدوا إجابات علمية مقنعة توصل إلى الحقيقة، وتحقّق النتائج الدقيقة.

      ونحن في هذا المقال نريد أن نسلّط الضّوء بحثا وتقصّيا من أجل استجلاء مدى اطّراد وتوافق لغة الحديث الشّريف مع قواعد النّحو واللّغة من خلال استقرائنا لعدد من أمّهات الكتب العربية في مجالي النّحو والمعاجم لعدد من العلماء المشهود لهم بالضّلوع في هذين العلمين.   ونقصد بذلك كتب النّحو والحديث، وكتب إعراب الحديث، والتّوجيهات النّحوية لمشكلات الحديث، والمعاجم والحديث، وكتب غريب الحديث.

Tirer argument de la langue du hadith est l’un des sujets qui ont une immense importance, et qui exigent aux chercheurs (s’intéressant  en langue) la nécessité de la recherche afin de répondre à la question posée à propos de la cause de l’abstention des anciens grammairiens de citer des arguments à l’appui du saint hadith dans le domaine de  la syntaxe arabe.  Cependant, le développement connu dans les études menées dans le domaine de la langue durant ces dernières décennies exige de revoir la crédibilité des études qui traitent l’extraction des arguments à partir du texte du hadith. En effet, cela consiste une nécessité scientifique, ainsi qu’un profit langagier extrêmement intéressant, exigeant aux chercheurs de trouver des réponses scientifiquement persuasives,  pour aboutir aux résultats subtils.     Dans cet article, nous voulons, au moyen de la  recherche, éclaircir à quel point la langue du hadith convient aux normes de la langue et de la syntaxe, à partir de notre lecture et recherche approfondie dans des livres ‘sources ‘ de plusieurs savants arabes dans les domaines de syntaxe et du hadith, les livres de l’analyse grammaticale du hadith, les instructions syntaxiques pour les problèmes du hadith, dictionnaires et hadith, ainsi que les livres citant les mots peu connus utilisés dans le texte du hadith.

 تمهيد:

تعدّ قضية الاستشهاد بلغة الحديث النّبوي الشّريف من القضايا اللّغوية الهامّة التّي تفرض على الباحثين والدّارسين المشتغلين بالدّرس اللّغوي ضرورة البحث والتّنقيب، وتقصّي الحقيقة من أجل الإجابة عن السّؤال المطروح حول امتناع النّحاة الأوائل وتحرّجهم من الاستشهاد بلغة الحديث الشّريف في قضايا النّحو العربي.

      غير أنّ التّطوّر الحاصل في قضايا وموضوعات الدّرس اللّغوي خلال العقود المتأخّرة يوجب إعادة النّظر في مدى صحّة ومصداقيّة الدّراسات التّي تناولت قضيّة الاستشهاد بلغة الحديث الشّريف، إذ صار هذا الأمر ضّرورة علمية ملحّة، تفرض على الباحثين والدّارسين أن يجدوا إجابات علمية مقنعة توصل إلى الحقيقة، وتحقّق

النّتائج الدّقيقة.

      ونحن في هذا المقال نريد أن نسلّط الضّوء بحثا وتقصّيا من أجل استجلاء مدى اطّراد وتوافق لغة الحديث الشّريف مع قواعد النّحو واللّغة من خلال استقرائنا لعدد من أمّهات الكتب العربيّة في مجالي النّحو والمعاجم لعدد من العلماء المشهود لهم بالضلوع في هذين العلمين.

      ونقصد بذلك كتب النّحو والحديث، وكتب إعراب الحديث، والتّوجيهات النّحوية لمشكلات الحديث، والمعاجم والحديث، وكتب غريب الحديث.

     وسنعرض في هذا المقام لأهمّ وأشهر الكتب اللّغوية والنّحوية التّي أولت اهتماما بالحديث النّبوي الشّريف، وآثر أصحابها الاستشهاد بالأحاديث، ممّا يعطي فكرة مؤكّدة وصورة واضحة على مدى اهتمام اللّغويين والنّحاة القدامى بالحديث النّبوي، وهذه الكتب تمثّل أشهر مصادر اللّغة والنّحو في الدّرس اللّغوي العربي.

أولا: الحديث وكتب النّحو:

لقد احتجّ النّحاة في مصنّفاتهم بالحديث النّبوي الشّريف على درجات متفاوتة، حتّى لا نكاد نجد كتابا من كتب النّحو قديمها وحديثها، منذ سيبويه إلى يومنا هذا، لا يستشهد بالحديث، وهذا ما يدلّ دلالة قاطعة على أنّ الحديث النّبوي لم يُستثن أو يُعزل من مصادر الاستشهاد، وإن لم يبلغ ما بلغته المصادر الأخرى كالقرآن الكريم والشّعر وأقوال العرب الخلّص.

      وسنتناول في هذا المبحث خمسة كتب هي الأشهر في هذا الباب، إذ يمثّل كلّ كتاب منها مرحلة متميّزة من مراحل الدّرس النّحوي العربي، نذكرها مرتّبة في الآتي:

1  -كتاب سيبويه(و148هـ ت 180هـ) :

  لقد استشهد سيبويه في مصنّفه (الكتاب) بأحاديث شريفة من دون أن يشير إلى أنّها أحاديث نبويّة، إذ كان يقول -وهي عادته في الكتاب-: (ومثل ذلك)، (وذلك قولك)، (ونحو قولك).

      وقد استشهد بهذه الأحاديث من تلاه من النّحاة، ومن أمثلة الأحاديث المذكورة في كتابه نذكر:

     -حديث:"ونخلع ونترك من يفجرك"،وقد أورده سيبويه في باب الفاعلين والمفعولين، أو ما يعرف في اصطلاح النّحاة بباب التّنازع[i]، وقد استشهد بهذا الحديث ابن الأنباري في كتابه الإنصاف، انتصارا لرأي البصريين في إحدى المسائل الخلافية[ii]،وهي القول:أولى العاملين بالعمل.

     -حديث:" النّاس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشر"[iii]. أورده في باب (ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف)[iv]

    -حديث:" ما من أيّام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ فيها الصّوم منه في عشر ذي الحجّة"، احتجّ به في باب ما يكون من الأسماء صفة مفردا[v].

2-المفصل للزّمخشري (و467هـ ت 538هـ).

      استشهد الزّمخشري في كتابه المفصّل ببعض الأحاديث النبويّة، منها ما ورد في كتاب سيبويه، ومن الأحاديث التي ذكرت في المفصّل:

  -حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه:"هؤلاء المحمّدون بالباب "، أورده في باب العلم، فصل تعريف المثنى والمجموع من العلم[vi].

  -حديث:"إذا ذكر الصّالحون فحَيْهَلاّ بعُمر"، وقد استشهد به الزّمخشري في أحكام (حَيْهَلاَّ)، وهي كلمة مركّبة من (حي) (وهل) مبني على الفتح، ويقال(حَيْهَلاًّ) بالتنوين و(حَيَّّهْلاَ) بالألف، ذكر هذه اللّغات سيبويه وزاد غيره (حَيَّهْلَ) و(حَيْهَلْ)و(حَيْهَلاَ)، وقد جاء مُعدّى بنفسه، والباء وبـ(إلى) وبـ(على)[vii].

  -حديث:" ليس في الخضروات صدقة" أورده في باب جمع ما آخره ألف تأنيث، يقول الزّمخشري مبرّرا هذه الصّيغة:" لجريه مجرى الاسم".

3-كتاب شرح الكافية للرضي(ت688هـ).[viii]

      يخالف الرضي بعض النّحويين الذين لم يجيزوا الاستشهاد بالحديث الشّريف، فهو مع جمهرة اللّغويين والنّحاة الذين قالوا بصحّة الاستشهاد بالحديث، ويظهر ذلك جليّا في كتابه شرح الكافية، حيث يكثر من إيراد شواهد الأحاديث، حتّى بلغت نحو ستين موضعا من كتابه، والتّي نذكر منها:

    - حديث:"الثيّب يعرب عنها لسانها"[ix] يعرب أي يبين، وقد استشهد به صاحب الكتاب على أنواع الإعراب ودلالتها على المعاني، شارحا لفظ الإعراب في اللّغة، وهو إبانة المعنى والكشف عنه[x].

     - حديث:"خير المال سكّة مأبورة وفرس مأمورة"، أي مؤمّرة، يعني كثيرة النّتاج، وقد أورده الرّضي في باب صرف ما لا ينصرف في الضّرورة والتّناسب[xi].

    - حديث:"إنً الله تعالى ينهاكم عن قيل وقال"، أورده في باب شرط وزن الفعل في منع الصّرف[xii]،والشّاهد في نقل الفعل إلى أسماء الأجناس وهو قليل في العربيّة.

    وقد استشهد في باب التّرتيب بين الفاعل والمفعول، وبيان معنى (إنّما) بثلاثة أحاديث، هي على التّرتيب:

قولهr:" إنّما الأعمال بالنّيات"، وقوله:"إنّما الولاء للمعتق"، وقولهr:"لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد".

4- مغني اللّبيب لابن هشام الأنصاري(ت 761هـ)

      يرى ابن هشام أنّ الحديث النّبويّ الشّريف مصدر أساسي من مصادر الاحتجاج في اللّغة، لذلك أولاه عناية كبيرة، فأكثر من الاستشهاد بالأحاديث في كتبه عموما، وفي كتابه مغني اللّبيب خصوصا، الذي كثرت فيه مواضع الاستشهاد حتّى بلغت حدّ الكثرة، نحو خمسة وتسعين (95) موضعا نذكر منها:

   - قولهr:"وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون"، أورده في موضوع الأوجه التّي ترد بها (إن) المكسورة الخفيفة[xiii]. وقد احتجّ به نحاة الكوفة في أنّها (إن) تكون بمعنى (قد).

   - قولهr:"إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون"،استشهد به في باب (إنّ) المكسورة المشدّدة[xiv].

    - وحديث" ليس من امبرّ أمصيام أمسفر"، أي: ليس من البرّ الصّيام في السّفر، أورده ابن هشام في باب الوجوه التي ترد بها (أم)، وهو الوجه الرابع، حيث تكون كالتعريف، في لغة طيء وحمير[xv].

5  - همع الهوامع للسّيوطي(ت911هـ):

       على الرّغم من أنّ السّيوطي كان من مانعي الاحتجاج بالحديث[xvi] ، متبّعا في ذلك من سبقه في فكرة المنع، وعلى رأسهم ابن الضّائع )ت680هـ(، وأبو حيان (ت 754هـ)، إلاّ أنّه لم يستطع تجاوز الاستشهاد بالأحاديث في كتابه همع الهوامع، إذ نجده يستند إلى عدد غير قليل من الأحاديث بلغت مائة وخمسة وخمسين حديثا، وهو عدد كبير لم يحوه كتاب نحو سبقه، بل وأكثر من ذلك نجد السّيوطي يتعجّب من تجنّب النّحاة الاستشهاد ببعض الأحاديث، وهي شواهد صحيحة لاشكّ في عربيّتها، إذ يقول:"والدّليل على جواز إطلاق صيغة التّعجب، والتذفضيل في صفاته تعالى لقوله:" أسمع به وأبصر"[xvii] ، أي ما أسمعه وأبصره، وقول أبي بكر رضي الله عنه فيما رواه ابن إسحاق في السّيرة عنه: "أي رب ما أحلمك"...وقولهr:"الله أرحم بالمؤمنين من هذه بولدها"، وقوله لابن مسعود وقد ضرب مملوكه:" الله أقدر عليك منك عليه"، فهذه شواهد صحيحة لم يذكر السّبكي منها إلاّ أثر أبي بكر، وعجبت كيف لم يذكر هذين الحديثين المشهورين، والعذر له أنّه تكلّم عن التّعجب وهما في التّفضيل"[xviii].

     وقد كان منهج السّيوطي في الاستشهاد بالأحاديث في كتابه (همع الهوامع) هو أنّه يستدلّ بالأحاديث التّي تتّفق والقواعد النّحوية، ويترك الأحاديث التّي تخالف القواعد النّحوية، بل نجده أحيانا لا يكتفي بطرحها فقط بل يطعن في الرّواية حتىّ تسلم له القاعدة[xix].

ومن أمثلة الكتاب نذكر:

    - حديث:" أفضل ما قلته أنا والنّبيّون من قبلي، لا إله إلاّ الله" أورده السّيوطي في باب المبتدأ والخبر، حين يرد الخبر جملة، يقول:"الجملة إن كانت نفس المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط نحو:" أفضل ما قلته أنا والنّبيّون من قبلي، لا إله إلاّ الله، وإلاّ فلابدّ لها من ضمير عائد على المبتدأ يربطها به"[xx].

   - حديث:" أغد عالما أو متعلّما أو مستمعا أو محبّا" أورده في باب نواسخ الابتداء، كان وأخواتها، يقول السّيوطي:"وألحق قوم منهم الزّمخشري وأبو البقاء، والجزولي، وابن عصفور، بأفعال هذا الباب:غدا، وراح، بمعنى صار أو بمعنى: وقع فعله في وقت الغدو والرّواح، وجعل من ذلك حديث:" أغد عالما"، وحديث:" تغدو خماصا وتروح بطانا"، وتقول غدا زيد ضاحكا وراح عبد الله منطلقا، أي صار في حال ضحك وانطلاق، ومنع ذلك الجمهور منهم ابن مالك[xxi].

   -حديث:" دخلت امرأة النّار في هرّة" استشهد به في باب( المفعول له)،وشروطه يقول:"وقد يجرّ بـ(في) السّببيّة نحو:"دخلت امرأة النّار في هرّة"22[xxii].

      وقد نجد السّيوطي في بعض الأبواب من كتابه يستشهد بجملة من الأحاديث في المسألة الواحدة، مثلما هو الحال في باب الضّمائر، يقول:"وخلافا لأبي حيان وغيره(جوازه)،أي ما جاز في الضّرورة في النّثر (للتّناسب والسّجع)، نحو قوله rفيما رواه الحاكم وغيره:"اللّهم ربّ (السّماوات) السّبع (وما أظللن) وربّ الأرضين السّبع وما أقللن، وربّ الشّياطين وما أضللن"، وكان القياس أضلوا فأتى بضمير مؤنّث لمناسبته أظللن، وأقللن، وقوله في حديث المواقيت في الصّحيح (هن لهن) والقياس (لهم) بعوده على أهل المدينة ومن ذكر معهم. وقوله فيما رواه البزّار في مسنده وغيره:"أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا" نون المنادى المعرفة، ونصبه لمناسبة 'إقلالا'، وقوله للنّساء حين رجعن من الجنازة فيما رواه ابن ماجة وغيره:"ارجعن مأزورات غير مأجورات"، والقياس موزورات بالواو، وقوله فيما رواه: (كل ما أضميت)، أي ما رميت من الصّيد فقتلته، وأنت تراه ( ودع ما أنميت) أي ما رميته فغاب عنك ،ثم مات"[xxiii]

    ثانيا : كتب إعراب الحديث:

       إنّ موقف النّحاة الأوائل من الحديث الشّريف في عدم الاحتجاج به لم يدم طويلا، حتّى جاء بعض النّحاة ممّن أدرك أهميّة الأحاديث في إثبات صحّة القواعد النّحوية وتفسير الظّواهر اللّغوية، ومن هؤلاء الزّمخشري والعكبري والسّهيلي وابن مالك، ومن جاء بعدهم، فخالفوا سنّة سابقيهم، وأخذوا يعتدّون بالأحاديث في استشهاداتهم، وجعلوا من الحديث مصدرا أساسيّا للدّراسات النّحوية، يستنبطون منه القواعد ويستدلّون به على صحّة القضايا النّحوية واللّغويّة، فاهتمّوا بإعرابه وصنّفوا فيه مصنّفات كثيرة، وصلنا منها ثلاثة،, الأوّل إعراب الحديث للعبكري (ت616هـ)،والثّاني إعراب الحديث لابن مالك (ت672)، والثّالث للإمام السّيوطي (ت911هـ)، يقول هذا الأخير في مقدّمة كتابه:"أكثر العلماء قديما وحديثا من التّصنيف في إعراب القرآن الكريم، ولم يتعرّضوا للتّصنيف في إعراب الحديث سوى إمامين، أحدهما الإمام أبو البقاء العبكري، والثّاني الإمام جمال الدّين، وقد استخرت الله تعالى في تأليف كتاب في إعراب الحديث"[xxiv].

1 -إعراب الحديث للإمام العكبري(ت 616هـ):

      صنّف العكبري كتابه (إعراب الحديث) وأراد به إعراب ما شكل من ألفاظ في الأحاديث، جامعا مادّته من كتاب (جامع المسانيد) لابن الجوزي (ت597هـ)، إذ يقول في مقدّمة كتابه مبيّنا سبب تأليفه له:"فإنّ جماعة من طلبة الحديث التمسوا منّي أن أملي مختصرا في إعراب ما يشكل من الألفاظ الواقعة في الأحاديث، وأنّ بعض الرّواة قد يخطئ فيها، والنبي rوأصحابه بريئون من اللّحن، فأجبتهم إلى ذلك، واعتمدت على أتمّ المسانيد وأقربها إلى الاستيعاب وهو جامع المسانيد للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرّحمن بن الجوزي رحمه الله، فذكرت منه، وهذا الكتاب موضوع على أسماء الصحابة مرتّبة على حروف المعجم، والله الموفّق للصّواب"(25).

      وقد أورد ما يقارب أربعمائة وثلاثين حديثا، مستشهدا عليها بالقرآن الكريم والشّعر، متعرّضا في بعض الأحيان لمسائل خلافية بين مدرستي البصرة والكوفة، منتصرا لمذهب يراه أقرب لقواعد اللّغة، وقد يتفرّد برأي يخالف فيه المدرستين، بعد أن يعرض لمختلف الوجوه والتّخريجات، فيطرح كلّ رواية خالفت المألوف من كلام العرب، حاكما عليها باللّحن.

      ومن الأحاديث المستشهد بها في الكتاب نذكر:

    - حديث أُبي عن النبيr:" يغسل ما مسّ المرأة منه". قال الشّيخ:(ما) بمعنى الذي، وفاعل(مسّ) مضمر فيه يعود على الذي، و(المرأة) مفعول(مسّ)، ولا يجوز أن ترفع (المرأة) بـ(مسّ) على معنى ما مسّت المرأة، لوجهين:

     أحدهما: أنّ تأنيث (المرأة) حقيقي ولم يفصل بينهما وبين الفعل فلا وجه لحذف التّاء.

     والثاني:أنّ إضافة اللّمس إلى الرجل، وإلى أبعاضه حقيقة، ولذلك قال تعالى:" أولمستم النّساء"(26)،وإضافة اللّمس إليها في الجماع تجوز"(27).

    -حديث أسامة عن النبيr :"أنّ رسول الله rتوضّأ في الشّعب، فقلت يا رسول الله: الصّلاة، فقال: الصّلاة أمامك"، قال الشّيخ: الوجه النّصب على تقدير:أتريد الصّلاة أو تصلّي الصّلاة، فقال له ما معناه: الآن لا بل نؤخّرها إلى أن نأتي بها مع العشاء الآخرة بالمزدلفة"(28).

  - حديث أنس:"يتبع الميت ثلاث: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله"، و الوجه أن يقال : ثلاثة لأنّ الأشياء المذكورة مذكّرات كلّها لذلك قال: يرجع منها اثنان ويبقى واحد فذكّر؟ والأشبه أنّه من تغيير الرّواة من هذا الطّريق، ويحتمل أن يكون الوجه فيه ثلاث علق والواحدة علقة لا أنّ كلا من هذه المذكورات علقة، ثمّ إنّه ذكّر بعد ذلك حملا على اللّفظ بعد أن حمل الأوّل على المعنى"(29).

  - في حديث:" ما من أحد يوم القيامة غني ولا فقير"، (من) زائدة، و(غني) بالرّفع صفة لـ(أحد) على الموضع، لأنّ الجار والمجرور في موضع رفع، ونظيره قوله تعالى:"ما لكم من اله غيره"(30) بالرّفع على الموضع وبالجرّ على اللّفظ، ويجوز في الحديث (غني ولا فقير) بالجرّ على اللّفظ أيضا.

2  - إعراب الحديث لابن مالك الأندلسي (ت672) :

      يمثّل ابن مالك منعطفا حاسما في تاريخ الدّرس النّحوي في موضوع الاستشهاد بالحديث الشّريف، إذ أولاه اهتماما كبيرا وعناية بالغة،وقد عدّه مصدرا أساسيا من مصادر الاحتجاج على صحّةالظّواهر اللّغوية وإثبات القواعد النّحوية.

      فصنّف كتابا في إعراب الحديث سمّاه (شواهد التّوضيح والتّصحيح لمشكلات الجامع الصّحيح) وقد اعتمد في شرح مادته على الإكثار من الشّواهد القرآنية فإن كان ما فيه شاهد عدل إلى الحديث، فإن لم يكن فيه شيء عدل إلى أشعار العرب، كما تعرّض لآراء من سبقه  في استنباط القواعد، ولا يجد حرجا في تخطيء النّحويين في عدد من المسائل، مخالفا في ذلك العكبري الذي كان يلحّن الرّواية أحيانا لمخالفتها قواعد النّحاة، وبذلك اختلف منهج ابن مالك عن منهج العكبري، ومثال ذلك رأيّه في قول عائشة رضي الله عنها:" إنّ أبا بكر رجل أسيف وإنّه متى يقوم مقامك، لا يسمع النّاس"، قال العكبري: وقع في هذه الرّواية (يقوم) بالواو خطأ والوجه حذفها وإسكان الميم لأنّ (متى) هنا شرط، وجوابه(لا يسمعالنّاس).

      بينما يرى ابن مالكأنّ (متى) في الحديث تحمل على (إذا) فأهملت، كما شبّهت (إذا) بـ(متى) فأعملت(31).

    ومن أمثلة الكتاب نذكر:

   - حديث:ورقة بن نوفل:" يا ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك"، فقال رسول اللهr:" أوَ مخرجي هم" أورده ابن مالك في باب (يا ليتني)وفي استعمال (إذ) مكان(إذا)، ويقول ابن مالك في "أوَ مخرجي هم"،"قلت يظنّ أكثر النّاس أنّ (يا) التّي تليها (ليت) حرف نداء والمنادى محذوف بتقدير قول ورقة على هذا: يا محمّد، ليتني كنت حيّا، وتقدير قوله تعالى:" يا ليتني كنت معهم"(32)، يا قوم،ليتني كنت معهم. وهذا الرأيّ عندي ضعيف؛لأنّ قائل (يا ليتني)قد يكون وحده، فلا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف"(33).

      وأمّا قول النبي r:"أوَ مخرجي هم" فالأصل فيه وفي أمثاله تقديم حرف العطف على الهمزة، كما تقدّم على غيرها من أدوات الاستفهام،نحو:" وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله"(34)، فالأصل أن يُجـاء بالهمزة بعد العاطف كما جيء بعده أخواتها(35).

   - حديث النبي r:" انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلاّ بإيمان بي وتصديق برسلي"، يقول ابن مالك شارحا هذا الحديث شرحا نحويا:" تضمّن هذا الحديث ضمير غيبة، مضافا إليه( سبيل)،وضمير حضوري حضور أحدهما في موضع جر بالباء، والآخر في موضع جر  بإضافة (السبيل)،وكان اللائق في الظاهر أن يكون بدل الياءين هاءان، فيقال: انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلاّ إيمان به وتصديق برسله، فلو قيل هكذا لكان مستغنيا عن تقدير وتأويل، لكن مجيئه بالياء يحوج إلى التأويل، لأنّ فيه خروجا من غيبة إلى حضور"(36).


    3- إعراب الحديث للسيوطي(ت911هـ):

      صنّف السيّوطي كتابا في إعراب الحديث سمّاه (عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد) خصّصه لإعراب أحاديثه المشكلة، مستفيدا ممّا جاء في كتاب إعراب الحديث للعبكري،وكتاب شواهد التّوضيح للإمام ابن مالك، وقد رتّبه على طريقة المسانيد، فهو يجمع الأحاديث التي يرويها كلّ صحابي في مسند خاص به.

     ويعود سبب تأليفه هذا الكتاب إلى ندرة ما ورد في هذا الباب من التّصانيف، وأنّ ما ورد فيه من النزر القليل، لا يروي الغليل ويشفي العليل، ولذا تطلّع إلى تصنيف كتاب مستوعب جامع وغيث على رياض كتب المسانيد والجوامع, جامع شامل للفوائد البدائع"(37).

     ومن الأحاديث التي وردت في  الكتاب نذكر:

   -حديث اللّقطة:" فإن جاء صاحبها وإلاّ استمتع بها"(38)،يستشهد السّيوطي في شرح هذا الحديث بكلام ابن مالك إذ يقول: قال ابن مالك في توضيحه" تضمّن هذا الحديث حذف جواب "إن" الأولى وحذف شرط "إن" الثّانية، وحذف الفاء من جوابها"فإنّ الأصل: فإن جاء صاحبها أخذها وإن لا يجيء فاستمتع بها"(39).

    - حديث الإسراء" قالوا مرحبا به وأهلا" هما منصوبان بفعل مضمر وجوبا، أي صادفت رحبا بضمّ الرّاء،

أي سعة، ووجدت أهلا فاستأنس. وقال القاضي عيّاض والنّووي:'مرحبا' نصب على المصدر وهو لفظ استعملته العرب وأكثرت منه،تريد به:البرّ وحسن اللّقاء، ومعناه صادفت رحبا وسعة وبرّا(40).

   - حديث:" فرغ الله إلى كلّ عبد من خلقه من خمس: من أجله، ورزقه وأثره وشقي أم سعيد"، قال أبو البقاء:"لا يجوز فيه إلاّ الرّفع على تقدير" وأهو شقي" ولو جرّ عطفا على ما قبله لم يجز، لأنّه لو قلت:فرغ من شقي أم سعيد لم يكن له معنى"(41).     ممّا تقدّم يتّضح لنا جليا أنّ النّحاة قديمهم وحديثهم، وعلى اختلاف مذاهبهم قد اهتمّوا بالحديث الشّريف واحتجوا به في مصنّفاتهم على درجات متفاوتة، حتّى أنّنا لا نكاد نتصفّح كتابا من كتب النّحو منذ سيبويه إلى يومنا هذا إلاّ ونجده يستشهد بالحديث.


      ثالثا: كتب المعاجم والحديث:

      سنتناول في هذا المبحث أشهر المعاجم العربيّة التّي احتجّ فيها أصحابها بالحديث الشّريف، والتّي يمثّل كلّ منها نوعا متميّزا عن غير من المعاجم، وذلك لبيان مدى صلة هذه المصنّفات واهتمامها بالحديث، وهذه المعاجم هي:

1 - المحكم لابن سيدة ( ت 458هـ)

     لقد أكثر ابن سيدة من إيراد الحديث، وشرح ألفاظه في المحكم،بل جعل من الحديث معينا ومصدرا أساسيا لمادّة معجمه، يقول في المقدّمة مشيرا إلى مصادر المحكم:" وأمّا ما ضمنّاه كتابنا هذا من كتب اللّغة فمصنّف أبي عبيدة، والإصلاح والألفاظ والجمهرة*وتفاسير القرآن، وشروح الحديث"(42).

ونظام 'المحكم' هو نفسه نظام العين، حيث رتّبه ابن سيدة على طريقة التّقاليب والنّظام الصّرفي؛فيأخذ مادّة لغويّةماويقلّبها على الأوجه المحتملة، مستشهدا عليها بالقرآن الكريم والحديث الشّريف والشّعر، وكلام العرب، موضّحا –أحيانا-معاني الشّواهد ودلالتها.

    ومن أمثلة الأحاديث الواردة في المحكم ما يلي:

    - حديث:" ما تضعضع أمرؤ لآخر، يريد به عرض الدّنيا، إلاّ ذهب ثلثا دينه"،استشهد به في شرح مادة (ض،ع،ع) إذ يقول: الضّعضعة: الخضوع والتذلّل، وقد ضعضعه الأمر فتضعضع...وفي الحديث:" ما تضعضع أمرؤ لآخر يريد به عرض الدّنيا إلاّ ذهب ثلثا دينه"، وتضعضع الرّجل ضعف وخفّ جسمه من مرض أو حزن،وتضعضع ماله:قل"(43).

    - حديث:"جرح العجماء جبار"،أورد في شرح مادة (ع،ج،م)،يقول:"العجم والعجم: خلاف العرب...والعجماء: كلّ بهيمة، وفي الحديث :"جرح العجماء جبار"،أي لا ديّة فيه ولا قود، وصلاة النّهار عجماء، لخفاء القراءة فيها، واستعجم الرّجل: سكت،واستعجمت عليه قراءته: انقطعت، فلم يقدر على القراءة من نعاس،ومنه حديث عبد الله :"إذاكان أحدكم يصلّي، فاستعجمت عليه قراءته فلينم"(44).

   - حديث:" إنّها أيّام أكل وشرب وبعال"،استشهد به في شرح مقلوب مادة (لعب) ( بعل)،يقول ابن سيدة:" البعل:الأرض المرتفعة التّي لا يصيبها مطر إلاّ مرّة واحدة في السّنة،والبعل الزّوج،والجمع بعال وبعول وبعولة"...والتّباعل والمباعلة والبعال: ملاعبة المرء أهله، وقيل البعال: النّكاح، ومنه الحديث في أيام التّشريق:" إنّها أيّام أكل وشرب وبعال" وروى عن ابن عبّاس:" أنّ رسول الله rكان إذا أتى يوم الجمعة قال: يا عائشة اليوم يوم تبعّل وقران" يعني بالقران التّزويج"(45).

   - الفحل: الذكر من كلّ حيوان وجمعه أفحل وفحول وفحولة وفحال وفحالة...وكبش فحيل،يشبه الفحل من الإبل في عظمه ونبله، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه:"أنّه بعث رجلا يشتري أضحية فقال: اشتره فحلا فحيلا" أراد بالفحل غير الخصي، وبالفحيل ما ذكرنا"(46).

2- أساس البلاغة للزّمخشري( ت 538هـ)*:

     اعتمد الزّمخشري في معجمه أساس البلاغة على التّرتيب الهجائي الألفبائي، بحسب أوائل الكلمات بعد التّجريد، وقد جمع مادّته من مصادر الاحتجاج المعروفة،وهي:القرآن الكريم والحديث الشّريف، وأقوال الصّحابة (كعمر وعلي)،وغيرهم من الفصحاء،وشعرالجاهليين والمخضرمين والإسلاميين.

    ويبدو الزّمخشري في مصنّفه هذا مهتمّا كبيراهتمام بالحديث النّبوي الشّريف، وهي عادته في كلّ كتبه ومصنّفاته الأخرى، حيث يكثر من الاستشهاد بالأحاديث كونهاتمثلعنده مصدرا أساسيا من مصادر الاحتجاجفي اللّغة.

     ومن أمثلة ذلك نذكر:

   - حديث:"نحن معاشر الأنبياء فينا بكء" أي قلّة كلام، استشهد به في شرح مادة (بكأ)،يقول الزّمخشري:

" الناقة تبكىء: قليلة اللّبن،و قد بكؤت،و من المجاز بكؤتالعين، قلّ ماؤها، أو ركي بكي، و بكؤت عيني

وعينون  بكاء قلّ دمعها، وألسنة بكاء: قلّ كلامها، وأيد بكاء، قلّ عطاؤها"(47).

   - حديث:"لا يزال النّاس بخير ما بكّروا بصلاة المغرب"،يقول الزّمخشري في مادة (بكر):"بكّر المسافر وأبكر وبكر وابتكر وتبكّر، خرج في البكرة..ومن المجاز بكر بالصّلاة إذا صلاّها في أّوّل وقتها، وفي الحديث" لا يزال النّاس بخير ما بكّروا بصلاة المغرب، وبكّر إلى صلاة الجمعة، خرج إليها في أوّل وقتها، وابتكر الشّيء: أخذ أوّله"(48) .

  - حديث:"كان يسبّح بالنّوى المجزّع"،أورده في مادة(ج ز ع)،يقول:"جزع الوادي، قطعه عرضا...وجزع البسر وجزع،وبسر مجزع ومجزّع قد أرطب بعضه وبعضه غض،أي صار كالجزع في اختلاف لونه أو صيّر،وفي الحديث" كان يسبّحبالنّوى المجزّع" وهو الذي حكّك حتى صار ذا لونين،ومنه لحم مجزع، فيه بياض وحمرة"(49),

   - حديث أبي هريرة" إنّي لأرفّ شفتيها وأنا صائم"، رفف: باتيرفّ شفتيها، يرشفها، ورفّ البقل ونحوه: أكله(50).

3- لسان العرب لابن منظور (ت711هـ)

      يعدّ لسان العرب أضخم المعاجم العربيّة،اعتمد صاحبه في جمع مادّته على خمسة مصادر هي: تهذيب اللّغة للأزهري( ت370هـ)،والمحكم لابن سيدة (ت485هـ)، والصّحاح للجوهري(ت393هـ)، والجمهرة لابن دريد، والنّهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، وقد فضّل ترتيب معجمه ترتيب الصّحاح في الأبواب والفصول،لسهولة منهجه وبساطة ترتيبه، فقد رتّبه ترتيبا ألف بائيا لكن حسب أواخر الكلمات بعد التّجريد.

     وقد تميّز ابن منظور في معجمه هذا بتوسّعه في الشّرح وإفاضته في ذكر الرّواة والعلماء واللّغويين، وكثرة الشّواهد، خاصّة من الحديث النّبوي الشّريف.ومن أمثلة ذلك نذكر:

   - في حديث مرض النّبي  rقال العبّاس لعلى رضي الله عنهما:"كيف أصبح رسول الله r؟،قال أصبح بحمد الله بارئا، أي معافى"،وقد استشهد به ابن منظور في شرح مادّة(برأ)،إذ يقول:" وفي حديث الشّرب فإنّه أروى وأبرى، أي يبرئه من ألم العطش، أو أراد أنّه لا يكون منه مرض، لأنّه قد جاء في حديث آخر "فإنّه يورث الكباء"قال: هكذا يروى في الحديث أبرى،غير مهموزة لأجل أروى"(51).

   - وفي الحديث أنّ النّبيrقال بعد وقعة بدر:" لو كان أبو طالب حيّا لرأى سيوفنا وقد بسئت بالمياثل"،بسئت وبسأتبفتح السّين وكسرها،اعتادت واستأنست، والمياثل:الأماثل، قال ابن الأثير: هكذا فسّر"(52).

    - وفي حديث أم سلمة :"ليس بك على أهلك هوان" أراد بالأهلنفسه عليه السّلام،أي لا يعلق بك ولا يصيبك هوان عليهم،ويقول في شرح لفظة آهل:" وفي الحديث :أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أعطى الآهل حظينوالعزب حظا"،الآهل: الذي له زوجة وعيّال، والعزب الذي لا زوجة له"(53).

  - وقد يستشهد في مادة واحدة بأكثر من حديث مثل:

 في حديث الإسراء:"...ثم عرضت له امرأة حسناء جملاء"،أي جميلة مليحة وفي الحديث"جاء بناقة حسناء جملاء"،قال ابن الأثير :والجمال يقع على الصّور والمعاني، ومنه الحديث "إنّ الله جميل يحبّ الجمال"، أي حسن الفعال كامل الأوصاف"(54).

4 - المصباح المنير: للفيّومي(ت770هـ):

     هذا المعجم في الأصل شرح لكتاب عبد الكريم الرّافعي (ت 623هـ) (فتح العزيز على كتاب الوجيز)،وهو شرح لكتاب الغزالي(ت505هـ) (كتاب الوجيز في الفروع)(55)،واعتمد الفيّومي في جمع مادّة معجمه على القرآن الكريم،والحديث الشّريف،والشّعر ولغة العرب،وأقوال العلماء السّابقين،يقول في مقدّمة كتابه:"وكنت جمعت أصله من نحو سبعين مصنّفا ما بين مطوّل ومختصر، فمنه ما راجعت كثيرا منه، لما أصابه،نحو غريب الحديث لابنقتيبة، والنّهاية لابن الأثير، والغريبينلابيعبيدة الهروي.."(56).ونجده لا يكتفي بنقل الأحاديث فقط بل يطعن أحيانا في الرّواية أو يخطّئ الرّواة من المحدثين، مثل قوله في حديث:" فصلّوا قعودا أجمعين"، فغلط من قال أنّه نصب على الحال، لأنّ ألفاظ التّوكيد معارف، والحال لا تكون إلاّ نكرة، وما جاء منها معرفة فمسموع وهو مؤوّل بالنّكرة، والوجه في الحديث:فصلّوا قعودا أجمعون، وإنّما هو تصحيف من المحدثين في الصّدر الأوّل، وتمسّك المتأخّرون بالنّقل"(57).

     ومن الأمثلة على الأحاديث التّي ذكرها:

   - حديث:" فإنّه لا يدري أين باتت يده"،استشهد به في شرح مادّة (بات)، وما قد تخرج إليه من معان أخرى غير المعنى المعروف لغة، يقول: بات: وقد تأتى بمعنى صار، يقال: بات بموضع كذا أي صار به سواء كان في ليل أو نهار،وعليه قوله r:"فإنّه لا يدري أين باتت يده "، والمعنى صارت ووصلت،وعلى هذا المعنى قول الفقهاء، بات عند امرأته ليلة، أي صار عندها سواء حصل معه نوم أم لا"(58).

   - حديث:" ثلاث جدّهن جدّ وهزلهن جدّ"، أورده في شرح مادة (جدّ)،يقول:وجد في كلامه جدّا من باب ضرب، ضدّ هزل والاسم منه الجدّ بالكسر،ومنه قوله عليه الصّلاة السّلام" ثلاث جدّهن جدّ وهزلهن جدّ"،لأنّ الرّجل في الجاهلية يطلّق أو يعتق أو ينكح ثم يقول كنت لاعبا ويرجع،فأنزل الله قوله تعالى:" ولا تتّخذوا آيات الله هزوا"(59)،فقال النّبي r:" ثلاث جدّهن جدّ" إبطالالأمر الجاهلية،وتقريراللأحكام الشّرعية"(60).


        رابعا-

@pour_citer_ce_document

محمد بوادي, «حجيّة لغة الحديث النّبوي الشّريف من خلال كتب النّحو واللّغة»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2012-07-04,
Date Pulication Electronique : 2012-07-04,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=614.