تعديل سلوك الطفل مقاربة سيميائية لقصة نصيحة أم لعمر جيدة
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°16 Décembre 2012

تعديل سلوك الطفل مقاربة سيميائية لقصة نصيحة أم لعمر جيدة


يحي عبد السلام
  • resume:Ar
  • resume
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL


يكشف هذا المقال عن النظام المؤسساتي, وما يفرضه من منطق أخلاقي أو اجتماعي ووجوب تطبيقه, وإن عدم الامتثال له يعرّض صاحبه للخطر الجسيم؛ وهذا يعني وجود جزاء وعقابلكل سلوك, وبذلك تنبئ كل جناية بالجزاء الذي تلزمه وتستلزمه, وأثر ذلك في تحديد السلوك وتشكيل المفاهيم, وهكذا يتخلى الطفل عن السلوك الذي يرفضه العرف والأخلاق وتتشكل لديه القناعات والحدود

Cet assai aspire à découvrir l'ordre institutionnel et ses implications éthique et sociales et l'obligation impérieuse de leurs application effectives dans la société pour parer à tout débordement car il y a les récompenses et châtiments selon tout acte commis et leurs influences sur les comportements de l'enfant et la formation des concepts se qui constitue chez ce dernier ainsi que l'appropriation des convictions et les limites coercitives dans tous les domaines de la vie

 

تعديل سلوك الطفل

مقاربة سيميائية لقصة نصيحة أم لعمر جيدة.

                                                  

 أ.عبد السلام يحي

جامعة سطيف2

       يركز المختصون  في مجال أدب الطفل بعامة  على توجيه الأطفال, وإعادة تقويم سلوكهم وتعديله من منظور مؤسساتي ينبني على ما هو اجتماعي أو أخلاقي أو ديني ويهدف من خلاله الكبير إلى توجيه الصغير الوجهة التي تريدها تلك المؤسسات وفق منطقها وتصورها للأشياء, وتصبح تلك القوانين والأحكام ذات قيمة قارة توجب الجزاء والعقاب للخارج عنها؛ لأنها نتاج للتجارب والمتعارف عليه وما سنّه القانون كما أنها ترتبط بالماضي والحاضر وهي بذلك صالحة للمستقبل.

     وإذا كان الطفل في مراحل نموه الأولى كثيرا ما يتم توجيهه إلى سلوك معين بالمنع أو بالسماح, وبالتالي فهو يعمل "بنظام التعليمات يجب أن تفعل هذا أو ذاك أو لا يجب أن تفعله"[i], ويصبح ذلك هو القانون المتحكم في أفعاله وسلوكه, غير أن للصغير  بتقدمه في سن الطفولة  تصورا آخر للأمور, فقد لا يقيم وزنا لتلك القوانين ولسلطة الكبير, ويرفض ذلك النظام من التعليمات العرفية والسلوكية, مما يؤدي بالكبير للحكم على سلوكه حكما خاصا, فيسعى إلى إقناعه طوعا أو كرها, وبيان ما يتبع ذلك من جزاء وعقاب, والسعي إلى إيجاد السّبل التي تدفع الطفل إلى قبول ذلك, وهم بهذا الفعل يسوّونه في كثير من الأحيان مع الكبير أمام ما ينجر عن القانون, ويأتي هذا المقال محاولة لبيان ذلك من خلال قصة"نصيحة أم".

      إذا كان الطفل الصغير يقبل بذلك دون اعتراض؛ فإنه  مع تقدمه في السن  قد يصبح رافضا لذلك، وله منطقه الخاص وتقديره للأشياء, ويجد نفسه أمام"نظام وتعليمات سلوكية تستلزم القبول والرفض, ويأخذ بعين الاعتبار إمكان الانتهاك ويقحم أوامر وتنازلات وينفتح على الإمكان:فهو حساب من نوع موجه, وبالفعل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال أنظمة من المنطق الأخلاقي أو من منطق الفعل انطلاقا من قواعد متماسكة"[ii]من خلال المسموح والممنوع المحجور, ففي نظام تشييد بيوت الأرانب في قصة"نصيحة أم"مثلا؛ فإن المعمول به؛ وبالتالي المسموح والواجب تنفيذه هو أن يكون للبيت بابان, والممنوع وما هو غير معمول به؛ وبالتالي الممنوع هو أن يكون للبيت باب واحد, تقول الأم لولديها: "إن بهذه الغابة حيوانات مفترسة تبطش بالأرانب وتفتك بها وأشرسها الثعلب الماكر... ولكي تتقيا شر هذا الحيوان اللئيم عليكما أن تجعلا لبيتكما بابين وأن لا تبتعدا عن البيت"[iii], فالواجب فعله هو جعل بابين للبيت, وعدم الابتعاد عنه نظرا لوجود الثعالب التي تفتك بالأرانب, وزيادة على هذا التخويف من المخاطر الموجودة في الغابة, تضيف الأم إلى ذلك حجة من المفروض أن يقبلها الطفل, وهي كبرها في السّن؛تقول: "أنا الآن أصبحت عجوزا ولا يمكنني أن أؤمن لكما كل ما تحتاجانه"[iv], وإضافة إلى كل ذلك لم تعد قادرة على تأمين كل شيء.

     وبذلك يلجأ الكبير من خلال القصة إلى تشكيل اعتقادات وقناعات لدى الطفل من خلال عملية القص وعبر رموزها اللغوية, ويتحول الطفل من مجرد نقل الخبر إليه إلى التصديق به بعد تجريبه في القصة, فقد أخبرت الأم ابنيها بأنه: "يجب على كل واحد منكما أن يعتمد على نفسه في حياته، فقال"عنيد"لماذا يا أمي كل واحد يعتمد على نفسه ونحن سعداء في بيتنا هذا... نمرح ونلعب ونتجول في الغابة وأنت تؤمنين لنا الطعام والشراب"[v]؛ إنها دعوة صريحة من الأم بوجوب الاعتماد على النفس وفق فلسفة استمرارية الحياة في مقابل رأي آخر لابنها لا يؤمن من خلال التساؤل بما تدعوه إليه أمه وهو سعيد بما هو فيه.

    وتسرب ذلك إلى البنية اللغوية "افعل ولا تفعل بين الأمر والنهي والنفي والإثبات"من قبل الأم، والرفض والمعاندة من قبل الطفل "عنيد", وذلك ما تكشف عنه صيغة تكرار جملة "يجب عليكما"[vi]كثيرا في القصة ويفسر الطبيعة الاعتباطية للمنظومة اللغوية بين فعل "يجب"وعدم تنفيذه. 

     ومع ذلك لم يقتنع الابن"عنيد"بذلك ليظل سلوك العناد والتواكل يشكلان لديه قناعة خاصة, ومن خلال ما حدث له في قصة"نصيحة أم" حين هاجمه الثعلب, فقد: "فر هاربا ولاحقه الثعلب حتى دخل إلى بيته، فدخل وراءه وأغلق الباب خلفه، فوجد"عنيد"نفسه محاصرا وتأكد أنه هالك لا محالة"[vii]؛ إن وجود"عنيد"محاصرا مع عدم إمكانية الهرب لعدم إقامة بيت جديد و"بقائه في البيت القديم"[viii]الذي انهار جزء منه وانسد أحد أبوابه"[ix], هو نوع من العقاب له لعناده وعدم تنفيذه الوصية ولاتّكاله وتكاسله, مع عدم نجاح خطة الهرب التي عول عليها في البداية.

       واستنادا إلى ما سبق يبرز في القصة نوعان من السلوك:واحد إيجابي والآخر سلبي، وهو ما حدّده القانون الأخلاقي والعرف الاجتماعي من قواعد وأحكام على السلوك بأنها إيجابية أو سلبية ويمكن بيان السلوكين لكل من "مطيع" و"عنيد"من خلال التقابل الخاص بالخضوع الإيجابي عند الأول والخضوع السلبي عند الثاني فيما يلي:

    يعتبر خضوع "مطيع" لنصيحة الأم وما قام به خضوع إيجابي؛ لأنه قام بتنفيذ وصية الأم ولم يعرض نفسه للخطر, ومن جهة أخرى نجّا أخاه"عنيدا"من خطر الثعلب وبالتالي هو مثال للاحتذاء, وكان الحكم على هذا الفعل والسلوك بأنه إيجابي لأن القائم به يقوم بالفعل حتى وإن لم يكن قادرا على ذلك ولم يكن واجبا عليه, ويعتبر فعل وسلوك"عنيد"خضوعا سلبيا؛ لأنه كان معارضا لنصيحة الأم وعرّض نفسه للخطر, وقد كان معاندا يرى أن ما قالته الأم يعّد لا واجبا وبالتالي لا يريد أن يفعل حتى وإن كان قادرا على الفعل، وكان ذلك واجبا عليه؛ فهو متكاسل معاند وبالتالي عطّل الإرادة والفعل وأصبح في وضع من اللاإرادة واللافعل, وشكل كل ما حدث له قناعة أخرى, وتحولت النصيحة من مجرد خبر إلى فعل مجرّب, وأصبح هناك فعل تحول:معادلة فعلية لمعادلة خبرية [x].  

        إنّ ما أصاب "عنيدا" هو الذي جعله يقرر الإقلاع عن سلوكه, ويدرك ما كان واجبا عليه, ويتغير بذلك مفهومه لما قالته الأم وتصوره للحياة بعد أن أنقذه أخوه "مطيع"فقد: "أسرع عنيد خلف أخيه مطيع وهو لا يصدق بالنجاة قاسما لأخيه أنه أدرك قيمة نصيحة أمه وسوف يتخذها درسا ومنعرجا في حياته"[xi], فقد حصل فعل الإنقاذ بفضل أخيه"مطيع"الذي كان مبادرا إلى تنفيذ الوصية وبناء البيت، يقول "مطيع" أما أنا فسوف أعمل بنصيحة أمي, وبعد أيام كان مطيع قد انتهى من بناء بيته الجديد وفقا لوصية أمه"[xii], كما أن فعل "خلف" ينم  بعد الذي حصل  على الإتباع والإذعان وعدم العناد.

      ومن خلال ما وقع لعنيد فإن ذلك يجعل الطفل يقتدي به, وبالتالي يعرف مفهوم الواجب والمسموح به والمرفوض والمحظور؛ وعندما يفعل ذلك"فإن شكلنة الحسابات تأخذ بعين الاعتبار حالة العالم والتغيير الذي ينجرّ عنها بفعل عمل الفاعل أو حسابات تأخذ بعين الاعتبار فعلا بخصوص القواعد الأخلاقية أو القانونية"[xiii], ويعرف بأنه قام بانتهاك وصية الأم من خلال ما قابلها من جزاء جرّاء عدم الالتزام بها؛ أي بالقانون الأخلاقي والاجتماعي، وتصبح العلاقة ليست بين فعل وفعل آخر  بين فعل الثعلب وما فعل"عنيد"بل بين الاعتراف بانتهاك التزام واحترام آخر, أو"بعبارة سيميائية السلوك:تنبئ كل جناية بالجزاء الذي تلزمه وتستلزمه"[xiv].

    وما حدث للأرنب الصغير كان علامات دالة تم فهمها كما ينبغي من قبل الطفل, وأفضت إلى معرفة أفضل بالسنن الاجتماعي والأخلاقي لسلوك العناد، ووجوب الاعتماد على النفس, ولما قالته الأم. فالتجربة الاجتماعية والفعلية هي التي مكنت الأم والابن "عنيد" من تحديد الأول لسلوك أخلاقي وعلى فهم الثاني لذلك السلوك، ووجوب التحول من سلوك إلى آخر؛ مما كان مقتنعا به إلى ما لم يكن مقتنعا به وهي وصية الأم, واستنادا إلى ذلك يشكل ما قالته الأم كفاءة فكرية مصدرها التجربةوالعرف الاجتماعي المرتبط بالحياة العامة لعالم الأرانب؛ وتلك"الكفاءة الفكرية التي تشرع معرفة الصّح تؤدي بدورها إلى أداء خاص (فعل تفسيري)يؤدي إلى الفعل الفكري أي الحكم"[xv]من قبل"عنيد" وتفسيره الوصية وفهمها والإقلاع عن السلوك السابق.

     وكل ذلك يكشف عن التناقض الحاصل بين فكر الكبير وتصوراته, وفكر الصغير وقناعاته فلا تطابق بين الموضوعات من حيث المنظور والتصور؛ فقد قالت الأم: "أنا اليوم أصبحت عجوزا ولا يمكنني أن أؤمن لكما كل ما تحتاجانه... فضحك عنيد وقال:أنا لا أفهم هذه الفلسفة يا أمي"[xvi]؛ فالضحك كان علامة دالة على الاستهزاء, ويخفي سلوك اللامبالاة, ويعتبر ما قالته الأم فلسفة ليس في مقدوره فهمها والأمر بالنسبة إليه أهون من ذلك.

     وينتج عن ذلك بناء على الاستدلال الذي قام به "عنيد"منظوران وتصوران مختلفان للسلوك الواحد يكون الصحيح خطأ والعكس؛ ففي البداية كان توجيه الأم"لعنيد"من وجهة نظره شيئا لا قيمة له, وفعلا لا يجب فعله, وأن أمه قد تكون مخطئة لذلك ضحك من قولها, وأنه على صواب فلم يقم ببناء بيت جديد ليكتشف في النهاية أن تصرفه كان خطأ وأن الأم كانت على صواب.

     وهذا ما يجعل الشيء غير المعلوم عند الطفل معلوما, واستنادا إلى ذلك فإنه كلما اختلفت مقومات تفسير الأشياء اختلفت معها الاستنتاجات وتحولت إلى براهين دامغة, ليتشكل للطفل من وراء فهم "عنيد" بطلان سلوك العناد ومفهومه وتصوراته عنه قناعات تجعله هو الآخر يقلع عن مثل هذا السلوك مصداقا لما تجيء به المنظومة الاجتماعية والأخلاقية من سنن وقوانين.

    وبذلك يتحقق كيان جديد وتتشكل مفاهيم وقناعات جديدة من خلال وجود جديد في مستوى الفعل الخاص بالذات, وفهم وجود آخر للوصية في مستوى الدلالة والرمز اللغوي, ولما قالته الأم وقاله"عنيد"من"أنه أدرك قيمة النصيحة"، وبناء على ذلك تشكلت المنظومة الأخلاقية لتصبح عبارة عن نظام مؤسساتي خاص بالطفل وبإلغاء تصور ما عن الشيء يكون ذلك كافيا لإخراجه من صورة إلى صورة أخرى لم يكن الطفل يتصورها ويدركها جيدا.

     ومن خلال قياس الطفل لتصرفات "عنيد" وما حدث له تتشكل لديه القناعات, وتتحدد له الواجبات وإرادة الأفعال والتحول من قيم إلى أخرى, ومن فعل إلى آخر, ويكتسب بذلك إرادة الفعل والإقلاع عن قناعة، وتبنّي ما كان مرفوضا لديه, وهذه التقابلات في تصور الأشياء والموجودة في القصة يمكن الكشف عنها من خلال مربع القدرة ومربع الأخلاق, وذلك ما سيبين كيفية التحول في السلوك والاقتناع بالقانون المؤسساتي.

فقد ظهر الأرنب "عنيد"في قصة "نصيحة أم"في حال من عدم إرادة الفعل, وذلك  بعدم حفر بيت جديد, ومن بعد الحادثة التي وقعت له مع الثعلب؛ فإنه تحول لإرادة الفعل بقبول النصح ليصبح له كيان نقيض لما كان عليه، فهو لا يفعل ولا يريد أن يفعل؛ لا يستمع إلى النصيحة فلا يجدد البيت, ولا ينفذ ما نُصح به فيجد نفسه عاجزا أمام الثعلب حين حاصره في الغار, وحين أراد الفعل بعد أن أجبر عليه لم يتمكن من تحقيق ما أراده والتخلص من الثعلب من خلال محاولة"عنيد"الفرار, وما بذله من جهد وسرعة, ولكن الثعلب لحق به لأن البيت كان له باب واحد, وهذا يدل على رغبة الفاعل في الفعل ولكن لا يقدر على تحقيقه, وهنا يكون محكوما بين السعي ومحاولة الفعل, وبين عدم التمكن, ويتجلى ذلك في مربع القدرة على الفعل من عدمها[xvii], على النحو التالي:

يوضح هذا المربع وضعيتين مختلفتين؛ الوضعية الأولى:تكون فيها القدرة على الفعل, وتكون البداية باختيار الفعل المناسب, وذلك يؤدي بالفاعل إلى الاقتناع بفعله, وبتقرير مصيره, والسعي إلى القيام بالفعل والمثابرة عليه, ويقع في هذا الركن فعل تشييد البيت وتنفيذ الوصية.


        أما الوضعية الثانية:يكون فيها الخضوع, ويؤطرها في الغالب الاتكال والتكاسل أو الخوف أو العناد, فعدم إرادة الفعل تجعل القدرة في موضع اللافعل, ومن خلال إلغاء الذات لإرادتها, أو فرض قيود

 عليها, وبتعطيل القدرة, وشل حركة الفعل يصبح الفاعل في حال من اللاقدرة ومن اللافعل, ويقع في هذا الركن فعل عدم جعل بابين للبيت, وعدم تنفيذ الوصية.

      وهكذا يتم تعرف الأطفال على المسؤولية برؤيتهم الفاعل يتحمل مسؤولية أفعاله، فيصبح المهم بالنسبة للفاعل والطفل هو البحث عن موضوع القيمة, واتخاذ ما يكون مناسبا للمواقف, وذلك ما حصل "لعنيد"ولأخيه "مطيع"في قصة "نصيحة أم"فقد قام الثاني بتجديد بيته وبتنفيذ النصيحة, في حين بقي الأول بالبيت القديم ولم ينفذ الوصية؛ فعرضه ذلك للخطر؛ وكان الأجدر به أن يقوم بما قام به أخوه "مطيع".

      ليكون مسعى الملفوظات السردية خلق معادلات موضوعية لدى الفاعل بدفعه من جهة إلى الإقدام على الشيء, ومن جهة أخرى إبعاده عن آخر, ويصادف ذلك عند الطفل ما يشجع قدراته النفسية فيغير سلوكه، ويكوّن ذاته, ويمكّنه ذلك من اتخاذ القرار, والإقدام على الفعل بعد التأكد من صحته, والخضوع لما أثبتته تجربة الكبار, والإقبال على نصائحهم وتوجيهاتهم, وبالتالي ما أقرته السلطة الاجتماعية والأخلاقية, والتخلي عن كل ما هو خلاف ذلك.        


       وقد كان تحول"عنيد"من سلوك أخلاقي واجتماعي من خلال التحول في المكان وهندسته؛ أي الانتقال إلى بيت أخيه؛ إلى بيت ببابين وليس بباب واحد, وكان ذلك مصحوبا بتحول في الطباع وفهم للنصيحة, أي من الرفض إلى القبول, ومن عدم الالتزام إلى الالتزام بما هو مؤسساتي؛ فقد أقسم لأخيه"أنه أدرك قيمة نصيحة أمه وسوف يتخذها درسا ومنعرجا في حياته"[xviii], وبناء على ذلك فإن الانتقال في المكان يؤدي إلى الانتقال في القيم والمواضيع, ويؤسس ذلك لمقابلة على صعيد الدلالة الأساسية (بيت بباب ضد بيت ببابين), وعلى صعيد الخطاب انتقال الأرنب "عنيد" فينتقل من عدم التنفيذ إلى التنفيذ, ومن العناد إلى الطاعة التي تحلى بها أخوه"مطيع"بتجديده البيت وتنفيذه الوصية, ومن خلال معرفة تصرفات كل منهما يمكن توزيع ذلك على النحو التالي بالاعتماد على محور التصور الأخلاقي catégorie éthique[xix]لجيد وسيء:

فهذا التصور للسلوك الأخلاقي -الذي يركز عليه المختصون في قصص الأطفال-يتم تقديمه من خلال نصيحة تخفي وراءها قيمتين أخلاقيتين, ومن خلال الفعل تتحدد المسؤولية, ليتم ترجيح القيمة الأحسن والأفضل بالنسبة للطفل, وذلك ما يجعل الفاعل في قصص الأطفال في كثير من الأحيان ينتقل من حال إلى أخرى مغايرة أو مختلفة, كتحول"عنيد" من طباع سيّئة إلى أخرى جيدة.



 خاتمة:

 إن الذي سبق يكشف عن النظام المؤسساتي, وما يفرضه من منطق أخلاقي أو اجتماعي ووجوب تطبيقه, وأن عدم الامتثال له يعرض صاحبه للخطر الجسيم؛ وهذا يعني وجود جزاء وعقابلكل سلوك, وبذلك تنبئ كل جناية بالجزاء الذي تلزمه وتستلزمه, وأثر ذلك في تحديد السلوك وتشكيل المفاهيم, وهكذا يتخلى الطفل عن السلوك الذي يرفضه العرف والأخلاق وتتشكل لديه القناعات والحدود.



[i]- أمبرتو إيكو: السيميائية وفلسفة اللغة, ت: أحمد الصمعي, المنظمة العربية للترجمة, ط1, 2005, ص: 426.

[ii]- أمبرتو إيكو: السيميائية وفلسفة اللغة, ص: 426, 427.

[iii]- عمر جيدة : نصيحة أم, منشورات سيراغرافيك، دط، 1991، ص : د ر.

[iv]- المصدر نفسه, ص: د ر.

[v]- المصدر نفسه, ص: د ر.

[vi]- ينظر عمر جيدة : نصيحة أم, ص: د ر.

[vii]- المصدر نفسه، ص: د ر.

[viii]- المصدر نفسه، ص: د ر.

[ix]- ينظر:المصدر نفسه، ص: د ر.

[x]- ينظر:ألجيرداس جوليان غريماس: في المعنى, ص: 141.

[xi]- عمر جيدة : نصيحة أم, ص: د ر.

[xii]- المصدر نفسه، ص: د ر.

[xiii]- أمبرتو إيكو: السيميائية وفلسفة اللغة, ص: 427.

[xiv]- المرجع نفسه, ص: 428.

[xv]- ألجيرداس جوليان غريماس: في المعنى, ص: 138.

[xvi]- عمر جيدة : نصيحة أم, ص: د ر.

[xvii]-Joseph Courtés: La Sémiotique Narrative et Discursive, Hachette, PARIS, 1976.p: 116.

[xviii]- عمر جيدة: نصيحة أم, ص: د ر.

[xix]-Joseph Courtés: La Sémiotique Narrative et Discursive, p:144.

@pour_citer_ce_document

يحي عبد السلام, «تعديل سلوك الطفل مقاربة سيميائية لقصة نصيحة أم لعمر جيدة »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2012-12-10,
Date Pulication Electronique : 2012-12-10,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=695.