تحليل المعطيات وقراءتها كيفيّا منهج تحليل المضمون
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°16 Décembre 2012

تحليل المعطيات وقراءتها كيفيّا منهج تحليل المضمون


إلياس شرفة
  • resume:Ar
  • resume
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

تحليل المعطيات يحمل شقّين، فقد يكون وفقا للتحليل الكمّيّ أو الرقميّ أو الإحصائيّ، كما يمكن أن يكون تحليلا كيفيّا نوعيّا، وهو ما يعرف بتحليل المضمون، هذا الأخير الذي أثير حوله الجدل من طرف باحثين وأساتذة جامعيّين إن كان يعتبر منهجا أو تقنية؟ومتى نقول منهجا؟ومتى نقول تحليلا؟وما الفرق بين المنهج والتحليل؟وهل ينقسم هذا المنهج أو هذا التحليل إلى تقنيات؟وكيف توظّف هذه التقنيات؟وكيف يمكن الاستفادة منها في البحث الاجتماعيّ؟إذ سوف نحاول في هدا المقال  الإجابة عن كلّ هذه الأسئلة.

L'analyse des données est double, selon l'analyse quantitative, numériques ou statistiques et analyse qualitative peut être qualitative, connu comme l'analyse du contenu, soulevé controversée par les chercheurs et les professeurs C'était l'approche ou technique ? Et quand nous disons un ? Et lorsque nous disons une analyse ? Et quelle est la différence entre les programmes d'études et d'analyse ? Cette approche ou les diviser cette techniques d'analyse ? Et comment employer ces techniques ? Comment peut être utile dans la recherche sociale ? Nous allons essayer dans cette intervention pour répondre à toutes ces questions.

1 المناهج الكمّيّة والمناهج الكيفيّة:

من المتّفق عليه، على مستوى الإجراءات، أن نميّز في بحوث العلوم الإنسانيّة بين تلك التي تهدف إلى قياس الظواهر عن تلك التي تسمح بأخذ معطيات كيفيّة لا يمكن قياسها أو عدّها. لهذا تتطلّب المناهج الكيفيّة والكمّيّة مجموعة من الإجراءات المختلفة.

إنّ المناهج الكمّيّة تهدف في الأساس إلى قياس الظاهرة موضوع الدراسة، وقد تكون هذه القياسات من الطراز الترتيبي (ordinales)، مثل: "أكثر من أو أقلّ من"، أو عدديّة وذلك باستعمال الحساب. إنّ أغلبيّة البحوث في العلوم الإنسانيّة تستعمل القياس، وكذلك الأمر حينما يتمّ استعمال المؤشّرات، النسب، المتوسّطات أو الأدوات التي يوفّرها الإحصاء بصفة عامّة. إنّنا نستنجد بالمناهج الكمّيّة أثناء محاولة معرفتنا، مثلا، تطوّر أسعار الاستهلاك منذ عشر سنوات، نية التصويت في الانتخابات القادمة، الارتباط بين درجة التحضّر ونسبة المواليد.

أمّا المناهج الكيفيّة فتهدف في الأساس إلى فهم الظاهرة موضوع الدراسة. وعليه ينصبّ الاهتمام هنا أكثر على حصر معنى الأقوال التي تمّ جمعها أو السلوكات التي تمّت ملاحظتها. لهذا يركّز الباحث أكثر على دراسة الحالة أو دراسة عدد قليل من الأفراد، فعندما يحاول الباحث معرفة أطوار تعلّم الطفل، أو الأحداث التي طبعت عشريّة زمنيّة، أو تصوّرات الحبّ في بلدان مختلفة، فإنّه يستعين في ذلك بالمناهج الكيفيّة.

لقد ظلّت المناهج الكمّيّة ومنذ زمن طويل مناوئة للمناهج الكيفيّة. تعتمد المناهج الكمّيّة على صيغ رياضيّة للواقع، ونظر لاستعمالاتها العادية والمتكرّرة من طرف علوم الطبيعة فقد اعتبرت منذ البداية أنّها أكثر صرامة وعلميّة من المناهج الكيفيّة، حيث أدّى هذا بالعلوم الإنسانيّة إلى الاعتقاد ولمدّة طويلة أنّ نموّها ومصداقيّتها مرهونان باستعمال أكثر للتكميم في بحوثها. لقد استعانت بعض تخصّصات فروع العلوم الإنسانيّة، مثل الاقتصاد، الجغرافيا، علم الاجتماع، علم النفس وعلوم الإدارة، بالرياضيات في دراستها للظواهر، لأنّ طبيعة موادّها ومواضيعها تتقبّل ذلك بكلّ سهولة. مع ذلك، فإنّه لا يمكن إخضاع الظواهر الإنسانيّة دائما للتكميم. لذا فهي ملزمة أيضا باستخدام المناهج الكيفيّة التي تستعين أكثر بالأحكام، وبدقّة ومرونة الملاحظة أو بفهم التجارب التي يعيشها الأفراد.

إضافة إلى ما تقدّم فإنّ الظواهر الإنسانيّة ومهما كانت دقّة القياسات الكمّيّة المستعملة في قياسها، ستظلّ محتفظة ببعدها الكيفيّ. فعندما يتحدّث المرء، مثلا، عن درجة الرضى عن العمل، أو درجة التزعة المحافظة (conservatisme)لدى مجموعة بشريّة ما، أو الازدهار في دولة ما، وهي كلّها ظواهر لها قياسات حسابيّة، فإنّ المصطلحات المستعملة هي من طبيعة كيفيّة، وتعود إلى حقائق إنسانيّة لا تستجيب أبدا للقياسات الكمّيّة التي تمّت تهيئتها من أجل ذلك. فالرضى والنزعة المحافظة والازدهار مصطلحات تشير أصلا إلى تقدير الواقع، ويبقى الحساب ليس أكثر من مجرّد تكميم1.

2 بناء فئات التحليل:

1-2الفئات المستعملة عادة:تعتبر الفئات بمثابة عناصر دالّة في الوثائق التي نريد تسجيلها. قبل تثبيتها نهائيّا، يمكننا أن نستعين أوّلا بالاطّلاع على الفئات المستعملة عادة لتحليل المحتوى. لكي نكوّن فكرة عمّا هو ممكن استخلاصه من وثيقة ما، نلجأ إلى الأصناف الستّة الموالية من الفئات والتي تستخدم عادة في تحليل المحتوى:

· المادّة أو المواضيع المعالجة، مثل برنامج حزب معيّن، التكنولوجيات الحديثة، البيئة...

· اتّجاه الاتّصال، أي كلّ موقف من مواقف مؤلّف أو مؤلّفي الوثيقة بالنسبة إلى المواضيع:هل هو مؤيّد، غير مؤيّد، لا يرى فرقا؟بعبارة أخرى، ما هي المواقف المأخوذة فيما يخصّ كلّ موضوع؟القيم التي تحملها الوثيقة إمّا بصفة واضحة، أي أنّنا نتحدّث بكلّ صراحة عن المنافسة، السعادة، النجاح أو نمط الحياة، مثلا، وإمّا بصفة ضمنيّة، بمعنى أنّ القيم غير معبّر عنها بشكل واضح وظاهر. بعبارة أخرى، ما هي القيمة المراد إبرازها من خلال الاتّصال؟

· الوسائل، أي ما الذي يقترحه المؤلّف أو المؤلّفون من طرق عمل لبلوغ هذه القيمة أو تلك؟تهديد، إقناع، قوّة، حوار... بكلمة أخرى، كيف نعمل للوصول إلى هذه القيم؟

الفاعلين أو شخصيات الاتّصال، أي الاطّلاع على خصائصهم الاجتماعيّة، السنّ، الجنس، الديانة، الأصل العرقي، التمدرس، مجموعة الانتماء، الأصل الاجتماعي... بتعبير آخر، على من نتكلّم في الاتّصال؟

· المراجع، أي ما يميّز مصدر تواجد الاتّصال، من أين تأتي الوثيقة (الفترة الزمنيّ’، الكاتب، المكان، ...)؟نوعها (منشور، خطاب، جريدة، حصة بالمذياع أو التلفزة، ...)أو تزكياتها (المؤلفين المذكورين، الأخصائيين المعتمدين، التأكيدات الأساسيّة...)، بعبارة أخرى، ما هي طبيعة الاتّصال الذي نريد معالجته؟2

2-2- وحدات الدلالة:تسمح الفئات المختارة بأخذ وحدات الدلالة (المعنى)من الوثائق، أي أخذ مقاطع من مادّة الاتّصال. قد تتمثّل وحدت الدلالة فيما يأتي:

·  كلمات

· مواضيع منتشرة عبر سطرين أو أكثر أو عبر صفحة أو أكثر

· شخصيات أو أشخاص، وذلك حسب نوع الوثائق

· عناصر أخرى متنوّعة، مثل طرق التعبير، أصناف الأدبيّات أو أيّ عنصر آخر يسمح بتصنيف أجزاء الوثيقة

بعد تجزئة محتوى الاتّصال إلى وحدات الدلالة، يبقى التفكير في تحضير الطريقة التي سيتمّ من خلالها القياس، قد يتمّ ذلك إمّا بطريقة كمّيّة أو بطريقة كيفيّة.

3-2- حساب الوحدات:إنّ طريقة العمل المعهودة هي من النوع الكمّيّ. إنّنا نتحدّث في هذه الحالة عن وحدات العدّ. إنّ وحدات العدّ تحدّد بدقّة وتضبط طرق حساب العناصر المنتقاة من الفئات. سنأخذ في الاعتبار عند حسابنا لها التكرار والكمّ. فيما يتعلّق بالتكرار، تكمن العمليّة في تسجيل عدد مرّات ظهور هذه الوحدة أو تلك. ينبغي أن نتأكّد أنّ كلّ وحدة تتضمّن نفس الوزن والدلالة بالنسبة إلى مشكلة البحث، وإلاّ فإنّ الحساب، الذي يقترح أو يفرض وحدات قابلة للمقارنة، يصبح مجرّد عمليّة خياليّة. أمّا فيما يخصّ الكمّ، فنشير، فيما يتعلّق بكلّ ظهور لوحدة الدلالة، إلى المكانة التي تحتلّها هذه الأخيرة. يستعمل هذا الإجراء بصفة خاصّة أثناء دراسة وسائل الإعلام. هكذا نستطيع حساب المساحة (الحيز)التي يحتلّها موضوع معيّن في جريدة ما (بعدد الأسطر أو بالأعمدة)، أو المدّة أو الوقت (بالدقائق مثلا)الذي يمنحه أو يخصّصه الراديو أو التلفزيون لنفس الموضوع.

4-2- تقدير الوحدات:إنّنا نسجّل أيضا وحدات الدلالة في ميدان البحث الكيفيّ، لكن ليس بطريقة كمّيّة. نتحدّث في هذا السياق إذن عن وحدات الوصف. تسمح لنا وحدات الوصف هذه باستخراج وإبراز العناصر ذات المعنى والدلالة الموجودة في الوثيقة بصيغة أخرى غير القياس. هكذا نستطيع ملاحظة:

· حضور الفئة أو غيابها. في هذا الإطار، فإنّ التحليل سيقع بين ما هو كمّيّ وما هو كيفيّ، فتحليلنا لغياب الفئة قد يساعدنا على اكتشاف، مثلا، ما لم يُقَلْ، أو المعنى الخفيّ للوثيقة، وذلك عندما نريد دراسة المحتوى المستتر. يمكن أن نبحث أيضا على ما لا يظهر إلاّ نادرا أو استثنائيّا، لكن يكتسي في نفس الوقت أهمّيّة بالغة.

· القيام بإعداد نمطيّة نموذجيّة (typologie)لوحدات الدلالة. في هذا الإطار، نستخرج من الوثيقة نماذج من ردود الأفعال، السلوكات، خصوصيّات متميّزة. مثلا، إقامة صور كاملة نموذجيّة للرجال والنساء الذين تستدعيهم التلفزة للتمثيل في أفلامها الإشهاريّة.

· الحكم على شدّة فئة ما. في هذا الإطار بالذات، فإنّنا سنأخذ بعين الاعتبار التأكيد على إبراز عناصر خاصّة. هكذا، في الإعلانات الإشهاريّة قد يكمن ذلك فيما هو ظاهر بشكل بارز، أو فيما يراد منه مخاطبة الذاكرة، أو في ذلك الذي وضع أو أشير إليه بصفة واضحة وجليّة.

5-2-صفات التفيئة الجيّدة:لكي يكون استعمال الفئات المختارة سهلا ويتطابق تماما مع أهداف البحث، يجب أن تحمل تفيئتها بعض الصفات أو الخصائص الأساسيّة وهي:الشموليّة، الوضوح، الحصر والتوازن.

1-5-2الشموليّة:إنّنا نتكلّم عن الشموليّة عندما تكون هذه الفئة أو تلك تحمل كلّ مؤشّرات البحث، وبالتالي التأكّد من أنّ عمليّة السحب تغطّي أو تتضمّن كلّ ما يسمح بالإجابة عن هدف البحث وتقييم الفرضيّة المعروضة أو المقترحة. هكذا، في مجال التمييز الجنسي (sexisme)ضمن الإشهار المتلفز، فإن كنّا لا نريد فقط قياس ظهور هذا الجنس أو ذاك في الإعلانات، بل وكذلك الأوضاع والأدوار التي يوضع فيها الفاعلون (الممثّلون)، فيجب علينا أن نقوم بإعداد فئات كيفيّة من أجل وصف صفاتها وأدوارها.

2-5-2الوضوح:يجب علينا أن نحدّد بدقّة معنى كلّ فئة لكي نجد بسهولة الوحدات التي تحتوي عليها الوثيقة، وذلك حتّى تكون كلّ الفئات معروفة ومفهومة من طرف كلّ المرمزين في حالة تولّي فرقة من الباحثين القيام بالبحث. هكذا، إذا كنّا نريد، في إطار بحث حول التمييز الجنسي، ترميز مدّة الظهور في الإعلان أو الإشهار، فيجب على المرمز أو المرمزة أن يعرف، في الحالة التي تظهر فيها امرأتان في نفس الوقت في مقطع إشهاري، إن كان يجب عليه، مثلا، مضاعفة وقت الظهور في فئة النساء أو أنّه سوف لا يأخذ بعين الاعتبار سوى عامل الجنس. إنّ التحضير بمثل هذه الدقّة هو أساسيّ لوضوح الفئات. كما يمكننا التفكير حتّى في الأدوار المؤدّاة، وفي هذا الإطار يمكن تقديم أو طرح أمثلة وصفيّة ممكنة نشير من خلالها إلى أصناف الحوادث أو الأفعال التي سننقلها أو نرويها. إذا ما وجدت مواضيع أخرى بإمكانها إعطاء الفرصة لتأويلات أخرى مختلفة، فهنا أيضا لا بدّ من تقديم توضيحات حتّى نتفادى أيّ انتقاد قد ينجم عن عدم تجانس الفئات ومحتواها، وبالتالي يتمّ رفض العمل لاحقا. بالفعل، من الصعب علينا معرفة ما يجب عمله إزاء معطيات مبعثرة ومستمدّة من فئات غير محدّدة بصفة جيّدة.

3-5-2الحصر:تعتبر الفئة حصريّة إذا كانت الوحدات المختارة من الوثائق تتعلّق بها فقط. بعبارة أخرى، إذا ما أخذنا في الاعتبار مثال التمييز الجنسي السابق ذكره، فإنّ ما يخصّ فئة الرجال لا يمكن إطلاقا أن يخصّ فئة النساء أيضا. إذا كان التمييز في هذه الحالة يبدو واضحا وبديهيّا، فإنّه ليس دائما كذلك بالنسبة إلى فئات أخرى. لو افترضنا، مثلا، أنّه كان لزاما علينا استخراج ما تشجّعه الخطب السياسيّة فيما يخصّ السباق نحو التسلّح أو عكس ذلك، ما تهدف إلى منعه. إذا كانت وحدات المعنى المطلوب تسجيلها في هذه الفئة أو تلك هي الخطاب بأكمله، فقد نجد تشجيعا سواء من هذا الاتّجاه أو من الاتّجاه الآخر، وذلك حسب المقطع المأخوذ من النصّ أو حتّى حسب الغموض المقصود من طرف المؤلّف. لهذا لا بدّ علينا من التفكير في إعداد التفيئة بكيفيّة أخرى، وذلك بهدف جعلها حصريّة حقيقيّة أو أن نستعدّ لقبول هذا التصنيف المزدوج "عندما يتضمّن نفس التصريح أكثر من معنى واحد معبّر عنه بوضوح من طرف المبحوث نفسه"3

 3خطوات منهج تحليل المضمون:ما يمكن قوله عن هذا المنهج، والذي أرى أنّه منهج وتحليل في نفس الوقت، أو ما يسمّى بالمنهج التحليليّ لأنّه يهدف إلى اتباع خطوات منهجيّة تؤدّي إلى قراءة تحليليّة للخطابات السوسيولوجيّة، وهذا وفق مجموعة من المراحل تساعد على فهم هذا المنهج وتسهيل عملية تطبيقه على كلّ نصّ أو مضمون، فقد حدّد العالم «Bernard Berlson»بعض الشروط في تحليل المضمون:

  * يجب أن يكون تحليلنا تحليلا موضوعيّا، وهنا يعني أنّنا نعيد اختبار ذلك التحليل من طرف باحثين آخرين بحيث لا يستعملون نفس الإجراءات والأدوات، فنصل إلى نفس النتيجة شريطة أن تكون في نفس الظروف، بعبارة أوضح أن يتسنّى لباحثين آخرين بنفس التقطيع ونفس التجزئة والجدولة، والابتعاد في تحليل الخطاب عن ذاتيّة الباحث.

  * أن يكون التحليل منتظما، أي بطريقة منهجيّة، والمقصود هنا أنّ الباحث مرغك كل ما هو في المضمون له علاقة بالمشكلة المدروسة حتّى يتفادى أيّ اختيار تعسّفيّ أو نتعامل فقط مع الفئات الموافقة مع أطروحة الباحث.

إنّ الالتزام بهذه الخاصيّة الثانية شيء مهمّ جدا خاصّة عندما يهدف تحليل المضمون لاختبار فرضيّات معيّنة، حتّى إن تعثّر الباحث خلال تحليله وواجه عناصر مفنّدة خلال فرضيّاته، ويجب عليه أن لا يتجاوزها ويتجاهلها.

  * ولا بدّ أن نتعامل مع المضمون أو المحتوى البيّن والظاهر، وهذا من أجل أن نتجاوز الأحكام والقوالب الفكريّة الجاهزة، أي لا بدّ أن نتعامل بما هو ظاهر وبيّن حتّى لا نخلط وحتّى نتفادى الوقوع في اللامضمون، أي:يجب أن نتعامل مع النصّ في ذاته ولذاته، والتحليل لا يعني أنّنا نتخلّى عن التقدير الاستقرائيّ لللاّمقوليّ واللامفكّر فيه، وكما يقول"زعيم الوجوديّة": "يجب أن نفكّر في اللامفكّر فيه" "pensé impensable". والتحليل يكون عبر مراحل، وحتّى لا يسقط الباحث منذ البداية في الخطأ، لا بدّ أن يمرّ على الظاهر إلى الباطن الخفيّ، أي:يجب أن ندرس ما في السطور إلى ما تحت السطور4.

وكبقيّة التحاليل، ينطلق منهج تحليل المضمون من عدّة مراحل حدّدها لنا "Bernard Berlson":

1-3)تحديد أهداف البحث:حيث أنّ تحليل المضمون ما هو إلاّ وسيلة وليس غاية في حدّ ذاته، ومثلا في تحليل الخطاب بتقسيمه إلى أجزاء وأقسام، ومن ذلك يرى برلسون أنّه لا بدّ أن نحدّد هدف البحث حتّى يساعدنا على المادّة التي نحلّلها، وتسمّى العينة في تحليل المضمون"بالمدوّنة"أي مدونة الخطابات وأجزائها، فنجد أنه يقول:إذا لم نحدّد هدف البحث، قد نخلط في جميع تحليل المضمون كالعلائقي والتداعوي...

2-3)تشكيل المدونة أو المد «Corpus»:أي المادة التي نحلل من خلالها الخطاب، حيث اختيار المدونة شرط أساسيّ في التحليل، فكلّما كان اختيار المدونة صحيحا، كان تحليل المضمون جيّدا. فتحديد المضامين ضرورة وجود موضوعيّة في تحديدها، مثال:أخذ جريدة معيّنة بها عدّة مضامين، هنا لا يسمّى اختيار مضمون واحد في صفحة واحدة أو صفحتين ممثله للخطاب ككلّ، وهنا قد حددنا"مدونتنا"، وتحليل الأرشيف يعتمد على الوثائق مثلا، ففي حالة اعتمادنا على تحليل وثيقة واحدة أو اثنتين، نضع في الهامش بعد التحليل أنّنا قد اعتمدنا على وثيقة واحدة ونضعها في المراجع.

3-3تقطيع المدونة في شكل وحدات:وهذه النقطة مشتركة في جميع التحاليل، أي تجزئة النص وتقطيعه إلى وحدات وعناصر مكوّنة للنصّ، والوحدات يجب أن تكون أصغر صغيرة قدر الإمكان نثري التحليل. هذا التقسيم للمضمون هو تقسيم منوع وليس أحاديّا، وهو يفرض نفسه من الوهلة الأولى، وهي وحدات، خطاب الرئيس يتكلم عن الجزائر، ثمّ يقول في المكسيك نجد كذا طبيعة مستقلة، فقد تكون كلمات أو جمل أو فقرات أي لا تغيّر شيئا، ويمكن أن نجعل لها قراءة لوحدها، المشكل يمكن أن تشكّل عائقا في التحليل المقارن، أي في خطابات عن المكسيك دائما5.

4-3تقطيع الحجم أو الأعمدة:أي القيام بمقارنة وتقطيع عمودي للجريدة، مثلا:نجد في جريدتين حول موضوع معيّن كالوئام المدنيّ تكلّم في جريدة ما بخمسة أعمدة وفي جريدة أخرى بثلاثة أعمدة، يمكن حسابها بالمساحة، ويمكن حسابها كذلك بالسطور وعددها. نأخذ الأعداد التي تكلّمت في كلّ مرّة عن الوئام وكم من مرّة مقارنة أخرى أو جرائد، ثمّ نأخذ صفحة مثلا أو خطابا في صفحات موضوعات فنجد خطاب الرئيس من البداية إلى المنتصف يتكلّم عن الوئام، منتصف الخطاب في 20سطرا عن البطالة، وبعده في 50سطرا عن أزمة السكن حتّى النهاية. ثمّ نأخذ هذه التقسيمات ونجعل منها مضامين.

5-3تقسيم الوحدات والرموز والكلمات:إذ نأخذ خطابات معيّنة نقسّمك أقلّ جزء ممكن إلى كلمات وأجزاء، فنجد الكلمات الأساسيّة والطوطاميّة تكشف لنا عن مركز الاهتمام وعن الإيديولوجيّات الخفيّة، كما قد تكون مباحث في فقرة وفي جملة مختلفة من الخطاب.

6-3)مسألة الشخوص «personnages»:هناك عالم فرنسيّ «Chambord de Lowe»حيث درس الشخوص في صحافة الأطفال أي جعل الطفل في موروث ثقافيّ للطفل، أي ما هي الشخوص التي نقدمها والموجودة في قصص الأطفال، مثلا:كأن نقدّم أبطالا تاريخيّين نرغب في أن يكونوا قدوة للأطفال دائما.

ويمكن أن تكون وحدات مجارية في صفحة أعمدة وزمنيّة، فمثلا نجد أنّ المترشّح مرّ في التلفزيون 100 ساعة زمنيّة أثناء الحملة الانتخابيّة، منها 50 ساعة تكلّم عن الوئام، و20 ساعة عن البطالة، و10 ساعات عن أزمة السكن، هذا التقسيم في الكلام هو مبرمج وليس اعتباطيّا.

7-3)تقسيم الوحدات والأجزاء إلى فئات:قامت"فيولات موران" الفرنسيّة في عمليّة تقسيم الوحدات والأجزاء، مثال على ذلك:عندما زار "خرتشوف"الرئيس الروسيّ السابق لفرنسا، أخذ هذا الخبر صدى عاما لدى الجماهير والصحافة الفرنسيّة، لذلك عمدت هذه الباحثة إلى جمع صحف أسبوعيّة ويوميّة وجعلت بذلك مدونة قسّمتها إلى 8522 وحدة إخباريّة، ثمّ جعلت هذه الوحدات الإخباريّة في شكل فئات أو موضوعات، وأصبحت تجمع 69 فئة مثل:استقبال خرتشوف في باريس (فئة لوحدها)، والصداقة الروسيّة الفرنسيّة (فئة لوحدها كذلك).

مثلا:نأخذ الوحدات التي تدخل في الخطابات مثل:(مثال عن تقسيم الوحدات)مسار ديمقراطي، وحدة قواعد ديمقراطيّة، وحدة الخيار الديمقراطيّ، وحدة التعدّديّة الديمقراطيّة، وحدة التيوقراطيّة، وحدة الديمقراطيّة الحق، وحدة المشاركة الديمقراطيّة، وحدة ولادة ديمقراطيّة، نجد في هذا الخطاب أنّه يتكلّم عن ديمقراطيّة واحدة، لكن تجزئتها جاءت دقيقة، وبالتالي التحليل الدقيق المجزّء يعطينا تحليلا جيّدا، لذلك عملت فيولت إلى تحليل الخطاب إلى وحدات إخباريّة مثل:نأخذ مواضيع، نحلّل المواضيع ونقسّمها إلى أجزاء، وهذه الأجزاء نقسّمها كذلك لوحدات، مثل ما ذكرناه سابقا عن موضوع الديمقراطيّة"كما أنّ المدونة لا تحدّد لنا طريقة التحليل بل التحليل هو الذي يحدد المدونة وهدف البحث ليس الحجم الذي يملي علينا التحليل"، مثل:التحليل التداعوي يفيد في الكشف عن إيديولوجيّة الخاطب والتحليل المعجمي يبحث عن معجمية الخطيب.

وبذلك، هناك عدّة مقاييس يجب مراعاتها:

  * أنّ التصنيف يجب أن يكون شاملا لكلّ المحتوى الذي قرّرنا دراسته، وهذا لتفادي الذاتيّة/حيث نأخذ كلّ المدونة.

  * نخصّص فئة للمهملات لا تدخل ضمن هذا ولا ضمن ذاك (fortous)تقصي من التحليل لا معنى وإذا تكرّرت

  * أنّ الفئات لا تكون استبعاديّة، أي الفئة لا تتكرّر، نجد فئة العلاقة بين روسيا وفرنسا مرة واحدة، إذا تكرّرت تقصى.

  * مقاييس التصنيف محدّدة بدقّة ومتماشية مع الأهداف6.

بالإضافة إلى كلّ ما رأيناه، فمنهج تحليل المضمون هو منهج تركيبيّ بمعنى أنّه يحوي مجموعة من التقنيات ترتبط كلّ واحدة منها في عملية التحليل بالمراحل التي حدّدها لنا (Berlson)خاصّة فيما يتعلّق بالمرحلة الأولى وهي:تحديد أهداف البحث، ويمكن أن نتطرّق لهذه التقنيات باختصار وهي:

* التحليل المعجمي:وهناك البعض يسميّه بالتحليل الدلاليّ، والغاية منه هو معرفة معجميّة المتكلم أو صاحب النص المضمون المراد تحليله.

*  التحليل التواتريّ:الذي يهدف إلى البحث عن الكلمات المتواترة أو المكرّرة ومعرفة سبب تواترها أو تكرارها.

*  التحليل التقييميّ:والذي يهدف لقياس اتّجاهات المتكلّم تجاه المواضيع التي يتكلّم عنها، مثال:مفهوم العولمة التي يتحدّث عنها جورج بوش غير مفهوم العولمة التي يتحدّث عنها صدام حسين.

 *التحليل المبحثيّ أو الموضوعاتيّ:والذي يهدف إلى تقسيم المدونة أو مدونة النص المراد تحليله إلى مباحث أو موضوعات نبني بها فقرات، وهذا حسب المواضيع التي تناولها كلّ مبحث.

 *التحليل التوارديّ:والذي يسعى ويهدف إلى إيجاد العلاقة بين عناصر الخطاب، وهي الوحدات الدالة والوحدات غير الدالّة، وهي ليست عناصر الخطاب، والوحدات الدالة نقصد بها الكلمات الأساسيّة التي لها وقع في الخطاب.

 *التحليل المؤسساتي:هذا التحليل الذي يعتبر حديثا نوعا ما، ظهر عام 1961 من طرف العالم (Fellix Guattani)ويهتمّ بالدرجة الأولى بتحليل ومعالجة خطابات ومضامين عمال المؤسسات الذين يعانون من مشاكل اجتماعيّة ونفسيّة7.

الخاتمة:

ختاما، ما يمكن قوله أنّ منهج تحليل المضمون يعتبر من أصعب المناهج في العلوم الاجتماعيّة وعلم الاجتماع خاصّة لأنّه يتطلّب تطبيقا جيّدا في الميدان وحيادا وموضوعيّة في التحليل لأجل الوصول لنتائج ومعطيات علميّة.

قائمة المراجع المعتمدة:

1) Deslauriers Jean Pierre, recherche qualitative, guide pratique, Montréal, Mc Graw-hill, p:142.

2) موريس أنجرس، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانيّة (تدريبات عمليّة)، ترجمة: بوزيد صحراوي وآخرون، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2004، ص: 278.

3) موريس أنجرس، منهجية البحث العلمي، مرجع سابق، ص: 281.

4) محمود زيدان ,الأستقراء والمنهج العلمى ,مؤسسة شباب الجامعة.الأسكندرية ص: 122

5) قان دالين بـ ديويولد ,مناهج البحث فى التربية وعلم النفس ,ترجمة محمد نبيل نوفل وأخرون ,مكتبة الأنجلو مصرية.القاهرة  ص: 96

6) قان دالين بـ د يو يولد ,مناهج البحث فى التربية وعلم النفس, مرجع سابق  ص: 101

@pour_citer_ce_document

إلياس شرفة, «تحليل المعطيات وقراءتها كيفيّا منهج تحليل المضمون »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2012-12-10,
Date Pulication Electronique : 2012-12-10,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=706.