حد الشعر بين أرسطو وابن رشدThe definition of poetry between Aristotle and Averroes
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N:02 vol 17-2020

حد الشعر بين أرسطو وابن رشد

The definition of poetry between Aristotle and Averroes
ص ص 204-222
تاريخ الإرسال: 2019-09-16 تاريخ القبول: 2020-06-01

رياض بن يوسف
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تسعى هذه الدراسة إلى إعادة قراءة تلخيص ابن رشد لكتاب فن الشعر لأرسطو، وفق منظور ينحاز عن أغلب القراءات السائدة التي تقابل بين التلخيص والمتن بوصف الأول تشويها للأصل وسوء تفسير لمضامينه المتعلقة بالتراجيديا والكوميديا والملحمة، ونسعى في هذه الدراسة إلى قلب الفرضية السائدة: فبدلا من إدانة ابن رشد في فهمه المغلوط لكتاب أرسطو، وهو الفهم الذي لا يعد مسئولا عنه باعتبار الخطأ الأصلي واردا في ترجمة متى بن يونس التي اعتمد عليها، فإننا نسعى إلى نقد التصور الأرسطي نفسه لمفهوم الشعر، حيث ظل عنده ملتبسا بمفهومين مغايرين له تماما وهما التراجيديا والملحمة. والفرق بين التصورين الأرسطي والرشدي لحد الشعر إنما يتجلى عبر المقابلة بين مفهومين محوريين في الكتابين: الأصل والتلخيص، وهما مفهوما المحاكاة (التشبيه والتخييل)، والسرد(الأمثال والقصص)، فعبر المقابلة الدقيقة بين دلالات هذين المفهومين المحوريين نستطيع تلمس القطيعة الجمالية بين رؤيتين لحد الشعر: الرؤية الأرسطية- الإغريقية- الرومانية التي تكرس الالتباس بينه وبين التراجيديا والكوميديا والملحمة، أو المسرح عموما، والرؤية الرشدية- العربية التي تُخْلص لحد الشعر باعتبار الشعر الخالص أو الغنائي ابن البيئة العربية.

الكلمات المفاتيح:ابن رشد، أرسطو، الشعر، التراجيديا، التروبادور.

À travers cette étude, nous essayons de relire le résumé d’Averroès de la "poétique" d’Aristote selon une nouvelle approche s'écartant de la plupart des approches actuelles qui comparent simplement les deux livres en considérant le résumé d’Averroès comme une falsification de l’original, ou une interprétation erronée de ses théories sur la tragédie, la comédie et la poésie épique. La différence de la conception Aristotélicienne et celle d'Averroès sur la notion de poésie se dévoile a travers la comparaison entre deux concepts centraux des deux livres : l'origine et le résumé, La Mimesis (l'imaginaire poétique selon Averroès) et le récit (Les fables selon Aristote). A travers cette comparaison, nous pouvons découvrir la rupture entre deux points de vue : le point de vue aristotélicien ainsi que le point de vue gréco-roumain –héritier de celui d’Aristote- qui perpétuent la confusion entre poésie et les autres genres extra-poétiques : la tragédie, la comédie et l'épopée, ou le théâtre en général, et le point de vue arabe et plus spécifiquement celui d’Averroès) qui est fidèle à la vraie notion de la poésie c’est-à-dire : La poésie pure ou lyrique.

Mots clés :Aristote, Averroès, poésie lyrique, tragédie, troubadours

Through this study, we try to reread Averroes' summary of Aristotle's "poetics" according to a new point of view deviating from most of the dominant approaches that simply compare the two books by considering the summary of Averroes as a falsification of the original, and a misinterpretation of its content concerning tragedy, comedy, and epic poetry.  The difference between the two conceptions that of Aristotle and that of averroes on the notion of poetry is reflected through the comparison between two central concepts in the two books: the origin and the summary, The Mimesis (the poetic imagination according to averroes) and the narratives (The fables according to Aristotle). Through this comparison we can discover the break between two points of view: The Aristotelian and Greek-Romanian point of view which perpetuate the confusion between poetry and tragedy, comic and epic, or theater in general, and the Arab point of view (and of course averroes's point of view) which is faithful to the notion of pure or lyrical poetry.

 Keywords:Averroes, Aristotle, poetry, tragedy, Trobadour.

Quelques mots à propos de :  رياض بن يوسف

 جامعة قسنطينة1      riadhbenyoucef@yahoo.fr

مقدمة


مثّل التلقي الرشدي لكتاب فن الشعر لأرسطو مادة خصبة لكثير من الباحثين العرب والغربيين، حيث اتجهت أغلب الدراسات التي تناولت هذه القضية إلى أحكام قيمية، اختزالية، تكتفي بنقد الفهم الرشدي المبني على ترجمة خاطئة للمتن الأرسطي متهمة فيلسوف قرطبة بسوء فهمه لأبرز مضامين الكتاب، وبناء تلخيصه له على ترجمة مغلوطة ورطته هو بدوره في فهم مغلوط لما كان يقصده أرسطو وهو بصدد التنظير لفن التراجيديا الذي كان غائبا تماما عن الأفق الأدبي والجمالي العربي.

ولكن ما يتوارى خلف هذه المسألة برمتها في نظرنا هو التساؤل المُـغَيَّب عن شرعية نسبة ما كتبه أرسطو إلى الشعر بوصفه نوعا أدبيا مستقلا عن الدراما نفسها: فهل كان أرسطو منظرا للشعر فعلا أم للدراما المباينة للشعر في لغتها وشكلها؟ هل كان مخلصا لمفهوم وتخوم الشعرية، أم كان رهينة لالتباس تجنيسي تغيب فيه الحدود الفاصلة بين الشعر والمسرح؟

لقد كان ابن رشد ابن البيئة العربية الأندلسية التي تلقت الشعر باعتباره فنا لغويا لا فنا أدائيا، عكس أرسطو ابن التقاليد الجمالية الإغريقية التي كان الشعر فيها مسرحيا خالصا لا يتحقق فعليا إلا عبر الأداء المسرحي للتراجيديا أو الكوميديا، كما كان أيضا سرديا خالصا من خلال فن الملحمة، وهذا يدعونا إلى التساؤل عن إمكان عكس القضية تماما لتصبح الإدانة موجهة إلى التراث الغربي كله بصفته المسئول عن الالتباس الشديد بين مفهومين متغايرين هما الشعر من جهة والمسرح والسرد من جهة أخرى؟ أليس أرسطو هو المسئول عن هذه "الخطيئة الأولى" بينما كان ابن رشد من خلال –سوء فهمه المفترض- لكتاب "فن الشعر" مخلصا لحد الشعر الذي يفصله عن بقية الأنواع؟ ألا يجب اعتبار تفسيره الخاطئ أو قراءته الخاطئة -بالتعبير التفكيكي- تجاوزا إيجابيا للمتن الأرسطي وخطأ خلاقا أبدع من خلاله ابن رشد مفاهيم نقدية كان ينبغي إثراؤها لا القفز عليها؟

      لقد تعرض تلخيص ابن رشد لمواقف متباينة، وقراءات متصارعة، وإن كانت بعض القراءات إيجابية سعت إلى اقتناص ملامح الجدة والتفرد الكامنة في تلخيص ابن رشد فإن أغلب القراءات قد صادرت الاجتهاد الرشدي وتحولت إلى محاكمات قيمية، شديدة الاختزال لموقف ابن رشد حيث اكتفت برد التلخيص إلى الأصل أي كتاب الشعر الذي لم يطلع عليه فيلسوف قرطبة في متنه الإغريقي لجهله بلغته الأصلية بل عرفه من خلال ترجمة متى بن يونس إلى العربية من السريانية، وقد اكتفت جل هذه القراءات بمقارنات سطحية بين المتن الرشدي والأصل الأرسطي والرصد الشكلي لأخطاء ابن رشد المزعومة في الترجمة! 

    إن هذا التباين في القراءات، مع إجماعها، تقريبا، على تخطئه ابن رشد يدفعنا إلى التساؤل عن مدى موضوعيتها وإحاطتها بجوهر المشكلة؟ وهي في نظرنا تتعلق أساسا بنمطين من تلقي الشعر، النمط الأرسطي-اليوناني الذي يحصره في التراجيديا والكوميديا من جهة والملحمة من جهة أخرى، أي في الأداء المسرحي والسرد، والنمط العربي الذي يحصره في الفن القولي الغنائي. والتباس الشعر -في الأفق الجمالي الغربي- بالمسرح والسرد استمر -بسبب أرسطو خاصة- قرونا طويلة، فمتى انفك الشعر الغربي عن هذا الالتباس؟ وما هو المسار الجينيالوجي الذي اتخذته ولادة هذا الشعر الخالص أو الشعر الغنائي في الأدب الغربي الحديث؟

 ألا يعود الفضل للثقافة العربية المدانة – من خلال الإدانة التي لحقت أحد رموزها وهو ابن رشد- في فك الالتباس المزمن عند الغربيين بين الشعر وغيره من الفنون عبر التثاقف المثمر الذي أنجب شعر التروبادور الذي حرر الشعر الأوروبي من سطوة الركح المسرحي؟

فن الشعر لأرسطو

يُنظِّر أرسطو في كتابه "فن الشعر" للدراما المسرحية والسرد الملحمي حصرا. ففي البداية يتحدث عن طبيعة الشعر وأنه كسائر الفنون يقوم على المحاكاة. وكل أنواع المحاكاة تختلف فيما بينها إما في الوسائل أو الموضوعات أو الأسلوب. فمن حيث الوسائل ثمة فنون تحاكي بالألوان والرسوم وأخرى تحاكي بالصوت ،وغيرها – أي الفنون الشعرية- تحاكي باللغة والايقاع والانسجام مجتمعة معا أو تفاريق. (1

   أما من حيث الموضوع فالشعراء حسب أرسطو يحاكون إما من هم أفضل منا، أو أسوأ، أو مساوون لنا، شأنهم شأن الرسامين.(2)

   ومن حيث الأسلوب تختلف طبيعة المحاكاة عند الشعراء، فإما أن" يستخدم (الشاعر) السرد في جزء، وفي جزء آخر يتقمص شخصية أخرى غير شخصيته، ثم يروي القول على لسانها كما كان يفعل هوميروس، وإما يتكلم بلسانه هو، دون إحداث مثل هذا التغيير، وإما يعرض الشخصيات وهي تؤدي كل أفعالها أداء دراميا". (3)

  بعد ذلك يتحدث أرسطو عن نشأة الشعر وتطور التراجيديا حيث يرى أن الشعر نشأ عن حاجتنا الفطرية للمحاكاة وحاجتنا للتعلم لأن المحاكاة " أمر فطري موجود للناس منذ الصغر والإنسان يفترق عن سائر الأحياء بأنه أكثرها محاكاة، وأنه يتعلم أول ما يتعلم بطريق المحاكاة، ثم إن الالتذاذ بالأشياء المحكية أمر عام للجميع" (4)"فنحن نسر برؤية الصور لأننا نفيد من مشاهدتها علما ونستنبط ما تدل عليه ".(5)

  أما التراجيديا فيرى أرسطو أنها نشأت – شأنها شأن الكوميديا- نشأة ارتجالية فقد نشأت على يد قادة الديثرامب (6) أما الكوميديا فنشأت على يد قادة الأناشيد الإحليلية. (7)

ثم يتحدث أرسطو عن الكوميديا والتراجيديا والملحمة والفروق بينها فيعرف الكوميديا بأنها محاكاة لأشخاص أردياء ويقصد بالرداءة الشيء المثير للضحك وهو الشيء الخطأ أو الناقص لكنه لا يسبب إيلاما، مثل القناع الكوميدي المثير للضحك ففيه قبح وتشويه ولكنه لا يسبب ألما عندما نراه. (8)

  ثم يتحدث عن الفروق بين الملحمة والتراجيديا فيشير إلى أن الملحمة- مثلها مثل التراجيديا- محاكاة للأفاضل من الناس لكنهما يفترقان في كون الملحمة تستخدم وزنا واحدا، وتصاغ في شكل سردي، كما أن زمن التراجيديا ينحصر في دورة واحدة للشمس (24ساعة) أو ربما تجاوزت ذلك بقليل بينما لا يتحدد فعل الملحمة بزمن. (9)

  بعد ذلك ينتقل أرسطو إلى تعريف التراجيديا فيحددها بأنها: محاكاة فعل جليل كامل، لها طول معلوم، في لغة ممتعة لأنها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزيين الفني وتتم هذه المحاكاة في شكل درامي (تمثل الفاعلين) لا في شكل سردي ، وتثير الرحمة والخوف فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات. (10)

ويخلص أرسطو إلى أن التراجيديا تتركب من الأجزاء الآتية: 1- الحبكة  2- الشخصية 3- اللغة 4- الفكر 5- المرئيات المسرحية 6- الغناء. (11)

   وهي الأجزاء التي يشرحها أرسطو فيما يلي من كتابه شرحا مسهبا، يتضح من خلاله أنه ينظر للدراما والمسرح وقواعد الكتابة المسرحية حصرًا، مغفلا تماما -كما لاحظ ذلك الدارسون- الحديث عن الشعر الغنائي. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل كتاب أرسطو هذا هو تنظير للشعر فعلا كما يوحي به عنوانه أم هو مجرد تنظير للمسرح، وكذلك للقصة أو السرد أيضا من خلال حديثه المسهب عن الملحمة والحبكة وأنواعها؟

  في الواقع لا تتم قراءة "فن الشعر" لأرسطو إلا بوصفهتنظيرا للمسرح فأرسطو في كتابه حسب "كارول تالون إيغون":" يستند على الممارسة الفعلية للمسرح في عصره لتحقيق هدفه الثلاثي في تنظيم وتصنيف مختلف الأشكال المسرحية واستنباط المبادئ والمفاهيم المفتاحية منها، وتثبيت قواعدها".(12) وهذا التنظير الأرسطي للمسرح هو الذي هيمن -عبر دعوى التنظير للشعر كما يوحي به عنوانه- على الفكر النقدي الغربي منذ بداياته، أي منذ "هوراس" Horaceاللاتيني الذي أعلن صراحة، في كتابه "فن الشعر" امتثاله للقواعد الإغريقية المسرحية حيث يقول:" لقد أرانا هوميروس أي بحور الشعر يصلح لرواية مغامرات الملوك والأبطال وقصص الحرب الأليمة.....كما أن موضوعا كوميديا لا تمكن كتابته في شعر تراجيدي.....فليلزم الشعراء هذه الحدود".(13) وواضح من قول هوراس "فليلزم الشعراء هذه الحدود" أن حد الشعر ظل ملتبسا في الأفق الأدبي الروماني بحد المسرح أو التراجيديا.

وقد ظل هذا الالتباس مستمرا إلى بدايات العصور الحديثة، حتى أن باحثا مثل "جان جاك روبين" Jean-Jacques Roubineيندهش من أن جميع النظريات المسرحية في القرن السابع عشر للميلاد "لم تكن تهدف إلى ابتكار نظام جديد وتأسيس جمالية أصيلة ... لقد كان مشروعها المشترك هو تحليل وفهم (فن الشعر) لأرسطو".(14)

   بل لقد هيمن شبح أرسطو وقواعده التي صاغها على المسرح الغربي إلى يومنا هذا حتى أن باحثة مثل "فلورنس ديبون"Florence Dupontوصفته بهامة أو مصاص دماء المسرح الغربي! وتتلخص أطروحتها في أن أرسطو قتل التراجيديا التي كان النص فيها يلعب دورا ثانويا، يشبه السيناريو اليوم، أمام ممارسة مسرحية شعائرية مرتبطة بالحياة الدينية للإغريق وحولها إلى مسرح أدبي خالص مختزل في النص وهو الفهم الذي ساد المسرح الغربي خلال تاريخه كلهولهذا سعت من خلال دراستها هذه إلى هدم الميراث الأرسطي وإعادة الاعتبار للمسرح بوصفه فنا أدائيا لا فنا أدبيا مكتوبا.(15)هذا هو مشروعها الذي أعلنت عنه في مدخل كتابها الذي عنونته ب:" ليس من السهل ألا تكون أرسطيا".(16)

إن ما يعنينا من مسعى "فلورنس ديبون" هو حديثها عن الهيمنة المطلقة للمفهوم الأرسطي للمسرح على مجمل الفكر النقدي الغربي الوسيط والحديث والمعاصر. فهذه الهيمنة تعني أن هذا الفكر نفسه لم يسْع أبدا إلى فك الالتباس بين مفهومين متغايرين هما الشعر والمسرح، فالسؤال المغيب في كل الدراسات التي تناولت أرسطو من خلال كتابه "فن الشعر" بوصفه منظرا للدراما المسرحية هو: ما هي الحدود الفاصلة بين الشعر والمسرح عنده؟

لقد أخفى التساؤل الذي طرحه الباحثون عن غياب الجزء الخاص بالكوميديا واقتصار تحليل أرسطو على الملحمة، وعلى التراجيديا خاصة، تساؤلا آخر كان ينبغي طرحه وهو سبب غياب الشعر الغنائي، ويبدو غيابا مقصودا كما لاحظ ذلك بعض الدارسين مثل "هوبير ليزي"Hubert Laizé الذي رصد ثلاث ثغرات أو غيابات أساسية في كتاب أرسطو ويتعلق الأمر بالكوميديا والشعر الغنائي والعرض المفصل لمفهوم التطهير Katharsis. (17)

والشعر الغنائي، الغائب الأكبر في مؤلف أرسطو، لم يتبلور دفعة واحدة في الثقافة الأدبية الغربية، بل اتخذ مسارات متعرجة ومعقدة قبل أن يفك التباسه المزمن بالمسرح أي التراجيديا والكوميديا، والسرد أي الملحمة، ولا شك أن المسئول عن هذا الالتباس هو أرسطو الذي جيَّره وأبَّده في المنظور الجمالي الغربي.

  إذن نخلص مما سبق إلى حقيقة محورية وهي أن كتاب "فن الشعر" لأرسطو كان تنظيرا للنوعين الدرامي أو المسرحي "التراجيديا والكوميديا" والسردي "الملحمة"، ولم يكن تنظيرا للشعر كما يوهم به عنوانه، وانطلاقا من هذه الحقيقة نحاول استعادة تلخيص ابن رشد لهذا الكتاب.

تلخيص ابن رشد لكتاب الشعر

".. فكل شعر وكل قول شعري هو إما هجاء، وإما مديح"(18). هكذا يقدم ابن رشد التعريف المفترض للشعر كما ورد عند أرسطو، وهو التعريف الذي تجمع المصادر على خطئه الشديد (19). لكننا نلاحظ أن مفهوم المديح لا يبتعد كثيرا عن مفهوم التراجيديا في الجوهر، بل في الشكل والتقنيات، فكل منهما مدح لأشخاصٍ وإن اختلفت الصيغة اختلافا بيِّنا، والأمر نفسه ينطبق على الهجاء في صلته بالكوميديا فكل منهما يسخر من أشخاصٍ يُصَوَّرون بهيئات تدعو للضحك أو الاشمئزاز.

إن وصْمَ ابن رشد، ومعه المترجم" متى"، بسوء الفهم المطلق قد يبدو حكما متسرعا، ففي السياق الثقافي العربي الذي تم فيه تلقي كتاب أرسطو لم يكن ثمة وجود للمسرح، وبالتالي لا معنى لمطالبة ابن رشد أو متى بن يونس بفهم مدلول التراجيديا أو الكوميديا الإغريقيتين، وقد كان عبد الفتاح كيليطو مُحقا حين ساوى بين فرضين متناقضين: أن يكون "متى" نفسه -الذي لم يعرف الإغريقية وترجم كتاب أرسطو عن السريانية- هو نفسه ضحية لخطأ الترجمة السريانية، أو أن يكون عالما بمدلول الكلمتين تراغوذيا وكوميذيا وترجمهما عمدا بالمدح والهجاء لأنه ما من خيار آخر أفضل متاح له. (20)  

كما أن فيلسوفنا المسلم لم يبتعد عن فهم المحاكاة رغم عائقين كافحهما باقتدار: ركاكة وغموض ترجمة متى، وغياب النموذج المدروس (أي المسرح) في الثقافة العربية.

ففي سياق نقله لعبارة أرسطو عن أسباب نشأة الشعر يقول:" ...والدليل على أن الإنسان يسر بالتشبيه بالطبع ويفرح: هو أنا نلتذ ونسر بمحاكاة الأشياء التي لا نلتذ بإحساسها، وبخاصة إذا كانت المحاكاة شديدة الاستقصاء، مثل ما يعرض في تصاوير كثير من الحيوانات التي يعملها المهرة من المصورين". (21) وعبارة ابن رشد هنا تختلف نسبيا عن عبارة أرسطو التي وردت بالشكل الآتي:" كما أن الإنسان –على العموم- يشعر بمتعة إزاء أعمال المحاكاة. والشاهد على ذلك هو التجربة: فمع أننا يمكن أن نتألم لرؤية بعض الأشياء، إلا أننا نستمتع برؤيتها هي نفسها، وهي محكية في عمل فني محاكاة دقيقة التشابه، وذلك مثل أحط أشكال الحيوانات، وجثث الموتى". (22)

كما تختلف عبارة ابن رشد اختلافا جذريا عن ترجمة متى التي وردت بالشكل التالي:" وذلك أن جميعهم يسر ويفرح بالتشبيه والمحاكاة. والدليل على ذلك هذا، وهو الذي يعرض في الأفعال أيضا، وذلك أن التي نراها وتكون رؤياها على جهة الاغتمام فإنا نسرُّ بصورتها وتماثيلها، أما إذا نحن رأيناها كالتي هي أشد استقصاء- مثال ذلك صورُ وخلق الحيوانات المهينة المائتة"(23).

تظهر عبقرية فيلسوف قرطبة هنا من خلال تجاوزه لركاكة وإبهام ترجمة "متى" من جهة، وتحويره الواعي لعبارة أرسطو من جهة أخرى، بحيث يتجلى مفهوم المحاكاة عنده بشكل شديد الوضوح، ولكنه يقرنها، كما يفعل غالبا، بمصطلحين آخرين لم يردا عند أرسطو وهما التشبيه والتخييل، وهذا الاقتران يظهر عند ابن رشد في الصفحات الأولى لتلخيصه، ففي نقله لأقوال أرسطو عن أنواع المحاكاة يقول: "..وكما أن الناس بالطبع قد يخيلون ويحاكون بعضهم بعضا بالأفعال، مثل محاكاة بعضهم بعضا بالأشكال والألوان والأصوات، وذلك إما بصناعة وملكة توجد للمحاكين، وإما من قبل عادة تقدمت لهم في ذلك، كذلك توجد لهم المحاكاة بالأقاويل بالطبع. والتخييل والمحاكاة في الأقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة أشياء: من قبل النغم المتفقة، ومن قبل الوزن، ومن قبل التشبيه نفسه. وهذه قد يوجد كل واحد منها مفردا عن صاحبه، مثل وجود النغم في المزامير والوزن في الرقص، والمحاكاة في اللفظ، أعني الأقاويل المخيلة الغير الموزونة (24). وقد تجتمع هذه الثلاثة بأسرها، مثلما يوجد عندنا في النوع الذي يسمى الموشحات والأزجال، وهي الأشعار التي استنبطها في هذا اللسان أهل هذه الجزيرة". (25

ولعل ابن رشد شَعَر بالقصور في مصطلح المحاكاة فرفده بكل من التشبيه والتخييل لتقتصر دلالة المصطلح على الشعر كما يعرفه أي الشعر العربي الغنائي. وهذا ينم عن قصدية تجلت في أكثر من موضع، بل منذ بداية التلخيص فإن كان موضوع الكتاب حسب ابن رشد هو " صناعة عمل الأقاويل المحاكية"(26) فإن أرسطو يقول في بداية كتابه: ".. وهناك فن آخر يحاكي عن طريق استخدام اللغة وحدها- سواء أكانت تلك اللغة نثرا أو شعرا......ولكن هذا الفن اللغوي لا يزال بلا اسم حتى يومنا هذا". (27) إن هذا الفن اللغوي العديم الاسم، والذي أخرجه أرسطو من حد الشعر (كما حدده في كتابه) هو نفسه الفن الذي جعله ابن رشد موضوع الكتاب! فالشعر في المُتَصوَّر الرشدي هو فن لغوي خالص يقوم على التشبيه والتخييل بينما هو في المتصور الأرسطي فن أدائي بصري يقوم على محاكاة الأفعال.

ولا شك أن فيلسوف قرطبة كان يدرك بحدسه النافذ أن أرسطو يتحدث عن فن خاص بالإغريق لا نظير له في الثقافة العربية ، وهذا ما تشي به عباراته في التلخيص، بل أول ما افتتح به كلامه حيث يقول:" الغرض في هذا القول تلخيص ما في كتاب أرسطوطاليس في الشعر من القوانين الكلية المشتركة لجميع الأمم، أو للأكثر، إذ كثير مما فيه هي قوانين خاصة بأشعارهم وعادتهم فيها، وإما أن تكون ليست موجودة في كلام العرب أو موجودة في غيره من الألسنة".(28) ومن ذلك قوله مومئًا إلى مقارنة أرسطو بين فن المدح " التراجيديا" وغيره :"... وذكر فروقا ما بين صناعة المديح/ وبين صنائع الشعر الأخر عندهم وخواص تختص بها تلك الأشعار الأخر في الأوزان والأجزاء والمحاكاة والقدر.....وأثنى في هذا كله على أوميرش. وكل ذلك خاص بهم وغير موجود مثاله عندنا". (29)

لن نبرئ فيلسوفنا تماما من سوء الفهم، ولكننا نضع سوء فهمه في سياقه الأعم وهو غياب النموذج التراجيدي عن الثقافة العربية، هذا الغياب هو المسئول عن استحالة فهم ابن رشد لبعض ما ورد في كتاب أرسطو، وربما كان أبرز "سوء فهم" يستوقف الناظر في تلخيصه هو حديثه عن "الإدارة والاستدلال".

والإدارة والاستدلال عند ابن رشد يقابلان مفهومي التحول والتعرف عند أرسطو، حيث يعرفهما بالقول:" وأعني بالإدارة محاكاة ضد المقصود مدحه، أولا: بما ينفر الناس عنه، ثم ينتقل منه إلى محاكاة الممدوح نفسه...وأما الاستدلال فهو محاكاة الشيء فقط.. وأحسن استدلال ما خلط بالإدارة".(30)

ويستشهد ابن رشد على مثالي الادارة والاستدلال ببيتي المتنبي:

كم زورةٍ لك في الأعراب خافية  

                     أدهى، وقد رقدوا، من زورة الذيب

أزورهم وسواد الليل يشفع لي      

                        وأنثني وبياض الصبح يغري بي

معقبا بالقول: "فإن البيت الأول هو استدلال والثاني إدارة. ولما جمع هذان البيتان صنفي المحاكاة كانا في غاية من الحسن".(31)

من السهل طبعا تأويل عدم فهم ابن رشد لمصطلحي التحول والتعرف بغياب النموذج التراجيدي عن أفقه النقدي، وتنزيله للمصطلح الأرسطي على الواقع الشعري العربي حصرا، ولكن هذا لا يعني إدانته بل يدعو إلى تثمين جهده التأويلي الجبار الذي سعى عبره - وهو يبتعد عن الفهم الأرسطي الملتبس لحد الشعر- إلى تطعيم النظرية النقدية العربية بحساسية جمالية جديدة ترصد انفتاح النص الشعري على السرد، ويتجلى ذلك خاصة من خلال استشهاده ببيتي المتنبي ذوي النفس السردي الواضح الذي يتجلى عبر مسرحتهما التخييلية.

لكن الهدف الأساسي لابن رشد هو أن يستخلص من كتاب أرسطو ما عده القوانين الكلية المشتركة لجميع الأمم، وفي سبيل هذه الغاية أبدع مفاهيم نقدية جديدة، لكنه قدَّم لذلك بخطوة إجرائية مهمة جدا وحاسمة، تضع طرحه النقدي على النقيض من الطرح الأرسطي حيث أخرج من حد الشعر ما يتعلق بالسرد أو الأمثال والقصص كما سماها. يقول ابن رشد: "وظاهر مما قيل في مقصد الأقاويل الشعرية أن المحاكاة التي تكون بالأمور المخترعة الكاذبة ليست من فعل الشاعر، وهي التي تسمى أمثالا وقصصا، مثل ما في كتاب "دمنة وكليلة". لكن الشاعر إنما يتكلم في الأمور الموجودة أو الممكنة الوجود، لأن هذه هي التي يقصد الهرب منها أو طلبها أو مطابقة التشبيه لها، على ما قيل في فصول المحاكاة. وأما الذين يعملون الأمثال والقصص فإن عملهم غير عمل الشعراء وإن كانوا قد يعملون تلك الأمثال والأحاديث المخترعة بكلام موزون.... فالفاعل للأمثال المخترعة والقصص إنما يخترع أشخاصا ليس لها وجود أصلا، ويضع لها أسماء. وأما الشاعر فإنما يضع أسماء لأشياء موجودة. وربما تكلموا في الكليات، ولذلك كانت صناعة الشعر أقرب إلى الفلسفة من صناعة اختراع الأمثال".(32)

وكلام ابن رشد هنا يختلف تماما عما نجده في المتن الأرسطي الأصلي الذي ورد بالشكل الآتي:" ... ويتضح كذلك مما ذكرناه أن مهمة الشاعر ليست رواية ما وقع فعلا، بل ما يمكن أن يقع، على أن يخضع هذا الممكن إما لقاعدة الاحتمال، أو قاعدة الحتمية. إذ ليس بالتأليف نظما أو نثرا يفترق الشاعر عن المؤرخ. فأعمال هيرودوت كان يمكن أن تصاغ نظما، ولكنها -مع ذلك- كانت ستظل ضربا من التاريخ سواء كانت منظومة أو منثورة، بيد أن الفرق الحقيقي يكمن في أن أحدهما يروي ما وقع، والآخر ما يمكن أن يقع. وعلى هذا فإن الشعر يكون أكثر فلسفة من التاريخ وأعلى قيمة منه، لأن الشعر عندئذ يميل إلى التعبير عن الحقيقة الكلية، أو العامة، بينما يميل التاريخ إلى التعبير عن الحقيقة الخاصة أو الفردية..." ويختم أرسطو هذه الفقرة بالقول: "وبناء على ما سبق، يتضح أن الشاعر "أو الصانع" ينبغي أن يكون صانع قصص أو حبكات أولا..". (33

يقارن أرسطو هنا بين السرد التراجيدي / الملحمي والسرد التاريخي، فالسرد التاريخي يروي ما وقع فعلا أما السرد التراجيدي/الملحمي فيروي ما يمكن أن يقع.

   لكن الفرق الأساسي بين تحليل ابن رشد وتحليل أرسطو أن الأول- الذي يستحيل أن يكون قد استفاد أدنى استفادة من ترجمة متى المبهمة تماما وربما استفاد من كتاب ابن سينا رغم الغموض النسبي لعبارته- (34) قد اهتدى بحدسه إلى ضرورة التفريق بين جنسين أدبيين هما الشعر والسرد، فأخرج من حد الشعر الأمثال والقصص والأحاديث المخترعة، أما أرسطو، فقد توصل -في سياق مقارنته بين الشعر التراجيدي والملحمة من جهة والتاريخ من جهة أخرى- إلى عكس ذلك تماما حيث عد الشاعر هو صانع القصص والحبكات.

ويتأكد وعي ابن رشد بالفرق بين الشعر والسرد من خلال استشهاده بنصوص قرآنية سردية حين افتقد في الشعر العربي ما يوازي شواهد أرسطو وينسجم مع تنظيراته. ففي سياق تلخيصه لما تناوله أرسطو تحت بند "التطهير" يقول:" .... والأقاويل المديحية يجب أن يكون فيها ضد الأمرين، وذلك يكون إذا انتقل من محاكاة الفضائل إلى محاكاة الشقاوة ورداءة البخت النازلة بالأفاضل، أو انتقل من هذه إلى محاكاة أهل الفضائل. فإن هذه المحاكاة ترق النفوس وتزعجها لقبول الفضائل. وأنت تجد أكثر المحاكاة الواقعة في الأقاويل الشرعية على هذا النحو الذي ذكر، إذ كانت تلك هي أقاويل مديحية تدل على العمل، مثل ما ورد من حديث يوسف صلى الله عليه وسلم، وإخوته، وغير ذلك من الأقاصيص التي تسمى مواعظ". (35  )

ويقول في موضع آخر:" وأنت تجد مثل هذه الأشياء كلها كثيرا في المكتوبات الشرعية، إذ كانت مدائح الفضائل ليس توجد في أشعار العرب، وإنما توجد في زماننا هذا في السنن المكتوبة".(36)

وبناء على هذه الرؤية المحايثة للشعرية -المباينة لدرامية التراجيديا وسردية الملحمة-صاغ ابن رشد تصورا نقديا طريفا متكاملا حول الشعر، سعت بعض القراءات الإيجابية الحديثة للمتن الرشدي إلى اقتناص أبرز ملامحه.

القراءات الإيجابية لتلخيص ابن رشد

من تلك القراءات ما قدمه الباحث "الأخضر جمعي" حين أورد نصي ابن سينا وابن رشد في المقابلة بين الشعر والأمثال والقصص ليستخلص أن الفلاسفة المسلمين "أخضعوا أرسطو لرؤاهم من خلال تأويل أفكاره وفقا لما يناسب نسقهم الجمالي والفكري، ذلك أن جوهر الشعرية عند هؤلاء قائم على المحاكاة والتخييل منسجم مع الخصائص الغنائية للشعر العربي، وما عداها مما يتعلق بالخرافات والقصص والمخترعات فإنها خارج سياق الشعر".(37)

إن ما يتوصل إليه الأخضر جمعي مهم جدا هنا، وإن كان لا يمعن في المقارنة بين التصورين الأرسطي والإسلامي لحد الشعر بغية اقتناص الفوارق الجوهرية بينهما.

أما "أحمد درويش" فيقترح منظورا آخر لتناول جهود ابن رشد وهو " محاولة تمثل الفكر البلاغي والنقدي لأرسطو، وعدم الاكتفاء بترديد مقولاته ومصطلحاته ولكن محاولة إنعاش التفكير النقدي والبلاغي العربي من خلال محاولة إيجاد تصور مواز تصك له المصطلحات المناسبة له ويكون صلب التمثيل له من الأدب العربي شعرا بالدرجة الأولى مع الالتفات إلى الأقصوصة والمقارنة مع النص القرآني من حين إلى حين". (38)

من الواضح أن الباحث هنا يدعو إلى التقريب بين التصورين النقديين الرشدي والأرسطي التماسا لنظرية نقدية عربية متجددة تقحم في مهادها النظري وميدانها الإجرائي النوع السردي الغائب، وهو النوع الذي لمح إليه ابن رشد -في سياق تلخيصه لكتاب أرسطو- من خلال حديثه عن الأمثال والقصص، ومن خلال شواهده القرآنية، لكن ميزة عمل ابن رشد في تقديرنا هي القطيعة الجذرية مع المتن الأرسطي في تصوره الملتبس لحد الشعر، فإذا جردنا عمله من هذه الخصيصة وسعينا إلى نمطٍ من المواءمة بينه وبين تنظيرات أرسطو نكون قد ورطناه في الالتباس نفسه، وهو ما نسعى إلى نقيضه تماما، فتلخيص ابن رشد هو إعادة اعتبار للشعر المغيب عند أرسطو، بحيث يكاد يكون شعرية نقيضة Anti-Poétiqueلشعرية الأول، وهنا تكمن كل قيمته.

ومن النواحي الإيجابية في قراءة "درويش" لابن رشد رصده لمظاهر الاجتهاد النقدي عند فيلسوفنا المسلم، كسبقه إلى فكرة الوحدة في الصناعة الشعرية حين شبه عملها بعمل الطبيعة سابقا بذلك "جورج بوفون" الذي تناول مفهوم الوحدة في مقاله" في الأسلوب" بنحو ستة قرون كاملة،(39) وكذلك حديثه عن ضرورة قيام الشعر على التغيير أو إخراج القول غير محرج العادة وهو ما يقابل مفهوم الانزياح في النقد المعاصر(40)، ويشير الباحث إلى التجديد الاصطلاحي عند ابن رشد كاستعماله ألفاظ" الأقاويل" للأقوال التي ليس فيها من معنى الشعرية إلا الاسم، و"الإدارة والاستدلال"، لكن هذه المصطلحات في الواقع قد وردت عند السابقين لابن رشد فلفظة "الأقاويل" بالمعنى الذي قصدها ابن رشد وردت عند ابن سينا(41)، أما "الإدارة والاستدلال" فوردا بهذا اللفظ نفسه في ترجمة متى. (42)

وفي سياق مشابه يستعيد "سامي سليمان" جهد ابن رشد عبر قراءة إيجابية ترصد إسهامه (المُجهض) في إثراء نظرية الأنواع الأدبية العربية، وهو ينطلق من مفارقة "حضور الفكرة وغياب النموذج الجمالي الذي تنظر له"(43)أي حضور النظرية الدرامية الأرسطية وغياب الدراما اليونانية نفسها، لتقييم هذا الجهد الرشدي.

وقد انتقد "سامي سليمان" قراءة "أحمد درويش" السابقة لأنه كما يقول:" تعامل مع تلخيص ابن رشد في ظل تغييب تام للأصل الأرسطي، ومن ثم انزلقت قراءته إلى بعض المزالق التي تعود إلى تصور ضمني رأى فيما قدم ابنُ رشد نوعا من الابتكار "الخالص". وهذا ما لا تثبته القراءة المتأنية لمتن تلخيص ابن رشد في علاقته بالترجمات العربية "الصحيحة" الحديثة لنص أرسطو". (44)

ولكن مثل هذا الحكم الصارم غير مبرر فقراءة "درويش" أحسنت اقتناص بعض مكامن التجديد الواضحة في تلخيص ابن رشد مثل إشارته إلى فكرتي الوحدة والانزياح عنده، كما أن "سامي سليمان" لا يقوم في الواقع إلا باستكمال ما شرع فيه "درويش" حين يدعو إلى قراءة تلخيص ابن رشد من خلال منظور يسعى " إلى إنعاش التفكير النقدي والبلاغي العربي".(45)  فقد تعامل "سامي سليمان" نفسه مع تلخيص ابن رشد بوصفه" محاولة ضمنية لإعادة بلورة بعض جوانب نظرية الأنواع الأدبية في التراث العربي".(46)

وقد حاول الباحث تلمس معالم نظرية نقدية سردية كامنة في التلخيص، وهذا هو في الواقع المشروع الأساسي لبحثه كما يُستشف من قوله:" ...بقدر ما كان ابن رشد يسعى إلى فهم أفكار أرسطو وتصوراته الخاصة بالتراجيديا وبنيتها في ضوء منتجات الثقافة العربية الوسيطة، وفي ضوء منظومتها في الأنواع الأدبية، فقد كان يوازي ذلك السعيَ التفافٌ متكرر إلى جوانب جديدة من العناصر الجمالية والبنائية والوظيفية المتصلة بالأنواع النثرية السردية والشعرية وبالقص القرآني، التي كان ابن رشد يجد فيها روافد صالحة لتطبيق أفكار أرسطو عليها. وذلك ما كان يمنح عمل ابن رشد خصوصية متميزة، وكان يهيئ له إمكان الإسهام في تغيير نظرية منظومة الأنواع الأدبية في الثقافة العربية القروسطية".(47)  

  ويبدو أن الباحث يحاول التقريب بين التلخيص الرشدي والمتن الأرسطي بحيث يبدو ابن رشد منظرا سلبيا للدراما، فهو يطنب في الحديث عن إشارة ابن رشد إلى الجانب الأدائي في القصيدة أي هيئات الشاعر وإشاراته أثناء الإلقاء أو ما سماه ابن رشد "الإشارات والأخذ بالوجوه" مستعيدا ما سبق له تناوُله بتفصيل مسهب في كتاب "تلخيص الخطابة".(48) ويخلص الباحث في تحليله إلى أن" جانبا من أبرز الجوانب التي انجلت عنها محاولة ابن رشد تطبيق المفاهيم الأرسطية على قصيدة المديح العربية القروسطية هو تعامله مع التقديم الأدائي لقصيدة المدح على أنه جانب من الجوانب التي يجب تسليط الأضواء عليها وفهمها من منظور التصور الأرسطي لأنه وسيلة أساسية من الوسائل التي تكمل ،فيما يقرر ابن رشد، التخييل الموجود في الأقوال الشعرية أنفسها من قبل التشبيه والوزن واللحن، وذلك ما تجلى في مصطلحين من المصطلحات التي ربما كان الناقد العربي القروسطي يستخدمها للمرة الأولى في تعامله مع الشعر العربي "الغنائي" وهما مصطلحا القاص والمحدث".(49)   

لكن الوصل بين الجانب الأدائي في الشعر ومصطلحي القاص والمحدث هنا يبدو مفتعلا ومقصودا من طرف الباحث ليصل إلى استنتاج لا نراه متماسكا. فهو يستشهد بقول ابن رشد الآتي:" فالقاص والمحدث في المديح ينبغي أن تكون هيئة قوله وشكله هيئة محق لا شاك وهيئة جاد لا هازل...الخ"(50) ليستنتج أن "ما قدمه ابن رشد يعد صياغة متماسكة من ناحية، كما كانت قادرة من ناحية أخرى، على الإسهام في تغيير عديد من توجهات النقد العربي الوسيط تجاه الشعر الغنائي، أو على أقل تقدير تعديلها تعديلات مؤثرة في هويتها". (51) وهو يقصد بذلك أن الصياغة الرشدية لنظرية أرسطو كان من شأنها إقحام البعدين الدرامي والسردي في النظرية النقدية للشعر العربي. ولكن الباحث ابتعد عن مقصد ابن رشد فهو حين يتحدث عن القاص والمحدث- متابعة لحرفية الترجمة ربما؟ - إنما يقصد الشاعر تحديدا ففي الصفحة التالية مباشرة يقول ابن رشد:" وقد يجب أن تكون أجزاء صناعة المديح ستة: الأقاويل الخرافية، والعادات، والوزن، والاعتقادات، والنظر، واللحن. والدليل على ذلك أن كل قول شعري قد ينقسم إلى مشبه ومشبه به. والذي به يُشَبَّه ثلاثة: المحاكاة، والوزن، واللحن. والذي يُشَبَّه في المدح ثلاثة أيضا: العادات والاعتقادات والنظر". (52) من الواضح إذن أن المحدث أو القاص ليسا في التصور الرشدي إلا الشاعر وعملهما يقتصر على المحاكاة عن طريق التخييل الشعري أو التشبيه. أما موقف ابن رشد من الأمثال والقصص نفسها فقد سبق أن أوضحناه.

إن قيمة القراءات السابقة لتلخيص ابن رشد – ولا ندعي استقصاء ما فيها- تكمن في استعادتها الإيجابية لجهد ابن رشد ووضعه في سياقه الأنسب أي النظرية النقدية العربية، وهي بذلك، مع قراءات أخرى لا يتسع المجال لتناولها(53)، تعيد الاعتبار لفيلسوف قرطبة الذي تحمّل وحده وزر الخطيئة الأصلية، خطيئة الترجمة السريانية، فرغم أن  العرب عرفوا كتاب أرسطو قبل ابن رشد من خلال ترجمة متى بن يونس وشرح الفارابي في كتابه "رسالة في قوانين صناعة الشعر"، ثم شرح ابن سينا في كتاب "الشفاء"، إلا أن تلخيص ابن رشد لكتاب "فن الشعر" -وهو الأخير في الترتيب الزمني- قد حظي بالنصيب الأوفى من اهتمام الباحثين، والقسم الأكبر من هؤلاء سواء أكانوا عربا أم غربيين جنحوا إلى محاكمة فيلسوف قرطبة، ووصمه بسوء الفهم لمقاصد أرسطو.

محاكمة ابن رشد

ولعل في طليعة المنتقدين لفيلسوف قرطبة بعض المفكرين والنقاد العرب، مثل إحسان عباس الذي يكاد تعامله مع تلخيص ابن رشد يقتصر على إحصاء "أخطائه" أي فهمه للتراجيديا والكوميديا أنهما المديح والهجاء، وظنه أن المحاكاة هي وجها التشبيه، وتسميته للعقدة بالقول الخرافي، وتسميته جزءي الانقلاب والانكشاف بالادارة والاستدلال، وعدم فهمه لمعناهما، وظنه أن البطل المسرحي هو الممدوح. (54) وهو يرى أن الغاية التي وضعها ابن رشد نصب عينيه، أي جعل كتاب الشعر عمليا ومفيدا من خلال ربطه بالشعر العربي، هي السبب في انحرافه بعيدا بمدلول كتاب الشعر، (55) وإلى مثل هذا القول ذهب عبد الله إبراهيم الذي رأى أن ابن رشد بلجوئه "إلى حذف النصوص اليونانية، واقتراح النصوص العربية، يكون قد تخطى هدفه كشارح إلى معرف بتصور أرسطو. وفي هذه المهمة لم يحالفه النجاح". (56)

أما ابراهيم حمادة فيرى ان تلخيص ابن رشد لكتاب أرسطو " متأثر هو الآخر بسوء فهم ما سبقه من أعمال عربية تعرضت لكتاب "فن الشعر" بل ويزيد عليها سوءا. فهو فهم مسبق عربي مفروض فرضا على تعاليم أرسطو المخطوءة "كذا" والمطبقة تطبيقا حرفيا فاسدا".(57)

إن مثل هذه القراءات السلبية لمفاهيم ابن رشد والفلاسفة الاسلاميين كما يقول "الأخضر جمعي" - في تعقيبه على قراءة عصام قصبجي وهي شبيهة بها في تخطئة صاحب التلخيص-  قائمة على مقابلتها بأفكار أرسطو بينما كان عليها أن تنطلق من حقيقة أن الفلاسفة المسلمين "يبنون منظومة فكرية مستقلة عن أرسطو، ومندرجة عموما في سياق النظرية الأدبية العربية". (58)

كما أنها في تقديرنا فوتت على نفسها فرصة إعادة الاعتبار لجهد ابن رشد، ومعه الثقافة العربية -باعتبارها المحضن الحقيقي للشعر- عبر الموازنة بين مفهومين متغايرين للشعر: المفهوم الملتبس " التراجيديا/الملحمة" في الثقافة الغربية، والمفهوم الخالص"الغنائية" في الثقافة العربية. 

وربما كان النقد العربي لابن رشد أحد الأصداء الواعية أو غير الواعية للنقد الذي بدأ باكرا في القرن التاسع عشر من خلال "إرنست رينان"Ernest Renanالذين أطل على الثقافة العربية من شرفة متعالية، فقد استند على نظريته العنصرية في تفوق العرق الآري ليقرر أن الشعوب السامية- ومنها العرب طبعا- عاجزة عن هضم وتذوق أعمال هوميروس وبنداروس وسوفوكليس وحتى أفلاطون، ليخلص من ذلك إلى أن أخطاء ابن رشد في فهم شواهد الأدب الإغريقي (يقصد الواردة في كتاب أرسطو) مدعاة للابتسام. (59)

لكن أكبر  إدانة ل "خطأ" ابن رشد إنما حمل لواءها الروائي الأرجنتيني العالمي بورخيسJorge Luis Borges في قصته "بحث ابن رشد" حيث يصور فيها مفارقة حسبما تبدَّى له: فمن جهة يعجز فيلسوف قرطبة عن فهم المقصود من كلمتي تراغوذيا وكوميذيا في كتاب "فن الشعر" لأرسطو.. رغم أنه أرهق شروح الاسكندر الأفروديسي بحثا، كما فعل مع نسخ النسطوريين حنين ابن اسحاق وأبي بشر متى دون جدوى.. ثم يتجه إل مكتبته ليتصفح معجم المحكم لابن سيده (طبعا من المستحيل أن يجد ابن رشد الكلمتين في المعجم فالإشارة إلى المعجم ليست عبثية، ولكنها محاكمة ضمنية  من بورخيس للثقافة العربية التي جهلت تماما مدلول الكلمتين )..بعدها يتأمل ابن رشد أطفالا شبه عراة يتسلون في الأسفل، في الفناء الضيق، أحدهم، معتليا كتفي الآخر، كان يؤدي بوضوح دور المؤذن، بعينين مغمضتين كان يتلو النداء: لا إله إلا الله، أما الذي كان يحمله، ساكنًا، فكان يمثل المئذنة، بينما كان آخر، منحنيا على التراب وجاثيا على ركبتيه، يمثل جموع المصلين. (60)

وفي حوار دار بمنزل العالم القرآني فرج، يروي أبو القاسم صديق ابن رشد ما رآه في رحلته إلى الصين. حيث قاده تجار مسلمون إلى بيت خشبي كان بعض الناس داخله يأكلون ويشربون، وبعضهم الآخر على سطحه وكان بعض الذين على السطح يلعبون بالطبل والعود وبعضهم الآخر (من خمسة عشر إلى عشرين فردا) يرتدون أقنعة قرمزية يصلون ويغنون ويتحدثون.. كانوا يُسجنون ولا أثر للسجن ويمتطون الجياد ولا أثر لمركوبويحاربون ولكن سيوفهم من قصب، ويموتون لكنهم سرعان ما يقومون.. ويتبع هذه القصة حوار يشرح فيه أبو القاسم أن القوم كانوا يؤدون قصة فيقول فرج: في هذه الحالة لم تكن ثمة حاجة لعشرين رجلا، فقاص واحد يستطيع أن يروي أي شيء مهما بلغ من تعقيد. فوافق جمع المتحاورين على هذا الحكم القاطع. (61)

تكمن المفارقة هنا في أن الجواب عن سؤال ابن رشد كان أمام عينيه. فالتراجيديا والكوميديا ليستا إلا فن المسرح وهو ما كان يؤديه الصبية أمام ناظريه، وما كان يؤديه الصينيون على السطح، لكنه بانغلاقه في عالمه النظري الذي ترمز له المكتبة وثقافته الاسلامية المنغلقة التي يرمز لها "فرج" العالم القرآني، عجز- وهو المؤول الضليع- عن فهم تلك الاشارات التي كانت كفيلة بإضاءة مدلول الكلمتين اللتين أرقتاه.

تبدو قصة بورخيس -بثقل الرموز التي تومئ فيها إلى الحضارة العربية الإسلامية- محاكمة صريحة، عبر ابن رشد، لهذه الثقافة، ونظرة من شرفة غربية متعالية للشرق، تتصور غياب المسرح وفنون الأداء نقصا أو خللا في بنية الثقافة العربية.

والإشارة إلى قصة بورخيس – في سياق دراستنا- ليست ترفا، فبورخيس الأديب العالمي جعل محاكمة ابن رشد علنية، كونية، يتردد صداها، ليس عبر المقالات والدراسات الأكاديمية المتخصصة فحسب - وهي كثيرة لا يتسع المقام لإحصائها (62)- بل أيضا من خلال الوسائط السمعية البصرية الحديثة، فالفيلسوفة الفرنسية آديل فان ريتAdèle Van Reeth  – مثلا- تستدعي في سياق حوار إذاعي فرنسي عن الترجمة وصعوباتها واستحالاتها نموذج ابن رشد في تلقيه لكتاب أرسطو "فن الشعر"(63)، والممثل الفرنسي سيرج رانكو Serge Rankoيقرأ قصة بورخيس عن ابن رشد أمام الجمهور في مسرح لاكرييي بمرسيليا. (64)

إذن، لقد أصبح "خطأ" ابن رشد– بتأثير من قصة بورخيس هذه وعبر الإذاعة والفيديو ووسائط التواصل الافتراضية للقرن الواحد والعشرين - تحت الأضواء الكاشفة!  

وقد رصد "عبد الفتاح كيليطو" في قصة بورخيس هذه تناقضا جوهريا، فالقصة تصور عجز ابن رشد عن فهم كلمتي تراغوذيا وكوميذيا، ولكن ابن رشد الذي يجهل الإغريقية كان يعمل على الترجمة العربية للترجمة السريانية للنص الإغريقي أي على ترجمة لترجمة، إذا كان هذا هو الحال – كما يقول كيليطو- وكانت النسخة العربية هي التي تقع تحت بصر ابن رشد فكيف اصطدم بالمصطلحين المذكورين؟ إن هذا حسب كيليطو يؤدي إلى نوع من الارتياب في نص بورخيس: فهو يمنحنا الانطباع أن ابن رشد الذي يجهل الاغريقية كان يشتغل على النص الاغريقي لـ"فن الشعر" وكان من واجبه الشخصي أن يترجم هاتين الكلمتين المريبتين. (65)

لكن المسئول عن هذه الترجمة هو أبو بشر متى الذي –لا ريب- أن ابن رشد قد اعتمد على ترجمته الخاطئة أو الاضطرارية فلم يكن متى - حتى على افتراض إدراكه لمدلول الكلمتين تراغوذيا وكوميذيا- مخطئا في ترجمتهما على التوالي بالمديح والهجاء لأنه لم يكن يمتلك خيارا أفضل. (66)

إن أهمية مقال كيليطو تكمن في مرافعته عن ابن رشد، وضِمنًا عن اللغة العربية، برد الخطأ إلى أصله الأول أي إلى اللغة السريانية والمترجم السرياني.

أما الكاتب الفرنسي ويليام ماركسWilliam Marx، فيقول في سياق استشهاده بقصة بورخيس عن ابن رشد: " أمام التراجيديا الإغريقية كلنا (يقصد الأوروبيين) ابن رشد، لكن ابن رشد كان يدري على الأقل أنه لا يدري، أما الأوروبيون فيتوهمون معرفة التراجيديا التي لقنت لهم في المدرسة وعرفوا كتابها مثل أسخيلوس ويوريبيديس وسوفوكليس... بينما هم يجهلونها في الحقيقة...فما يفصلهم عن التراجيديا اليونانية هو اللغة والدين والثقافة التي لم تعد نفسها، والأهم أن ما يقف سدا بين الأوروبيين والتراجيديا الإغريقية هو الأدب". (67)

يذكرنا هنا "ويليام ماركس" بما سبق أن ذهبت إليه "فلورنس ديبون" حين اتهمت أرسطو بتحويله المسرح من فن أدائي مرئي ومسموع إلى فن أدبي مكتوب، لكنه هنا لا يُحَمل المسئولية لأرسطو بل للأوروبيين في القرن الثامن عشر وما بعده، حيث هيمن الأدب المكتوب على الطبيعة الأدائية للمسرح.

أما "أمبرتو إيكو"Umberto Ecoفيرى أن المثال الأكثر وضوحا عن سوء الفهم الثقافي الذي يحدث بدوره سلسلة من الهفوات اللغوية نجده في ترجمة كتابي أرسطو"فن الشعر" و"الخطابة" كما ترجمهما للمرة الأولى ابن رشد الذي كان يجهل اليونانية، ولا يعرف إلا القليل النادر من السريانية. (68) ثم يستدعي قصة بورخيس "بحث ابن رشد" ليعقب عليها قائلا: "ينسب القراء هذه الحالة اللامعقولة إلى مخيلة بورخس، ولكن ما يقصه هو ما حصل بالضبط لابن رشد. كل ما يحيله أرسطو على المأساة، يُحال في تعليق ابن رشد على الشعر، وعلى ذلك النوع الشعري الذي هو الهجاء أو المدح. هذا الشعر الخطابي يستعمل التمثيل، ولكنه تمثيل لغوي. هذا التمثيل يهدف إلى الحث على الأعمال الفاضلة، ولذا فغايته أخلاقية. بطبيعة الحال، هذه الفكرة الأخلاقية للشعر تمنع ابن رشد من فهم مُتصوَّر أرسطو حول أساسية الوظيفة التنفيسية (لا التلقينية) للفعل التراجيدي". (69)

  لم يجهد إيكو نفسه في تأويل سبب استحالة إدراك ابن رشد للبعد الدرامي المسرحي في كتاب أرسطو، لقد اقتصر عمله هنا على إحصاء فيلولوجي لأخطاء ابن رشد، بينما كان عليه، وهو السيميائي المؤول و"العبر-مناهجي" أن يتوقف مليا عند شواهد ابن رشد العربية ويوازن بين نمطين من تلقي الشعر: النمط اليوناني الأدائي- السردي الذي يحصره في المسرح والملحمة، والنمط العربي الغنائي الذي يخلصه من كل علاقة بالسرد والدراما. إن هاتين الرؤيتين يستحيل أن تلتقيا، وذلك في تقديرنا، لسبب واضح، وأصلي، وهو التباس مفهوم الشعر في الأفق الجمالي اليوناني بالمسرح والملحمة، ونقاء وأصالة مفهوم الشعر في الأفق الجمالي العربي، ولقد استمر هذا الالتباس عند الغرب لقرون عديدة فلم ينفك الشعر الخالص أو الغنائي عن التباسه المزمن بالدراما والسرد إلا عبر مسار تطهيري طويل عمَّر إلى مشارف العصر الحديث، كما تبينه المقاربة الجينيالوجية لولادة الشعر الغنائي في أوروبا.

رحلة الشعر من "بويطيقا" أرسطو إلى غنائية العصر الحديث

إن الشعر الغنائي، في المنظور النقدي الإغريقي-الروماني ليس هو الشعر المقروء ولكنه، كما يقول الكاتبان "روني مارتين" و"جاك غايار"René Martin, Jacques Gaillard،الشعر المُغَنّى أي الذي تتألف من كلماته أغنية ٌتؤدى بمصاحبة آلة موسيقية معينة وخاصة الربابة La lyre...إن كلمة الفنان الغنائي كانت تعني ممثلا أو ممثلة يؤدي أحدهما أغنية مقابل الفنان الدرامي الذي يقول أو يحاكي. (70

والشعر الغنائي الإغريقي ينقسم إلى نوعين شعر منفرد تعود أصوله إلى الأغاني الشعبية، وشعر الجوقة الجماعي ذي الأصول الدينية، لكن هذا الشعر الغنائي يعد نوعا عتيقا في اليونان ينتمي - حسب ما يذهب إليه الباحثان- إلى مرحلة ما قبل الأدب، فلم يكن الشعراء الغنائيون يعدون أدباء، لقد زال الشعر الغنائي ليقوم على رماده الفن الذي كان يعد أدبا حقيقيا: المسرح. (71)

وفي سياق مشابه تشير "نادين لومور"Nadine Le Meurإلى أن المدونة الغنائية اليونانية شديدة التنوع والتباين بحيث تختلف من حيث اللهجة والوزن والموضوعات التي تتنوع بين الزواج والحداد والأعياد الدينية...الخ(72). وهذا التنوع الذي تشير إليه الباحثة لا شك أنه يجعل من العسير الحديث عن نوع شعري محدد له خصائصه الثابتة. والواقع أن الشعر الغنائي في اليونان القديمة - حسب كثير من الباحثين- لم يكن أبدا نوعا أدبيا ثابتا ومتماسكا وواضح المعالم.                                                            

ولعل من أبرز الباحثين المتخصصين في الأنواع الأدبية الإغريقية الذين تناولوا هذه المسألة "كلود كالام"Claude Calameالذي   يلاحظأنه رغم إشارة المصادر الأدبية التاريخية إلى وجود شعر غنائي في اليونان القديمة بوصفه أغنية يلقيها فرد هو الشاعر نفسه وتصحبه في أدائه أنغام القيثارة، إلا أن بعض الدراسات الحديثة التي استأنس بها أثبتت له أن الكلمة Lyriqueالتي تعني الغنائي والمشتقة من الربابة Lyreتعود للعهد الإسكندري المتأخر (73)

وفي تتبعه لتطور مفهوم الشعر الغنائي عند الرومان- بوصفهم حملة التراث الإغريقي- من "شيشرون" إلى نهاية القرن الرابع بعد الميلاد عند النحوي الروماني "ديوميد" يلاحظ "كالام" أنه رغم تقنين الشعر الغنائي في تلك المرحلة بوصفه نوعا أدبيا حيث تم تعريفه بأنه الشعر الذي ينشد بمصاحبة الربابة، إلا أن مفهومه ظل غامضا. ويعود سبب هذا الغموض –حسبه- إلى أن مفهوم الشعر عند الآباء المؤسسين للنقد الأدبي الإغريقي (أفلاطون وتلميذه أرسطو) ينصرف حصرا إلى الصيغ السردية (القصصية) وهي: التراجيديا والملحمة والكوميديا، فالفن الشعري كما رآه الأستاذ والتلميذ لا يمكن إلا أن يكون سرديا. (74)

إن ما يذهب إليه "كلود كالام" هنا مهم جدا في سياق دراستنا هذه: فأرسطو وأفلاطون مسئولان عن غموض مفهوم الشعر الغنائي، أي الشعر الخالص المنفك عن الدراما والسرد، فهما بوصفهما من الآباء المؤسسين للنقد الأدبي كان عليهما أن يحددا بدقة خصائص الشعر الغنائي وما يميزه عن بقية أنواع الشعر، ولكن كل تنظيرهما انصرف إلى الصيغ السردية في التراجيديا خاصة، وفي الملحمة والكوميديا، أي أنهما ببساطة شديدة: لم ينظرا للشعر إطلاقا!!

وقد ظل الشعر الغنائي، فعلا، رهينة لهذا الغياب الدرامي حتى العصر الوسيط حيث ظهر في جنوب فرنسا شعراء التروبادور الذين يعدون حسب الدارسين المتخصصين مثل برتران داربو Bertrand Darbeau، وميشال زينك Michel Zinc، وجون شارل باين Jean Charles Payen، المؤسسين الفعليين للشعر الغنائي.(75)

ولكن السؤال الذي لا بد من طرحه هو: من أين جاء شعر التروبادور؟

لم يبدأ الاهتمام بشعر التروبادور إلا في العصر النابليوني كما يقول نيكل Nykl A.R، أي منذ نشر رينوار Raynouardبين سنتي 1816-1821مختارات لشعراء التروبادور في ستة مجلدات. ثم انتشر الاهتمام بهم في أوروبا وأمريكا.(76)

وقد أنجب هذا الاهتمام عدة نظريات حول نشأة فن التروبادور الشعري، لكنما نلاحظه-باطمئنان- هو هيمنة النظرية العربية أي نظرية الأصل العربي الأندلسي لشعر التروبادور على ما عداها، فهذه النظرية  التي تحصر أصل شعر التروبادور  في الموشحات والأزجال الأندلسية كانت إلى وقت ليس بالبعيد مستبعدة تعصبا ضد العرب،فالفرنسي "لوجونتي"Le Gentilالذي تقوده بحوثه إلى اكتشاف التطابق في الشكل بين أزجال "ابن قزمان" وقصائد "غيوم التاسع"Guillaume IXأقدم شعراء التروبادور، يتجاهل هذه النتيجة ويكشف بصراحة عن ميله النفسي للأطروحة المضادة التي تذهب إلى الأصل الديني " أي المسيحي اللاتيني" لهذا الشعر دون أدنى تبرير علمي لموقفه.(77)

أما جونروى Jeanroy-وهو مرجع أساسي لدارسي شعر التروبادور- فبعد أن يعلن سنة 1899أن النظرية العربية هي مجرد أسطورة خالصة، يعود في عمله المهم الصادر سنة 1934عن "الشعر الغنائي للتروبادور" ليقرر أنه لم يعد من الممكن استبعاد الفرضية العربية لنشأة ذلك الشعر. (78)

لقد اكتسبت النظرية العربية المزيد من الأنصار في القرن العشرين كما يلاحظ ذلك إيميليو غارثيا غوميثEmilio García Gómez(79)، ومن هؤلاء " نيكل" الذي يستعرض مختلف النظريات حول نشأة فن التروبادور ليقر في النهاية بأن النظرية العربية هي الأكثر حيوية.(80)

وكذلك إيريني كلوزيلIrénée Cluzel، وهو بدايةً يتساءل عن سر الظهور المفاجئ لشعر التروبادور ومفهوم الحب المهذب أو الرقيق Fin’Amorالذي يقدم لنا سيكولوجية في الحب لا يوجد مثال لها في التراث الإغريقي- الروماني.(81)ثم يناقش أطروحة من ينفون أي تأثر لشعر التروبادور بمصادر من خارجه مفضلين التعامل معه بوصفه ظاهرة معجزة نشأت تلقائيا، فهذا الحل حسب الباحث هو الأشد سهولة والأشد بعدا عن العلم في الوقت نفسه.(82)

كما يناقش أطروحة القائلين بالأصل اللاتيني لشعر التروبادور داحضا إياها، أولا باعتبار الشعر اللاتيني الوسيط موجها – حصرا- لرجال الدين ولم يكن العامة يعرفونه، وثانيا لأن المؤلفات البلاغية والعروضية اللاتينية المؤلفة في العصر الوسيط والمخصصة لفن الشعر، والتي يدعي بعض الباحثين تأثر الشعراء التروبادور بها ظهرت بعد كبار الشعراء التروبادور مثل غيوم التاسع وماركبرو، كما أنها كانت مؤلفات مدرسية ذات طابع تعليمي وكانت مخصصة لتثقيف رجال الدين حصرًا.(83)

وبعد أن يستعرض الباحث مختلف النظريات حول نشأة شعر التروبادور لا يخفي افتتانه بالأطروحة العربية مستلهما أعمال ريبيرا وبيدال وغيرهما عن التشابه بين شعر التروبادور الفرنسي والإسباني والزجل الأندلسي خاصة.(84)

   أما روبير بريفو Robert Briffault فبعد أن ينفي نفيا قاطعا إمكانية تأثر شعر التروبادور بالمصادر اللاتينية التي لا تشبهه في شيء، وبعد أن يجري مقارنات عديدة بين قصائد التروبادور في أشكالها ومضامينها والشعر العربي الأندلسي، ولا سيما الزجلي منه، يتوصل إلى أن جميع القصائد التي وصلتنا من غيوم دي بواتييه (غيوم التاسع) أقدم شعراء التروبادور تتطابق تماما في خصائصها مع القصائد الإسبانية الموريسكية. وهو ما لاحظه الباحث أيضا لدى قسم كبير من قصائد شعراء لاحقين لغيوم التاسع مثل ماركبرو وسيركامون وغيرهما.(85)

أما ليفي بروفنسالLévi-Provençalالذي يؤكد الأبوة الروحية للشعر الشعبي الأندلسي تجاه التروبادور فيتساءل في نهاية مقاله عن "مؤثرات الشعر الشعبي الأندلسي على شعر التروبادور":" .. لماذا إذن ينفر المجتمع الإقطاعي من الاعتراف بأخذه عن الحضارة الأندلسية الإطار والأغراض التي أوحت له بأولى محاولاته الشعرية، وهي أشبه بألف باء شعره الغنائي الذي لم يكن حين ذاك يتجاوز حدود اللعثمة؟!".(86)

وملاحظة بروفنسال مهمة جدا لأنها تربط بوضوح بين الشعر الأندلسي الزجلي ونشأة النوع الغنائي في أوروبا، هذا النوع الذي كان آنذاك في مراحله الأولى.

إذن يمكننا القول باطمئنان أن الشعر الغنائي الأوروبي الذي ابتكره التروبادور إنما نشأ بتأثير من الموشحات والأزجال الأندلسية وكذلك الشعر العربي الغنائي عامة باعتباره المحضن والملهم الأول للشعر الأندلسي، وهو رأي يستقر عليه كثير من الباحثين اليوم مثل "مارتين برودا" Martine Brodaفي دراسة لها عن "الغنائية والغنائية العاشقة"، وتحديدا في سياق تناولها لقصيدة من قصائد "الحلاج" حيث ينتمي شاعرنا الصوفي حسبها " إلى هذا الشعر العربي العظيم، المصدر الأساسي لشعر التروبادور وشعر دانتي، ومن خلالهما لكل الشعر الغنائي الغربي".(87)

ولعل من علامات استقرار هذا الرأي على أرض صلبة أن "قاموس الأدب الفرنسي والفرنكفوني" الضخم في تناوله لمادة التروبادور Troubadourيقول: "أنهم، بدون شك، بوصفهم ورثة للحيوية الموسيقية- الشعرية لبلاطات الأمراء في الأندلس قد ابتكروا الشعر الغنائي".(88

ولا بد أن ندرك أن مصطلح "الغنائية" لم يظهر في الدرس النقدي إلا في الربع الثاني من القرن التاسع عشر، فقد ظهر هذا المصطلح، كما يقول "جون ميشال مولبوا" Jean-Michel Maulpoix، في مرحلة" لم تعد فيها الغنائية تدل على نوع شعري بين أنواع أخرى، بل كانت تنزع إلى امتصاص الشعر كله".(89)

وملاحظة "مولبوا" هنا شديدة الأهمية لأنها تكشف أن مفهوم الشعر نفسه، بوصفه نوعا أدبيا على حدة، أصبح في العصر الحديث مرادفا للشعر الغنائي: إذن فالشعر لا يكون في المنظور الجمالي الحديث إلا غنائيا بعد أن كان في المنظور الإغريقي "الأفلاطوني-الأرسطي" سرديا ملتبسا تماما بالدراما.

الخاتمة

إن ما توصلنا إليه من خلال هذا البحث يدفعنا إلى مراجعة جذرية للموقف السائد من نمط التلقي العربي ل"فن الشعر" الأرسطي خاصة عند الفيلسوف ابن رشد، وضرورة اعتبار الموقف الرشدي منسجما مع طبيعة الشعر نفسه، فهو وإن ابتعد –نسبيا- عن فهم بعض حيثيات النظرية الأرسطية، إلا أنه كان موفقا كل التوفيق حين أخرج من حد الشعر ما سماه الأمثال والقصص، مخَلِّصًا هذا الحد مما أقحمه فيه أرسطو "أي التراجيديا والكوميديا والملحمة"، فالفيلسوف اليوناني في عمله النقدي الرائد لم يضع أية حدود فاصلة بين الشعر وبقية الأنواع الأدبية، بل حصر الشعر في الفنون المحاكية وهي التراجيديا والكوميديا والملحمة، وهي الفنون المباينة لروح وطبيعة الشعر الغنائي الذي غاب تماما في تنظيراته، وإن كان عمل أرسطو يعد رائدا في النظير المسرحي والدرامي عند الغربيين، فإنه في نظرنا قد سبب غموضا والتباسا في حد الشعر، وهو الالتباس الذي عمَّر طويلا. أما ابن رشد فكان تلخيصه لكتاب أرسطو يمثل -في تقديرنا-  المهاد النظري لتبديد هذا الالتباس وفك الارتباط القسري بين الشعر والمسرح، لو أُحْسن استثماره، باعتباره مدخلا فلسفيا ونقديا رائدا، استفاد من الترجمات والشروح السابقة للمتن الأرسطي، في صياغة نظرية شعرية مباينة لما قدمه أرسطو، حيث أخرج من حد الشعر ما ليس منه، أي الأمثال والقصص، كما أبدع مفاهيم نقدية جديدة كشفت عنها بعض القراءات الإيجابية لمتنه، بينما مالت أغلب القراءات الحديثة والمعاصرة لما قدمه ابن رشد إلى نمط من المحاكمات المتسرعة اختزلت جهده في نوع من النقل الخاطئ، والترجمة الشائهة للأصل متجاوزة كل القضايا التي ألمحنا إليها، ومتجاهلة كذلك أن ابن رشد لم يكن بحال من الأحوال مسئولا عن خطأ الترجمة لأنه هو نفسه اعتمد على ترجمة متى بن يونس من السريانية إلى العربية، وقد تجلت عبقريته في تجاوز أخطاء هذه الترجمة الفادحة وصياغة نظرية نقدية واضحة تقترب في أحيان كثيرة من المتن الأرسطي، كما تبتعد عنه في مواضع عديدة محررة بذلك الشعر الغنائي من التباس التجنيس الأرسطي.

وهو الالتباس الذي عمر في الأدب والنقد الأوروبي طويلا، ولم يتحرر الشعر من سطوة الركح المسرحي إلا بفضل ولادة الشعر الغنائي على يد التروبادور وقد رصدنا الدور المحوري للثقافة العربية في تصدير هذا المفهوم الغنائي للشعر إلى أوروبا الوسيطة، فهذه الثقافة التي ينتمي إليها فيلسوفنا "ابن رشد" هي التي حررت الشعر من هيمنة المسرح والملحمة، وكانت بمثابة" القابلة" التي رعت ولادة هذا النوع أوروبيا.

الهوامش

  1. أرسطوطاليس: فن الشعر، تر عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، ط1، 1953، ص ص 3-5 بإيجاز وتصرف في العبارة.
  2. المصدر نفسه، ص ص 8-9 بإيجاز وتصرف.
  3. أرسطو: فن الشعر، تر إبراهيم حمادة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط1، 1983، ص72
  4. كتاب أرسطو طاليس في الشعر نقل أبي بشر متى بن يونس القنائي من السرياني إلى العربي، تر شكري محمد عياد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993، ص 116.
  5. أرسطوطاليس: فن الشعر، تر بدوي، ص12.
  6. الديثرامب: مقطوعة دينية شعرية غنائية راقصة كانت تؤديها جوقة مؤلفة من خمسين رجلا مقنعين في جلود الماعزحول مذبح الاله ديونيسوس رب الكرم والخمر والخصب بوجه عام.عن أرسطو: فن الشعر، تر إبراهيم حمادة، هامش8، ص 60.
  7. نسبة إلى الإحليل أي آلة التناسل في ذكور الحيوان، وقد كانت عبادة فلوس رمز القوة الانتاجية منتشرة في اليونان. أرسطو، المصدر نفسه تر بدوي، ص 14.
  8. المصدر نفسه، تر حمادة، ص88. بتصرف يسير.
  9. المصدر نفسه، تر حمادة، ص 89. تر بدوي، ص17.
  10. المصدر نفسه: تر شكري عياد، ص48، تر حمادة، ص95، تر بدوي، ص18.
  11. المصدر نفسه، تر حمادة، ص96.
  12. Carole Talon-Hugon : L’Antiquité grecque, Presses Universitaires de France,Puf, Paris, Première édition,2014, p 83.
  13. هوراس: فن الشعر، تر لويس عوض، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2001، ص74
  14. Jean-Jacques Roubine : Introduction aux grandes théories du théâtre, Bordas, Paris, 1990, p 5.
  15. Florence Dupont : Aristote ou le vampire du théâtre occidental, éditions Flammarion, Paris, 2007.
  16. Ibid, p 7.
  17. Hubert Laizé : Aristote- Poétique, Presses Universitaires de France, Puf, Première édition 1990, pp 29-30.
  18. أبو الوليد بن رشد: تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر، ومعه جوامع الشعر للفارابي، تحقيق وتعليق: محمد سليم سالم، لجنة إحياء التراث الاسلامي، القاهرة، دط، 1391، 1971، ص56. 
  19. ينظر مثلا: المصدر نفسه، تعليق المحقق في الصفحة نفسها هامش2، وكذلك مقدمة ابراهيم حمادة لترجمة فن الشعر، ص 48، وإحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، ط4، 1404ه، 1983م، ص 522.
  20. Abdelfattah Kilto: Borges et Averroès. In : Horizons Maghrébins - Le droit à la mémoire, N°41, 1999, p14
  21. المصدر نفسه، ص 69-70.
  22. أرسطو: فن الشعر، تر حمادة، ص79.
  23. كتاب أرسطوطاليس في الشعر، نقل أبي بشر متى بن يونس القنائي، ضمن كتاب فن الشعر، عبد الرحمن بدوي، سبق ذكره، ص91.
  24. هكذا وردت في الأصل وربما كان الأصوب "غير الموزونة".
  25. ابن رشد: تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر، ص ص 60-61.
  26. المصدر نفسه، ص 62
  27. أرسطو: فن الشعر، تر حمادة، ص56.
  28. ابن رشد: المصدر السابق، ص55، والتأكيد على العبارتين من عملنا.
  29. المصدر نفسه، ص ص 156-157 والتأكيد على العبارة من عملنا.
  30. المصدر نفسه، ص 95.
  31. المصدر نفسه، ص 96.
  32. المصدر نفسه، ص ص 89-90، والتأكيد على العبارات من عملنا.
  33. أرسطو: فن الشعر، تر حمادة، ص ص 114-115.
  34. ينظر بدوي، فن الشعر، سبق ذكره، ص 103. وكذلك، ص183
  35. ابن رشد: المصدر السابق، ص ص 100-101. والتأكيد على العبارتين من عملنا.
  36. المصدر نفسه، ص105. والتأكيد على العبارة من عملنا.
  37. الأخضر جمعي: نظرية الشعر عند الفلاسفة الاسلاميين، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، د ط، 1999، ص46.
  38. أحمد درويش: أحمد درويش: محاولات ابن رشد لتعريب الأفكار النقدية والبلاغية لأرسطو، ضمن كتاب: ابن رشد فيلسوف الشرق والغرب، المجلد2، راجعه وأعده للنشر مقداد عرفة منسية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، منشورات المجمع الثقافي، أبوظبي، ط1، 1999، ص194.
  39. المرجع نفسه، ص ص 196-197.
  40. المرجع نفسه، ص ص 199-200.
  41. تنظر ضمن كتاب فن الشعر، بدوي، ص168.
  42. المصدر نفسه، ص 106.
  43. سامي سليمان: تلقي النظرية وجدلية الأنواع الأدبية: ابن رشد ونظرية الدراما الأرسطية نموذجا، ألف: مجلة البلاغة المقارنة، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، العدد 28، 2008، ص54.
  44. المرجع نفسه، ص 57.
  45. أحمد درويش، المرجع السابق، ص 194.
  46. سامي سليمان: المرجع السابق، ص 58.
  47. المرجع نفسه، ص ص 58-59.
  48. المرجع نفسه، ص ص 62-66.
  49. المرجع نفسه، ص 65.
  50. ابن رشد: تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر، ص78.
  51. سامي سليمان: المرجع السابق، ص 66.
  52. ابن رشد: المصدر السابق، ص 76، والتأكيد على العبارات من عملنا.
  53. ينظر مثلا: سعاد عبد العزيز المانع: شعرية ابن رشد بين التنظير والتطبيق، مجلة جامعة الملك سعود، الآداب، 1414، 1994. قاسم المومني: نقد الشعر عند ابن رشد، مجلة المعرفة "سوريا" ع 229، آذار مارس 1981.
  54. إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، لبنان، ط 4 1404ه-1983 م ، ص ص 521-527.
  55. المرجع نفسه، ص ص 521-522.
  56. عبد الله إبراهيم: السياق الثقافي بين أرسطو وابن رشد، مجلة ثقافات، البحرين، ع 5، يناير2003، ص 190.
  57. ابراهيم حمادة، من مقدمة ترجمته لفن الشعر لأرسطو، ص ص 50-51.
  58. الأخضر جمعي: نظرية الشعر عند الفلاسفة الاسلاميين، ص43.
  59. Ernest Renan : Averroès et l'averroïsme, Georg Olms Verlag, Germany, 1986, p48.
  60. Jorge Luis Borges : La quête d’Averroès, In : L’aleph, traduit de l’espagnol par Roger Caillois, Gallimard, 1977, p p 119-120.
  61. Ibid, pp 123-125.
  62. ينظر مثلا:
  63. Thomas O. Beebee: Borges Translating ibn Rushd Translating Aristotle, In: Transmesis, Palgrave Macmillan, New York, 2012, pp 115-131.
  64. Ilan Stavans: Borges, Averroes y la imposibilidad del teatro, Latin American Theatre Review, Fall 1988, pp 13-22
  65. Jean-Pierre Mourey: Jorge Luis Borges, vérité et univers fictionnels,Editions Mardaga, 1989, pp 29- 32
  66. Silvia G. Dapía :The Myth of the Framework in Borges’s “Averroes’ Search” , Variaciones Borges 7 (1999), pp 147-165
  67. Philippe Mottet: Les jeux de la réécriture : L’Aleph de Borges ou la re-création du monde,Québec français
  68. , Numéro 159, automne 2010, pp 42-45
  69. Nancy E. Berg:When Ibn Rushd Met Borges,  Journal of Arabic Literature, vol 41,No. 1-2,2010, pp 148-159
  70. Carole Le Hénaff: La traduction comme enquête anthropologique, Éducation et didactique
  71. 10-1-2016, p56.
  72. رابط الاستماع للحلقة التي تم بثها بتاريخ 17/03/2014: https://www.franceculture.fr/emissions/les-nouveaux-chemins-de-la-connaissance/la-traduction-14-quest-ce-que-traduire
  73. رابط الاطلاع على الفيديوالذي تم تسجيله بتاريخ 16/03/2017: https://www.youtube.com/watch?v=3TaDQz25nWE
  74. Abdelfattah Kilto: Borges et Averroès, p13
  75. Ibid, p14.
  76. William Marx : Le tombeau d’oedipe, Les éditions de Minuit, Paris, 2012, pp 9-10
  77. أمبرتو إيكو: ان نقول الشيء نفسه تقريبا، تر أحمد الصمعي، مراجعة نجم بوفاضل، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط1، نوفمبر2012، ص206.
  78. وقد اختار المترجم العربي لفظتي "العروض" و"البلاغة" لترجمة "فن الشعر" و"الخطابة" لأرسطو وهو خطأ واضح منه.
  79. المرجع نفسه، ص207.
  80. René Martin, Jacques Gaillard : Les genres littéraires à Rome, Editions Nathan– Paris, 1990, p320.
  81. Ibid, p322.
  82. Nadine Le Meur : La poésie lyrique, in : Choses privées et chose publique en Grèce ancienne, Sous la direction d'Arnaud Macé, edition : Jérome Million, Grenoble, 2012, p117. 
  83. Claude Calame : La poésie lyrique grecque, un genre inexistant ? Littérature, No. 111, OCTOBRE 1998, pp 87-88.
  84. Ibid, pp 95-99.
  85. Bertrand Darbeau : Poésie et lyrisme, Flammarion, édition revue,2007, p10.
  86. Michel Zinc : Le Moyen Age, Littérature Française, Presses Universitaires de Nancy, 2009, p45.
  87. Jean Charles Payen : Histoire De La Littérature Française, Le Moyen Age, Flammarion, édition révisée, 2007, pp 106-107.
  88. Nykl A.R. L'influence arabe-andalouse sur les troubadours. In: Bulletin Hispanique, tome 41, n°4, 1939, p306.
  89. يُنْظر:

Irénée Cluzel. Quelques réflexions à propos des origines de la poésie lyrique des troubadours. In : Cahiers de civilization médiévale, 4e année (n°14), Avril-juin 1961, pp 185-186.

 

  1. ينظر:

Nykl A.R. op.cit. p310.

  1. Emilio García Gómez : La poésie lyrique hispano-arabe et l'apparition de la lyrique romane, Arabica, T. 5, Fasc. 2 (May, 1958), pp114-115
  2. Nykl A.R. op.cit.pp 309-310.
  3. Irénée Cluzel, op.cit, o179.
  4. Ibid, p180.
  5. Ibid. pp 181-182.
  6. Ibid, p184.
  7. Ibid, pp 31-37.
  8. ليفي بروفنسال: دراسة في مؤثرات الشعر الشعبي الأندلسي على شعر التروبادور، تر هادي عمر الباقر، مجلة الثقافة العالمية، الكويت، ع 48، سبتمبر 1989، ص16.
  9. Martine Broda : du Lyrisme et de la Lyrique Amoureuse, In : Revue Lignes, 1992/2 n° 16, p70
  10. Jacques Demougin(ed) : Dictionnaire de la littérature française et francophone, Larousse,1988, Tome3, p1441.
  11. Jean-Michel Maulpoix : Du Lyrisme, Paris, José Corti, 2000, p. 25 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع

أولا: المصادر

  1. أبو الوليد بن رشد: تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر، ومعه جوامع الشعر للفارابي، تحقيق وتعليق: محمد سليم سالم، لجنة إحياء التراث الاسلامي، القاهرة، دط، 1391، 1971.
  2. أرسطوطاليس: فن الشعر، تر عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، ط1، 1953.
  3. أرسطو: فن الشعر، تر إبراهيم حمادة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط1، 1983.
  4. كتاب أرسطو طاليس في الشعر نقل أبي بشر متى بن يونس القنائي من السرياني إلى العربي، تر شكري محمد عياد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.

ثانيا: المراجع (بالعربية)

  1. أحمد درويش: محاولات ابن رشد لتعريب الأفكار النقدية والبلاغية لأرسطو، ضمن كتاب: ابن رشد فيلسوف الشرق والغرب، المجلد2، راجعه وأعده للنشر مقداد عرفة منسية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، منشورات المجمع الثقافي، أبوظبي،ط1، 1999
  2. إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، لبنان، ط 4 1404ه-1983 م .
  3. الأخضر جمعي: نظرية الشعر عند الفلاسفة الاسلاميين، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، د ط، 1999.
  4. أمبرتو إيكو: ان نقول الشيء نفسه تقريبا، تر أحمد الصمعي، مراجعة نجم بوفاضل، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط1، نوفمبر2012.
  5. زياد صالح الزعبي، الفلاسفة المسلمون وفن الشعر الأرسطي في دراسات المستشرقين الألمان، مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، العدد 51، السنة العشرون، تموز، كانون الأول 1996.
  6. سامي سليمان: تلقي النظرية وجدلية الأنواع الأدبية: ابن رشد ونظرية الدراما الأرسطية نموذجا، ألف: مجلة البلاغة المقارنة، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، العدد 28، 2008.
  7. عبد الله إبراهيم: السياق الثقافي بين أرسطو وابن رشد، مجلة ثقافات، البحرين، ع 5، يناير2003..
  8. ليفي بروفنسال: دراسة في مؤثرات الشعر الشعبي الأندلسي على شعر التروبادور، تر هادي عمر الباقر، مجلة الثقافة العالمية، الكويت، ع 48، سبتمبر 1989.
  9. هوراس:فن الشعر، تر لويس عوض، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2001.

ثالثا: المراجع (بالفرنسية)

  1. 14-Abdelfattah Kilto: Borges et Averroès. In : Horizons Maghrébins - Le droit à la mémoire, N°41, 1999
  2. 15-Bertrand Darbeau : Poésie et lyrisme, Flammarion, édition revue,2007
  3. 16- Carole Le Hénaff: La traduction comme enquête anthropologique, Éducation et didactique
  4. 10-1-2016
  5. 17-Carole Talon-Hugon : L’Antiquité grecque, Presses Universitaires de France,Puf, Paris, Première édition,2014  
  6. 18-Claude Calame : La poésie lyrique grecque, un genre inexistant ? Littérature, No. 111, OCTOBRE 1998
  7. 19-Ernest Renan : Averroès et l'averroïsme, Georg Olms Verlag, Germany, 1986
  8. 20--Emilio García Gómez : La poésie lyrique hispano-arabe et l'apparition de la lyrique romane,Arabica, T. 5, Fasc. 2 (May, 1958)
  9. 21-Florence Dupont : Aristote ou le vampire du théâtre occidental, éditions Flammarion, Paris, 2007
  10. 22-Hubert Laizé : Aristote- Poétique, Presses Universitaires de France, Puf, Première édition 1990 
  11. 23-Irénée Cluzel. Quelques réflexions à propos des origines de la poésie lyrique des troubadours. In: Cahiers de 26-civilisation médiévale, 4e année (n°14), Avril-juin 1961
  12. 24-Jacques Demougin(ed): Dictionnaire de la littérature française et francophone,Larousse,1988, Tome3
  13. 25-Jean-Michel Maulpoix : Du Lyrisme, Paris, José Corti, 2000 
  14. 26-Jean Charles Payen : Histoire De La Littérature Française, Le Moyen Age, Flammarion, édition révisée, 2007.
  15. 27-Jean-Jacques Roubine : Introduction aux grandes théories du théâtre, Bordas, Paris, 1990
  16. 28-Jorge Luis Borges : La quête d’Averroès, In : L’aleph, traduit de l’espagnol par Roger Caillois, Gallimard, 1977  
  17. 29-Le GendreIM. : Littérature espagnole,Librairie Bloud et Gay,1930
  18. 30-Martine Broda : du Lyrisme et de la Lyrique Amoureuse, In : Revue Lignes, 1992/2 n° 16
  19. 31-Michel Zinc : Le Moyen Age, Littérature Française, Presses Universitaires de Nancy, 2009
  20. 32-Nadine Le Meur : La poésie lyrique, in : Choses privées et chose publique en Grèce ancienne, Sous la direction d'Arnaud Macé, edition : Jérome Million, Grenoble, 2012. 
  21. 33-Nykl A.R. L'influence arabe-andalouse sur les troubadours. In: Bulletin Hispanique, tome 41, n°4, 1939 
  22. 34-René Martin, Jacques Gaillard : Les genres littéraires à Rome, Editions Nathan– Paris, 1990. 
  23. 35-Robert Briffault : Les Troubadours et Le sentiment romanesque, Les éditions du Chêne, Paris, 1945
  24. 36-William Marx : Le tombeau d’oedipe, Les éditions de Minuit, Paris, 2012

الأنترنت

  1. 37-حلقة الفيلسوفة أديل فان ريت حول الترجمة وصعوباتها. 17/03/2014

https://www.franceculture.fr/emissions/les-nouveaux-chemins-de-la-connaissance/la-traduction-14-quest-ce-que-traduire

  1. 38- قراءة سيرج رانكو لقصة بورخيس عن ابن رشد في مسرح لاكريي بمارسيليا بتاريخ 16/03/2017:

https://www.youtube.com/watch?v=3TaDQz25nWE

 

@pour_citer_ce_document

رياض بن يوسف, «حد الشعر بين أرسطو وابن رشد»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 204-222,
Date Publication Sur Papier : 2020-08-18,
Date Pulication Electronique : 2020-08-18,
mis a jour le : 18/08/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7182.