تدابير العفو عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية: بين مبرّرات المصالحة الوطنية ومتطلبات إنفاذ العدالة.Amnesty Measures for Violations of Human Rights and International Humanitarian Law Applied to internal armed conflicts: Between the Justifications of National Reconciliation and the Requirements of the Enforcement of Justice
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N:02 vol 17-2020

تدابير العفو عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية: بين مبرّرات المصالحة الوطنية ومتطلبات إنفاذ العدالة.

Amnesty Measures for Violations of Human Rights and International Humanitarian Law Applied to internal armed conflicts: Between the Justifications of National Reconciliation and the Requirements of the Enforcement of Justice
ص ص 223-238
تاريخ الإرسال: 2019-06-27 تاريخ القبول: 2020-06-21

شافية بوغابة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تتناول الدراسة بالبحث والتمحيص موضوع تدابير العفو عن انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، في محاولة لضبط كيفيات استخدام تدابير العفو، على نحو يدفع المصالحة والسلم إلى الأمام، دون إهمال ضرورات إنفاذ العدالة المنصوص عليها في أحكام القانون الدولي، والتي تفرض عدم إطلاق سلطة الدول في تبني هذا النوع من التدابير. وقد خلصت الدراسة إلى أن: تدابير العفو اعتمدت بالفعل في أكثر من تجربة لتثبيت دعائم المصالحة الوطنية، بل واعتبرت في بعض الحالات المنفذ الوحيد لتحقيق تلك المصالحة، كما ثبت أنه لا يوجد صك اتفاقي دولي يحظر رسميا تلك التدابير الوطنية. ومع ذلك فإن تبنّي مثل هذه التدابير لم يعد خاضعا حصرا للسلطة التقديرية الواسعة للدول، إذ تدخلت مجموعة من القواعد والمبادئ الأساسية في القانون الدولي لتضبط نطاق تدخل الدولة وحدود سلطتها في هذا المجال. وأصبح من المعترف به أن تدابير العفو التي تمنع مقاضاة أفراد قد يتحملون المسؤولية القانونية عن ارتكاب جرائم حرب، أو إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو غير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، متنافية مع التزامات الدول الاتفاقية، فضلاً عن تنافيها مع قواعد القانون الدولي العرفي والسياسة العامة للأمم المتحدة.

الكلمات المفاتيح

تدابير العفو، انتهاكات حقوق الإنسان، القانون الدولي الإنساني، المصالحة الوطنية، إنفاذ العدالة

L'étude examine le sujet des mesures d'amnistie traitant de les violations des droits de l'Homme et du droit international humanitaire, afin de déterminer les modalités d'utilisation ces mesures d'amnistie de manière à permettre la réconciliation et la paix sans pour autant négliger les impératifs de mettre en œuvre la justice comme les dispositions de droit international les imposent. Ainsi dit, les mesures d'amnistie ont déjà été adoptées dans de nombreux cas dans le cadre de la mise en œuvre du processus de réconciliation. En sens juridique propre, aucun instrument international n’interdit officiellement ces mesures nationales, mais à l’encontre, ses dernières sont soumises à un ensemble de règles et de principes fondamentaux du droit international. 

Mots clés :Mesures d’amnistie, Violations des droits de l’homme, Droit international humanitaire, Réconciliation nationale,Justice.

The study examines the topic of amnesty measures for violations of human rights and international humanitarian law. The aim behind that is to determine the modalities for using amnesty measures in a way that allows reconciliation and peace without neglecting the imperatives of enforcing the justice stipulated in the provisions of international law.      The study concluded that amnesty measures were already adopted in many cases within the framework of implementing reconciliation processes, as it has been proven that there is no international instrument that officially prohibits these national measures. However, the adoption of such measures is no longer subject exclusively to the broad discretionary power of states, amnesties are now regulated by a substantial body of international law.

Key words:Amnesty measures, Violations of human rights, International humanitarian law, National reconciliation, Justice.

Quelques mots à propos de :  شافية بوغابة

جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 boughab1978@gmail.com

مقدمة

تمثّل المصالحة الوطنية أحد الآليات التي تلجأ إليها الدول التي تعاني من خلافات جذرية، أو صراعات داخلية‏ لأجل وقف الصراع، وبناء السلم، وتحقيق الاستقرار. وفي الواقع، كثيرا ما اعتمد هذا النهج في الدول التي شهدت اضطرابات متفاوتة مصحوبة بحالات من العنف، والانتهاكات لحقوق الإنسان، ولقواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة خلال النزاعات المسلحة غير الدولية، بل وتحوّلت المصالحة إلى جزء رئيسي من أي اتفاق بشأن إعادة السلم.

وبغية وضع المصالحة الوطنية موضع التنفيذ وطيّ صفحة الأحقاد السابقة، عمدت كثير من الدول إلى: تبنّي سياسة العفو عن منتهكي أحكام حقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة خلال النزاعات المسلحة غير الدولية. وقد وجد هذا التوجّهمباركة لدى بعض الفقهاء، فقد افترض الفقيه "جروسيوس Grotius" أن فكرة العفو موجودة في كل معاهدة صلح- حتى إذا لم يرد النص عليها صراحة-، وفي رأيه أن الصلح يجبُّ الماضي ويمحوه، فلا يجوز ترك الأحقاد تستمر، لأنها إذا تركت سوف تٌمهّد لحرب جديدة. ولكن بالمقابل، كان هذا النوع من التدابير محل انتقاد من كثير من الكتّاب والفقهاء باعتبارها مرادفة للإفلات من العقاب، وإخلالا بالالتزامات الدولية التي تفرض على الدولة المضي في إجراءات التقاضي والمحاكمة، وأيضا بما قد تنتجه من تشجيع لأصحاب تلك الانتهاكات وغيرهم على ارتكاب المزيد من الجرائم.

وبين اعتبارات تحقيق المصالحة داخليا وفقا لمقتضيات الأمن القومي، وضرورات الوفاء بالتزامات القانون الدولي، تحاول هذه الدراسة أن تبحث في موضوع تدابير العفو عن انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، وفقا لإشكالية تمحورت حول السؤال الرئيسي الآتي: إلى أي حد يمكن استخدام تدابير العفو بطريقة تدفع المصالحة والسلم إلى الأمام دون إهمال ضرورة إنفاذ العدالة وفقا لمنظور القانون الدولي؟

وتفرض معالجة هذا الموضوع وإشكاليته تبنّي أكثر من منهج، إذ يتم الاعتماد على المنهج الوصفي في إطار تتبّع مسار تدابير العفو عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسانيالمطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، كما يستخدم المنهج التحليلي لأجل قراءة وتحليل وتقييم النصوص القانونية التي تضمنت تلك التدابير.

وللإجابة على الإشكالية المطروحة قسمت الدراسة مبحثين، تناول المبحث الأول منها: تدابير العفو كأداة لتكريس المصالحة الوطنية، بينما خُصّص المبحث الثاني ل: ضبط حدود سلطة الدول في اتخاذ تدابير العفو بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسانيالمطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية.

المبحث الأول/ تدابير العفو كأداة لتكريس المصالحة الوطنية

تمثل المصالحة الوطنية نتيجة حتمية تمر بها عادة الدول التي تعاني من خلافات جذرية أو صراعات داخلية‏، وهي تعدّ من أهم مفردات أي تسوية سياسية. وقد اعتمد نهج المصالحة الوطنية في كثير من الدول التي شهدت اضطرابات متفاوتة مصحوبة بحالات من العنف، والانتهاكات لحقوق الإنسان و/أو لقواعد القانون الدولي الإنساني، وكثيرا ما رافق تلك التوافقات حول المصالحة اتخاذ تدابير حكومية للعفو عن مرتكبي تلك الانتهاكات.

وبغية البحث في نهج المصالحة الوطنية المقرونة بإعلانات العفو، تحاول هذه الجزئية من الدراسة أن تقدم توصيفا للمصالحة الوطنية (المطلب الأول)، لتنتقل نحو البحث عن تدابير العفو باعتبارها أداة لتكريس وتفعيل التوافقات بشأن هذه المصالحة (المطلب الثاني).

المطلب الأول/ تعريف المصالحة الوطنية وأهميتها

يقتضي الخوض في فكرة المصالحة الوطنية البداية بتعريفها (الفرع الأول)، ثم إبرازا لجدواها، وأهميتها في إطار الجهود نحو إعادة بناء، واستتباب السلم (الفرع الثاني). 

 

 

الفرع الأول/ تعريف المصالحة الوطنية

ترجع فكرة المصالحة إلى تعاليم مختلف الديانات، ولكن ظهور الفكرة في المجال السياسي حديث نسبيا؛ يرجع إلى نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، وقد اقترنت بالحديث عن بناء السلم، لأنها مكون أساسي من مكوناته، حيث أصبح بناء السلم كمفهوم له شعبية متزايدة خلال تسعينيات القرن الماضي، منذ استخدامه من طرف الأمين العام للأمم المتحدة السابق "بطرس بطرس غالي" في إعلانه خطة السلم عام 1992(1). وتعزز هذا الترويج للمصالحة الوطنية في البيان الرئاسي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 26جانفي 2004(2).

على مستوى التعريف، يبدو أنه لا يزال هناك خلاف كبير حول ما تعنيه المصالحة، وتكمن المشكلة الأساسية في عدم وجود توافق حول تعريفها، أو طريقة عملها، ولهذا أصبح من المعتاد النص في بداية كل موضوع يتعرض للمصالحة على اعتراف بعدم وجود تعريف توافقي لهذا المصطلح، لدرجة أن أحد الباحثين كتب: "المصالحة هي موضوع له جذور عميقة نفسية، واجتماعية، وكنسية، وفلسفية، وإنسانية، ولا أحد على ما يبدو يعرف كيفية تعريفها بفعالية ولا بشكل قاطع". وفي الواقع، تأكد عدم وجود هذا التعريف الدقيق للمصالحة على إثر تنظيم مجلس الأمن لمناقشة مفتوحة حول موضوع المصالحة بعد انتهاء الصراع، والذي شارك فيها أربعون متحدثا ولم يتطابق تعريف أي من المشاركين مع تعريفات غيرهم، مما يدلّ على صعوبة تحديد المفهوم(3)

وحتى مع غياب هذا التعريف الدقيق للمصالحة الوطنية، فإن هذا لم يمنع من بلورة تصورات عامة بشأنها، فقد أشير إلى المصالحة باعتبارها تمثّل هدفا وعملية في آن واحد، فالمصالحة كهدف هو: تطلع مستقبلي لشيء مهم نرمي إلى تحقيقه، وربما حالة مثالية للأمل. أما المصالحة كعملية فهي تعبير عن وسيلة للعمل على نحو فعال لتحقيق هذا الهدف النهائي(4). وقد أشير أيضا إلى أن المصالحة الوطنية تمثّل عددا من الأنشطة التي تساعد على تحويل اتفاق السلم المؤقت الذي ينهي القتال إلى نهاية دائمة للصراع(5).

وقد قيل أيضا أن مفهوم المصالحة يعبّر عن عملية متكاملة تتم بين الفئات، والجماعات المختلفة المشكّلة للمجتمع، بهدف الوصول إلى مصالحة وطنية شاملة، تسعى إلى تشكيل مجتمع أكثر أمنا واستقرارا، ومن ثم فهي تتخذ أبعادا عملية على أرض الواقع، وليست مجرد إجراءات شكلية الهدف منها تصفية الحسابات كبديل لتحقيق العدالة. وكما ذكر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في قراره رقم 18/7فإن المصالحة تعد واحدة من الأهداف النهائية التي تسعى العدالة الانتقالية لتحقيقها(6).

ونعتقد من جانبنا، بأن المصالحة الوطنية عملية للتوافق الوطني، تنشأ بموجبه علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية تقوم على قيم التسامح، وتروم إلى إزالة آثار صراعات الماضي وتحقيق التعايش السلمي بين أطياف المجتمع كافة، على أن تكون مؤطرة بمجموعة من الإجراءات التي يتقيد بها الجميع ويخضعون لها دون استثناء، وأن تنشأ لأجلها آليات مناسبة لوضعها موضع التنفيذ.

ورغم الصعوبات التي حالت دون الضبط الدقيق لمفهوم المصالحة الوطنية، فإنه حقق، مع ذلك، مكاسب مطّردة في استخدامه، فهو الآن ليس فقط حبيس الأحاديث السياسية، بل أصبحت المصالحة جزءا من أي اتفاق بشأن إعادة السلم، أو على الأقل جزء من عملية الإصلاح في مرحلة ما بعد الاتفاق. كما تحوّلت المصالحة إلى واحدة من الفئات الأربعة الرئيسية للمبادرات التي تتلقّى الدعم من الجهات الغربية الرئيسية المانحة لقطاع بناء السلم في سياسة التعاون الإنمائي، فهي تحتل المرتبة الثالثة في حجم الدعم، وتأتي بعد التنمية السياسية، والمساعدة الاجتماعية والاقتصادية، وقبل الأمن(7).

وقد سنّت جنوب إفريقيا وتيمور الشرقية القوانين التي تعزز المصالحة من أجل علاج الانقسامات داخل هذه المجتمعات، كما أُنشئت لجان المصالحة في غانا، والمغرب، ونيجيريا، والبيرو، وسيراليون، وأنشأت بلدان أخرى مثل أستراليا وفيجي ورواندا وزارات للمصالحة. وشجعت حكومة أنغولا في مرحلة ما بعد الحرب الأولى، إطارا رسميا وشاملا للمصالحة الوطنية. وفي الجزائر تم إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي صوت عليه الجزائريون في يوم 29سبتمبر 2005وصدر الأمر رقم 06-01المتضمن لتنفيذ أحكامه(8)، لوضع حدّ للمأساة الوطنية المترتّبة عن التوتّرات الداخلية التي مرّت بها البلاد خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وما صاحبها من انتهاكات لحقوق الإنسان، وكذا لإيجاد تسوية قانونية لجميع أطراف الأزمة. ويعد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية امتدادا لسلسلة خطوات قانونية سبقته، تمثلت في قانون الرحمة(9)وقانون استعادة الوئام المدني(10).

الفرع الثاني/ أهمية المصالحة الوطنية

بدأت المصالحة بداية براغماتية حين ظهرت الحاجة إليها سياسيا، واجتماعيا في مجتمعات ما بعد العنف، وفي دراسة إحصائية للدول التي شهدت حروبا أهلية في القرن العشرين، وُجد أنه بالنسبة للبلدان التي طبقت برامج المصالحة فإن حوالي 64بالمائة منها لم تعد إلى صراع عنيف مرة أخرى، بينما تلك التي لم تطبق برامج المصالحة لم يعد حوالي تسعة بالمائة (09%) فقط منها إلى الحرب. فاتفاقات السلم التي تكون بمعزل عن المصالحة، لا يمكنها أن تنجز سوى القليل نحو سلام مستقر ومستدام، ويكون أفضل أمل في مثل هذه الحالات هو وقف المواجهة المسلحة، مثل التي شهدتها قبرص منذ ما يقرب من ثلاثين عاما. ففي عام 1964اتفق الجانب التركي مع منافسه اليوناني على وقف فوري لإطلاق النار، وتقسيم مؤقت للجزيرة، وإدخال قوات الأمم المتحدة لحفظ السلم، ولم يتم تبنّي أي برامج مصالحة، ولذلك لم يحرز تقدم يذكر نحو حل الصراع، ولم يعد ممكنا أن يزور القبارصة اليونانيون الجزء التركي من الجزيرة، والعكس بالعكس، بل يمكن أن يندلع القتال من جديد وفي أيّ لحظة (11).

ومن الأسباب الأخرى لتبنّي نهج المصالحة الوطنية؛ أن استراتيجيات إدارة الصراع ليست كافية للتعامل مع أنواع الصراعات المعاصرة المشتعلة في أجزاء كثيرة من العالم، فقد حلت الحروب الأهلية محل الحروب بين الدول، ومعظم الصراعات السائدة هي صراعات اجتماعية. ففي الصراعات بين الدول تطبق إستراتيجية تهدف فقط إلى: فصل الأطراف المتنازعة وقد يكون ذلك كافيا حتى ولو لم يتم حل القضايا الأساسية للصراع. ويمكن للفصل أن يساعد في تجنب الصراع مرة أخرى، لأن الدول تميل إلى عزل نفسها عن بعضها البعض من خلال حدودها الوطنية، فتكون مهمة قوات حفظ السلم التي تفصلها أسهل نسبيا. أمّا في حالات الحرب الأهلية تكون العلاقات بين أطراف الصراع أكثر تعقيدا، إذ عادة ما يشترك الطرفان في المنطقة الجغرافية والمجتمعية نفسها، وقد يكون هناك ترابط اقتصادي قوي بينهما، وعادة ما يكون بينهما كل أنواع العلاقات الاجتماعية الأخرى بما في ذلك الزيجات. وفي مثل هذه الحالات يكون من الصعب جدا فصل الأطراف عن بعضها، وحتى لو أمكن ذلك لفترة قصيرة، فإنه ليس من المجدي التفكير في استراتيجيات إدارة الصراع مثل الفصل والعزل على المدى الطويل. ولذلك في حالات الحروب الأهلية تكون استراتيجيات إدارة الصراع غير كافية، وينبغي التحرك نحو حلّ الصراع وعمليات المصالحة، بحيث لا يقتصر على القضايا الأساسية للصراعات، والتي يتم حلّها بشكل يرضي الجميع فقط، بل أيضا يتم تحويل المواقف والعلاقات العدائية بين الخصوم من السلبية إلى الإيجابية(12).

وتزداد أهمية المصالحة الوطنية في حالات الصراعات بين الجماعات التي تستمر لفترة طويلة نسبيا، وتنطوي على عنف واسع النطاق، أين يكون هناك تراكم كبير للعداء، والكراهية بين الجماعات، كما تكون الأحداث المتعلقة بالصراع مطبوعة في الذاكرة، وتعكس المنتجات الثقافية المختلفة مشاعر العدائية (أعمال تلفزيونية، سينما، كتب، ...)، ويعيش جيل على الأقل في مناخ الصراع وإرادة الانتقام.  وعلاوة على ذلك، فإنّ القيم الديمقراطية التي يحاول النظام الدولي الراهن تعزيزها كقيمة عالمية في جميع المجتمعات في العالم تتطلب المزيد من الحركة التكاملية نحو التفاوض والوساطة والمصالحة والطرق السلمية في التعامل مع الصراع بدلا من اتخاذ تدابير من جانب واحد يترتب عليها استخدام القسر والقوة(13).

المطلب الثاني/ استخدام تدابير العفو في سياق تنفيذ التوافقات حول المصالحة الوطنية

هناك حالات لا يمكن حلها إلا من خلال العفو العام، وهو ما لجأت إليه الأمم المتحدة في هايتي بين عامي 1990- 1994، فكان اتفاق المصالحة والعفو عما ارتكب من جرائم هو: الوسيلة الوحيدة لإنهاء هذا الصراع، الذي انتهكت فيه الآدمية، وارتكبت خلاله جرائم ضد الإنسانية، كانت في غاية الفظاعة مما حدا بمجلس الأمن إلى التصريح بأن: " هذا الاتفاق هو الإطار الوحيد لحل الأزمة في هايتي"(14). وفي ذات السياق اعتمدت جنوب إفريقيا آلية خاصة لبلوغ المصالحة الوطنية تقوم أساسا على إقرار الجاني بما ارتكبه من انتهاكات، وتجاوزات، واعتذاره، وقبول اعتذاره ممن يملك ذلك كشرط للحصول على العفو.

وبغية التفصيل أكثر في تدابير العفو كأداة لتكريس المصالحة الوطنية، سنتوقف بداية عند تعريف العفو (الفرع الأول)، ثم أنواعه (الفرع الثاني)، وأخيرا أدوات اتخاذ تدابير العفو (الفرع الثالث).  

الفرع الأول/ تعريف العفو

للوقوف على المعنى الدقيق للعفو نبحث أولا معناه اللغوي، ثم نبحث ثانيا في معناهالاصطلاحي.

أولا/ التعريف اللغوي

العفو لغة ضد العقوبة، عفا يعفو عفواً، وعفا عن ذنبه، أي تركه ولم يعاقبه وفي اللغة العربية تعني كلمة العفو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس. وعفا المنزل وعفت الدار أيدرست(15).وعفا عن الشيء: أمسك عنه، وعفا عن الحق: أسقطه، وعفا على ما كان منه: أصلح بعد الفساد، وأعفى الرجل مُكلفه: طلب منه العفو عن تكليف، يقال أستعفي من الخروج، فأعفاهأي طلب منه أن يتركه فأجابه، والعفُوّ العافي) كثير العفو (، والعفوة) الديّة (، والعفو مصدر الفضل والمعروف، خيار الشيء وأطيبه(16).

ثانيا/ التعريف الاصطلاحي

مصطلح العفو في اللغة العربية يقابله كلمة (Amnesty) فياللغة الانجليزية، أما في اللغة الفرنسية فتقابله كلمة (Amnistieويقصد بالعفو تنازلا لهيئة اجتماعية عن معاقبة مرتكب الجريمة، وبصفة أدق يعرّف بأنه: " إجراء من الإجراءات التي تتخذ من قبل السلطات المختصة بالدولة تشريعية كانت أمتنفيذية، وفي أية مرحلة من مراحل الدعوى الجزائية، ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجزائية ومحو جميع أثارها، أو الاقتصار فقط علىسقوط العقوبات أو تخفيفها، دون أن يمس الحقوق الشخصية للغير، ما لم ينصّ قانون العفو، أو قراره علىخلاف ذلك"(17).

كما يشير مصطلح العفو إلى التدابير القانونية التي تؤدي إلى حظر الملاحقة القضائية اللاحقة ضد أشخاص معينين أو فئات معينة من الأشخاص فيما يتعلق بسلوك إجرامي محدد ارتكب قبل اعتماد العفو، فضلا عن إبطال أية مسؤولية قانونية سبق إثباتها بأثر رجعي، مع الأخذ في الاعتبار أن تدابير العفو لا تمنع المسؤولية القانونية عن سلوك لم يقع بعد إذ سيشكل ذلك دعوة لانتهاك القانون(18).  

ويرتبط العفو عموما بالتدابير القانونية التي يترتب عليها أثر: (أ) حظرا للملاحقة الجنائية، وفي بعض الحالات الإجراءات المدنية، لاحقاً ضد أشخاص معينين أو فئات معينة من الأشخاص فيما يتعلق بسلوك إجرامي محدد ارتُكب قبل اعتماد العفو؛ أو (ب) إبطال أي مسؤولية جنائية سبق إثباتها بأثر رجعي.

والعفو بصيغته المعرّفة أعلاه يختلف عن تدابير " الصفح" (19)التي تُستخدم للإشارة إلى فعل رسمي يعفي مجرماً مداناً أو مجرمين مدانين من تأدية فترة عقوبتهم، دون أن يترتب على ذلك محو الإدانة التي تستند إليها العقوبة المقررة عليهم(20). كما يختلف العفو عن شتّى أشكال "الحصانة Immunité" الممنوحة بموجب القانون الدولي، كحصانة رئيس الدولة والبعثات الدبلوماسية التي تقي المسؤولين من الخضوع للولاية القضائية لدولة أجنبية في ظروف معينة(21).

الفرع الثاني/ أنواع تدابير العفو

تنقسم تدابير العفو إلى مجموعة من الأنواع، وهي:

أولا/ تدابير العفو الذاتي

تُتّخذ هذه التدابير من طرف المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان لدرء المساءلة عن أنفسهم، وقد دأبت هيئات معاهدات حقوق الإنسان على توجيه انتقادات شديدة لتدابير العفو الذاتي التي تكرس بطبيعتها الإفلات من العقاب(22).

ثانيا/ تدابير العفو الشامل

يعفي هذا النوع من التدابير فئات واسعة من الجناة، على أساس فردي، من المقاضاة أو المسؤولية المدنية دون أن يتعين على المستفيدين منها الوفاء بشروط معينة، بما في ذلك الشروط المتعلقة بضمان الكشف الكامل عما يعرفونه من معلومات عن الجرائم التي يغطيها العفو. وتواجه تدابير العفو الشامل إدانة شبه عالمية عندما تغطي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني(23).

ثالثا/تدابير العفو المشروطة

تعفي هذه التدابير الشخص من المقاضاة إذا قدّم طلباً للاستفادة من العفو وكان يستوفي عدة شروط، كالكشف الكامل عن الوقائع المتعلقة بالانتهاكات التي ارتُكبت. وكثيراً ما ينطوي العفو المشروط على تحقيقات مسبقة لتحديد المسؤولية الفردية(24). وقد يمكن إدراج تدابير العفو التي تضمنها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر والخاصة فقط بالضالعين في أعمال إرهابية(25)ضمن هذا النوع من التدابير، فقد تضمن الأمر 06-01المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية مجموعة من الأحكام تُسقط المتابعة القضائية وتنقضي عبرها الدعوى العمومية ( المواد من 4إلى 9) أو يستفيد المعنيون من تدابير العفو إذا ما صدرت في حقهم أحكام قضائية نهائية ( المادتين 16/1و17)، إلا أنه استثنى من ذلك الأشخاص الذي ارتكبوا المجازر الجماعية، أو انتهكوا الحرمات أو استعملوا المتفجرات في الأماكن العمومية، أو شاركوا فيها أو حرضوا عليها (المادتين 10و16/2).

إلى جانب الأحكام سالفة الذكر، جعلت المادة 13من الأمر 06-01الاستفادة من أحكام انقضاء الدعوى العمومية، مقرونة بضرورة تقديم المعني تصريحا يشتمل على تحديد الأفعال التي ارتكبها أو كان شريكا فيها أو محرّضا عليها، وأن يذكر أيضا الأسلحة، أو الذخائر، أو المتفجرات، أو كل وسيلة أخرى يحوزها كانت ذات صلة بالأفعال المنسوبة إليه، على أن يسلّمها للسلطات المعنية، أو يدلّهم على المكان التي تكون موجودة فيه. وتنفيذا لهذه المادة صدر المرسوم الرئاسي رقم 06-95ليحدد نموذج التصريح وبياناته26.

رابعا/ تدابير العفو المستترة

يمكن أن تتخذ أشكالاً متعددة، فهي تشمل مثلاً قوانين العفو التي تنصّ لوائح تفسيرية على كيفية تنفيذها، وهي قوانين تبدو في ظاهرها متوافقة مع القانون الدولي، ولكنها بالصيغة التي تفسّرها اللوائح التنفيذية تتنافى مع الالتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان، وتدابير العفو هذه غير جائزة إذا كانت تمنع مقاضاة مرتكبي جرائم لا يمكن إخضاعها بصورة قانونية للعفو(27).

الفرع الثالث/ أدوات اتخاذ تدابير العفو

تتخذ تدابير العفو أشكالاً قانونية متعددة على صعيد الممارسة، ويتمثل الأسلوبان الأكثر انتشارا لاعتماد هذه التدابير منذ الحرب العالمية الثانية في: (أ) المراسيم التنفيذية و(ب) سن القوانين عن طريق البرلمان. وقد يتم الاعتماد على آلية الاستفتاء الشعبي كما حدث في الجزائر، حيث عُرض ميثاق السلم والمصالحة الوطنية للاستفتاء الشعبي الذي أجري بتاريخ 29سبتمبر 2005، على أنّ تنفيذه تمّ بعد ذلك بموجب الأمر رقم 06-01المشار إليه سابقا.  

كما أُصدرت أحكام بالعفو في أعقاب التوصل إلى اتفاق سلام أو غيره من الاتفاقات الناتجة عن مفاوضات، كالاتفاق بين الحكومة القائمة ومجموعات المعارضة، أو قوات المتمردين. بيد أن هذه الأحكام كثيراً ما نُفذت عن طريق تشريعات وطنية أو إجراءات تنفيذية. فعلى سبيل المثال، تضمن اتفاق سلام لومي المبرم في7جويلية 1999بين حكومة سيراليون و"الجبهة المتحدة الثورية لسيراليون" حكماً يقضي؛ بأن تمنح الحكومة لجميع المقاتلين، والمتعاونين صفحاً ورأفة مطلقين وخالصين فيما يتعلق بكل ما قاموا به من أعمال لبلوغ أهدافهم، وأن تضمن عدم رفع أي دعوى رسمية، أو قضائية ضد أي عضو من تلك القوات، وقد سنّ البرلمان قانوناً يقر به هذا الاتفاق بعد أسبوع من توقيعه(28).

المبحثالثاني/ حدود سلطة الدول في اتخاذ تدابير العفو بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية

على الرغم من الجانب المضيء في إعلانات العفو وما تمثله من بادرة للمصالحة، وطي صفحة الأحقاد السابقة، إلا أن أحكام عديدة في القانون الدولي وسياسة الأمم المتحدة تمنع اتخاذ تدابير العفو غير المشروط لتعارضها مع الالتزامات الدولية للدولة (المطلب الأول)، وهو موقف تعزّز على مستوى القضاء الدولي والداخلي أيضا (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول/ تعارض تدابير العفو غير المشروط مع الالتزامات الدولية للدولة

لا يوجد حتى الآن صك اتفاقي يحظر رسميا تدابير العفو(29)، وهذا ما يترك الانطباع بأن الدول تبقى تحتفظ في هذا المجال باختصاص حصري. ومع ذلك، فإن القول بذلك تجابهه تحديات، ففي الواقع، يبدو أن العفو غير المشروط يعد متعارضا مع الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على الدول، بضرورة متابعة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ( الفرع الأول)، والتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ولأحكام القانون الدولي الإنساني ( الفرع الثاني).

الفرع الأول/ الالتزام بمقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية

تفرض كثير من النصوص الاتفاقية الدولية التزاما على الدول بملاحقة، ومحاكمة الأشخاص الذين انتهكوا أحكامها. وهو حال اتفاقية منع، ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (المادة السادسة)(30)، وبالمثل، فإن اتفاقية مناهضة التعذيب بدورها تفرض مثل هذا الالتزام في مواجهة المتهمين بممارسة فعل التعذيب (المادة السابعة) (31).

فالملاحظ إذا بأن الالتزام بالملاحقة الجنائية بموجب هذه النصوص يعد جليا ومطلقا ودون استثناءات. وعليه فإن العفو الذي يتجاوز هذه الأحكام، يعد متعارضا مع الالتزامات الدولية للدولة الطرف في هذه الاتفاقيات.

وبالنسبة لمدى مشروعية تدابير العفو التي تتخذ عقب الانتهاكات التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة الداخلية، فيبدو لأول وهلة أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977الملحق باتفاقيات جنيف الأربع قد اتخذ موقفا إيجابيا من هذه التدابير، فالمادة 6/5من البروتوكول تنصّ على أن: "تسعى السلطات الحاكمة – لدى انتهاء الأعمال العدائية – لمنح العفو الشامل على أوسع نطاق ممكن، للأشخاص الذين شاركوا في النزاع المسلح، أو الذين قيدت حريتهم لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح، سواء كانوا معتقلين أم محتجزين". وأكثر من ذلك، فإن تعليقات اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول هذه المادة كانت أكثر وضوحا، حين بيّن واضعوها بأن مؤدى الفقرة الخامسة من المادة السادسة هو أنها تمثل تشجيعا لمبادرات المصالحة التي تساهم في إعادة أجواء الحياة العادية لمجتمع كان يتسم بالانقسام(32)

جدير بالذكر أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977لم يتضمن تنظيما لما يسمى بالانتهاكات الجسيمة لأحكامه، على غرار ما تضمنته اتفاقيات جنيف الأربع الخاصة بالنزاعات المسلحة الدولية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضفي نوعا من الجدل، ويثير شكوكا في وجود التزام محتمل بمقاضاة الجناة المنسوبة إليهم تلك الجرائم، من طرف الدولة التي ارتكبت تلك الانتهاكات على أراضيها(33). والواقع أن الفصل في هذه المسألة ليس واضحا تماما – والحديث هنا يخرج عن نطاق الحالات المجرّمة المنصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية(34)-، فلجنة القانون الدولي مثلا تردّدت بعض الشيء للفصل في هذه الإشكالية(35)، إذ أن مشروع التقنين المتعلق بجرائم الحرب ذات الخطورة الاستثنائية الذي أعدته اللجنة بادئ الأمر في عام 1991(36)لم يشر صراحة إلى النزاعات المسلحة غير الدولية في مادته الثانية والعشرين، وإن كانت اللجنة فيما بعد قد وسّعت نطاق هذا التقنين ليشمل هذا النوع من الحالات في المادة 20من مشروع التقنين لعام 1996، وقد فسّر هذا التغيير الذي طرأ في مشروع اللجنة تطور القانون الدولي الإنساني خلال الفترة التي تفصل بين التاريخين، بسبب ما تخلّلها من انتهاكات فظيعة خلال النزاعات الداخلية(37).

ويؤكد التعليق المعدّ من طرف لجنة القانون الدولي على المادة 20على: مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية في النزاعات المسلحة الداخلية، هذه المسؤولية التي وجدت تكريسا لها لأول مرة من قبل غرفة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا في حكمها الصادر بتاريخ 2أكتوبر 1995في قضية "تاديتش Tadic"(38). بقي أن نشير إلى أن هذا الحكم اكتفى بتجريم الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، دون أن يفصل في نظام "الانتهاكات الجسيمة" لهذا النوع من القانون(39).

تجدر الإشارة أيضا إلى أن لجنة القانون الدولي قد اعتمدت مبدأ: "التسليم" أو "المقاضاة " aut dedere aut judicare" في الجرائم ضد الإنسانية، والتي قد ترتكب خلال النزاعات المسلحة أو غيرها من الحالات العادية، بمناسبة اعتمادها في سنة 1996لمشروع  المواد المتعلقة بالجرائم ضد السلام وأمن البشرية (المادة التاسعة)(40)، وقد قوبل هذا القرار بكثير من الترحيب، تجسد على سبيل المثال في الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا بتاريخ 10ديسمبر 1998في قضية "فوروندزيا l’affaireFurundzija"، حيث وصفت الغرفة الأولى بالمحكمة هذا التقنين بأنه " صك دولي ذو حجية. instrumentinternationalfaisantautorité"(41).

ونتيجة هذه الجهود المبذولة من طرف لجنة القانون الدولي أساسا، بدأ الحديث يتحول نحو الأساس العرفي لتجريم الانتهاكات الخطيرة، التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة الداخلية، والالتزام بمعاقبة الأشخاص المنسوبة إليهم تلك الانتهاكات، وعدم إعفائهم من المسؤولية(42)، وهو طرح قد يجد له دعما عبر عديد القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، والتي تم تبنّيها بموجب الفصل السابع من الميثاق، حيث أكّدت المسؤولية الجنائية الفردية عن كل ارتكاب لمثل هذه الجرائم(43). فهذه القرارات التي اعتمدت بالإجماع، تعدّ ذات أهمية خاصة لتشكيل العنصر المعنوي في القاعدة العرفية، وهو الشعور بالإلزام بضرورة تجريم مثل هذه الأفعال.

ويتعزز هذا الطرح مع تأكيد هيئات معاهدات حقوق الإنسان مراراً على حقّها في مراجعة صحة قوانين العفو التي تعتمدها الدول الأطراف. فعلى سبيل المثال، في قضية "الرابطة الإفريقية لملاوي وأطراف أخرى ضد موريتانيا"، خلصت اللجنة الإفريقية إلى أن قانون العفو المحلي الذي يترتب عليه أثر إبطال الطابع الجنائي للوقائع ، والانتهاكات المحددة التي يشتكي منها المدعون لا يمكن أن يكون له أثر منع اللجنة نفسها من مراجعة هذا القانون: " تذّكر اللجنة بأن دورها يتمثل تحديداً في الفصل في الانتهاكات المدعى حدوثها لحقوق الإنسان التي يحميها الميثاق الإفريقي ... وترى اللجنة أن قانون العفو الذي يُعتمد بهدف إبطال الدعاوى القانونية، أو غيرها من الإجراءات، التي قد يتخذها الضحايا أو ذووهم بهدف الانتصاف، وإن كان نافذ المفعول في الأراضي الوطنية الموريتانية، فإنه لا يعفي البلد من الوفاء بالتزاماته الدولية بموجب الميثاق"(44).

ومن جهتها، أكدت منظمة العفو الدولية على أن مراسيم العفو العام أو الخاص الوطنية، أو التدابير المماثلة التي تفسح مجال الإفلات من العقاب أمام مرتكبي الجرائم، التي يعاقب عليها القانون الدولي مثل: الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب، وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، وحالات "الاختفاء"، والتي تمنع اكتشاف الحقيقة وتحول دون تقديم الجناة إلى محاكمات جنائية لمحاسبتهم على ما اقترفته أيديهم، إنما هي إجراءات تتنافى مع القانون الدولي. ولا يجوز أن تتقيد بها المحكمة، أو أية محاكم في الدول الأخرى. ولا ينبغي للدول الأطراف أن تتخذ مثل هذه التدابير، أو تعترف بها عندما تتخذها الدول الأخرى(45).

وإذا انتقلنا إلى مرحلة أخرى من النقاش، نجد أن نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية تجاوز عقبة إشكالية تجريم الانتهاكات الخطيرة، أو الجسيمة لأحكام القانون الدولي الإنساني خلال النزاعات المسلحة الداخلية، فهذه الانتهاكات وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة الدولية، تشكّل كلها جرائم حرب ينعقد بشأنها الاختصاص للمحكمة(46)، مثلها مثل الجرائم ضد الإنسانية(47)أو جرائم الإبادة الجماعية(48)، والتي قد ترتكب خلال النزاعات المسلحة، أو حالات السلم. ومع ذلك تبقى الإشكالية في نظام روما الأساسي هي عدم وجود نص صريح بشأن ضرورة مراعاةتدابير العفو التي تصدرها الدول عن الجرائم، التي ينعقد فيها الاختصاص للمحكمة، ولا نصّا بالمقابل يمنع الدول صراحة من اتخاذ هذا النوع من التدابير(49). وبالتالي، بقي السؤال مطروحا بشأن موقف نظام روما الأساسي من تدابير العفو تلك.

إجابة على السؤال، يُقدّم توجه أول طرحا يفيد: بعدم إمكانية انعقاد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية، متى اتخذت تدابير العفو من جانب الدولة المسؤولة عن المتابعة والمقاضاة، ويستند هذا الاتجاه لدعم أطروحته، إلاّ أنه خلال أعمال اللجنة التحضيرية بشأن نظام روما الأساسي، لم يكن موضوع العفو من الموضوعات ذات الأهمية بالنسبة للمؤتمرين أثناء المفاوضات، حيث رأت وفود بعض الدول أن العفو قرار سياسي بالدرجة الأولى ولا يجب للمحكمة أن تتدخل فيه، وكان التصور المطروح آنذاك هو أن مبدأ التكاملية "Complémentarité"الذي يجعل من اختصاص القضاء الوطني هو الأصل، سوف يجعل من العفو المستخدم من طرف هذا القضاء بالضرورة معترفا به من طرف المحكمة الجنائية الدولية، وكل تدخّل من المحكمة على نحو يخالف ذلك يخلّ باحترام سيادة الدولة وولايتها على رعاياها، ويتعارض أيضا مع مبدأ التكاملية(50).

وبالمقابل، هناك قراءة فقهية مدعومة بطرح لمنظمة العفو الدولية مفادها أن: اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ينعقد في مثل هذه الحالات، من منطلق عدم قدرة القضاء الوطني على القيام بمهمة التحقيق والمقاضاة، والذي يشكل أساس مبدأ التكاملية(51). فالمادة 17( 1- أ) من نظام روما الأساسي تنصّ على التزام المحكمة الجنائية الدولية بعدم قبول الدعوى  إذا كانت تُجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها ولاية عليها، ما لم تكن الدولة حقاً غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة، أو غير قادرة على ذلك. وبالنتيجة، فإنه متى أعيق القضاء الوطني لدولة ما من التحقيق والمتابعة القضائية بسبب تدابير العفو، سوف يتدخل مبدأ التكاملية ليعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية(52).

وربما قد يجد هذا الطرح تأييدا له بالرجوع إلى ديباجة نظام روما الأساسي، فمنذ البداية سلّمت الديباجة بأن الجرائم الخطيرة تمثّل تهديدا للسلم، والأمن، والرفاء في العالم. وبأن غاية الاتفاقية هي وضع حدّ لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم. وأكّدت الديباجة على أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمرّ دون عقاب، وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني، وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي. وأعادت التذكير بواجب كل دولة في أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك؛ المسؤولون عن ارتكاب جرائم دولية.

وقراءة عميقة في صلب هذه الأحكام الواردة في الديباجة قد تفيد بوجود التزام، ولو ضمنيا، يمنع الدول من تدابير العفو التي تمنع التحقيق، وملاحقة المتهمين بارتكاب الجرائم الدولية التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

بقي أن نشير أخيرا أنه في الحالات التي ينعقد فيها الاختصاص للمحكمة الجنائية، وتصدر هذه الأخيرة بشأنها أحكاما بالإدانة، وباعتبار أن تنفيذ العقوبة يتم في سجن دولة معينة، فإن لا دولة تنفيذ العقوبة ولا غيرها، تملك سلطة اللجوء إلى الإفراج عن الشخص قبل انقضاء مدة العقوبة المحكوم بها من طرف المحكمة (المادة 110/1من نظام روما الأساسي)، وهذا يعنى أن الدولة لا تملك سلطة إصدار العفو بشأنها، ولكن المحكمة الجنائية وحدها هي من تملك الحق في تخفيف العقوبة وليس العفو أو الإعفاء منها، مثلما تنصّ على ذلك الفقرة الثانية من المادة 110من ذات النظام(53).

الفرع الثاني/ الالتزام بالتحقيق

يسلط التقرير النهائي الذي قدّمه " لويس جواني LouisJoinet"، المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان حول تدابير العفو، الضوء على التعارض بين العفو والالتزام بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان. ووفقا للمبادئ الواردة في هذا التقرير، يعد الإفلات من العقاب خرقا لالتزامات الدول بموجب القانون الدولي، للتحقيق في الانتهاكات، واتخاذ التدابير المناسبة إزاء مرتكبيها، وبالخصوص تلك التدابير المتعلقة بالمتابعة والمحاكمة، وضمان سبل الطعن الفعالة لمصلحة الضحايا(54).

هذه النتيجة التي خلص إليها التقرير شكلت الحجة التي اعتمدتها لجنة حقوق الإنسان لشجب تدابير العفو غير المشروطة، ففي مراسلة للجنة نشرت بتاريخ 21جويلية 1983، أثارت اللجنة التزام دولة أوروغواي بضرورة التحقيق في جميع ادعاءات الاختفاء، وإحالة المسؤولين عن تلك الجرائم إلى العدالة(55). وبلغة أكثر صراحة أكدت اللجنة في رسالتها المؤرخة في 9أوت 1994بأنه: " بإقدام دولة الأوروغواي في قانون العفو الذي أصدرته باستبعاد إمكانية التحقيق حول انتهاكات حقوق الإنسان، تكون هذه الأخيرة قد أخلت بالتزاماتها التي تعهدت بها بموجب المادة 7من العهد (وهي مادة تحظر التعذيب)"(56).

وفي مراسلة أخرى بتاريخ 11مارس 2001، أدانت اللجنة دولة صربيا بسبب خرقها لالتزامها بضرورة القيام بالتحقيقات السريعة، والفعالة إزاء مزاعم التعذيب، والوحشية التي اتسمت بها تصرفات الشرطة المحلية(57)

المطلب الثاني/ تدابير العفو في ميزان القضاء الدولي والداخلي

ثمة تقارب إلى حد ما في طرح بعض القضاء نحو رفض تدابير العفو التي تتجاوز عن متابعة، ومعاقبة الأشخاص المتورطين في انتهاكات جسيمة لأحكام قانون حقوق الإنسان و/ أو القانون الدولي الإنساني، ويشترك في هذا الطرح بعض من القضاء الدولي (الفرع الأول)، كما القضاء الوطني (الفرع الثاني). 

الفرع الأول: تدابير العفو في ميزان القضاء الدولي

ثمة توجه يتبنى موقفا مؤداه أن العفو عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، لا يمنع المقاضاة أمام محاكم أجنبية أو دولية، وفي هذا الصدد أعربت الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، في فقرة يكثر الاستشهاد بها، عن رأيها بأن العفو الوطني الصادر بشأن جرائم يشكل حظرها قاعدة من القواعد الآمرة، كجريمة التعذيب، هو عفو غير معترف به قانوناً على الصعيد الدولي. وعللت الدائرة رأيها كالآتي:

" إن لحقيقة حظر التعذيب بموجب قاعدة قطعية من قواعد القانون الدولي آثاراً أخرى على مستوى العلاقة بين الدول، وعلى المستوى الفردي. فعلى مستوى العلاقة بين الدول، يفيد هذا الحظر في إزالة الشرعية الدولية عن أي فعل تشريعي أو إداري أو قضائي يجيز التعذيب.  ومن غير المعقول المجادلة بأن إضفاء قيمة القاعدة الآمرة على حظر التعذيب يجعل المعاهدات أو القواعد العرفية التي تجيز التعذيب باطلة ولاغية من أساسها، ومن ثم التغاضي عن دولة تتخذ مثلاً تدابير وطنية تجيز التعذيب أو تقره أو تعفي مرتكبيه من المسؤولية بواسطة قانون عفو. وإذا نشأ وضع من هذا النوع، فإن التدابير الوطنية التي تنتهك هذا المبدأ العام وأية أحكام تعاهدية ذات صلة ستستدعي الآثار القانونية المشروحة أعلاه ولن تحظى باعتراف قانوني دولي. ويمكن للضحايا المفترضين إقامة دعوى بهذا الشأن، إذا كانت لديهم الأهلية القانونية لذلك، أمام محكمة مختصة دولية أو هيئة قضائية وطنية بغية المطالبة بإعلان الإجراء الوطني المقصود غير القانوني دولياً. كما يمكن للضحية رفع دعوى مدنية لجبر الضرر أمام محكمة أجنبية، ومن ثم المطالبة في جملة أمور بإسقاط القيمة القانونية للإجراء الوطني الذي يجيز التعذيب. والأهم من ذلك هو أن مرتكبي التعذيب الذين يتصرفون بمقتضى التدابير الوطنية المعنية، أو المستفيدين من هذه التدابير يمكن مع ذلك تحميلهم المسؤولية الجنائية عن التعذيب، سواء في دولة أجنبية أوفي دولتهم نفسها في ظل نظام لاحق"(58).

وبالمثل رفضت المحكمة الخاصة لسيراليون، التي أنشئت عن طريق معاهدة بين منظمة الأمم المتحدة وحكومة سيراليون، طعوناً في اختصاصها القضائي بالنظر في جرائم دولية مشمولة بتدابير عفو. وأكدت دائرة الاستئناف في المحكمة، وهي في ذلك تشير إلى أن نظامها الأساسي يمنحها الاختصاص القضائي بالفصل في جرائم دولية معينة بغض النظر عن تدابير العفو، إن أحد النتائج المترتبة على الطابع الخطير للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هي أنه بإمكان الدول، بموجب القانون الدولي، أن تمارس اختصاصاً قضائياً عالمياً على هذه الجرائم. وخلصت المحكمة إلى أنه: "عندما يكون الاختصاص القضائي عالمياً، فليس بمقدور دولة ما أن تحرم دولة أخرى من ممارسة اختصاصها القضائي في مقاضاة الجاني عن طريق منحه العفو"(59).

على المستوى الإقليمي، لم تبتّ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعد فيما إذا كانت تدابير العفو تنتهك الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، غير أن العفو الذي يعطل حق الضحايا في الحصول على سبيل انتصاف فعال عن انتهاكات الاتفاقية، يشكل بالتأكيد انتهاكاً للمادة 13التي تنصّ على أن: " لكل شخص اعتدي على حقوقه وحرياته التي نصت عليها هذه الاتفاقية حق الانتصاف الفعال أمام محكمة وطنية حتى ولو ارتكب هذا الاعتداء أشخاص في أثناء تأديتهم لوظائفهم الرسمية". وقد خلصت المحكمة الأوروبية مراراً إلى أنه عندما تحدث انتهاكات للاتفاقية الأوروبية، فإنه يجب على الدول الأطراف أن تجري تحقيقات شاملة، وفعالة يمكن أن تؤدي إلى تحديد المسؤولين عن تلك الانتهاكات، ومعاقبتهم، وشدّدت المحكمة بشكل خاص على الحاجة إلى إجراء هذه التحقيقات في الحالات التي تنطوي على إساءة معاملة خطرة، بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال التعذيب، أو على خطر جسيم يتعلق باختفاء قسري، أو على انتهاكات للحق في الحياة.

الفرع الثاني/ تدابير العفو في ميزان القضاء الداخلي

ثمة العديد من النماذج عن تدابير العفو التي تجاهلت المتطلبات الدولية بشأن تدابير العفو، ومن الأمثلة على ذلك قانون إندونيسيا رقم 27لعام 2004المتعلق بلجنة الحقيقة والمصالحة، ويتضمن هذا القانون أحكاماً بالعفو رغم ما يكتنفه من غموض. فهو ينصّ على إنشاء وتنظيم لجنة لتقصي الحقائق تحظى بسلطة التوصية بمنح العفو استناداً إلى مبادئ توجيهية سيصار إلى وضعها. وبالرغم من أن الرئيس هو من يتولى البت النهائي في قرارات العفو التي توصي بها اللجنة، فإن المادة 44من القانون تمنح عفواً فعلياً إذ تنصّ على أن حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي قامت اللجنة بتسويتها، لا يمكن أن تُرفع إلى المحكمة المختصة لحقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك تنصّ المادة 27على جواز منح التعويض عندما تتم الموافقة على طلب العفو، وهو ما يرهن حصول الضحايا على الجبر - الذي يعد حقاً أساسياً بموجب القانون الدولي - بمنح العفو. وفي 7ديسمبر 2006، أعلنت المحكمة الدستورية لإندونيسيا أن المادة 27من هذا القانون غير دستورية، وبما أنها تشكل جزءاً لا يتجزأ من القانون ككل، فقد خلصت من ثم إلى أن القانون برمته غير دستوري(60).

وفي إسبانيا، في حكم غير مسبوق بتاريخ 16أكتوبر 2008، قرر القاضي" غارزونBaltasar Garzon" - الذي أصدر مذكرة الاعتقال الأصلية بحق " بينوشيه"، في أعقاب الالتماس الذي تقدم به أبناء عائلات وجمعيات تمثل ضحايا نظام "فرانكو"، بأن قانون العفو العام الإسباني لا يسري على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام "فرانكو"، وذلك باعتبار أن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تحظى بموجب القانون الدولي بحماية من خلال قوانين العفو العام. وفي عام 2006، فتح القاضي"غارزون" تحقيقا جنائيا في الجرائم المفترضة ضد الإنسانية، التي تم ارتكابها خلال الحرب الأهلية الإسبانية وفي ظل ديكتاتورية فرانكو بين العامين 1936و1951(61)

بعد ذلك، وفي أعقاب الدعوى الجنائية التي تقّدمت بها المنظمة السياسية اليمينية " مينوس لامبياس Mnos- Limpias" في أفريل 2010، وجهت للقاضي "غارزون" تهم بعرقلة سير العدالة والتي تعرّض القضاة الأسبان إلى المساءلة القانونية لإصدارهم أحكاما جائرة. وكانت النتيجة أن أعفي القاضي "غارزون" من مهامه القضائية، وواجهته إدعاءات مفادها أنه أساء استخدام سلطته القضائية، لتبدأ المحاكمة الجنائية في إسبانيا بتاريخ 24جانفي 2012. بينما رفع القاضي "غارزون" منذ ذلك الحين قضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، طعن فيها بقانونية مقاضاته الجنائية.  وبالمناسبة أعلنت "غابرييلا كانول Gabriela Knaul"، المقررة الخاصة في الأمم المتحدة لحماية استقلالية القضاة والمحامين، ما يأتي: " من المؤسف أن يتعرض القاضي "غارزون" للعقاب لأنه فتح تحقيقا يتوافق مع التزامات إسبانيا بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بموجب مبادئ القانون الدولي. وأن الأخطاء المفترضة التي تظهر في الأحكام القضائية يتعين عليها ألا تكون سببا لفصل قاض، ولا حتى سببا للشروع في إجراء جنائي أساسا. تعدّ الاستقلالية في تفسير القانون عنصرا جوهريا في الدور الذي يؤديه القاضي، وفي النهوض بحقوق الإنسان. يجب ألا يخشى أي قاض من أن يكون مستقلا في مهامه". وفي 27فيفري 2012تمت تبرئة القاضي "غارزون"، لكن قانون العفو العام لا يزال ساريا على الجرائم الإسبانية التي ارتكبها نظام "فرانكو"، وفي حين أن إسبانيا قد وفرت سلطة مقاضاة قانونية للجرائم الدولية المرتكبة في أماكن أخرى، إلا أن الجرائم التي ارتكبت في إسبانيا لا تزال تتمتع بالحصانة من المساءلة القانونية(62).  

أخيرا، أدت التحقيقات القضائية التي بوشرت بشأن قضايا اختطاف الأطفال في الأرجنتين، إبان فترة حكم العسكر بين أعوام 1976و1983، إلى إعلان القاضي الفيدرالي " غابرييل كافالو Gabriel Cavallo" في مارس 2001بأن قوانين العفو التي وضعت في عهد الرئيس "ألفونسين" غير دستورية وأن الالتزامات الواردة في القانون الدولي والاتفاقيات الدولية لها الأسبقية على القوانين المحلية في الأرجنتين. وورد في الحكم أن " قانون النقطة النهائية " و" قانون واجب الطاعة " انتهكا مواد الدستور الأرجنتيني، ويتعارضان مع التزام الأرجنتين بضرورة محاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ليجد هذا الحكم تأييدا له من قبل محكمة الاستئناف الفدرالية(63). وفي 14جوان 2005، أعلنت المحكمة العليا في الأرجنتين بأغلبية أعضائها (7مقابل واحد) بأن كل من قانون " النقطة النهائية " و" قانون واجب الطاعة" غير دستوريين. وهذه التطورات سمحت لمحاكمات انتهاكات حقوق الإنسان بالمضي قدما في الأرجنتين.

خاتمة

تناولت الدراسة بالبحث، والتحليل موضوع تدابير العفو عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، ومن خلالها تم عرض تدابير العفو كأداة لتكريس المصالحة الوطنية، واستخداماتها في سياق تنفيذ التوافقات حول المصالحة الوطنية، كما تمت مناقشة حدود سلطة الدول في اتخاذ تدابير العفو بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسانيالمطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية. وعموما سمحت معالجة مختلف حيثيات الدراسة بالوقوف عند النتائج الآتية:

·         تمثّل المصالحة الوطنية أحد الآليات التي تلجأ إليها عادة الدول التي تعاني من خلافات جذرية أو صراعات داخلية‏ لأجل وقف الصراع، وبناء السلم، وتحقيق الاستقرار. وبغية وضعها موضع التنفيذ عمدت كثير من الدول إلى تبنّي سياسة العفو عن منتهكي أحكام حقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة خلال النزاعات المسلحة غير الدولية.

·  تتخذ تدابير العفو أشكالاً قانونية متعددة على صعيد الممارسة، وعادة ما تُعتمد هذه التدابير ضمن نصوص وطنية (نصوص تشريعية أو/ تنظيمية)، وقد تُعرض للاستفتاء الشعبي، أو تُعتمد ضمن نص اتفاقي على شاكلة اتفاق سلام أو غيره من الاتفاقيات الناتجة عن مفاوضات.

·  لا يوجد صك اتفاقي يحظر رسميا تدابير العفو، وهذا ما يترك الانطباع بأن الدول تبقى تحتفظ في هذا المجال باختصاص حصري. ومع ذلك هناك بعض النصوص الاتفاقية الدولية مثل: اتفاقية منع، ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، واتفاقية مناهضة التعذيب، تفرض التزاما على الدول بملاحقة ومحاكمة الأشخاص الذين انتهكوا أحكامها. وقد يظهر العفو الذي يتجاوز هذه الأحكام متعارضا ضمنيا مع الالتزامات الدولية للدولة الطرف في هذه الاتفاقيات.

·  يبدوا أن البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الأربع قد اتخذ موقفا إيجابيا من تدابير العفو، التي تتخذ عقب الانتهاكات، التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة غير الدولية، وهو أمر قد يُضفي على تلك الإجراءات صفة الشرعية. 

·  لا يتضمن نظام روما الأساسي نصا صريحا بشأن ضرورة مراعاةتدابير العفو، التي تُصدرها الدول عن الانتهاكات التي ينعقد فيها الاختصاص للمحكمة، ولا نص بالمقابل يمنع الدول صراحة من اتخاذ هذا النوع من التدابير. ويبقى هذا الغموض عرضة لقراءات مختلفة بين من يستبعد اختصاص المحكمة استنادا على مبدأ التكاملية، وضرورة احترام سيادة الدولة المعنية بتدابير العفو، وبين من يرجّح اختصاص المحكمة، وفقا لذات المبدأ باعتبار أن إعاقة القضاء الوطني لدولة ما من التحقيق، والمتابعة القضائية بسبب تدابير العفو، سوف يكون مرادفا لعدم الرغبة في الاضطلاع بالتحقيق، أو المقاضاة، أو عدم القدرة على ذلك، مما يستدعي تدخل مبدأ التكاملية ليعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية.

·  في الحالات التي ينعقد فيها الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية وتصدر هذه الأخيرة بشأنها أحكاما بالإدانة، فإنه لا يمكن لدولة تنفيذ العقوبة ولا غيرها أن تصدر العفو بشأنها، ولكن المحكمة الجنائية وحدها هي من تملك الحق في تخفيف العقوبة وليس العفو أو الإعفاء منها.

·  ثمة تقارب إلى حدّ ما في طرح بعض القضاء نحو رفض تدابير العفو التي تتجاوز عن متابعة، ومقاضاة الأشخاص المتورّطين في انتهاكات جسيمة لأحكام قانون حقوق الإنسان و/ أو القانون الدولي الإنساني. وإذا ما كان استخدامالعفو ضرورة لترسيخ المصالحة والانتقال إلى الديمقراطية، فلا أقل أن تتفق تلك التدابير مع الالتزامات القانونية الدولية للدولة بضمان المقاضاة والحق في معرفة الحقيقة وفي سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر.

توصيات الباحث

يمكن القول بأنه مهما كانت الحاجة ملحة لاتخاذ مبادرات للتعامل مع مخّلفات الماضي، ومهما كانت الضرورة تدفع نحو تدابير العفو باعتبارها أداة وشرطا لتحقيق المصالحة الوطنية، فإنه ينبغي للدول مراعاة ما يلي:

·  تجنب تبنّي تدابير العفو غير المشروط، فعلى الأقل ينبغي على الدولة استكمال إجراءات القضاء، وعدم إسقاط الملاحقة القضائية. وهذا من أجل تكريس الحق في معرفة الحقيقة من جهة، باعتباره قد يمثّل حدا أدنى مقبولا للضحايا، يخفّف عنهم ما أصابهم من ضرر أو حرقة فقدان أقاربهم وذويهم. ومن جهة ثانية، بغية الوفاء بالالتزامات الدولية ذات الصلة.

·  التركيز على تدابير جبر الضرر لصالح الضحايا سواء تمثلت تلك التدابير في التعويضات عن الأضرار المادية أو المعنوية، أو تبنّي برامج إعادة التأهيل لفائدة الضحايا، أو إعداد كتيّبات توثيقا لحقبة الانتهاكات، ونشرا لقيم التسامح، أو بناء نصب تذكارية ذات قيمة رمزية.

تكثيف الدورات التكوينية لفائدة البرلمانيين، وجهاز القضاء، بغية شرح مختلف التطورات القانونية الدولية والاجتهادات القضائية المقارنة، المتعلقة بسنّ تدابير العفو، وكيفية معالجة القضاء المقارن للقضايا ذات الصلة بانتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني بصفة عامة

الهوامش

  1. جدير بالذكر أن خطة الأمين العام للأمم المتحدة الخاصة ببناء السلم لعام 1992تنظر إلى عملية السلم على أنها تنطوي على مجموعة كاملة من المناهج والعمليات والمراحل المطلوبة لتحقيق التحول نحو علاقات سلمية، وأساليب وهياكل حكم أكثر استدامة، وهناك مجموعة من الأساليب يمكن استخدامها مثل: بناء المؤسسات، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وإعادة البناء الاجتماعي، والمصالحة، والتمكين، وآليات معالجة أخطاء الماضي، وبناء الإدارة الفعالة.

أنظر: حنان عز العرب خالد، دور البرلمان في المصالحة الوطنية: دراسة لبعض الحالات الإفريقية، الطبعة الأولى، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، 2015، ص 14- 15، 73.

  1. Presidentiel statement, Security Council Reaffirms ‘Vital Importance’ of United Nations Role in Post-Conflict Reconciliation, SC/7990, 26January 2004.  http://www.un.org/press/en/2004/sc7990.doc.htm (05/06/2017)
  2. حنان عز العرب خالد، مرجع سابق، ص 11.
  3. المرجع نفسه، ص 20.
  4. Presidentiel statement, Security Council Reaffirms ‘Vital Importance’ of United Nations Role in Post-Conflict Reconciliation, SC/7990, 26January 2004.  (http://www.un.org/press/en/2004/sc7990.doc.htm) (05/06/2017)
  5. سمر محمد حسين، دور المحكمة الخاصة لسيراليون في تحقيق العدالة الانتقالية، المكتب العربي للمعارف، الطبعة الأولى، القاهرة، 2015، ص 23.
  6. حنان عز العرب خالد، مرجع سابق، ص 12.
  7. أمر رقم 06-01مؤرخ في 28محرّم عام 1427الموافق 27فبراير سنة 2006، يتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 11، 28فبراير 2006.
  8.  أنظر: أمر رقم 95-12مؤرخ في 25رمضان عام 1415الموافق 25فبراير سنة 1995، يتضمن تدابير الرحمة، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 11، 01مارس 1995.
  9. أنظر: قانون رقم 99-08مؤرخ في 29ربيع الأول عام 1420الموافق 13يوليو سنة 1999، يتعلق باستعادة الوئام المدني، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 46، 13يوليو 1999.
  10. حنان عز العرب خالد، مرجع سابق، ص 15- 16.
  11. المرجع نفسه، ص 16-17.
  12. المرجع نفسه، ص 17-18.
  13. محمد نصر محمد، الحماية الإجرائية أمام المحاكم الدولية: دراسة تطبيقية على المحكمة الجنائية الدولية، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2016، ص 228.
  14. محمد علي سالم جاسم، صالح شريف مكتوب، " إشكاليات تطبيق قانون العفو العام وموقف القضاء العراقي"، مجلة المحقق الحلبي للعلوم القانونية والسياسية، السنة السادسة، العدد الأول، 2014، ص 10. 
  15. ضياء عبد الله عبود، " قراءة قانونية في مشروع قانون العفو العام الجديد"، ندوة بعنوان: قراءة في مشروع قانون العفو العام، جامعة كربلاء، سنة 2012.        (01/06/2016)  http://law.uokerbala.edu.iq/images/nationalize/seminars1.pdf.
  16. المرجع نفسه.
  17. سمر محمد حسين، مرجع سابق، ص 22.
  18. وقد استخدم المشرع الجزائري بشأن هذا التدبير اصطلاح " العفو" بالعربية، ويقابله بالفرنسية إصطلاحي "Grace"                    و" Acquittement" . أنظر مثلا: المادتين 21و60مكرر 1من الأمر رقم 66/156المؤرخ في 8يونيو 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدّل والمتمّم. وفي اللغة الإنجليزية يستخدم اصطلاح " Pardon" كتعبير عن هذا النوع من التدابير.
  19. سمر محمد حسين، مرجع سابق، ص 22.
  20. مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، " أدوات سيادة القانون لدول ما بعد الصراع: تدابير العفو"، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك  وجنيف، 2009، ص43.                       (http://www.ohchr.org/Documents/Publications/Amnesties_ar.pdf) ( 01/05/2016)
  21. المرجع نفسه، ص 44.
  22. المرجع نفسه.
  23. المرجع نفسه.
  24. جدير بالذكر أن الفصل السادس من الأمر رقم 06-01تضمن ما سماه بإجراءات تجسيد عرفان الشعب الجزائري لصنّاع نجدة الجزائر، وكان من بين أحكامه ما ورد في المادة 45التي منعت الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفّذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية. والواضح من هذه المادة هو الإعفاء الشامل لقوات الأمن والدفاع الوطني، دون أي شرط أو قيد، من أي مسؤولية قد تقترن بتجاوزات حدثت أثناء أدائهم لمهامهم تلك.
  25. أنظر: مرسوم رئاسي رقم 06-95مؤرخ في 29محرّم عام 1427الموافق 28فبراير سنة 2006، يتعلق بالتصريح المنصوص عليه في المادة 13من الأمر المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 11، 28فبراير 2006.
  26. مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص 44.
  27. المرجع نفسه، ص 11.
  28. وحده الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في مادته 18من منع صراحة تدابير العفو لصالح من ارتكبوا هذه الأعمال، حيث تنص هذه المادة على ما يلي: 1-لا يستفيد الأشخاص الذين ارتكبوا أو أدعي أنهم ارتكبوا الجرائم المشار إليها ... من أي قانون عفو خاص أو أي إجراء مماثل آخر قد يترتب عليه إعفاء هؤلاء الأشخاص من أي محاكمة أو عقوبة جنائية؛ 2- يجب أن يؤخذ في الاعتبار، عند ممارسة حق العفو، شدة جسامة أعمال الاختفاء القسري المرتكبة.

أنظر: إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 47/133المؤرخ في 18ديسمبر 1992، المادة 18.

  1. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، أقرت وعرضت للتوقيع وللتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة 260ألف (د-3) المؤرخ في 9كانون الأول /ديسمبر 1948، تاريخ بدء النفاذ: 12كانون الثاني / يناير 1951.
  2. أنظر: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة اعتمدتها الجمعية العامة وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام إليها في القرار 39/46المؤرخ في 10ديسمبر 1984، تاريخ بدء النفاذ: 26جوان 1987.
  3. Protocole additionnel aux Conventions de Genève du 12août 1949relatif à la protection des victimes des conflits armés non internationaux (Protocole II), 8juin 1977,Commentaire de 1987, 
    Poursuites pénales, para. 4618.(https://ihl-databases.icrc.org/applic/ihl/dih.nsf/) ( 05/06/2017).
  4. Djamchid Momtaz, « De l’Incompatibilité des Amnisties Inconditionnelles avec le Droit International”, in : Marcelo G. Kohen ( edi.), Promoting  Justice, Human Rights and Conflict  Resolution Through International Law, Martinus Nijhoff Publishers, 2007, p. 355.
  5. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أُقر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية في 17جويلية 1998، تاريخ بدء النفاذ: 1جويلية 2002، المادة 8، فقرة 2/ج.
  6. D.  Momtaz, « De l’Incompatibilité … », Op. Cit., p. 356.
  7. Rapport de la CDI sur les travaux de sa 43e session, Assemblée générale, Documents officiels, 46e session, Suppl. n° 10(A/46/10), pp. 293s.
  8. D. Momtaz, « De l’Incompatibilité … », Op. Cit., p. 356.
  9. Rapport de la CDI sur les travaux de sa 48e session, Assemblée générale, Documents officiels, 51e session, Suppl. n° 10(A/51/10), p. 141.
  10. Djachid Momtaz, « Le droit international applicable aux conflits armes non internationaux », RCADI, Vol. 292, 2002, p. 114.
  11. D.Momtaz, « De l’Incompatibilité …, Op. Cit., p. 356.
  12. Procureur c. Anto Furundzija, Affaire no.  IT-95-17/1-T, La chambre de première instance, 10décembre 1998, para. 227. (http://www.icty.org/x/cases/furundzija/tjug/fr/fur-tj981210f.pdf) (01/06/2016).
  13. D. Momtaz, « De l’Incompatibilité … », Op. Cit., p. 357.
  14. أنظر مثلا قرار مجلس الأمن رقم 787بتاريخ 16نوفمبر 1992؛ والقرار رقم 749بتاريخ 3ديسمبر 1992.
  15. مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص 30.
  16. أنظر: منظمة العفو الدولية، "المحكمة الجنائية الدولية: قائمة تذكيرية من أجل التنفيذ الفعال"،وثيقة رقم:IOR 40/11/00، جويلية 2010، ص 8-9.(https://www.amnesty.org/download/Documents/140000/ior400112000ar.pdf)   (10/10/2018)
  17. نظام روما الأساسي، المادة 8، فقرة (2/ أ، ب)؛ المادة 8، فقرة (2/ ج، د، ه، و).
  18. نظام روما الأساسي، المادة 7.
  19. نظام روما الأساسي، المادة 6.
  20. Gabriele Della Morte, « L’Amnistie en Droit International », (sans lieu de publication), (sans date de publication), p. 6.(https://www.iphr-ipdh.org/uploads/1/0/0/6/10064027/amnistie_en_droit_international_g_dellamorte.pdf) (23/12/2017)
  21. محمد نصر محمد، مرجع سابق، ص 229.
  22. المرجع نفسه، ص 229.
  23.  Amnesty International,« Cour Pénale Internationale : Déclarations constituant des réserves prohibées au Statut de Rome », Novembre 2005, p.  22. (https://www.amnesty.org/download/Documents/84000/ior400322005fr.pdf) ( 23/12/2017)
  24. محمد نصر محمد، مرجع سابق، ص 230.
  25. Voir : D.Momtaz, « De l’Incompatibilité … », Op. Cit., pp. 357, 358.
  26.  Comm. n° 107/1981. Cité par : D.Momtaz, « De l’Incompatibilité … », Op. Cit., p. 358.
  27. D.Momtaz, « De l’Incompatibilité … », Op. Cit., p. 358.
  28. Comm. n° 113/1998. Cité par : D.Momtaz, « De l’Incompatibilité … », Op. Cit., p. 358.
  29. مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، المرجع السابق، ص 37.
  30. المرجع نفسه، ص 30.
  31. المرجع نفسه، ص 38.
  32. شارون وايل، " هل القانون الدولي يحمي الدول من المساءلة القانونية؟"، مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 91، مارس 2112،   ص 2.(http://www.adalah.org/newsletter/ara/mar12/mar12.html) (05/06/2017)
  33. المرجع نفسه، ص 2-3.
  34. Rebecca Lichtenfeld, “Accountability in Argentina 20Years Later”, Transitional Justice Maintains Momentum, International Center for Transitional Justice, August 2005, pp.5-6.  (http://www.ictj.org/sites/default/files/ICTJ-Argentina-Accountability-Case-2005-English.pdf) ( 05/06/2017)

@pour_citer_ce_document

شافية بوغابة, «تدابير العفو عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية: بين مبرّرات المصالحة الوطنية ومتطلبات إنفاذ العدالة.»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 223-238,
Date Publication Sur Papier : 2020-08-18,
Date Pulication Electronique : 2020-08-18,
mis a jour le : 18/08/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7196.