إشكالية المصطلح البلاغي في الخطاب النقدي الجزائري المعاصر-عبد الملك مرتاض أنموذجا-The problematic of the rhetorical term in contemporary Algerian critical discourse -Abdelmalek Mortath as a model
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N:03 vol 17-2020

إشكالية المصطلح البلاغي في الخطاب النقدي الجزائري المعاصر-عبد الملك مرتاض أنموذجا-

The problematic of the rhetorical term in contemporary Algerian critical discourse -Abdelmalek Mortath as a model
ص ص 125-138
تاريخ الإرسال: 2017-06-28 تاريخ القبول: 2020-09-02

فريد عوف
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

إشكالية المصطلح النقدي من أكبر المعضلات التي يواجهها الناقد العربي المعاصر، في ظل التراكمات المعرفية، وتداعيات العولمة، وتأثير الحداثة الغربية.والمصطلح البلاغي لم يلق العناية الكافية من النقاد العرب عامة، والجزائريين خاصة، لانشغالهم بنقل وترجمة المصطلحات التي يقوم عليها تأسيس المناهج النقدية الغربية الوافدة. وقد ناقش عبد الملك مرتاض إشكالية المصطلح البلاغي بوجاهة علمية، وزاد غير قليل من المادة التراثية، والمعرفة الحداثية، إذ يدخل إلى المصطلح النقدي من منفذ غربي، ويخرج من باب عربي أصيل بإيجاد ما يماثله في البلاغة العربية.

الكلمات المفاتيح:

المصطلح، بلاغة، الجزائر، معاصر، نقد

La problématique de la terminilogie critique est l’un des obstacles majeurs que rencontre le critique arabe contemporaine, à l’ombre des accumulations cognitives et des repercussions de la mondialisation ainsi qu’à l’attrait au modernisme. La terminologie rhétorique n’a pas suffisament été l’objet d’intérêt des critiques arabes en général ni celle de leurs compères algériens en particulier. Cela est dû au fait que leur préocupation majeure était tournée vers le transfert et la traduction des terminologies sur lesquelles repose le fondement des approches critiques occidentales. Abelmalek Mortadh a traité la problématique de la terminologie rhétorique de façon scientifique faisant preuve d’un génie linguistique en y introduisant un nombre considérable de références patrimoniales et de connaissances modernistes. C’est ainsi qu’il aborde la terminologie rhétorique en partant d’une conception occidentale afin d’aboutir sur une issue purement arabe en y proposant des équivalences au sein de la rhétorique arabe.

Mots clés :La terminologie, rhétorique,Algérie, contemporain, critique

The field of enauiry of the « critical term » is one of the greatest problems which the contemporary Arab critics face within the huge amounts of knowledge, the consequences effects of blobalisation and the attractiveness of modernity. The linguistic term did not meet enough care from the Arab critics and the Algerian ones too. This is due to the fact that critics translate only the terms which form the basis of the western criticism syllabus. Abdelmalek Mortath has faced this field of enquiry with a scientific thouth /approach and a linguistic genius besides, he has a rich traditional and modern background knowledge.so, he managed to access/enter/study the term criticism from a western point of view and to leave it from an Arab view.and to find its equivalent in the Arabic lexis.

Keywords:The term, rhetoric, Algeria, contemporary, critical

Quelques mots à propos de :  فريد عوف

 جامعة محمد لمين دباغين سطيف2،  aouffarid@hotmail.fr

مقدمة

تعدّ إشكالية المصطلح البلاغي من القضايا المهمّة الي نالت اهتماما كبيرا في المشهد النقدي العربي بصفة عامة، والجزائري بصفة خاصة في ظل التراكمات المعرفية، وتداعيات العولمة، حيث اقتحمت الساحة النقدية العربية ما لا يُحصى من المصطلحات النقدية الغربية عن طريق الترجمة.

وإذا كانت الجهود النقدية العربية عامة، والجزائرية تتجه إلى تحديد وجمع المصطلحات التي يقوم عليها تأسيس المناهج النقدية الغربية الوافدة، فإنّ المصطلح البلاغي لم يلق العناية الكافية من قبل الدارسين العرب المحدثين رغم الحاجة الماسة إليه، وشاعت حملة التشكيك حول جدواه، وقد حمل لواءها الذين أشفوا غليلهم من الثقافة الغربية، فزعموا أنّ أمر القديم قد انقضى، وأنّ الخير كلّ الخير في الانفتاح على ما جادت به قرائح الغرب، والانتفاع به.

وكان من الأسباب التي أدّت إلى تراجع الاهتمام بالمصطلح البلاغي العربي ما يلي:  

- الانفتاح على المنظومة النقدية الغربية، والاشتغال بنقل المصطلحات النقدية الغربية الجديدة الوافدة إلى السياق العربي بالترجمة والنحت.                                                

- إنّ البلاغة على حدّ قول حازم القرطاجني –هي علم كلّي-كونه متّصلا بحقول معرفية كثيرة كالنحو، وعلم الجمال والمنطق، والفلسفة، والإعجاز. ونجم عنه تعدّد المصطلحات وغزارتها؛ ولذلك يصعبُ الإلمام بها جميعا.                          

– وجود فجوة بين البلاغتين العربية القديمة والبلاغة الغربية، وهذا ما أثّر في اختيار المصطلح النقدي الملائم.        

- تداخل مباحث علم المعاني والبيان والبديع، فكثير من قضايا علم البيان مرتبطة بعلم المعاني، وقضايا المعاني متصلة بالبديع        

- اختلاف غايات النقاد العرب البلاغية: دينية وتعليمية، وتثقيفية، وجمالية. 

- العلاقة الوشيجة بين البلاغة والنقد، حيث صارت أكثر المصطلحات البلاغية نقدية مثل التضمين والاقتباس، الذيْن دخلا مجال النقد بمصطلح جديد هو التناص.                                         

ومن هنا فقد كان للنقاد العرب مواقف متباينة من قضية المصطلح البلاغي بين متشبّث بالتراث البلاغي العربي، وبين منتصر للمصطلح النقدي الغربي، وبين من أمسك العصا من وسطها.

ولعلّ النموذج الأمثل، والعلامة الدالة في الخطاب النقدي الجزائري المعاصر الذي استطاع التوفيق في نهله من رافدي التراث والحداثة هو عبد الملك مرتاض، وهو من القامات النقدية العربية والجزائرية التي واجهت إشكالية المصطلح برزانة علمية، وذخيرة لغوية، ومعرفية، وهو من الذين تعاملوا مع ثنائية (التراث و/الحداثة) وفق ما يُعرَفُ بالمثاقفة الواعية المحكومة بمنطق الاحترام والانتماء للتراث، ومنطق التفاعل والمثاقفة مع الحداثة، فكان يدخل المصطلح من منفذ غربي ثم لا يلبث أن يجد له نظيرا في التراث البلاغي العربي.

إشكالية البحث وفرضياته

يتأسس هذا البحث على الإجابة عن مساءلة مهمة هي: ماهو موقف مرتاض من المصطلح النقدي الغربي؟ وكيف كانت نظرته إلى التراث البلاغي العربي؟ هل كانت نظرة ازدراء واحتقار أم إنصاف؟ هل يؤمن مرتاض بأنّ المصطلح النقدي العربي القديم ما زالت له الكفاءة رغم التحولات المعرفية الهائلة؟ أم أنّه يستبعد ذلك ويؤمن بتجاوزه لأجل مسايرة الجديد؟  وماهي الإضافات التي قدّمها لعلم المصطلح؟ وماهي الآليات التي اعتمدها في صناعة المصطلح؟

 ومن الفرضيات التي يسعى الباحث للإجابة عن أحدها:

-إنّ عبد الملك مرتاض تأثّر بالمصطلح الغربي، وآثره على المصطلح البلاغي العربي.

-إنّ عبد الملك مرتاض لم يستهوه بريق المصطلح الغربي، وراح يبحث عن ندّ له في التراث البلاغي العربي.

منهجية البحث

اعتمدت في هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي مشفوعا بإجراءات نقد النقد لتقييم جهود عبد الملك مرتاض في تعاطيه للمصطلحين الغربي والعربي.                                 

 

أهمية البحث وأهدافه

ويكتسي البحث أهمية بالغة، لأنّه يمسّ قامة نقدية كبرى على الصعيد الجزائري والعربي، وهو عبد الملك مرتاض الذي أثرى علم المصطلح من خلال إضافات جليلة، إلى جانب دفاعه المستميت عن التراث البلاغي العربي، ويروم البحث إلى:

·  بيان جهود مرتاض في تأصيل المصطلح النقدي.

·  بيان موقفه من التراث البلاغي العربي.

خطة البحث

وكانت خطة البحث كما يلي:

·  مقدمة.

·  عبد الملك مرتاض وآليات صناعة المصطلح.

·  عبد الملك مرتاض بين جاذبية المصطلح البلاغي العربي وتأثير المصطلح النقدي الغربي.

·  صور ونماذج من دفاع مرتاض عن المصطلح البلاغي العربي.

الدراسات السابقة

نالت قضية المصطلح النقدي اهتماما كبيرا من قِبل الدارسين العرب في البحوث والرسائل الجامعية، والمقالات المنشورة في المجلات العلمية المحكمة. وحظيت إشكالية المصطلح النقدي عند عبد الملك مرتاض بنصيب وافر من الدراسة، لأنّ مرتاضا عايش كلّ التحوّلات النقدية التي عرفها المشهد النقد الجزائري المعاصر، وقدّم إضافات جليلة في علم المصطلح، جمع شتاتها تلميذه يوسف وغليسي في كتابه "إشكالية المصطلح في الخطاب النقد العربي الجديد".

أولا: عبد الملك مرتاض وآليات صناعة المصطلح

أثرى عبد الملك مرتاض المنظومة الاصطلاحية في النقد الجزائري المعاصر، وساعده في ذلك ثلاثة عوامل أساسية هي:

*ثقافته الحداثية: من خلال الإلمام بجميع النظريات النقدية الغربية ومستجداتها.

*ثقافته التراثية: قراءته المعمقة والسليمة للتراث النقدي والبلاغي العربي.

*كفاءته اللغوية وذوقه الرفيع في تعامله مع المصطلحات.

 ومن هنا فقد ارتكز منهجه في وضع المصطلح أو ترجمته على:

1-التفحّص والنظر في ملاءمة ترجمة المصطلح إلى العربية دلاليا، وأدبيا، وجماليا.

2- البحث عن المصطلح الذي يوافق المصطلح الغربي في التراث الإسلامي العربي البلاغي والنقدي.

3-التدقيق اللغوي والصرفي للمصطلح المترجم.

4-الاجتهاد في وضع ونحت المصطلحات، وإبداعها.

5-شيوع المصطلح.

 وكانت طريقته في صناعة المصطلح العربي، وانتقاء الترجمة المناسبة للمصطلح الغربي بالرجوع إلى ينابيع اللغة العربية ومصادرها والاستعانة بعلومها (نحو، صرف، بلاغة...)، واحترام خصوصيتها البنيوية والمورفولوجية والدلالية، والالتزام بقوانين الوضع الاصطلاحي عبر المعايير الآتية1: (وغليسي، 2008م، ص78) .                                                                                                                              

1-المعيار المعجمي: أي علاقة الدال الاصطلاحي بجذره اللغوي المعجمي.

2-المعيار الدلالي: أي دقة المفهوم ووضوح الدلالة.

3-المعيار المورفولوجي: هو الامتثال للنظام النحوي والصرفي للغة.

4- المعيار المفهلغوي(المفهوم-لغوي): أي امتثال المصطلح لخوصيات اللغة العربية.

5-المعيار التداولي: هو مدى شيوع المصطلح بالقياس إلى مصطلحات أخرى.

ومن ناحية أخرى نلاحظ أن مرتاضا سعى إلى الإبداع في المصطلح، ومخالفة الآخر، فهو ينحت ويبتكر مصطلحات جديدة، أو يخالف الشائع منها بعد عرضها على سليقته اللغوية، وحسّه الجمالي، نذكر من ذلك  اعتراضه على مصطلح (التناص)، وتقدّيمه بديلا له هو مصطلح (التناصية)، حيث يقول:"ومن عجب أنّ السيمائيين العرب يعكسون هذا الاستعمال بالقياس إلى استعمال مفهوم سيمائي آخر،  فتراهم يقولون: (التناص) مثلا، مقابلا للاستعمال الغربي Intertextualité،في حين كان يجب، في الحقيقة، أن يقولوا: (التناصية)، وإذن فهم يصطنعون (التداولية) مكان (التداول)، ويصطنعون (التناص) في مكان (التناصية)"2. (مرتاض،2010م، ص398)، كما اعترض على كثير من المصطلحات، واقترح بدائل عنها نذكر منها:

جدول المصطلحات النقدية الشائعة والبدائل التي اقترحها مرتاض:

المصطلح النقدي الشائع

المصطلح النقدي البديل

التناص

التناصية

السيميائية

السيمائية من (السمة) أو (العلامة)،

التداولية

التداول3 (مرتاض،2010م، ص391)

البنيوية، 

البنوية

التفكيكية

التقويض

 

المصدر:ينظر كتاب "نظرية النص الأدبي" عبد الملك مرتاض

وإذا  أمعنا النظر في المصطلحات التي اقترحها مرتاض كبدائل فإنها تبدو لنا مخالفة لما هو شائع من حيث الصياغة، لكنها لا تحمل معنى أقوى، فكلمة التناص لها دلالة كافية لكلّ أشكال الأخذ من الآخر، فهي صيغة صرفية على وزن (تفاعل)، وهذه الصيغة تدلّ على الاشتراك وتزاحم النصوص،وبذلك فهي ليست في حاجة إلى إلحاق ياء النسبة (تناصية)، كما أنّ كلمة (التفكيك) أنسب من (التقويض)، لأنّ الأولى تعني (فصل أجزاء النص) ثم (إعادة البناء)، أمّا الثانية فهي تعنى (الهدم هدما شديدا) فقط، فقد جاء معناها في المعاجم العربية: "تقوَّضَ يتقوَّض، تقوُّضًا، فهو مُتقوِّض تقوَّضَ البناءُ: مُطاوع قوَّضَ: انهدم، تهاوى "تقوَّض نفوذُه- تقوَّضت دعائمُ المودّة/ أركان نظريّته". تقوَّضتِ الصُّفوفُ: مُطاوع قوَّضَ: تفرَّقت "تقوَّضت وحدةُ الصفِّ العربيِ"ّ4. (قاموس المعجم الوسيط، مادة "تقوّض")وفي التفكيكية -كمنهج نقدي عند جاك دريداJacques Derrida-يتولى القارئ الهدم ثم إعادة البناء لا الهدم مطلقا،فهي بالفرنسية "Déconstruction" تتكون من بادئة ومعناها النفي بالإضافة إلى المصدر constructionمعناه البناء...واستخدام دريدا للكلمة ينطوي على الهدم والبناء معا دون ادّعاء بهيمنة طرف على الآخر، فعملية التفكيك تنقض وتقيم جديدا، مهيّأ بدوره للنقض..."5. (دريدا، 2008م، ص20).

     وما يُلاحظ أنّ مرتاضا يقترح البدائل الاصطلاحية كالتناصية عوضا عن التناص، والتداول بدلا عن التداولية، ويعترض على صياغتها، غير أنّه يؤْثر استعمال الشائع منها في كتبه «التناص، التداولية، الانزياح...".  وكأنّه يسلّم بمقولة " الخطأ المشهور أفضل من الصحيح المهجور".

ثانيا: عبد الملك مرتاض بين جاذبية المصطلح البلاغي العربي وتأثير المصطلح النقدي الغربي

وقد تأرجح المصطلح البلاغي عند عبد الملك مرتاض في ممارساته النقدية بين الانتصار لـلمصطلح التراثي، والنزوع نحو المصطلح الحداثي تارة، وبين مساعي التجديد والإبداع تارة أخرى.       

ونال المصطلح البلاغي العربي القديم عناية كبيرة من قِبل مرتاض، فقد تَعَامَل معه تَعَامُل منصف من غير تقديس، وولاء من غير تعصب، فهو يجمع على أنّ كلّ المصطلحات النقدية الغربية الوافدة تضمنتها البلاغة العربية تحت أسماء مختلفة كالانزياح تحت اسم العدول، والتداولية تحت اسم معنى المعنى، والأسلوبية تحت اسم البديع. والواقع أنّ البدائل التي اقترحها لا تستوفي حقّا المعنى المراد بالمصطلح النقدي الحديث، فمعنى المعنى عند عبد القاهر الجرجاني غير التداولية، والانزياح غير العدول، والأسلوبية غير البديع عند أبي هلال العسكري - وهذا ما سيكون موضع نقاش لاحقا-

تناول مرتاض إشكالية المصطلح بوجاهة علمية، وزاد غير قليل من المادة التراثية، والمعرفة الحداثية، إذ يلجُ إلى المصطلح النقدي من منفذ غربي، ويخرج من باب عربي أصيل بإيجاد ما يماثله في البلاغة العربية القديمة، وكان كالرقيب اللغوي يقوم بمعاينة المصطلح في ترجمته إلى العربية، والتحقق من سلامة الترجمة، ثم ما يلبث حتى يبحث عن جذور المصطلح في التراث النقدي والبلاغي العربي حتى يجد مرادفا له أو يثبت وجوده في البلاغة العربية، فهو- كما قال عنه العربي عميش- "قد اتّسق له الإلمام بالمكونات المرجعية للنزوع البلاغي العربي...وكان يؤول في جميع اجتهاداته النقدية الأدبية إلى التفاعل مع الأصول الفنية الجمالية لا يمنعه من ذلك تفاوت مشاربها وتنوع بيئاتها واختلاف هوياتها الاجتماعية، يستجليها من مكامنها التراثية العربية بلا احتشام أمام معرض أفكار الأمم الأخرى قديمها وحديثها، ثمّ يعمد إلى تشريحها وتشخيصها حتى تتبين جرثومتها...فقد اتّفق لديه أن يرى كلّ طارئ في نظرية البلاغة الغربية متضمّن بالبديهة في التراث البلاغي العربي..."7. (عميش، 2014م، ص ص 14-17).

وقد سلك مرتاض طريقة متميّزة  في تأصيل المصطلح البلاغي تقوم على التمحيص، والتأمل، والنظر في المصطلحات النقدية الغربية الوافدة، ولا سيما ما يُشاع في حقل الأسلوبية، والسيميائية، والتداولية، ثمّ البحث عن موقعها وجذورها في البلاغة العربية، حيث خصّص لها فصلا في كتابه (نظرية البلاغة) تحت عنوان (الميراث البلاغي في المفاهيم السيمائية)، وهي دراسة قيّمة في تأصيل المصطلح البلاغي العربي، يقول مرتاض في مطلعها: "كثيرا ما تتغير المفاهيم من عصر إلى عصر، ومن عهد إلى عهد؛ فيتغير المصطلح ويظلّ المفهوم هو، هو، بحيث لا يتغيّر، أو لا يتغيّر إلاّ قليلا..."8 (مرتاض،  2010م، ص141)، وساق إلينا أمثلة كقوله: "...إنّ مسألة اللفظ والمعنى التي استهلكت كثيرا من الجهد الفكري في النقد البلاغي العربي القديم لم تكن هي أيضا، في الحقيقة، إلاّ بحثا فيما أطلق عليه دوصوسير في تنظيراته اللسانياتية في مطلع القرن العشرين (الدال والمدلول)..."9. (مرتاض، 2010م، ص ص 141-142)، ثم استنتج قائلا: "ولقد انتهينا نحن، بعد أمة- وركحا على ما أسلفنا- إلى أنّ بعض المفاهيم السيمائية المعاصرة هي، فعلا، كانت في أصلها بلاغية خالصة البلاغية..."10.  (مرتاض، 2010م، ص 144).

ورغمإنصاف مرتاض للمصطلح البلاغي العربي القديم فقد وقع أسيرا للتبعية للمصطلح النقدي الغربي، ولاسيما في دراساته التطبيقية، فهو يدعو ويزعم في كلّ مقام في تحليل الخطاب، تجاوز القديم باسم الحداثة، وهذا يعني وجود تعارض بين ما يقول، وبين ما يأخذ به أو ينتصر له، ولعل خير دليل على ذلك انتصاره للمصطلح الغربي (الانزياح) بحجة الشيوع والذيوع، حيث يقول: "غير أنّ مصطلح الانزياح ربما يظل هو الأسير بين الناس، وهو الأسلم لغويا ومعرفيا، فلا مدعاة لأن نضيف إليه ضرائر أو غريمات"11.        (مرتاض، 2010م، ص146)، حيث تطرّق في قصيدة (أشجان يمانية) إلى أشكال الانحرافات، وحاول تجاوز حقل البلاغة (المجاز) بهذا المصطلح الجديد (الانزياح)، لرغبته في تحليل القصيدة بطريقة حداثية، وفي هذا يقول: " (فلتقرأ أقدام النهر تذاكرها). يركض هذا النسج، في هذه الوحدة الشعرية، ركضا انحرافيا في التعامل مع اللغة التي لا نميل إلى مجازيتها بقدر ما نميل إلى انحرافيتها؛ لأنّ المجاز يجب أن ينصرف إلى بعض ما ينصرف إليه التشبيه والاستعارة والكناية...ونحن نبغي أن نتوسع في التعامل الكلامي فنذهب إلى أبعد الحدود الممكنة ليتبوّأ الانزياح، حقا، مكانته اللسانياتية والسيميائية في التعامل الخطابي المعاصر"12. (مرتاض،1994م، ص ص 144-145)ومن هنا، فقد تجاوز مرتاض المصطلح البلاغي العربي القديم (الألوان البيانية: التشبيه والاستعارة والكناية )، وذهب مذهبا آخر وهو إيثاره لمصطلح (الصورة الشعرية) بالمفهوم البارتي بإدراج الصورة الواقعية، ويؤكد  هذا في تعليقه  على نص سردي قصير للحجاج بن يوسف، إذ يقول:  "فالتصوير الأدبي هنا لا يقوم، كما رأينا، على استعارة أو تشبيه، أو على كناية أو مجاز،؛ فكلّ الألفاظ استُعمل في معناه الحقيقي، فلا مجاز، غير أنّ التصوير قد يكون أجمل من التصوير الذي ينهض على الأدوات البلاغية التقليدية..."13. (مرتاض، 2010م، ص215).لم يُوفّق مرتاض في هذا الموقف الذي يحتقر فيه البلاغة التقليدية وأدواتها الإجرائية، ويتّهمها بالقصور عن التصوير، فقد كان البلاغيون العرب القدامى في مستوى كبير من الوعي كـعبد القاهر الجرجاني وحازم القرطاجني، حيث تناولوا الألوان البيانية في باب التخييل، ووضعوا لها أسماء لوجود فوارق بينها في الأداء الدلالي والجمالي، وميّزوا بين الحسن منها والقبيح والمستكره، ولم يضعوها في سلّة واحدة تُسمّى اليوم بالصورة الشعرية.           

 إلى جانب الصورة الشعرية انتصر مرتاض إلى مصطلح (التشاكل) بالمفهوم الغريماسي،والتناص أو التناصية بالمصطلح الكريستفاني ...وهلم جرا.  وكان أيضا يصطنع مصطلحات جديدة مثل (التمدلل) أي (المعنى الآخر)14،(مرتاض، 2010م، ص356)و(النتاجية) عوضا عن (الانتاجية)15.   (مرتاض، 2010م، ص366).

ثالثا: صور ونماذج من دفاع مرتاض عن المصطلح البلاغي العربي

سلّط مرتاض الضوء على مصطلحات أساسية شائعة في النقد الغربي، ثمّ بيّن ما يماثلها في البلاغة العربية القديمة، ومن أشهر المصطلحات التي شاعت في دراساته: 

أولا: مصطلح" الانزياح«Ecart»"انطلاقا من" العدول"

يعدّجان كوهيـــــن JeanCohenأوّل من خصّ مصطلحالانزياح«L’écart» بحديثٍمستفيض في حقلالبنيويــــةالشعرية. وقد نالاهتماما كبيرا من طرف عبد الملك مرتاض، فخصّص له مبحثا في كتابه (نظرية البلاغة) بعنوان: (مفهوم الانزياح انطلاقا من العدول)؛ والغرض من ذلك هو إثبات وجود ظاهرة (الانزياح) في البلاغة العربية تحت اسم (العدول) بقوله: "كما أنّ ما كان يُطلق عليه العدول في البلاغة العربية ليس إلاّ الانزياح في مصطلحات السيمائية..."16

(مرتاض، 2010م، ص144).

إذاً الانزياح مصطلح بلاغي، تداوله البلاغيون العرب قديما باسم (العدول)، وقد تناوله مرتاض بالمعالجة، حيث عرض المصطلحات العربية المترجمة التي اُستعملت للدلالة عليه، وهي "الانحراف، الانتهاك، الفجوة، الابتعاد، التجانف"17.(مرتاض، 2010م، ص ص 145-146).واعترض مرتاض على مصطلحي (الفجوة)، و(الابتعاد) بقوله: "فلتُترك الفجوة في معناها الذي وُضعت له أصلا، لأنّها لا تليق بهذا المفهوم الأسلوبي، في رأينا. كما أنّ اقتراح مصطلح (الابتعاد) مقابلا للمفهوم الغربي، على اقتراب معادلته لمعنى (الانزياح)، لا يرقى، أدبيا وجماليا جميعا، وإن شئت معرفيا أيضا، إلى مستوى الاستعمال الذي أمسى متداولا بين النقاد والسيمائيين في موقعه الصحيح، من الوجهتين اللغوية والمعرفية معا"18.(مرتاض، 2010م، ص ص 145-146).

     وواضح أنّ منهج مرتاض في تأصيل المصطلح لا يقتصر على الجانب الدلالي، بل اتخذ –أيضا- من المعيار الجمالي أساسا لانتقاء المصطلح المناسب، وهذا من خلال استهجانه لمصطلحي (الفجوة، والابتعاد)، وإن كان تعليله لا يشفي الغليل؛ لأنّ الانزياح في دلالته اللغوية من الابتعاد –كما جاء في المعجم الوسيط –  فهو كلمة مشتقة من الفعل (انزاح): "(انزياحه عن الطريق: ابتعاده عنه –الانزياح عن المعنى الحقيقي للكلمة: الابتعاد)"19.  (قاموس المعجم الوسيط، مادة "ن ز ح").

بيد أنّ منهج مرتاض النقدي تميّز أحيانا بروح التجاوز، إذ كانت غايته هي إثبات وجود المصطلح الغربي (الانزياح) في البلاغة العربية تحت اسم (العدول) في المبحث الذي عقده بعنوان (مفهوم الانزياح انطلاقا من العدول). لكن انتصاره في الأخير كان إلى المصطلح الأجنبي«Ecart» (الانزياح) بحجة شيوع هذا الأخير،وهو بذلك يساير رأي الباحث أحمد محمد ويس في دراسته (الانزياح وتعدد المصطلح)"، حيث ذهب إلى أنّ الانزياح هو "أحسن ترجمة للمصطلح الفرنسي«Ecart»"20. (أحمد محمد ويس،1997م، ص65)

والواقع أنّ مصطلح الانزياح لايحمل القوة الدلالية على الابتعاد والانحراف، بل يدلّ على "الذهاب والتباعد والزوال زوالا لا يبقى معه وجود"21. (بومنجل، 2015م، ص 63). وهذا على خلاف مصطلح (العدول) الذي يعطي مساحة غير قليلة من المادة المشكلة لجمالية الإجراءات الشعرية، الأمر الذي تمّ بوعي عميق بإنشائية الأساليب العربية، وقدرتها على العطاءالجمالي، ولم يأت كردّ فعل قائم على التعسف في طرح البدائل التراثية"22. (مراح "مذكرة ماجستير -2005/2006"، ص 12)وقد ذهب أحمد محمد ويس إلى أنّ العدول قد يرد في سياقات غير بلاغية23 (أحمد محمد ويس، 1997م، ص 64)؛ فأيّ مانع في ذلك؟ إنّ شأنه شـــأن أي مصطلح آخر قد تتعدد دلالاته حسب استعمالاته، وقد ورد بذات المتطلبات الفنية في كتاب الخصائص لابن جني في قوله: "وإنّما يقع المجاز ويعدل عليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة وهي الاتساع والتوكيد والتشبه فإنّ عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة"24. (ابن جني (ج2)، 1957م، ص442).

ثانيا: مصطلح"التناص" «intertextualité»انطلاقامن" السرقات الشعرية:التناص“Intertextualité » مصطلح غربي، ظهر لأول مرّة على يد الناقدة الفرنسية جوليا كريستيفــا“ Julia kristeva »التي نشــــرت أبحاثالها في مجلتي« Tel quel»« Critique»الفرنسيتيـن بين عامي (1966-1967م) ، وهي ترى أنّ النص- عبارة عن (لوحة فسيفسائية من الاقتباسات)"25.     (بكار،2010م، ص48)               

تناول مرتاض في الفصل الخامس من كتابه (نظرية النص الأدبي) مصطلح التناص الذي انحدرت أصوله عن البلاغة العربية تحت أسماء كثيرة كـ (السرقات الشعرية)26، أو (الاختلاس)27، أو (الأخذ)28، أو (نقل المعنى إلى غيره)29، أو (المشترك)30، أو (نسيان المحفوط)31، أو (التضمين والاقتباس)32، في مراحل متأخرة. ومن الواضح أنّ تلك السرقات أو الاختلاسات أو الاقتباسات الدالة "ليست سوى تعالقات وتداخلات نصية عضوية من صميم مفهوم التناص الحديث...

ولهذا يرى أنّه من الخطأ أن "يعتقد بعض النقاد المعاصرين، حين ينصرف الوهم، مثلا، إلى نظرية التناص، المصنفة-على عهدنا الراهن- في معجم النظرية السيميائية؛ يعتقدون أنّ شيطان العلم هو الذي قيّض هذه النظرية تقييضا لطيفا للحداثة الفرنسية عام 1958م فاهتدت إليها السبيل، فهي وحدها صاحبة هذا الفتح المبين، وهي –دون سوائها- أمّ هذا التأسيس العظيم.."33.   (مرتاض، 2010م، ص189).                                                                            

وتصدّى مرتاض لمزاعم الحداثيين، وردّ عليهم ردّا قويا بقوله: "وإنّا لنخالف عن هذا الرأي- نؤكد ذلك توكيدا- ولا نقبل به شيئا. ذلك بأنّ قدماء النقاد العرب كانوا خاضوا في هذه المسألة، من حيث ما نرى نحن على الأقل، خوضا كثيرا، فعالجوها من جميع مناحيها بتأسيس أسسها، وتأصيل أصولها. وكلّ ما في الأمر أنهم لم يطلقوا عليها مصطلح (التناص)، وإن ظلوا يعالجونها تحت مفهوم (السرقات)، وهم لا يدرون أنّ السرقات، أو أخذ الأديب من غيره: أفكارا أو ألفاظا، عن قصد أو دون قصد: هي نفسها (التناص) بالاصطلاح الحداثي لهذا المفهوم"34. (مرتاض، 2010م، ص190).

كما تحدّى أساطين النقد الغربي من واضعي مصطلح التناص ونظريته كرولان بارت وجوليا كريستيفا وميخائيل باختين، معترضا على كثير من آرائهم بما أوتي من شجاعة ووجاهة الرأي. فهو يرى بأنّ التناص ليس نظرية نزلت من السماء، ويتساءل ماذا عن التناص غير القصدي (عفوي تلقائي) الذي يوظفه الكاتب وهو لا يدري به؟ فيقول: "غير أننا لا نسلم بما يزعم رولان بارت من أنّ النص الماثل ليس إلاّ عكسا لنصوص أُخَر (مجهولة)، فإنّا لا ندري كيف يمكن إنكار التناص (المنتمي) الذي يمثُل في قريحة الكاتب وهو يهمّ بإفراغ نصه على القرطاس، أو على شاشة الحاسوب؟ إنّ الذي يكتب الإبداع لايزال يتمثّل بعض التعابير، أو بعض الألفاظ التي كان حفظها أو قرأها فوعاها، ولم يستطع نسيانها مثل ألفاظ القرآن الكريم بالقياس إلى الكتّاب العرب الذين يحغظونه بحذافيره..."35..(مرتاض، 2010م، ص 265). ويخلص مرتاض إلى القول:" من العسير أن نتقبل النظرية الكريستيفية التي اجترها الكتاب الغربيون بعدها من أسطورة (الاستبدال) التي تزعم فيها كريستيفا أنّ النص المكتوب ليس إلاّ اجترارا لنصوص أُخر غير معروفة، أو نصوص مجهولة كما يعبّر بارت...فمثل هذا المذهب يجعل الكاتب عبدا لنصوص لا يعرفها، وكأنّه لم يتأثّر بها...وكأنّه معتـــــوه لا قريحة له على الإطـــــلاق"36. (مرتاض، 2010م، ص 265).

 وكان مرتاض ذا جرأة في مواجهة هذه النظرية الغربية التي تجعل النصوص الأدبية هي مجرد إعادة لنصوص سابقة بمعنى أنّها تُقصي الإبداع، ويصبح الأديب في نظر –كرستيفا –كأنّه ببغاء يُكرّر كلام سابقيه.  وهذا غير صحيح –في نظر مرتاض-. فالأدب فن جميل وإبداع قبل كلّ شيء.

ومن هنا لا ندري كيف شاع هذا المصطلح- أي التناص-؟ وكيف اكتسب شرعيته وهو لا يحمل القوة الدلالية التي تعبّر عن كلّ أنواع الأخذ؟

) "انطلاقا من"المشاكلة": Isotopieثالثا: مصطلح" التشاكل(

"ويقابل مصطلح التشاكل المصطلح الأجنبي «Isotopie»وهو مصطلح إغريقي يتكون من «Isos»وتعني يساوي «égale»، و«Topos»وتعني المكان أو الموضع. «lieu،endroit»فالمصطلح أريد به تساوي المكان، إلىأن اقتبس جوليان ألجيرادس غريماس «AlgirdasJulien Greimas- عام 1966- هذا المصطلح الكيميائي وحمّله دلالة سيميائية جديدة، يقوم على التواتر والتكرارية «Iterativité» حيث عرّف غريماس التشاكل باعتباره مصطلحا سيميائيا بأنّه: «مجموعة متراكمة من المقولات المعنوية بعد حلّ إبهامها، هذا الحلّ نفسه موجه بالبحث عن القراءة المنسجمة".37 (نسرين بن الشيخ، 2015م، aswat-elchamal.com).

ونال مصطلح (التشاكل) اهتماما كبيرا من قِبل مرتاض، حيث جعله أحد عناصر التحليل المستوياتي للخطاب في دراساته التطبيقية، سمّاه بالمستوى التشاكلي.

والتشاكل مصطلح غربي اهتدى إليه غريماس في مجـــال الدرس السيميــائي بشهــادة مرتاض نفسه في كتابه (شعرية القصيدة)، حيث قال: "يعد التشاكل فرعية من الفرعيات السيمائية التي اهتدى إليها السبيل غريماس في تأملاته وتجاربه في نظرية النص الأدبي. وقد حلّل بها نموذجا قصيرا استشهد به من نص سردي فرنسي قصير، كتب سنة اثنين وستين وتسعمائة وألف، فاستخرج منه خمس تشاكلات"38. (مرتاض، 1994م، ص33).

ورغم تأثر مرتاض بالمفهوم الغربي السابق للتشاكل، فإنّه ما انفكّ يبحث عن ندّ له في البلاغة العربية، فيظهر هاجسه في العودة بالمصطلح الغربي إلى التراث العربي قصد إيجاد ما يناسبه أو يوافقه من اجتهادات العرب الأوائل. كمصطلح "التشاكل" الذي عبّروا عنه بمفاهيم بلاغية تقترب من معناه مثل: المقابلة، اللف والنشر، مراعاة النظير، وفي هذا الصدد يقول مرتاض: "كنا اصطنعنا في كتابات سابقة لنا مصطلح التشاكل، وإن كنا نبهنا على وجود ما في بعض هذا المصطلح من معنى في البلاغة العربية، وإنّا كذلك إذ وقع لنا نص عجيب للشيخ عمر بن مسعود بن ساعد المنذري يذكر فيه (من كتاب مخطوط عنوانه "كشف الأسرار المخفية في علم الأجرام السموية والرقوم الحرفية") ألفيناه يصطنع (المشاكلة) و(المقابلة) فازداد اقتناعنا بعظمة التراث العربي الإسلامي. وممن كان يكثر من استعمال هذا المصطلح ويستعمله في قريب من معنى المصطلح السيميائي الغربي أبو عثمان الجاحظ، وربما كان يطلق عليه لفظ المشاكلة"40. (مرتاض، 2001م، ص157).

ثالثا: مصطلح " الصورة الشعرية" انطلاقا من"الصورة البلاغية":« l'image poétique »

لقي المصطلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــح الغربي (الصورة الشعرية)poétique» «l’imageأصداءفي النقد العربي المعاصر، وساد الاعتقـــاد أنّ مصطلح (الألوان البيانية أو البلاغية كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز) لم يعد لها مبرّر للوجود؛ لأنّها لا تحمل القوة الدلالية التي تعبّر عنها الصورة الشعرية بالمفهوم الحداثي.

وقد أخذ المصطلح الغربي (الصورة الشعرية) حيّزا من الفكر النقدي لـ عبد الملك مرتاض، حيث تناول في فصله الرابع الموسوم بـ (الصورة البلاغية أم الشعرية؟) مصطلح الصورة البلاغية أو ما اُصطلح عليه حديثا بـ(الصورة الشعرية) في كتابه (نظرية البلاغة)،

ويبدو من العنوان أنّ غاية مرتاض هي إبراز المفارقة بين الصورتين: الفنية التقليدية، التي تنظر إلى الصورة الأدبية على أنّها محصورة في الشعر لقيامه على لغة المجاز، وتتوقف في حدود التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز، والصورة الشعرية الحديثة، وفي هذا يقول مرتاض: "وعلى أنّ الصورة الأدبية ليست تشبيها أو استعارة أو كناية أو مجازا على وجه الضرورة، بل كثيرا ما تمثل هذه الصورة في انزياحات اللغة الشعرية المعاصرة الخالية من ذلك، من حيث لم تكن الصورة في الكتابات الأدبية القديمة تكاد تستغني عن أدوات البلاغة تتخذها في نسجها"42.(مرتاض، 2010م، ص ص 183-184).

لقد أُصيبت الصورة البلاغية -في نظر مرتاض- عند القدماء بالجمود، والأخيلة بالفساد؛ لأنّنا «ألفينا عبد الله بن المعتز مثلا هو أوّل من استشهد بالصورة البديعة في قوله تعالى: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾43 (سورة مريم ،4)،فإذا هذه الآية يذكرها عامة البلاغيين العرب على مرّ القرون ابتداء من الرماني إلى عبد القاهر الجرجاني الذي كلف كلفا شديدا بالاستشهاد بهذه الآية في كتاباته البلاغية. ولقد أفضى مثل هذا (الكسل) العلمي إلى تبليد الأذهان، وتحنيط الصور البلاغية فاغتدت كالرتيبة، بحيث اغتدى الآخر يعوّل على الأول، واللاحق على السابق، فتعدّدت الكتب، وتوحّدت النماذج النصية..."44. (مرتاض، 2010م، ص ص 193-194).

ومن هنا يبدو مرتاض رافضا للقوالب الجاهزة التي أوقعت البلاغيين العرب القدامى في شباك التكرار بل أحيانا في السرقات الشعرية- وهو مصيب في هذا الرأي- حيث سيطر التقليد، وجفت روح الإبداع في التصوير، فالممدوح يُشبّه بالشمس، أو البدر، والسخيّ بالبحر، ودواليك...وروى مرتاض قصة طريفة لكن لها مغزى، وهي مخالفة المألوف في التصوير البلاغي في الآداب الأخرى، وهي "أنّه شاهد شريطا مصورا أجنبيا يحكي قصة تجري في بعض بلدان افريقيا السوداء، وما استرعاه فيها رجل يتحدث في الشريط المعروض عن شخصية امرأة جميلة فشبهها بالليل"45 (مرتاض، 2010م، ص209). فكيف تتصوّر موقف القارئ العربي؟ إنّه «لو شبه شاعر عربي المرأة الجميلة بالليل، مثلا، لكانوا نعوا عليه سلوكه، ولقضوا بأنّه سيء الذوق، بل ربما عدّوه محروما، أو مريض الإدراك"46 (مرتاض، 2010م، ص209)، لخروجه عن المألوف.

جمع مرتاض بين ثقافته التراثية، ومعارفه الحداثية، في تعامله مع الصورة الفنية، ويظهر تأثره بجابر عصفور في كتابه (الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب)، وهو أوّل كتاب –فيما نعلم- تناول الصورة الفنية بمفهومها القديم والحديث، كما تأثّر بآراء الغرب، وبخاصة الناقد الفرنسي رولان بـــارت«Roland Barthes»الذيوظف مصطلح الصورة في كتابه (قراءة جديدة للبلاغة القديمة) في بحثه (بلاغة الصورة) «Rhétorique de l’image»في حقل السيميائيات.  

سعى مرتاض- في تعاطيه للصور البلاغية- إلى قراءة  جديدة للصور البيانية ، و إلى إعطاء مفهوم أوسع لها ، وتأصيل المصطلح الغربي "الصورة الشعرية"، والشاهد على ذلك  تحليله  لبيت شعري قديم للشاعر امرئ القيس  في وصف فرسه، يقول مرتاض:"وكان يمكن أن يجتزئ الشاعر بهذه الصورة الحركية العجيبة التي لا صلة لها بالانزياح اللغوي، ولا بالاستعارة ولا بالمجاز ولا بالتشبيه، بل قامت على واقعية اللغة التي استطاعت تصوير واقعية الفعل في حيز وحشي كأنه غطاء الطبيعة؛ فإذا واقعية الفعل هذه تفرز هذه الصورة المتحركة التي تمثل عنفوان فرس كريم، وتجسد نشاط حصان أصيل، غير أنّ الشاعر أراد أن يركّب هذه الصورة بأن يأتي بما يماثلها في الخارج الذي يقابلها، فجاء بتشبيه لو لم يجيء به لما كان مفتقرا إليه، ولكنه جاء به على أنّه ضرب من البذخ الأسلوبي للمبالغة في التصوير، وللإيغال في التبليغ، ولإمتاع المتلقي بأجمل القول في وصف هذا الفرس العجيب"47.   (مرتاض، 2010م، ص195).                                                                                               

ومن الواضح أنّ مرتاضا في تحليله للصورة البيانية في البيت الشعري أراد أن يدافع عن مصطلح "الصورة الشعرية" حيث أدرج الصورة الواقعية في دائرة التصوير. ويُعاب عليه اعتبار التشبيه ضرب من البذخ الأسلوبي، -والبذخ في لغة العرب صفة ذم لا مدح، فنقول البذج في الأكل أي الإفراط فيه، البذخ في الصورة أي المبالغة فيها.

   ويعدّ التشبيه عند البلاغيين العرب القدامى أكثر قدرة على التصوير الفني سواء أكانت الصورة مجردة أم خيالية. ومن ثَمَّ، فإنّ الصور البلاغية المعروفة في علم البيان-ليست حلية يتزيّن بها النص الأدبي، بل قبل أن تكون وسيلة تزيين، فهي طريقة توصيل وتبليغ الدلالة.

وقد أخذ كثير من الباحثين بهذا المصطلح أي الصورة الشعرية، نذكر منهم جميل حمداوي في دراسة قيّمة بعنوان: (بلاغة السرد أو الصورة البلاغيـــة الموسعة)، حيث قال محددا مفهوم الصورة: "هي التي تنقل لنا العالم إما بطريقة حرفية مباشرة وإما بطريقة فنية جمالية. أي: إنّ الصورة تلتقط ما له صلة بالواقع أو الممكن أو المستحيل. والآتي، أنّ الصورة قد تكون لغوية بيانية كما هو حال الصور البلاغية من تشبيه، واستعارة، ومجاز، وكناية، ... وقد تكون صورة حسية بصرية أيقونية، أو عبارة عن أنساق سيميائية غير لفظية، تتجسد بشكل جلي في الجسد، والسينما، والمسرح والفوتوغرافيا، والحاسوب... وغير ذلك من الأنساق الحسية المتعلقة بالموضة، والطعام، والعمران، والأزياء، والإشهار"48 (جميل حمداوي، 2013م www.alukah.net).

رابعا/ مصطلح" البراغماتية أو التداوليةانطلاقا من" معنى المعنى": «Le pragmatisme»

تسعى التداولية لأن تتجاوز حدود الخطاب لتصير نظرية عامة للفعل والنشاط الإنساني، ويكون شغلها الشاغل هو دراسة اللغة من حيث الاستعمال.

وتذهب الدراسـات إلى أن"شارل ساندرس بيـــرس «CharlesSanders Peirce»(1839-1914) هو أول من ابتكر كلمة «Pragmatique»في مقالتـه الشهيرة"كيف نجعل أفكارنا واضحة؟"،ومما جاء فيها: "لكي نبلغ الوضوح التام في أفكارنا من موضوع ما، فإننا لا نحتاج إلاّإلى اعتبار ما قد ترتّب من آثار يمكن تصورها، ذات طابع عملي، قد يتضمنها الشيء أو الموضوع... "49. (وليام جيمس، 2008م، ص65).

ويرى مرتاض أنّ التداولية قد وردت في التراث البلاغي العربي تحت اسم المصطلح البلاغي (معنى المعنى) الذي أسّسّه عبد القاهر الجرجاني، والذي أخذ مصطلح (التداولية) أو (البراغماتية) في النقد المعاصر، حيث خصّص له مرتاض مبحثا في كتابه (نظرية البلاغة) عنوانه: (مفهوم التداولية انطلاقا من معنى المعنى)، إذ عرّج إلى الحديث عن التداولية الغربية، ومناقشة آراء منظريها. علما أنّ عبد القاهر الجرجاني عقد له فصلا في دلائل الإعجاز بعنوان: (فصل في المعنى، ومعنى المعنى) *50. (الجرجاني،2008م، ص ص 268-286).ممّا جاء فيه قوله: "ومن الصفات التي تجدهم يجرونها على اللفظ ثم لا تعترضك شبهة ولا يكون منك توقف في أنّها ليست له ولكن لمعناه قولهم: لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه، ولا يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك. وقولهم يدخل في الأذن بلا إذن، فهذا ممّا لا يشكّ العاقل في أنّه يرجع إلى دلالة المعنى على المعنى"51. .(الجرجاني،2008م، ص 270).

لكن في الحقيفة هناك فرق بين ما أراد به عبد القاهر الجرجاني 'معنى المعنى"، وبين ما ذهبت إليه النظرية البرغماتية الغربية؛ فالجرجاني انتبه إلى"معنى المعنى" بناء على أنّ الكلام فيه "المعنى الحقيقي" و"المعنى المجازي"، بينما التداولية هي حصيلة الفكر المادي النفعي الغربي الذي يدرس اللغة من حيث الاستعمال.

خامسا: مصطلح" الأسلوبية"«Stylistique»انطلاقا من "البديع"

الأسلوبية«Stylistique»أو علم الأسلوب هو مصطلح غربي وضع قواعده النهائية شـــارل بالي«CharleBally»سنة 1902م، وصارتهي الوريث الشرعي للبلاغة القديمة.

تطرّق مرتاض في مبحث ثالث من كتابه (نظرية البلاغة) إلى مصطلح بلاغي آخر وهو (البديع) الذي يمثل -إضافة إلى المعاني والبيان- أحد العناصر التي بُنيت عليها الأسلوبية الحديثة. وكانت معالجته لهذه القضية تحت عنوان: (مفهوم الأسلوبية انطلاقا من البديع).

يُعزى تأسيس علم البديع إلى عبد الله بن المعتز من خلال كتابه (البديع) ذكر فيه ثمانية عشر ضربا من ضروب البديع، وأضاف آخرون من بعده كقدامة بن جعفر في (نقد الشعر) وأبي هلال العسكري في (الصناعتين)، وابن رشيق القيرواني في (العمدة). وهؤلاء جميعا يتفقون على "أنّ الغاية من اصطناع مفهوم البديع هي معرفة الكيفية التي تُفضي إلى تنميق الأسلوب، وتحلية الكلام بما يُحسّنه ويجمّله: فإنّ ذلك لا يعني، لدى نهاية الأمر، إلاّ بحثا في كيفية بناء الأسلوب الذي يُخَاطَبُ به المتلقي، أو ما يمكن أن يطلق عليه (طريقة الأسلبة). وبعبارة أدق معرفة العناصر التي تكون نظرية الأسلـوب، وهي النظــرية التي أمست تُعرف باسم (الأسلوبيـــة) stylistique»«Laفي اللسانيات""52. (مرتاض، 2010م، ص ص 175-176).

والواقع أنّ هناك فرقا بين الأسلوبية والبديع- وإن كانت الأسلوبية تعتني بالشكل، والزخرفة البديعية- وخاصة ألأسلوبية البنيوية، لكنّ «الأسلوبية أسلوبيات"- كما قيل- لتعدد اتجاهاتها، فمنها ما يهتم بالصوت (الأسلوبية الصوتية)، ومنها ما يهتم بالأثر الذي يحدثه النص في المتلقي (الأسلوبية التعبيرية)، أو بالنفس (الأسلوبية النفسية) ... ومن هنا لا يمكن الإقرار بأنّ الأسلوبية مرادفة للبديع.  فالبديع لايمثّل إلاّ واحدا من أبواب ثلاثة تعنى بالأسلوبية، وهي التركيب (المعاني)، والتصوير (البيان).

 

 

6-مصطلح "النسج" أجـــدر من" النص"

وقف مرتاض من مصطلح "النص" حائرا، وراح يبحث عن معادل له في التراث العربي، فاهتدى إلى مصطلح "النسج" للدلالة على تناسق الكلام وانسجامه، متأثرا بقول الجاحظ في تصوره للفن الشعري: "فإنّما الشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير"53(الجاحظ، ج3، 1965م، ص131) . وبناء عليه أقرّ بأنّ هذا المصطلح –أي النسج- هو "الأولى بالاستعمال، والأدنى بالاشتقاق، والأنسب بالوضع"54(مرتاض، 2010م، ص51). وذلك لأنّ مصطلح "النص" لا تتفق دلالته الاصطلاحية مع دلالته اللغوية، فهو من المادة اللغوية "نصصَ"، بمعنى الإظهار، الرفع، والإسناد...

والغريب أنّ مرتاضا يقترح مصطلح "النسج" بديلا، لكنه يؤثر استعمال مصطلح "النص" في كلّ أعماله: "النص الأدبي من أين إلى أين؟، في نظرية النص الأدبي..." وغيرهما، وإن كان له جانب من الصواب، لأن المجامع اللغوية تشترط في بناء المصطلح التناسب بين المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي. ولكنها لا تمنع من استعمال المصطلح الأقل وفاء بهذا الشرط إذا استوفى شرط الشهرة والتداول.

7-مصطلح "الرونق"معادلا "الأدبية Lalittéralité"

مصطلح "الأدبية"   La littéralité"، مصطلح نقدي أخذ موقعه في الساحة النقدية الغربية في العصر الحديث عند الشكلانيين الروس على يد رومان جاكبسون Roman Jakobsonللدلالة على ما يميّز الكلام الفني عن الكلام العادي أو سائر أنواع الكلام، انطلاقا من قوله المشهور: "إنّ موضوع الدراسة الأدبية ليس الأدب جملة ولكن أدبيته، يعني ما يجعل من الأثر أثرا أدبيا "55. (عبد الفتاح المصري، 1981م).

   يرى مرتاض أنّ هذا المفهوم –أي الأدبية- أو "الفكرة قد طُرقت في النقد العربي ومورست"56(مرتاض، 2010م، ص60). بمعنى أنّ الأدبية فكرة عبّر عنها النقد العربي القديم، ومارسها، والمصطلح الذي يراه مرتاض مناسبا هو مصطلح "الرونق" الذي تداوله ابن سلام الجمحي، والمرزوقي تعبيرا عن تصوّرهم للأدبية، وقد عبّر مرتاض عن ذلك بقوله: "فهذا الرونق الذي ردده ابن سلام، والمرزوقي: ألا يكون القصد من الأدبية الياكبسونية الغامضة؟ ومع إقرارنا بأن أدبية ياكبسون ليست هي أدبية ابن سلام وابن طباطبا أو المرزوقي إلاّ أنّه كان لهؤلاء حتما أدبيتهم"57(مرتاض، 2010م، ص60).

وفي هذا القول اعتراف صريح بامتداد مصطلح "الأدبية" في مفهومها إلى التراث البلاغي العربي تحت تسمية "الرونق"، لكنها ليست بالمفهوم الذي قصده ابن سلام وابن طباطبا. وأرى أنّ هذا الموقف سليم، لأنّ مرتاض لا يريد تقويل المصطلح ما لم يقله، فموقع الاتفاق بين المصطلحين هو "الجمال والحسن والبهاء والإشراق في الأسلوب".

الخاتمة

إنّ قراءة مرتاض للتراث البلاغي العربي عامة والمصطلح خاصة حقل معرفي جدير بالبحث والدراسة، إذ رغم تأثّر مرتاض بالحداثة، وشغفه بمنجزاتها، فهو كثير الاحترام، وشديد الإيمان بالقيمة العلمية والفنية للتراث النقدي العربي، حيث كان يتناول المصطلح النقدي الغربي المترجم ، ويعرضه على ملكته اللغوية، وذوقه الفني، وحسه الجمالي، مراعيا الخصائص المورفولوجية، والصوتية للغة العربية، ثمّ يبحث عن نظير له في التراث البلاغي العربي، ويبيّن أسبقية هذا الأخير له، متحليا  بالروح العلمية في مناقشة المصطلحات سواء أكانت عربية أم غربية، مؤمنا بأنّ الفكر الإنساني قابل للتطور، والإضافة والتجديد من خلال تطور المصطلحات ومفاهيمها.                                    

وعلى الرغم من بعض الهنات التي وقع فيها مرتاض أحيانا كتجاوزه لبعض المصطلحات التراثية، وتبنيه للمصطلحات الغربية،أو مخالفة الشائع،إذ كان تلقيه للمصطلح الغربي يتسم بازدواجية الموقف والممارسة، ففي الوقت الذي دعا فيه إلى استثمار وإحياء المصطلح التراثي العربي كالنسج، والرونق، كان يعمل عكس ذلك من خلال إيمانه بتجاوز بعض المصطلحات التراثية كالسرقات الشعرية والعدول إلى استعمال مصطلحات حداثية كالتناص، والانزياح. ومع هذا كلّه فقد ساهم مرتاض في إثراء المنظومة الاصطلاحية النقدية والبلاغية الجزائرية والعربية بجهوده في هذاالمجال.

وختاما، فإنّ الظاهرة المرتاضية هي العلامة النقدية البارزة في الجزائر والوطن العربي التي تناولت التراث بنهم منقطع النظير، وشقت الطريق للولوج إلى التراث عبر معابر الحداثة بمنطق التفاعل والمثاقفة الواعية، وربط جسور التواصل مع الماضي، بحوار معمق وخصب بين منجزات تراثنا البلاغي، وبين ما توصل إليه الغرب من آليات وتصورات، ليثبت أن النظريات النقدية الغربية الحديثة والمعاصرة تضمنها بالبديهة موروثنا النقدي والبلاغي تحت أسماء مختلفة، ودلالات تكاد تكون هي نفسها

الهوامش

  1. يوسف وغليسي، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد"، منشورات الاختلاف، ط1، 2008م، ص78.
  2. عبد الملك مرتاض، نظرية النص الأدبي، الجزائر، دار هومة للطباعة والنشر، ط2، 2010م، ص398.
  3. المصدر نفسه، ص391.
  4. قاموس المعجم الوسيط، مادة "تقوّض".
  5. جاك دريدا، في علم الكتابة، تر. أنور مغيث ومنى طلبة، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2،2008م، ص20.
  6. المرجع نفسه، ص144.
  7. -العربي عميش، روح التجاوز في تفكير عبد الملك مرتاض البلاغي، مجلة اللغة والاتصال، جامعة وهران، العدد 16، جويلية 2014، ص-ص14-17.
  8. - عبد الملك مرتاض، نظرية البلاغة، متابعة لجماليات الأسلبة: إرسالا واستقبالا، ط2، دار القدس العربي، وهران الجزائر سنة 2010م، ص141.
  9. المصدر نفسه، ص-ص141-142.
  10. المصدر نفسه، ص144.[1]
  11. عبد الملك مرتاض، نظرية البلاغة، ص146.
  12. عبد الملك مرتاض، شعرية القصيدة قصيدة القراءة، ص-ص144-145.
  13. عبد الملك مرتاض، نظرية البلاغة، ص215.
  14. المصدر نفسه، ص356
  15. المصدر نفسه، ص366.
  16. لبمصدر نفسه، ص144.
  17. المصدر نفسه، ص-ص145-146.
  18. المصدر نفسه، ص-ص145-146.
  19. قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصر، مادة (ن، ز، ح).
  20. أحمد محمد ويس، الانزياح وتعدد المصطلح، عالم الفكر، مجلة دورية محكمة، الكويت، م25، ع3، يناير/مارس 1997م، ص65.
  21. عبد الملك بومنجل، المصطلحات المحورية في النقد العربي بين جاذبية المعنى، وإغراء الحداثة، ص63.
  22. -عبد الحفيظ مراح، ظاهرة العدول في البلاغة العربية، مقاربة أسلوبية، مذكرة ماجستير، إشراف حسين أبو النجا، جامعة الجزائر، 2005م/2006م، ص12.
  23. أحمد محمد ويس، الانزياح وتعدد المصطلح، ص64.
  24. أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، ج2، تح. محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، ط2، 1957م، ص442.
  25. -يوسف بكار، الاقتباس: سرقة أم تناص؟، البلاغة والدراسات البلاغية، ج1، أعمال المؤتمر الدولي الرابع للنقد الأدبي، العلم والإيمان للنشر والتوزيع، ط1، 2010م، ص48.
  26. -  اعتمد مصطلح السرقات الآمدي في الموازنة (باب سرقات أبي تمام والبحتري) وابن رشيق القيرواني في (السرقات وما شاكلها) في (العمدة)....
  27. -ابتدع المصطلح الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمذاني وصاحب (صفة جزيرة العرب) أثناء حديثه عن بلاغة بشر ابن أبي كبار البلوي اليمني في رسائله، حيث قال عنه: (كان من أبلغ الناس، وكانت بلاغته تتهادى في البلاد...وأنّه منفرد بحسن (اختلاس القرآن)".  
  28. استخدمه أبو هلال العسكري في الصناعتين.
  29. استخدمه أبو علي الحاتمي (ت388هـ)، وابن الأثير في (المثل السائر).
  30. استخدمه علي بن عبد العزيز الجرجاني في (الوساطة بين المتنبي وخصومه)
  31. استعمله ابن خلدون في المقدمة، وهو تقاطع نص سابق منسي ونص لاحق في الشعر.
  32. استعمله الخطيب القزويني في كتابه (الإيضاح في علوم البلاغة).
  33. عبد الملك مرتاض، نظرية النص الأدبي، ص189.
  34. عبد الملك مرتاض، نظرية النص الأدبي، ص190.
  35. عبد الملك مرتاض، نظرية النص الأدبي، ص265.
  36. عبد الملك مرتاض، نظرية النص الأدبي، ص265.
  37. نسرين بن الشيخ، مصطلح التشاكل بين المفهوم الغربي والعربي، مجلة أصوات الشمال، مقال نُشر في الموقع في 30جوان 2015م.
  38. عبد الملك مرتاض، شعرية القصيدة، قصيدة اقراءة، ص33.
  39. -نسرين بن الشيخ، مصطلح التشاكل عند عبد الملك مرتاض من خلال كتبه (شعرية القصيدة-قصيدة القراءة، نظام الخطاب القرآني، التحليل السيميائي للخطاب الشعري)، مجلة مقاليد، جامعة ورقلة، العدد الخامس، ديسمبر 2013م، ص213.
  40. عبد الملك مرتاض، نظام الخطاب القرآني، دار هومة، الجزائر، د.ط، 2001م، ص157.
  41. Gerard Gennette, FigureIII, éditions du seuil,1972, p24.
  42. المصدر نفسه، ص-ص183-184.
  43. سورة مريم، الآية4.
  44. عبد الملك مرتاض، نظرية البلاغة، ص-ص193-194.
  45. المصدر نفسه، ص209.
  46. المصدر نفسه، ص209.
  47. المصدر نفسه، ص195.
  48. جميل حمداوي، بلاغة السرد أو الصورة البلاغية الموسعة، شبكة الألوكة (موقع الكتروني)، نُشر يتاريخ: 24/12/2013م.
  49. وليام جيمس، البراجماتية، تر. محمد علي العريان، تقديم محمد زكي نجيب محمود، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2008م، ص65.
  50. *عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تح.محمد رضوان الداية، وفايز الداية، ص-ص268-286[1]
  51. المرجع نفسه، ص270.
  52. عبد الملك مرتاض، نظرية البلاغة، ص-ص175-176.
  53. أبو عمرو الجاحظ، الحيوان، ج3، تح. عبد السلام هارون، مصر، مطبعة مصطفى الباني الحلبي وأولاده، ط2، 1965م، ص131.
  54. عبد الملك مرتاض، نظرية النص الأدبي، ص51.
  55. عبد الفتاح المصري، طريقة جاكبسون في تحليل النص الشعري، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، عدد122حزيران(يونيو)،1981م.  
  56. عبد الملك مرتاض، نظرية النص الأدبي، ص60.
  57. المصدر نفسه، ص60.
  58. مِــكَــرٍّ مِــفَــرٍّ مُــقْــبِــلٍ مُــدْبِــرٍ مَــعا      كجُلْـمُوْدِ صَـخْرٍ حَطَّهُ السَّـيْلُ من عَلِ

مصادر البحث ومراجعه

  • القٍرآن الكريم برواية ورش.
  • المصادر
  • عبد الملك مرتاض، 1994م، شعرية القصيدة قصيدة القراءة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، الجزائر.
  • عبد الملك مرتاض، 2001م، نظام الخطاب القرآني، دار هومة، الجزائر.
  • عبد الملك مرتاض، 2010م، نظرية البلاغة، متابعة لجماليات الأسلبة: إرسالا واستقبالا، دار القدس العربي، وهران، الجزائر.
  • عبد الملك مرتاض، 2010م، نظرية النص الأدبي، دار هومة للطباعة والنشر، الجزائر.

ب-المعاجم

         إبراهيم أنيس وآخرون، 2004م، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة.

  • المراجع
  • الكتب بالعربية
  • عبد الملك بومنجل، 2015م، المصطلحات المحورية في النقد العربي بين جاذبية المعنى، وإغراء الحداثة، البدر الساطع للطباعة والنشر، العلمة، الجزائر.
  • أبو الفتح عثمان بن جني، 1957م، الخصائص، دار الكتب المصرية، القاهرة.
  • أبو عمرو الجاحظ، 1965م، الحيوان، مطبعة مصطفى الباني الحلبي وأولاده، مصر.
  • عبد القاهر الجرجاني، 2008م، دلائل الإعجاز، دار الفطر، بيروت.
  • يوسف وغليسي، 2008م، إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد"، منشورات الاختلاف، الجزائر.
  • الكتب المترجمة
  •     جاك دريدا، 2008م، في علم الكتابة، تر. أنور مغيث ومنى طلبة، المركز القومي للترجمة، القاهرة.
  • وليام جيمس، 2008م، البراجماتية، تر. محمد علي العريان، المركز القومي للترجمة، القاهرة.
  • الكتب باللغة الأجنبية

Gerard Gennette, 1972, FigureIII, éditions du seuil. 1

  • المقالات العلمية
  • العربي عميش، جويلية 2014،"روح التجاوز في تفكير عبد الملك مرتاض البلاغي»، مجلة اللغة والاتصال، جامعة وهران، العدد 16.
  • أحمد محمد ويس، يناير/مارس 1997م."الانزياح وتعدد المصطلح"، عالم الفكر، مجلة دورية محكمة، الكويت، م25، ع3.
  • عبد الفتاح المصري، حزيران(يونيو)،1981م". طريقة جاكبسون في تحليل النص الشعري"، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، عدد122
  • نسرين بن الشيخ، ديسمبر 2013م.."مصطلح التشاكل عند عبد الملك مرتاض من خلال كتبه (شعرية القصيدة-قصيدة القراءة، نظام الخطاب القرآني، التحليل السيميائي للخطاب الشعري)"، مجلة مقاليد، جامعة ورقلة، العدد الخامس.
  • يوسف بكار، 2010م،"الاقتباس: سرقة أم تناص؟"، مجلة البلاغة والدراسات البلاغية، عدد خاص بــ (أعمال المؤتمر الدولي الرابع للنقد الأدبي)، العلم والإيمان للنشر والتوزيع.

د-الرسائل الجامعية

 

  • -عبد الحفيظ مراح، 2005م/2006م"ظاهرة العدول في البلاغة العربية -مقاربة أسلوبية-"،( مذكرة ماجستير، غير منشورة)، جامعة الجزائر.

ه- المواقع الالكترونية

  1. جميل حمداوي، 24/12/2013م.بلاغة السرد أو الصورة البلاغية الموسعة، شبكة الألوكة (www.alukah.net).
  2. نسرين بن الشيخ، 30جوان 2015م، مصطلح التشاكل بين المفهوم الغربي والعربي، مجلة أصوات الشمال الالكترونية،

   الموقع الالكتروني:                     www.aswatchamal.com

        

@pour_citer_ce_document

فريد عوف, «إشكالية المصطلح البلاغي في الخطاب النقدي الجزائري المعاصر-عبد الملك مرتاض أنموذجا-»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 125-138,
Date Publication Sur Papier : 2020-10-26,
Date Pulication Electronique : 2020-10-26,
mis a jour le : 26/10/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7547.