السياق وأهميته في الانسجام النصي في نماذج من صحيح البخاريThe context importance in the textual coherence in the norms of Al-Bukhari’s collection.
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N:03 vol 17-2020

السياق وأهميته في الانسجام النصي في نماذج من صحيح البخاري

The context importance in the textual coherence in the norms of Al-Bukhari’s collection.
ص ص 187-199
تاريخ الإرسال: 2019-10-12 تاريخ القبول: 2020-09-23

نوال منديل
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

من أهم الظواهر التي تتجاوز إطار الجملة المفردة، والتي اهتم بها علم النص " ظاهرة الانسجام وعلاقته بالسياق أو المقام "

فهو موضوع أساس في اللسانيات الحديثة ووجب أن تقوم عليه كل الدراسات والأبحاث المعاصرة لأن السياق هو المعيار الذي يعنى بالشروط الملائمة لكي تكون الأقوال مقبولة وناجحة في أداء معناها بالشكل الذي تكون فيه قابلة للقراءة والفهم والتأويل. ويما أن خاصية السياق والانسجام تستمد كثيرا من أطروحاتها من التطبيق العملي على الأشكال اللغوية المختلفة، فقد اخترنا بعض النماذج من مدونة صحيح البخاري لمعرفة أهمية السياق في تحقيق الانسجام في الحديث النبوي الشريف

الكلمات المفاتيح

: النص، السياق، الانسجام، الحديث النبوي الشريف، صحيح البخاري

Parmi les plus importants phénomènes qui dépassent le cadre de la phrase unique et auquel a prêté attention la science du texte « le phénomène de la cohérence et sa relation avec le contexte et la situation ». Il s’agit donc d’un sujet fondamental dans la linguistique moderne, et sur lequel se font toutes les études et les recherches contemporaines, car le contexte prend en compte les conditions ainsi que les règles indispensables à l’harmonie entre les dires et les exigences spécifiques. Ainsi se forment la structure organisée et cohérente qui tient compte de relation donnée entre les phrases successives quant au sens formel qui doit faciliter la lecture, la compréhension et l’interprétation. La particularité du contexte et de la cohérence textuelle se tirent beaucoup plus des thèses à partir de l’application scientifique aux formes linguistiques diverses ; ainsi on a choisi quelques exemples des notes du précis Al-Boukhari à l’effet de connaitre l’importance du contexte quant à la réalisation de la cohérence dans l’Hadith prophétique honorable.

Mots-clés :texte, contexte, cohérence, Hadith prophétique honorable, précis Al-Boukhari

Among the phenomena which exceed the scope of the single sentence and to which science of the text paid attention to is the "phenomenon of coherence and its relation to the context and the situation". It is a fundamental research subject in the modern linguistics, because the context takes into account the appropriate conditions for statements to be acceptable and successful in performing their meaning in a manner in which they are readable, understood and interpreted. The peculiarity of the context and the textual coherence derives from the scientific application of the various linguistic forms, so we have chosen some examples from Sahih al-Bukhari's collection to know the importance of the context in achieving coherence in the honorable Prophetic Hadith.

Keywords:text, context, coherence, honorable prophetic Hadith, Boukhari’s collection

Quelques mots à propos de :  نوال منديل

جامعة المسيلة،merkaled1982@gmail.com

مقدمة

إن مبحث السياق والنص من لطائف العلوم التي حظيت بعناية خاصة في الدراسات اللغوية المعاصرة، والتي حاولت أن تجيب عن علاقة السياق بالنص معتبرة أن النص أو أي حدث لغوي لا يمكن بحال أن ينفصل عن سياقه أو تداوليته. وكلاهما يتمم الآخر ويفترضان بعضهما مسبقا.

   ومن أهم النقاط التي تستوجب معالجتها أيضا أثناء الحديث عن السياق والنص* (قضية الانسجام)، فلكي يكون النص نصا يجب أن يكون منسجما متآلفا في مكوناته ، ويمكن تعريف المفهوم بأنه تشكيلة من المعارف تشمل علاقة النص مع المحيط خارج لساني فهو تجاوز أعلى من مستوى الجمل أو متواليات الجمل وقد حدده سونسكي "sowinski"بقوله: <<يقضى للجمل والمنطوقات بأنها محبوكة إذا اتصلت بعض المعلومات فيها ببعض، في إطار نصي أو موقف اتصالي اتصالا لا يشعر معه المستمعون أو القراء بثغرات أو انقطاعات في المعلومات>> (العبد ، 2005)، والانسجام نستمده من خلال فعل قراءة النصوص وتأويلها بحيث "يستمد الخطاب انسجامه من فهم وتأويل المتلقي لا غير. وكل نص قابل للفهم والتأويل فهو نص منسجم (خطابي ، 2006).

ويقترن الانسجام بمسألة هامة ومبدأ جامع هو التواصل البشري، الذي يلزم المتلقي باستخلاص معنى منسجم للنص يقوم على أساس نظرية التواصل المستندة إلى البرغماتية (التداولية) التي تحاول وصف وشرح شروط الفهم اللغوي الاجتماعي بين شركاء التواصل في جماعة تواصلية معينة<<ويلاحظ هنا إدراج دور التداولية اللغوية إلى جوار النحو والدلالة ، فالعلاقات بين التداولية ومفاهيم الموقف والمقام والاتصال والنص علاقات وثيقة فهي تعنى بالعلاقة بين بنية النص وعناصر الموقف التواصلي المرتبطة بشكل منظم، مما يطلق عليه سياق النص>> (بحيري ).

لذا تعد المباحث والأنماط التي يدرسها السياق خصوصا، وتدرسها لسانيات النص واللسانيات الاجتماعية عموما مدخلا مناسبا وملائما لدراسة النص النبوي الشريف، لما يمتلكه من قدرات تواصلية ناجحة في أسباب وحال وروده، خاصة مع وجود قيمة تفاعلية فائقة بين النص ومكوناته. فالقارئ النموذجي للنص النبوي ينبغي له أن يمتلك أدوات الفهم الصحيح لهذا النص بما في ذلك المتكلم الذي يرسل الرسالة والمتلقي الذي يقوم بعملية فهم الرسالة وتفسيرها انطلاقا من السياقات التي وردت فيه.

    تحقيقا لذلك ينطوي هذا المقال وينفتح على عرض لمقولات السياق ومفاهيمه عند المحدثين الغربيين مع استقراء مستفيض لقراءة الأوائل العرب واستثمار لمقولات الفريقين في تفسير العلاقة بين السياق والانسجام النصي، إذ تقع هذه الدراسة في ثلاثة عناصر أساسية تضم عناصر أخرى فرعية؛ أما العنصر الأول والثاني فقد خصصا لتحديد مصطلح السياق لغة واصطلاحا، واستعرض العنصر الثالث السياق بنوعيه؛ السياق اللغوي بما في ذلك (الصوت والمناسبة والإحالة، الزمان والمكان) أما السياق المصاحب أو السياق الخارجي فقد ضم التناص مع القرآن والتناص مع الشعر ثم التناص مع الأمثال والحكم، فالسياق اللغوي إذن يزيل اللبس عن الكلمة، أما السياق الخارجي فيزيل الغموض عن الجمل والنصوص.

  وبذلك يكون هذا البحث قد مزج بين المنهجين الوصفي وآلية التحليل؛ فكان المنهج الوصفي لاستقراء الوسائل اللغوية السياقية التي تعمل على انسجام النص النبوي في نماذج من صحيح البخاري، وآلية التحليل الذي استخدم أيضا في فهم هذه الأحاديث. قصد الإجابة عن إشكالية السياق ودوره وأثره في الانسجام النصي في بعض النماذج المختارة من صحيح البخاري؛ أملا أن يكون في هذه المقاربة للنص النبوي في ضوء لسانيات النص خدمة لكتاب صحيح البخاري الذي ما يزال مصدر إبداع المفكرين وإشراقهم ومظهر نبوغهم بعد تأليفه وإخراجه للناس.

 وقد تمثلت هذه الدراسة بسلسلة كبيرة من البحوث السابقة أثراها علماء الدرس اللغوي القديم والحديث حاولت أن تجيب عن سؤال العلاقة بين النص والسياق والانسجام في الخطابات اللغوية المختلفة نذكر منها: دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، الإعجاز والبلاغة النبوية لمصطفي صادق الرافعي، نسيج النص للأزهر الزناد، علم لغة النص لسعيد حسن بحيري، لسانيات النص لمحمد خطابي، النص والسياق لفان دايك(vandijk) ، النص والخطاب عند روبرت ديبوجراند(Rebert de beaugande)

   وقبل أن نتطرق إلى أنماط السياق ودوره في تحقيق الانسجام النصي وجب علينا أن نتعرف على مفهوم السياق

1- السياق لغة

     يأخذ البحث في الأصل اللغوي للمفاهيم جانبا مهما في الدراسات الفكرية والعلمية على حد سواء، ذلك أن المعنى اللغوي يساعد في تحديد وتوضيح المعنى الاصطلاحي، ولذا كان من اللازم بيان المعنى اللغوي لمصطلح السياق * والوقوف على مختلف مظاهره وعطف المعنى الاصطلاحي عليه من خلال مجموعة من المعاجم: فقد جاء في لسان العرب << ساق الإبل يسوقها سوقا وسياقا وسواق ... وانساقت وتساوقت الإبل أي تتابعت >> (ابن منظور ، 1290ه )

هكذا يتبين من خلال المادة اللغوية المتقدمة أن السياق يفسر الكثير من الدلالات اللغوية بين المرسل والمتلقي التي تصاحب الأداء اللغوي أثناء عملية التواصل والإبلاغ، وقد تنبه ابن فارس لما يحمله هذا الأصل من معان حين قال :<<السين والواو والقاف أصل واحد وهو حَدَو الشيء ... والجمع سوق، وإنما سميت بذلك لأن الماشي ينساق إليها >> (بن فارس ، معجم مقاييس اللغة ، 1998)

2- السياق اصطلاحا

تشير كلمة السياق في استعمالاتها المتعددة في علوم اللغة والنحو وأصول الفقه والبلاغة والتفسير على الكثير من المفاهيم والأبعاد ويمكن أن نستخلص من جملة هذه التعريفات والمفاهيم أن مصطلح السياق يعني << التركيب الذي ترد فيه الكلمة ويسهم في تحديد المعنى المتصور لها >> (عياد، حسام الدين، وجريس)

    وخلص عبد الفتاح البركاوي إلى أن << مفهوم السياق في معنى الظرف الخارجي يرادفه في التراث العربي كل من المقام والحال والموقف وأن مفهوم السياق يتسع أيضا ليشمل ما يعرف في الدراسات اللغوية الحديثة بسياق النص وسياق الموقف أو المقام الخارجي، أي أن هذا السياق كما فهمه العلماء العرب يشتمل على عناصر دلالية تستفاد من المقال ومن المقام جميعا ويمكن تقسيمه إلى:

ا-      السياق اللغوي وهو المستفاد من عناصر مقالية داخل النص.

ب-   السياق الخارجي وهو المستفاد من العناصر غير اللغوية التي تصاحب النص >> (البركاوي )؛ أي كل ما يحيل على خارج النص أو ما حوله من مؤثرات بيئية.<<فالمقام غير اللغوي يتسع ليشمل جميع الشروط الخارجية المحيطة بعملية إنتاج الخطاب شفويا كان أم مكتوبا وكثيرا ما ارتبط المقام في البلاغة العربية بزيادة شرح وتحديد ذلك بالحديث عن أقدار السامعين ومقتضى أحوالهم>> (العمري، 1991).

ولعل من الذين اهتموا وتحدثوا عن السياق بدقة ابن قيم الجوزية إذ يقول: << السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال الدلالة وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته>> (الجوزية ، 2008)

وكأن الإمام يفترض قارئا مثاليا يأخذ بالمعنى الصحيح ويستبعد أي معنى آخر غير الأول. ولعل الشوكاني<< قد راعى هذه القضية فيما نقله في أثناء حديثه عن السياق >> (الدليمي ، 2019). إذ يقول :<< أن السياق يقع بين التبيين والتعيين، أما التبيين ففي المجملات وأما التعيين ففي المحتملات >> (الشوكاني ، 2000).

والشوكاني في هذه المقولة قد ترك لنا المجال مفتوحا لافتراض واحتواء معان متعددة، وهذا ما ذهب إليه " بنفيست" Binifistحين أكد أنَ عملية تحليل الخطاب تتجاوز البنية اللغوية الصرفة، إلى النظر في كل ما يحيط به من ظروف تتعلق بإنتاجه وتلقيه، وهنا يؤكد كل من "براون ويول " Brawn et youlعلى أهمية السياق والتأويل معا. << فكل نص قابل للفهم والتأويل هو نص منسجم والعكس صحيح>> (خطابي ، 2006)

إنَ محلل الخطاب في نظر "براون ويول" إذن ينبغي أن يأخذ بعين الإعتبار السياق ، والسياق لديهما يتشكل من المتكلم ، المستمع والحضور ( مستمعين آخرين) يساهم وجودهم في تخصيص الحدث الكلامي ، وكذا الزمان والمكان وكذا العلاقات الفيزيائية بين المتفاعلين، كالإشارات والإيماءات وتعبيرات الوجه ، وحتى معرفة العالم الممكن .

<< إنَ الخطاب أو النص عند "براون ويول" لا يمكن مقاربته من غير الأخذ في الحسبان الهدف المتوخى منه وطريقة تحقيق الهدف من العملية التواصلية بمختلف أبعادها بما في ذلك البعد السياقي>> (منديل ، 2017)

لذلك يقترحان عددا من الخطوات يمكن عبرها تحليل هذا السياق منها:

  - القياس والفهم المحلي: ويعتمد هذا المبدأ على خصائص السياق، << بحيث لا ينشأ سياق يفوق ما يحتاج إليه للوصول إلى فهم معين لنص ما.>> (مفتاح ، 2006)، أو استعداد المتلقي لإدراك العلوم والمعارف وفق ما يناسب المقام مع مراعاة الزمان والمكان والموضوع الذي يتحدث عنه المؤلف، فالفهم بمثابة وسيط بين النص والمؤلف.

<< فالقياس يفهم فيه الخطاب بناء على تجارب وأحداث مشابهة مع خطابات ونصوص سابقة، فيوفر ذلك إطارا مضمونا لعملية>><<الفهم وتظهر أهمية القياس في أنَ السامع يفترض أن كل شيء سيبقى على ما كان عليه مادام لم يعط إشعارا خاصا بتغير إحدى الخصائص ويمكن الجمع بين مبدأي الفهم المحلي والقياس في مبدأ واحد يسمى (حد الفهم).>> (منديل ، 2017)

-   التغريض: التغريض إجراء خطابي يحمل رسالة لغوية مع عنوان النص ويعرفه "براون ويول" بأنه <<عبارة عن نقطة ما>> (وبراون، 1997).

والعنوان هو الصورة العاكسة لما يحويه النص، وأولى المراحل التي يقف لديها الباحث السيميولوجي قصد اكتشاف التراكيب والبنيات الدلالية والتداولية، والتغريض أو العنوان يتعلق بالجملة الأولى التي تتصدر النص وتتحكم في تأويله لما فيه من خصائص تعبيرية وجمالية ولما يحتله من صدارة في الفضاء النصي للعمل الأدبي، وعلى رأي محمد مفتاح فإن العنوان معونة كبرى لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه، << إذ هو المحور الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه، وهو الذي يحدد هوية الخطاب، فهو إن صحت المشابهة بمثابة الرأس للجسد والأساس الذي يقام عليه العمران.>> (وبراون، 1997)

-   المعرفة الخلفية:لا يؤدي الخطاب وظيفته إلا إذا استحضر (المخاطب/القارئ) ما تراكم لديه من معلومات وخبرات وتجارب سابقة تتعلق بالنص المعاين، ويتوصل لإظهار معنى هذا المفهوم اعتمادا عدة مقترحات آتية من مجال الذكاء الاصطناعي والمعروفة بالأطر والمدونات والخطاطات، وعلم النفس المعرفي.

ويعد " فان دايك " أيضا من أشهر علماء اللغة النصيين إذ يقول :<< إن ضروب الخطاب ينبغي ألا توصف فقط على المستوى التداولي بل تقتضي مستوى مستقلا للسيمانطيقا النسبية للمتواليات ولبنيات كبرى شاملة >> (مفتاح ، 2006)

    3- السياق ودوره في الانسجام النصي في نماذج من صحيح البخاري

النص جمل متضامنة على وفق نسق فني له خصائص منها (النصية) أي الانسجام والتلاؤم، وحتى يكون هذا النص نصا لابد من قابليته للقراءة، وقراءة أي نص اقتناع ضمني بقابليته للفهم مع مراعاة السياق بنوعيه، السياق الخارجي والسياق اللغوي.

      3-1- السياق اللغوي

أ‌-الصوت

حرص علماء اللغة العرب القدماء على دراسة " مسألة الأصوات بمعانيها منذ أن بدأ اهتمامهم بالمشاركة العلمية اللغوية" (الرويني ، 2005)، إذ دفعهم الإعتزاز الشديد باللغة العربية إلى تلمس معاني الأصوات المجردة، وتأويل معان أخرى وإن عجزت قواعدهم عن تفسير معاني بعض الألفاظ، وهذا ابن جني قد عقد أبوابا عدة للعلاقة بين اللفظ ومعناه منها: باب " تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني " وباب "تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني" وباب " امساس الألفاظ أشباه المعاني ".

وهذا الأخير يعني وضع الألفاظ على الصورة المناسبة لمعناها، ففي هذا الباب يشير ابن جني إلى تقارب المعاني نتيجة تقارب جرس الأصوات ويقول في ذلك <<فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع ومن ذلك قولهم :خَضَمَ وقَضَم، فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب ، والقضم للصلب نحو قضمت الدابة شعيرها>> (ابن جني ، 1956).

<< فيرى ابن جني في هذه المقولة السابقة أن صلة وثيقة بين القاف الشديدة والصوت الناشئ عن أكل اليابس، كما يرى مناسبة واضحة بين الخاء الرخوة والصوت الناشئ عن أكل الرطب>> (الرويني ، 2005).

وفي العصر الحديث تحدث إبراهيم أنيس عن علاقة الصوت بالكلمة المفردة ، كما تحدث عن الدلالة الصوتية للجملة أو النص ، كما ربط بين مبحث الدلالة وبعض الظواهر الصوتية مثل : النبر والتنغيم حيث يقول :<< أما العوامل المكتسبة التي تؤثر في طول الصوت اللغوي فأهمها النبر ونغمة الكلام ، وربما كان لنحو اللغة أثر أيضا في طول الصوت أحيانا ، فالصوت المنبور أطول منه حين يكون غير منبور، وانسجام الكلام في نغماته يتطلب طول بعض الأصوات وقصر البعض الآخر>> (انيس ، 1971)ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) <<إذَا تنخَم أحَدُكُم ، فَلَا يَتَنَخمَنَ قِبلَ وَجْهِهِ>> (البخاري ، 1956)

نلاحظ هنا غلبة المقاطع القصيرة على جملة <<لاَ يَتَنخَمنَ قِبلَ وَجهِهِ>> وهو أمر غير مذكور بكثرة في الشعر أو في النثر العربي الذي تغلب عليهما المقاطع الطويلة، ويندر أن تتوالى فيها أربعة مقاطع أو خمسة مقاطع قصيرة وتشير إلى انفعاله وكراهته (صلى الله عليه وسلم ) لهذا الفعل .

    وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم << أيُهَا الناسُ إنَ مِنكُمْ مُنَفِرينْ فَمَن صَلى بِالنَاسِ فَليُخَفِفِ، فَإنَ فِيهُمُ الضَعيفَ والكَبير وَذا الحَاجَةِ.>> (البخاري ، 1956)

نلاحظ في هذا الحديث درجة توكيد الجملة، وهو توكيد مهد له للنداء (أيها الناس)، الذي يوحي بارتفاع الصوت، ثم بجملة الزجر المؤكدة (إن منكم منفرين). وكذا تتوالى الشدات المرتبطة بالتأكيد.

كما تعتبر ظاهرة التنغيم إحدى الظواهر الصوتية الأكثر تأثيرا وشيوعا في لغة الحديث الشريف ، والتنغيم هو << موسيقى الكلام وتظهر هذه الموسيقى في صورة ارتفاعات وانخفاضات أو تنويعات صوتية تسمى نغمات الكلام أو تتابع النغمات الموسيقية أو الايقاعات في حدث كلامي معين >> (بشر ، 2000)، وله دور في غاية الأهمية في الحدث الكلامي <<يظهر ذلك على وجه الخصوص في الخطاب الاجتماعي الجاري بين الناس في حياتهم العادية>> (بشر ، 2000)،  وقد نقل المحدثون دلالات عدة أفادوها من تنغيم النص، فالعبارة "السلام عليكم" مثلا ذاتها المعروفة بمعناها العام التقليدي، قد تفصح عن معان جانبية أو دلالات هامشية، وفقا لسياق الخطاب ووفقا للتلوين الموسيقي الذي تؤديه>> (بشر ، 2000)ومن ذلك حديث رواه عبد الله بن عمروحين قال : <<دخل عليٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقدْ ذُكِرَ لَهُ صَوْمي فَدَخَلَ عَليَ فألقَيتُ لَهُ وسَادةً مِن أدَمٍ حشوُهَا ليفٌ فَجَلسَ عَلى الأَرضِ وَصارَتْ الوِسَادَةُ بَينِي وَبَينَهُ فَقَالَ أَما يَكْفيِكَ مِن كُلِ شَهرٍ ثَلَاثةُ أَيَامِ فقَالَ قُلتُ يَا رَسَولَ الله. قَالَ خمَسًا، قُلْتُ يَارَسُولَ الله. قال سَبْعًا قُلتُ يَا رَسُول الله قال تسْعًا قُلتُ يا رَسُول الله قال إحْدى عَشَرَة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صَومَ فوق صَوْم داوُد عليه السلام شَطْرَ الدهْر صُمْ يوما وأفطر يوماً>> (البخاري ، 1956).

إن الحوار في هذا الحديث بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعبد الله مبني على دلالة التنغيم التي أفادها قول عبد الله (يا رسول الله)، لأنه لم يقل غيرها يوضح عدم قبوله عرض النبي (صلى الله عليه وسلم).

    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الصوم << مَن صَامَ رمَضانَ>> وقال << لا تُقدِمُوا رَمضَانَ>> (البخاري ، 1956).

في هذا الحديث الشريف تلوين وتغيير موسيقي أفادته تغير نغمة الكلام أثناء الانتقال من جملة (من صام رمضان) إلى جملة (لا تقدموا رمضان) والمعنى <<لا تتقدموا الشهر بصوم تعدونه منه احتياطا>> (القسطلاني ، 2007).

ب‌-                    المناسبة

المناسبة في اللغة المشاركة والمقاربة وهي الدلالة التي تستنبط من تحديد العلاقة بين الجمل والنصوص المتجاورة ، وقد أدرك "بدر الدين الزركشي" دور المناسبة في التماسك النصي بقوله << المناسبة جعل أجزاء الكلام بعضها آخذ بأعناق بعض ، فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء >> (الزركشي ، 1391ه)ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) :<< إِنَمَا جُعلَ الِإمَامُ ليُؤتَمَ به ، فَإذَا كَبَر فَكَبرُوا ، وإِذَا رَكَعَ فَارَكَعُوا ، وَإِذَا سَجَدَ فاسجُدُوا وإِن صَلَى قَائِمًا فَصَلَوا قِيَامًا >> (البخاري ، 1956)ونَزَل لِتسعٍ وَعِشرِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله : إِنَكَ آليتَ شَهرًا ؟ فَقَال :<< إنَ الشَهرَ تِسعٌ وعشرُونَ>> (البخاري ، 1956).

تعددت الشروح التي تحدد المناسبة التي من أجلها جاء الحديث بين شرح التكبير والركوع والسجود للصلاة وبين قوله (صلى الله عليه وسلم) <<إِنَ الشَهرَ تِسعٌ وعشرُونَ>> فقد ذكر القسطلاني أنَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) << لما سقط عن فرسه وخدشت ساقه أو كتفه حلف أن لا يدخل على نسائه شهرا . ونزل (عليه الصلاة والسلام) من مجلسه (لتسع وعشرين يوماً). فقالو يا رسول الله (إنَكَ آليتَ شَهرًا) فقال (عليه الصلاة والسلام) إن الشهر أي المحلوف عليه "تسع وعشرون يوما " واستنبط منه أنه لو نذر صوم شهر معين أو اعتكافه فجاء تسعًا وعشرينَ لم يلزمه أكثر من ذلك بخلاف ما لو قال شهرًا فعليه ثلاثون إن قصد عددًا وإلاَ فشهرٌ بالهلالِ>> (القسطلاني ، 2007).

وفي حديث آخر روته عائشة رضي الله عنها تظهر المناسبة جلية واضحة حين قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: <<مُرُوا أبَا بَكْرٍ يُصَلي بِالناسِ>>. فقالت عائشة فقلتُ لحَفصَةَ قولي له إنا أبا بكرٍ إذا قام في مقامك لم يُسمِع الناسَ من البكاء فَمُرْ عُمرَ فليصلي بالناسِ ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: <<إنكُنَ لأنتًنَ صَواحِبُ يوسُفَ مُرُوا أَبا بكرٍ فَليُصلِ بِالنَاسِ>> (البخاري ، 1956).

وقد رأى القسطلاني أن قوله صلى الله عليه وسلم (إنكن لأنتن صواحب يوسف) تدل على الزجر وتعني (تظهرن خلاف ما تبطن) ذلك ان عائشة أرادت صرف الإمامة عن أبيها أبا بكر خشية بكائه والمقصود الآخر أن لا يتشاءم الناس به.

ج- الإحالة

عرض شراح الحديث لأنماط متعددة من التعالقات بين النصوص؛ أهمها الإهتمام بالعلاقة بين النصوص في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف فالقرآن كله سياق واحد وكذلك الحديث ، فواضح من التفاسير أنّ القرآن يفسر بعضه بعضا ، وأنّ الحديث كذلك ، ومن ألطف الاستنباطات ما رواه ابن عمر رضي الله عنه حين قال :<< سمَعتُ النبي صلى الله عليه وسلم في النَجوى يقول :<<"يُدْني المؤمن من ربه "، وقال هشام : يدنو المؤمن حَتىَ يَضَعَ عَليْه كَنَفَهُ، فَيقرِرُهُ بِذُنُوبِه ، تَعرفُ ذَنْبَ كَذَا ، يقول : أَعرِفُ ، يقول ربِّ أعرفُ مَرّتين ، فيقول : سَترتهَا في الدُنيَا ، وَأَغفِرهَا لَكَ اليوَمَ . ثم تُطْوى صَحيفَةُ حَسَناتِه، وَأَما الآخرون أو الكفَارُ، فيُنادَى على رؤوُس الأشهَادِ هؤُلَاءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِهم، أَلَا لَعنَةُ اللهِ عَلى الظَالمِين.>> (البخاري ، 1956)

فهذه إحالة إلى وصف هيئة الكفار بواسطة النَص القرآني كما قد تكون الإحالة غير نصية نحو قوله (صلى الله عليه وسلم) :<<إنَكُنَ لأنتُنَّ صَواحِبُ يوُسفَ ، مُرُوا أبا بكرٍ فليصلِّ بالناس >> (البخاري ، 1956)هي إحالة غير نصية إلى قصة يوسف عليه السلام

وفي باب الإحالة أيضا قوله (صلى الله عليه وسلم) :<< لَيسَ لَنا مَثَلُ السَّوءِ الذِي يَعُودُ في هِبتهِ كَالكَلْبِ يرجعُ في قيئهِ.>> (البخاري ، 1956).

وقال شراح الحديث أن هذا النص فيه إشارة إلى قوله تعالى :<<للذين لا يؤمنون بالآخرة مَثَلُ السَوْءِ ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم>>(سورة النحل, الآية 60).

د- الزمان والمكان

ترتبط دلالة بعض الأحاديث بالزمان أو المكان الذي قيلت فيه؛ لأن الوعي بالوقت أو المكان الذي قيل فيه النص يؤثر في فهم دلالته، لذلك اهتم شراح الحديث بتاريخ ورود الأحاديث عن طريق دراسة دلالة الإنتقال من زمن إلى آخر مثلا نحو الإنتقال من زمن الماضي إلى المضارع أو الأمر ومثال الإنتقال من الماضي إلى المضارع نحو قوله:(صلى الله عليه وسلم) :<< مَنْ حَلفَ على يَمِين صَبرٍ يَقتَطِعُ بِهَا مَالَ امرىءٍ مُسْلمٍ ، وهو فِيهَا فَاجِر لَقِيَ الله وَهوَ عَلَيهِ غَضبانٌ .>> (البخاري ، 1956).

وكذا الإنتقال من المضارع إلى الماضي نحو قوله:(صلى الله عليه وسلم) :<< ولا يَلتَقِطُ لُقطَتهُ إلَا من عَرَّفَهَا.>> (البخاري ، 1956).

أما الإنتقال من الماضي إلى الأمر فنحو قوله:(صلى الله عليه وسلم) :<< فَإنْ جَاءَ أَحدٌ يُخِبرُكَ بِعِدَتِها َوَوِعَائِها وَوِكَائِها، فَأعطِهَا إِيَاهُ، وإِلَا فَاسْتَمْتع بِهَا.>> (البخاري ، 1956).

كما يعتمد فهم النص على المعرفة بالمكان الذي قيل فيه لأن ذلك يساعد على تحديد العرف اللغوي للمتكلم، وكذا الصفات المختلفة للمكان ومثال ذلك قول عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) << صَلَى العَصرَ والشَمْسُ في حُجْرتِها لم يَظْهَر الفيء من حُجْرتِها>> (البخاري ، 1956).

والمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر أول وقتها وقيل <<لا دلالة فيه على التعجيل، لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار، فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلاّ بقرب غروبها >> (العسقلاني ، 1407ه ).

ه- ضروب الأفعال الكلامية* في نماذج من صحيح البخاري

ان الحديث عن البنية النصية هو حديث عن النص من منظور التداولية وإذا كانت هذه الأخيرة هي النظر إلى العلاقة بين الأدلة اللغوية ومستعملها، <<فالنص هو كل تكوين لغوي منطوق من حدث اتصالي في إطار عملية اتصالية يكون بين المرسل والمرسل إليه>> (بحيري )

       وقد تحدث ياكبسون"yakopson"عن هذه العناصر محاولا الإجابة عما إذا كانت المعاني النصية عبارة عن فعالية نصية تعود إلى انسجام النص ذاته، أم أنها سلطة المتلقي وقدرته على استدراجها استنادا إلى جملة السياقات اللغوية والاجتماعية والثقافية.

        ومن خلال الحديث الاتصالي أيضا تتحقق الوظيفة الإنجازية التي يقصدها المتحدث ويدركها المتلقي في موقف اتصالي ما، أين تحولت الملفوظات   اللغوية إلى نص متماسك يؤدي وظيفة اتصالية اجتماعية.

والمقصود بالوظيفة الإنجازية<< المعنى الذي يتحصل لنص ما في عملية التواصل أو الغرض الذي يحققه النص في إطار موقف تواصلي وهو المعنى الذي يقصده جون أوستين سورل"john Searle"بالفعل الإنجازي.>> (برينكر ، 2005)

<<وقد قدم أوستين تصنيفا للأفعال الكلامية قسمها حسب قوتها الإنجازية إلى أفعال الأحكام، أفعال القرارات، أفعال التعهد ، أفعال السلوك ، أفعال الإيضاح >> (بوقرة ، 2008).

ومن أمثلة الأفعال الدالة على الأحكام مثلا قوله (صلى الله عليه وسلم) <<ياَ أَيُهَا النَاسُ، مَالَكُم حِينَ نَابكُم شَيءٌ فٍي الَصلاَةٍ أَخذتُمْ بالتَصْفِيحِ؟ إِنَمَا التَصفِيحُ لِلنِسَاءِ، مَن نَابَهُ شَيءٌ فِي صَلاَتِه فَليَقُل سُبْحَانَ اللهِ>> (البخاري ، 1956).

وقوله أيضا: << لَيسَ مِنا مَنْ ضَربَ الخُدُودَ، وَشَقَ الجُيوُبَ وَدَعا بِدَعوَى الجَاهِلية >> (البخاري ، 1956)وقوله أيضا: << أَربعٌ مِن كُنَ فِيهِ كَانَ مُنافِقًا خَالِصًا، وَمنْ كَانَت فِيهِ خِصْلةٌ مِنهُنَ كَانَت فِيهِ خِصلَةٌ مِنَ الِنفَاقِ حَتىَ يَدَعَها: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدّثَ كَذِبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ>> (البخاري ، 1956).

تبرز في هذه الأحاديث مجموعة من الأحكام النقدية تكشف عن مقصدية الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمتمثلة في نبذ بعض الأخلاق والسلوكيات السيئة لدى الأفراد مستعملا لذلك أفعالا إنجازية عبرت عنها الألفاظ الآتية (يعلم،يقف،لطم،شق، دعا، خاصم، وعد..).

واختار الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذه الصيغ لتخدم أغراضه ومقاصده وقد ورد بعضها مثبتا نحو (وعد،خاصم،أخذ) وبعضها منفيا (ليس منا من لطم وشق ودعا) وقد تضمنت هذه البيانات اللغوية عدة أزمنة شكلت لبنة أساسية في تكوين الجمل والأساليب تتراوح بين الماضي والمضارع، وهي دعوة غير صريحة للتحلي بمكارم الأخلاق والصفات الحسنة والحميدة بأسلوب موجز من غير تقصير.

ومن أمثلة أفعال القرارات ما جاء في قوله (صلى الله عليه وسلم) :

- << لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤلَاءِ المُعَذَبِينَ إِلَا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ حَذَرًا أَن يُصِيَبكُم مِثْلُ مَا أَصَابَهُم >> (البخاري ، 1956).

- << إِذاَ دَخَل أَحَدُكُم المَسْجِدَ فَليَركَعْ رَكعَتَينِ قَبلَ أَنْ يَجلِس >> (البخاري ، 1956).

- << لاَ تَمنَعُوا إِمَاءَ اللَهِ مَسَاجِدَ اللهِ>> (البخاري ، 1956).

تكشف أفعال القرارات في الأحاديث السابقة عن معان سامية تخرج من حدود الظرف الذي قيلت فيه إلى رحاب الإنسانية الواسع؛ ليجد كل إنسان فيها غايته وهدفه ، وقد استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم أفعالا توجه إلى مخاطب قد يختلف زمانه ومكانه وظروفه حرصا منه على الأخذ بمضمونها أما أفعال التعهد فقد جاءت في الأحاديث التالية :

- << فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافقهَا عَبدٌ مٌسلِمٌ وَهُوَ قَائِم يُصَلِي يَسْأَلُ اللهَ تَعَالى شَيئًا إِلاَ أَعطَاهُ إيَاهُ>> (البخاري ، 1956).

- << لِكُلِ غَادِرٍ لوَاءٌ يُنصَبُ يَومَ القِيامَةِ بِغَدرَتِه >> (البخاري ، 1956).

- <<مَن حَلَفَ علَى يَمِينِ صَبرِ يَقتَطِعُ بِهاَ مَالَ امرئٍ مُسلِمٍ وهُوَ فَاجِرٌ لَقيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضبَانٌ>> (البخاري ، 1956).

   أما أفعال السلوك والإيضاح فقد تحققت في هذه النماذج التالية:

- << أَيُهَا النَاسُ إنَمَا صَنَعتُ هَذَا لِتأْتَمُوا بِي وَلِتُعلِمُوا صَلاَتِي >> (البخاري ، 1956).

_ <<أَمَا بعدُ فَإنه لَم يَخفَ عَليَ مَكَانُكم ولَكِني خَشَيتُ أَن تُفرَضَ عَلَيكُم صَلَاة اللَيل فَتَعجزُوا عَنهَا >>. (البخاري ، 1956)

_ << اللَهُمَ حَبب إلَينَا المدينةَ كَمَا حَببْتَ مَكَةَ أو أَشَدَ وَصَحِحهَا، وَبَارِك لَنا فِي صَاعِهَا وَمُدِها، وَحوِل حُمَاهَا إلَى الجُحفَةِ>> (البخاري ، 1956).

تعتمد هذه الأحاديث على الوصف والتقرير والإخبار وايضاح وجهات النظر.

و/ وظائف الخطاب في صحيح البخاري

تعد اللغة وسيلة أساسية في التواصل الاجتماعي إلى جانب وظائف أخرى تؤديها كأن تكون وعاء للفكر أو أداة للتعبير عما في النفس ولعل أبرز اللسانيين الذي تناولوا هذه القضية اللغوية "رومان جاكبسون" Roman jackobson، والذي يرى أن التواصل اللغوي لا يتحقق إلا إذا توافرت العناصر التالية: مرسل ومرسل إليه، ورسالة لغوية، وإقامة اتصال، ولغة مشتركة.

   نحاول من خلال هذه العناصر أن نكشف عن شتى الوظائف التي تؤديها بعض أحاديث صحيح البخاري:

1-                       الوظيفة التعبيرية: هي وظيفة تعبر عن ذات المرسل وتحدد مواقفه ومقاصده من مختلف القضايا التي يعالجها، وقد ظهرت هذه الوظيفية في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الإجابة عن أسئلة معينة، وهي أحاديث تتضمن بيان الأحكام وتفصيلات ما أجمله القرآن من المسائل المختلفة.

وتكشف الوظيفة التعبيرية عن انفعالات الرسول صلى الله عليه وسلم، عن طريق استعمال بعض الرسائل اللغوية كالاستفهام الانكاري أو الاستفهام الذي غرضه التعجب، ومن أمثلة ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم):

<<إيَاكُم والظَنَ، فإنَ الظن أكذبُ الحديث، ولَا تَحَسَسُوا ولا تجَسَسُوا، ولا تنَافَسُوا، ولَا تَحاسَدُوا، ولا تَباغُضوا، وكُونوا عِبادَ الله إِخوانا>> (البخاري ، 1956).

<<والله لا يُؤمِنُ، واللَهُ لا يَؤمِن، والله لا يُؤمِنُ، قيل: ومن يا رسولَ الله؟ قال: الذي لا يَأمَنُ جَارَه بَوَائِقَه>>. (البخاري ، 1956)

لقد عالج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من خلال هذه الأحاديث كثيرا من القضايا التي تخص مجتمعه، من دينية واجتماعية بأسلوب موجز بليغ،و بجمل راسخة السبك دقيقة التعبير عن عمق المعاني التي تنطوي عليها بلغة بالغة الروعة في استثارة مشاعر النفس مستعملا لذلك بعض الأساليب كالاستفهام والقسم والتحذير لتوضيح وتأكيد مقصده، وكذلك للفت انتباه المتلقي (المرسل إليه)

2-                      الوظيفية الإفهامية :تسمى أيضا الوظيفة الندائية وتخص الطرف المستمع أو المرسل إليه لإثارة الانتباه أو لطلب القيام بأمر ومن مثل ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم)

<<مَهلا يا عَائشةُ عليكِ بِالرفقِ وإياكِ والعنفَ والفًحشَ>> (البخاري ، 1956)

<<يا معاذُ، أًتدرِي ماحقُ الله على العبادِ؟ قال: اللهُ ورسولهُ أَعلَم قال: أن يعبدوهُ ولا يُشركُوا بِه شيئًا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسولهُ أعلم. قال: ألا يُعذبَهُمُ>> (البخاري ، 1956)

تتجلى الوظيفة الإفهامية في الأحاديث السابقة من خلال بروز الأساليب الإنشائية الآتية: النداء، الاستفهام، النفي.

وقد تعددت هذه الأساليب وكثرت معها الصيغ الموجهة للمتلقي في أحاديث صحيح البخاري، قصد لفت انتباه المخاطب والامتثال للطلب.

3-الوظيفة المرجعية: إن الغرض من هذه الوظيفة هو تقرير الحقائق والأحداث أو الإشارة إلى محتوى معين، أما حضور هذه الوظيفة في صحيح البخاري فهي كثيرة منها:

<<من اتبعَ جنازةَ مُسلمِ إيمانًا واحتسابًا وكان معهُ حتى يُصلى عليها ويفرَغ من دفنِها، فإنهُ يرجعُ من الأجرِ بِقِراطَينٍ كُلُ قِراطٍ مِثل أُحدٍ ومن صلَى عليها ثُم رَجعَ قَبل أَنْ تُدفَنَ فإنَهُ يَرجعُ بقراطٍ>> (البخاري ، 1956).

  وسئل النبي (صلى الله عليه وسلم) في الإيمان بالله وحده؟ قال :<<شهادةُ أن لا إله إِلا الله وأن محمدًا رسولُ الله، وإِقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وصومُ رمضانَ، وتُعطُوا الخُمس من المَغنَمِ، ونَهاهُم عن الدُباءِ والحَنتمِ المزَفَتِ" (البخاري ، 1956)

نوضح من خلال هذه الأحاديث مختلف الألفاظ التي تشير إلى أهم المرجعيات كما يلي :(اتبع، يرجع، رجع، إقام، إيتاء، تعطوا، نهاهم)

4-الوظيفة الانتباهية: ويطلق عليها وظيفة إقامة الاتصال، ويحرص فيها المرسل على إبقاء الاتصال مع المتلقي (المرسل إليه).

   يتخلل النسيج اللغوي لبعض أحاديث صحيح البخاري ألفاظ وأساليب تعمل على جذب وشد انتباه المتلقي كالاستفهام الذي مفاده الترهيب نحو قوله ((صلى الله عليه وسلم): <<سُبحانَ الله. ماذا أنزِلَ الليلةَ مِنَ الفِتَنِ، وماذا فُتِحَ من الخَزَائِنِ. أ َيقِظوا صَواحِبَاتِ الحُجَرِ. فَرُبَ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة>> (البخاري ، 1956).

    ويظهر الاستفهام الذي غرضه الاستفتاح واضحا في قوله ((صلى الله عليه وسلم): << ألا أخبرُكم عن النفَرِ الثلاثةِ؟ أما أحدُهُم فأَوى إلى الله فأواهُ اللهُ، أما الآخرُ فاستحيا فاستحيا الله منهُ وأما الآخرُ فأعرضَ فأعرضَ اللهُ عنه>> (البخاري ، 1956).

أما ناحية البيان والبديع اللفظي فالأحاديث في صحيح البخاري مليئة بالتشبيه والكنايات والاستعارات، والجناس، والسجع، والطباق والمقابلة، ونمثل لكل لون منها كما يلي: قال الرسول (صلى الله عليه وسلم):<<إنما مثلُ الجَليسِ الصَالِحِ والجليسِ السوءِ كحامِلِ المسكِ ونافخِ الكير، فحاملُ المسكِ إِمَا أن يحذيكَ وإمَا أن تبتاعَ منهُ، وإما أن تجدَ منهُ ريحًا طيبةً ونافِخُ الكيرِ إِما أن يحرقَ ثيابكَ وإمَا أن تجدَ ريحًا خبيثةً." (البخاري ، 1956).

    ففي هذا الحديث تشبيه تمثيلي إذ شبه الجليس الصالح ببائع المسك الذي لا يعدم جليسه من فائدة، وتشبيه السيئ الأخلاق بنافخ الكير أي الذي يتعامل مع النار لا يأمن على نفسه ولا على جليسه منها.

  وفيه طباق بين الصالح والسيئ وبين الريح الطيبة والخبيثة، أما الكناية فظهرت مثلا في قوله (صلى الله عليه وسلم):<<اليد العليا خير من اليد السفلى>> (البخاري ، 1956).

 فاليد العليا كناية عن البذل والإنفاق والعطاء الذي يورث العزة، واليد السفلى كناية عن الأخذ الذي يتسبب عنه الذل.

  والاستعارة في قوله (صلى الله عليه وسلم) :<<خيرُ الصدقةِ ما كانَ عن ظهرِ غِنى>> (البخاري ، 1956).

    فهنا استعارة مكنية حيث صور الغنى في صورة مطية ذات ظهر يمتطيها الإنسان.

ومن السجع غير المتكلف قوله (صلى الله عليه وسلم): <<إن الله حرمَ عليكم عُقوقَ الأُمهاتِ ووأدَ البناتِ ومَنعًا وهاتَ وكَره قيلَ وقالَ وكثرة السؤال وإضاعةَ المَال>> (البخاري ، 1956).

3-2- السياق المصاحب أو السياق الخارجي

والمقصود به مجموعة العناصر غير اللغوية المتصلة بالحدث الكلامي من متكلم ومخاطب وموضوع وعلاقتهما به أو<< هو مجموعة من الإشارات والإيماءات التي تصاحب النص أثناء التلفظ >> (قياس ، 2009).

وفي سبيل الوصول إلى تدبر الخطاب عموما والنص خصوصا لابد من الاستعانة بأدوات وقرائن بواسطتها يفهم النص فلا سبيل للوصول إلى الدلائل اللفظية دون البحث في المعاني التي تؤديها القرائن وهذا ما ذهب إليه الشاطبي<< فإفادة القطع اعتمادا على الدلائل اللفظية بمفردها معدوم أو في غاية الندور ... وقد اعتصم بها من قال بوجودها بأنها ظنية في أنفسها لكن إذا اقترنت بها قرائن مشاهدة أو منقولة فقد تفيد اليقين >> (الشاطبي ا.).

لذلك كان لزاما التعرف على جهات الخطاب والإخبار والتي تختلف باختلاف المتكلم أو المخاطب، حيث إن جهات الخطاب والإخبار قد تتغير دون إشارة نصية ظاهرة وعدم إدراك هذا التغير قد يؤدي إلى الخطأ.

كما أنَ الوعي بصفات المتكلم له دور كبير في فهم النص، سواء كانت صفات جسمية نحو (طويل، قصير، نحيف) أو عقلية نحو (ذكي أو كريم أو رحيم) وكذا الصفات الاجتماعية كالأسرة والقبيلة.

ومن ذلك في صحيح البخاري قول زيد بن خالد الجهني قال: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فسأله عما يلتقطه، فقال :<< عَرفْها سَنةً ثُمَ اعْرِفْ عِفَاصَها وَوكَاءَهَا فَإن جَاءَ أَحدٌ يُخبِرُكَ بِهَا وإِلَا فَاسْتنِفقْهَا>>. قال: يا رسول الله: فضالة الغنم؟ << قَالَ لَكَ أَو لأخِيكَ أو لِلذِئبِ>>قال: ضالة الإبل، فَتَمَعرَ وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال <<مَا لَكَ ولهَا؟ مَعهَا حِذاَؤُهَا وسِقَاؤُهَا تردِ المَاء وتَأكُلُ الشَجرَ>> (البخاري ، 1956).

هذا الحديث يبين الحالة النفسية للرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما أكثر عليه الأعرابي السؤال في نفس الموضوع فجملة (تَمَعرَ وجهُ النبي ) تبين حالة الغضب التي انتابت النبي (صلى الله عليه وسلم ) .

كما يتوقف فهم النص على المعرفة بعادات المتكلم وأعرافه اللغوية وحتى العملية لأن لها الأثر المهم في مجال التحليل النصي ولاسيما في النصوص الدينية.

ويربط مفهوم عادة المتكلم بما يعرف في علم الأصول بـــــ: "الوضع العرفي"<< وتمثل الدلالة العرفية أهم التطبيقات التي تمثل عادة المتكلم اللغوية>> (التهانوي ا.). والتي تنقسم بدورها إلى حقيقة وضعية وعرفية ومن ذلك "كلمة الكتاب" التي وردت في حديث ابن عباس حين قال :<<ضمني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى صدره , وقال : (اللَهُمَ عَلِمهُ الحِكمَةَ ) . (اللَهُمَ عَلَمهُ الكِتَابَ)>> (البخاري ، 1956).

 وردت كلمة الكتاب والحكمة في هذا الحديث دلالة على أن القرآن الكريم يفهم من السياق وأن كلمة الكتاب قد انتقلت دلالتها لتدل على القرانالكريم , وكذلك لفظة الحكمة , ويمثل التعرف على مقاصد المتكلم الوسيلة الأهم للتحليل الدلالي , وبالنسبة لفهم الحديث النبوي الشريف فقد ذكر الصحابة أن خطاب النبي (صلى الله عليه وسلم ) قد يصدر عنه بوصفه مشرعا أو مفتيا.

وفي العصر الحديث حدد الطاهر بن عاشور المقامات التي صدرت عنها أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم) أهمها مقام التشريع وذكر القرائن التي تدل عليه،كما ذكر القرائن الأخرى التي تدل على أن النص ليس صادرا عن مقام التشريع نحو قوله (صلى الله عليه وسلم) :<< إِذَا دَخَلَ أحَدُكُم المَسجِدَ فَليَركَع رَكعَتَينِ قَبلَ أَن يَجلِسَ>> (البخاري ، 1956).

فهذا الحديث لا يحمل في ظاهره على الإلزام والوجوب وإنما يدل على الاستحباب.

كما يعتقد أن للتناص*الدور المهم للتعرف على الخلفية الثقافية للنص، لأن الكشف عن الجوانب الثقافية يمنح النص قيمة خاصة كما يساعد على فهمه وتأويله ولذلك عرفه الدكتور سعيد حسن بحيري بأنه << يختص التعبير عن تبعية النص لنصوص أخرى، أو تداخله معها>> (بحيري ). فهو يتضمن العلاقات بين نص ما ونصوص أخرى مرتبطة وقعت في حدود تجربة سابقة <<بشرط ان يحدث تفاعل وتعالق في اللفظ والمعنى بين هذه النصوص المتداخلة>> (احمد محمد ، 2008).

وقد تعددت مصادر التناص في صحيح البخاري منها :

1- التناص مع القرآن الكريم

وهذا النوع من التناص يقوم على استحضار الرسول (صلى الله عليه وسلم) لبعض آيات القرآن الكريم وتضمينها في نص الحديث ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

<< اللَهُ أَكبَر خَربتْ خَيبرٌ ، إِنَا إذَا نَزلنَا بِسَاحة قَوم فَسَاء صَباحُ الـمُنذَرين فَخَرَجُوا>> (البخاري ، 1956)

اقتبس الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا الحديث من سورة الصافات الآية 177.

2- التناص مع الشعر

إن الحديث النبوي واضح صريح في تجنيد اتجاه عاقل في قول الشعر ومعارضة اتجاه سفيه في قوله، غير أننا لم نجد تضمينا للشعر في صحيح البخاري إلا في بعض الأحاديث منها: أنّ أنس (رضي الله عنه) قال: خرج رسول (الله صلى الله عليه وسلم) إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع فقال:

 اللَهُمَ إنَ العيشَ عَيشُ الآخرة فاغفر للأنصَارِ والمهاجرة.

3- التناص مع الأمثال والحكم

   تعتبر الأمثال والحكم موروثا ثقافيا تختزنه ذاكرة الأفراد يتداولونه فيما بينهم شفاهة وكتابة، وقد ظهر هذا المصدر في صحيح البخاري من خلال الأحاديث التالية:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم :<< الـمُسلمُ مَن سَلِمَ النَاسُ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ، والمـُهاجرُ مَن هَجَرَ مَا نَهى الله عَنهُ>> (البخاري ، 1956)وقال :<< لاَ يُؤمِنُ أحَدُكُم حَتى يُحِبَ لأخِيهِ مَا يُحِبُ لِنفسِهِ >> (البخاري ، 1956)وقال أيضا: << إنَكُنَ لأنُتن صَواحِبُ يُوسفَ، مُرُوا أبَا بكرٍ فَليُصَل بِالنَاسِ .>> (البخاري ، 1956)

فهذه الأمثال تصلح لتكون حكما يحتذى ويتشهد بها عبر العصور في المواقف الملائمة

إذا فقد أفاد استثمار الرسول (صلى الله عليه وسلم) لنصوص القرآن والشعر والأمثال والحكم خدمة لأغراضه ومقاصده الدلالية

خاتمة

نخلص من دراسة العناصر السابقة إلى أن النص النبوي كلام متصل ذا وحدة لغوية جلية تنطوي على بداية ونهاية. ويتسم بالانسجام والتماسك والترابط، ويتسق مع سياق عام يتصل بالتاريخ والأدب وينسجم مع سياق خاص يمكن أن نطلق عليه الموقف أو المقام، ويشمل مجموعة الظروف والملابسات التي اكتنفت كتابة النص وإنتاجه، وقد أدرك المفسرون وعلماء الحديث هذا التفاعل اللغوي الذي يؤدي بالنص إلى إحداث وظيفته التي تتمثل في خلق التواصل بين منتج النص ومتلقيه، لذلك صرفوا الكثير من الجهد في البحث عن أسباب وحال ورود الأحاديث والمناسبة بينها، مع الاستعانة بمجموعة العناصر اللغوية وغير اللغوية المتصلة بالحدث الكلامي من متكلم ومخاطب وموضوع، "فابن قيم الجوزية" قد تحدث عن السياق بدقة واعتبره من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، وهو ما ذهب إليه "الشوكاني" فيما نقله في أثناء حديثه عن السياق، كما أكد "بينيفيست" أن عملية تحديد معنى الوحدة الكلامية يتطلب أن نأخذ بعين الإعتبار العوامل السياقية، وهو رأي لا يختلف كثيرا فيما صدر عن "براون" و"يول" حين قدما مجموعة من الافتراضات التي تحكم اشتغال المتلقي بالخطاب، ومنها أن الخطاب لا يملك في ذاته مقومات انسجامه وإنما القارئ هو الذي تسند إليه هذه المقومات، ويعد "فان دايك" من أشهر علماء اللغة النصيين الذين صرحوا بأن تحليل الخطاب لا يتم ولا يتحقق إلا بتحليل عنصر الانسجام.

     كما أخذ العرب بعين الاعتبار مسألة صلة الأصوات بمعانيها فتلمسوا معاني الأصوات المجردة والتي تشتمل على مكونات لا كلامية كالتنغيم والنبر.

    وتتبدى أهمية السياق في انسجام النص أيضا حين ترتبط دلالة بعض الأحاديث بالزمان أو المكان الذي قيلت فيه لأن ذلك يؤثر في فهم النص.

     ومن مظاهر اهتمام اللغويين العرب بدراسة البنيات المختلفة في إطار التفاعل بين بنية المقال ومقتضيات المقام، تدبر الخطاب عموما والنص خصوصا من خلال التعرف على جهات الخطاب والإخبار، والوعي بصفات المتكلم وعاداته

الهوامش

*للنص في اللغة العربية عدة معان منها :<<الرفع بنوعيه الحسي والمعنوي، وبلوغ الشيء أقصاه ومنتهاه وغايته، وعلى الاستقصاء والإحاطة، وكذا التحريك والتعيين على شيء ما>> ابن منظور: لسان العرب. مادة (نصص) دار بيروت –ط3،1994. ص97-99.

أما النص اصطلاحا فقد تنوعت تعريفاته بتعدد التخصصات وتنوع الاتجاهات، فمنهم من قال بأنه<<سلسلة من العلامات المنظمة في نسق من العلاقات تنتج معنى كليا<> خلود العموش: الخطاب القرآني: دراسة في العلاقات بين النص والسياق، جدارا للكتاب العالمي وعالم الكتب الحديث، عمان الأردن، ط1، 2008، ص 19.

ومنهم من وصفه بقوله<<النص جهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان بواسطة الربط بين كلام تواصلي يهدف إلى الإخبار المباشر وبين أنماط عديدة من الملفوظات السابقة عليه والمتزامنة معه.>> جوليا كريستيفا: علم النص، تر: فريد الزاهي، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1،1991، ص21.

     من خلال هذه المفاهيم يمكن أن يدرك القارئ أن علم النص يهتم بدارسة النصوص دراسة لسانية من خلال مراعاة النص والسياق <<فكل من النص والسياق يمكن تفسيره بالرجوع إلى الآخر>>يوسف وغليسي: الخطاب النقدي عند عبد المالك مرتاض، بحث في المنهج، إصدارات رابطة الإبداع الثقافية، الجزائر،2000، ص33.

*مصطلح الانسجام مفهوم شمولي في تداوله وانتشاره ضمن مختلف العلوم، غير أن كيفية التنظير له تختلف من نسق إلى آخر؛ فالشيء المنسجم غالبا ما تكون عناصره المكونة لها صلة، والمجموعة المنسجمة تفترض نوعا من الوحدة الداخلية للنص.

   * هناك خلط واضطراب في استعمال مصطلح السياق مع مصطلحات مشابهة ومتداخلة معه وهي المقام والحال ، غير أن مصطلح الحال كان أكثر استعمالا وتداولا عند البلاغيين ، وارتبط مفهوم الحال بالبلاغة في التعريف الذي وضعه القزوييني للبلاغة حين عرفها بأنها : << مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته>> القزويني : الإيضاح ، تح : محمد عبد المنعم خفاجي بيروت، ص9.

وقد فرق عيد بلبع في كتابه السياق وتوجيه دلالة النص بين المقام والحال فقال :<< إن المقام عام والحال خاصة ، فالمقام يمكن تحديده نظريا كما يمكن تصنيف المقامات إلى : مقام الإطناب ، مقام الإيجاز ، مقام التعريف ومقام التنكير... وغيرها مما يتعلق بالأغراض الشعرية ومقام الاحتفال أو الحرب أو القضاء، أماما يتعلق بالخطابة فإن الحال يتعلق بالملابسات الخاصة لكل خطاب والمتغيرة مع تغير المواقف >> عيد بلبع : السياق وتوجيه دلالة النص ، بلنسية للنشر والتوزيع ، 2008ص189.

كما يفرق محمد العمري بين السياق والمقام قائلا :<< لابد من التمييز بين المقام والسياق وذلك بحصر الثاني في العلاقات بين الوحدات اللسانية داخل التركيب: سياق الكلمة، وقريب من السياق ما يسميه بعض البلاغيين المقام الداخلي في الأدب وهو العلاقة بين الشخصيات في العمل السردي والمسرحي، تمييزا له عن المقام الخارجي المرتبط بمن يستهلك ذلك الانتاج.>> محمد العمري: "المقام الخطابي والمقام الشعري في الدرس البلاغي"، " مجلة دراسات سيميائية وأدبية لسانية " فاس ، المغرب ،(1991العدد (03) ص7-8.

* المقصود بالأفعال اللغوية أو الكلامية أن <<التلفظ بالخطاب ليس فعلا تصويتيا فحسب، بل هو فعل لغوي، فهناك
أعمال لا يمكن إنجازها إلا من خلال اللغة، وهذا ما يجعل الخطاب فعلا، وذلك مثل الخطابات التالية:

- نلتمس منكم الموافقة على هذا لأمر.

- شكرا !!

... فالمرسل قد أنجز فعلا لغويا في الخطاب الأول، هو الالتماس بما تضمنه خطابه من اختيار الفعل (نلتمس) الدال على طلبه اتساقا مع بعض الاعتبارات السياقية.

كما أنجز المرسل في الخطاب الثاني فعل الشكر والاعتراف بحسن الصنيع.>>عبد الهادي بن ظافر الشهري: استراتيجيات الخطاب، مقاربة لغوية تداولية، دار الكتاب الجديدة، بيروت، لبنان، ط1، 2003، ص74.

* <<التناص هو مجموعة من طرائق الإنتاج الفني الذي يثبت من خلالها تفاعله مع نصوص سابقة عليه أو متزامنة معه، أو هو عبارة عن علاقة تفاعلية بين نص سابق ونص حاضر لإنتاج نص لاحق.>>خليل بن ياسر البطاشي: الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب، دار جرير للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2009، ص97.

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

ابراهيم انيس . (1971). الاصوات اللغوية . القاهرة : مكتبة الانجلو مصرية .

ابراهيم بن موسى الشاطبي . (2008). الموافقات في اصول الاحكام . القاهرة : دار احياء الكتب العربية .

ابن القيم الجوزية . (2008). بدائع الفوائد . جدة : مجمع الفقه الاسلامي .

ابن حجر العسقلاني . (1407ه ). فتح الباري شرح صحيح البخاري . القاهرة : المكتبة السلفية .

ابو الفتح عثمان ابن جني . (1956). الخصائص . القاهرة : دار الكتب .

احمد بن فارس . (1998). معجم مقاييس اللغة . بيروت لبنان : دار الفكر .

احمد محمد عبد الراضي . (2008). نحو النص بين الاصالة والحداثة . القاهرة : مكتبة الثقافة الدينية .

التهانوي محمد علي. (بلا تاريخ). كشاف اصطلاحات الفنون . الجمعية الاسيوية للبنغال .

الخطيب القزويني. (2003). الايضاح في علوم البلاغة والمعاني والبيان والبديع . بيروت : دار الكتب العلمية .

الشاطبي ابراهيم بن موسى . (بلا تاريخ). الموافقات في اصول الاحكام . دار احياء الكتب العربية القاهرة .

بدر الدين الزركشي . (1391ه). البرهان في علوم القران . بيروت : دار المعرفة .

بول ويراون. (1997). تحليل الخطاب ترجمة محمد لطفي الزليطي ومنير تركي . الرياض : مطابع جامعة الملك سعود .

جمال الدين ابن منظور . (1290ه ). لسان العرب . بيروت لبنان : دار الفكر للنشر .

جنا عياد . (بلا تاريخ). معجم اللسانيات .

جوليا كريستيفيا . (1991). علم النص ترجمة فريد الزاهي . الدار البيضاء : دار توبقال .

حنا عياد، كريم زكي حسام الدين، ونجيب جريس. (بلا تاريخ). معجم اللسانيات الحديثة .

خلود العموش . (2008). الخطاب القراني - دراسة في العلاقة بين النص والسياق -. الاردن : عالم الكتب الحديث وجدارا للكتاب العالمي .

خليل بن ياسر البطاشي . (2009). الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب . عمان الاردن : دار جرير للنشر والتوزيع .

دايك فان . (2013). النص والسياق . المغرب : افريقيا الشرق .

سعيد حسن بحيري . (بلا تاريخ). علم لغة النص .

شهاب الدين القسطلاني . (2007). ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري . لبنان : دار الفكر للطباعة والنشر .

عبد الراضي احمد محمد . (2008). نحو النص بين الاصالة والحداثة . القاهرة : مكتبة الثقافة الدينية .

عبد الفتاح البركاوي . (بلا تاريخ). دلالة السياق . القاهرة : دار المنار للطبع والنشر .

عبد الهادي بن ظافر الشهري . (2003). استراتجيات الخطاب - مقاربة لغوية تداولية -. بيروت لبنان : دار الكتاب الجديدة .

عيد بلبع . (2008). السياق وتوجيه دلالة النص . بلنسية للنشر والتوزيع .

كلوس برينكر . (2005). التحليل اللغوي للنص مدخل الى المفاهيم الاساسية والمناهج , ترجمة سعيد حسن بحيري . القاهرة: مؤسسة المخطار .

كمال بشر . (2000). علم الاصوات . القاهرة : دار غريب للطباعة والنشر .

ليندة قياس . (2009). لسانيات النص - النظرية والتطبيق-. القاهرة : مكتبة الاداب .

محمد الشوكاني . (2000). ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الاصول . القاهرة : مؤسسة الريان دار الفضيلة .

محمد العبد . (2005). النص والخطاب والاتصال . القاهرة : الاكاديمية الحديثة في الكتاب الجامعي .

محمد خطابي . (2006). لسانيات النص مدخل الى انسجام الخطاب . المغرب: المركز الثقافي العربي.

محمد مفتاح . (2006). دينامية النص . الدار البيضاء المغرب: المركز الثقافي العربي .

محمد العمري. (1991). المقام الخطابي والمقام الشعري في الدرس البلاغي .

محمد بن اسماعيل البخاري . (1956). صحيح البخاري . القاهرة : دار الكتب .

محمد علي التهانوي . (بلا تاريخ). كشاف اصلاحات الفنون . الجمعية الاسيوية للبنغال .

محمد علي عبد الكريم الرويني . (2005). فصول في علم اللغة العام . الجزائر : دار الهدى .

محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري . (2005). اساس البلاغة . بيروت لبنان : دار المعرفة .

مواهب عباس الدليمي . (2019). السياق بين القدماء والمحدثين . جامعة الانبار .

نعمان بوقرة . (2008). الخطاب الادبي ورهانات التاويل - قراءات نصية تداولية حجاجية -. الاردن : عالم الكتب الحديث .

نوال منديل . (2017). الاتساق والانسجام في الحديث النبوي الشريف نصوص مختارة من صحيح البخاري انموذجا . سطيف : جامعة سطيف .

يوسف وغليسي . (2000). الخطاب النقدي عند عبد المالك مرتاض - بحث في المنهج -. الجزائر : رابطة الابداع الثقافية .

@pour_citer_ce_document

نوال منديل, «السياق وأهميته في الانسجام النصي في نماذج من صحيح البخاري»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 187-199,
Date Publication Sur Papier : 2020-10-26,
Date Pulication Electronique : 2020-10-26,
mis a jour le : 26/10/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7607.