شفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي كضمانة قانونية لمكافحة الفساد الإداري طبقا لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199La Transparence des procédures de délégation de service public comme garantie juridique contre la corruption administrative, en vertu des dispositions du décret exécutif n ° 18-199
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N:03 vol 17-2020

شفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي كضمانة قانونية لمكافحة الفساد الإداري طبقا لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199

La Transparence des procédures de délégation de service public comme garantie juridique contre la corruption administrative, en vertu des dispositions du décret exécutif n ° 18-199
ص ص 347-369
تاريخ الإرسال: 2020-02-02 تاريخ القبول: 2020-09-06

صبرينة برارمة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

      تعدّشفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي من أهم المبادئ الكفيلة بمكافحة الفساد وضرورة حتمية لجلب الاستثمار. لذا تهدف الدراسة إلى الوقوف على مدى تضمين المرسوم التنفيذي 18- 199-بعدّهتنظيما إجرائيا- النصوص الكفيلة بنقل شفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي من التقنين إلى التمكين، من خلال التساؤل عن مدى فعالية أحكام المرسوم التنفيذي 18-199في ضمان شفافية إجراءات تفويض المرافق العمومية، وذلك في إطار احترام أحكام النظم القانونية الوطنية والدولية المعنية بالوقاية من الفساد ومكافحته باعتبارها مصادر قانونية للمرسوم التنفيذي. تضمنت الإجابة دراسة تحليلية للتوجه العام للمشرع، طبقا لمختلف قوانين مكافحة الفساد، بعدّهامصادر قانونية، سواء تاريخية (مادية) أو شكلية للمرسوم التنفيذي، أولا؛ وثانيا دراسة نقدية لنصوص المرسوم التنفيذي ذاته المعنية بشكليات ومضمون الإعلان المسبق، الإعلان عن قرارات المنح المؤقت وعن ممارسة حق الطعن.  لنتوصل إلى ضرورة تعديل نصوص المواد 25، 26، 31، 35، 41و42من المرسوم التنفيذي، وقدمنا بصددها مجموعة اقتراحات إجرائية عملية.

الكلمات المفاتيح

شفافية،فساد إداري، مرسوم تنفيذي رقم 18-199، تفويضات مرفق عمومي

La transparence des procédures de délégation des services publics est l'un des principes de la lutte contre la corruption. La présente étude vise donc à déterminer l’étendue de la capacité de décret exécutif 18-199, en tant que réglementation  procédurale, de conférer l’effectivité aux  dispositions de transparence, et ce, en s’interrogeant sur la réussite du  législateur algérien de garantir la transparence des procédures de délégation des services publics, en vertu  du décret Exécutif 18-19 , dans le cadre du respect des dispositions juridiques nationaux et internationaux en matière de prévention et de lutte contre la corruption en tant que sources juridiques du décret exécutif. En ce sens, nous présentons, dans un premier temps, une étude analytique de l'orientation générale du législateur, ensuite, une étude critique des dispositions du décret exécutif portant sur l'annonce préalable, sur les décisions d’attribution provisoire et sur les recours, cela en vue de montrer la nécessité de modifier les articles 25, 26, 31, 35, 41 et 42 du décret exécutif. Nous suggérons, enfin, un ensemble de procédures.

Mots-clés :transparence, corruption administrative, décret exécutif n ° 18-199, délégation des services publics

One of the principles of the fight against corruption is the transparency of the procedures of the public service delegation. In this respect, the study aims to determine the extent of the efficiency of the Executive Decree 18-199, as a procedural regulation, to confer effectiveness on transparency provision, by investigating the extent to which the Algerian legislator succeeds in guaranteeing the transparency of procedures for the public services delegation, under the Executive Decree 18-199, In ​​the context of compliance with national and international legal provisions in the prevention and fight against corruption, as legal sources of the Executive Decree. To answer the research question, analysis of the general direction of the legislator as well as a critical study of the texts of the executive decree on the prior announcement, the decisions on provisional allocation and appeals were conducted.     As regards the need to modify articles 25, 26, 31, 35, 41 and 42 of the Executive Decree, we suggest a set of procedures.

Keywords:transparency, administrative corruption, executive decree No. 18-199, public service delegation

Quelques mots à propos de :  صبرينة برارمة

جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2Ber.sab75@gmail.com

مقدمة

شهد العالم، منذ أواخر القرن التاسع عشر (19) وبداية القرن العشرين (20)، العديد من الثورات التي طالبت بتغيير جوانب مهمة من الناحية الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية. مما أحدث تطورا كبيرا في مجال نشاط الدولة ودورها. فعمدت هذه الأخيرة إلى أداء بعض الخدمات العمومية الأساسية (المرافق العمومية) على صعيد المنافسة مع النشاط الفردي. بعدّالمرفق العمومي الأساس الذي يمكن من خلاله للدولة تلبية حاجات وانشغالات أفراد المجتمع في جميع جوانب الحياة. واعتمدت في إدارتها لهذه المرافق على أسلوبي الإدارة المباشرة والمؤسسة العمومية.

لكن أمام عجز الأساليب التقليدية (أسلوبي التسيير المباشر والمؤسسة العمومية) عن تحقيق تسيير مناسب وملائم للمرافق العمومية، نتيجة عجزها عن تلبية حاجات أفراد المجتمع؛ عمدت الدول إلى انتهاج أساليب التسيير العمومي الحديث، الذي يقوم على مبدأ إدماج أساليب تسيير القطاع الخاص في القطاع العمومي، والتي يستلزم معها إشراك القطاع الخاص في القطاع العمومي. وتحقيقا لذلك كان تفويض المرافق العمومية أنجع أسلوب لتسيير المرافق العمومية، خصوصا ذات الطابع الاقتصادي.

وبهذا الصدد، كانت فرنسا من بين أوائل الدول التي اعتمدت هذا الأسلوب، حيث استعمل رسميا مصطلح تفويض المرفق العمومي من طرف المشرع الفرنسي بموجب القانون رقم 92-125المتعلق بالإدارة الإقليمية (Loi Joxe).

وبعد تردد، حذا المشرع الجزائري لاحقا حذو المشرع الفرنسي وتشريعات أخرى، وقام بإصدار تشريع شامل لتفويضات المرفق العمومي بموجب المرسوم الرئاسي رقم 15-247المؤرخ في 16سبتمبر 2015، يتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، ثم تبعه المرسوم التنفيذي رقم 18-199المؤرخ في 2غشت 2018، يتعلق بتفويض المرفق العام، بالتخصيص والتفصيل فيما يتعلق بتفويضات المرفق العمومي المتعلقة بالجماعات المحلية والمؤسسات العمومية التابعة لها، بهدف إنعاش القطاع الاقتصادي.  (ارزيل، 2017، الصفحات 11-13)

       لكن رغم هذه المجهودات، يبقى المجال الاقتصادي مهددا بظاهرة الفساد، تلك الظاهرة الاجتماعية التي تشكل سببا رئيسيا لانتشار المشكلات الاقتصادية في مختلف القطاعات بصفة عامة والقطاع العمومي بصفة خاصة. فللفساد آثار مدمرة بالاقتصاد القومي، وهو ما وصفه "كاوفمان" (2000) بــ"اعتقال الدولة". (سوليفان، 2007، صفحة 6) 

ويعد غياب الشفافية في المعاملات والعقود، بما فيها عقود تفويضات المرفق العمومي، من بين الأسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة الفساد، إذ يزداد الفساد عند غياب الشفافية. أي يشكل الغموض وعدم الوضوح مصدر قوة الفساد.

ولإيجاد نظام ديمقراطي يحارب الفساد لابد من إيجاد نظم قانونية تدمج الشفافية كمبدأ إلزامي في كل المعاملات الإدارية والاقتصادية. لاتنحصر هذه النظم القانونية في المجال الداخلي بل تتعداها إلى المجال الدولي. إذ اجتاز الاهتمام بظاهرة الفساد النطاق الوطني ليشمل كل دول العالم وأصبح محل اهتمام هيئة الأمم المتحدة. توجت هذه المجهودات بإبرام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في ميريدا بالمكسيك سنة 2003. بحيث تشكل هذه الاتفاقية المصدر الأساسي لقواعد مكافحة الفساد على المستوى الدولي والإقليمي.

وفي هذا الإطار، كان لزاما علينا الوقوف على موقف المشرع الجزائري من مسألة كفالة شفافية إجراءات إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العمومي، طبقا لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199، بهدف مكافحة الفساد، ومدى توافق ذلك مع مختلف النظم القانونية المعنية بمسألة مكافحة الفساد، سواء الوطنية أو الدولية، بعدّها مصادر قانونية.

خصوصا وأنه لم يسبق وأن تم تناول موضوع شفافية إجراءات إبرام اتفاقيات تفويض المرافق العمومية في إطار مكافحة الفساد طبقا لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199بالدراسة، لذا نهدف من خلال هذه الورقة البحثية إلى:

-الوقوف على الثغرات التي تضمنتها أحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199المرتبطة بإجراءات إبرام تفويضات المرفق العمومي، والتي تسمح بفتح الباب أمام الفساد الإداري نتيجة غياب أو صعوبة تحقيق الشفافية.

-محاولة تقديم اقتراحات تساعد السلطات المختصة على سد الثغرات بما يجعل من المرسوم التنفيذي رقم 18-199وما يتضمنه من أحكام وإجراءات يشكل في حد ذاته آلية وقائية من الفساد من خلال تحقيق شفافية إجراءات تفويض المرافق العمومية.

من أجل تحقيق هذه الأهداف كان يجب الإجابة على الإشكالية التالية:

ما مدى فعالية أحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199في ضمان شفافية إجراءات تفويض المرافق العمومية، وذلك في إطار احترام أحكام النظم القانونية الوطنية والدولية المعنية بالوقاية من الفساد ومكافحته.

        ويتفرع على الإشكالية التساؤلات الفرعية الآتية:

-ما هي مختلف المصادر القانونية التي يمكن الاعتماد عليها في تكريس مبدأ "مكافحة الفساد" وإدراج "شفافية" إجراءات تفويض المرفق العمومي ضمن أحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199؟ وتحتم علينا الإجابة على هذا التساؤل الفرعي الوقوف على موقف المشرع، سواء الوطني أوالدولي، من العلاقة التفاعلية بين المقتربات الثلاثة "تفويضات مرفق عمومي"، "شفافية" و"فساد"؟

-في حالة اعتراف المشرع الجزائري بالعلاقة التفاعلية هذه، كيف قام بتنظيمها طبقا لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199؟

في محاولة للإجابة على الإشكالية أعلاه اعتمدنا على المنهج الوصفي، التحليلي والنقدي، باعتبارها مناهج تمكن من الإجابة على الإشكالية من خلال وصف ظاهرة الفساد بصفة عامة والفساد في مجال تفويضات المرفق العمومي بصفة خاصة. في حين يتلاءم المنهجان التحليلي والنقدي مع تحليل مسار محاربة الفساد في مجال تفويضات المرفق العمومي في مختلف النظم القانونية الوطنية والدولية، وتخصيص الدراسة النقدية لموقف المشرع الجزائري من خلال أحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

لذا عمدنا إلى تقسيم الدراسة إلى مبحثين على النحو الآتي:

المبحث الأول: مصادر أحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199المتعلقة بشفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي في إطار مكافحة الفساد

المبحث الثاني:الإطار الإجرائي لتجسيد شفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 18-199.

المبحث الأول: مصادر أحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199المتعلقة بشفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي في إطار مكافحة الفساد

يتناول موضوع المبحث الأول مصادر أحكام مكافحة الفساد، والتي تشكل في الوقت نفسه مصادر لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199المتعلقة بشفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي. وتتنوع هذه المصادر بين المصادر التاريخية (المصادر المادية) والمصادر الشكلية.  تفرض علينا المصادر التاريخية دراسة واقع التلازم التاريخي والواقعي بين التنظيم القانوني لتفويضات المرفق العمومي من جهة، والشفافية ومكافحة الفساد من جهة أخرى، في مطلب أول. في حين يتعلق المطلب الثاني بموقع تفويضات المرفق العمومي من سياسة مكافحة الفساد في إطار البحث عن المصادر القانونية الأخرى، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. 

المطلب الأول: المصدر التاريخي: التلازم التاريخي والواقعي بين التنظيم القانوني لتفويضات المرفق العمومي، الشفافية ومكافحة الفساد

نقصد بالمصدر التاريخي لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199المتعلقة بشفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي، في إطار مكافحة الفساد، أول النصوص القانونية عبر التاريخ الحديث تكريسا للعلاقة التفاعلية المركبة التي تشمل، من جهة، العلاقة بين نشأة القانون المنظم لتفويضات المرفق العمومي ومبدأ «مكافحة الفساد". والعلاقة بين مقتربي " الشفافية" و"مكافحة الفساد". من جهة ثانية. وهذا ما تم التعبير عنه بالتلازم التاريخي والواقعي بين التنظيم القانوني لتفويضات المرفق العمومي، الشفافية ومكافحة الفساد". سنحاول توضيح كل ذلك من خلال فرعين، بحيث نؤكد في الفرع الأول على حقيقة ارتباط نشأة قانون تفويضات المرفق العمومي بمكافحة الفساد، موضحين مفهوم الفساد الإداري؛ في حين نخصص الفرع الثاني لتوضيح العلاقة الواقعية الحتمية الموجودة بين "الشفافية" ومكافحة الفساد، مفسرين بذلك سبب تركيز موضوع المقالة على شفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي في إطار مكافحة الفساد.

الفرع الأول: ارتباط نشأة قانون تفويضات المرفق العمومي بمكافحة الفساد

يتضمن هذا العنصر تأكيدا على الارتباط التاريخي بين نشأة قانون تفويضات المرفق العمومي ومكافحة الفساد، من خلال العنصر (أولا). وبعدّ أنأول استعمال تشريعي لمصطلح تفويضات المرفق العمومي ارتبط بمكافحة الفساد وشفافية الإجراءات العامة سنحاول الوقوف على مفهوم مصطلح "فساد إداري" من خلال العنصر (ثانيا).

أولا-نشأة قانون تفويضات المرفق العمومي:

يعدّالتشريع الفرنسي أول القوانين (مصدر تاريخي) في العصر الحديث التي كرست التفويض، كمصطلح وليس مجرد تقنية، باعتبارها فئة قانونية جديدة في حقل العقود الإدارية وربطها بمكافحة الفساد، وكان ذلك لأول مرة بموجب القانون رقم 93-122المؤرخ في 29جانفي 1993المتعلق بالوقاية من الفساد وشفافية الحياة الاقتصادية والإجراءات العمومية والذي أطلق عليه "Loi Sapin"، (رقروقي، 2017، صفحة 71)  من خلال إدماجه لتفويضات المرفق العمومي ضمن محفظة الشفافية. (Boiteau, 2007)    

وقد حاول المشرع الفرنسي بذلك جمع العديد من العقود في صنف واحد وتنظيمها بشكل شامل تحت مسمى "تفويضات المرفق العمومي" ضمن القسم الثاني المخصص للأحكام العامة ذات الصلة بشفافية الحياة الاقتصادية، من خلال تخصيص فصل رابع بعنوان "تفويضات المرفق العام" يضم عشر (10) مواد (من المادة 38إلى المادة 47).

جاء القانون أعلاه إجابة لمشاكل مختلفة تفجرت في مجال إبرام هذا النوع من العقود، يتعلق الأمر بمكافحة الفساد وشفافية الإجراءات العامة، وذلك وفقا لما أشار إليه عنوان القانون "الوقاية من الفساد وشفافية الحياة الاقتصادية والإجراءات العامة"، فقد كان للقانون رقم 93-122كهدف تعقيم وأخلقة عقود تفويضات المرفق العمومي من خلال جعلها أكثر شفافية. (Lehoux & Guellier, 2014, p. 36)

ثانيا-مفهوم الفساد الإداري

تتكون كلمة "فساد إداري" من تركيبة اصطلاحية ثنائية، تمثل أولاهما كلمة "فساد". لذا سنحاول من خلال هذا العنصر الوقوف على مفهوم مصطلح "فساد" أولا ثم تحديد المفهوم الاصطلاحي لعبارة "فساد إداري".

أ‌-تعريف "الفساد" لغة: تطلق كلمة "فساد" في اللغة العربية على ما يناقض الصلاح، والذي يقصد به إما ما بحدث من تغييرات على الأشياء من تلف وخروج الشيء عن كونه منتفعا به، كأن بقال فسد الخبز إذا عفن؛ أو ينظر إليه بمعنى الأفعال التي يقوم بها الإنسان من خيانة الأمانة والبعد عن الاستقامة أو الفضيلة أو المبادئ الأخلاقية والتحريض على الخطأ باستخدام وسائل غير سليمة أوغير قانونية مثل الرشوة. (غنو، 2017، صفحة 223) 

ب‌-                     تعريف "الفساد" في الفقه الإسلامي: نظرا لخطورة "الفساد" ورد ذكر هذا المصطلح في خمسين (50) آية من القرآن الكريم في مناسبات مختلفة. ويتبين من خلال هذه الآيات أن كلمة "فساد" في القرآن الكريم تشمل نوعين من الفساد على النحو التالي:

·فساد عقائدي: يقصد به الفساد المرتبط بالتعدي على حقوق الله، مثل ما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة:

« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴿204﴾ وإذا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴿205﴾»

·الفساد المعاملاتي: يقصد به الفساد المرتبط بالتعدي على حقوق الخلق، ويشمل الفساد الخلقي، السياسي، المالي... وذلك مصداقا لقوله تعالى في سورة الفجر: «وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴿10﴾ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴿11﴾ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴿12فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴿13»

ج-تعريفالفساد الإداري "اصطلاحا":

1-                       تعريف المشرع للفساد الإداري: عرف المشرع الجزائري الفساد بصفة عامة في القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، حيث نصت المادة 2/1منه على أن: «الفساد هو كل الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون.»

وبالرجوع إلى محتوى الباب الرابع تستوقفنا مجموعة ملاحظات، تتمثل أهمها في عدم لجوء المشرع الجزائري إلى إعطاء تعريف خاص بالفساد، إنما أشار إلى أنماط الجرائم التي تعتبر فسادا أو ما يسمى بالمظاهر الدالة على الفساد أو صور الفساد. ويكون بذلك المشرع الجزائري قد حذا حذو ما تضمنته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، خصوصا وأن القانون رقم 06-01جاء تطبيقا لهذه الاتفاقية.  (بوغرة، 2017-2018، الصفحات 5-6)

2-                       التعاريف المؤسساتية للفساد الإداري:سيتمالتركيز من خلال هذا العنصر على أهم التعاريف على النحو الآتي:

-                       عرفت منظمة الشفافية العالمية الفساد الإداري بأنه: «إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق كسب خاص.»(أبو المعاطي غنيم، 2018، صفحة 232)

ينطوي هذا التعريف على عدد من العناصر الأساسية، منها:

·   تشير العبارة "إساءة استخدام السلطة العامة" إلى سوء الاستخدام النظامي والفردي الذي يتراوح بين الخداع والأنشطة غير القانونية والإجرامية، حيث يؤدي الفساد إلى تحويل الأموال والأملاك الوطنية في الاتجاه غير المخصص لاستخدامها.

ويتوافق هذا المعنى مع ما تضمنته الإرشادات العامة للبنك الدولي فيما يتعلق بالتوريدات والاستشاريين، في مراجعته المؤرخة في آيار 2004، حيث تأخذ الممارسات الاحتيالية والفساد صور أربعة هي: الممارسات الفاسدة (تتمثل الممارسات الفاسدة في عرض، تقديم، تلقي، طلب أي شيء ذا قيمة بشكل مباشر أو غير مباشر)، الممارسات الاحتيالية (تقوم الممارسات الاحتيالية على تقديم معلومات مضللة أو حذف حقائق للتأثير على عملية إبرام وتنفيذ العقود)، الممارسات التواطؤية (يعدّ ممارسات تواطؤية ذلك الاتفاق بين اثنين أو أكثر من مقدمي العروض من أجل تقديم أسعار وهمية وغير تنافسية)، الممارسات القهرية (تكون الممارسات قهرية عن طريق التعرض أو التهديد بالتعرض للأشخاص أو ممتلكاتهم للتأثير على مشاركتهم في عملية إبرام أو تنفيذ العقود) .

·   تسلط عبارة "السلطة العامة" الضوء على سوء الاستخدام النظامي والفردي لأداء المسؤولين السياسيين وموظفي القطاع العمومي. لكن لم يشر هذا التعريف إلى فساد الشركات الخاصة ورجال الأعمال.

·   تغطي عبارة "لتحقيق كسب خاص" كل من المكاسب المالية وغير المالية بما فيها المعنوية.

-                       جاء في تعريف صندوق النقد الدولي للفساد بأنه: «علاقة الأيدي الطويلة والخفية المعتمدة التي تهدف لكسب الفوائد والأرباح بصورة غير مشروعة قانونا من هذا السلوك لشخص واحد أو مجموعة ذات العلاقة بالآخرين.» (سابح، 2012، صفحة 56)

نلاحظ من خلال التعريف أعلاه أن عبارة " الأيادي الطويلة والخفية" تحمل مفهوما واسعا يتعدى موظفي القطاع العمومي إلى المستثمرين أو المتعاملين الاقتصاديين من القطاع الخاص، كما يشمل أطرافا أخرى يكون لهم تأثير في هذه المعاملات دون أن يأخذوا وصف الأطراف الرسمية.

-                       عرف البنك الدولي الفساد بأنه: «إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، فالفساد يحدث عندما يقوم موظف بقبول أو طلب أو ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات للتغلب على منافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين...» (غنو، 2017، صفحة 224)

نلاحظ أن التعريف أعلاه تضمن في طياته إشارة صريحة إلى مجال من مجالات الفساد وهو الفساد المرتبط بالعقود والمناقصات. لكن حصر الفعل الفاسد في "الرشوة".

كما نلاحظ تدارك التعريف ذاته للقصور الذي تضمنه تعريف منظمة الشفافية الدولية للفساد، حيث أشار إلى طرفي الفساد المتمثلان في الموظف العمومي من جهة باعتباره الجهة العرضة أو القائمة بالمخالفة المشكلة للفساد، والقطاع الخاص ممثلا في الشركات ورجال الأعمال من جهة أخرى باعتبارهم الجهة المحرضة على الفعل المخالف المرتب للفساد.

فيكون الفساد في العقود نتاج التفاعل أو المشاركة بين طرفين، وإذا تعلق الأمر بالعقود الإدارية كان أحد الطرفين القطاع العمومي. حيث غالبا ما يظهر فساد الموظف العمومي في مجالات الالتماس بين القطاعين العمومي والخاص.

       نستنتج من خلال ما سبق أن الفساد يتحقق في إحدى الحالتين:

·  الحالة الأولى:عندما يتم تنفيذ وتقديم الخدمات المشروعة، أي عندما يقبض الموظف رشوة من أجل القيام بمهامه العادية المكلف بأدائها.

·  الحالة الثانية:عندما يقوم الموظف بتأمين خدمات يمنعها القانون، كتسريب معلومات سربة. وإذا أسقطنا هذا المفهوم على العقود الإدارية سيقوم المسؤولون باتخاذ قرارات استثمارية غير محايدة ومنحازة إلى جانب بعينه لا تخدم الصالح العام.

     الفرع الثاني: "الشفافية"   ضرورة حتمية لمكافحة الفساد

       يعبر عنوان الفرع الثاني عن العلاقة الحتمية الموجودة بين الشفافية ومكافحة الفساد، والتي تستلزم منا التطرق إلى تعريف الشفافية (أولا)، ثم دور الشفافية في الحد من الفساد (ثانيا).

     أولا-تعريف الشفافية

أ‌-تعريف الشفافية لغة: تشتقكلمة "شفّافة" من "شفّ"، "يشفّ" و "شفّاف" بمعنى القدرة على إبصار الأشياء الموضوعة خلف الشيء أوهي الشيء الذي يمكن النظر من خلاله بسهولة.

وتأتي كلمة شفّافية" ترجمة للمصطلح الانجليزي (Transparence) والتي تعني في قاموس (ماكمان) الطريقة النزيهة في عمل الأشياء التي تمكن الناس من معرفة ما تقوم به. (غنو، 2017، الصفحات 221-222) 

ب‌-                     تعريف الشفافية اصطلاحا: تعددت تعريفات الشفافية. فعرفتها منظمة الشفافية الدولية بأنها: «المبدأ الذي يتيح للمتأثرين بقرار إداري، تجاري أو خيري، معرفة ليس فقط الحقائق الأساسية، لكن أيضا آلياته وعملياته، إنه واجب موظفي الخدمة المدنية، مدراء وأمناء ليعملوا ظاهرا، متوقعا ومفهوما.» (غنو، 2017، صفحة 222)

فتعبّر الشفافية بهذا المعنى عن حق كل صاحب مصلحة في الوصول إلى المعلومات ومعرفة آليات اتخاذ القرارات. وتحقيقا لذلك تمتلك الأنظمة ذات الشفافيّة إجراءات واضحة عن كيفية صنع واتخاذ القرار، كما تمتلك قنوات اتصال مفتوحة بين أصحاب المصلحة والمسؤولين، ووضع المعلومات في متناول الجمهور. (غنو، 2017، صفحة 229) 

وبهذا المعنى، نلاحظ أن للشفافية مستويين:

·  المستوى الأول:يقصد بالشفافية الوضوح والتبيان في كل مجالات العمل التي تتم بين الإدارة العليا والمستويات الإدارية الأخرى، بحيث تكون المعلومة متاحة للجميع كل حسب اختصاصه. 

·  المستوى الثاني:يقصد بالشفافية في هذا المستوى حق كل مواطن في الوصول إلى المعلومة ومعرفة آليات اتخاذ القرار، ويتحقق ذلك عن طريق العلنية، تكافؤ الفرص للجميع وسهولة الإجراءات. (فلاق، 2015، صفحة 11)

نستنتج من كل ما سبق أن الشفافية في مجال العقود تقتضي أن تصل المعلومة أو المعلومات كاملة لجميع المتعاملين في الوقت نفسه عبر قنوات رسمية دون تشويهها أو تحريفها أو إظهارها غامضة. وهذا بخلاف "تسريب المعلومات" الذي يكون لفئة معينة من المتعاملين الاقتصاديين قبل وصولها إلى كافة المستثمرين.

ثانيا-دور الشفافية في الحد من الفساد الإداري:

تشير بعض التجارب العالمية إلى العديد من العوامل التي غالبا ما تؤدي إلى وقوع الفساد أو ترتبط به ارتباطا عاليا، ويعتبر انعدام الشفافية أهم هذه العوامل. إذ يزداد الفساد عند غياب الشفافية، حيث يكون الغموض وعدم الوضوح مصدر قوته. أي توجد علاقة سالبة أو علاقة تنافر أو علاقة عكسية بين الشفافية وانتشار أنماط الفساد. (أبو المعاطي غنيم، 2018، صفحة 233) 

وتوثيقا أو تأكيدا لهذه العلاقة بين الفساد والشفافية قام "بيتر آيجن" مدير البنك الدولي السابق، بتأسيس منظمة الشفافية الدولية في عام 1993–والتي تعد أكبر منظمة غير حكومية في العالم لمكافحة الفساد-أين كانت "الشفافية" و"النزاهة" المفتاحان اللذان يدور حولهما الهدف المنشود وهو محاربة الفساد. (سابح، 2012، صفحة 59)

وتأكيدا لهذه العلاقة العكسية بين "الفساد" و"الشفافية" صاغت منظمة الشفافية الدولية المعادلة التالية:

الفساد= (احتكار+ حرية التصرف) _ (المساءلة + النزاهة + الشفافية)

واحتلت الشفافية المرتبة الأولى في تقرير صندوق النقد الدولي فيما يتعلق باستراتيجيات تخفيف الفساد. (صندوق النقد الدولي، 2016)

       وتأكيدا على العلاقة الطردية بين "الشفافية" و"مكافحة الفساد" نصت المادة 5من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بعنوان "سياسات وممارسات مكافحة الفساد الوقائية" على ما يأتي:

«1-تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة.» 

لذا سنقول أن من أهم الإجراءات التي يستلزم اتخاذها لمكافحة الفساد اتباع معايير الشفافية في عقود مختلف الهيئات والمؤسسات الإدارية من خلال توفير الوضوح، تحقيق العقلانية والنزاهة، تكافؤ الفرص للجميع وسهولة الإجراءات. وكذا كشف الشركات الأجنبية والوطنية التي تحاول بطريقة غير مشروعة الحصول على معاملات، وعدم التعامل معها مستقبلا. 

بعبارة أخرى كلما كان هناك تكريس قانوني للشفافية كانت هناك إرادة لمكافحة الفساد؛ كما أن كل قانون لمكافحة الفساد يتضمن في طياته إعمالا لمبدأ "الشفافية"، ولو ضمنيا.

المطلب الثاني: المصادر القانونية الوطنية والدولية: موقع تفويضات المرفق العمومي من سياسة مكافحة الفساد

نحاول من خلال المطلب الثاني البحث عن مدى اعتبار تفويضات المرفق العمومي مشمولة بالتنظيم القانوني ضمن السياستين الوطنية والدولية لمكافحة الفساد، ومدى إمكانية اعتبارها مصادر لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199المتعلقة بشفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي.

وفي محاولة لتوضيح كل ذلك سنقسم المطلب إلى فرعين، بحيث يتعلق الفرع الأول بالمصادر القانونية الوطنية التي تمت الإشارة إليها في مقدمة أو ديباجة المرسوم التنفيذي رقم 18-199باعتبارها مصادر مباشرة تمثل الأسانيد القانونية المعتمد عليها في سن هذا المرسوم التنفيذي؛ والتي تتضمن تعبير عن موقف المشرع الجزائري من إدماج مبدأ "مكافحة الفساد" ضمن القوانين المنظمة لتفويضات المرفق العمومي؛ في حين يتضمن الفرع الأول المصادر القانونية الدولية، باعتبارها مصادر غير مباشرة للمرسوم التنفيذي رقم 18-199، يتم من خلالها  توضيح موقع تفويضات المرفق العمومي من السياسة الدولية لمكافحة الفساد.

الفرع الأول: المصادر القانونية الوطنية: موقف المشرع الجزائري من إدماج مبدأ "مكافحة الفساد" ضمن القوانين المنضمة لتفويضات المرفق العمومي

       تماشيا مع السياسة الدولية لمكافحة الفساد، لاسيما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04-128، قام المشرع الجزائري بإصدار القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، أين أولى المشرع عناية لمكافحة الفساد في مجال الصفقات العمومية بشكل صريح من خلال نص المادة 9المعنونة بـ "إبرام الصفقات العمومية". وكذا المادتين 26و27.

لكن يدفعنا ذلك إلى طرح التساؤلات الآتية: ما هو موقع تفويضات المرفق العمومي من الحماية المقررة ضد الفساد بموجب القانون رقم 06-01؟ بعبارة أخرى هل تعتبر تفويضات المرفق العمومي غير محمية ضد الفساد استنادا إلى عدم النص الصريح عليها في القانون رقم 06-01؟ وما هو موقع مبدأ "مكافحة الفساد" ضمن أحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199؟

أولا-الإدماج الضمني لمبدأ "مكافحة الفساد" ضمن المرسوم التنفيذي رقم 18-199

حذا المشرع الجزائري حذو التشريعات المقارنة، مثل المشرع الفرنسي والمغربي، وقام بالنص على أحكام خاصة بتنظيم تفويضات المرفق العمومي من خلال المرسوم الرئاسي رقم 15-247، ثم أعقبه بالمرسوم التنفيذي رقم 18-199.

ونستنتج من خلال المرسوم التنفيذي الأخير أن اتفاقيات تفويض المرفق العمومي مشمولة بالحماية ضد الفساد، وذلك استنادا إلى المبررات التالية:

·  بالرجوع إلى قائمة القوانين الوارد ذكرها في ديباجة المرسوم التنفيذي رقم 18-199، نجد أنه تمت الإشارة إلى القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، مما يدل على أن اتفاقيات تفويضات المرفق العمومي مشمولة بالحماية ضد الفساد في كل صوره وليس الصورة المحصورة في جرائم الفساد المرتبطة بالصفقات العمومية فقط.

·  نصت المادة 3من المرسوم التنفيذي رقم 18-199على الإحالة إلى المادة 5من المرسوم الرئاسي رقم 15-247. ونصت هذه الأخيرة على مبادئ ضمان نجاعة الطلب العمومي والاستعمال الحسن للمال العام. وكان من بين هذه المبادئ شفافية الإجراءات. وكما سبقت الإشارة إليه تعدّالشفافية نقيض الفساد، مما يدل على أن اتفاقيات تفويض المرفق العمومي مشمولة بالحماية ضد الفساد.

ثانيا-موقع تفويضات المرفق العمومي ضمن القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد في التشريع الجزائري

تضمن القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته حكما خاصا بالرشوة في مجال الصفقات العمومية، وذلك بموجب نص المادة 27الذي جاء فيه:

«يعاقب بالحبس من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة وبغرامة من 1000000د.ج. إلى 2000000د.ج. كل موظف عمومي يقبض أو يحاول أن يقبض لنفسه أو لغيره، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أجرة أو منفعة مهما يكن نوعها بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق باسم الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري أو المؤسسات العمومية الاقتصادية.»

نلاحظ من خلال النص أعلاه أن المشرع الجزائري اكتفى باستعمال مصطلح "عقد" دون الإشارة الصريحة لاتفاقيات تفويض المرفق العمومي، بخلاف الصفقات العمومية. هل هذا يعني أن المشرع الجزائري لم يحط اتفاقيات تفويض المرفق العمومي بالتأطير القانوني للحماية من الفساد ضمن قوانين مكافحة الفساد، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذه الأخيرة مصادر للمرسوم التنفيذي رقم 18-199؟ 

حسب تصورنا لا يمكن الإجابة على هذا التساؤل إلا بعد الرجوع إلى واقع تنظيم تفويضات المرفق العمومي قبل صدور القانون رقم 06-01.  أين نلاحظ أن المشرع الجزائري اكتفى في البداية بالنص على نوع واحد من أنواع تفويضات المرفق العمومي كأسلوب غير مباشر لتسيير المرافق العمومية وهو أسلوب الامتياز. ويتأكد ذلك من خلال نص المادة 138من القانون رقم 90-08المتضمن قانون البلدية.

وإذا كان قانون البلدية أعلاه لم ينص على تفويض المرفق العمومي كأسلوب لتسيير المرافق العمومية، فقد تضمنت قوانين خاصة النص على هذا الأسلوب للتسيير، وكانت هذه القوانين تحمل طابعا صناعيا وتجاريا، وكان القانون رقم05-12المتضمن قانون المياه من أبرز تلك القوانين، أين تم تخصيص قسم خاص من القسم الثاني بعنوان "تفويضات الخدمة العمومية".

نستنتج من كل ما سبق أن التردد الذي اكتنف موقف المشرع الجزائري في النص على استعمال أسلوب تفويض المرافق العمومية في تسيير المرافق العمومية في الجزائر، يعتبر من أول الأسباب الداعية إلى عدم نص المشرع الجزائري بشكل صريح في القانون رقم 06-01على عقود تفويضات المرفق العمومي في إطار مكافحة الفساد، واكتفائه بالنص صراحة على الصفقات العمومية التي حظيت بتنظيم مفصل لأحكامها ضمن تنظيمات الصفقات العمومية بعدّهاأشهر أنواع العقود التي تبرمها الإدارة العمومية آنذاك.

وتتأكد هذه الأهمية والحماية التي خص بها المشرع الجزائري الصفقات العمومية، باعتبارها تعبر عن كل أنواع العقود الإدارية، من خلال القانون رقم 11-10المتضمن قانون البلدية. فقد استعمل المشرع الجزائري ضمن الفصل الرابع من هذا القانون الأخير تحت عنوان "المصالح العمومية البلدية" عبارة "الامتياز وتفويض المصالح العمومية"، حيث نصت المادة 150/2على أنه: «ويمكن تسيير هذه المصالح مباشرة في شكل استغلال مباشر أوفي شكل مؤسسة عمومية بلدية عن طريق الامتياز أو التفويض. » وأكد المشرع على أن يتم تفويض المصالح العمومية في شكل صفقة برنامج أو صفقة طلبية، طبقا لنص المادة 156.

نفهم من ذلك أن المشرع الجزائري قصد إبرام الاتفاقيات المتعلقة بتفويضات المرافق العمومية بأسلوب الصفقة العمومية. وقد يكون هذا المفهوم المعتمد من طرف المشرع الجزائري هو التفسير القوي لاستعمال المشرع ذاته في نص المادة 27من قانون مكافحة الفساد لمصطلح الصفقات العمومية، معبرا به عن أسلوب إبرام العقود الإدارية وليس نوعا من أنواع العقود الإدارية. لذا نتوصل إلى أن مصطلح "عقد" الوارد في نص المادة 27من القانون رقم 06-01يحمل مفهوما واسعا ليشمل كل أنواع العقود التي تبرمها أية إدارة عمومية، ويمتد بذلك مصطلح "عقد" ليستوعب تفويضات المرفق العمومي، مما يدفعنا إلى القول بأن القانون أعلاه مصدرا للمرسوم التنفيذي رقم 18-199فيما يتعلق بمكافحة الفساد في مجال تفويضات المرافق العمومية.

بمعنى آخر لا ينحصر المقصود بمصطلح "عقد" الوارد في نص المادة 27أعلاه في العقود التي تبرمها أحد الهيئات الوارد ذكرها في المادة 27ذاتها والمتعلقة بصرف نفقات عمومية تقل مبالغها عن عتبة الصفقة كالاستشارة والاتفاقية وسند الطلب. لأن هذا التفسير يستبعد كل العقود الإدارية الأخرى بما فيها اتفاقيات تفويض المرفق العمومي، وهو ما لا يتوافق مع واقعة إدراج القانون رقم 06-01ضمن قائمة القوانين الوارد ذكرها في ديباجة المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

الفرع الثاني: المصادر القانونية الدولية: موقع تفويضات المرفق العمومي من السياسة الدولية لمكافحة الفساد

تتجسدالسياسة الدولية لمكافحة الفسادفي مجموعة آليات قانونية وأخرى مؤسساتية متعددة، لأن الفساد لم يعد شأنا داخليا بل هو ظاهرة عبر وطنية تمس كل المجتمعات والاقتصاديات، مما يجعل منع الفساد والقضاء عليه مسؤولية تقع على عاتق جميع الدول. لكن سنكتفي في هذه الورقة البحثية بالتركيز على الاتفاقية الأمميةلمكافحة الفساد بعدّهاأول صك دولي ملزم لمكافحة الفساد وباعتبارها السند القانوني الذي استند إليه المشرع الجزائري في صياغة القانون رقم 06-01المذكور أعلاه والذي يشكل مصدرا للمرسوم التنفيذي رقم 18-199.

حيث جاء في الفصلالثاني من الاتفاقية الأممية أعلاه بعنوان "التدابير الوقائية «، في نص المادة 9بعنوان "المشتريات العمومية وإدارة الأموال العامة" ما يأتي:

«1-تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني بالخطوات اللازمة لإنشاء نظم شراءمناسبة تقوم على الشفافية والتنافس وعلى معايير الموضوعية في اتخاذ القرارات، وتتسم ضمن جملة أمور، بفاعليتها في منع الفساد. وتتناول هذه النظم، التي يجوز أن تراعي في تطبيقها قيم حدية مناسبة، أمورا، منها:»

نلاحظ أنه لم يرد ضمن نص المادة 9أعلاه ذكر صريح لمصطلح "تفويضات المرفق العمومي" ولا حتى مصطلحي "عقد/عقد إداري" على أقل تقدير، بل خصت المادة 9بالمشتريات العمومية أو ما نصطلح عليه بـ "الصفقات العمومية". فكيف نفسر ذلك؟ هل يعني هذا عدم تخصيص تفويضات المرفق العمومي بإجراءات وتدابير مكافحة الفساد الوارد ذكرها في الاتفاقية السابقة؟ وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها كمصدر لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199في إطار مكافحة الفساد؟

يحتمل ذلك عدة تفسيرات، نفترض منها ما يلي:

- التفسير الأول:تم تخصيص مادة للفساد في الصفقات العمومية، دون بقية العقود بما فيها العقود الإدارية، نظرا لأن الصفقات العمومية تشكل المجال الخصب لظاهرة الفساد. في حين تدرج صور الفساد المرتبطة ببقية العقود الأخرى ضمن صور الجرائم التي تمثل موضوعا للفساد بصفة عامة والمنصوص عليها في الفصل الثالث بعنوان "التجريم وإنفاذ القانون".  مع ملاحظة أنهلم تأتي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على النص على كل الجرائم المرتبطة بالفساد، من ذلك: المحسوبية، التهرب الضريبي، الإفلاس الاحتيالي، تزوير الوثائق...

- التفسير الثاني: كللت مجهودات البرلمان الأوروبي بتبني la résolution législativeالمتعلق باقتراح توجيهات (directive) البرلمان الأوروبي حول منح عقود الامتياز –إحدى أنواع تفويضات المرفق العمومي- بتاريخ 15جانفي 2014. (Lehoux & Guellier, 2014, p. 36)

مما يوضح أن تنظيم المجالات المتعلقة بتفويضات المرافق العمومية كانت متروكة للقوانين الداخلية إلى غاية التاريخ أعلاه، وهو تاريخ لاحق على تاريخ صدور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

المبحث الثاني: الإطار الإجرائي لتجسيد شفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 18-199

يرى الأستاذ "حسن عبد الرحيم السيد" أن للشفافية ارتباط بالمعلومة وكشف المعلومة وجعلها في متناول يد كل ذي مصلحة. (شريفي، 2013، صفحة 93) لهذا هناك من المشرعين من استعمل مصطلح "العلانية" نعبيرا عن الشفافية. حيث يبعد مبدأ "العلانية" الشك والريبة في تعاملات الإدارة ويحقق نوعا من المنافسة المشروعة بين عدد غير محدود من الراغبين في التعاقد، بما يسمح باختيار المفوض له القادر على الاستجابة لمتطلبات سبر المرفق العمومي من قابلية المرفق العمومي للتطور والتكيف، سير المرفق العمومي بانتظام واطراد والمساواة بين المرتفقين؛ وبالتالي منح العقد إلى المتعهد الذي يقدم أفضل عرض. (زمالي، 2018، صفحة 494)

      استنتاجا مما ورد أعلاه، يقصد بشفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي علانية المعلومات المتعلقة بإجراءات إبرام تفويضات المرفق العمومي.

وتحقيقا لمبدأ شفافية إجراءات إبرام العقد الإداري، وفقا لهذا المفهوم، ألزم المشرع الجزائري الإدارة العمومية باحترام مجموعة من المقتضيات والتي تشكل في الوقت نفسه معايير تحقيق شفافية الإجراءات. ومن بين المعايير التي تحقق شفافية (علانية) الإجراءات في العقود الإدارية بصفة عامة واتفاقيات تفويضات المرفق العمومي بصفة خاصة، تلك التي تم النص عليها في المادة 9من القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، باعتباره من بين القوانين التي يستند إليها المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

حيث نصت المادة 9من القانون رقم 06-01على أن: «يجب أن تؤسس الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات العمومية على قواعد الشفافية...»

وقد جاءت هذه المقتضيات (والتي سماها المشرع الدولي قيما حدية) متوافقة أو متطابقة مع تلك التي نصت عليها المادة 9من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

       حاول المشرع الدولي توضيح مفهوم هذا المقتضى في نص المادة 9/1(أ) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والذي جاء فيه: «توزيع المعلومات المتعلقة بإجراءات وعقود الشّراء، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالدعوات إلى المشاركة في المناقصات، والمعلومات ذات الصلة أو الوثيقة الصلة بإرساء العقود، توزيعا عاما، مما يتيح لمقدمي العروض المحتملين وقتا كافيا لإعداد عروضهم وتقديمها.»

       يتبين لنا من خلال استقراء نص المادة أعلاه – وإسقاطا له على إجراءات إبرام اتفاقيات تفويض المرافق العمومية- أن الإعلان أو توزيع المعلومات يشمل نوعين من المعلومات، تتعلق الفئة الأولى بالمعلومات المتعلقة بالدعوات إلى المشاركة في الطلب على المنافسة، أوما يعبر عنه بالإشهار أو الإعلان المسبق. وتتعلق الفئة الثانية بالمعلومات ذات الصلة أو الوثيقة الصلة بإرساء اتفاقيات تفويض المرفق العمومي. وهذا ما سنحاول توضيحه من خلال المطالب التالية.

المطلب الأول: الإعلان المسبق كإجراء لتحقيق شفافية إجراءات إبرام تفويضات المرفق العمومي

يعد الإعلان المسبق أولى خطوات التعاقد، وهو نقيض السرية يقصد به إيصال العلم إلى جميع الراغبين في التعاقد وإبلاغهم عن رغبة الإدارة في التعاقد وكيفية الحصول على شروط التعاقد، نوعية المواصفات المطلوبة ومكان وزمان فتح الأظرفة.

وقد نص المشرع الجزائري على الإعلان المسبق أوالإشهار عن الرغبة في إبرام اتفاقية تفويض مرفق عمومي في المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

لكن اشترط المشرع الأممي في نص المادة 9أعلاه أن يكون توزيع المعلومات هذا عاما وأن يتيح لمقدمي العروض المحتملين الوقت الكافي لإعداد عروضهم وتقديمها. فهل ضمن المشرع الجزائري هذه الشروط عند تنظيمه للإعلان المسبق في مجال تفويضات المرفق العمومي بما يحقق الشفافية؟

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل سيتم التطرق إلى شكليات الإعلان المسبق في فرع أول وبياناته في الفرع الثاني.

الفرع الأول: شكليات الإعلان المسبق

نصت المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199صراحة على أن: «يجب أن يتم نشر الطلب على المنافسة بشكل واسع وبكل وسيلة مناسبة. ويجب إشهاره، على الأقل في جريدتين يوميتين باللغة الوطنية واللغة الأجنبية.»

لكن نصت في المقابل المادة 26من المرسوم التنفيذي ذاته على إمكانية إعفاء بعض المرافق العمومية، نظرا إلى حجمها ونطاق نشاطاتها، من إجبارية الإشهار في الجرائد، شريطة ضمان إشهار واسع بكل وسيلة أخرى. ويتعين على السلطة المفوضة أن تعلل لجوءها لهذا الإجراء.

يتكون لدينا من خلال استقراء أو تحليل نص المادتين أعلاه شبه يقين بأن صياغة المادتين يفتح المجال على مصراعيه أمام الفساد، نتيجة ما يكتنف النص من غموض. ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:

-                       النقطة الأولى: تتعلق النقطة الأولى بالوسيلة المستعملة في الإشهار، أين نص المشرع على وجوب نشر الطلب على المنافسة على الأقل في جريدتين يوميتين باللغة الوطنية واللغة الأجنبية.

إذ لم يحدد المشرع طبيعة هذه الجرائد اليومية، فقد لا تملك هذه الجرائد اليومية مقروئية كبيرة من جهة أو تحمل طبيعة عامة غير متخصصة من جهة ثانية، مما تحقق احتمالية عدم الاطلاع عليها من طرف الراغبين في التعاقد المحتملين.

ويكمن الحل لهذا الغموض بصياغة نص صريح وواضح ودقيق ومفصل يحقق توزيعا واسعا للمعلومة وإعلام أكبر عدد من الراغبين المحتملين في التعاقد، من خلال اعتماد إعلان وطني متخصص ومتكرر. فلا تتحقق الشفافية إلا من خلال اعتماد إعلان مسبق تتوفر فيه الخصائص الثلاثة مجتمعة (الوطنية، التخصص، التكرار).

وقد استخرجنا هذه الخصائص من نص المادة 65/1و3من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، وكذا بالرجوع إلى القوانين والأنظمة المقارنة وعلى رأسها الفرنسي.

إذ ألزم المشرع الجزائري المصلحة المتعاقدة بإعلان طلبات العروض على الأقل في جريدتين يوميتين وطنيتين موزعتين على المستوى الوطني، عبارة غابت في نص المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

كما يجب أن يتم الإعلان على الأقل في وسيلتين من وسائل الإعلام، أين تكون إحداهما على الأقل متخصصة. إذ ألزم المشرع الجزائري المصلحة المتعاقدة بإعلان طلب العروض في النشرة الرسمية لصفقات المتعامل العمومي، والذي يعتبر إعلانا متخصصا.

كما نص المشرع الفرنسي على إلزامية الإعلان عن الدعوة إلى المنافسة في نشرية مؤهلة لاستقبال الإعلانات القانونية وأخرى متخصصة في قطاع التفويض؛ وهذا ما غاب في نص المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

وتم التأكيد على خاصية "التخصص" هذه في اجتهادات القضاء الإداري الفرنسي. فقد قضت محكمة الاستئناف الإدارية لليون (Lyon) بعدم قانونية الإشهار في مجلة من غير المعتاد استعمالها للإعلان عن طلب العروض، بغض النظر عن أهمية أو حجم سحبها. بحيت تم منح الأفضلية إلى مجلة متخصصة حتى لو كانت ذات سحب ضعيف (C.A.A. Lyon, req. nᵉ 97LY2641 , 28janvier 1999, Commune de Divonne-les-Bains). (Boiteau, 2007, p. 97)

لكن قد يجرنا هذا الطرح إلى طرح السؤال التالي: ما هو الحل الذي يمكن اعتماده في حالة استحالة النشر في مجلة متخصصة نتيجة غياب مثل هذه النشرية في القطاع المعني؟

جاء الحل في أحد اجتهادات القضاء الإداري الفرنسي، حيث يعود إلى الشخص العمومي (السلطة المفوضة) البحث عن نشرية أخرى ذات طابع عام يمكن أن تضمن إعلاما كافيا إلى المتعاملين الاقتصاديين لهذا القطاع. حيث يتم اختيار هذه النشرية تبعا للقطاع المعني.  وفي ذلك ضرب Claudie boiteauأمثلة، منها: إذا كان من المعتاد أن تعالج تفويضات المرفق العمومي في مجلة La Gazette des communes, des départements et des regions، بالنظر إلى تخصصها في الإعلام التشريعي، التنظيمي والقضائي المرتبطة بالجماعات المحلية، فإنه لا يمكن اعتبارها مجلة متخصصة في مجال التجهيز ومعدات الجبال (C.A.A. Marseille, req. nº00MA0076521octobre 2003, commune de la Llagonne,; C.E., 19novembre 2004, commune d’auxerre c/ 5ᵉSaur France). (Boiteau, 2007, p. 98)

-                       النقطة الثانية: منح المشرع الجزائري بموجب المادة 26من المرسوم التنفيذي رقم 18-199للسلطة المفوضة إمكانية إعفاء بعض المرافق العمومية، نظرا لحجمها ونطاق نشاطها، من إجبارية الإشهار في الجرائد، شريطة ضمان إشهار واسع بكل وسيلة أخرى.

       نلاحظ أن صياغة نص المادة 26أعلاه جاءت غامضة، بما يفتح المجال واسعا أمام السلطة المفوضة إلى التحايل. إذ لم يحدد المشرع الجزائري على وجه الدقة ما هي المرافق العمومية المعفاة من إجبارية الإشهار في الجرائد، وترك ذلك للسلطة التقديرية للسلطة المفوضة.

في حين، حفاظا على المال العام، كان الأجدر بالمشرع الجزائري أن يضع قائمة تحدد على وجه الدقة المرافق العمومية المعفاة من إجبارية الإشهار في الجرائد. وإذا افترضنا استحالة ذلك، كان على المشرع الجزائري على أقل تقدير تحديد الخصائص المميزة لهذه المرافق العمومية، بما لا يدع مجالا للسلطة التقديرية للسلطة المفوضة.

-                       النقطة الثالثة: استعمل المشرع الجزائري في نص المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199عبارة "على الأقل"، بما يشير إلى أن وسائل الإشهار الإجباري لا تكون حاجزا أمام إشهارات أخرى.

لكن ما أثار استغرابنا هو عدم نص المشرع الجزائري صراحة على الإعلان الإلكتروني فيما يخص الطلب على المنافسة المتعلق باتفاقيات تفويض المرفق العمومي في المرسوم التنفيذي رقم 18-199، هذا الأخير الذي كان صدوره في وقت لاحق للمرسوم الرئاسي رقم 15-247. في حين تم النص على الإعلان الإلكتروني في المادة 203من المرسوم الرئاسي رقم 15-247. خصوصا أننا في زمن تعتبر وسائل الاتصال الإلكترونية أوسع نطاقا وأسرع انتشارا، بما يتضمن في طياته خصائص التكرار والمجال الواسع للنشر بما يتعدى النطاق الوطني.

لكن نرى أنه حتى في حال اعتماد الإعلان الإلكتروني يجب أن تتوفر في هذا الأخير خاصية التخصص نفسها الواجب توفرها في الإعلان العادي، بما يسهل على الراغبين في التعاقد الاطلاع على الإعلان، وذلك نظرا لكثرة المواقع الإلكترونية. 

الفرع الثاني: مضمون الإعلان المسبق

كانت من بين التدابير أو الشروط الواجب احترامها تحقيقا لشفافية الإجراءات ما أشار إليه المشرع الجزائري في الفقرة الأخيرة من المادة 27من المرسوم التنفيذي رقم 18-199ونص المادة 28من المرسوم ذاته، حيث ألزم السلطة المفوضة باعتماد تاريخ لإيداع العروض يأخذ في الحسبان مدة تحضير العروض، وذلك لفسح المجال أمام أكبر عدد من العارضين. 

كما نص المشرع الجزائري على ضرورة تضمين الإعلان المسبق بيانات إلزامية نصت عليها المادة 27من المرسوم التنفيذي رقم 18-199على النحو التالي: «يجب أن يتضمن إعلان الطلب على المنافسة البيانات الآتية:

-                       تسمية السلطة المفوضة وعنوانها ورقم تعريفها الجبائي، إن وجد

-                       صيغة الطلب على المنافسة

-                       موضوع وشكل تفويض المرفق العام

-                       المدة القصوى للتفويض

-                       شروط التأهيل أو الانتقاء الأولي

-                       قائمة الوثائق المكونة لملف الترشح

-                       آخر أجل لتقديم ملف الترشح

-                       مكان إيداع ملف الترشح

-                       مكان سحب دفتر الشروط

-                       دعوة المترشحين لحضور اجتماع فتح الأظرفة

-                       كيفيات تقديم ملف الترشح الذي يجب أن يقدم في ظرف مغلق ومبهم، تكتب عليه عبارة (لا يفتح إلا من طرف لجنة اختيار وانتقاء العروض)

يجب أن يشير إعلان الطلب على المنافسة، إلى آخر يوم وآخر ساعة لإيداع الملفات وساعة فتح الأظرفة.»

لكن يمكن أن نثير بهذا الشأن السؤالين التاليين: ما هو الأثر القانوني المترتب في حالة إفتقاد الإعلان لبيان أو أكثر من البيانات الوارد ذكرها في نص المادة 27أعلاه؟ وما هو الجزاء المترتب في حالة قيام الموظف بتدابير احتيالية تمنح مجال أفضلية لأحد المشاركين عن طريق إعلامه مسبقا برغبة السلطة المفوضة في التعاقد قبل نشر إعلان الطلب على المنافسة؟

في محاولة للإجابة على السؤال الأول نلاحظ أن المشرع الجزائري قد أصبغ على البيانات الوارد ذكرها في نص المادة 27أعلاه صفة الإلزامية من خلال استعماله لعبارة "يجب" في مستهل المادة، مما يوحي إلى إمكانية إلغاء اتفاقية تفويض المرفق العمومي التي تم إبرامها في حالة عدم تضمين الإعلان أحد البيانات الإلزامية أو أكثر.  ونستدل في ذلك بالمادة 946من القانون رقم 08-09المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي نصت على أنه:

«يجوز إخطار المحكمة الإدارية بعريضة، وذلك في حالة الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام العقود الإدارية والصفقات العمومية...»

وقد تم إدراج هذه المادة في الفصـل الخامس المعنون بـــ "الاستعجال في مادة العقود والصفقات" بما نفهم منه الأهمية الكبيرة التي أولاها المشرع إلى شفافية العقود الإدارية التي يتم تحقيقها من خلال الإشهار والمنافسة.

لكن هل ينطبق أثر الإلغاء هذا عل كل البيانات، بما فيها غير الوارد ذكرها في نص المادة 27أعلاه؟

من أجل الإجابة على هذا التساؤل يمكن الرجوع إلى اجتهادات القضاء الإداري الفرنسي، والذي توصل إلى نتيجة مفادها أن وجود بعض النقص أو الخلل في الإعلان عن الصفقات لا يؤدي إلى إلغاء الصفقة. إذ فرق مجلس الدولة الفرنسي بين الشكليات الجوهرية وغير الجوهرية، حيث رأى أن المناقصة يعتريها عيب جوهري إذا خالفت المدة القانونية للإعلان أو إذا كان هناك نقص كبير في البيانات والمعلومات التي يستلزم وجودها في الإعلان. في حين لا يشوب الصفقة نقص من شأنه الإخلال بها حال حدوثه مثل خطأ في الأرقام من السهل أن ينتبه إليه المتقدم. (شريفي، 2013، صفحة 101)

من خلال إسقاطنا لهذا الاجتهاد على إجراءات الإعلان المسبق لإبرام اتفاقيات تفويض المرفق العمومي، نستنتج أن المشرع الجزائري حصر الإجراءات الجوهرية التي يترتب على إغفالها إلغاء الاتفاقية في البيانات الإلزامية المنصوص عليها في المادة 27من المرسوم التنفيذي رقم 18-199. وهذا ما أكدته المادة 55من القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته التي نصت على أنه: «كل عقد أو صفقة أو براءة أو امتياز أو ترخيص متحصل عليه من ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون يمكن التصريح ببطلانه وانعدام آثاره من قبل الجهة القضائية التي تنظر في الدعوى مع مراعاة حقوق الغير حسن النية.»

لكن نجد أن المشرع الجزائري، وبالتحديد في نص المادة 26من القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، لم يكتفي بالنص على إبطال العقد الناتج عن اتخاذ إجراء مخالف للقانون، بما فيها إغفال النص على البيانات الإلزامية في الإعلان المسبق؛ بل ارتقى بهذا الفعل وغيره من الأفعال، بما فيها الأفعال المذكورة في السؤال الثاني أعلاه، إلى درجة التجريم في حالة ما إذا كان الغرض من ذلك الفعل إعطاء امتيازات غير مبررة للغير.

 

 

 

المطلب الثاني: علنية المعلومات ذات الصلة بإرساء العقد

تتحقق علنية المعلومات ذات الصلة بإرساء العقد من خلال الإعلان عن المنح المؤقت، موضوع الفرع الأول؛ وضمان حق الطعن، موضع الفرع الثاني.

الفرع الأول: الإعلان عن المنح المؤقت

نصت المادة 41/1و2من المرسوم التنفيذي رقم 18-199على أن: «يتخذ مسؤول السلطة العمومية قرار المنح المؤقت للتفويض وفقا لأحكام المادة 73من المرسوم الرئاسي رقم 15-247المؤرخ في 2ذي الحجة عام 1436الموافق 16سبتمبر سنة 2015والمذكور أعلاه، ويتم إشهار هذا القرار وفق نفس الكيفيات المنصوص عليها في المادة 25من هذا المرسوم.

عندما يتعلق الأمر بقرار منح مؤقت لتفويض المرفق العام في حالة التراضي بعد الاستشارة، فإنه يتم الإشهار القرار بجميع الوسائل المتاحة، حسب حجم ونطاق نشاط المرفق العام.»

تستوقفنا في بداية تحليلنا لهذه المادة الملاحظات الآتية:

·  يشمل الإعلان عن المنح المؤقت عن طريق الإشهار كلا أسلوبي التعاقد، سواء الطلب على المنافسة أو أسلوب التراضي بعد الاستشارة. بخلاف الإعلان المسبق عن طريق الإشهار الذي يتعلق بأسلوب الطلب على المنافسة فقط.

·  أما فيما يتعلق بشكل ومضمون الإعلان، تنطبق عليها الملاحظات نفسها المشار إليها في المطلب السابق، لأن قرار المنح المؤقت يخضع لكيفيات الإشهار نفسها المنصوص عليها في المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199والمتعلقة بالإعلان المسبق عن الطلب على المنافسة عن طريق الإشهار.

·  إضافة إلى ذلك، تتضاعف السلبيات السابقة لأن المشرع نص على أن "يتم إشهار هذا القرار (قرار المنح المؤقت) وفق نفس الكيفيات المنصوص عليها في المادة 25من هذا المرسوم." تاركا للسلطة المفوضة حرية اختيار وسيلة النشر وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 25أعلاه، دون أن يلزمها بشكل صريح على نشر قرار المنح المؤقت في وسيلة الإشهار نفسها التي تم الاعتماد عليها فينشر الإعلان المسبق عن الطلب على المنافسة، مما يفتح الباب أمام إخفاء عدم النزاهة. بخلاف ما تضمنه نص المادة 65/2من المرسوم الرئاسي رقم 15-247الذي جاء فيه: «يدرج إعلان المنح المؤقت للصفقة في الجرائد التي نشر فيها إعلان طلب العروض، عندما يكون ذلك ممكنا،»

لكن ما نلاحظه أن الإعلان عن المنح المؤقت سيحقق الشفافية، من خلال مراقبة مدى نزاهة السلطة المختصة في فحص العطاءات وانتقاء أفضل عرض وفقا لمعايير موضوعية ودقيقة مقررة مسبقا لاتخاذ القرارات المتعلقة بإبرام اتفاقيات تفويضات المرفق العمومي. تشمل هذه المعايير جانبين، يتعلق الجانب الأول بمراقبة القرارات المتعلقة بتحديد شكل التفويض اعتمادا على معايير معتمدة لاختيار شكل التفويض المفضل بصفة خاصة وطريقة التسيير المفضلة بصفة عامة. ونطرح هنا مسألة مدى تمتع السلطة المفوضة بحرية الاختيار (أولا). في حين يخص الجانب الثاني مراقبة القرارات المتعلقة بانتقاء العرض استنادا إلى المعايير الخاصة بالتفويض موضوع العقد المعني (ثانيا).

أولا-القرارات المتعلقة بتحديد شكل التفويض

نصت المادة 9من المرسوم التنفيذي رقم 18-199بأنه: «يمكن الشخص المعنوي الخاضع للقانون العام والمسؤول عن مرفق عام تفويض مرفق عام بناء على تقرير يتضمن الخدمات التي تقع على عاتق المفوض له، وشكل التفويض والمزايا التي يحققها مقارنة مع أنماط التسيير الأخرى

       يتبين لنا من خلال تحليل نص المادة أعلاه أن للسلطة المفوضة حرية اختيار أسلوب التفويض، لكن تكون حرية الاختيار مقيدة. تم استنتاج ذلك من خلال تعليق المشرع لهذا الاختيار على شرط "المزايا التي يحققها شكل التفويض مقارنة مع أنماط التسيير الأخرى". لكن دون أن يشير المشرع إلى معايير هذا الاختيار. هذا ما يحتم علينا الرجوع إلى ما هو معمول به على أرض الواقع. وفي هذا الإطار أشار Claudie Boiteauأنه يمكن للإدارة العمومية تحديد أسلوب التسيير المفضل عبر طرق أو أساليب متعددة المعايير، تضمن على الأقل اختيارا واقعيا وفعالا. ويتم ذلك عبر مرحلتين:

-                       المرحلة الأولى: يتحقق الاختيار السليم من خلال وضع الإدارة العمومية لتقييم للتسيير الحالي، والذي يسمح لها بتشخيص السلبيات أو الخلل الوظيفي الذي عرفه هذا التسيير أو مستوى عدم رضا المستعملين.

فإذا حقق هذا التسيير رضا المستعملين للمرفق العمومي، لا يكون على الإدارة العمومية المعنية التخلي عن أسلوب التسيير المعتمد.

-                       المرحلة الثانية: اختيار أسلوب التسيير المفضل استنادا إلى مجموعة من المعايير يرتكز عليها التحليل المقارن لطرائق التسيير.

وقد عدد Claudie Boiteauمجموعة من هذه المعايير، منها:

·  تكلفة المرفق (الخدمة) بالنسبة للإدارة، للمستعمل، تكلفة تمويل الاستثمار، النتائج المالية المتحصل عليها من طرف المفوض له...

·  العبء المالي بالنسبة للإدارة العمومية (الإتاوات، الضرائب...)

·  جودة الخدمة. 

ثانيا: القرارات المتعلقة بانتقاء العرض

يقتضي منا عنوان هذا العنصر الإجابة على التساؤل الآتي: كيف يتم تحقيق الشفافية من خلال القرارات المتعلقة بانتقاء العروض؟

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل توصلنا، من خلال قراءتنا لنص المادة 9من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وكذا المادة 9من القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، إلى نتيجة أساسية وهي أن شفافية القرارات المتعلقة بانتقاء العرض تقوم على عنصرين هما الإعداد المسبق لشروط المشاركة والانتقاء، من جهة، والتحديد الموضوعي المسبق لمعايير اتخاذ القرارات، من جهة ثانية.

1-                      الإعداد المسبق لشروط المشاركة والانتقاء:

نصت المادة 9/1(ب) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على أن:«1- تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بالخطوات اللازمة |...|

ب) القيام مسبقا بإقرار ونشر شروط المشاركة، بما في ذلك معايير الاختيار وإرساء العقود وقواعد المناقصة.»

       وهو ما نصت عليه المادة 9من القانون رقم 06-01في فقرتها الفرعية الثانية (2) من الفقرة 2.

ونجد أن المشرع الجزائري اكتفى بالنص في المادة 13من المرسوم التنفيذي رقم 18-199عل أن يتم تحديد البنود التنظيمية والتعاقدية المتعلقة بتفويض المرفق العام، (طيبي عمروش، 2019، صفحة 400) بما فيها شروط المشاركة والتأهيل. حيث أكد على هذا الإجراء بالنسبة لتفويضات المرفق العمومي من خلال تجزئته لدفتر الشروط إلى جزءين، بحيث يخصص الجزء الأول من دفتر الشروط، والذي يحمل عنوان "دفتر ملف الترشح" شروط التأهيل (المشاركة)، طبقا لنص المادة 13من المرسوم التنفيذي رقم 18-199التي جاء فيها: «يتضمن دفتر الشروط المتعلق بتفويض المرفق العام البنود التنظيمية والبنود التعاقدية التي يجب أن توضح كيفيات إبرام اتفاقية تفويض المرفق العام وتنفيذها.

ويشمل دفتر الشروط جزئين:

-                       الجزء الأول:وعنوانه "دفتر ملف الترشح". يتضمن البنود الإدارية العامة المتعلقة بشروط تأهيل المترشحين والوثائق التي تتكون منها ملفات الترشح وكذا كيفيات تقديمها.

ويحدد هذا الجزء معايير اختيار المترشحين لتقديم عروضهم المتعلقة على الخصوص بما يأتي:

·  القدرات المهنية: وهي الشهادات المؤهلة المطلوبة لتسيير المرفق العام.

·  القدرات التقنية: وهي الوسائل البشرية والمادية والمراجع المهنية.

·  القدرات المالية: وهي الوسائل المالية المبررة بالحصائل المالية والمحاسبية والمراجع المصرفية. |...| »

ويجب أن يتم ذكر هذه الشروط ضمن الإعلان عن الطلب على المنافسة، باعتبارها من البيانات الإلزامية التي نصت عليها المادة 27في الفقرة الفرعية 5كما يلي: «يجب أن يتضمن إعلان الطلب على المنافسة البيانات الآتية:|...|

-                       شروط التأهيل أو الانتقاء الأولي،»

ويتم التحديد المسبق لشروط المشاركة والانتقاء استنادا إلى الحاجات المتمثلة في الخدمات التي تقع على عاتق المفوض له.

وتقوم لجنة اختيار وانتقاء العروض بإعداد قائمة المترشحين المقبولين الذين يستوفون شروط التأهيل، طبقا للجزء الأول من دفتر الشروط، وذلك طبقا لنص المادة 31من المرسوم التنفيذي رقم 18-199. لكن ما أعيبه على هذا الانتقاء هو أنه يتم على مرحلتين متباعدتين، مما يفتح المجال إلى عدم النزاهة، حيث نصت المادة 31أعلاه على ما يلي: «تقوم لجنة اختيار وانتقاء العروض المنصوص عليها في المادة 75من هذا المرسوم، في جلسة علنية وفي مرحلة أولى، بفتح الأظرفة وتسجيل جميع الوثائق المقدمة من المترشحين.

ثم تقوم لجنة اختيار وانتقاء العروض في مرحلة ثانية وفي جلسة مغلقة، بدراسة ملفات الترشح ابتداء من اليوم الموالي لجلسة فتح الأظرفة.

على إثر هذه المرحلة، تقوم اللجنة بإعداد قائمة المترشحين المقبولين الذين يستوفون شروط التأهيل، طبقا للجزء الأول من دفتر الشروط والمعايير المحددة في الطلب على المنافسة.... »

في حين كان الأولى أن يتم دراسة ملفات الترشح في يوم فتح الأظرفة ذاته.

2-                      استخدام معايير موضوعية لاتخاذ قرارات الانتقاء

يجب أن يتضمن الإعلان عن الرغبة في التعاقد الخصائص الأساسية للاتفاقية المعنية، خصوصا موضوعها وطبيعتها. (Boiteau, 2007, p. 105) يتم تحديد هذه الخصائص وفق معايير يشترط فيها الموضوعية والدقة.

وهو ما أكدت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بموجب المادة 9/1(ج): «استخدام معايير موضوعية ومقررة مسبقا لاتخاذ القرارات المتعلقة بالمشتريات العمومية، تيسيرا للتحقق لاحقا من صحة تطبيق القواعد أو الإجراءات

ونصت المادة 9/2(3) من القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على المبدأ ذاته: «معايير موضوعية ودقيقة لاتخاذ القرارات المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية،»

       ويمكن أن نستشف موقف المشرع الجزائري من معيار تحديد معايير موضوعية لانتقاء العروض في مجال تفويضات المرفق العمومي من خلال نص المادة 11/1من المرسوم التنفيذي رقم 18-199الذي جاء فيه: «الطلب على المنافسة إجراء يهدف إلى الحصول على أفضل عرض، من خلال وضع عدة متعاملين في منافسة، بغرض ضمان المساواة في معاملتهم والموضوعية في معايير انتقائهم وشفافية العمليات، وعدم التحيز في القرارات المتخذة.»

       نستنتج من خلال تحليلنا لنص المادة أعلاه أن التحديد الموضوعي المسبق لمعايير اتخاذ القرارات المتعلقة بإبرام اتفاقيات تفويض المرفق العمومي، يأتي تحقيقا لمبدأ المساواة بين المتنافسين الذين تتماثل مراكزهم القانونية.

       وفي محاولة منه لتحقيق ذلك عمد المشرع الجزائري إلى النص على مجموعة من المعايير الموضوعية الموحدة التي يتم على أساسها انتقاء العروض في المادة 11/2من المرسوم التنفيذي رقم 18-199. حيث يتم منح تفويض المرفق العمومي للمترشح الذي يقدم أفضل عرض حسب سلم التقييم المحدد في دفتر الشروط المنصوص عليه في المادة 13من المرسوم التنفيذي رقم 18-199. (طيبي عمروش، 2019، صفحة 398)

وقد نصت المادة 13في هذا الخصوص على ما يلي: «|...|

ويشمل دفتر الشروط جزءين:|...|

-                       الجزء الثاني: وعنوانه "دفتر العروض" ويتضمن:

البنود الأدارية والتقنية:تتمثل في كل المعلومات المتعلقة بكيفيات تقديم العروض واختيار المفوض له والبنود التقنية المطبقة على تفويض المرفق العام المعني، وكذا كل البيانات الوصفية والتقنية المتعلقة بتسيير المرفق العام محل التفويض.

البنود المالية:التي تحدد الترتيبات المتعلقة بالمقابل المالي لفائدة المفوض له أو لفائدة السلطة المفوضة أو ذلك الذي يدفعه، عند الاقتضاء، مستعملو المرفق العام المعني بالتفويض. ...»

لكن نلاحظ أن هذه المعايير تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتفصيل الذي أغفله المشرع الجزائري. على خلاف ما تضمنه تنظيم الصفقات العمومية، وبالتحديد في نص المادة 78من المرسوم الرئاسي رقم 15-247المتعلقة بمعايير اختيار المتعامل المتعاقد في الصفقات العمومية.

بل الأكثر من ذلك أغفل المشرع الجزائري تحديد كيفية تحديد الحاجات التي يتم الاستناد إليها في تحديد معايير الانتقاء الموضوعية، بخلاف تنظيم الصفقات العمومية أين عمد المشرع إلى تفصيل كيفية تحديد الحاجات تحقيقا للشفافية، خصوصا وأن أول خطوة لبناء شفافية وموضوعية الاختيار تستند إلى التحديد المسبق الدقيق للحاجات، حيث نصت المادة 27/3من المرسوم الرئاسي رقم 15-247على ما يلي: «ويجب إعداد الحاجات من حيث طبيعتها ومداها بدقة، استنادا إلى مواصفات تقنية مفصلة تعد على أساس مقاييس و/أو نجاعة يتعين بلوغها أو متطلبات وظيفية، ويجب ألا تكون هذه المواصفات التقنية موجهة نحو منتوج  أو متعامل اقتصادي محدد. »

وقد أسند المشرع الجزائري مهمة فحص وتحليل العروض إلى لجنة اختيار وانتقاء العروض، التي تتخذ موقفا إزاء العارضين فتختار أفضلهم ، وهذا من خلال التأكد من مدى مطابقة العروض للشروط المعلن عنها والتقيد بالضوابط المحددة سلفا في دفتر الشروط ، طبقا للفقرة الأخير من نص المادة 31من المرسوم التنفيذي رقم 18-199التي جاء فيها: «تقوم اللجنة بدراسة العروض المقدمة من المترشحين المقبولين وتقييمها، حسب سلم التنقيط المحدد في دفتر الشروط، وتقوم، بعدئذ، بإعداد قائمة العروض ، مرتبة ترتيبا تفضيليا حسب "النقاط" المتحصل عليها.»

فإذا كانت معايير الانتقاء تتسم بالموضوعية، فإن أسلوب تقييم العروض المنصوص عليه في المادة 35من المرسوم التنفيذي رقم 18-199هو الذي يثير نوعا من التحفظ بالنسبة لنا لأنه يفتح المجال إلى المحاباة نتيجة اللجوء إلى المفاوضات، حيث نصت المادة 35أعلاه على ما يلي: «تقوم لجنة اختيار وانتقاء العروض بدعوة المترشح أو المترشحين المقبولين والمؤهلين، كتابيا، كل على حدة، من أجل مفاوضة العرض أو العروض المعنية.

وتحرر اللجنة محضر مفاوضة وتقييم العروض خلال كل جلسة مفاوضة، يتضمن قائمة العروض المدروسة والمرتبة ترتيبا تفضيليا....»

إذ يحمل مصطلح "مفاوضة" في طياته إمكانية تعديل العرض بما يمكن أن يؤثر في المنافسة. في حين كان الأولى بالمشرع اعتماد مصطلح "التوضيح والاستفسار والتفصيل" الذي يتم كتابيا وليس في جلسة، على نحو ما انتهجه المشرع في نص المادة 80/1و2من المرسوم الرئاسي رقم 15-247الذي جاء فيه: «لا يسمح بأي تفاوض مع المتعهدين في إجراء طلب العروض، ويسمح بالتفاوض في الحالات المنصوص عليها في أحكام هذا المرسوم فقط.

غير أنه، يمكن المصلحة المتعاقدة، للسماح بمقارنة العروض، أن تطلب من المتعهدين كتابيا توضيح وتفصيل فحوى عروضهم ولكن لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يسمح جواب المتعهد بتعديل عرضه أو التأثير في المنافسة.»

الفرع الثاني: ممارسة حق الطعن

يعد حق المتنافسين في ممارسة حق الطعن من أهم الإجراءات التي تضمن تكريسا لمبدأ شفافية إجراءات إبرام العقود الإدارية بصفة عامة واتفاقيات تفويض المرفق العمومي بصفة خاصة، في حالة عدم احترام قواعد إبرام اتفاقية تفويض المرفق العمومي.

ويتأكد ذلك من خلال نص المادة 9/1(د) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي جاء فيه: «إقامة نظام فعال للمراجعة الداخلية، بما في ذلك نظام فعال للطعن، ضمانا لوجود سبل قانونية للتظلم والانتصاف في حال عدم اتباع القواعد أو الإجراءات الموضوعة عملا بهذه الفقرة.»

كما نصت على هذا الإجراء، بصفته قاعدة أساسية لتكريس الشفافية، المادة 9/2(4): «ممارسة كل طرق الطعن في حالة عدم احترام قواعد إبرام الصفقات العمومية.»

وبما يتوافق مع نص المادتين السابقتين، نص المشرع الجزائري في المادة 42من المرسوم التنفيذي رقم 18-199على حق كل مترشح شارك في الطلب على المنافسة أو التراضي الطعن في قرار المنح المؤقت للتفويض كما يلي: «يمكن أي مترشح شارك في الطلب على المنافسة أو التراضي البسيط بعد الاستشارة، يحتج على قرار المنح المؤقت للتفويض، أن يرفع طعنا لدى لجنة تفويضات المرفق العام المنصوص عليها في المادة 78من هذا المرسوم، في أجل لا يتعدى عشرين (20) يوما، ابتداء من تاريخ إشهار قرار المنح المؤقت للتفويض.

تقوم لجنة تفويضات المرفق العام بدراسة ملف الطعن واتخاذ القرار المتعلق به في أجل لا يتعدى عشرين (20) يوما، ابتداء من تاريخ استلامها الطعن.

وتبلغ اللجنة قرارها المعلل إلى السلطة المفوضة وصاحب الطعن. »

       نلمس من خلال نص المادة أعلاه نقطتين أساسيتين مرتبطتين بإجراء الطعن، عالجهما المشرع الجزائري بنوع من الغموض. سأحاول إثارة هذين النقطتين من خلال العنصرين التاليين:

-                       النقطة الأولى: منح المشرع الجزائري بموجب نص الفقرة الأولى من المادة أعلاه، حق الطعن في قرار المنح المؤقت لتفويض المرفق العمومي، لأي مترشح شارك إما في الطلب على المنافسة أوالتراضي البسيط بعد الاستشارة، من خلال استعماله لعبارة "يمكن".

نجد أن المشرع الجزائري قد استعمل عبارة "التراضي البسيط بعد الاستشارة"، باعتبارها أسلوب للتعاقد عن طريق التراضي. لكن لم تتم الإشارة إلى هذا الأسلوب سابقا في المرسوم التنفيذي رقم 18-199؛ بل نصت المادة 16من المرسوم التنفيذي رقم 18-199بأنه: «يمكن أن يأخذ التراضي صيغة التراضي البسيط أو التراضي بعد الاستشارة

مما يؤكد بأن عبارة "التراضي البسيط بعد الاستشارة" تعد خطأ مطبعيا وقع فيه المشرع الجزائري، يجب عليه تداركه في التعديلات اللاحقة.

       لكن في هذه الحالة، يتبادر لأذهاننا السؤال التالي: ماذا يقصد المشرع بعبارة "التراضي البسيط بعد الاستشارة"؟ بعبارة أخرى، أي تراضي يقصده المشرع من خلال استعماله للعبارة السابقة؟ فهل يمكن الطعن في قرارات المنح المؤقت لتفويض المرفق العمومي لكلا أسلوبي التراضي؟ أم تقتصر إمكانية الطعن على قرار المنح المؤقت الخاص بصيغة واحدة من أسلوبي التراضي؟

       من خلال استقرائنا لنصوص المرسوم التنفيذي رقم 18-199، يتبين لنا أنه هناك إمكانية للطعن في قرارات المنح المؤقت من طرف المترشحين الذين شاركوا في التراضي بعد الاستشارة، وذلك للأسباب التالية:

·  إمكانية تعدد المترشحين المشاركين في أسلوب التراضي بعد الاستشارة، بخلاف التراضي البسيط. وذلك طبقا لنص المادة 17من المرسوم التنفيذي رقم 18-199التي جاء فيها: «التراضي بعد الاستشارة، إجراء تقوم من خلاله السلطة المفوضة باختيار مفوض له من بين ثلاثة (3) مترشحين مؤهلين، على الأقل.»  وهو ما أكدت عليه المادة 37من المرسوم نفسه.

·  إلزامية إشهار قرار المنح المؤقت لتفويض المرفق العمومي في حالة التراضي بعد الاستشارة، طبقا لنص المادة 41/2من المرسوم التنفيذي رقم 18-199. في حين لم يشر المشرع الجزائري إلى إلزامية نشر قرار المنح المؤقت لتفويض المرفق العام في حالة التراضي البسيط.

-                       النقطة الثانية: تقوم لحنة تفويضات المرفق العام بدراسة الطعون المودعة إليها من قبل المترشحين غير المقبولين والفصل فيها، طبقا لنص المادة 81/5من المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

       لكن هل هذا يعني أن تفويضات المرفق العمومي المبرمة في حالة التراضي البسيط تخرج من دائرة الرقابة في إطار مكافحة الفساد، باعتبار أن السلطة المفوضة تلجأ إلى التفاوض مع مترشح واحد في إجراء التراضي البسيط؟ وهل يقتصر حق الطعن على المترشحين فقط؟

       جاءت الإجابة على هذا السؤال في نص المادة 946من القانون رقم 08-09الذي يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية. أين يمكن اللجوء في حالة الإخلال بالتزامات الإشهار هذه إلى الطعن القضائي، أين وسع المشرع دائرة الأطراف المخول لها صلاحية إخطار المحكمة الإدارية لتمتد إلى أطراف أخرى غير المترشحين فقط. حيث نصت المادة 946أعلاه على ما يلي:

«يجوز إخطار المحكمة الإدارية بعريضة، وذلك في حالة الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام العقود الإدارية والصفقات العمومية.

    يتمهذا الإخطار من قبل كل من له مصلحة في إبرام العقد والذي قد يتضرر من هذا الإخلال، وكذلك لممثل الدولة على مستوى الولاية إذا أبرم العقد أو سيبرم من طرف جماعة إقليمية أو مؤسسة عمومية محلية.

    يجوز إخطار المحكمة الإدارية قبل إبرام العقد.

    يمكن للمحكمة الإدارية أن تأمر المتسبب في الإخلال بالامتثال لالتزاماته، وتحدد الأجل الذي يجب أن يمتثل فيه.

    ويمكن لها أيضا الحكم بغرامة تهديدية تسري من تاريخ انقضاء الأجل المحدد.

    ويمكن لها كذلك وبمجرد إخطارها، أن تأمر بتأجيل إمضاء العقد إلى نهاية الإجراءات ولمدة لا تتجاوز عشرين (20) يوما.»

       لكن كيف يصل هذا الإخلال إلى علم غير المترشحين؟

       في هذا الإطار، تقوم سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العمومي بإعلام ونشر وتعميم كل الوثائق والمعلومات المتعلقة بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، طبقا لنص المادة 213من المرسوم الرئاسي رقم 15-247. 

وفي هذا الإطار تقوم سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام بالتدقيق أو تكليف من يقوم بالتدقيق في إجراءات إبرام الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، وتنفيذها بناء على طلب من كل سلطة مختصة. طبقا لنص المادة 213أعلاه.

       إضافة إلى ذلك، قد ترتقي الأفعال التي تتضمن إخلالا بالتزامات النشر إلى درجة التجريم، إذا توافرت فيها الشروط المنصوص عليها في المادة /189من المرسوم الرئاسي رقم 15-247التي جاء فيها:

«دون الإخلال بالمتابعات الجزائية، كل من يقوم بأفعال أو مناورات ترمي إلى تقديم وعد لعون عمومي بمنح أو تخصيص، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، إما لنفسه أو لكيان آخر، مكافآة أو امتياز مهما كانت طبيعته، بمناسبة تحضير صفقة عمومية أو ملحق أو إبرامه أو مراقبته أو التفاوض بشأن ذلك أو تنفيذه، من شأنه أن يشكل سببا كافيا لاتخاذ أي تدبير ردعي، لاسيما فسخ أو إلغاء الصفقة العمومية أو الملحق المعني وتسجيل المؤسسة المعنية في قائمة المتعاملين الاقتصاديين الممنوعين من المشاركة.»

       كما نصت المادة 26/1من القانون رقم 06-01بأنه: «يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200000د.ج. إلى 1000000د.ج.:

1-                     كل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يؤشر أو يراجع عقدا أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا مخالفا بذلك الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير،»

ونصت المادة 27من القانون ذاته بأنه: «يعاقب بالحبس من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة وبغرامة من 1000000د.ج. إلى 2000000د.ج. كل موظف عمومي يقبض أو بحاول أن يقبض لنفسه أو لغيره، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أجرة أو منعة مهما يكن نوعها بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق باسم الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري أو المؤسسات العمومية الاقتصادية.» 

       وبهذه المناسبة، إذا توصلت الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته إلى وقائع ذات وصف جزائي، تحول الملف إلى وزير العدل، حافظ الاختام، الذي يخطر النائب العام المختص لتحريك الدعوى العمومية عند الاقتضاء، طبقا لنص المادة 22من القانون رقم 06-01.

أما فيما يخص كيفية تزويدها بالمعلومات فقد وضحتها المادة 21من القانون نفسه.

خاتمة

يظهر من خلال هذه الورقة البحثية أن المشرع، سواء الدولي أو الوطني، لم يشمل صراحة اتفاقيات تفويض المرفق العمومي بالتأطير القانوني للحماية من الفساد ضمن قوانين مكافحة الفساد، سواء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أوفي القانون رقم 06-01المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، بصفتها قوانين عامة تتعلق بمكافحة الفساد؛ أوفي المرسوم التنفيذي رقم 18-199، باعتباره تنظيم خاص بتفويضات المرفق العمومي. لكن هذا لا يمنع من اعتبارها مصادر لتكريس مبدأ مكافحة الفساد في مجال تفويضات المرفق العمومي، سواء بصفة مباشرة أم غير مباشرة، نتيجة إدراج القانون رقم 06-01ضمن قائمة الأسانيد القانونية الوارد ذكرها في ديباجة المرسوم التنفيذي المعني.

كما أن التلازم التاريخي بين تنظيم تفويضات المرفق العمومي ومكافحة الفساد، يفرض حتمية اعتماد "الشفافية" كمبدأ في إجراءات إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العمومي، باعتبار أن الفساد يزداد عند غياب الشفافية.

وقد حاول المشرع الجزائري ضمان شفافية إجراءات إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العمومي، في إطار مكافحة الفساد، من خلال تكريس العلانية (الشفافية) على مستويين:

تمثل المستوى الأول في إجراء الإعلان المسبق عن الرغبة في تفويض المرفق العمومي. في حين تمثل المستوى الثاني في علنية المعلومات ذات الصلة بإرساء العقد.

لكن بالرجوع لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199توصلنا إلى مجموعة من النتائج التي تفتح المجال أمام الفساد، تمثلت أهمها فيما يلي:

-                       نص المشرع الجزائري على الإعلان المسبق عن الرغبة في إبرام اتفاقية تفويض المرفق العمومي في المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

-                       لم يحدد المشرع طبيعة الجرائد اليومية المستعملة في الإعلان، سواء الإعلان المسبق أو الإعلان المتعلق بالمعلومات ذات الصلة بإرساء العقد. في حين قد لا تملك هذه الجرائد اليومية مقروئية كبيرة أولا تكون متخصصة، مما يؤدي إلى احتمالية عدم الاطلاع عليها من طرف الراغبين في التعاقد المحتملين.

-                       لم يحدد المشرع على وجه الدقة المرافق العمومية المعفاة من إجبارية الإشهار في الجرائد، طبقا لنص المادة 26من المرسوم التنفيذي رقم 18-199.

-                       لم ينص المشرع على الإعلان الالكتروني كوسيلة للإعلان فيما يخص تفويضات المرفق العمومي، في عصر تعتبر وسائل الاتصال الالكتروني أهم وسائل الاتصال.

-                       لم يشر المشرع في المرسوم التنفيذي رقم 18-199إلى الآثار المترتبة في حالة افتقاد الإعلان المسبق عن الرغبة في تفويض مرفق عمومي لإحدى البيانات الإلزامية أو أكثر.

-                       ترك المشرع، بموجب المادة 41من المرسوم التنفيذي رقم 18-199، للسلطة المفوضة حرية اختيار وسيلة نشر قرار المنح المؤقت لتفويض المرفق العمومي، دون إلزامها بشكل صريح بنشر قرار المنح هذا في وسيلة النشر نفسها التي تم الاعتماد عليها في نشر الإعلان المسبق عن التفويض المعني. مما يفتح المجال أما إخفاء عدم النزاهة.

-                       لم يشر المشرع في المرسوم التنفيذي رقم 18-199إلى معايير اختيار أسلوب التفويض.

-                       تقوم لجنة اختيار وانتقاء العروض، طبقا للماد 31من المرسوم التنفيذي، بإعداد قائمة المترشحين المقبولين الذين يستوفون شروط التأهيل عبر مرحلتين متباعدتين، مما يفتح المجال أمام عدم النزاهة.

-                       أغفل المشرع تحديد كيفية تحديد الحاجات التي يتم الاستناد إليها في تحديد معايير موضوعية للانتقاء. في حين تستند موضوعية وشفافية الاختيار على التحديد المسبق الدقيق للحاجات. 

-                       يثير أسلوب تقييم العروض المنصوص عليه في المادة 35من المرسوم التنفيذي رقم 18-199نوعا من التحفظ، نتيجة اللجوء إلى المفاوضات. لأن مصطلح "مفاوضة" يحمل في طياته إمكانية تعديل العرض بما يمكن أن يؤثر في المنافسة، مما يفتح المجال أمام المحاباة.

-                       نص المشرع في المادة 42من المرسوم التنفيذي رقم 18-199على حق كل مترشح شارك في الطلب على المنافسة أو التراضي البسيط بعد الاستشارة في الطعن في قرار المنح المؤقت للتفويض.

-                       جاءت عبارة "التراضي البسيط بعد الاستشارة" كسقطة وقع فيها المشرع، لأن التراضي يأخذ إحدى الصورتين: تراضي بسيط أو تراضي بعد الاستشارة دون التراضي البسيط بعد الاستشارة.

في محاولة لتدارك الثغرات والسلبيات أعلاه، نقدم بعض الاقتراحات، منها:

-                       كان الأجدر بالمشرع أن ينص صراحة في المرسوم التنفيذي رقم 18-199على الإحالة إلى القوانين العامة الخاصة بمكافحة الفساد..

-                       تعديل نص المادة 25من المرسوم التنفيذي رقم 18-199بما يضمن توزيعا واسعا للمعلومة.

-                       صياغة نص صريح وواضح ودقيق ومفصل يضمن توزيعا واسعا للمعلومة وإعلام أكبر عدد من الراغبين المحتملين في التعاقد، من خلال اعتماد إعلان وطني، متخصص ومتكرر في أكثر من وسيلة ولعدد متكرر من المرات واعتماد نشرة رسمية خاصة بتفويضات المرفق العمومي.

-                       تعديل نص المادة 26من المرسوم التنفيذي رقم 18-199بما يمكن المشرع أو الجهات المختصة من اعتماد قائمة المرافق العمومية المعفاة من إجبارية الإشهار في الجرائد؛ أو على أقل تقدير تحديد الخصائص المميزة لهذه المرافق العمومية.

-                       أن ينص المشرع على اعتماد الإعلان الإلكتروني في مجال تفويضات المرفق العمومي، مع إصباغه بخاصية التخصص، من أجل ضمان سهولة الاطلاع عليه من طرف الراغبين في التعاقد، نظرا لكثرة المواقع الالكترونية.

-                       صياغة نص يتضمن إحالة صريحة إلى قانون الإجراءات المدنية والإدارية في حالة الإخلال بالتزامات الإشهار التي تخضع لها عمليات إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العمومي. 

-                       تعديل نص المادة 41من المرسوم التنفيذي رقم 18-199بما يلزم السلطة المفوضة على إدراج إعلان المنح المؤقت لتفويض المرفق العمومي في وسيلة النشر نفسها المعتمد عليها في الإعلان المسبق للطلب على المنافسة، عندما يكون ذلك ممكنا.

-                       تعديل نص المادة 31من المرسوم التنفيذي رقم 18-199بما يكفل تقييد لجنة اختيار وانتقاء العروض بدراسة وتقييم ملفات الترشح في يوم فتح الأظرف نفسه، ولو على مرحلتين.

-                       تعديل نص المادة 35من المرسوم التنفيذي رقم 18-199عن طريق اعتماد مصطلح أو أكثر من المصطلحات التالية "توضيح"، "تفسير"، "تفصيل"، بدل مصطلح "مفاوضة". وأن يتم هذا الاستوضاح كتابيا وليس في جلسة.

-                       يجب على المشرع أن يتدارك الخطأ الذي وقع فيه في نص المادة 42من المرسوم التنفيذي رقم 18-199، ويحدد أسلوب التراضي المشمول بحق الطعن في قرار المنح المؤقت.

كان الأجدر بالمشرع أن يوسع من إمكانية ممارسة حق الطعن ليشمل قرار المنح المؤقت لتفويضات المرفق العمومي المبرم بأسلوب التراضي البسيط، مع تمديد حق الطعن لغير المترشحين المشاركين. لأن أسلوب التراضي البسيط يعتبر الإجراء الأمثل لتكريس ظاهرة الفساد

قائمة المصادر والمراجع

أولا-المصادر

1-القوانين

-القانون رقم 11-10، المؤرخ في 22 يونيو 2011، يتعلق بالبلدية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 37، الصادرة بتاريخ 3 يوليو 2011.

-القانون رقم 08-09، المؤرخ في 25 فبراير 2008، يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 21، الصادرة بتاريخ 23 أبريل 2008.

-القانون رقم 06-01، المؤرخ في 20 فبراير 2006، يتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 14، الصادرة بتاريخ 8 مارس 2006، المعدل والمتمم بالأمر رقم 10-05، المؤرخ في 26 غشت 2010،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 50، الصادرة بتاريخ أول سبتمبر 2010، والقانون رقم 11-15، المؤرخ في 2 غشت 2011،الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 44، الصادرة بتاريخ 10 غشت 2011.

-القانون رقم 05-12، المؤرخ في 4 غشت 2005، يتعلق بالمياه، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 60، الصادرة بتاريخ 4 سبتمبر 2005.

-القانون رقم 90-08، المؤرخ في 7 أبريل 1990، يتعلق بالبلدية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 15، الصادرة بتاريخ 11 أبريل 1990.

2-                       المراسيم

-المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المؤرخ في 16 سبتمبر 2015، يتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، الجريدةالرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 50، الصادرة بتاريخ 20 سبتمبر 2015.

-المرسوم الرئاسي رقم 12-415، المؤرخ في 11 ديسمبر 2012، يتضمن التصديق على الميثاق الإفريقي لقيم ومبادئ الخدمة العامة والإدارة، المعتمد بأديس أبابا بتاريخ 31 يناير 2011، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 68، الصادرة بتاريخ 16 ديسمبر 2012.

-المرسوم الرئاسي رقم 04-128 المؤرخ في 19 ابريل 2004، يتضمن التصديق، بتحفظ، على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك يوم 31 أكتوبر سنة 2003، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 26، الصادرة بياريخ 25 أبريل 2004.

-                       المرسوم التنفيذي رقم 18-199، المؤرخ في 2 غشت 2018، يتعلق بتفويض المرفق العام، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 48، الصادرة بتاريخ 5 غشت 2018.

3-المصادر من موقع إلكتروني

-الأمم المتحدة، الجمعية العامة، القرار رقم 58/4، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، الدورة 58، A/RES/58/4، 21 نوفمبر 2003. ص.9، متوفر على الموقع

https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N03/453/13/PDF/N0345313.pdf?OpenElement(08/02/2019)

ثانيا- الكتب

1-الكتب باللغة العربية

-سوليفان، جون. (2007). الدليل السابع، البوصلة الأخلاقية للشركات..أدوات مكافحة الفساد: قيم ومبادئ وآداب المهنة وحوكمة الشركات. مؤسسة التمويل الدولي مجموعة البنك الدولي (IFC)/منتدى حوكمة الشركات الدولي.

2-  الكتب باللغة الأجنبية

-Boiteau, c. (2007), les conventions de délégation de service public : transparence et service public local, Moniteur, paris.

ثانيا- المقالات العلمية

1- المقالات العلمية باللغة العربية

- أبو المعاطي غنيم، عادل محمد حبيب. (ديسمبر, 2018)، "مدى تأثير الفساد الإداري في مستوى الثقة التنظيمية و الانغماس الوظيفي في الدوائر الحكومية"، مجلة الدراسات المالية، المحاسبية والإدارية ، 5 (2)، الصفحات 227-254.

- ارزيل,، الكاهنة. (جوان، 2017)، "عن استخدام تفويض المرفق العام في القانون الجزائري"، مجلة أبحاث قانونية وسياسية،2 (1)، الصفحات 9-33.

- رقروقي، محمد زكرياء. (2017). "واقع المنافسة عند إبرام عقود تفويضات المرافق العامة"، مجلة الدراسات الحقوقية ، 4 (8)، الصفحات 57-75.

- زمالي، صالح. (2018)، "مبادئ تفويض المرفق العام في التشريع الجزائري: قراءة في أحكام نص المادة 209 من المرسوم الرئاسي 15-247"، حوليات جامعة الجزائر 1 ، 32 (1)، الصفحات 494-518.

- سابح، بوزيد. (2012)، "سبل تعزيز المساءلة والشفافية لمكافحة الفساد وتمكين الحكم الراشد في الدول العربية"، مجلة الباحث، 10 (10)، الصفحات 55-66.

- شريفي، الشريف. (جانفي, 2013)، "مبدأ الشفافية في العقود الإدارية كألية للحد من من الفساد الإداري"، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية ، 2 (1)، الصفحات 89-110.

- طيبي عمروش، سعاد. (جوان, 2019)، "المبادئ العامة لعقد تفويضات المرفق العام في ظل المرسوم الرئاسي 15-247"، مجلة دراسات وأبحاث ، 11 (2)، الصفحات 393-405.

- غنو، أمال. (جانفي, 2017)، "تفعيل الشفافية الإدارية كآلية لمكافحة الفساد الإداري"، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية ،6 (1)، الصفحات 220-233.

- فلاق، محمد. (جوان, 2015)،"دور الشفافية للمساءلة في الحد من الفساد الإداري –تجارب دولية-"، مجلة الريادة لاقتصاديات الأعمال ، 1 (1)، الصفحات 8-27.

2- المقالات العلمية باللغة الأجنبية

-Lehoux, françois. Guellier, philippe. (2014, mars), ¨dossier, la nouvelle directive ¨concession¨ articulation entre la directive et la ¨loi Sapin¨ : quelles sont les modifications à prévoir ?¨, contrats publics , (141).

رابعا- مطبوعة

- بوغرة، باديس. (2017-2018)، محاضرات في مقياس قانون مكافحة الفساد، مطبوعة مقدمة لطلبة طور الماستر في ميدان العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير والعلوم المالية والمحاسبة، قسم العلوم المالية والمحاسبة، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية، جامعة محمد الصديق بن يحي، جيجل.

خامسا- التقارير

- صندوق النقد الدولي. (2016)، مكافحة الفساد مطلب أساسي لتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي الكلي، تقرير لصندوق النقد الدولي، بحوث صندوق النقد الدولي. صندوق النقد الدولي.

@pour_citer_ce_document

صبرينة برارمة, «شفافية إجراءات تفويض المرفق العمومي كضمانة قانونية لمكافحة الفساد الإداري طبقا لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 18-199»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 347-369,
Date Publication Sur Papier : 2020-10-26,
Date Pulication Electronique : 2020-10-26,
mis a jour le : 26/10/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7770.