الجهود الدولية لمواجهة الغازات الدفيئة: (بين المسؤولية عن غازات الرفاه والحق في غازات النجاة)International Efforts to Confront Greenhouse Gases: (Between The Responsibilty On Luxury Emissions and The Right to Survival Emissions)
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 18-2021

الجهود الدولية لمواجهة الغازات الدفيئة: (بين المسؤولية عن غازات الرفاه والحق في غازات النجاة)

International Efforts to Confront Greenhouse Gases: (Between The Responsibilty On Luxury Emissions and The Right to Survival Emissions)
ص ص 203-220
تاريخ الإرسال: 2019-06-13 تاريخ القبول: 2020-12-09

فارس عليوي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

  تثير مسألة المسؤولية حول الغازات الدفيئة في القانون الدولي للبيئة العديد من الإشكاليات نظرا لارتباطها بالمصالح الاقتصادية للدول. فإرساء قواعد الإنصاف في العلاقات الدولية أصبح ضروريا لتمتع الدول بنفس الظروف لتحقيق تنميتها، ولتحمل كل دولة مسؤوليتها بحسب مساهمتها في التلوث وبحسب إمكانياتها المادية والتكنولوجية.فمن غير الممكن المساواة بين الغازات المنبعثة حاليا من الدول المتقدمة وتلك الغازات المنبعثة من الدول النامية، فظروفها الاقتصادية والاجتماعية تجعل مستقبلها يتوقف على الزيادة في هذه الانبعاثات. وقد بذلت العديد من الجهود الدولية لتحديد مسؤولية الدول حول الغازات الدفيئة، وتقوم كل هذه الجهود على مبدأ أساسي وهو مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة.     

الكلمات المفاتيح

 المسؤولية المتباينة، المسؤولية المشتركة، العدالة، حماية البيئة، الغازات الدفيئة، التنمية، التغير المناخي

La question de la responsabilité sur les gaz à effet de serre dans le droit international de l’environnement soulève de nombreux problèmes car elle est liée aux intérêts économiques des états. L’établissement de l’équité dans les relations internationales est essentiel pour que les états jouissent des mêmes conditions pour leur développement. Chaque pays est responsable en fonction de sa contribution à la pollution et de ses capacités financières et technologiques. Il n’est pas possible d’égaliser les gaz émis par les pays développés et ceux émis par les pays en développement, leur conditions économiques et sociales rendent leur avenir dépendant de l’augmentation de ces émissions. De nombreux efforts internationaux ont été déployés pour déterminer la responsabilité des états en matière de gaz à effet de serre, tous ces efforts sont fondés sur un principe fondamental, le principe de responsabilité commune mais différenciée. 

Mots-clés :responsabilité différenciée, responsabilité commun, equité, la protection de l’environnement, gaz à effet de serre, développement, changement climatique

the issue of liability for greenhouse gases in international environmental law raises many problems because it is linked to the economic interests of states. The establishment of justice and morals in international relations is essential for states to enjoy the same conditions to achieve the development. Each country is responsible according to its contribution to pollution and its financial and technological capabilities. It is not possible to equate the gases emitted from developed countries and those emitted from the developing countries, their economic and social conditions make their future dependent on the increasing in these emissions. Many international efforts have been made to determine the responsibility of states for the greenhouse gases. All these efforts are based on a fundamental principle; common but differentiated responsibility. 

KeyWords:differentiated responsibility, common responsibility, equity, environment protection, greenhouse gases, development, climate change.

Quelques mots à propos de :  فارس عليوي

جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، aliouifaris@yahoo.com

مقدمة

إن أبرز تحدي يواجهه العالم حاليا إشكالية التغير المناخي وتبعاته الخطيرة على استمرار الحياة على هذا الكوكب. وقد نوقش هذا الموضوع في العديد من المؤتمرات العالمية التي ما فتئت توصي بضرورة خفض الانبعاثاتالغازية التي تشهدها الدول حاليا، والتضحية بجزء من الوتيرة التنموية الصناعية الحالية في سبيل ضمان مستقبل آمن. ودعت إلى ضرورة الانتقال إلى التنمية النظيفة والمستدامة بالاعتماد على مصادر طاقة أقل تلويثا على البيئة العالمية. إلا أن تعاطي الدول وخاصة المتقدمة منها مع هذه المسألة يختلف تبعا لمصالحها ومصادر ثروتها، نظرا للتكلفة الاقتصادية الباهظة التي يمكن أن تدفعها الدول في سبيل تجسيد التعهدات لحماية الأرض من مخاطر التغير المناخي.

فالولايات المتحدة الأمريكية رفعت شعار "أمريكا أولا"، وانسحبت من اتفاق باريس حول المناخ. فاشترطت ضرورة مشاركة الدول بما فيها النامية خاصة تلك الدول الناشئة في الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي. في حين فإن هذه الدول تعاني من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، وهو ما يجعلها تولي الأهمية القصوى لتحقيق التنمية. فهي تعاني من الفقر فكيف لها أن تقنع من ليس له منزل ولا مسكن ولا أكل بضرورة المحافظة على البيئة، وكيف لها أن تجعل مسألة التغير المناخي والتي كان سببها الرئيسي الدول المتقدمة من أولوياتها القصوى؟ فالفقر كما تم التعبير عنه يمثل أسوأ أشكال التلوث. 

حققت الدول المتقدمة التنمية على حساب الدول النامية ونفثت مختلف الغازات المنبعثة من منشآتها في الجو على مر العقود الماضية بدون أي قيود وضوابط. فاليوم أصبحت الدول المتقدمة تطالب بوضع قيود على التنمية لحماية البيئة، كما أنها دعت إلى انتهاج التنمية المستدامة والتي بحسب العديد من الكتاب فهي تعني الحد من التنمية. فالدول النامية إلى وقت قريب في فترة ما قبل انعقاد مؤتمر ريو دي جانيرو 1992كانت تنظر بعين الريبة إلى تركيز الدول المتقدمة على مسألة حماية البيئة، بل العديد من الدراسات وصفته بأنه نوع من الاستعمار الجديد الذي يستهدف إستبقاء التبعية الاِقتصادية.

فمطالبة الدول المتقدمة بمشاركة الدول النامية بنفس المسؤولية التي تتحملها هو إجحاف في حقها، نظرا لتباين مسؤوليتها وظروف كل دولة. وهو أيضا هدم لأهم المبادئ التي قامت عليها الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي القائمة أساسا على مبدأ العدالة بين الدول ومبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة. فالدول المصدرة للبترول على سبيل المثال التي كانت بمثابة الوقود الذي زود الدول المتقدمة بالطاقة اللازمة والتي حقق من خلالها التطور، تحتاج اليوم إلى مساعدات من هذه الدول للاندماج مع التوجه العالمي لمواجهة التغير المناخي بمنحها مزيدا من الوقت. وقد عبر على ذلك المندوب الصيني في قمة طوكيو حول التغير المناخي عام 1997بقوله أنه يتوجب التفرقة بين الغازات المنبعثة من الدول النامية والتي تعتبر بمثابة طوق النجاة بالنسبة إليها، في حين فإنه اعتبر الغازات المنطلقة من الدول المتقدمة تعتبر بمثابة غازات البذخ والرفاه. فالدول النامية يتحتم عليها إطلاق هذه الغازات ولا بديل لها، في حين فإن الدول المتقدمة يمكنها الإنقاص من هذه الغازات وإيجاد البديل مادامت تمتلك الإمكانيات المادية والتكنولوجية.

تصطدم الجهود المبذولة لمواجهة التغير المناخي بتحديد العلاقة بين التنمية والبيئة وأيهما أولى، وهو ما يفتح الصراع بين الشمال والجنوب خاصة مع ظهور الدول الناشئة بوتيرة تنموية صناعية سريعة. إلا أن الملاحظ أن هذا الصراع لم يعد يقتصر على الشمال والجنوب إنما ظهرت تحالفات جديدة بين الدول تبعا للمصالح التي تربطها. فالهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ التي أنشأت عام 1992تبقى أهم إطار أين يلتقي فيه كل الشركاء الدوليين لمناقشة الحلول الممكنة لمسألة التغير المناخي، والوصول إلى توافقات دولية.

فالبحث عن كيفية الوصول إلى التحكم في الغازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي، دون المساس على قدرة الدول في مواصلة تنميتها أصبح من المسائل الشائكة التي تستدعي البحث فيها للوصول إلى الآليات الممكنة التي تجعل كل الدول المتقدمة والنامية منها تنخرط في هذا المسعى الدولي. ففي ظل التجاذبات بين دول الشمال والجنوب نتساءل ماهي الإلتزامات التي تقع على الدول للتخفيف من الغازات الدفيئة المنبعثة منذ عقود في الجو؟ وعلى أي أساس تتحمل هذه الالتزامات؟

سنحاول معالجة موضوع بحثنا من خلال النقاط التالية:

أولا: المبادئ المؤسسة لمسؤولية الدول حول الغازات الدفيئة

1-                        مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة

2-                      مبدأ العدالة

ثانيا: إلتزامات الدول في ظل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي

1-اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي

2-بروتوكول كيوتو لعام 1997

3-اتفاق باريس لعام 2015

أولا: المبادئ المؤسسة لمسؤولية الدول حول الغازات الدفيئة إن الأنشطة البشرية أدت إلى تزايد كبير في تلوث الجو، وأصبح النظام البيئي العالمي مهدد أكثر من أي وقت مضى. فبالرغم من عدم وجود يقين علمي بشأن التغيرات المناخية التي ستحصل في المستقبل من خلال تزايد درجات الحرارة على سطح كوكب الأرض، إلا أن هذا لا يمكن أن يكون مبرر لعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة. فالعديد من الغازات الدفيئة المتواجدة في الغلاف الجوي كثاني أكسيد الكربون، الميثان، أكسيد النيتروجين تحافظ على حرارة الأرض، فعدم وجودها يعني انخفاض درجة حرارة الأرض إلى أقل من 30درجة مئوية عما هي حاليا. ولكن الإفرازات المكثفة لهذه الغازات في فترة ما بعد الثورة الصناعية من مختلف الأنشطة الصناعية، جعلت هذه الغازات مؤثرة على المناخ العالمي بحيث يتوقع العلماء ازدياد درجة حرارة الأرض من 2درجة مئوية إلى 5درجات مئوية خلال القرن الحادي والعشرين. و من المتوقع في نهاية القرن الحالي أن يصاحب ارتفاع درجة الحرارة الزيادة في منسوب البحار بنسبة تتراوح بين 30إلى 65سم (جويلي، 2002، ص، ص 02، 06).


  إن تحقيق الأهداف المبتغاة من طرف مختلف الفواعل الدولية لمواجهة التغيرات المناخية يتطلب التعاون الكامل، وهو ما جاء في المبدأ 24من إعلان استوكهولم حول البيئة البشرية الذي نص:" على جميع الدول كبيرة وصغيرة أن تتولى بروح من التعاون وعلى أساس المساواة، معالجة المسائل الدولية المتعلقة بحماية البيئة والنهوض بها..." (إعلان استوكهولم حول البيئة الإنسانية، 1972). إلا أن تحقيق هذا التعاون يصطدم بالعديد من الصعوبات نظرا لاختلاف أهداف ومصالح الدول. فالنامية منها مازالت إلى يومنا الحالي تبحث عن الزيادة في غازاتها للتخلص من أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتردية. فكيف يمكن أن نلزم هذه الدول على الحد من إنبعاثاتها الغازية التي هي بالنسبة إليها خلاص وقطيعة مع الفقر ومختلف أوجه التخلف. في حين كيف يمكن أن نقنع دول متقدمة في ظل التنافس الاِقتصادي العالمي الشديد بتخفيض إنبعاثاتها الغازية في سبيل إنقاذ مستقبل البشرية، فبالنسبة إليها يعني الدخول في ركود اقتصادي. هذا ما يترجم إلى حد الساعة مخاوف وعزوف الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية على المصادقة على أهم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمناخ العالمي. فالولايات المتحدة الأمريكية لم تصادق على بروتوكول كيوتو بحجة أنه سيضر باقتصادها، كما أنه يخدم مصالح الدول النامية فقط. والتساؤل هنا ألا يعتبر تقدم الدول الصناعية بمثابة إثراء غير مشروع على حساب الدول النامية؟ من هذا المنطلق ينبغي أن يتم التعامل مع هذه الإشكالية على أساس العدالة، وهو ما جاء في المبدأ السابع من إعلان ريو دي جانيرو لعام 1992حول البيئة والتنمية الذي كرس أحد أهم مبادئ القانون الدولي للبيئة المتعلق بضرورة إدماج العدالة والأخلاق في العلاقات الدولية وهو مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة.

1- مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة

نص المبدأ السابع من إعلان ريو دي جانيرو لعام 1992حول البيئة والتنمية على ما يلي: "تتعاون الدول بروح من المشاركة العالمية، في حفظ وحماية واستعادة صحة وسلامة النظام الإيكولوجي للأرض. وبالنظر إلى المساهمات المختلفة في التدهور العالمي للبيئة، يقع على عاتق الدول مسؤوليات مشتركة وإن كانت متباينة. وتسلم البلدان المتقدمة النمو بالمسؤولية التي تتحملها في السعي على الصعيد الدولي، إلى تحقيق التنمية المستدامة بالنظر إلى الضغوط التي تلقيها على مجتمعاتها على كاهل البيئة العالمية، وإلى التكنولوجيات والموارد المالية التي تستأثر بها " (إعلان ريو دي جانيرو حول البيئة والتنمية، 1992).

إن هذا المبدأ أشار فقط إلى الدول إلا أن هذا لا يعني عدم إشراك الفواعل الدولية الأخرى، كما أنه تضمن على مفهوم المشاركة العالمية والتي تعتبر صياغة جديدة لمفهوم التعاون. فهذا المبدأ يهدف إلى تعزيز روح المشاركة بين الدول النامية والمتقدمة مع تحمل كل دولة لمسؤوليتها تبعا لمدى مساهمتها في التلوث العالمي، وقدرتها المادية والتكنولوجية على مواجهة هذه الأخطار البيئية. هذا ما جاء أيضا في المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي لعام 1992. فالاختلاف في المسؤولية يستتبع بالضرورة الاختلاف في الإلتزامات القانونية لمختلف الأطراف، وهذا لمراعاة ظروف بعض الدول ولتشجيع الدول على الانضمام لهذه الجهود (إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية: التطبيق والتنفيذ،1997، ص، ص 13، 14).

1-1-المسؤولية المشتركة

 يعود استخدام مصطلح المسؤولية المشتركة إلى عام 1949أين اعتبرت العديد من الدول أن سمك التونة وأنواع أخرى من السمك من الاهتمام المشترك (common concern) لها نظرا للاستغلال المستمر لهذه الثروة. فالدول تقع عليها مسؤولية مشتركة للتعاون في حماية مختلف الأوساط والثروات الطبيعية، وتطبق هذه المسؤولية عند اعتبار الثروة الطبيعية لا تقع ضمن الاختصاص الإقليمي لدولة معينة بمعنى لا تعتبر ملكية دولة واحدة (Sands, 2003, p 286). فالدول في الآونة الأخيرة أصبحت تستعمل مصطلح "الاهتمام المشترك"، وهو ما يتضح من خلال الاتفاقيات البيئية المبرمة. فديباجة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي لعام 1992نصت على " أن التغير في مناخ الأرض والآثار السلبية الناتجة عنه يعتبر محل اهتمام مشترك للبشرية"(United Nations Framawork Convention on Climate Change, 1992).


ونصت ديباجة اتفاقية التنوع البيولوجي لعام 1992على " حماية التنوع البيولوجي يعتبر اهتمام مشترك للبشرية"(Convention on Biological Diversity, 1992).واستعمال هذا المصطلح لا يعني بالضرورة خلق إلتزامات جديدة اتجاه الدول، إنما يختلف عن المفاهيم الأخرى في كونه أعم وأشمل، فهو مرتبط بكافة المصالح التي تعم البشرية جمعاء. والبيئة تعتبر من المصالح العامة للجماعة الدولية نظرا لارتباطها بمختلف حقوق البشرية (Brunnée, 2007, 564). يثير استعمال هذا المصطلح مخاوف العديد من الدول النامية خشية من استعماله لأغراض أخرى. فالغابات التي تمثل مستودع لامتصاص مختلف الغازات الدفيئة تمثل إشكالية كبيرة في كيفية تنظيمها، نظرا لأنها من جهة تمثل ثروة خاصة بدولة معينة ومن جهة أخرى فإنها تعتبر كمصلحة عامة للبشرية يستوجب على المجتمع الدولي حمايتها لكونها أيضا هي الحاضنة لمختلف الأنواع الحيوانية والنباتية. فهل الدول ستسمح بالتدخل في كيفية تنظيم ثرواتها من أجل مستقبل الحياة على هذا الكوكب؟

تمتد المسؤولية المشتركة للدول إلى التراث المشترك للإنسانية والتي يقصد بها كل المناطق والثروات التي تقع خارج ولاية وسيادة الدول (Bilderbeek, 1992, p 82). فاعتبار منطقة أو ثروة طبيعية كتراث مشترك للإنسانية تصبح مفتوحة لكافة الدول لاِستغلالها. فتم اعتبار القمر والأجرام السماوية بموجب الفقرة الأولى من المادة 11من الاتفاق المنظم لأنشطة الدول على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى لعام 1979كتراث مشترك للإنسانية جمعاء. كما نصت المادة 136من اتفاقية الأمم المتحدة للبحار لعام 1982على اعتبار المنطقة من التراث المشترك للإنسانية، وأوردت ذات الاتفاقية تعريف المنطقة بنصها: "تعني "المنطقة" قاع البحار والمحيطات وباطن أرضها خارج حدود الولاية الوطنية...". كما يعتبر المحيط المتجمد الجنوبي (الأنتاركتيك) بموجب اتفاق عام 1959من التراث المشترك للإنسانية.

تتقاسم الدول العديد من الثروات المشتركة كالمياه، النفط والمعادن ...إلخ وهو ما يستوجب عليها التعاون لتنظيم استغلالها ولحمايتها من مختلف الأضرار التي يمكن أن تلحق بها. فالمجاري المائية الدولية كانت محل نقاش للعديد من المؤتمرات نظرا لأهميتها وكذا تناقصها في المستقبل، فهي بموجب اتفاقية المجاري المائية الدولية لعام 1997تعتبر "كثروة مشتركة". فلا يمكن لأي دولة تتشارك في نفس المورد المائي أن تستأثر به، إنما ينبغي عليها أن تقوم بمراعاة مصالح الدول الأخرى المتقاسمة لنفس الثروة الطبيعية طبقا لمبدأ الاستغلال العادل والمتوازن (Fitzmaurice, 2005, p- p 08-12).

1-2-المسؤولية المتباينة

تتحمل الدول مسؤوليات متباينة حول أسباب التدهور البيئي، وهذا تبعا لمسؤوليتها حول وقوع هذه الأضرار ومدى قدراتها المالية والتكنولوجية للتصدي لها. فالدول المتقدمة تتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية نظرا لأنها هي المتسبب الرئيسي في غازات الإحترار العالمي، بحيث أنها شهدت طفرة اقتصادية وصناعية منذ مدة. وعلى هذا الأساس جاءت الفقرة الأولى من المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي تدعو الدول المتقدمة لكي تكون المبادرة لمواجهة هذه الظاهرة ومختلف الآثار المترتبة عنها. وأضافت الفقرة الثانية من ذات المادة على أنه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ظروف والحاجات الخاصة للدول النامية في إطار هذه الاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، 1992).فالمسؤولية المتباينة يمكن أن تأخذ العديد من الأشكال كتمديد الآجال لبعض الدول لتحمل إلتزاماتها، أو النص على إلتزامات مختلفة بين الدول بالنظر لقدراتها ومساهماتها، أو تكريس آليات المرونة والمساعدة للدول النامية (Michelot, 2010, p 190).

  إن الدول الصناعية التقليدية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مازالت تتهرب من الإلتزامات البيئية الدولية، بحجة تأثر اقتصادها واستفادة اقتصاديات أخرى. كما أنها تطالب بضرورة مشاركة الدول الناشئة في تحمل نسبة من الإلتزامات المفروضة على أعضاء المجتمع الدولي. فبحسبها فإنه لا يمكن استثناء هذه الدول إلى ما لا نهاية وتبقى هي المستفيد من الإمتيازات الممنوحة للدول النامية، متناسية بذلك مختلف الإنبعاثات المتراكمة التي تسببت فيها الدول المتقدمة على مدى العقود السابقة. فهذه الدول الناشئة حتى وإن كانت تشهد وتيرة صناعية سريعة، فإن هذا لا يخفي أنها لا تزال تعاني من العديد من الآفات خاصة الفقر، فما مدى مسؤولية هذه الدول؟

1-2-1- المسؤولية التاريخية للدول الصناعية

أثارت هذه المسألة صراع بين الدول المتقدمة والنامية، بحيث طالبت هذه الأخيرة بتحمل الدول الصناعية مسؤوليتها بما أحدثته من تلوث وزيادة في الغازات المسببة للإحتباس الحراري. فأثناء المفاوضات حول صياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي لعام 1992تم إثارة هذه الإشكالية، حيث اتضح أن أغلب الدول المتقدمة من دول الاتحاد الأوروبي، اليابان لها قابلية لتحمل إلتزامات أكثر من الدول النامية لاعتبارات عملية. فهذه الدول حققت التنمية وفي مقابل هذا تسببت في تلوث كبير، كما أن اعتبارات تحقيق العدالة بين الدول بمراعاة ظروف الدول وأوضاعها يفرض أن تتحمل الدول نسب مختلفة من الإلتزامات(Katrine, 2006, 385). في حين فإن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت مختلف الإلتزامات في إطار الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية، واعتبرتها تصب في خدمة الدول النامية فقط ولا تخدم اقتصادها الذي سيتأثر بالإلتزامات البيئية. 

تشير الإحصائيات إلى أن ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في الفترة الممتدة بين عام 1970إلى 2004بما مقداره 80%. ويفسر هذا بالأنشطة البشرية المتسارعة خلال هذه الفترة من مختلف الصناعات والطاقة خاصة منها الطاقات الأحفورية، النقل إضافة إلى النمو السكاني السريع وما يستتبعه من ازدياد الاستهلاك العالمي (الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ، (التقرير التقييمي الرابع) تغير المناخ، 2007، ص 36). ففي الوقت الحالي نجد أن الدول النامية يمثل سكانها ما نسبته 76.5% من سكان العالم وهي مسؤولة عن 39.9% من الغازات الحالية، في حين فإن الدول الصناعية التي يمثل سكانها ما مقداره 17.7% من سكان العالم وهي مسؤولة عن 51% من هذه الغازات. ويضاف لها تلك الغازات المتراكمة على مدى العقود السابقة والتي كان سببها الأساسي الدول الصناعية. فأنشطة هذه الدول أدت إلى تدهور البيئة في وقت لا يوجد فيه معرفة علمية بمخاطر هذه الأنشطة، وفي غياب قواعد دولية تمنع الأنشطة التي تؤدي إلى تلويث البيئة. إلا أن أحد الأسئلة التي تثار حاليا كيف للجيل الحالي أن يكون مسؤول عن أفعال الأجيال السابقة؟ Rajamani, 2006, p 139)) إن الأجيال الحالية استفادت من التلوث الذي أحدثته الأجيال الماضية، وعلى هذا الأساس فكما استفادوا فتقع عليهم مسؤولية تحمل النتائج لهذه الأنشطة. فالأجيال السابقة، الحالية والمستقبلية لهم مستقبل مشترك، فالحياة في هذا الكوكب عبارة عن حلقات يتعاون فيها مختلف الأجيال. فلم يقوموا بدفع أي تكاليف وعليه فإن المسؤولية المتباينة جاءت لتصحح الفوارق الموجودة بين الأجيال الحالية للدول النامية ونظيرتها في الدول المتقدمة. وتبرز من جهة أخرى احتجاج العديد بعدم وجود أي إلتزام صريح في تلك الحقبة التي شهدت الدول الصناعية ذروتها في النمو يمنع صراحة الزيادة في الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن فإن عدم وجود نص صريح لا يمنح الحق لهذه الدول في التلويث. هذا الأمر يتضح من الرأي المعارض Shahbudeenفي قضية التجارب النووية أين أرسى قيود لحرية الدولة. بحيث أنه يرى حتى في حالة غياب أي منع صريح فإن بعض الأنشطة التي تقوم بها الدول على أساس أنها حقوق لها، فإنها لا تعتبر كذلك نظرا لكونها يمكن أن تهدم حياة البشر والحضارات، ولكونها تشكل تهديد للأساس الذي قامت عليه الدول (Rajamani, 2006, p 141).

إن الغازات التي تسببت فيها الدول الصناعية تحمل انتهاك لسيادة الدول الأخرى، باعتبار أنها يمكن انتقالها دون إمكانية منع ذلك. فالعديد من الدول ستتأثر بصفة كبيرة منها خاصة تلك الدول الجزرية الصغيرة المهددة حاليا بزيادة منسوب المياه وبالتالي غمر العديد من الأقاليم. فالدول الصناعية مدعوة لتدارك الأخطاء التي وقعت فيها والعمل على بناء مستقبل آمن للكوكب.

1-2-2-مسؤولية الدول الناشئة

إن النظرة التقليدية القائمة على اعتبار الدول الصناعية المتقدمة هي الملوثة، في حين تعتبر الدول النامية ضحية لهذا التلويث الذي أحدثته لم تعد كذلك ببروز دول ناشئة ذات وتيرة صناعية سريعة كالصين، الهند، المكسيك، إندونيسيا والبرازيل. فأصبحت هذه الدول بمثابة الذريعة والحجة بالنسبة للدول المتقدمة للتملص من إلتزاماتها Gemenne, 2010, p 223))،فالولايات المتحدة الأمريكية انسحبت من اتفاق باريس 2015بنفس الحجة التي تهربت من إلتزاماتها في بروتوكول كيوتو لعام 1997.وهي أن هذه الاتفاقات تخدم طرف واحد فقط وهي الدول النامية خاصة الناشئة منها. فهل من العدالة مطالبة هذه الدول بتحمل إلتزامات بيئية مشددة في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها؟

إن كافة الدول الناشئة هي دول ذات كثافة سكانية عالية، فالصين بكثافة سكانية تقدر 1.3مليار نسمة وكذلك الهند بأكثر من مليار نسمة، فعلى هذا الأساس ليس من الغرابة زيادة انبعاثاتها الغازية في الآونة الأخيرة مقارنة بدول أخرى. بل إن الهند ودول نامية أخرى بقصد تحقيق عدالة أكثر تقدمت بمقترح توزيع حقوق التلويث بحسب عدد السكان في كل دولة. فالهند اليوم بالرغم مما تملكه من تكنولوجيا إلا أن شعبها يعتبر من أفقر الشعوب على وجه الأرض. فالدخل الفردي في هذه الدول مازال أقل من مستوى الدخل الفردي في الدول المتقدمة (Gemenne, 2010, p- p 218-219).وقد عبر رئيس الوزراء الهندي إنديرا غاندي في مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة الإنسانية لعام 1972حول مشكلة الفقر في ظل التوجه العالمي لحماية البيئة، أنه لا يمكن حماية البيئة في ظل الفقر المنتشر ولا يمكن إقناع أي كان بحماية البيئة في ظل أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية الهشة (Galizi, Herklotz, 2010, p 69).

إن التحجج بالدول الناشئة لا ينفي مسؤولية الدول الصناعية عن تلك الغازات المتراكمة منذ عقود، فهي تريد بذلك ربح الوقت من خلال تزايد انبعاثات الدول الناشئة وبالتالي المطالبة بالمساواة في تحمل المسؤولية عن ذلك. فهذا يعكس تهرب الدول الصناعية من المسؤولية فقط، ويخالف مبدأ الملوث الدافع والذي بمقتضاه تتحمل هذه الدول مسؤوليتها عن الغازات الحالية والمتراكمة والتي هي بذلك أكبر بكثير من غازات الدول الناشئة. فهذه الأخيرة تحتاج لمهلة لتحقيق تطلعاتها الاقتصادية والاجتماعية بالزيادة في انبعاثاتها الغازية، ثم تقوم بعد ذلك بتخفيضها إلى المستويات المطلوبة للحفاظ على الحياة على هذا الكوكب وبما يعادل الغازات التي تطرحها الدول الصناعية (Gemenne, 2010, 216).

1-2-3- مسؤولية الدول النامية

إن التكلفة البيئية في يومنا الحالي مرتفعة مقارنة بإمكانيات الدول النامية وظروفها. فالدول المتقدمة قامت بإنشاء قاعدة صناعية كبيرة في وقت لم تكن فيه أي تكلفة بيئية، بل إن مسألة البيئة لم تكن تطرح بالشكل وبالقيود الحالية. وعلى ذلك فإن الدول النامية لها الحق في أن تتمتع بنفس الحقوق التي كانت تتمتع بها الدول الصناعية لتحقيق العدالة. فكيف يمكن تفسير التنمية التي حققتها هذه الدول على حساب الدول النامية منها إلا أنه بمثابة إثراء غير مشروع. فهي مطالبة بتحمل التكاليف التي يمكن أن تترتب على أي إلتزامات لمواجهة التغيرات المناخية، ومساعدة الدول النامية في الوصول إلى أهدافها التنموية. فليس من العدل مطالبة هذه الدول بتحمل جزء من المسؤولية في أوضاع لم تكن هي المتسبب الرئيسي فيه Kiss, 2007, 107)).

تتحجج الدول المتقدمة بأن صناعاتها حاليا تراعي الإجراءات البيئية المعمول بها وأنها تستعمل التكنولوجيا مما يؤدي إلى تخفيف التلوث، وهي بذلك تحاول أن تبرهن أن الدول النامية هي المتسبب الرئيسي للتلوث وهو ما يخالف المنطق. فكيف حققت هذه الدول الثروة الكبيرة التي تحوزها حاليا؟ ألم يكن ذلك بتكلفة بيئية باهضة من خلال غازاتها التي نفثتها على مدى العقود السابقة. بل إن السؤال الأبرز لماذا مازالت تحتكر التكنولوجيا ولم تقم بنقلها للدول النامية كما تعهدت به في مختلف المواثيق الدولية. كما أن الإلتزامات المالية التي تعهدت بها الدول المتقدمة تبقى ضئيلة وغير كافية بالنسبة للدول النامية (Hamrouni, 2015, p-p 34-35).

إن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي تضمنت مبادئ عامة للتخفيف من الغازات المسببة للتغير المناخي، كمبدأ العدالة ومبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة فلم تتضمن نسب محددة للتخفيض. وقد قام بروتوكول كيوتو لعام 1997بتحديد نسب التخفيض الخاصة بالدول الصناعية الأكثر تلويثا. إلا أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية أفشل هذه الجهود. وبالرجوع إلى المبدأ السابع من إعلان ريو دي جانيرو لعام 1992حول البيئة والتنمية، فإنه نص على التباين في المسؤولية مما خلق تعدد في التفسيرات. إلا أنه يتضح أن الدول النامية غير معفية من المسؤولية حول الغازات الدفيئة المتزايدة، إنما تتحمل مسؤولية أقل من الدول الصناعية. فمبدأ الملوث الدافع يقتضي تحمل كل ملوث تبعات تلويثه، وعلى هذا الأساس لا يمكن حصر المسؤولية في تلك الدول الواردة فقط في الملحق الأول من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي.

وباستقراء الفقرة السابعة من المادة الرابعة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي نجد أن مشاركة الدول النامية في الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية مشروطة بضرورة تقديم مساعدات مالية لها ونقل التكنولوجيا، بما يفهم منه أن عدم وفاء الدول المتقدمة بإلتزاماتها التطوعية يعطي الحق للدول النامية بالانسحاب من هذه الجهود الدولية (Cullet, 2010, p 161). فالدول النامية متخوفة من التدخل في سياساتها الاقتصادية بحجج بيئية، وهو ما تحتم على المجتمع الدولي تقديم بدائل أخرى من خلال مختلف الاتفاقيات والمواثيق الدولية. (هذا ما سيتم توضيحه من خلال النقطة الثانية المتمثلة في إلتزامات الدول في ظل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي).

2-مبدأ العدالة

تستخدم الدول المتقدمة في صناعاتها في بداية القرن الحادي والعشرين ما مقداره 80% من الطاقة العالمية والموارد المعدنية، وهي مسؤولة بذلك عن 80% من التلوث العالمي بمختلف أشكاله. في حين فإن الدول النامية تعاني من فقر كبير، بل إن هذا الفقر أصبح أحد الأسباب الأساسية للتدهور البيئي. ومع هذا الاستحواذ للثروات الطبيعية واحتكار التكنولوجيا وتكريس الإلتزامات البيئية من شأنه أن يجعل هذه الدول أكثر فقرا. فمبدأ العدالة في القانون الدولي للبيئة زادت أهميته بدرجة كبيرة، نظرا لأن استغلال مختلف الثروات الطبيعية أصبح مقيد بالعديد من القيود البيئية. فمصائد الأسماك العالمية على سبيل المثال تم تحديد نسب لا يمكن تجاوزها. من جهة أخرى فإن القانون الدولي للبيئة يفرض إلتزامات على مختلف الدول لتخفيض انبعاثاتها الغازية، تبعا لمساهمتها في التلوث وإمكانياتها (Shelton, 2007, p 652).

  فمطالبة الدول النامية بتحقيق التنمية أولا يأتي من منطلق تحقيق العدالة بين الدول، فمن المشروع لهذه الدول أن تطالب بالمساواة في نسب الغازات المنبعثة مع الدول المتقدمة. وعلى هذه الأخيرة أن توفي بإلتزاماتها التي تعهدت بها اتجاه الدول النامية من مساعدات مالية ونقل التكنولوجيا.

2-1-الحق في التنمية

ظهر القانون الدولي للتنمية في بداية الستينات من القرن الماضي، بحيث تشكل قواعده مجموعة الاحتياجات للدول الحديثة. وهي بذلك تحاول دعم النظام الاقتصادي الدولي الجديد الذي كان آنذاك على مشارف التبلور. فالقانون الدولي للتنمية في أحد تعريفاته يعني:" مجموعة المبادئ والمؤسسات القانونية التي تستهدف تأمين احترام حقوق الانسان، وبشكل خاص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لمبادئ الأمم المتحدة وإعلان حقوق الانسان والميثاق الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". فالحق في التنمية يعتبر من حقوق الانسان الذي ينبغي على كافة الدول أن تحققه لمختلف أفرادها، كما أنه عملا بمبدأ تكافؤ الفرص فإن الدول هي الأخرى لها الحق في تحقيق التنمية (سعد الله، 1990، ص، ص 15، 16).  فقد سادت للعديد من العقود اللامساواة في التنمية بين الدول وهو ما جعل الدول النامية تثور في وجه هذا الظلم والاستغلال الاقتصادي (سعد الله، 1990، ص 35).

إن التنمية يختلف مفهومها تبعا للزاوية والإيديولوجية التي نعرفها منها، فالاقتصاديون الرأسماليون والاشتراكيون يرون أن التنمية تعني الزيادة في الدخل الفردي والناتج القومي. في حين فإن الإجتماعيون يرون أن التنمية هي تحقيق أكبر قدر من الرفاه من الناحية الخدماتية، الصحية، الإجتماعية والتعليمية. فاليوم فالتنمية لم يعد مفهومها يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، إنما يتجاوز ذلك إلى مختلف حاجات الإنسان من سكن، غذاء، عمل وتعليم ...إلخ (العسل، 1996، ص، ص 61، 62).

إن الدول النامية إلى اليوم لا زالت تعاني من العديد من المعوقات التي تحول دون تحقيق التنمية. فالاستعمار الذي عانت منه أغلب هذه الدول جعلت منها تابعة للمستعمر ومجرد منجم للموارد الخام التي تتزود بها الدول الاستعمارية وبمقابل زهيد. وعلى ذلك فإن العديد من الدول تطالب هذه الدول بمساعدتها في تحقيق التنمية كحق لها نظير الاستغلال الذي تعرضت له الدول النامية لعقود طويلة ولحرمان شعوبها من ثرواتها وتحقيق رفاهيتها. فهي تعاني من الفقر وأزمات اقتصادية واجتماعية، بل إن بعض الدول التي لها القدرة على إنشاء مصانع من الحجم الكبير تعاني من كيفية تسويق منتجاتها نظرا لهيمنة الدول الصناعية وعدم قدرتها على المنافسة العالمية (طاهر، 1998، ص، ص 52، 53).

إن المساواة بين الأمم في تحقيق التنمية أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في لائحتها رقم 34-46عام 1979. فحق الدول في التنمية تم تكريسه على الصعيد الدولي، ويقع على الدول المتقدمة تقديم المساعدات اللازمة للجهود التي تبذلها الدول النامية في سبيل سعيها لتحقيق التنمية وبما يتوافق مع متطلبات حماية البيئة. فهذا الحق ينبغي تطبيقه بما يتوافق مع حقوق الإنسان بصفة عامة (Michelot, 2010, p 210). فبدأت الدول النامية بالمطالبة بهذا الحق منذ الستينيات من القرن الماضي، إلا أن الملاحظ أنه خلال قمة ريو دي جانيرو لعام 1992حول البيئة والتنمية في ظل التجاذبات حول مسألة حماية البيئة والأوضاع الاقتصادية للدول النامية ظهرت مطالب لهذه الدول. بحيث أنها طالبت بدفع تعويضات لها والتي هي بالأساس عبارة عن ديون لها أو أن تلتزم بنقل التكنولوجيا إليها لتلتحق بركب الدول المتقدمة (Michelot, 2010, p 208).

تطالب الدول النامية وبشدة خلال مختلف المفاوضات الدولية حول التغير المناخي أن تقوم بتحقيق تنميتها دون أي قيود تمارس عليها. فمن حقها التمتع بنفس الظروف التي حققت خلالها الدول الصناعية تنميتها. فالعدالة تقتضي عدم فرض إلتزامات متساوية على دول تتواجد في ظروف ووضعيات مختلفة (Michelot, 2010, p 208).

2-2-حق المساواة بين الدول في بعث الغازات بالجو

إن اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات لعام 1969ومختلف الأعراف الدولية تعتبر كل الأطراف في أي اتفاقية متساوية من حيث السيادة. إلا أنه بالرجوع إلى الواقع نجد أن الدول ليست متساوية إطلاقا من حيث الإمكانيات التي يمكنها تسخيرها لتفعيل آليات تطبيق أي اتفاقية خاصة في المجال البيئي. كما أن قوة الدول في المفاوضات ليست متساوية كذلك، فالمفاوضات حول التغير المناخي أبرزت هذه الإشكالات وتباين الأولويات بالنسبة للدول. هذا الأمر أجبر المجتمع الدولي على البحث عن كيفية جذب الدول خاصة النامية لهذه الجهود، فكانت مسألة إعادة الاعتبار للعدالة في العلاقات الدولية أحد المفاتيح للوصول إلى أرضية تفاهم (Paavola, 2005, p 318).

إن تزايد تراكم الغازات من شأنه أن يهدد حياة مستقبل البشرية، ويؤدي إلى تغير المناخ في الأرض. هذا الأخير يمكنه أن يسبب كوارث طبيعية كالفيضانات، العواصف، الجفاف وموجات حرارة شديدة. فالدول النامية هي أشد الدول تأثرا بهذه الغازات نظرا للكوارث الطبيعية التي أحصتها ودون أن يكون لها أي دخل فيها، فسببها الرئيسي كان من الدول الصناعية. فالموزمبيق عام 2000وبنغلاديش عام 2004شهدت فيضانات كبيرة، وعواصف في الهندوراس عام 1998، هاييتي في 2004على سبيل المثال. وفي ظل التنافس الاقتصادي الحالي من شأنه أن يفاقم من المشكلة وهو ما يجعل من الدول المتقدمة أمام حقيقة مفادها ضرورة تخفيض انبعاثاتها الغازية إلى المستويات المطلوبة للحفاظ على المناخ العالمي. وتتحمل في ذلك مسؤوليتها عن الغازات الحالية والمتراكمة منذ عقود (Paavola, 2005, p 316).

فمجموع ما نفثته الدول الصناعية يتجاوز بكثير الدول النامية. وفي ظل البحث عن التكريس العالمي لحق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية، وفي ظل بحث الدول النامية عن حقها في التنمية ظهرت مطالبات الدول النامية بحقها في لمساواة في الغازات. وبالرغم من الرفض العام لحق المساواة في انبعاث الكربون، فإنه يعتبر تكريس للعدالة بين الدول في مسألة المناخ. فالمساواة في الكربون يعني حاليا إمكانية الاختلاف في المسؤوليات حول هذه الغازات لسبب رئيسي وهو تحقيق العدالة المناخية. فهو يعني إعطاء نفس الحقوق في التلويث المسموح به لكافة الدول. وعلى ذلك ظهرت بعض الآليات التي تخدم هذا المسعى كآلية الإتجار في وحدات خفض الانبعاثات الغازية فتقوم الدول ببيع حصصها من التلويث لدول أخرى تجاوزت نسبها المحددة وهي ما يسمى بسوق الكربون Bell¸ 2008, p, p 247, 248)).

فالخبراء يتوقعون أنه في نهاية القرن الحالي يمكن للغازات الحالية أن تحدث زيادة في درجة الحرارة تصل ل 5° درجات وهو ما يمثل خطر كبير. خاصة إذا علمنا أن الزيادة في درجة الحرارة بلغت 5° درجات منذ العصر الجليدي فكيف يمكن أن يكون الحال بزيادة 5° درجات أخرى؟ ويتوقع الخبراء أيضا أنه إلى غاية 2035ستزيد درجة الحرارة بدرجتين مئويتين، مما يعني موت الملايين من البشر وانقراض العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية (Bell, 2008, p, p 243, 244).

فينبغي على الدول الصناعية تخفيض غازاتها للمستويات المسموح بها، وبالمقابل فإن الدول النامية لها الحق في الزيادة في غازات الكربون تحقيقا لمبدأ المساواة في غازات الكربون. ومن الحجج التي تم الدفاع بها عن هذا الحق أن الغلاف الجوي للأرض هو واحد، وكل البشرية تحتاج لهواء نظيف. وعلى هذا الأساس الكل له نفس الحق في التلويث. كما أن دول الجنوب لن تقبل بأي إلتزامات غير قائمة على أساس المساواة. فهذا المبدأ من شأنه أن يساهم في مشاركة كافة الدول وتحقيق السلم والأمن العالمي. وبهذا فإنه سيتم إنهاء اللاعدالة بين الدول وتحمل الكافة لمسؤولياته اتجاه البيئة البشرية Bell, 2008, p, p 251, 253)).

2-3-تقديم المساعدات للدول النامية

نص المبدأ 12من إعلان استوكهولم حول البيئة البشرية لعام 1972على تقديم المساعدات التقنية للدول النامية. ودعى المبدأ 20منه إلى نقل التكنولوجيا إليها لكيلا تصبح الإلتزامات البيئية عبارة عن عبئ اقتصادي بالنسبة لها. فبروتوكول مونتريال حول المواد المستنفذة لطبقة الأوزون لعام 1987دعى إلى التعاون بين الدول في مجال تبادل المعلومات وتعزيز المساعدات التقنية ونقل التكنولوجيا والمعرفة للدول النامية لتسهيل تطبيق ما ورد في البروتوكول. وباستقراء مختلف مواد البروتوكول يتضح أنه يمنع نقل التكنولوجيا التي تضر بالبيئة للدول النامية، فلم يتم النص صراحة على هذا الإلتزام. ويقع على الدول أيضا توفير كافة المصادر المالية لتحمل التكاليف الإضافية التي تقع على الدول النامية Sands, 2003, p 1041)).

تم استحداث العديد من الآليات لتقديم المساعدات المالية للدول النامية من بينها الصندوق العالمي للبيئة (Global Environmental Facility)، وتعود جذور هذا الصندوق إلى اقتراح تم تقديمه من طرف لجنة برونتلاند حول مستقبلنا المشترك. بحيث اقترحت نظام بنكي عالمي مرتبط مع البنك العالمي يتولى تمويل الاستثمارات. وتم تطوير هذا الاقتراح لاحقا من مؤسسات أخرى (Freestone, 2007, p 1078). فهذا الصندوق منذ إنشائه عام 1991استطاع توفير 6.2مليار دولار و20مليار دولار أخرى بالتعاون مع مصادر تمويل أخرى، وهذا من أجل دعم أكثر من 1800مشروع في الدول ذات الاقتصاديات في مرحلة انتقال وفي الدول النامية من أجل تحقيق فوائد بيئية عالمية (Freestone, 2007, p 1077).

تعهدت مجموعة الدول الثماني الكبرى هي الأخرى أنه ابتداء من 2010ستقوم بتوفير 50مليار دولار في كل سنة بالمقارنة مع كان موجود في عام 2004. ومع وجود مانحين أكثر توجب إيجاد آليات تمويل جديدة. فاقترحت المملكة المتحدة البريطانية إنشاء صندوق عالمي للتمويل (International Finance Facility) وهو ما تم إنشاؤه في عام 2003. وبحسب الحكومة البريطانية فإن هذا الصندوق سيعمل على توفير أموال إضافية، وستكون قائمة على إلتزامات للمانحين على المدى الطويل (De Chazournes, 2007, p 951).

تلعب الفواعل الدولية الأخرى دورا مهما في عملية التمويل، بحيث تكشف الإحصائيات على أن المنظمات غير الحكومية ومختلف أطراف القطاع الخاص والمجتمع المدني تساهم حاليا بما يقدر 85% من إجمالي المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للدول النامية. وتساهم الدول بما مجموعه 15%فقط من هذه المساعدات. فهذه الأرقام تدل على الدور الكبير والفعال الذي أصبحت هذه الفواعل تلعبه في مجال حماية البيئة العالمية. ففي عام 1970كانت الدول هي التي تساهم بالقدر الكبير بحيث أن ما يقدر ب 70% من إجمالي المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة ذات مصدر حكومي. وتم إنشاء شراكات بين القطاعات الثلاث (الحكومة، القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني) لتمويل مختلف المشاريع في الدول النامية. فدور الفواعل من غير الدول أصبح جد هام في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف الدول (De Chazournes, 2007, p 953).

ثانيا: إلتزامات الدول في ظل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي

إن الغلاف الجوي للأرض يحتوي على العديد من الغازات الدفيئة التي تحافظ على درجة حرارة الأرض. وبالرغم من أن هذه الغازات لا تمثل سوى أقل من واحد على عشرة من إجمالي الغازات الموجودة غي الغلاف الجوي، إلا أن لها دور مهم في الحياة على الكوكب (جويلي، 2002، ص 06). وبالتزايد الكثيف لهذه الغازات نتيجة الأنشطة البشرية المتسارعة أصبحت لها مخاطر على المناخ العالمي.

إن التغيرات التي حدثت على المناخ العالمي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة، والتي تحمل مخاطر كبيرة على مستقبل الحياة على الأرض. خاصة وأن الغطاء النباتي في تقلص مستمر، فالغابات التي تعتبر مستودع لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون في تدهور مستمر وهو ما يحتم على دول العالم إيجاد آليات لتخفيض نسب الغازات الدفيئة التي تنفثها في الغلاف الجوي. فهذه الغازات أصبحت متواجدة بنسب تفوق قدرة الأرض على إعادة امتصاصها. وهنا تدخل المجتمع الدولي لتحديد مسؤوليات الدول بشأن هذه الظاهرة وهو ما سيتم التركيز عليه في مختلف الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي. بحيث تم طرح تساؤل أثناء المشاورات حول الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغير المناخي لعام 1992وبروتوكول كيوتو لعام 1997حول من يتحمل مسؤولية التغير المناخي. وأعيد طرح ذات التساؤل في اتفاق باريس الأخير نظرا لتغير المعطيات الاقتصادية وبروز دول أخرى صناعية، بحيث حاولت الدول البحث عن آليات لاستمرار الجهود في مواجهة هذه الظاهرة العالمية.  

وجدير بالذكر أن تخصيصنا لتناول الالتزامات المنبثقة عن الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي لعام 1992، بروتوكول كيوتو لعام 1997وأخيرا لاتفاق باريس لعام 2015لا يعني أنها الجهود الدولية الوحيدة التي تم بذلها، وإنما تعتبر أهم المحطات في مواجهة التغير المناخي. فالأمم المتحدة قامت بجهود منذ الخمسينيات من القرن الماضي ببداية اهتمامها بمشكلة تلوث البيئة. وقد تم عقد أول مؤتمر دولي حول المناخ من طرف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عام 1979واتبعته بمؤتمرات أخرى في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. ومن أهم المحطات أيضا مؤتمر تورنتو عام 1988الذي عقد لدراسة ما تم التوصل إليه من طرف الهيئة الحكومية لخبراء المناخ بعد إنشائها من طرف خبراء في القانون الدولي، وتبعته مؤتمرات وجهود دولية أخرى (ميهوبي، 2011، ص، ص 95، 96).

1-اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي

تعدّهذه الاتفاقية من النتائج التي تم التوصل إليها في قمة الأرض بريو دي جانيرو عام 1992، وتمت صياغة هذه الاتفاقية بعد مشاورات ومفاوضات انطلقت في إطار لجنة التفاوض الحكومية الدولية لصياغة اتفاقية إطارية بشأن التغير المناخي والتي تم إنشاؤها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتم اعتماد مشروع الاتفاقية بمقر الأمم المتحدة في 9ماي 1992، وتم فتح التوقيع عليها بداية من قمة الأرض عام 1992. ودخلت حيز التنفيذ بموجب المصادقة 50عام 1994 (بريشي، 2018، ص 39)، والجزائر بدورها قامت بالتصديق على هذه الاتفاقية بموجبالمرسوم الرئاسي رقم 93-99المؤرخ في 10أبريل 1993.

تقوم هذه الاتفاقية أساسا على مبادئ العدالة والإنصاف، مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة ومبدأ التنمية المستدامة والحيطة. وقد حددت هدف لها وهو ما نصت عليه في المادة 2منها بنصها على أن الهدف من الاتفاقية هو تثبيت نسبة الغازات الدفيئة عند مستوى محدد بحيث يحول دون تفاقم الظاهرة وتأثيراتها. وما يلاحظ على هذه المادة أنها لم تحدد جدول زمني لتحقيق هذا الهدف، كما أنها لم تحدد نسب محددة للإلتزام بالنسبة للدول النامية أو المتقدمة نظرا لظروف الدول النامية والتي هي بحاجة ماسة للتنمية، ونظرا لأن الدول المتقدمة تحتاج إلى فترة للدخول إلى التنمية النظيفة.

تنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي على أن الدول المتقدمة هي التي تتولى الصدارة في قيادة مختلف الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي، وأن كل الأطراف يجب عليها أن تقوم بحفظ المناخ لفائدة الأجيال الحالية والمستقبلية للبشرية، وعلى أساس العدالة ومبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة. وتضيف الفقرة الثانية من ذات المادة على أن ظروف واحتياجات الدول النامية التي يمكن أن تتأثر بما جاء في الاتفاقية، وتلك الدول النامية التي هي متأثرة بمختلف الآثار للتغير المناخي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار. ونصت الفقرة الثالثة والرابعة على ضرورة انتهاج مبدأ الحيطة والتنمية المستدامة (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، 1992).

واعترفت ديباجة الاتفاقية أن الغازات المتراكمة والحالية تتحمل مسؤوليتها الأكبر الدول المتقدمة. وأن غازات الدول النامية لا تزال ضئيلة مقارنة بالدول المتقدمة، وستزداد غازاتها في المستقبل لتحقيق طموحاتها التنموية. كما تولي أهمية قصوى لأوضاع الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري، الجزر الصغيرة المهددة، الدول المنخفضة الساحلية، الدول التي تقع في المناخ الجاف وشبه الجاف وتلك المهددة بالفيضانات والتصحر، الدول النامية التي تتعرض أنظمتها الإيكولوجية لتهديدات من آثار التغير المناخي. فهي تعتبر أن أولوية الدول النامية هو تحقيق النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر (ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، 1992).

إن الدول المتقدمة لم تتقبل إعفاء بعض الدول النامية كالصين من تخفيض انبعاثاتها الغازية إلا أن العديد من المعطيات جعلت مسألة تكريس مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة أمر واقع. فغازات الدول النامية هي ناتجة أساسا لتحقيق حاجياتها الأساسية كالأنشطة الزراعية، استخدام الوقود الأحفوري بغرض التدفئة والطهي أو حتى أنشطة الدول التي تعتمد اقتصادياتها على الطاقات الأحفورية. في حين فإن الدول المتقدمة تنبعث نسبة كبيرة من غازاتها نتيجة سلع كمالية وأدخنة السيارات، علاوة على أن هذه الدول تمتلك من الإمكانيات ما يخولها للتحول إلى الطاقات النظيفة على عكس الدول النامية. وعلى هذا الأساس سيكون من الإجحاف المساواة بين دول تحاول الخروج من أوضاعها المتردية ودول تريد الزيادة في الرفاهية والترف (بريشي، 2018، ص، ص 51، 52). فتركيا لم تتقبل تصنيفها مبدئيا في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة في الملحق الأول والثاني نظرا لعضويتها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد استندت تركيا في ذلك إلى أنها تعتبر من الدول النامية بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية وتقرير البنك الدولي وحتى التصنيف المعتمد في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فهي لا تمتلك القدرات المالية اللازمة ولا إمكانية نقلها للتكنولوجيا للدول الأخرى. وتقدمت بطلب رسمي عام 2000لحذفها من قائمة الدول في الملحق الأول والثاني من الاتفاقية، وتمت الموافقة على الطلب في عام 2001. وعبرت تركيا عن موافقتها التواجد في الملحق الأول في حالة تم إيلاؤها اعتبار خاص لكونها في مرحلة مبكرة من التصنيع. فالاتفاقيات البيئية لم تقم بتعريف الدول النامية ولا بوضع معايير لتصنيف الدول (Rajamani, 2012, p 369).

أوردت الاتفاقية ملحقين الأول والثاني محددة فيهما الدول المعنية بمختلف الواجبات التي تضمنتها. في حين فإن الدول وفي معظمها النامية منها غير معنية بالإلتزامات التي جاء النص عليها. فنصت المادة الرابعة من الاتفاقية على مجموعة من الإلتزامات التي تقع على دول الملحق الأول التي تضم 41دولة وهي: أستراليا، النمسا، بيلاروسيا، بلجيكا، بلغاريا(أ)، كندا، كرواتيا(أ)، جمهورية التشيك(أ)، الدنمارك، الجماعة الاقتصادية الأوروبية، استونيا(أ)، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، هنغاريا(أ)، إيسلندا، إيرلندا، إيطاليا، اليابان، لاتفيا(أ)، ليشتنشتاين، ليتوانيا(أ)، لوكسمبورغ، موناكو، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، بولندا(أ)، البرتغال، رومانيا(أ)، الاتحاد الروسي(أ)، سلوفاكيا(أ)، إسبانيا، سلوفينيا(أ)، السويد، سويسرا، تركيا، أوكرانيا(أ)، المملكة المتحدة البريطانية وإيرلندا الشمالية، الولايات المتحدة الأمريكية (الملحق الأول من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، 1992) .

تتمثل إلتزامات هذه الدول في ماورد في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من الاتفاقية وهي كما يلي:

-تبني سياسات وطنية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وحماية مصارفها وخزاناتها.

-يتوجب على كل الأطراف إبلاغ مؤتمر الأطراف بعد 6أشهر من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ حول كافة التدابير والسياسات المتخذة، والهدف هو الرجوع بهذه الغازات إلى ما كانت عليه قبل عام 1990.

-تقديم حسابات للانبعاثات وعمليات الإزالة بواسطة المصارف للغازات الدفيئة ويجب استغلال القدرات العلمية لمواجهة التغير المناخي.

وفتحت الفقرة الفرعية ج من الفقرة الثانية من المادة الرابعة لكل الدول الغير مدرجة في الملحق الأول عند تصديقها، موافقتها، قبولها أو انضمامها للاتفاقية أن تعرب عن إلتزامها بما تم النص عليه في الفقرتين الفرعيتين أ وب من الفقرة الثانية من المادة الرابعة، واللتان مقتضاهما الإلتزام بتخفيض نسبة الانبعاثات وتقديم المعلومات للرجوع بالغازات إلى ما كانت عليه قبل عام 1990(المادة الرابعة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، 1992).

أما الملحق الثاني الذي يضم الدول الصناعية الغنية وعددها 24دولة وهي: أستراليا، النمسا، بلجيكا، كندا، الدانمارك، الجماعة الاقتصادية الأوروبية، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، إيسلندا، إيرلندا، إيطاليا، اليابان، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، البرتغال، إسبانيا، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة البريطانية وإيرلندا الشمالية، الولايات المتحدة الأمريكية (الملحق الثاني من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، 1992).تتمثل إلتزامات هذه الدول فيما أوردته الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من الاتفاقية وهي الإلتزام بتوفير موارد مالية إضافية وجديدة لتغطية تكاليف الدول النامية وبما يتوافق مع أهداف الاتفاقية. وكذا تلتزم بنقل التكنولوجيا للدول النامية لمساعدتها لتجسيد سياسات تساهم في الحد من الغازات الدفيئة (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، 1992).

2- بروتوكول كيوتو لعام 1997

إن بروتوكول كيوتو كان ثمرة مؤتمر الأطراف الثالث المنعقد في كيوتو باليابان في 11ديسمبر عام 1997، وبحضور ممثلي 160دولة. ويعتبر من أهم الوثائق الدولية لمواجهة التغير المناخي نظرا لأنه حاول النص على إلتزامات محددة وأهداف يرمي لتحقيقها في فترة زمنية محددة. ودخل حيز التنفيذ رسميا في 16نوفمبر 2005بتصديق روسيا عليه، بحيث يدخل حيز النفاذ بعد 90يوم من تاريخ تصديق الدولة 55على أن تكون من بينها الدول المتقدمة التي تمثل انبعاثاتها الغازية ما مقداره 55% من إجمالي الانبعاثات الغازية المنبعثة في العالم (هماش، 2018، ص 58). فنص على إلتزامات عامة لكافة الأطراف في البروتوكول تتمثل أساسا في المحافظة على مختلف بواليع ومستودعات الغازات الدفيئة كالغابات لامتصاصها، إقامة سياسات ومناهج تساعد على تقدير الغازات المنبعثة والعمل على توعية الرأي العالم بمخاطر الاحتباس الحراري وتنمية برامج التدريب والتعليم. وقد طرح التساؤل مرة أخرى من يتحمل مسؤولية هذه الانبعاثات الغازية وعلى ذلك فقد أرسى بروتوكول كيوتو المسؤولية على أساس مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة بحيث أنه حدد نسب محددة لإلتزامات الدول المتقدمة والدول التي تشهد اقتصادياتها بمرحلة انتقالية، كما أرسى آليات مرونة لمساعدة الدول النامية ولتخفيض التبعات الاقتصادية على الدول وتتمثل هذه الآليات فيما يلييأتي: آلية التنمية النظيفة، آلية التنفيذ المشترك، آلية الاتجار في وحدات خفض الانبعاثات الغازية (هماش، 2018، ص، ص54، 55).

حدد بروتوكول كيوتو إلتزامات تقع على الدول المتقدمة التي لها حصة أكبر في الغازات الدفيئة، حيث تعمل هذه الدول على خفض هذه الغازات التي تراكمت طول فترة مائة وخمسين سنة وبنسبة 5% على الأقل مقارنة بالمستويات التي كانت سائدة عام 1990. ويدخل هذا التخفيض فعليا في الفترة مابين 2008-2012بنسب مختلفة بين هذه الدول تبعا لمساهمتها في التلوث الجوي الذي أحدثته وتتمثل نسب هذه الدول فيما يلي: - تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بالتخفيض بنسبة 7%من الانبعاثات الغازية.

-دول الاتحاد الأوروبي، سويسرا ودول وسط أوروبا تخفض انبعاثاتها الغازية بنسبة 8%.

-تخفض كل من المجر، كندا، اليابان، بولندا بنسبة 6%.

-النرويج تقوم بتخفيض غازاتها بنسبة 1%.

-تقوم أستراليا بتخفيض غازاتها بنسبة 8%.

-تخفض إيسلندا غازاتها بنسبة 10%.

في حين يتوجب على كل من روسيا، أوكرانيا ونيوزيلندا بالمحافظة على نسبها من الغازات المنبعثة.

كما تلتزم هذا الدول أيضا بنقل التكنولوجيا النظيفة للدول النامية، ومساعدة هذه الأخيرة على مواجهة آثار التغيرات المناخية، مساعدة مشاريع البحث والتطوير للوصول إلى تكنولوجيات أقل تلويث ومصادر طاقة نظيفة (جويلي، 2002، ص، ص 33، 34).

لقد تم توجيه انتقادات لتحديد مسؤولية الدول عن الغازات الدفيئة انطلاقا فقط من عام 1990. فالتساؤل الذي يطرح لماذا هذا العام بالذات تحديدا ومن يتحمل تلك الغازات التي انبعثت في الغلاف الجوي طوال العقود السابقة؟ أم أن نسبة هذه الغازات عرفت ارتفاعا ملحوظا بداية من هذه السنة؟ والتساؤل الأبرز كيف يمكن للجيل الحالي أن يتحمل تكاليف باهضة لأخطاء الأجيال السابقة؟(Soltau, 2009, p 247)

لم يسمح بروتوكول بإبداء أي تحفظات عليه بالنسبة للدول المنضمة إليه. ومن جانب آخر فقد سمح بروتوكول كيوتو لأي دولة الإنسحاب منه بعد ثلاث سنوات من سريانه، على أن يكون سريان الإنسحاب بعد سنة من ذلك. ورغم أن بروتوكول كيوتو تضمن العديد من النقاط الإيجابية كتحديد مسؤوليات الدول المتسببة بشكل أساسي في التلوث الهوائي. إلا أنه يلاحظ عليه لم يقترن هذه الإلتزامات بجزاءات معينة، بمعنى تفي الدول بها طواعية وهو ما يشكل عقبة أمام الطموحات العالمية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي. فهذا الأمر حتى إن كان فيه تشجيع لانضمام الدول بإرادتها الحرة للوفاء بإلتزاماتها، إلا أنه من الناحية العملية نجد أن الدول تفضل مصالحها الاقتصادية الخاصة على مصلحة الدول. وهو ما يفسر إنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001من بروتوكول كيوتو وأعربت عن عدم استعدادها للإلتزام به نظرا لأنه يخدم مصالح الدول النامية. إضافة إلى هذا فإن العديد من الدول كألمانيا وبريطانيا لا تزالان تستخدمان الفحم الحجري في إنتاج الطاقة الكهربائية. كما أن العديد من الدول كإيطاليا، إسبانيا وبلجيكا لم تحترم النسب الواجبة التخفيض المحددة في البروتوكول (جواد، 2014، ص، ص 123، 124). إن عدم تحميل الصين والهند باعتبارهما أكثر دولتين من حيث الكثافة السكانية، وما تشهده الدولتان من وتيرة اقتصادية سريعة جعل العديد من الدول تحتج على ذلك. بالرغم من المعطيات السابقة فإن غازاتهما لا يمكن أن تتساوى مع الدول الصناعية الكبرى. كما أن التكلفة الاقتصادية والمالية العالية التي يفرضها تطبيق بنود بروتوكول كيوتو صعبت من تنفيذ إلتزامات الدول خاصة في ظل التنافس الاقتصادي العالمي.

   بدأت الدول في التفكير في مرحلة ما بعد بروتوكول كيوتو الذي بدأ سريانه في 16فيفري 2005، وأثير النقاش حول ما إذا يتوجب تشديد الإلتزامات بعد انقضاء فترة بروتوكول كيوتو أي بعد عام 2012. من بين المؤتمرات التي انعقدت لبحث مستقبل بروتوكول كيوتو مؤتمر ميلانو بإيطاليا في الفترة من 01إلى 12ديسمبر عام 2003. انعقاد مؤتمر بيونيس آيرس عام 2004للإستعداد لمرحلة ما بعد انتهاء فترة بروتوكول كيوتو (هماش، 2018، ص 57). كما تم عقد مؤتمر الأطراف الخامس عشر في كوبنهاغن والذي لم يصل إلى نتائج تعالج أزمة المناخ العالمي في المستقبل نتيجة الاختلافات الكبيرة حول تحمل المسؤولية بين الدول النامية والمتقدمة خاصة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وقد تمت دعوة الدول المتقدمة لتوفير ما يقارب 30مليار دولار للفترة بين 2010-2012، على أن يتضاعف المبلغ إلى 100مليار دولار كل سنة بداية من 2020(Brunnée, 2012, p 57). فالنقاشات حول مرحلة ما بعد 2012تجمع على ضرورة إشراك الدول النامية، بحيث لا يمكن أن تقتصر المسؤولية فقط على تلك الدول الواردة في الملحق الأول من الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي Sindico, 2012, p 246)). واتفقت الدول في مؤتمر الأطراف السابع عشر في جنوب إفريقيا بمدينة دوربان على الإلتزام بفترة ثانية لبروتوكول كيوتو بدءا من 2013، ولكن مع ضرورة دخول الدول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق حول التغيرات المناخية لفترة ما بعد 2020. وتم اعتماد هذا الاتفاق رسميا في مؤتمر الدوحة عام 2012بتمديده وتعديله لفترة إلتزام ثانية تبدأ من عام 2013إلى 2020وهذا لتجنب الفراغ القانوني الذي يمكن أن ينشأ بعد انتهاء فترة بروتوكول كيوتو الأولى. ولكي تدخل تعديلات بروتوكول كيوتو الثاني حيز النفاذ يتوجب مصادقة ثلاثة أرباع الدول الأطراف في البروتوكول استنادا للفقرة الخامسة من المادة 20منه. وإلى حد الساعة فإن بروتوكول كيوتو الثاني لم يدخل حيز النفاذ، خاصة بعد دخول اتفاق باريس 2015حيز النفاذ بتاريخ 04نوفمبر 2016بعد أن صادقت 55دولة من إجمالي الدول التي تمثل انبعاثاتها 55% من إجمالي الغازات العالمية المنبعثة (بريشي، 2018، ص، ص 128، 131). وقامت الجزائر هي الأخرى بالمصادقة على اتفاق باريس حول التغيرات المناخية بموجب المرسوم الرئاسي رقم 16-262المؤرخ في 13أكتوبر 2016.

3-اتفاق باريس لعام 2015

في الدورة الواحد والعشرين (21) لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي التي انعقدت بباريس في الفترة ما بين 30نوفمبر 2015إلى 12ديسمبر 2015، وحضر هذا المؤتمر ما يزيد عن 36000مشارك. وانعقد هذا المؤتمر في ظل عدم دخول بروتوكول كيوتو الثاني حيز النفاذ، وهو ما جعل الهدف الأساسي له هو البحث عن اتفاق جديد يخلف بروتوكول كيوتو. وهو ما تم في الأخير بالوصول إلى اتفاق باريس، كما يهدف كذلك إلى التوصل لتخفيض درجات الحرارة بدرجتين مئويتين دون تلك الدرجات التي كانت سائدة في الفترة ما قبل الثورة الصناعية (بريشي، 2018، ص، ص 134، 141).

تبنى اتفاق باريس مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة والقدرات المتاحة على ضوء الظروف الوطنية المختلفة، بحيث ترك الحرية للدول لتقديم تعهدات للمساهمة في تخفيض انبعاثاتها الغازية وهو ما تم تسميته "بالتباين الذاتي". وميز بين الدول النامية والمتقدمة، بحيث أقر بأن مسؤولية الدول تختلف باختلاف قدرات الدول وظروفها. ويتعين على الدول الصناعية تقديم المساعدات المالية ونقل التكنولوجيا للدول النامية. وقد طالبت الدول الصناعية أثناء المفاوضات بضرورة إشراك الدول السائرة في طريق النمو الغنية مثل دول الخليج كالسعودية في عمليات التمويل. وفي هذا الصدد نصت الفقرة الأولى من المادة 9من اتفاق باريس على ما يلي: " تلتزم الدول المتقدمة بتقديم الموارد المالية لمساعدة الأطراف من الدول النامية فيما يتعلق بالتخفيف والتكيف لاستكمال إلتزاماتها القائمة بموجب الاتفاقية الإطارية". ونصت الفقرة الثانية من نفس المادة على ما يلي:"يتم تشجيع الدول الأخرى على التقديم والاستمرار في تقديم الدعم بصورة طوعية" (اتفاق باريس حول التغيرات المناخية، 2015). فاتفاق باريس ألزم الدول الصناعية بتوفير الموارد المالية اللازمة في حين فضل أن يبقى هذا الإلتزام بصفة طوعية بالنسبة للدول الأخرى.

إن اتفاق باريس يعتبر ذو طبيعة سياسية بامتياز نظرا لطريقة المفاوضات التي تم تبنيها في المؤتمر، وأهم ما تم التوصل إليه هو قبول الدول النامية خاصة الناشئة منها تخفيض غازاتها. فانخراط هذه الدول يعتبر خطوة مهمة في الجهود الدولية، فلم يعد من المقبول استثناؤها إلى ما لانهاية. كما أنه يهدف إلى بناء الثقة بين الدول بانخراطها جميعا كل بحسب قدرته وبحسب انبعاثاته، لكيلا تبقى بعض الدول تتحجج بعدم مشاركة دول ملوثة في هذه الجهود (Treyer, 2015, p, p 329, 330). فالهدف الأساسي العمل على مشروع طويل المدى وهو الواضح من هذا الاتفاق الهادف إلى العمل على احتواء ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من درجتين في الفترة ما بين 2030إلى 2050، مع مواصلة الإجراءات المتخذة للعمل على الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5من المستويات التي كانت عليها قبل الثورة الصناعية Gesbert, 2016, p 211)).

   انعقد اتفاق باريس في ظروف لم تعد الدول المتقدمة هي الملوثة الوحيدة في العالم. ففي دراسة تم التوصل فيها إلى أن نسبة كبيرة من الانبعاثات الغازية في حدود عام 2000صادرة من الدول التي تعتبر أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وذلك على النحو التالي 14% صادرة من دول شرق أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي سابقا، 6% للدول الإفريقية، 16% بالنسبة لدول أمريكا اللاتينية و24%من الدول الآسيوية Soltau, 2009, p 249)). فالصين حاليا تحتل المرتبة الأولى عالميا بنسبة 28% من الغازات ثم تليها الولايات المتحدة الأمريكية بمسبة 26% ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 11% ثم الهند بنسبة 6%. على هذا الأساس فقد شجع الاتفاق الدول النامية على تبني سياسات وطنية ترمي إلى تخفيض الغازات في المستقبل. وعلى ذلك فقد تمت إضافة آلية جديدة للاتفاقية تتمثل في المراجعة الدورية لمختلف التعهدات الوطنية التي تقوم بها الدول طواعية كل 5سنوات، على أن تكون المراجعة الإجبارية الأولى للتحقق من هذه التعهدات عام 2025(آيت إدير، 2017، ص، ص 96، 97).

وتعهدت مختلف الدول في إطار إستراتيجية طويلة الأمد على تخفيض انبعاثاتها الغازية، فالصين تعهدت أنها في حدود عام 2030ستقوم بتخفيض غازاتها بنسبة 60% من مستويات عام 2005. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتخفيض غازاته بما يعادل بنسبة 40% من إجمالي غازاته التي كانت في حدود عام 1990وذلك بحلول عام 2030. وتعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيض انبعاثاتها ابتداءا من عام 2025بما مقداره بنسبة 28% وفي حدود عام 2050بما مقداره 80% إجمالي غازاته (آيت إدير، 2017، ص 98). إلا انه بقدوم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب نقض تعهدات الرئيس السابق باراك أوباما، وأعلن انسحابه من اتفاق باريس رافعا شعار "أمريكا أولا". فالولايات المتحدة الأمريكية تواصل سياساتها الخارجية بمبدأ التفاوض ثم عدم الإلتزام وهو ما قامت به في بروتوكول كيوتو عام 1997وأعادت نفس العمل في اتفاق باريس عام 2015. فهي تسير بمنطق العالم يحتاج لنا في حين نحن لا نحتاج إلى العالم. وهي بذلك ترهن مختلف الجهود العالمية نظرا لأن نجاحها يتوقف على الإرادة السياسية للدول والملوثة الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين. هذه الأخيرة ومجموعة من الدول النامية الأخرى لا تزال تحتج على تقديم التمويل اللازم ونقل التكنولوجيا لضمان تغيير الأنماط الاقتصادية التي تتبعها والانتقال إلى وسائل إنتاج نظيفة. كما أنه يجب العمل على التخلص من ارتباط العالم بالوقود الأحفوري.

لم يتضمن اتفاق باريس شأنه شأن الاتفاقيات السابقة المتعلقة بالتغير المناخي لآليات إنفاذ القواعد، فالإلتزام بها يتوقف فقط على الإرادة الطوعية للدول. بمعنى أن مخالفة أحكامها لا يستتبع جزاءات قانونية وهذا تماشيا مع مبدأ مرونة القانون الدولي للبيئة، بغرض ضمان مشاركة كافة الدول لحماية مستقبل الأرض. فترك أمر الفصل في كيفية الامتثال للاتفاق لمؤتمرات الأطراف اللاحقة.

خاتمة

إن مسألة مسؤولية الدول عن الغازات الدفيئة من المسائل الشائكة في القانون الدولي للبيئة، نظرا لارتباطها بالمصالح الحيوية للدول. فلا يمكن للدول خاصة تلك التي تعاني من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة الإلتزام بأولوية مواجهة الغازات الدفيئة على حساب تنميتها المحلية، خاصة في ظل استفادة الدول الصناعية المتقدمة من أوضاع وظروف مغايرة تماما للظروف السائدة حاليا. فلم تكن عليها أي إلتزامات بيئية تقيد تنميتها، وعلى هذا الأساس من خلال ما تم تناوله في بحثنا نخلص إلى ما يلي:

- إن الدول النامية لها الحق في الاستفادة من نفس الظروف التي استفادت منها الدول المتقدمة لتحقيق طموحات شعوبها، ومن حقها أن تطالب بأولوية التنمية على مسألة حماية البيئة نظرا لأن الفقر مازال منتشرا بشكل واسع في هذه الدول.

- كرس القانون الدولي للبيئة مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة لتحقيق العدالة بين الدول ولحث الدول على تحمل مسؤولياتها على حسب مساهمتها في التلوث العالمي، وبحسب قدراتها المالية والتكنولوجية. فإشكالية الغازات الدفيئة ليست وليدة اللحظة إنما تعود لعقود سابقة، على هذا الأساس فإنه يقع على الدول الصناعية تحمل مسؤولياتها التاريخية على تلك الغازات المتراكمة في الغلاف الجوي.

- يقع على الدول المتقدمة مساعدة الدول النامية من الناحية المالية وبنقل التكنولوجيا إليها، ومساعدة مختلف البرامج والمنظمات لتجسيد مشاريع تنموية صديقة للبيئة في الدول النامية. كما من شأن هذه المساعدات تشجيع الدول النامية على المشاركة الفعلية في تجسيد أهداف منظمة الأمم المتحدة في مواجهة الغازات الدفيئة.

- إن ظهور الدول الناشئة بوتيرة اقتصادية سريعة، جعل بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية تشترط إنخراط هذه الدول لكي تساهم هي الأخرى في هذه الجهود وهو ما أدى إلى إفشال العديد من القمم المتعلقة بالمناخ العالمي. وعليه فإن هذه الدول لا يمكن بقاؤها بدون تحمل أي مسؤولية وإنما ينبغي عليها تحمل جزء من المسؤولية في المستقبل بحسب قدراتها ومساهماتها في التلوث وهو ما يهدف إليه اتفاق باريس 2015، أين كان الهدف الأساسي منه هو خلق الثقة بين الأطراف. وقد أبدت بعض الدول الناشئة رغبتها في المساهمة في تحمل جزء من المسؤولية في المستقبل.

- إن إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على عدم الإلتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي أدت إلى إفشال الجهود الدولية لمواجهة الغازات الدفيئة وذلك بانسحابها من بروتوكول كيوتو لعام 1997وهذا سنة 2001وانسحابها من اتفاق باريس. فهي بذلك تتهرب من مسؤوليتها وتزيد من تعميق إشكالية الغازات الدفيئة.

- تواجه الجهود الدولية إشكالية تمويل العمليات التي تقوم بها مختلف البرامج والهيئات التابعة للأمم المتحدة، فالتحدي يتطلب أموال ضخمة وهو ما يستوجب إرساء آليات لتجسيد العمليات التمويلية. وكثيرا ما احتجت الدول المتقدمة على اقتصار التمويل عليها فقط واستثناء الدول النامية الغنية منها، إلا أنه تم تفضيل التمويل التطوعي بالنسبة لهذه الأخيرة

قائمة المراجع

باللغة العربية

1-الكتب

- العسل إبراهيم، 1996، التنمية في الإسلام مفاهيم – مناهج وتطبيقات، الطبعة الأولى، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

-سعد الله عمر اسماعيل، 1990، القانون الدولي للتنمية دراسة في النظرية والتطبيق، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.

-طاهر فريد بشير، 1998، التخطيط الإقتصادي، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

2-المقالات والدراسات

-آيت إدير نسيم، 2017، منظمة الأمم المتحدة في مواجهة تحدي التغيرات المناخية: قمة باريس 2015، السياسة العالمية، العدد 01.

-جويلي سعيد سالم، 2002، التنظيم الدولي لتغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي للتنمية والبيئة في الوطن العربي الذي ينظمه مركز الدراسات والبحوث البيئية، جامعة أسيوط.

-ميهوبي عبد الحكيم، 2011، التغيرات المناخية الأسباب والمخاطر ومستقبل البيئة العالمي، دار الخلدونية، الجزائر.

3-الأطروحات

-بريشي بلقاسم، 2017-2018، الحماية الدولية لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم، جامعة جيلالي ليابس، سيدي بلعباس الجزائر، كلية الحقوق والعلوم السياسية.

-جواد عبد اللاوي، 2013-2014، الحماية الجنائية للهواء من التلوث –دراسة مقارنة-، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم، جامعة أبوبكر بلقايد تلمسان، الجزائر، كلية الحقوق والعلوم السياسية.

-هماش لمين، 2017-2018، إستراتيجية الأمم المتحدة لحماية البيئة-دراسة حالة الجزائر-، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه الطور الثالث، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية.

4-التقارير والإعلانات

-إعلان استوكهولم حول البيئة الإنسانية لعام 1972.

-إعلان ريو دي جانيرو حول البيئة والتنمية لعام 1992.

-تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية: التطبيق والتنفيذ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجنة التنمية المستدامة، الدورة الخامسة،7-25 نيسان / أبريل 1997، E/CN. 17/1997/8.

- الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ، (التقرير التقييمي الرابع) تغير المناخ 2007، الطبعة الأولى، جنيف، 2008.

5-الاتفاقيات

-اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي المبرمة في 09 ماي 1992، والتي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي 93-99 المؤرخ في 10 أفريل 1993، الجريدة الرسمية، العدد 24، الصادر في 21 أفريل 1993.

-اتفاق باريس حول التغيرات المناخية المعتمد في باريس في 12 ديسمبر 2015، الذي صادقت عليه الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 16-262 المؤرخ في 13 أكتوبر 2016 المتضمن التصديق على اتفاق باريس حول التغيرات المناخية، الجريدة الرسمية، العدد 60، الصادر في 13 أكتوبر 2016.

باللغة الأجنبية

1- الكتب

-KissAlexandre, Shelton Dinah, 2007, Guide to International Environmental Law, Martinus Nijhoff Publishers, Leiden/ Boston.

-Rajamani Lavanya, 2006, Differential Treatment in International Environmental Law, Oxford university press.

-Sands Philippe, 2003, Principles of International Environmental Law, Second edition, Cambridge university press.

-SoltauFriedrich, 2009, Fairness in international climate change law and policy, Cambridge University Press, New York. 

2-المقالات والدراسات

-Baumet Katrine, 2006, participation of developing countries in the international climate change regime: Lessons for the future, The George Washington international law review, Vol 38.

-Bell Derek R, 2008, Carbon Justice? the case against a universal right to equal carbone mission, In, Sarah Wilks, Seeking environmental justice, Editions Rodopi B.V Amsterdam – New york. NY.

-Bilderbeek Simone et al, 1992, biodiversity and international law, the effectiveness of international environmental law, IOS press, Netherland.

-Brunnée Jutta, Common areas, 2007, common heritage and common concern, In, Daniel Bodansky et al, The Oxford Handbook of International Environmental Law, first published, Oxford University press.

-Brunnée Jutta et al, 2012, Policy considerations, In, Richard Lord et al, Climate change liability Transnational law and practice, first published, Cambridge University Press, New York.

-Cullet Philippe, 2010, common but differentiated responsibilities, In, Malgosia Fitzmaurice et al, Research Handbook on International Environmental Law, Edward Elgar Publishing Limited.

-De Chazournes Laurence Boisson, 2007, Technical and financial assistance, In, Daniel Bodansky et al, The Oxford Handbook of International Environmental Law, first published, Oxford University press.

-FitzMaurice Malgosia, 2005, General principle Governing the cooperation between states in relation to non-navigational uses of International Water Courses,in, Geir Ulfstein, Jacob Werksman, Yearbook of International Environmental Law, volume 14, 2003, first published, Oxford University Press.

-FreestoneDavid, 2007, The establishment, role and evolution of the Global Environmental Facility: Operationalising common but differentiated responsibility? In, Tafsir Malick Ndiaye et al, Law of the sea Environmental law and settlement of disputes, Martinus Nijhoff Publishers, Leiden/ Boston.

-Galizzi paolo and Herklotz Alena, 2010, Environment and development: friends or foes in the 21st century? in, Malgosia Fitzmaurice et al, Research Handbook on international environmental law, Edward Elgar publishing Limited.

-GemenneFrançois, 2010, De l’èquitè dans l’adaptation aux impacts du changement climatique, In, Christel Cournil, Catherine Colard-Fabregoule, Changements climatiques et défis du droit, Actes de la journée d’études du 24 mars 2009, université Paris Nord 13, Centre d’étude et recherches administratives et politiques CERAP, Editions Bruylant, Bruxelles.

-Gesbert Eric Naim, 2016, Accord de paris sur le climat : commencement d’une mutation de notre temps ? , Revue juridique de l’environnement, 2016/ 2, volume 41.

-Hamrouni MAIA-Oumeima, 2015, La participation des pays en developpement aux accords environnementaux, In, Démocratie et diplomatie environnementales, Acteurs et processus en droit international, Eric Canal-Forgues, Editions A. Pedone.

-Michelot Agnés, 2010, A la recherche de la justice climatique perspectives à partir du principe de responsabilités communes mais différenciées, In, Christel Cournil, Catherine Colard-Fabregoule, Changements climatiques et défis du droit, Actes de la journée d’études du 24 mars 2009, université Paris Nord 13, Centre d’étude et recherches administratives et politiques CERAP, Editions Bruylant Bruxelles.

-Paavola Jouni, 2005, Seeking justice: International Environmental Governance and Climate Change, Globalizations, Vol .2, N° .3.

-Rajamani Lavanya, 2012, Developing countries and compliance in the climate regime, In, Jutta Brunnée et al, promoting compliance in an evolving climate regime, first published, Cambridge University Press, New York.

-Shelton Dinah, 2007, Equity, In, Daniel Bodansky et al, The Oxford Handbook of International Environmental Law, first published, Oxford University press.

-Sindico Francesco, 2012, Post-2012 compliance and carbon markets, In, Jutta Brunnée et al, promoting compliance in an evolving climate regime, first published, Cambridge University Press, New York.

-Treyer Sébastien, 2015, Après 2015 : tout reste à construire, enfin ! Natures Sciences Sociétés, 2015/ 4, Vol. 23.

@pour_citer_ce_document

فارس عليوي, «الجهود الدولية لمواجهة الغازات الدفيئة: (بين المسؤولية عن غازات الرفاه والحق في غازات النجاة)»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 203-220,
Date Publication Sur Papier : 2021-03-08,
Date Pulication Electronique : 2021-03-08,
mis a jour le : 08/03/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8000.