التنقلات الحضرية وهاجس العنف المروري في المدن الجزائرية "قراءة سوسيوثقافية في الروافد والتداعيات" Urban Commutes and Traffic Violence Obsession in the Algerian Cities- Socio cultural analysis in tributaries and repercussions
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 18-2021

التنقلات الحضرية وهاجس العنف المروري في المدن الجزائرية "قراءة سوسيوثقافية في الروافد والتداعيات"

Urban Commutes and Traffic Violence Obsession in the Algerian Cities- Socio cultural analysis in tributaries and repercussions
ص ص 38-51
تاريخ الإرسال: 2020-04-29 تاريخ القبول: 2021-04-20

كلثوم بيبيمون
  • resume:Ar
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

نتطلع من خلال هذه الورقة العلمية إلىتقديم مقاربة سوسيو ثقافية لروافد العنف المروري في المدينة الجزائرية كمفهوم وممارسة لها مبرراتها الاجتماعية والثقافية التي تكشف عن ملامح ثقافة الطريق العمومي بعدّهفضاء عاماتتجلى فيه جل الرهانات والتفاعلات الرمزية. خاصة إنواقع التنقلات الحضرية اليومية صارت جزءا هاما من الممارسات الفردية والجماعية المتصلة بنمط الحياة الحضرية المعاصرة ببعدها الاستهلاكي. لهذا نهدف من خلال الدراسة إلىالكشف عن أسبابه وتداعياته باستخدام المنهج الوصفي الذي مكننا من رصدا أهمالمخاطر التي تميز التنقلات الحضرية في المدن العالمية المعاصرة، مع الكشف عن ماهية العنف المروري وواقعه قصد تفسير مسبباته في ضوء المقاربات السوسيوثقافية لتحديد العوامل التي تقف وراءه وأهم تداعياته، وأخيرا الوصول إلى نتائججاءت لتؤكد أولويات تثمين السلامة المرورية كثقافة وممارسة حضرية بالدرجة الأولى.

الكلمات المفاتيح: التنقلات الحضرية، العنف المروري، المدينة، ثقافة السلامة المرورية، الفضاء العام

Daily urban mobility has become an important part of the individual and collective practices related to the contemporary urban lifestyle with its consumer dimension. This paper seeks to present a socio-cultural approach to the tributaries of traffic violence in the Algerian city, as both a concept and a practice, which has social and cultural justifications that reveal public road culture, as a public space that reflects most of the stakes and symbolic interactions. This paper, then, aims to reveal its causes and implications through using the descriptive approach, which enabled us to monitor the most important risks of urban mobility in contemporary global cities with the disclosure of the nature and reality of traffic violence, in order to explain its causes and determine the factors behind it and its most important repercussions. From there, the results came out to confirm the priorities of evaluating traffic safety as a culture and urban practice in the first place.

       Keywords:urban mobility, traffic violence, city, traffic safety culture, public space

Quelques mots à propos de :  كلثوم بيبيمون

جامعة باتنة 01،bibimoune.kelthoum@gmail.com

المقدمة

يعيش كثيرمنا مع هاجس التنقلات الحضرية اليومية التي أصبحت تحتل مساحة هامة من روتين حياتنا المعاصرة حيث تعرف شبكة التنقلات ضغطا معتبرا خاصة في المدن الكبرى، وهذا بالنظر إلىتنامي وتيرة الهجرة نحوها وتسارع معدلات التحضر التي غيرت أسلوب الحياة فيها، بل جعلت معظم الأفرادأكثر ارتباطا بمراكزها الحيوية التي صارت تشكل جل فعالياتها الاجتماعية، الاقتصادية وحتى الثقافية، ناهيك عن أن منطق التوزيعالمكاني والزماني للفضاءات الحضرية صار مع تزايد وتيرة التحضر وامتداد المدن عاملا مؤثرا في ديناميات النقل الحضري بل ساهم في تغير وتباين نمط التنقلات وتوزعها عبر أطراف المدينة. كل ذلك زاد من أهميتها بالنسبة للمتنقلين سواءمن اجل العمل أوالدراسة أوالحصول على الخدمات المختلفة، حتى أضحى الفرد الجزائري يعيش أكثر من أي وقت مضى في وضعية تنقل دائم تفرضه عليه طبيعة الحياة الاستهلاكية في المدن الكبرى التي غيرت الكثير من ملامحها، تدعمها في ذلك تصورات الأفرادواندماجهم معها في مواجهة انعكاسات تنامي قيم الرأسمالية الجديدة والانفتاح على الأسواقالعالمية التي جعلت ممارسات التنقل اليومي قيمة حضرية في حد ذاتها.

أولا: مشكلة الدراسة

يعدّالنقل أحدالقطاعات الإستراتيجيةالتي تتوقف عليها فعالية باقي القطاعات، بعدّهالعصب الحقيقي للحياة الحضرية المعول عليه لتخطيط فعالية النظم المسيرة للمدن، وكذا إدارة حركة الناس المتنقلين فيها بكافة أنشطتهم. مع ذلك يبقى الفضاء العام مجالا للتفاوض والتنافس بين فئات عريضة من المجتمع الجزائري لاستعراض ملامح الحضرية التي تشهد تحولا نوعيا، يوجهها منطق النظام الاقتصادي الرأسمالي بقيمه الاستهلاكية، فالمدينة على حد تعبير مانويل كاستيلز ليست موقعا متميزا فحسب، "بل جزء لا يتجزأمن عملية "الاستهلاك الجماعي (جيدنز، 601،2004).

لهذا فتراكم التغيرات الحضرية التي عرفتها اغلب المدن الجزائرية الكبرى ساهمت في تمددها وتضخم حجم الساكنة فيها ، مما زاد من حجم التحولات المتسارعة والمتصلة بحركة التنقل وحجم التنقلات ، كل ذلك أفرز ممارسات عنفية موازية لدى المتنقلين من الساكنة برزت أهم مظاهرها في الخروقات المرورية، عدم احترام قواعد السلامة المرورية، المخاطرة أثناء التنقل  ..الخ، ترجمتها أيضا التغيرات المتلاحقة في نمط حياة الساكنة التي أضحت أكثرعرضة لمخاطر التنقل استجابة لمتطلبات الحياة الحضرية الاستهلاكية، ناهيك عن التعرض صحيا لمخاطر التلوث، حوادث العمل، ومخاطر حوادث الطرقات ..وغيرها. خاصة أن الحظيرةالوطنية للسيارات قد أحصتارتفاعا معتبرا في عدد المركبات حسب الديوان الوطني للإحصاء وهذا خلال العشرية الماضية بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد والتي تزامنت مع تحسن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري والتي انتقلت من حوالي 2.786.257مركبة سنة 1996إلى6.162.542مركبة ، بمعدل توزع سيارة واحدة لكل  10أفرادسنة 1996إلىسيارة واحدة لـكل 5أفرادسنة .2014  (ONS,2017) ،كما إنأغلب الملاحظات الميدانية تؤكد أولوية السيارة كوسيلة تحظى بالأفضلية لدى المواطن الجزائري وتستخدم في اغلب التنقلات (Boukour, 2014, 5) ..لهذا صار مأزقالتنقل واقعا يوميا في مواجهة هاجس العنف المروري الذي صار يؤرق المتنقلين سواقا كانوا أو راجلين هذا بالموازاة مع تنامي مشكلات الازدحام المروري، تزايد معدلات امتلاك السيارة الشخصية، وضعف مرافق وشبكات النقل الجماعي التي جعلت المتنقلين تحت وطأة الازدحام المروري وضغوطات التنقلات اليومية مما انعكس على معدلات حوادث المرور الآخذة في التزايد سنويا والتي جعلت التنقل مأساة حقيقية .

على ضوء ذلك نحاول من خلال هذه الورقة البحثية الإجابة على التساؤلات الآتية:

ماهي أهم مخاطر التنقلات الحضرية اليومية في المدن المعاصرة؟

 ما الروافد السوسيوثقافية للعنف المروري في المدن الجزائرية؟ وماهي أهم تداعياته؟

من خلال الإجابة على هذه الإشكالية نتطلع إلىتحقيق الأهداف الآتية:

·  رصد العلاقة بين تحولات ممارسات التنقل كقيمة رمزية مرتبطة بتحولات المدينة الجزائرية المعاصرة ومخاطر التنقلات اليومية التي يواجهها المتنقلون دوريا بهدف لفت الانتباه إليها والكشف عن أهم ملامحها

·  تفسير أسباب العنف المروري كظاهرة اجتماعية آخذة في التوسع داخل المدن انطلاقا من التناولات السوسيوثقافية الباحثة فيها

·  الكشف عن أهمالعوامل التي تقف وراء الظاهرة وتفسيرها في ضوء ديناميات الحياة الحضرية.

·  بحث تداعيات العنف المروري وسبل تثمين السلامة المرورية كثقافة وممارسة حضرية في الحياة اليومية.

ثانيا: المنهج المستخدم

لتحقيق هذا المسعى اعتمدنا على المقاربة السوسيوثقافية باستخدام المنهج الوصفي الذي مكننا من جمع بيانات كمية وكيفية حول الظاهرة عبر رصد أهمالتقارير الإحصائية والدراسات السوسيولوجية التي بحثت في الموضوع .وعليه حاولنا تفسير العنف المروري كمفهوم وممارسة من منظور الدراسات الاجتماعية التي رغم قلتها إلا أنهامكنتنا من فهم وتفسير تجلياتها في ضوء تحولات البيئة الحضرية، كما مكنتنا من الكشف عن روافد العنف المروري في المدن الجزائرية كممارسة اجتماعية لها مبرراتها السوسيوثقافية، فالطريق العام ليس مجالا للتنقل والعبور فحسب، بل هو ذلك الفضاء المسكون بالرموز والقيم المسيرة لدلالاته التي يجري تناقلها منذ عقود بعدّهاتجسد تاريخية المدينة وهويتها، وما حوادث الطريق إلا إحدىالمظاهر التي تعكس تناقضاتها وأزمتها العميقة، خاصة أن العنف المروري صار معضلة حقيقية بالنسبة للمواطنين المتنقلين سواقا كانوا أو راجلين داخل الفضاء العمومي.

ثالثا:لبلوغ هذه الأهداف استدعت المشكلة المطروحة البحث وفق الخطة البحثية التي تتجلى في العناصر الآتية:

1.مخاطر التنقلات الحضرية اليومية في المجتمعات العالمية المعاصرة

2. ماهية العنف المروري وواقعه في الجزائر

3. روافد العنف المروري كممارسة اجتماعية من المنظور السوسيو ثقافي

4. أهم عوامل العنف المروري في ضوء الدراسات الاجتماعية

5. أهم تداعيات العنف المروري

6-سبل الوقاية من العنف المروري

 

1.مخاطر التنقلات الحضرية اليومية في المجتمعات العالمية المعاصرة

لبحث مخاطر الحياة في مدننا المعاصرة لا شك أن عبارة مهمة افتتح بها زيغمونت بومان فصلا من مؤلفه المعنون "الحياة السائلة" تثير الكثير من التساؤلات ليجيب عن البعض منها وهو الذي قال: "في غياب الاطمئنان الوجودي صرنا نقنع بالعيش في أمان أو التظاهر بالعيش في أمان (بومان، 2016، 99) "، إلى أي مدى تصدق هذه العبارة على واقعنا المجتمعي الراهن في خضم التحولات المتسارعة التي رافقته؟ لقد أضحت المخاطر جزء هاما من حياتنا اليومية ليس لاعتبارات اجتماعية وثقافية فحسب بل لدواعي إنسانية أيضا، لقد تغيرت الكثير من ممارساتنا الفردية والجماعية، وصار الأفرادفي وضعية مساءلة دائمة لما يحيط بهم من تحديات تجبرهم على تقبلها، بل حتى القبول باحتمال المخاطرة بها كجزء من نمط تفكير ساهم واقع مجتمعات اليوم التي يحكمها منطق اللا يقينفي إرساء دعائمه.

فالتغير المتسارع لظروف الحياة فرضت مفاهيم جديدة غابت عنها أنماط الحياة المستقرة لتسود مظاهر اللا يقينلصالح المؤسسات الكبرى التي تعولمت وصارت تساهم في صياغة الاجتماعي بمحددات بين - ثقافية، ولاشك أن دراسة مجتمعات المخاطر هي من أهم الموضوعات المتداولة في المرحلة الراهنة ،فقد اتجهت إسهاماتعلماء الاجتماع المعاصرين إلىمحاولة فهم مجتمعات المخاطر وتفسير التغيرات جارية بفعل الانعكاسات السلبية للعولمة وانتشار قيم الحداثة بمفهومها السلبي على الإنسانالمعاصر وما أنتجتهمن تحولات تقنية و مجتمعية أثبتتفشل تنبؤاتها بعالم أفضل أكثرتطورا أساسه العقل والعلم، الا ان الواقع أثبت أن ما أنتجه الإنسانمن أدوات صناعية وتكنولوجية والكترونية وحتى معلوماتية كان لهما أثران مباشران:(عبد المنعم الزيات ،2016)

·  الأول: إيجابيا: إفادةالبشرية وتحقيقالتقدم المنشود.

·  الثاني: سلبي تجسد في انتشار الأمراضالفتاكة وارتفاع معدلات التلوث البيئي وأزمةمنظومة القيم وميلاد مجتمع المخاطر وعولمتها.

    لهذا يشير مفهوم الخطر: إلىصور التهديد الوشيك أوالخلل المحتمل أوالأذى المحدق الذي تسببه الظروف والأحداث المختلفة، حيث تتدرج صور الخلل أوالأذى من المخاطر الفردية إلىالمخاطر المجتمعية الكبرى، ومن سلوك الإسراففي الاستهلاك الفردي إلىخطر الصحة إلىالبيئات العامة، والمخاطرة حسب  نيكولاس لومان هي:" أذىمحتمل يخيف الفرد ويرتكز على قرار اتخذه بنفسه، انها عملية حسابية تأخذ بالاعتبار الخسارة والفائدة المحتملة بالاستناد إلىالزمن" (ولاس وروث ، 2011،122) ،في حين يعرفه روبير كاستيل   (Robert Castel) في كتابه اللاأمن الاجتماعي: "مجتمع المخاطرة هو مجتمع الكارثة أين تكون فيه الحالة الاستثنائية تهدد بأن تصبح حالة عادية (Castel, 2013, 22) ، وعليه فمجتمع المخاطرة هو مجتمع الكوارث ، الخوف ، الهلاك ، اللا يقين، اللاأمن. لهذا يشيرعالم الاجتماع الألماني أولريش بيكأن "مجتمع المخاطرة (بيك ، 2009،55)" هو "المجتمع الذي يشرف على الهلاكمجتمع ساخط على تبعات الحداثة السلبية يبحث في كيفية إدارة المخاطر والأخطار الناجمة عنها بالوقاية منها "،لهذا فمجتمعات نهاية القرن العشرين باتت مرغمة على مواجهة سلبيات الحداثة المتأخرةوإيجاد الحلول والبدائل المناسبة لمجابهة تحدياتها وحسن إدارتها، لذلك صاغ نظرية متكاملة أطلق عليها مجتمع المخاطرة العالمي World Risk Societyناقش من خلالها المخاطر التي تهدد البشرية والتي تعد تكاليفها أكثرمن فوائدها وقد صنفها كما يلي(بيك ، 2013، 43)

·  المخاطر البيئية: تتمثل في الاحتباس الحراري غياب التنوع البيئي، ثقب الأوزون، تدمير النظام البيئي.

·  المخاطر الصحية: تتمثل في الأخطارالصحية المترتبة عن المواد الغذائية التي تعرضت لتغيرات وراثية، وكذلك انتشار مرض السرطان وامراض الجلدية وبروز مخاوف بشأن الأمنالغذائي وكذا انتشار أمراضمرتبطة بالتلوث ونوعية الحياة مثل الربو، القلب، الحساسية...الخ

·  المخاطر الاقتصادية: ارتفاع معدلات البطالة وتدهور مستويات الأمنالوظيفي.

·  المخاطر الاجتماعية: تدهور معدلات الأمان من المستوى الشخصي إلىالمجتمعي بفعل ارتفاع معدلات الجريمة، العنف بإشكالهوكذا معدلات الطلاق.

على ضوء ما سبق خلص علماء الاجتماع إلى أن مستقبل الأفراد الشخصي لم يعد مستقراً وثابتاً نسبياً كما كان الحال في المجتمعات التقليدية، لذلك فإن القرارات مهما كان نوعها واتجاهها، أصبحت تنطوي الآن على واحد أو أكثر من عناصر المخاطرة بالنسبة للأفراد، ولا شك ان تنقلات الفاعلين في المدن المعاصرة تجعلهم عرضة لمخاطر عدة بالنظر الى طبيعة الحياة الحضرية المعقدة. ويشير هنري لوفافر (Henry Lefèvre) في هذا الصدد أن التحولات التي تعرفها الحياة الحضرية في المجتمعات المصنعة التهمت كل شيء بطابعها الاقتصادي والذرائعية التي أدت إلىاستبدال التقاليد الأخلاقية الراسخة بنظم روتينية ويسودها الخواء في مجرى الحياة اليومية (جيدنز، 2006، 142)، ولاشك ان اغلب المجتمعات العالمية والعربية منها، تعاني من مخاطر التنقل وحوادث الطرقات، لهذا فقد أشار تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر سنة (2015) أن إحدىالغايات الجديدة لخطة التنمية المستدامة لسنة 2030هو خفض عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث الطرق الى النصف بحلول سنة 2020، خاصة أن هذا النوع من الحوادث يعد السبب الأول والرئيسي للوفاة في العالم حسب نفس التقرير لمن تتراوح أعمارهم بين 15-29سنة، وقدرت عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في العالم سنة 2013بـ 1,25مليون وفاة وهو عدد معتبر خاصة بالنسبة لسائقي المركبات، مع ذلك فقد سجل العدد ارتفاعا محسوسا حسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية لسنة 2018والذي وصل إلىنحو 1,35مليون وفاة أين برزت شريحة الطفولة كأحد الفئات الهامة الأكثر تضررا منه.(OMS, 2018) ويشير ذات التقرير أيضا إلى أن جزءا مهما من حوادث السير تسجل ضمن حوادث العمل، لأن أغلب المتنقلين هم من فئة العمال وخاصة الشباب من الذكور، كونهم يمثلون أكثر الفئات هشاشة وينتسبون إلىذوي المداخيل الضعيفة، لهذا فان 90% من الوفيات الناجمة عن حوادث السير تحدث في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل والتي تتواجد أغلبها في الإقليم الإفريقيبمعدل وفاة قدرت بنحو 9.3إلى26.6لكل100000قاطن مقارنة بالمعدل العالمي الذي بلغ 18.2لكل 100000.وهو معدل يؤكد تشابك عدة متغيرات في إفرازهذا الوضع المقلق على المستوى الإنساني .(OMS, 2018).

2-ماهية العنف المروري واقعه في الجزائر

العنف هو المصطلح العربي المقابل للمصطلح الفرنسي والإنجليزي" violence" وهو اللفظ المشتق من الكلمة اللاتينية violentaالتي تعني: إظهار غير مراقب أو غير مشروع للقوة ردا على استخدام متعمد للقوة بهدف إخضاع الآخر في إطار علاقة غير متكافئة اقتصاديا واجتماعيا (جمعة عبد الفتاح، 2015، 167)، وهو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين قد ينتج عنه آثار على المدي القريب أو البعيد.يبدو أن التعاريف المتداولة لمفهوم العنف في الدراسات الاجتماعية تتفاوت فيما بينها من حيث تركيز بعضها على طبيعة الأفعال التي يقترن بها العنف، أو من حيث إعطاء الأولوية للجوانب المادية أو الجوانب النفسية والمعنوية لظروف للعنف. في حين يعرفه البعض انطلاقا من مسبباته، دوافعه وآثاره.

إنطلاقا مما سبق يعكس العنف المروري أحد أشكال العنف الاجتماعي عموما ومظهرا من مظاهر العنف الحضري علىوجه التحديد ويمكن أن نعرفه على:

"أنه الاستخدام غير المشروع للقوة المادية أو المعنوية التي قد تتخذ الشكل الجسدي، المادي او اللفظي لخرق القواعد الرسمية وغير الرسمية المنظمة لحركة المتنقلين بهدف فرض الذات او تجاوز الاخر"، ومن المفاهيم المتصلة بالعنف المروري والتي وظفتها الدراسات الأنجلوسكسونية لوصف الظاهرة من قبل المؤسسات والمنظمات غير الحكومية مفهومي"القيادة العدوانية" و"غضب الطريق"(Road rage) فالقيادة العدوانية هي أي سلوك من السائق الذي يخلق عمدا حالة من الخطر النفسي أو الجسدي على باقي السائقين، اما مصطلح "غضب الطريق" فهو شكل متطرف من القيادة العدوانية للسيارة، والتي يقصد بها السلوك الذي يهدف عمدا إلى التسبب في إصابة جسدية للسائقين الآخرين أو حتى قتلهم .(Săucana and Micle al (2012))

عموما يعكس العنف المروري في هذه الحالة كل استخدام للقوة بطريقة غير قانونية بهدف خرق قواعد وقوانين التنقل أو تجاوز قواعد السلامة المرورية أثناء استخدام الطريق العام سواءا بالنسبة للسائقين أو الراجلين والتي تنعكس اثارها الاجتماعية والاقتصادية على الفرد والمجتمع، حيث تظهر أبرز تلك التجاوزات في شكل خروقات للقواعد الاجتماعية والقانونية الموجهة لأنظمة السير، وبروز ممارسات عنيفة مادية او معنوية يقوم بها السائقون أو الراجلون تعرقل حركة السير في المدن كالاستخدام الألفاظأو الإشارات البذيئة للتعبير عن التذمر والاستياء، الركن في أماكن ممنوعة، الإفراطفي استخدام السرعة، اللامبالاة والاستهتار بالقوانين والإشارات المنظمة للسير بالنسبة للراجلين أوالسائقين، أوعدم الالتزام بقواعد السلامة المرورية أثناءالتنقل ...وغيرها من الممارسات الاجتماعية التي جعلت العامل البشري السبب المباشر لحوادث المرور في الجزائر وهو ما أكدته الدراسات فقد أشار تقريرالمركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق لسنة 2012أن السبب الرئيسي لحوادث المرور يرجع إلىالعامل البشري بنسبة 90.64 % بأعلى معدل لسبب الإفراطفي السرعة ، ثم يليه طبيعة وسائل النقل بنسبة 5.09%،وأخيرا العامل البيئي (حالة الطريق )بنسبة 4.27%، أما خلال سنة 2017فقد تزايد تأثير العامل البشري الذي بلغ  نسبة 96% (Madani et Tello ,2015)وهو أمريستحق البحث والتفسير من الناحية السوسيولوجية .

فقد شهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة على غرار باقي البلدان الإفريقيةارتفاعا ملحوظا في معدلات حوادث المرور التي تجاوزت حسب المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق سنة 2017أكثر من 363قتيل بمعدل 10وفيات في اليوم الواحد وهو عدد معتبر بالرغم من الجهود المبذولة ميدانيا، كما تشير الإحصائياتأيضا الى أثر امتداد التنقلات جغرافيا عن المدن الكبرى على عدد الحوادث المسجلة على اعتبار أن اغلب الضحايا سجلوا في المناطق الريفية مقارنة بالمراكز الحضرية الكبرى بدليل أن 726من القتلى كانوا ضحايا حوادث الطرقات داخل المدن في حين سجل أكثرمن 2913قتيل ضحايا حوادث على مستوى المناطق الريفية (Madani et Chella et al,2019) وهي أرقام مخيفة تكشف عن المتغيرات المتصلة بمآسي العنف المروري والتكلفة البشرية والاقتصادية التي تتكبدها الدولة الجزائرية كل سنة .

من بين أهم مظاهر العنف المروري: يمكن رصد ما يلي:

•خروقاتوتجاوزاتقانونية واضحة لأنظمة السير.

•بروز ممارسات مرورية موازية لا حضرية يقوم بها السائقون والراجلون أثناءتنقلهم تعرقل حركة السير في المدن كالركن في أماكن ممنوعة، اللامبالاة بقوانين المرور، الاستهتار بالإشارات المنظمة للسير بالنسبة للراجلين، وضع ممهلات بطريقة عشوائية، السياقة واستخدام الهواتف النقالة في وضعية السياقة ...الخ.

• عدم الالتزام بقواعد السلامة المرورية أثناء التنقل.

•استخدام القوة المادية والمعنوية لتحقيق التجاوزات غير المشروعة أثناء التنقل عبر المركبة.

•عدم احترام الآخرينوالقواعد الاجتماعية المتعارف عليها أثناءالتنقل سواءبالنسبة للراجلين والسائقين سيرا او قيادة.

•حوادث السير وممارسة الإفراطفي السرعة. وغيرها من المؤشرات التي يكن رصدها لاستجلاء الظاهرة.

3. روافد العنف المروري كممارسة اجتماعية من المنظور السوسيو ثقافي

لاشك أن البحث عن روافد العنف المروري يدعونا إلىالتمعن في تركيبة المجتمع الجزائري والتحولات البنيوية للأطر التي ساهمت في تنامي هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة خاصة أن مقوماته الثقافية والحضارية تعكس تاريخيا حقيقة انسجامالقواعد الاجتماعية الناظمة للطريق وفق منظومة ثقافية رسمتها أحكام الدين والعرف الضاربة في أعماق الثقافة المحلية، والتي لطالما أشرفت على هندسة معالم طرقات الأحياء الشعبية في المدن الجزائرية العتيقة، حيث كانت تعطي لكل ذي حق حقه في الطريق سواء كعابر أو متنقل أو ساكن مع تنوع الفضاءات التقليدية التي كانت تهيكلها من المسجد إلى السوق و الأزقةالأحياء السكنية الضيقة .ويشير أحد الباحثين هذا الصدد إلى نموذج قرية بني يزقن بغرداية وكيف كان يحرص مجتمع القرية على الفواصل الاجتماعية بين الفئات العمرية والجنسية المختلفة ،ويعبر من خلال المجال عن هذا التقسيم الفئوي بتخصيص فضاءات فيزيقية لمجموعة دون أخرى او تخصيص فضاءات زمنية في التنقلات لكل مجموعة لتمكينها من استهلاك نفس المجال بالتناوب كالزمن الأنثوي، الزمن الرجولي والزمن الشبابي  (خواجة ،78،2013) .

فالطريق العام هو مجال مشترك يتصل اتصالا وثيقا بالذاكرة الجماعية والبنية الرمزية للمدينة، له ميكانيزماته ومعالمه الخاصة التي تحدد ضوابط التنقل فيه بانسجام وتعايش كبيرين، يغلب عليه الطابع المقدس في كثير من الأحيان. إلاأن الصفة التعاقدية التي رافقت التحولات الحضرية في المدن الجزائرية العصرية أعادت تشكيل علاقات الساكنة بالطريق انطلاقا من القوانين الوضعية والإدارة المركزية لمرافقها التي صاغت قواعدها وفق قيم المدنية لتحدد مدلول علاقة الفرد بالفضاء العمومي وبالتالي مفهوم المواطنة وفقها.

فقد كان لسلسلة التحولات البنيوية التي صاحبت تطور المدينة الجزائرية منذ الاستقلال مع تزاحم مظاهرها المادية انعكاسا مباشرا على تجانس التفاعلات والعلاقات الجارية فيها والتي أضحت أكثر عنفا، خاصة أمام تراكم أزماتها المتعددة كمشكلة الإسكان ،البطالة، ضعف الخدمات المختلفة ومشكلات توزعها أمام احتياجات السكان المتزايدة،إضافة إلى الاعتماد على شبكات تنقلات موروثة عن الاستعمار ويشير الباحث علي سموك الى أن حركة التحضر المفاجئة قد ساهمت بفعل الهجرات الكثيفة نحو المدن الجزائرية الكبرى والموروثة من عهد الاحتلال في ظهور أحياء غير مخططة على تخومها، تحولت مع مرور الوقت الى مدن ميزتها افتقارها لأدنى شروط الحياة الحضرية(علي سموك ، 2006، 207) ،ويضيف الباحث سليمان مظهر   في هذا الصدد قائلا : ان العنف السائد في الفضاء العمومي متعلق بصعوبات التحكم في العداء المنتشر في البيئة الفيزيقية المادية التي تفرض قيودا على المجتمع مقارنة بالوسط الريفي، فالفضاء العمومي يعاني تكديس وتزاحم للحياة الحضرية بكل تعقيداتها والتي تتجسد في نظرات وممارسات المتنقلين المتوجسة"(Slimane Medhar,2009,p103). تلك صورة جد معبرة عن تناقضات التنظيم الاجتماعي للحياة الاجتماعية في المدينة التي ربما صارت مع مرور الوقت تفتقد لفضاءات حضرية تستوعب حرية تنقل الساكنة فيها وتنمي انسجام ارتباطهم بها.

إلى جانب ذلك ورغم قلة الدراسات في علم الاجتماع التي اهتمت بالعنف المروري، إلاأن الظاهرة ظلت لوقت قريب لصيقة بمفهوم العنف الحضري باعتباره أحد المظاهر الناتجة عن خلل في التنظيم الاجتماعي للمدينة بالنظر الى طبيعة التحولات الاجتماعية والثقافية العميقة التي شهدتها المدن الجزائرية في السنوات الأخيرة وأدت إلىاختلال وظائفها الأساسية، لهذا أصبح العنف المروري في الطريق العام أحد أهم مظاهر هذا الخلل سواء تعلق الأمر بالسائقين أو الراجلين. فحوادث الطريق قد يساهم فيها كلا الطرفين،لانالإشكال الحقيقي لا يكمن في خرق القواعد القانونية والاجتماعية المنظمة لعمليات التنقل في الفضاء العام فحسب، بل الى طبيعة الرابطة التي تجمع المتنقل بالمدينة التي تُظهر أزمةحقيقية في استيعاب مفهوم التمدن.

فالطريق العام ليس فضاء للتنقل والعبور اليومي فحسب، بل هو مجال مسكون بالرموز والقيم الجمعية المتصلة بطبيعة المنظومة الثقافية المؤطرة له (حضري، 2013)حيث تترجم أشكال التنقل فيه مضامين الروابط الاجتماعية والعلاقات المتبادلة، وكذا طبيعةالقيم والمعايير الاجتماعية المنظمة له. لهذا من التفسيرات السوسيوثقافية التي يمكن تقديمها للعنف المروري ما يلي:

 

 

1.3-العنف المروري وتناقضات مفهوم الفضاء العام

إذا نظرنا إلىأزمة العنف المروري في المدينة فلا شك أنهامن بين أهم المتغيرات التي تلفت انتباه الملاحظ العادي مفهوم الفضاء العام بالنسبة للمواطن الجزائري وطبيعة علاقة به، ذلك أن مسالة استدخالمفهوم المشاركة في فعاليات الفضاء العام تشكل معضلة حقيقة بالنسبة للتجمعات الحضرية الكبرى وفي مختلف المجتمعات الراهنة. فالطريق العام هو بمثابة مجال للتفاوض حول قواعد الحضور في المدينة وإمكانيات إدارة التنقلات فيها تفترض بحث سبل تفعيل المشاركة الجماعية في فعاليات المجتمع المدني والحياة الاجتماعية للمدينة لمناقشة مشكلاتها وبحث البدائل الممكنة، الا ان الحقائق الميدانية تؤكد ان النشاط الجمعوي عرف ضعفا في الأداء وعزوفا حقيقيا من قبل المواطن الجزائري نهاية القرن العشرين، وهو الذي فقد نوعا ما الثقة في قدرته على إحداثالتغيير المنشود كحركة مطلبية وتنظيم اجتماعي مهم في المجال العام (بيبيمون،2004)  فبفضل المجتمع المدني تترسخ قيم العمل التطوعي ليساهم أفرادهمعا في دعم الروابط وقيم المشاركة الجماعية داخل الأحياءالسكنية المختلفة، ويبدو أن هذا الانسحاب الطوعي من المشاركة الجمعوية عطل انسجام نمو العلاقات التعاقدية في الفضاء العام كمجال لتمثل قيم العمل التطوعي لممارسة فعل المواطنة والمشاركة في الفعاليات الحضرية مما أفرز ممارسات عنيفة موازية تجلت احد مظاهرها في الطريق العام،وهو ما أكدته إحدىالدراسات الحديثة التي بحثت في محددات مشاركة المواطن في فعاليات المدينةالجزائريةوكشفت عن ارتباطها الوثيق بعوامل متصلة من جهة بالمواطن ، المدينة ،ممثلي المجتمع المدني والمجالس المنتخبة والتي تساهم معا في تسيير فعاليات المدينة ،إلاأن الأهمية حسبها تبقى بالنسبة للمواطن الجزائري متصلة بتحسين ظروف الحياة الحضرية في مختلف المجالات خاصة الشغل ، السكن والمشاريع الاقتصادية ،لكنها في الوقت نفسه أشارت إلىنقص واضح في الجهود من المسؤولين المحليين واللامبالاة من قبل المواطنين للمشاركة في فعاليات الحياة الجمعوية والسياسية الأمرالذي انعكس على ثقة المواطن فيهم وفعالية إدارة الحياة الحضرية (Belkaid, E. & Alili, A. 2020) .إلىجانب ذلك يبدو إن إمكانياتالحصول على خدمات النقل العمومي والمرافق الضرورية لذلك ليس أمرا متاحا بصورة عادلة. وهذا نظرا لاختلال توزع المرافق الخدماتية الضرورية للحياة الحضرية بين مختلف المناطق الحضرية وخاصة في المدن الكبرى أين يتزايد الطلب عليها مما ينعكس على فعالياتها ومرونة التنقلات بداخلها، خاصة بالنسبة للتجمعات السكنية التي تفتقر في كثير من الأحيان إلىالتهيئة الدورية لشبكات الطرق والمواصلات الجماعية أوالخاصة الأمرالذي يضعف منظومتها المرورية.

2.3-العنف المروري كمظهر للانحراف المعياري

ينشأ العنف المروري انطلاقا من نظرية الأنومي أو اللامعيارية بفعل انتشار مظاهر التفكك داخل البيئة الحضرية والتي تسود خاصة في أوقات الأزمات أوالتغيراتالاجتماعية والتكنولوجية السريعة وهو ما ينتج حالة اللامعيارية التي يقصد بها حالة فقدان المعنى بفعل غياب أو غموض المعايير الاجتماعية في المجتمع الحديث. وقد استخدم دوركايم مفهوم اللامعيارية للإشارة إلى حالة الصراع بين الرغبة في إشباعالحاجات الأساسية للفرد والوسائل المتاحة لتحقيقها، فنتيجة لما سبق يحدث خلل في القواعد الأخلاقية الجمعية مع ضعف الارتباط بالجماعات الاجتماعية بفعل تزايد تقسيم العمل ،انعزال الأفرادعن بعضهم البعض واستغراقهم في الأنشطة فائقة التخصص لتختل المعايير وتسود حالة اللامعيارية التي تجعل الأفراديفقدون الشعور بوجود هدف مشترك يجمعهم (السمري ، 2011، 163) ، لهذا يلجئونللعنف الذي يصبح بمثابة رد فعل طبيعي للخلل الوظيفي ناتج عن ضعف المؤسسات الفاعلة القائمة على تحقيق التكامل والترابط في المجتمع، الأمرالذي يولد شعورا بالفشل والإحباطلعدم قدرة الأفرادعلى التكيف مع التغيرات المتسارعة، ليصبح "العنف المروري" أحد أشكالالعنف الحضري الذي يصنفه ميرتون كـ "نمط انحرافي معياري" لان الأهداف التي يحددها المجتمع ثقافيا لا تنسجم مع طبيعة الوسائل المتاحة لتحقيقها، ومع نقص العدالة الاجتماعية في توفير وسائل النقل خاصة العمومية وإشكالية توزعها بين مختلف المناطق الحضرية ،يصبح العنف المروري كنمط انحرافي ناتج عن اتساع الهوة بين أهداف الأفرادمن التنقل في البيئة الحضرية والمرافق الاجتماعية والخدماتية المتاحة لتحقيق أهدافهم.ميدانيا .

3.3-العنف المروري ونجاعة منظومة الضبط الاجتماعي

إلىجانب ما سبق لاشك أن تبني ممارسات العنف المروري في الطريق العام تشير إلىوجود أزمةحقيقية في منظومة الضبط الرسمي وغير الرسمي في المجتمع الحضري ، وهذا بفعل غموض أو تناقض المعيار بين الثقافة المرورية المتداولة لدى الافراد ومنظومة الضبط المعتمدة لتسيير التنقلات ، حيث يشهد الملاحظ نوع من اللامبالاة والتساهل مع بعض المخالفين للقواعد المرورية مقارنة بآخرين، وقد يفرز ذلك ثنائية التعامل مع قواعد التنقل داخل المدينة سواء بالنسبة للسائق أو الراجل بين الالتزام واللامبالاة، والتي قد يكون مردها تصورات المتنقل لمنظومة الضبط والجزاءات الاجتماعية القائمة عليها التي فقدت قدرتها على التدخل بفعالية لتحقيق وظائفها الردعية، بفعل وجود منظومة غير رسمية موازية تبرر تلك الممارسات أوتوفر التسهيلات المؤسساتية لانفلات للبعض من الجزاء بدل الردع الفعلي لأشكال التجاوزات والعنف المروري، وهو ما يمكن تفسيره بالاستناد إلىنظرية القواعد المتصارعة للباحث أحمد موسى بدوي الذي أشار إلىفكرة جد مهمة تفسر هذا الواقع وتتعلق بطبيعة العلاقة بين قواعد البناء الاجتماعي، فالبناء الاجتماعي حسبه ثلاثي التركيب يتكون من ثلاثة أبنيةوالمتمثلة في: البناء التفاعلي، المؤسسي والنفقي المضاد ، حيث إنطبيعة العلاقة بينها تحدد نجاعة قواعد الضبط والجزاء الاجتماعي . فالقواعد البنائية الشفهية التي تعد جزء من البناء الاجتماعي التفاعلي تتبلور عفويا وتملك سلطة جزاء عرفية على الإفراد، أماالبناء المؤسساتي فيعكس القواعد الرسمية التي تنظم الأفعال العقلانية وتتولى المؤسسات مهمة بلورة القواعد الرسمية في العقل الجمعي، في المقابل يأتي البناء الاجتماعي النفقي المعتم الذي يتكون من القواعد المضادة للقواعد الشفهية أوالرسمية، حيث تنظم الأفعال الجمعية القصدية غير المشروعة من وجهة نظر المجتمع وتمتلك نظاما داخليا يضمن التنشئة ،الجزاء والحماية للأعضاء الدائمين او المؤقتين لها .(بدوي، 2018)

وعليه يضمن البناء الاجتماعي النفقي المعتم تلك التبريرات غير المشروعة وأشكال الفساد المؤسسي في التعامل مع تلك التجاوزات المرورية التي تتخذ شكل العنف المروري عموما ،لتتجلى مظاهر تعايش القواعد بين الأبنية الثلاثة في التعامل مع العنف المروري لامتلاك كل بناء مبرراته الخاصة مع تنامي مظاهر الفردانية ،الاستغلال والتمايز الاجتماعي في المجتمع الحضري ، ليصبح التغاضي والعلاقات المصلحية أولى من الردع، خاصة أن للبناء النفقي حسب الباحث أحمد موسى بدوى قوة التشبيك الرأسية والأفقيةمما يمنحه إمكانية بناء علاقات تضامنية بين جماعات المصلحة والفساد في مختلف الأبنية والعوالم الاجتماعية )بدوي، 2018) ،وهو الأمرالذي يضعف أنظمة الضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي ويجعلها غير مجدية وينعكس بصورة مباشرة على فعاليات المجتمع الحضري وإدارة التنقلات  فيه، مما يفسر تفاقم أزمةالعنف المروري كأحد أزمات المدينة الجزائرية المعاصرة. ويشير الباحث الجزائري إسماعيل قيرة (2010) أيضا في هذا الصدد الى أن تغلغل قيم الفساد وممارساته في مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية يؤثر بصورة بالغة في نسيج المجتمع وسلوكيات الأفرادوقيمهم بحيث يفقد القانون هيبته في المجتمع لأن المفسدين يستطيعون تعطيل القانون واستخدامه حسب مصالحهم، وليس من المستغرب حسبه أن يفقد المواطن العادي ثقته في هيبة القانون الذي تتكرر اختراقاته على مرأى ومسمع الجميع ،وفي هذه الحالة تختل لدى الناس معايير الصواب والخطأ ومعايير التقييم والالتزام بحيث يصبح كسر القوانين والتملص من المسؤولية مظهرا شائعا للسلوك (قيرة ، 2010) ، وهو ما يمكن اعتماده لتفسير التبرير الذي يعتمده البعض لتفسير العنف المروري في الطرقات ، بل مثل تلك التناقضات بل هي التي تفسر لنا مازق منظومة الضبط الاجتماعي وإفرازاتهافي الواقع.

4.3-العنف المروريوالتهميش الحضري

لا شك أن ارتباط العنف المروري بالتنقلات اليومية يجسد أيضا شكلا من عنف التفاعلات العامة في المجال العام، هذا المجال الذي تحكمه قواعد ومعايير اجتماعية متعارف عليها يحقق الالتزام بها إمكانيةالحفاظ على الاحترام والذوق العام، لتبقى مسالة توثيق رابطة الإفرادبهذا المجال العام وانتماءهم اليه متصلة بمستوى اهتمام الساكنة بأحيائهم الحضرية وارتباطهم بها في ممارساتهم اليومية. وفي هذا الصدد يقترح الباحثين ويلسون وكيلنج نظرية اللاتمدن (الوريكات ،2013  ،314) ، لتفسير التناقضات الناتجة عن عدم اهتمام الناس بأحيائهم والتي تنطلق من فكرة ان "الفوضى معدية"، فالاضطرابات الاجتماعية والمادية الناتجة عن عدم اهتمام الناس بتهيئة المناطق الحضرية قد تجعل أحياءها بيئة خصبة للجريمة وصور الانحراف ،وهذا نظرا لانتشار مظاهر اللامبالاة والتسيب وعدم تجريم بعض التجاوزات المرورية التي قد تكون بسيطة في بعض الأحياءلتصبح خطيرة فيما بعد، مما يجعل العنف المروري والتجاوزات تتفاقم بسبب التساهل في البداية مع الانحرافات البسيطة التي قد تعكس سلوكيات اللاتمدن ، وتتسبب في انتشار تجاوزات وحودث اكثر عنفا ، لأنها تعد في نظر المعتدي مؤشرا على ضعف الضوابط الاجتماعية في المناطق التي يسودها التفكك والفوضى الاجتماعية ، لهذا يصبح التهميش الحضري ملمحا أساسيا لهذا النوع من الأحياء الحضرية التي تعاني من الطرقات المهترئة والوضع العشوائي وأحياناالذاتي للممهلات، ناهيك عن نقص واضح في التهيئة الحضرية للمرافق العمومية، والتوزيعغير العادل للموارد بين مركز المدينة وأطرافها ،لهذا تشير الدراسات أن العنف البارز في الأحياء صار يعكس صورة من صور الانحراف الحضري الذي ظهرت ملامحه عند الشباب ليتخذ أـشكالا عدة في المجتمع ، وهو امر يمكن تفسيره بمأزق علاقة المواطن بالدولة ،ويبدو ان ذلك ما يبرر انسحابه الطوعي من المساهمة في الفعاليات الحضرية ليعتبر نفسه مهمشا، بل دفع ذلك هؤلاء الشباب كي يطوروا إحساسا بالرفض، الابعاد الذاتي وحتى الكراهية اتجاه الفعاليات السياسية والحضرية 2018, p200,203) (Omrane Mustapha. فمن التهميش الذاتي الى التهميش الحضري يطور المواطن علاقة انسحابية مع البيئة الحضرية وتجسد سلوكات التنقل التي يتبناها جز هاما من تلك القناعات. وتلك احدى العوامل الاجتماعية التي ربما ساهمت وبشكل مباشر في تنامي العنف المروري كأحد اشكال العنف الحضري في المدينة الجزائرية

لعل ذلك ما يجعلنا ندرك أيضا تأثيرات التباين في توزع إمكانيات ومرافق التنقل بصورة غير متكافئة من حيث المؤشرات الزمنية والمكانية وكذا توزع شبكات التنقل فيها بين مراكز المدن واطرافها والذي قد يساهم في تهميشها ، الامر الذي يزيد من حدة العنف المروري بسبب الاحباطات الاجتماعية للمتنقلين وخاصة الشباب منهم، ويشير الباحث معن خليل العمر الى ان العنف كمفهوم يرتبط كثيرا بمفهوم القوة حيث يبدأبالقوة الجسدية لينتقل إلىالصورة التعبيرية ويسري من التطلع لإثبات الذات إلىتأكيدها لتصل إلى العدوان (العمر ، 2017، ،258) وقد يصبح عنفا بالممارسة خاصة إذااجتمعت العوامل السوسيوثقافية الداعمة له مع عجزواضح لقنوات الاتصال عن تأدية مهامها .

لا شك أن بحثنا ضمن هذه الأطر التفسيرية بموجهاتها السوسيوثقافية وان كانت متباينة المنشأ ساهم بصفة بالغة في الكشف عن اهم المحكات التي لها صلة وثيقة بالعنف المروري في المدن كظاهرة اجتماعية قائمة بذاتها، وقد مهد لنا الطريق للكشف عن تجلياتها في المدينة الجزائرية من خلال مناقشة حضور مؤشرات الظاهرة إحصائياومتابعة دلالاتها في ضوء الدراسات الاجتماعية المحلية التي رصدت معالمها. ولكنها رغم أهميتها تبقى في حاجة ماسة إلىدراسات امبريقية ميدانية لتقديم فهم أفضل لها مع الأخذبعين الاعتبار التحولات التي عرفتها المدينة الجزائرية خاصة خلال السنوات الأخيرة.

4-اهم عوامل العنف المروري في ضوء الدراسات الاجتماعية: انطلاقا من بحث الأطر السوسيوثقافية المفسرة لظاهرة العنف المروي الى جانب البيانات الإحصائية المتعلقة بها تمكنا من تحديد اهم العوامل العنف المروري مع مناقشتها وبحث تجلياتها وهي:

·  العامل التكنولوجي : ان طبيعة العلاقة التي تجمع السائق أو الراجل مع السيارة كوسيلة تكنولوجية وقيمة حضرية تفرض علينا فهم دلالتها الاجتماعية وأشكال اللامساوة الاجتماعية التي تفصح عنها في المجال العام، حيث يشير عالم الاجتماع الفرنسي لوك بولتونسكي   أن امتلاك السيارة لا يمثل امتلاك وسيلة نقل محايدة تعكس قيمتها الرمزية فحسب بل أن طبيعة السيارة الممتلكة تمثل مكانة اجتماعية في حد ذاتها وهي موضع تنافس اجتماعي بين الافراد ( 1975  1-2  ppBoltonski (Luk، كل ذلك يفسر لنا أسلوب التنافس الرمزي العنيف في السياقة بين السائقين من أجل احتلال الصدارة في الطريق العام، مع ممارسات التباهي بنوع السيارة وحجمها كشكل آخر من العنف المروري خاصة أن الافراط في السرعة يمثل أحد أكثر العوامل البشرية تفسيرا لحوادث المرور في الجزائر .

·  عامل الاتصالات الشبكية والرقمية: استخدام الهاتف النقال أثناءالسياقة هو أحدالمشكلات المعاصرة ومن العوامل المسببة لحوادث المرور، وهذا نظرا لانغماس السائق أو الراجل في الفضاء الافتراضي الأمر الذي يجعله لا يستوعب المخاطر التي قد تهدد حياته ولا يميز بين العالمين الواقعي والافتراضي، بل هناك من يلجا إلى تبني سلوكات المخاطرة في القيادة او التنقل لمجرد الرغبة في نشر صور وتسجيلات من اجل البحث عن الشهرة والحضور عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتعويض حاجة ذاتية أواجتماعية.

·  العامل الحضري: يعبر أسلوب السياقة عن "سلوك التمدن" ومؤشر لتمثل قيم الحضرية في المدينة فالإنسان ابن بيئته، ولكن تبقى للتباينات الاجتماعية والثقافية أثرها في ممارسات المتنقلين بحسب فئاتهم الاجتماعية المهنية وخلفيتهم الثقافية والحضرية. إذ تشير احدى الدراسات الحضرية المعاصرة من خلال تحليل الباحث ماتيو جروستات إلى حقيقة تنامي ظاهرة اللامساواة الاجتماعية في الوفاة بسبب حوادث المرور في المجتمع الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، وقد أرجعت ذلك الى نتيجة حتمية لها علاقة بظروف سابقة لها ومتصلة بوجود تراتبية في الاقامة السكنية الخاضعة لمحددات اجتماعية طبقية. لهذا فان إمكانية التعرض لحوادث السير تتصل أكثر بالفئات الاجتماعية القاطنة في المناطق البعيدة خارج المناطق الحضرية الكبرى(Mattieu grossetete , 2010). ، وهو الأمر الذي يمكن الانطلاق منه للإشارة العلاقة بين المحددات ويمكن نفهم الصعوبات التي تعانيها الفئات السوسيومهنية التي تمتهن النقل او التي تشتغل في قطاعات وظيفية تتطلب التنقل اليومي خاصة بين الولايات أووسط المدن الكبرى بفعل التمايز الاجتماعي بين المناطق الحضرية والأحياء السكنية التي تقطن فيها ، من حيث التوزيعالمكاني والزمني للمرافق وهو وما يزيد من فرص وقوعها ضحايا لحوادث المرور خاصة في الأرياف وهو ما أشارت اليه احصائياتالمركز الوطني للوقاية والأمنعبر الطرق لسنة 2017.

·  العامل الزمني: على اعتبار انالاقتصاديات المعاصرة هي اقتصاديات وقت فان التطور الكبير الذي يشهده المجتمع المعلومات ونظم الاتصالات زاد من وتيرة التدفق المعلوماتي التي أدت إلىتنامي احتياجات المتنقلين وتراكمها كما سرعت من وتيرة تغيرها في ظل المجتمع الاستهلاكي، مما زاد من ضغط التنقلات وحجمها بالموازة مع ضعف شبكة النقل الجماعي وتزايد التوجه نحو امتلاك السيارة الخاصة في المدن الكبرى، التي صارت تشهد ازدحاما مروريا هائلا ساهم بطريقة او أحرىفي انتشار مظاهر العنف المروري.

·  العامل الاجتماعي :بفعل الضغوطات الاجتماعية والتحولات الحضرية تتزايد حوادث الطرقات كل سنة خاصة مع تنامي صخب الحياة الحضرية ببعدها الاستهلاكي والتي تتميز بطابعها العقلاني، لتزيد من وتيرة التنقلات وتنعكس على العلاقات الاجتماعية للأفراد لتصبح أكثر فردانية وانعزالية خاصة لدى السواق الذين يعيشون في المناطق او الاحياء الحضرية البعيدة والهامشية، ويعيشون دوريا ضغوطات التنقل في ظل صعوبات الظروف المعيشية اليومية مما يولد آفات اجتماعية عدة كاستهلاك المسكرات وتعاطي المخدرات التي تساهم بدورها وبشكل كبير في تنامي العنف المروري في المدن الكبرى.

·  العامل الثقافي :ذهنية المتنقلين وتصوراتهم لنمط الحياة وأسلوب التنقل المثالي في المدن، فكثيرا ما يتخذ بعض المتنقلين من ثقافة الاستعراض ملمحا أساسيا لسلوك التنقل الحضري دون الاخذ بعين الاعتبار حضور الاخر أو احترام حقه في التواجد معه في المجال العام كفضاء مشترك ، لهذا عندما تطغى القيم المادية الاستهلاكية ذات الطابع الاستعراضي في المجتمع الحضري على تجليات الحياة اليومية يصبح العنف المروري إحدى افرازاتها.، ناهيك عن طبيعة العلاقة بين التكنولوجيا والانسان والتي لا زال ينظر اليها البعض بشيء من الانبهار الذي يمكن تفسيره بمفهوم "الهوة الثقافية او التخلف الثقافي "(Cultural lag) بين التغير المادي واللامادي على حد تعبير ويليم أوجبرن (William F Ogburn) ، فاستعمال السيارة بعدّهاعنصر مادي من الثقافة لا يقتصر فقط على كيفية قيادتها أو صيانتها ، بل يتعلق أيضا بطبيعة الأفكار والممارسات المتعلقة بصورة السيارة في المخيال الاجتماعي كوسيلة للتنقل ، تصورات التنقل عبرها والعادات الحضرية المتصلة بها ، نظم النقل والقوانين المنظمة للسير ،اعتماد مبادئالسلامة المرورية عند استخدامها   الخ، فوضعية اللاتزامن بين العناصر المادية واللامادية من الثقافة قد تولد "ثقافة تكيفية" (عبد الغني عماد، 2006،204) ظرفية لكنها ما تنفك أن تتحول إلى وضعية التناقض بين الجانب اللامادي من الثقافة الذي يكون في وضعية مقاومة مقابل التغيرات الجارية في الجانب المادي ، لكن الإشكاليظهر فيما بعد في حالة تعطل عملية التغيير الموافقة له والمنسجمة معه ليتحول الأمر إلىمجرد تكديس للتكنولوجيا ، فتتحول السيارة التي هي في الأصل وسيلة نقل إلىغاية سواءاجل استعراض المكانة الاجتماعية او مؤشر للتحضر...الخ، لتصبح العلاقة بين العناصر المادية وغير المادية من الثقافة غير مجدية، وهذا لان عناصرها المادية ليست متأصلة فيها بل خارجة عنه باعتبارها وليدة نسق ثقافي مغاير ، من هنا يصبح العنف المروري بمثابة رد فعل حتمي لتلك الوضعية المتأزمة. ولاشك ان النموذج التفسيري للثقافة عند مالك بن نبي أفضلمن يبين العلاقة بين الفكرة والشيء ، حيث أشار في مؤلفه "مشكله الأفكار"(مالك بن نبي ،2005، 63,64) إلى أن للعالم الثقافي تركيبة ديناميكية تتوافق مظاهره مع العلاقات المتغيرة التي تقوم بين عناصره الثلاث وهي : الأشياء، الأشخاص والأفكار، وأن الشيء يفرض طغيانه في البلد النامي بسبب ندرته ويولد مركب الحرمان والميل الى التكديس الذي يصبح في المجال الاقتصادي صورة من صور التبذير والإسراف ،لهذا فهو يعتقد أن المجتمع المحروم يستسلم لسيطرة عالم الأشياء التي حرم منها والمجتمع المكتظ يتمرد على سيطرتها. لكنهما بهذا الانفعال المزدوج يواجهان نفس الداء وهو طغيان الشيء الذي تختلف أعراضه.

إن استعراض هذه العوامل لا يعني التسليم بها وبتأثيراتها في المجتمع الجزائري ولكن رصدها يفتح المجال لبحث أعمق في مؤشراتها ودلالاتها ويلفت الانتباه إلىضرورة الأخذبعين الاعتبار مثل هذه المتغيرات السوسيوثقافية متعددة الأبعاد في الدراسات الحضرية والاقتصادية لرسم سياسيات تنقل تأخذبعين الاعتبار العوامل الفاعلة في البنية الاجتماعية الحضرية بموجهاتها الثقافية لإدراك ارتباط العنف المروري في المدن الجزائرية بالعامل البشري الذي برز بشكل ملفت في أغلب تقارير المركز الوطني للوقاية والأمنعبر الطرق (2012،2017) ،وهو أمر يجدر الانتباه إليهمن خلال رسم سياسيات حضرية تقوم على إعادة تمتين علاقة المواطن كرأسمال حقيقي ببيئته الحضرية لإنجاح تبني ممارسات تنقلية أكثراستدامة، حيث تنطلق من هذه العوامل للتقليل من حدة أشكال التهميش الاجتماعي والحضري وكذا الانسحاب الذاتي للمواطنين من الفعاليات الحضرية لتتجلى صوره في ممارسات العنف المروري، إلىجانب تطوير البنية التحتية لمنظومة التنقلات لتنسجم واحتياجات الساكنة في المدن الكبرى .

5-أهم تداعيات العنف المروري:أكيد أن للظاهرة انعكاسات وخيمة على المجتمعات ومن مختلف الأبعادوتتمثل فيما يلي:

·  على الصعيد الاقتصادي: تشهد كلفة العنف المروري تزايدا مستمرا كل سنة، ولا شك أنالتكلفة البشرية والاقتصادية لحوادث المرور تنبئ بمخاطر الظاهرة التي تكلف كل سنة خسائر في الأرواح، ناهيك عن ملايير من المداخيل التي تهدرها الدولة وقد أشار الباحث الاقتصادي فارس بوباكور(2019) أن تكاليف حوادث المرور في الجزائر لسنة 2015تجاوزت 100مليار دينار جزائري ضمت الخسائر المادية من ممتلكات عامة وخاصة إلىجانب الخسائر البشرية وما تنفقه الدولة من مصاريف للتكفل بهم .

·  على الصعيد الصحي: تنتج حوادث الطرقات سنويات إعاقاتجسدية ومشكلات صحية، نفسية واجتماعية تؤثر بدون شك على فعالية الحياة الاجتماعية لضحايا حوادث المرور الذين يفقد الكثير منهم وظائفهم وحياتهم العادية، وقد يجدون أنفسهم عاجزين عن اعالة اسرهم ناهيك عن صعوبات الاندماج الاجتماعي مجددا كفئات لها احتياجاتها خاصة في المجتمع.

·  على الصعيد الاجتماعي: تزيد مشكلات العنف المروري في الطريق العام من مشكلاتالعزل الاجتماعي والانطواء على الذات خاصة بالنسبة للفئات محدودة الحركة كالمسنين، الأطفال، ذوي الاحتياجات الخاصة كما تكشف عن صور اللاعدالة الاجتماعية في فرص وظروف التنقل مما يؤثر على اندماجهم الاجتماعي وحقهم في التنقل والمشاركة في فعاليات المدينة.

·  على الصعيد الثقافي: يؤثر العنف المروري على السلوكات الحضرية ورموز التحضر في المدينة حيث تفقد تدريجيا قدرتها على احتواء فاعليها، بالموازاة مع تزايد وتيرة التنافسية حول الواجهة السياحية للمدن الكبرى كمصدر استثمار ثمين في مواجهة المدن العالمية المعاصرة التي صارت تدمج ومؤشرات الاستدامة في النقل كإحدى أولوياتها.

6-سبل الوقاية من العنف المروري

بالنظر إلىعوامل العنف المروري التي جرى رصدها يبدو أن مسالة إدماجالعامل البشري في رسم سياسة الحضرية تنطلق من تطوير آليات تحقق تجانس منظومة التنقلات ولا شك ان إنجاح هذا المسعى لن يتأتي الا خلال الانطلاق من مجموع العوامل السوسيوثقافية المؤثرة على البنية الاجتماعية لأي مجتمع وذلك من خلال التركيز على ترسيخ ثقافة السلامة المرورية لدى المواطن كفاعل ومشارك فيها ويمكن ان يتجسد ذلك من خلال:

1-                       ضبط احتياجات المستخدمين من التنقلات عبر إعداد قاعدة بيانات (اقتصادية، اجتماعية، تربوية، صحية، ثقافية ...) يجري تجميعها الكترونيا وتصنيفها لتيسير ادارتها وفق المناطق السكنية المختلفة الموزعة عليها، فغياب احصائيات وقواعد بيانات حول احتياجات المتنقلين من التنقل يجعل ادارة التنقلات مكانيا وزمنيا امرا صعبا ويجعلنا امام ازمة ادارتها.

2-                      استقصاء رضا المتنقلين عن مرافق النقل المتوفرة سواءالعمومية أوالخاصة، كيفية توزعها، نوع الخدمة التي تقدمها، وجودة الخدمات في البيئة التي يقطنون بها، عبر إشراكهمفي انتقائها وبحث آراءهمواتجاهاتهم نحوها، من خلال إجراءدراسات دورية وإشراكلجان الأحياء، الجماعات المحلية والمديريات المعنية فيها للإدماج نتائجها ضمن السياسات التنمية المحلية لقطاع النقل والسياسة الحضرية

3-                       إدماج مفهوم العدالة الاجتماعية في توزيع شبكات النقل العمومية وإدارة توزعها زمانيا ومكانيا ببرامج لمواجهة مشكلات التهميش الاجتماعي والتمايز بين المناطق الحضرية من حيث خصائصها الاجتماعية ووفرة مرافق النقل الجماعي مع تقليص وقت السفر وتوفير الخدمة المطلوبة في وقتها ونوعيتها.

4-                       توفير المرافق الخدماتية والفضاءات الجماعية كالنوادي الرياضية والثقافية والترفيهية بالمنطقة السكنية القريبة من المقرات السكن لدعم ارتباط المتنقلين بالبيئة الحضرية التي يقطنون بها والتقليل من التنقل نحو المناطق الأخرىخاصة المركزية منها للحفاظ على التجانس وتخفيف الضغط عليها.

5-                       إدماجمفهوم العدالة الاجتماعية في السياسات التنموية والتخطيط الحضري للمدينة للحفاظ على التوازن والتجانس الاجتماعي للمدينة وبالتالي التقليل من تأثيرات التمايز الحضري بين قطاعاتها وسكان تلك المناطق.

وأخيراتعزيز ثقافة السلامة المرورية وممارسات النقل المستدام من خلال تشجيع استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة كالدراجات مثلا لدعم الوصولية للمرافق لمختلف الفئات الاجتماعية خاصة الفئات محدودة الحركة، الى جانب تشجيع المشاركة مع الآخرعبر العمل التطوعي والجمعوي لإعادةتمتين رابط الثقة وعلاقة المواطن بمجاله العمومي.

خاتمة

لا شك ان العنف المروري هو نتيجة حتمية لتسارع وتيرة التحضر وتزايد النمو السكاني والتمدد الحضري في المدن الكبرى والجزائرية واحدة منها، لكن يبقى هذا الهاجس قائما في ظل التوزيعغير المتكافئ للموارد بين أطرافها بالموازاة مع بطء تطور البنية التحتية لشبكات النقل والتي تعد ركيزة النمو الحضري مع تنامي الاحتياجات السكانية، الامر الذي قد يساهم في تنامي مظاهر التهميش والعنف بكل اشكاله، لتنعكس تناقضاته على سلامة المتنقلين في المدن والذين يواجهون مخاطر العنف المروري كإحدى مظاهر الحياة اليومية. حيث يبدو أن هناك عديدالعوامل السوسيوثقافية التي تقف وراء الظاهرة وقد مكننا الكشف عنها من إدراك معضلة المدن المعاصرة ودينامياتها الاجتماعية. فانطلاقا من رصد تلك العوامل اتضح عمق تأثيراتها، لتبقى إمكانيةتجاوز هاجس العنف المروري مسالة جد معقدة لا تتحقق إلاانطلاقا من مساهمة المواطن بعدّه مسئول و فاعلفي الحياة الحضرية يساهم إلىجانب باقي الهيئات المحلية في تغيير المفاهيم ومن ثمة الممارسات عبر تبني ممارسات السلامة المرورية بمفهومها الواسع. لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق بدون تبني خطط عملية وبرامج رشيدة ضمن السياسة الحضرية يسهم المتنقلين أولا في تثمينها عبر ممارساتهم اليومية داخل الأحياء الحضرية، ممارسات تتخذ من المواطنين عبر المؤسسات التعليمية ،شبكات الاتصال والاعلام والمجتمع المدني فضاءفاعلا لها كقوة تدخل واقتراح تساهم في التعبئة الحضرية في الميدان بعيدا عن المشاركة الشكلية والمناسباتية، لتغيير الممارسات والذهنيات من اجل مدينة أكثر استدامة ونظم تنقلات أكثررشادة تستفيد من جميع مقوماتها البشرية والاقتصادية لإنجاح إدماج ثقافة السلامة المرورية كممارسة وثقافة حضرية بالدرجة الأولى ،الا أن السؤال نطرحه في الأخيرويفرض نفسه بالنظر إلىالتحديات الواقعية ما هيالآليات المجدية لترسيخ ثقافة السلامة المرورية عند المواطن الجزائري في الطريق العام من أجل تجسيد فعلي لممارسات النقل المستدام وبالتالي ضمان حياة أفضلخاصة في المدن الكبرى 

قائمة المراجع

أمال جمعة، عبد الفتاج. (2015).القضايا والمشكلات الاجتماعية المعاصرة. القاهرة: دار الكتاب الجامعي.

انطوني. جيدنز. (2005). علم الاجتماع. تر (فايز الصياغ). (ط1). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،

انطوني جيدنز. (2006). مقدمة نقدية في علم الاجتماع، تر (احمد زايد واخرون)، ط2، القاهرة: مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية.

احمد موسى بدوي،" القواعد المتصارعة نظرية جديدة في علم الاجتماع"، مجلة وادي النيل للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية والتربوية، العدد الثامن عشر- المجلد الثالث، ابريل 2018، ص ص 237-238.

أولريش، بيك.. (2009) مجتمع المخاطرة، تر (جورج كتورة والهام الشعراني). (ط1). بيروت: المكتبة الشرقية.

أولريش، بيك. (2013). مجتمعالمخاطر العالمي بحثا عن الأمان المفقود. تر (علا عادل وآخرون). القاهرة: المركز القومي للترجمة.

إسماعيل قيرة. (2010). الجزائر والنظام العالمي الجديد، مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، جامعة 20أوت 1955سكيكدة، المجلد 3، العدد6

بيبيمون كلثوم، النخبة النسوية والتنشيط الجمعوي في الجزائر دراسة ميدانية لعينة من الجمعيات الوطنية، رسالة ماجستير في علم الاجتماع الثقافي، قسم علم الاجتماع، جامعة الجزائر، 2004، رسالة ماجستير غير منشورة، ص 81.

روث، ولاس وأليسون، وولف. (2011). النظريةالمعاصرة في علم الاجتماع تمدد افاق النظرية الكلاسيكية. تر (محمد عبد الكريم الحوراني). الأردن: المنهل

 زيغمونت،باومان. (2016).الحياة السائلة. تر (حجاج أبو جبر). (ط1). بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

مالك بن نبي. (2005). مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. تر (محمد عبد العظيم علي). الجزائر: منشورات ANEP.

معن خليل العمر. (2017).حقول مستحدثة في علم الاجتماع. ط1. الأردن: دار الشروق.

منظمة الصحة العالمية، التقريرالعالمي عن حالة السلامة في الطرق ،2015، العنوان الالكتروني:

https://www.who.int/violence_injury_prevention/road_safety_status/2015/ar/

علا عبد المنعم، الزيات. (2016)."مجتمع المخاطر والساعات البيولوجية للجسد دراسة ميدانية على عينة من المصريين ". مجلة إضافات.  (العدد 35.). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

عبد العزيز، خواجة.)2013. (" ساحة السوق التقليدية، من علاقة الانا بالآخر الى التقسيم الفئوي للمجال حالة قرية بني يزقن بغرداية" ، في: الفضاءات العمومية في البلدان المغاربية ، اشراف: رمعون وعبد الحميد هنية، كراسك الجزائر وجامعة تونس .

عبد الغني، عماد (2006). سوسيولوجيا الثقافة المفاهيم والإشكاليات من الحداثة الى العولمة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

عدلي محمود السمري. (2011). علم الاجتماع الجنائي، ط2، الأردن: دار المسيرة.

عايد عواد الوريكات. (2013) نظريات علم الجريمة. ط1. الأردن ّ: دار وائل.

علي، سموك. (2006) إشكالية العنف في المجتمع الجزائري من اجل مقاربة سوسيولوجية . جامعة الباجي مختار عنابة: ديوان المطبوعات الجامعية، قسنطينة.

فارس بوباكور. (2019)، "الكلفة المالية لحوادث المرور تبلغ 100مليار دينار سنويا" .(تاريخ التصفح :20-15-2019).متاح عبر الرابط الاتي

http://www.radioalgerie.dz/news/ar/article/20160508/76875.html.

فضيل، حضري. (2013)."العوامل السوسيوثقافية لعنف الطرقات في المجتمع لجزائري مظاهرها وانعكاساتها "، اعمال الملتقى الوطني الأول حول "حوادث المرور بين مستعملي الطريق وتنظيم المرور "يوم 24-25-افريل 2013، مخبر سيكولوجية مستعملي الطريق، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، باتنة.

AZZEDDINE, Madani et GHIAT, Tello. (2015). Les principales causes des accidents de la circulation routière et les mesures d'atténuation en Algérie. European scientific journal, vol. 11, no 20.

Belkaid, E. & Alili, A. (2020). Les déterminants de la participation citoyenne en Algérie- Exemple de la ville de Tlemcen. Management international / International Management, 24(3), 150–162. 7. Available online at : https://doi.org/10.7202/1072629ar

Boubakour Fares.( 2014).La congestion routière urbaine vers des solutions basés sur la gestion de la mobilité cas de la wilaya de batna .-projets de recherche agréé par ATRS : Algerie. .

CASTEL, Robert. (2013).L’Insécurité sociale. Qu'est-ce qu'être protégé ? Le Seuil: Paris

Doina-stefana săucan and Mihai-Ioan Micle al (2012). Violenceand aggressiveness in traffic Procedia - Social and.Behavioral Sciences Revue. (33).343– 347. Available online at www.sciencedirect.com 1877-0428©...

Luc Boltanski. (1975). « Les usages sociaux de l'automobile : concurrence pour l'espace et accidents ». Actes de la Recherche en Sciences Sociales (1-2). Available online at :(https://www.persee.fr/doc/arss_0335-5322_1975_num_1_2_2456#arss_0335-5322_1975_num_1_2_T1_0030_0000).

Madani Azzedine, Chella Tarek et Abdelmadjid Bouder." (2019). Lesaccidents de la route en Algérie, nécessité d’un diagnostic",Décembre 2019, Colloque international au Tunisie sur « L’éducation à la prévention routière : Conducteurs et piétons : Quelle prévention pour réduire les accidents de la circulation ? » : Revue parcours cognitifs des sciences sociales et humaines, Volume : Vol 03n° 09Numéro spécial.

Mattieu Grossetete.(2010). « L’enracinement social de la mortalité routière »,Actes de recherche en sciences sociales, Le Seuil : Paris. Available online at : https://www.cairn.info/revue-actes-de-la-recherche-en-sciencessociales-2010-4-page-38.htm).

Omrane Mustapha (2018.). La participation civique et politique des jeunes en Algerie : problématiques et enjeux, In : jeunesse algérienne, Vécu, représentation et aspiration, Sous-direction : N. E Hammouda &.Benhaddad .N.A &.Boucheref .K et al Algerie:  Cread.

Office nationale des statistiques. Parc d’automobiles. (2017). Available online at: https://www.ons.dz/spip.php?rubrique228.

Omrane Mustapha (2018.). La participation civique et politique des jeunes en Algerie : problématiques et enjeux, In : jeunesse algérienne, Vécu, représentation et aspiration, Sous-direction : N.E Hammouda &.Benhaddad .N.A &.Boucheref .K et al Algerie:  Cread.

Slimane Medhar.( 2009). La violence sociale en Algérie. (2 éd). Alger: Ed thala ...

World health organization. (2018).Global statut report on road safety, Available online:

 https://www.who.int/violence_injury_prevention/road_safety_status/2018/en/

 


 

@pour_citer_ce_document

كلثوم بيبيمون, «التنقلات الحضرية وهاجس العنف المروري في المدن الجزائرية "قراءة سوسيوثقافية في الروافد والتداعيات" »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 38-51,
Date Publication Sur Papier : 2021-06-28,
Date Pulication Electronique : 2021-06-28,
mis a jour le : 28/06/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8229.