دور المجتمع المدني في هندسة ونشر الوعي البيئي في الجزائرThe role of civil society in the making and spreading the environmental awareness in Algeria
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 18-2021

دور المجتمع المدني في هندسة ونشر الوعي البيئي في الجزائر

The role of civil society in the making and spreading the environmental awareness in Algeria
ص ص 169-182
تاريخ الإرسال: 2019-05-19 تاريخ القبول: 2021-04-13

سمير حمياز
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تهدف هذه الدراسة، إلى البحث في الأدوار التي يضطلع بها المجتمع المدني في هندسة ونشر الوعي البيئي، بالشكل الذي يؤدي إلى تكريس اتجاهات وإنتاج أنماط سلوكية حضارية محافظة على البيئة في الجزائر، وذلك من خلال تشخيص واقع الإشكالية البيئية في الجزائر، وكذا التطرق إلى آليات عمل المجتمع المدني في مجال التوعية وحماية البيئة في إطار القانون الجديد رقم 03/10، فضلا عن التطرق إلى التحديات التي تواجه عمل هذه المنظمات واقتراح أفضل البدائل التي من شأنها الرفع من فعالية وكفاءة العمل المدني الطوعي في نشر الوعي البيئي وفي مجال حماية البيئة وترقيتها في الجزائر.

الكلمات المفاتيح:المجتمع المدني، البيئة، الوعي البيئي، التنمية المستدامة، الأمن البيئي

L’objectif de cette recherche est d'étudier le rôle de la société civile dans la promotion de la conscience environnementale, afin d’inculquer des comportements susceptibles de protéger l'environnement en Algérie et ce, à travers un diagnostic de la situation environnementale en Algérie, l’étude des mécanismes du travail de la société civile dans le domaine de la protection de l’environnement en vertu de la nouvelle loi N° 03/10. La présente étude cherche également à démontrer les défis rencontrés par ces organisations et de proposer les meilleures solutions pour accroître l’efficacité de l’action civile volontaire en faveur de la sensibilisation à l’environnement et de la protection de l’environnement en Algérie.

Mots-clés :société civile, environnement, conscience environnementale, développement durable, sécurité environnementale

The objective of this research is to study the role of the civil society in the diffusion of the environmental conscience, in order to produce behaviors which, protect the environment in Algeria, through a diagnosis on the environmental situation in Algeria, and also to study the mechanisms of civil society in the field of environmental protection under the new law 03/10. This study is also trying to demonstrate the challenges faced by these organizations and propose the solutions to increase the effectiveness of the voluntary civil action for environmental awareness and protection of the environment in Algeria.

Keywords:civil society, environment, environmental awareness, sustainable development, environmental security

Quelques mots à propos de :  سمير حمياز

جامعة بومرداس،samirhamiaz@hotmail.com

مقدمة

تشكل قضايا البيئة إحدى الإشكاليات المركبة البالغة التعقيد في الجزائر، ذلك أن مسألة حماية البيئة لا يمكن التعامل معها وفق مقاربة انفرادية، من خلال الاقتصار على دور الجهات الحكومية الرسمية وعلى عملية سن الأنظمة والقوانين، وإنما ينبغي التعامل مع الإشكالية البيئية وفق رؤية شاملة تقوم على منطق تشاركي، من خلال تضافر وتكامل جهود وأدوار كل من الدولة ومنظمات المجتمع المدني على كافة المستويات، لتحقيق فعالية أكبر في مواجهة التحديات والمخاطر البيئية، وذلك من خلال المراهنة على أهمية نشر الوعي البيئي، باعتبار أن الأنماط السلوكية للأفراد تجاه البيئة لا تعدو أن تكون سوى انعكاس للتركيبة الإدراكية وللثقافة البيئية التي يحملونها، وهي غالبا ما تتميز بالافتقار إلى الوعي بالعلاقة التي تربط الفرد بالبيئة وبأهمية المحافظة عليها والعمل على ترقيتها.

واللافت للنظر، أن منظمات المجتمع المدني أصبحت تشكل الخاصية الجوهرية التي تميز وتطبع المجتمعات المتحضرة، ليس فقط بالنظر إلى أهمية العمل المدني الطوعي كمكمل لدور الدولة، وإنما أيضا بحكم الأدوار الحيوية التي يضطلع بها المجتمع المدني في حل كثيرمن القضايا الاجتماعية، وبشكل أخص مسألة المحافظة على البيئة، بعدّهاشرطا أساسيا تتوقف عليه الحياة والأنشطة الإنسانية، فضلا عن أهميتها في تحقيق التنمية المستدامة.

وبالنظر إلى الأهمية الحيوية للعمل المدني الطوعي في خدمة وتنمية المجتمع، فقد أولت الجزائر أهمية بالغة لدور المجتمع المدني، وهو الأمر الذي تجلى بالأساس في القانون رقم: 03/10المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، الذي لم يؤكد فقط على دور المجتمع المدني كفاعل أساسي في مجال حماية البيئة، وإنما أيضا عدّالفواعل الاجتماعية، كشريك أساسي لا يمكن تجاهله في رسم السياسة البيئية، وفي صناعة القرار البيئي.

بيد أن واقع الممارسة الميدانية، يقر بأن منظمات المجتمع المدني في الجزائر، باتت تواجه العديد من التحديات والمعيقات الناتجة عن طبيعة المناخ السياسي والمنظومة القانونية المنظمة لعمل المجتمع المدني والجمعيات الناشطة  في مجال حماية البيئة، في حين أن منطق الحوكمة البيئية وضمان المشاركة الفعالة للجمعيات في حماية البيئة، يقتضي بالأساس توفير كل الشروط والإجراءات التنظيمية والهيكلية والقانونية، التي من شأنها جعل منظمات المجتمع المدني تضطلع بأدوارها على أكمل وجه في هندسة ونشر الوعي البيئي، وفي مجال حماية البيئة بصفة عامة.

والملاحظ خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أن البيئة ومشكلاتها، تحولت مع تفاقم التداعيات الخطيرة التي أفرزها التدهور البيئي، إلى إحدى القضايا التي باتت تشكل الهاجس الأكبر للمجتمع الإنساني، فضلا عن كونها أصبحت تتصدر أولويات أجندة السياسة العالمية المعاصرة، ذلك أن مسألة حماية البيئة وترقيتها، يعد شرطا أساسيا لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن أيضا لضمان استمرارية الحياة الإنسانية، لاسيما وأن أغلب الدراسات والتوقعات البيئية تقر بمدى خطورة الوضع البيئي الراهن، وما ينطوي عليه من تهديدات فعلية لإمكانية استدامة النظم والموارد الحيوية التي لم تعد قادرة على استيعاب التأثيرات المادية السلبية التي خلفتها الأنشطة الإنسانية.

وقد تزامن هذا الاهتمام المتنامي بقضايا حماية البيئة، مع ظهور خطاب عالمي جديد، يدعوإلى ضرورة تكريس قيم المحافظة على البيئة والتنمية المستدامة، وفق منطق تشاركي يسمح للفواعل الاجتماعية غير الرسمية، بأن تضطلع بأدوار حيوية إلى جانب الجهود الحكومية، في صناعة ونشر الوعي وفي حماية البيئة بصفة عامة. 

وتأسيسا على ذلك، تبرز أهمية المجتمع المدني وقوة تأثيره كفاعل أساسي في نشر الوعي بخطورة الوضع البيئي الراهن وتأثيراته المدمرة، ومن ثم المساهمة في إعطاء بعدا حيويا لقضايا البيئة وأهمية المحافظة عليها والعمل على ترقيتها، لأنهاتشكل المحيط الحيوي الذي تتوقف عليه مختلف الأنشطة الإنسانية.

أهداف الدراسة

تتوخى هذه الدراسة تحقيق الأهداف التالية:

v                      الوقوف على تشخيص واقع الإشكالية البيئية في الجزائر.

v                      البحث في الأدوار التي يضطلع بها المجتمع المدني في هندسة ونشر الوعي البيئي وفي مجال حماية البيئة في الجزائر.

v                      إبراز وبيانالأهمية الحيوية للتوعية البيئية في تكريس الثقافة البيئية، التي من شأنها إنتاج أنماط سلوكية حضارية مساهمة في حماية وترقية البيئة في الجزائر.

v                      الكشف عن التحديات والمعيقات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني في مجال حماية البيئة في الجزائر.

v                      اقتراح الحلول والبدائل التي من شأنها إعطاء فعالية أكبر للأدوار التي يضطلع بها المجتمع المدني في نشر الوعي البيئي وفي مجال حماية البيئة في الجزائر.

إشكالية الدراسة

إذا كانت قضية حماية البيئة هي مسؤولية جماعية لا يمكن حصرها فقط في الجهود الحكومية، وإنما تقتضي تضافر جهود كل من الهيئات الرسمية والفواعل الاجتماعية، فإلى أي مدى يضطلعالمجتمع المدني بأدوار حيوية وفعالة في هندسة ونشر الوعي البيئي بالشكل الذي يؤدي إلى إنتاج أنماط سلوكية حضارية مساهمة في المحافظة على البيئة في الجزائر؟  

فرضيات الدراسة

§  هناك علاقة سببية بين ثلاث متغيرات أساسية، دور المجتمع المدني في هندسة ونشر الوعي البيئي، تكريس الثقافة البيئية في المجتمع وإنتاج أنماط سلوكية حضارية مساهمة في المحافظة على البيئة في الجزائر.

§  تتوقف فعالية ونجاعة الأدوار التي يضطلع بها المجتمع المدني في مجال حماية البيئة في الجزائر على مدى توفر منظومة قانونية وبيئة سياسية وديمقراطية ملائمة.

منهجية الدراسة

سعيا للإجابة على الإشكالية، فإن هذه الدراسة ستعتمد على المناهج التالية:

المنهج التاريخي: باعتباره يساعد على رصد وتتبع التطور التاريخي الذي عرفه المجتمع المدني في الجزائر، لاسيما أدوراه في مجال نشر الوعي البيئي وحماية البيئة، قصد معرفة الثابت والمتغير من تلك التطورات.

منهج دراسة الحالة: بحيث يساعد علىالتركيز تحديدا على دراسة حالة الجزائر، خصوصا وأن المجتمع المدني يضطلع بأدوار مختلف كالمساهمة في التنمية السياسية، التحول الديمقراطي..، وبالتالي استخدام هذا المنهج يساعد على دراسة حالة حماية البيئة في الجزائر ضمن الأدوار المختلفة التي يضطلع بها المجتمع المدني.

الاقتراب البنيوي الوظيفي: الذي يركز على مفهومي البنية والوظيفة، وبالتالي دراسة منظمات المجتمع المدني كبناء يضطلعبوظائف محددة، ومن ذلك المساهمة في هندسة ونشر الوعي البيئي وفي حماية البيئة بصفة عامة.

هيكلة وتقسيم الدراسة

سعيا للإجابة على الإشكالية واختبار الفرضيات، فقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى هيكلية منهجية متضمنة للمحاور التالية:  

v                      المحور الأول: الإطار النظري لدراسة المجتمع المدني، البيئة، الوعي البيئي.

v                      المحور الثاني:المجتمع المدني في الجزائر: النشأة، الممارسة والتحديات.

v                      المحور الثالث:دراسة تشخيصية لواقع الإشكالية البيئية في الجزائر.

v                      المحور الرابع:دور المجتمع المدني كفاعل أساسي في صناعة ونشر الوعي البيئي وفي حماية البيئة في الجزائر.

v                      المحور الخامس:التحديات التي تواجه دور المجتمع المدني في مجال حماية البيئة في الجزائر.

المحور الأول: الإطار النظري لدراسة المجتمع المدني، البيئة، الوعي البيئي

أولا: التأصيل المعرفي للمجتمع المدني

يعدّالمجتمع المدني من إفرازات الفكر الغربي، حيث نشأ وتطور في المجتمعات الغربية، وجاء نتيجة إسهامات عصر النهضة والتنوير مع الثورة الصناعية. ضف إلى ذلك أثر فصل الكنيسة عن الدولة، خاصة وأن الكنيسة استنفذت كل امتيازاتها، وبلغت مرحلة كان لابد فيها من البحث عن أشكال وأنماط جديدة لتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية.

لقد حظي المجتمع المدني بأهمية بالغة في الفكر السياسي الغربي، فالمجتمع المدني بالنسبة إلى "هيجل" ما هو إلا تعبير عن المصالح الخاصة لأفراد وطبقات المجتمع، مما يجعل من الضروري أن تكون للدولة سلطة أقوى في مراقبته والإشراف عليه مع التأكيد بالمقابل على أن تُبقى للمجتمع المدني خصوصيته وتميزه عن باقي القطاعات في المجتمع (صباح، 2014، ص10).

 أما "توكفيل"، فقد كان له دور رياديفي هذا المجال، من خلال سعيه لإعادة صياغة فكرة المجتمع المدني استنادا لتطبيقات ومضامين مغايرة لما كانت عليه في النظم الليبرالية التقليدية، وقد تبلورت طروحاته الفكرية في كتابه الشهير الموسوم: "الديمقراطية في أمريكا"، حيث سجل فيه إعجابه بالحياة السياسية في الولايات المتحدة (توشار وآخرون، 1983، ص512).

لقد لفت انتباه "توكفيل" ميول الأمريكيين إلى تشكيل جمعيات ومؤسسات تغطي كافة أشكال النشاط البشري كالجمعيات الاقتصادية والصناعية والدينية، وأبدى إعجابا كبيرا بتنوع الكنيسة والطوائف والانتماءات الدينية في المجتمع الأمريكي، وعدّهادليلا على حيوية المجتمع المدني (الصبيحي، 2000، ص73).

ويرى أن القدرة على تشكيل الجمعيات بناء على رغبات وحاجيات الناس، يعد سر نجاح الديمقراطية في أمريكا حيث يقول: " إن فن إنشاء الجمعيات في البلدان المتقدمة يعد أساس التقدم"، ومن خلال هذا التنظيم، لاحظ "توكفيل" أن مجال نشاط التنظيمات المدنية في أمريكا أوسع بكثير من مجال نشاط الدولة مما يحول دون استبداد هذه الأخيرة وسيطرتها على المجتمع. كما توصل "توكفيل" إلى إجراء مقارنة بين أمريكا (المجتمع القوي والدولة الضعيفة) وأوروبا (الدولة القوية والمجتمع الضعيف) (دي توكفيل، 1991، ص480).

ومع حلول العقد الأول من القرن العشرين، ظهرت أبعادجديدة للمجتمع المدني مع المفكر لإيطالي "أنطونيو غرامشي" الذي يعدّالمجتمع المدني مجالا للتنافس الإيديولوجي، فهو فضاء تشكل الإيديولوجيات المختلفة وانتشارها، والتي تشد الجسد الاجتماعي بعضهإلى بعض، تلك المساحة التي تشغلها الأنشطة والمبادرات الفردية والجماعية التي تقع بين المؤسسات والأجهزة ذات الطبيعة الاقتصادية البحتة من ناحية،وأجهزة الدولة الرسمية ومؤسساتها من ناحية أخرى. ويشير مفهوم المجتمع المدني في كتابات "غرامشي" بصورة عامة، إلى مجموع التنظيمات الخاصة التي ترتبط بوظيفة الهيمنة، وينظر "غرامشي" إلى المجتمع المدني بعدّهجزء من البنية الفوقية، هذه البنية التي يميز فيها بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، تتمثل وظيفة الأول في الهيمنة عن طريق الثقافة والأيديولوجيات، بينما وظيفة الثاني تتمثل في السيطرة والإكراه (صباح، 2014، ص13).

تأسيسا على ما سبق، يمكن تقديم مجموعة من التعاريف للمجتمع المدني وهي كالتالي:

المجتمع المدني هو؛مجموعة التنظيمات المستقلة ذاتيا، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، وهي غير ربحية تسعى إلى تحقيق مصالح أو منافع للمجتمع ككل أو بعض فئاتها المهمشة، أو لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والإدارة السلمية للخلافات والتسامح وقبول الآخر (قنديل، 2008، ص64).

 وقد عرفه"وايت جوردن" بأنه "مملكة توسطية تقع بين الدولة والأسرة وتقطنها منظمات منفصلة عن الدولة وتتمتع باستقلال ذاتي في علاقتها معها، وتتشكل طوعا من أفراد يهدفون إلى حماية مصالح أو قيم معينة."

أما "محمد عابد الجابري"، فقد ذهب إلى تعريف المجتمع المدني على أنه "المجتمع الذي تنتظم فيه العلاقات بين أفراده على أساس الديمقراطية" (الجابري، 1993، ص5).

وقد جاء تعريف المجتمع المدني في الندوة التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية عام 1992حول المجتمع المدني، على أنه "مجموعة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة، في استقلال عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعددة، منها أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني، ومن ذلك الأحزاب السياسية، ومنها أغراض نقابية كالدفاع عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي الثقافي وفقا لاتجاهات أعضائها، ومنها أغراض اجتماعية للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية" (صباح، 2014، ص22).

ثانيا: خصائص ووظائف المجتمع المدني

1.                      خصائص المجتمع المدني

يتميز المجتمع المدني بمجموعة الخصائص، التي يمكن تحديدها في النقاط التالية: 

الطوعية: تعني أن تنظيمات المجتمع المدني باختلاف أنواعها وأهدافها، تتأسس بناء على الرغبة المشتركة لأصحابها وانطلاقا من إرادتهم الحرة، أو الطوعية وبالتالي فهي غير مفروضة من طرف أية جهة، ولا يتم إحداثها استجابة لتعليمات وتوجيهات الحاكمين وذوي النفوذ، أو غيرهم، وتمارس نشاطاتها التي تستجيب للأهداف التي سطرتها لنفسها بعيدا عن أي ضغط أو تأثير خارجي.

التنظيم: ويعني أن المجتمع المدني منظم وبهذا فهو يختلف عن المجتمع التقليدي بمفهومه الكلاسيكي، حيث يشير التنظيم إلى فكرة "المؤسسية" التي تطال الحياة الحضرية تقريبا والتي تشمل مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الركن الأخلاقي والسلوكي: ينطوي على قبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخرين وعلى حق الآخرين في أن يكونوا منظمات مجتمع مدني تحقق وتحمي وتدافع عن مصالحهم المادية والمعنوية والالتزام في إدارة الخلافات داخل وبين منظمات المجتمع المدني بعضها البعض، وبينها وبين الدولة، بالوسائل السلمية المتحضرة أي بقيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس السلمي (المغيربي، 1995، ص ص6-7).

القدرة على التكيف:يقصد به قدرة منظمات المجتمع المدني على التكيف مع التطورات في البيئة التي تعمل من خلالها، إذ كلما كانت المؤسسة قادرة على التكيف كلما كانت أكثر فاعلية، ويتخذ مفهوم التكيف نوعان أساسيان:

 أ- التكيف الزمني: أي القدرة على الاستمرار لمدة طويلة.

ب - التكيف الوظيفي: أي قدرة منظمات المجتمع المدني على إجراء تعديلات في أنشطتها للتكيف مع الظروف المستجدة (صباح، 2014، ص25).

الاستقلالية:حيث تعد شرطا أساسيا لتحقيق فعالية المجتمع المدني، وانعدام الاستقلالية يعني خضوع هذه المنظمات لجهات معينة مما يسهل من عملية السيطرة عليها وتوجيه نشاطها وفق رؤية الطرف المسيطر.

إن استقلالية مؤسسات المجتمع المدني عن الدولة يقلل من السيطرة عليها بحيث يصبح للمجتمع المدني حركية مستقلة تمكنه من لعب دور الوسيط بين الدولة والمجتمع. ويمكن تحديد درجة استقلالية مؤسسات المجتمع المدني عن الدولة من خلال المؤشرات التالية:

أ- ظروف نشأة مؤسسات المجتمع المدني وحدود تدخل الدولة في ذلك.

ب – الاستقلال المالي: ويتجلى ذلك من خلال تحديد مصادر تمويل هذه المؤسسات، أي هل تتلقى تمويلها من الدولة، أو من بعض الجماعات أو الجهات الخارجية، أو تعتمد على التمويل الذاتي، من خلال رسوم العضوية، التبرعات والأنشطة والخدمات...الخ.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة، أنه من يملك التمويل يملك القرار والتوجيه، وبالتالي تفقد هذه المنظمات المغزى من وجودها.

ت – الاستقلال الإداري: أي إدارة مؤسسات المجتمع المدني لشؤونها وفق لوائحها وقوانينها الداخلية بعيدا عن تدخل الدولة، ومن ثم تخفيض إمكانية وإخضاعها للرقابة والسيطرة (صباح، 2014، ص26).

2.                      وظائف المجتمع المدني

يضطلع المجتمع المدني بوظائف بالغة الأهمية، ومن ذلك، وظيفة تجميع المصالح من خلال بلورة مواقف وتحركات جماعية تجاه قضايا معينة، وكذا وظيفة إفراز قيادات جديدة من خلال الإعداد والتكوين داخل مؤسسات المجتمع المدني، علاوة على المساهم في إشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية قوامها التسامح، الحوار وقبول الآخر، ومنطق إدارة الخلافات بطرق سلمية...الخ

كما يضطلع المجتمع المدني بأدوار حيوية من لاسيما ملئ الفراغ عند غياب الدولة وانسحابها، فضلا عن المساهمة في التنمية الشاملة بحيث يكون المجتمع المدني شريك للدور الحكومي في برامج وسياسات التنمية الشاملة بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...الخ (Chagnollaud, 2010, pp.102-103).

ثانيا: مقاربة مفاهيمية حول البيئة

1.                        مفهوم البيئة

يشير مفهوم البيئة إلى ذلك الإطار الذي يشمل عناصر الحياة التي تحيط بالإنسان، وقد أكد هذا الاتجاه مؤتمر ستوكهولم الذي عقد بالسويد برعاية منظمة الأمم المتحدة سنة 1972، حيث أعطى مفهوما واسعا للبيئة وعرفها بأنها: "رصيد الموارد المادية والاجتماعية والمناخية في وقت ومكان ما لإشباع حاجات الإنسان" (حجاب، 1999، ص12).

أما مؤتمر بلغراد لعام 1975فقد عرف البيئة بأنها "العلاقة القائمة بين العالم الطبيعي والبيو فزيائيوبين العالم الاجتماعي السياسي الذي هو من صنع الإنسان". ولذلك فالبيئة هي "الوسط الذي يتصل بحياة الإنسان وصحته في المجتمع سواء كان طبيعيا أم من صنع الإنسان." وعليه، فالبيئة تتكون من عنصرين: الأول طبيعي وهو الذي لا دخل للإنسان في وجوده، والعنصر الثاني هو الصناعي أو المشيد (سعد الله، 2008، ص105).

لقد ذهب "ريكاردوس ألبر" إلى تعريف البيئة على أنها "مجموعة العوامل الطبيعية المحيطة التي تؤثر على الكائن الحي أو التي تحدد نظام حياة مجموعة من الكائنات الحية المتواجدة في مكان وتؤلف وحدة إيكولوجية مترابطة" (رزيق، 2007، ص96). والبيئة تعني أيضا المحيط الذي يعيش فيه الفرد ويؤثر فيه ويتأثر به.

ويشير مفهوم البيئة في التشريع الجزائري، كما جاء في القانون رقم: 03/10في المادة 4فقرة 7التي نصت على أن "البيئة تتكون من الموارد الطبيعية اللاحيوية والحيوية، الهواء، والجو والماء والأرض والباطن والنبات والحيوان، بما في التراث الوراثي، وأشكال التفاعل بين هذه المواد، وكذا الأماكن والمناظر والمعالم الطبيعية"(القانون 03/10المؤرخ في 19جويلية 2003المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، الجريدة الرسمية عدد43).

2.                       البيئة والمفاهيم الأخرى

إن مفهوم البيئة هو في درجة كبيرة من التداخل مع مفاهيم أخرى مشابهة، ومن ذلك:

أ‌.الأمن البيئي

ظهر مصطلح الأمن البيئي مع منتصف ثمانينات القرن العشرين، ويعني مساعي التحرر من التهديدات المتصاعدة التي تواجه حياة البشر، وكذا الأضرار والانتهاكات التي تتعرض لها البيئة وتؤثر فيها وتعمل على استنزاف مواردها الطبيعية. ويرى "باري بوزان" أن الأمن البيئي يعني "الحفاظ على المحيط الحيوي (الكائنات الحية ومحيطها) كعامل أساسي تتوقف علبة الأنشطة الإنسانية" (بن عنتر، 2005، ص16). وعليه، فهو يعتقد أن المقاربة الأمنية في هذا القطاع ترتبط بالخوف من فقدان الشروط الأساسية للحفاظ على جودة الحياة.

ب‌.                     التنمية المستدامة

يشير مفهوم التنمية المستدامة حسب تقرير بروتلاند الصادر عن للجنة العالمية للبيئة والتنمية سنة 1987بعنوان "مستقبلنا المشترك" إلى "تلك التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتهم" (اللجنة العالمية للبيئة والتنمية، 1989، ص15).

وقد عرفها المبدأ الثالث من مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية الذي انعقد في "ريو ديجا نيرو" عام 1992على أنها: "ضرورة انجاز الحق في التنمية" ولكن مع ضرورة الحفاظ على البيئة. ولذلك، فقد أشار مؤتمر ستوكهولم إلى العلاقة الموجودة بين التنمية والبيئة من خلال التأكيد على أن مشكلات البيئة متداخلة مع التنمية ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض. وفي هذا السياق يقول "كوفي عنان": "إذا فشلنا في معالجة تحدي تغير المناخ، فإننا لا نستطيع تحقيق التنمية المستدامة." وعليه، فالحماية البيئية تمثل جزءلا يتجزأ من عملية التنمية المستدامة، وبحيث لا يمكن التفكير فيها بمعزل عنها (صباح، 2014، ص56).

ثالثا: التأصيل المفاهيمي للوعي البيئي

إن إدراك الأمن البيئي وفهم مخاطره ومهدداته لن يتأتى دون توفر الوعي البيئي،ويرتبط هذا الأخير بالثقافة بمفهومها الواسع عند علماء الأنثروبولوجيا، باعتبار هذا الوعي هو جزء من الثقافة السائدة في المجتمع التي تعمل كموجه عام لسلوك الأفراد. 

لقد عرف "وليام التسون" الوعي البيئي على أنه "إدراك الفرد لدوره في مواجهة البيئة" (Illtson, 1974, p.24). كما يعني أيضا "الإدراك القائم على الإحساس بالعلاقات والمشكلات البيئية، من حيث أسبابها وأثارها ووسائل حلها" (الرفاعي، ماهر، 2004، ص304).

 كما يشير مفهوم بالوعي البيئي إلى "عملية تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة، التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الحيوي الفيزيقي، وتوضيح حتمية المحافظة على مصادر البيئة وضرورة حسن استغلالها لصالح الإنسان، وحفاظا على حياته الكريمة ورفع مستويات معيشته" (محمود،2008، ص148).

ويقصد بالوعي البيئي "عملية إعداد الإنسان للتعامل مع بيئته تعاملا رشيدا من خلال تزويده بالمعلومات البيئة وتكوين اتجاهات إيجابية نحو البيئة تمكنه من معرفة العلاقات المعقدة بينه وحضارته وبين بيئته (محمود، 2008، ص149).

من خلال استقراء وتفكيك التعريفات السابقة نستخلص العناصر التالية:

·  الوعي البيئي هو عملية إعداد الإنسان لتعامل مع بيئته تعاملا رشيدا.

·  يهدف الوعي البيئي إلى تزويد الأفراد بالمعلومات البيئية التي تمكنه من معرفة بيئته وعلاقته معها.

·  يهدف الوعي البيئي إلى تكوين اتجاهات نحو البيئة، تكون إيجابية تمكن الأفراد من المساهمة في حل مشكلاتالبيئة والمحافظة عليها.

المحور الثاني: المجتمع المدني في الجزائر: النشأة، الممارسة والتحديات

أولا: المسار التاريخي لتطور المجتمع المدني في الجزائر

بالرغم من أن منظمات المجتمع المدني في الجزائر لم تظهر بشكل لافت إلا في المرحلة التي صاحبت إقرار التعددية السياسية، بحكم الانفتاح الديمقراطي والسياسي الذي عرفتهالجزائر على غرار كثيرمن دول العالم. بيد أن المجتمع المدني والحركة الجمعوية في الجزائر ليست وليدة التسعينات أو مرحلة ما بعد الاستقلال، ذلك أن وجودها يرجع إلى الحقبة الاستعمارية. إذ يمكن إبراز تبيان المسار التاريخي الذي عرفه المجتمع المدني في الجزائر في المراحل التالية:

1.                        المجتمع المدني في الجزائر خلال المرحلة الاستعمارية

ترجع الجذور التاريخية للمجتمع المدني في الجزائر إلى المرحلة الاستعمارية، الأمر الذي تجلى بالأساس من خلال قانون الجمعيات الفرنسي الصادر سنة 1901، الذي أدى إلى إنشاء العديد من النوادي والجمعيات الثقافية والخيرية على غرار الرشيدية في الجزائر العاصمة، نادي صالح باي في قسنطينة، ناي الشباب الجزائري في تلمسان، ...، بيد أن فرنسا لجأت في كثيرمن الأحيان إلى توظيف بعض هذه الجمعيات لطمس معالم الهوية الوطنية ولتحقيق أهدافها الاستعمارية (Thieux, 2009, p.545).

2.                       المجتمع المدني في الجزائر بعد الاستقلال: (مرحلة الأحادية السياسية)

لقد أدت الأحادية السياسية التي ميزت نظام الحكم في الجزائر غداة الاستقلال، إلى انحسار المجتمع المدني والحياة الديمقراطية بصفة عامة، وبالخصوص بعد صدور الأمررقم: 71/79المتعلقبالجمعيات في 7جوان 1972، والتي وضععراقيل كبيرة على تأسيس الجمعيات التي تنشط في الميادين الثقافية والدينية والرياضية (جابي، 2007، ص3).

بيد أنه ومعنهاية الثمانينياتبدأ نظام الأحادية يفقد شرعيته، بعدّقاعدته التقليدية التي ارتكزت على "الشرعية التاريخية والثورية" بدأت تفقد بريقها لا سيما عند غالبية جيل من الشباب المولود بعد الاستقلال، ضف إلى ذلك تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مرحلة الثمانينياتبحث كانت أحداث أكتوبر علامة فارقة على بداية نهاية نظام الأحادية في الجزائر.

3.                       المجتمع المدني في الجزائر خلال مرحلة التعددية السياسية

لقد أسهم الانفتاح السياسي والديمقراطي الذي شهدته الجزائر على غرار كثيرمن دول العالم، في تنامي زخم منظمات المجتمع المدني في الجزائر خاصة وأن دستور 1989أقر الحق في إنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات بمختلف أنواعها، ولذلك شهدت الجزائر في ظرف زمني قصير عددا كبيرامن الجمعيات والمنظمات لم تعرفه من قبل (صباح، 2014، ص33).

بيد أن هذه التشكيلات لم تحقق نجاحات كبيرة على الساحة التنظيمية نظرا للمقامة التي وجدتها داخل النظام السياسي ذاته، والملابسات السياسية التي تمت فيها عملية الانفتاح. علاوة على ذلك فإن الأزمة السياسية (العشرية السوداء) التي مرت بها الجزائر انعكست بشكل سلبي على المجتمع المدني وعلى الحياة السياسية في الجزائر بوجه عام.

ثانيا: المجتمع المدني في الجزائر: الممارسة والتحديات.

رغم أن دستور 1989الذي صاحب مرحلة الانفتاح الديمقراطي والتعددية السياسية في الجزائر أقر حرية التعبير، والحق في إنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات في مختلف الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية..، بيد أن واقع الممارسة الميدانية يقر أن هذه المنظمات رغم كثرتها فإن فعاليتها و قدرته على التأثير ضلت محدودة، ذلك أن أغلب منظمات المجتمع المدني في الجزائر تعاني من عدم الاستمرارية في نشاطها الذي يتميز بالطابع الموسمي حيث يعيش أغلبه في حالة سبات بحيث لا تظهر إلى في المواعيد الانتخابية أو في المناسبات الدينية والاجتماعية (شهر رمضان، الأعياد الدخول المدرسي..) الأمر الذي يجعلها تفقد مصداقيتها لدى عامة المواطنين.

ويُضاف إلى ما سبق، أن منظمات المجتمع المدني في الجزائر أضحت عاجزة على إعادة إنتاج ذاتها ماديا واجتماعيا نتيجة اعتمادها المفرط على دعم الدولة مما يجعلها رهينة الجهات الممولة التي تتحكم في مشاريعه، نشاطاتها وتوجهاتها الأمر الذي يحد من استقلاليتها وفعاليتها.

كما تجدر الإشارة، إلى أن إقرار قانون حالة الطوارئ في الجزائر أثر بشكل سلبي ليس فقط على أنشطة المجتمع المدني، ولكن على الحياة الديمقراطية بصفة عامة.

لقد توصلت إحدى الدراسات المغاربية المقارنة، إلى إرجاع الأسباب التي حالت دون فعالية المجتمع المدني في الجزائر إلى التحديات والصعوبات التالية: (http:// www.gm-unccd.org)

·  العلاقات بين الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني ليست شفافة بالقدر الكافي.

·  المؤسسات الرسمية لا تعترف فعليا بمنظمات المجتمع المدني كمحاور وكشريك.

·  انعدام الثقة المطلوبة بين منظمات المجتمع المدني وبين المؤسسات الرسمية.

·  علاقات العمل والشراكة بين المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني ليست منظمة.

·  استفادة منظمات المجتمع المدني من المساعدات المالية الرسمية ليست شفافة بالقدر الكافي.

·  لا توجد إجراءات واضحة بهدف حصول الجمعيات على مقرات دائمة أو مقرات لإقامة المشاريع.

·  تقييد حرية منظمات المجتمع المدني في الحصول على الهبات والمساعدات من الخارج حيث إن33% من الجمعيات الجزائرية النشطة في ميدان البيئة تشكوا من انعدام مصادر التمويل، في حينأن 50% منها لا تمتلك مقرات دائمة لترتفع النسبة إلى 74% التي لا تمتلك وسائل العمل بالإعلام الآلي.

 

 

المحور الثالث: دراسة تشخيصية لواقع الإشكالية البيئية في الجزائر

تواجه الجزائر كغيرها من الدول النامية كثيرامن المشكلات البيئية، التي من شأنها تقويض الأمن البيئي، وهو الأمر الذي ينطوي على مخاطر كبيرة على الجهود التنموية للدولة، كونالبيئة ليست فقط هي المحيط الحيوي الذي تتوقف عليه الأنشطة الإنسانية، وإنما أيضا لكونها تعد شرطا أساسيا لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. إذ يمكن إبراز أهم المشكلات البيئية في الجزائر في النقاط التالية:

1.                      التصحر

يُقصد بظاهرة التصحر انخفاض أو تدهور قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض، مما قد يفضي في النهاية إلى خلق ظروف بيئية شبه صحراوية وتدهور خصوبة الأراضي، وذلك يرجع إلى عدة أسباب بشرية منها: الضغط السكاني وتحويل الأراضي إلى مناطق سكنية وصناعية، إضافة إلى الرعي الجائر وأخرى طبيعية كانجراف التربة ونقص كميات الأمطار (أهناني، 2015، ص25).

لقد أصبحت مسألة التصحر في الجزائر قضية استعجالية، نظرا لتهديدها لمجموع المجال السهبي الواسع، وهو منطقة رعوية عالية الجودة للبلاد، وتجدر الإشارة أن المساحات المهددة بظاهرة التصحر تقدر بحوالي 13.821.179هكتار أي 69% من مساحة السهوب حسب تقرير حول حالة ومستقبل البيئة في الجزائر سنة 2000، وهذا يرجع لأسباب عديدة كالجفاف، الأنشطة البشرية...الخ (أهناني، 2015، ص25).

2.                      التلوث بمختلف أشكاله

يشير مفهوم التلوث إلى تغير يؤدي إلى إفساد خصائص البيئة، نتيجة التأثير السلبي على سلامة الوظائف المختلفة للكائنات الحية وغير الحية، إضافة إلى تأثيراته الصحية والنفسية والاجتماعية على الإنسان. ويتخذ التلوث عدة أشكال: تلوث الجو، تلوث المياه، تلوث التربة (قريد، د.ت.ن، ص21).

وقد جاء في عرض لوزير التهيئة العمرانية والبيئة أمام لجنة الفلاحة والصيد البحري وحماية البيئة بالمجلس الشعبي الوطني في 04مارس 2010، أن الوزارة أعدت في وقت سابق دراسة بمؤشرات فنية وتقنية وإيكولوجية حول لبيئة في الجزائر،وكشفت هذه الدراسة عن خسائر سنوية معتبرة ناجمة عن التلوث والسلوكياتالمضرة بالمحيط البيئي في الجزائر قدرت بحوالي مليار دولار خلال عام 2002، أي ما يعادل 7% من الناتج الداخلي الخام، مقابل 3.5مليار دولار خلال سنة 2007، أي 5.21% من الناتج الداخلي الخام (أهناني، 2015، ص24).

3.                      فقدان التنوع البيولوجي

يُقصد بالتنوع البيولوجي مجموع الجسيمات الحية من حيوان ونبات مع دعيمتها الوراثية والأنظمة البيئية التي تتطور فيها، والتنوع البيولوجي أساسي للمساعدة على التكيف مع التغيرات. وبالرغم من أن هذا التنوع ثري في الجزائر، إلا أنه متقهقر، ففي الجزء الشمالي نجد الغابات المتوسطية، وفي الهضاب الحلفاء والعرعار، أما الصحراء فهي قاحلة في مجملها تقريبا، وكل منطقة تحوي كائناتها الحية البرية والبحرية (بلقرمي، 2006، ص3).

بالرغم من كون الجزائر فضاء للعديد من التنوعات الوراثية لأنواع مزروعة أو طوعية إلا أنها اليوم تعاني من عدة مشكلات كالإفراط في الرعي الذي يهدد بعضها بالانقراض، بالإضافة إلى الحرائق التي تقضي على مساحات هائلة من الغابات (صباح، 2014، ص65).

4.                      إدارة النفايات الصلبة

تعد مشكلة إدارة النفايات الصلبة من أهم التحديات التي تواجه البيئة في الجزائر، حيث يتواصل الأثر السلبي للنفايات على الصحة العامة والبيئة والتنمية الاقتصادية، ومؤخرا على التغيرات المناخية المستجدة، إلى غاية منتصف التسعينياتمن القرن الماضي لم تكف إدارة النفايات الصلبة قضية ملحة في الجزائر كانت تعدّمجرد مواد يجب إزالتها من مناطق التفاعل العام. ولكن مع التراكم السريع لكميات النفايات بسبب تزايد عدد السكان وارتفاع نسب الاستهلاك، بدأت العواقبالبيئية تطفو على السطح وتشد اهتمام الهيئات المعنية، قصد صياغة نظام متطور لإدارة النفايات، بالانتقال من مقاربة النظافة إلى مقاربة بيئية.

 ومن المتوقع أن ترتفع نسبة إنتاج النفايات في الجزائر نتيجة تصاعد نسبة التمدن وتزايد عدد السكان لتبلغ كمية النفايات سنة 2025معدل 15مليون طن في السنة، الأمر الذي يجعل طريقة إدارتها رهانا أساسيافي السياسة البيئية للدولة (صباح، 2014، ص67).

علاوة على ما سبق، فإن الجزائر كغيرها من دول العالم تعاني بدورها من المشكلات البيئية الناتجة عن التغير المناخي والاحتباس الحراري وهي مشكلات تتطلب تضافر الجهود الدولية لحلها.

والحقيقة أن الإشكالية البيئية في الجزائر هي مركبة ومعقدة، ولا يمكن أن نحمّلمسؤولية تردي الأوضاع البيئية إلى جهات بعينها إذا سلمنا أن الحفاظ على البيئة هي مسؤولية جماعية، تتطلب تضافر جهود كل من الجهات الرسمية وغير الرسمية. وهنا تبرزأهمية دور المجمع المدني كمكمل لجهود الدولة، وبخاصة الجمعيات الناشطة في مجال حماية البيئة، من خلال جهودها في صناعة ونشر الوعي البيئي عبر التربية البيئية التي تؤدي إلى غرس وترسيخ ثقافة بيئية من شأنها أن تفضي بدورها إلى إنتاج أنماط سلوكية مساهمة في حماية البيئة كشرط أساسي للحفاظ عل الحياة الإنسانية ولكن أيضا لتحقيق التنمية المستدامة. 

المحور الرابع: دور المجتمع المدني كفاعل أساسي في صناعة ونشر الوعي البيئي وحماية البيئة   في الجزائر.

أولا: المجتمع المدني وهان التوعية البيئية.

تتوقف عملية تقويم وتهذيب الأنماط السلوكية للمواطن تجاه البيئة على مدى انتشار الوعي البيئي في المجتمع، ومن هذا المنطلق، فإن تحقيق التوعية البيئية يقتضي بالأساس تضافر وتكامل جهود وأدوار كل منظمات المتجمع المدني: كالأسرة، المؤسسات التعليمية والدينية، النوادي الاجتماعية...الخ.

 بيد أن الجمعيات البيئية يتعين عليها الاضطلاع بدور أكبر باعتبار قضايا البيئة والمحافظة عليها هي الموضوع والهدف في سياساتها وأنشطتها.

إن الأدوار التي يضطلع بها المجتمع المدني في صناعة ونشر الوعي والثقافة البيئية من شأنها أن تساهم في إكساب أفراد المجتمع بمجموعة من القيم التي تمكنهم من إنتاج أنماط سلوكية إيجابية في التعامل مع المشكلات البيئية. وهو ما يوضحه الشكل التالي:

شكل رقم1: دور المجتمع المدني في نشر الوعي البيئي وحماية البيئة.



المصدر: الشكل البياني من إعداد الباحث.


إن الأنشطة والبرامج التي يقوم بها المجتمع المدني وبالخصوص الجمعيات الناشطة في مجال حماية البيئة، مثل عقد الملتقيات وكذا القيام بالبرامج التحسيسية والتوعوية قصد توجيه أفراد المجتمع للتعرف بأهمية البيئة ومشكلاتها لهدف خلق اهتمام وشعور بالمسؤولية إزاء القضايا البيئية من شأنه تغيير اتجاهات وتصورات الأفراد مما يمكنهم من الانخراط بإيجابية في التعامل مع الإشكالية البيئية في الجزائر.

 وعلى هذا، تشير معظم الدراسات إلى أن الأدوار التي يضطلع بها المجتمع المدني في مجال هندسة ونشر الوعي البيئي تساهم بشكل فعليفي التقليل من المشكلات البيئية لا سيما عندما تتكامل وتعمل جنبا إلى جنب مع الوسائل الأخرى (مجاني، 2017، ص368).

ويمكن إبراز الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها منظمات المجتمع المدني من خلال أدوارها في صناعة ونشر الوعي البيئي في النقاط التالية: (مجاني، 2017، ص370).

تعبئة واستخدام الوسائل المساهمة في توعية الإنسان، وإمداده بكل المعلومات التي من شأنها أن تعمل على ترشيد سلوكه وترتقي به إلى مستوى المسؤولية للمحافظة التلقائية على البيئة.

المعرفة: معاونة الأفراد والجماعات على اكتساب خبرات متنوعة والتزود بتفهم أساس البيئة والمشكلات المرتبطة بها.

المواقف: معاونة الأفراد والجماعات على اكتساب مجموعة من القيم والمشاعر للاهتمام بالبيئة وتحفيزهم على المشاركة الإيجابية في تحسينها وحمايتها.

القيم:معاونة الأفراد والجماعات على اكتساب المهارات اللازمة لتحديد المشكلات البيئية وحلها.

المشاركة:إتاحة الفرص للأفراد والجماعات للمشاركة بشكل إيجابي على كافة المستويات في العمل على حل المشكلات البيئية.

تأسيسا على ما سبق، يمكن القول: إنالمجتمع المدني يمكن أن يلعبدور الرافعةفي مجال حماية البيئة،وفي صناعة ونشر الوعي البيئي، بيد أن التربية والتوعية البيئية لا تحقق أهدافها ما لم تتمتنمية وتطوير الإحساس بالانتماء والشعور بالمواطنة، ولذلك كلما زاد الشعور بالمواطنة لدى الأفراد، كلما زاد إقبالهم على ترجمة الوعي البيئي على أرض الواقع. 

ثانيا: الإطار القانوني المنظم لدور المجتمع المدني في مجال حماية البيئة في الجزائر.

يعد القانون رقم 03/10المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، بمثابة الإطار العام لحماية البيئة في الجزائر، فهو ينظم المبادئ العامة الرامية إلى حماية البيئة والمحافظة عليها، ويكرس توجه الجزائر الجديد من خلال تدعيم العلاقة التكاملية بين البيئة والتنمية المستدامة بعدما أصبحتا مطلبا عالميا. كما ركز هذا القانون على القواعد الأساسية لتسيير البيئة وإصلاحها عبر تدعيم الإعلام البيئي وكذا تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والجمعيات في مجال حماية البيئة، علاوة على تحديد الجهات التي تقوم ببحث ومعاينة مخالفات أحكام هذا القانون (أهناني، 2015، ص28).

وقد خصص المشرع الفصل السادس من هذا القانون لتدخل الأشخاص والجمعيات في مجال حماية البيئة، حيث أصبحت الجمعيات المعتمدة بموجب هذا القانون مدعوة للمشاركة بفعالية إلى جانب مختلف الهيئات الحكومية في مجال حماية البيئة والعمل على ترقيتها في الجزائر.

ونظرا لتركيز قانون البيئة على الطابع الوقائي، فقد أرسى أسس للإطار الاتفاقيلتنفيذ التدابير البيئية وشرع في استكمال بناء قواعد شراكة مع جمعيات حماية البيئة باعتبارها أحد أهم الشركاء الضروريين في ذلك (أهناني، 2015، ص ص29-30).

ثالثا: آليات عمل المجتمع المدني في نشر الوعي البيئي وحماية البيئة في الجزائر

في الحقيقة أن القانون رقم 03/10لم يؤدِ فقطإلى جعل الجزائر مواكبة للتشريعات البيئية العالمية، باعتبارها طرفا في عدد كبير من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المتعلقة بالبيئة كالاتفاقية الإفريقية للمحافظة على الطبيعة والموارد الطبيعية 15/09/1968. وكذا اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالتغير المناخي في 09/05/1992. وإنما أيضا أسهم هذا القانون في توفير هامش واسع من حرية العمل لمنظمات المجتمع المدني في مجال حماية البيئة، كما عدّهذه الجمعيات والمنظمات شريكا أساسيا في صنع السياسة البيئيةللدولة.

ومن هذا المنطلق، أصبحت الجمعيات البيئية ومنظمات المجتمع المدني بموجب هذا القانون مدعوة للاضطلاع بأدوار حيوية في نشر الوعي البيئي وفي المحافظة على البيئة وترقيتها في الجزائر، ومن بين الأدوار التي تقوم بها هذه الجمعيات والتنظيمات ما يلي:

1.                       الآليات والأدوار الوقائية:من خلال الدراسات والتوقعات للمخاطر التي من شأنها الإضرار بالبيئة بالإضافة إلى أهمية التربية والتوعية البيئية كحل وقائي. فالدور الوقائي يعني أن التعامل مع الإشكالية البيئية وفق منطق أن التعامل مع العوامل والأسباب المؤدية إلى الإشكالية البيئية أفضل بكثير من التعامل مع مخاطرها وتداعياتها (صباح، 2014، ص80).

2.                       الآليات والأدوار التحسيسية والتوعوية:من خلال العمل علىصناعة ونشر الوعي والثقافة البيئية بعدّهاشرطا أساسيا لإنتاج أنماط سلوكية محافظة على البيئة. ولذلك، فالدور التوعوي والتحسيسي بأهمية الحفاظ على البيئة المخاطر التي تهددها، يجب أن يشمل كافة أفراد المجتمع، كما أن منهجية التربية البيئية يجب أن تركز على تنشئة السلوك المبني على الوقاية من الضرر البيئي المتوقع وعلى أساس الاحتياط بدلا من التركيز على التدخل والإصلاح بعد حدوث التدهور البيئي (أهناني، 2015، ص 31).

3.                       الآليات والأدوار التشاركية: من خلال المساهمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في رسم السياسة البيئية وفي صناعة القرار البيئية، لاسيما وأن القانون رقم 03/10عدّمنظمات المجتمع المدني وبخاصة الجمعيات البيئية المعتمدة قانونيا شريكا أساسياللحكومة في مجال حماية البيئة.

4.                       الآليات والأدوار الرقابية والقضائية: من خلال اضطلاع المجتمع المدني بدور المراقب والمنبه عن كشف التجاوزات والانتهاكات التي تمس بالأمن البيئي في الجزائر، كما أقر القانون الجديد رقم 03/10حق هذه الجمعيات في اللجوء إلى القضاء سواء الطبيعي أو الإداري باعتبارها تتمتع بالأهلية والشخصية المعنوية بعد تأسيسها، وهذا من أجل تفعيل دورها كشريك أساسي للدولة في مجال حماية البيئة (صباح، 2014، ص88-90).

المحور الرابع: التحديات التي تواجه دور المجتمع المدني في مجال حماية البيئة في الجزائر.

يواجه المجتمع المدني في الجزائر العديد من التحديات ذات الطبيعة القانونية والسياسية والاجتماعية والهيكلية،التي تحول دون الاضطلاع بفعالية بالمهام المنوطة به في مجال نشر الوعي البيئي وحماية البيئة في الجزائر.

أولا: التحديات القانونية والسياسية.

تتجلى التحديات القانونية بالأساس في قانون تكوين وتأسيس الجمعيات، ممارسة أنشطتها، حق التعبير والمدافعة، والاتصال، التجمع والحصول على الموارد والمقرات الخاصة بالجمعيات وضعف التمويل، التعقيدات البيروقراطية..، أما على صعيد التحديات السياسية، يلاحظ أنه بالرغم من أهمية دور المجتمع المدني في حماية البيئة و في تحقيق التنمية المستدامة، إلا أن المتابع لعمل هذه المنظمات والجمعيات، يلاحظ أن هذه الأخيرة تواجه تحدّياتسياسية عديدة تتعلق بالأساس بطبيعة النظام السياسي القائم على الأحادية وانعدام الديمقراطية التشاركية، فضلا عن سعيالنظام السياسي إلى احتواء المجتمع المدني والحد من  استقلاليته وأدواره.

ومن هذا المنطلق، فإن علاقة الدولة بالمجتمع المدني في دول المغرب العربي عامة هي علاقة هيمنة واحتواء وليست علاقة توازن وتفاعل متبادل، أو بعبارات "محمد عابد الجابري" "نحن بصدد الدولة التي تبتلع المجتمع المدني" ولقد ذهب "برهان غليون" لوصف هذه العلاقة بقوله" إن الدولة قد اعتقلت المجتمع المدني، وشوهت نمو الأحزاب، وصادرت تنمية المجتمع سياسيا، وعملت على تدمير هذه البنى والحلول محلها لضمان استمرارها واستقرارها، فكانت النتيجة أن المجتمع هو الذي انشغل بتنمية الدولة بدلا من أن تنشغل الدولة بتنمية المجتمع" ( سالمي، 2013، ص181).

ثانيا: التحديات الاجتماعية والثقافية

وترتبط بالأساس بطبيعة الثقافة السائدة في المجتمع والقائمة على غياب الوعي وثقافة المشاركة الفردية والجماعية في حل المشكلات البيئية، فضلا عن غياب ثقافة العمل الطوعي وعدم الإحساس بالمسؤولية وانعدام الانضباط لدى المتطوعين، الأمر الذي يحد من جهود هذه المنظمات في حماية البيئة.

ثالثا: التحديات الهيكلية والإدارية

وتتجلى من خلال غياب الممارسة الديمقراطية داخل هذه المنظمات ذاتها، الأمر الذي يحد من مصداقيتها في المجتمع، بالإضافة إلى غياب البناء الإداري والمؤسسي والاعتماد على العمل العشوائي والفردي، فضلا عن نقص الخبرة في إدارة هذه المنظمات، وكذا غياب النظرة المتكاملة للتنمية البشرية والمجتمعية، ضف إلى ذلك افتقارها إلى فن التفاوض وإدارة الحوار مع السلطة والشركاء، مما يقلل من فرص تحولها إلى شريك ومحاور أساسي للسلطة لا يمكن تجاهله لا سيما في التعامل مع الإشكالية البيئية (صباح، 2014، ص97).

 

 

خاتمة

من خلال تضاعيف صفحات هذه الدراسة، نخلص إلى القول: إنّمنظمات المجتمع المدني أصبحت تضطلع بأدوار حيوية وفعالة في هندسة ونشر الوعي البيئي، الذي من شأنه تكريس ثقافة بيئية في المجتمع، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ترسيخ اتجاهات وإنتاج أنماط سلوكية حضارية مساهمة في المحافظة على البيئة، التي تعد شرطا أساسيا لتحقيق التنمية المستدامة ولكن أيضا لضمان استمرارية الحياة الإنسانية.

ولكن بالرغم من أهمية المجتمع المدني وقوة تأثيره كفاعل أساسي في الإشكالية البيئية، إلا أن منظمات المجتمع المدني والجمعيات البيئية في الجزائر أصبحت تواجه العديد من التحديات التي من شأنها الحد من فعاليتها وآداء أدوارها على أكمل وجه في مجال حماية البيئة، إذ يمكن تصنيف هذه التحديات أو المعيقات إلى صنفين أساسين: الصنف الأول مرتبط بالتحديات الناتجة عن طبيعة النسق السياسي (غياب الديمقراطية، انعدام الحرية، المنظومة القانونية الملائمة...)، أما الصنف الثاني فهو مرتبط بمنظمات المجتمع المدني ذاتها (انعدام الاستمرارية في آداء نشاطها، غياب الدمقرطة داخل هذه المنظمات، ضعف التكوين، نوعية القيادات...)، وللتغلب على هذه التحديات يمكن اقتراح مجموعة من البدائل التي من شأنها جعل منظمات المجتمع المدني تحقق فعالية أكبر في نشر الوعي البيئي وفي مجال حماية البيئة وترقيتها في الجزائر، وهي كالتالي:

·  ضرورة توفير بيئة قانونية وسياسية ملائمة لعمل المجتمع المدني، وذلك من خلال تعزيز قيم الديمقراطية مع ضرورة وجود منظومة قانونية محفزة للعمل المدني الطوعي لاسيما في مجال حماية البيئة.

·  ضمان استقلالية منظمات المجتمع المدني، قصد تمكينها على القيام بأدوارها بفعالية في مجال حماية البيئة وترقيتها.

·  ضرورة تغيير النمط التمويلي القائم على منح الدولة واللجوء إلى نمط التمويل الذاتي من خلال المشاريع الاستثمارية ليس فقط من أجل لضمان تعدد الموارد وإنما أيضا لتحقيق استقلالية أكبر لعمل هذه المنظمات والجمعيات البيئية، ذلك أن من يملك التمويل يملك القدرة على التحكم والتوجيه.

·  ضرورة تحقيق الدمقرطة داخل المجتمع المدني، فضلا عن أهمية تحقيق عنصر الاستمرارية في أنشطة هذهالجمعيات التي عادة ما يغلب عليها الطابع الموسمي بحيث لا تظهر إلى في الأعياد الوطنية وفي المناسبات الدينية والاجتماعية، وعليه فالاستمرارية،والدمقرطة عنصران جوهريان لجعل هذه الجمعيات تتمتع بمصداقية أكبر مما يجعها قادرة على التغيير الاجتماعي المطلوب وبخاصة في مجال حماية البيئة.

·  توفير الوسائل المادية الضرورية للمجتمع المدني من أجهزة، عتاد، مقرات لمواجهة المشكلات البيئية.

·  تزويد منظمات المجتمع المدني بالمعلومات والبيانات البيئية الضرورية، والعمل على إنشاء مرصد بيئي في كل ولاية قصد جمع المعلومات والبيانات البيئية وتحيينها.

·  إحداث مجلس وطني أعلى للجمعيات تنبثق منه اللجان الجهوية والمحلية للبيئة.

·  تطوير قدرات المجتمع المدني والجمعيات البيئية من خلال الدورات التكوينية والزيارات الميدانية.

·  تعزيز التعاون والتنسيق بين المنظمات الجمعيات البيئية قصد تبادل الخبرات وتحقيق فعالية أكبر في مجال نشر الوعي البيئي وحماية البيئة.

·  حوكمة التسيير والتخطيط البيئي في إطار مفهوم الشراكة البيئية بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

على ضوء ما تقدم، نخلص إلى نتيجة مفادها، أن حماية البيئة هي ليست مسؤولية المجتمع المدني لوحده ولا الدولة لوحدها، وإنما هي مسؤولية جماعية تقتضي تعبئة وتضافر جهود كل من الدولة، المجتمع المدني، القطاع الخاص، الأفراد، من أجل ضمان بيئة آمنة، تنمية مستدامة، وحياة أفضل

قائمة المراجع

أولا: باللغة العربية

  1. القواميس والمعجم
  2. سعد الله، عمر، 2008، معجم في القانون الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
  3. قنديل، أماني، 2008، الموسوعة العربية للمجتمع المدني، مكتبة الأسيرة، القاهرة. 
  4. الكتب.
  5. بن عنتر، عبد النور، 2005، البعد المتوسطي للأمن الجزائري، الجزائر، أوروبا والحلف الأطلسي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر.
  6. توشار، جان وآخرون، 1983، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة: مقلد علي، الدار العالمية للطباعة والنشر، بيروت. 
  7. حجاب، محمد منير، 1999، التلوث وحماية البيئة، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة.
  8. دي توكفيل، ألكسيس، 1991، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة: أمين قنديل، عالم الكتب، القاهرة.
  9. الرفاعي، محب محمود كامل، ماهر إسماعيل صبري محمد، 2004، التربية البيئية من أجل بيئة أفضل، المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، القاهرة.
  10. الصبيحي، أحمد شكر،2000، مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
  11. اللجنة العالميةَ للبيئة والتنمية، 1989، مستقبلنا المشترك، ترجمة: عارف محمد كامل، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
  12. محمود، سمير، 2008، الإعلام العلمي، دار الفجر، القاهرة.
  13. المغيربي، محمد زاهي، 1995، المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في ليبيا، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، القاهرة.
  14.  المقالات والدوريات.
  15. بلقرمي، سهام، 2006،"تجربة الجزائر في حماية البيئة"، مجلة العلوم الإنسانية، العدد 29.
  16. الجابري، محمد عابد، 1993، "إشكالية الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي"، مجلة المستقبل العربي، العدد 167.
  17. جابي، عبد الناصر، 2007، "العلاقات بين البرلمان والمجتمع المدني في الجزائر، الواقع والآفاق"، مجلة الفكر البرلماني، العدد 15.
  18. رزيق، كمال، 2007، "دور الدولة في حماية البيئة"، مجلة الباحث، العدد 5.
  19. سالمي، سولاف، 2013، "وسائل تنشيط وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني في المغرب العربي"، مجلة الرائد المغاربي للدراسات السياسية والبحوث، العدد 1.
  20. مجاني، باديس، 2017، "دور الإعلام في نشر الوعي البيئي"، مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، العدد 30.
  21.  المذكرات والرسائل الجامعية.
  22. أهناني، فاروق، 2015، " دور المجتمع المدني في حماية البيئة"، (مذكرة ماستر غير منشورة في العلوم السياسية)، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة ورقلة، ورقلة، الجزائر.
  23. بن يحي، سهام،2004، "الصحافة المكتوبة وتنمية الوعي البيئي في الجزائر"، (مذكرة ماجستير غير منشورة في علم الاجتماع والتنمية)، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قسنطينة، قسنطينة، الجزائر.
  24. صباح، حواس، 2014، "المجتمع المدني وحماية البيئة في الجزائر: واقع وآفاق"، (مذكرة ماجستير غير منشورة في القانون العام)، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة سطيف2، سطيف، الجزائر.
  25. قريد، سمير، (د. ت.ن)، "دور الجمعية الوطنية لحماية البيئة ومكافحة التلوث في نشر الثقافة البيئية"، (مذكرة الماجستير غير منشورة في علم الاجتماع)، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة عنابة، عنابة، الجزائر. 
  26. النصوص القانونية.
  27. القانون رقم 03/10المؤرخ في 19جويلية 2003المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، الجريدة الرسمية، عدد 43.

ثانيا: باللغة الأجنبية.

  • Chagnollaud, Dominique, 2010, Science politique, éléments de sociologie politique, Dalloz, Paris.
  • Illtson, William,1974, An introduction to Environmental psychology, New York.
  • Thieux, Laurence, 2009, " Le secteur associatif en Algérie : la difficile émergence d’un espace de contestation politique ", L’année du Maghreb.
  • " Etude sur le renfoncement du rôle de la société civile Maghrébine dans la mise en œuvre des pans et des passerelles ", http:///www.gm-unccd.org

 

 

@pour_citer_ce_document

سمير حمياز, «دور المجتمع المدني في هندسة ونشر الوعي البيئي في الجزائر»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 169-182,
Date Publication Sur Papier : 2021-06-30,
Date Pulication Electronique : 2021-06-30,
mis a jour le : 30/06/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8348.