مبادئ الفكر الاعتزالي في تفسير الكشّاف للزمخشري _مبدأ العدل أنموذجا _The principles of Mu'tazilites concept on the Al-Zamakhshari's exegesis "AL-Kashshaaf" -The principle of fairness as a model-
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 18-2021

مبادئ الفكر الاعتزالي في تفسير الكشّاف للزمخشري _مبدأ العدل أنموذجا _

The principles of Mu'tazilites concept on the Al-Zamakhshari's exegesis "AL-Kashshaaf" -The principle of fairness as a model-
ص ص 201-213
تاريخ الإرسال: 2020-01-07 تاريخ القبول: 2021-05-18

كمال قادري / صبرينة ماضي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يتناول هذا المقال بالشرح والتحليل مبادئ الفكر الاعتزالي في تفسير الكشّاف لـ "الزمخشري"، بالنظر إلى كونه أكثر من آمن بها إيمانا قاطعا،وأظهر من وظّفها من علماء الاعتزال. لأجل هذا، لا يمكن فهم رؤيته التأويلية، وإدراك مقاصده إلا من خلال معرفة الفكر الاعتزالي بأبعاده العقائدية، واستحضار آلياته التأويلية.وقد وقع اختيارنا على مبدأ العدل كنموذجللدراسة، وذلك في محاولة لمعرفة مدى تأثيره في توجيه دلالة الآيات القرآنية على الصعيد اللغوي والبلاغي والعقائدي. فكيف بنى "الزمخشري" منهجه التأويلي في ضوء مبادئ الفكر الاعتزالي؟ وما هي الآليات التي سخّرها لتطبيقها؟

الكلمات المفاتيح:مبادئ الفكر الاعتزالي، آليات التأويل، العدل، الزمخشري، الكّشاف

Cet article explique et analyse les principes de la pensée Mu'tazilitesdans l'exégèse du Al_Zamakhshari "EL-Kashshaf", qui est utilisé comme modèle étant donné qu'il était un fervent partisan des idées mu'tazilites et qu'il mettait en pratique une grande partie de ses principes. Pour cette raison, sa vision interprétative et la réalisation de ses buts ne peuvent être comprises qu'en à travers la connaissance de la pensée Mu'tazilites dans ses dimensions confessionnelles et en affichant ses mécanismes interprétatifs. En choisissant le principe de justice comme modèle dans l’étude, dans une tentative de déterminer l'étendue de son influence dans la direction de la signification des versets coraniques sur le plan linguistique, rhétorique et de la doctrine. Alors comment "Al-Zamakhshari" a-t-il construit son approche interprétative à la lumière des principes de la pensée Mu' tazilites ? Et quels sont les mécanismes qu'il a utilisés pour les mettre en pratique ?

Mots-clés : les principes de pensée Mutaziliteles mécanismes d’interprétation,la justice _Al_Zamakhshari, EL-Kashshaf.

This article deals with the explanation and analysis of the principles of Mu'tazila thought in the interpretation of Al-Kashaf for "Al-Zamakhshari", given that he was the strongest believer of the Mu'tazilites ideas and employed a great deal of its principles.For this reason,his interpretations can be thoroughly understood only through knowing the Mu'tazilites philosophy and principles in its doctrinal dimensions and displaying its hermeneutic mechanisms, by choosing the principle of fairness as a model in this study in order to demonstrate the extent of its influence on the interpretation of the Quran verses on the linguistic, rhetorical and doctrinal levels. So, how did Al-Zamakhshari develop his method of interpretation in the light of the Mu'tazilites thought?  what mechanisms did he employ to implement them?"

Keywords:The principlesof Mu'tazilitesconcept,interpretive mechanisms fairness Al-ZamakhshariAl-Kashsha

Quelques mots à propos de :  كمال قادري

قسم اللغة والأدب العربي _ المركز الجامعي _ بريكة،kamal-kadri@hotmail.fr

Quelques mots à propos de :  صبرينة ماضي

[1]، قسم اللغة والأدب العربي_ جامعة سطيف 2، madisabrina2017@gmail.com
[1]المؤلف المراسل

1.                       مقدمة

لكلّ مجال علمي منهجٌ يتناسب مع طبيعة مادته، يتمّ البحث في إطاره عن حقائقها للوصول إلى تحقيق أهداف معيّنة، وللتفسير منهجه الخاص الذي يميّزه عن باقي العلوم. ولأنّ التفسير بطبيعته عملية قابلة للتنوّع والاختلاف، تتعدّد مناهج التفسير بتعدّد اتجاهات المفسرين، وتنوّع ثقافتهم واختلاف مدارسهم، إلا أنّ التفسير ينقسم إلى قسمين أساسيين، هما: التفسير بالأثر، والتفسير بالرأي.

وقد أخذت التفاسير بالرأي تتلوّن بثقافة المفسّرين وتوجّههم الفكري،وانتمائهم المذهبي؛ حيث انشغل العديد منهم باستثمار ما برعوا فيه من علوم، أو عرض ما مالوا إليه من مبادئ مذهبهم، أو قضايا معتقدهم. لأجل هذا، بدت في مؤلفاتهم   _ على وفرتها _ أفكار التشيّع والاعتزال والتّصوّف. 

ولكلّ مذهب مبادئ وثوابت فكرية ومنطلقات معرفية يستند إليها في بناء تصوّراته الكلية، وتوجيه آرائه،ورسم أهدافه وضبط نشاطاته العلمية. والمعتزلة لا تخرج عن هذا النهج؛ إذ تشكَّل فكرها على أسس نظرية وأصول منهجية ذات صبغة دينية؛ تعدّ بمثابة دعائم أساسية لقيام الفكر الاعتزالي.

ويتناول بحثنا بالوصف والتحليل الأصل الثاني من أصول الفكر الاعتزالي؛ ويتمثّل في مبدأ العدل، في محاولة لمعرفة مدى تأثيره في توجيه دلالة الآيات القرآنية؛ وذلك في تفسير "الكشّاف" لـ "الزمخشري" بالنظر إلى كونه أكثر من آمن به إيمانا قاطعا، وأظهر من وظّفه من علماء الاعتزال. 

والجدير بالذكر، أنّ هذا الموضوع قد نال اهتمام العديد من الباحثين، نذكر منهم على سبيل المثال: "صالح بن غرم الله الغامدي"، في كتابه "المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للزمخشري"، و"مهند حسن حمد الجبالي" في كتابه "أثر الاعتزال في توجيهات الزمخشري اللغوية والنحوية في الكشّاف"، و"عبد الرحمن حيسي"، في كتابه "الأثر المذهبي للمعتزلة في التفسير"، والملاحظ تركيزها على قضايا العقيدة أكثر من أي شيءآخر.

وتأسيساعلى ما سبق ذكره، ارتأينا من خلال هذا البحث أن نكشف عن الصلةالتي تربط أصول الفكر الاعتزالي بتأويل القرآن الكريم عند"  "الزمخشري". فما هي أصول بيئته الفكرية؟ وكيف أثّرت في تفسيره؟ وما هي الآليات المنهجية التي اتّبعها في سبيل تطبيقها؟ هذا ما نحاول معرفته من خلال العناصر الآتي ذكرها:

أولا:" الزمخشري": بيئته الفكرية ومكانته العلمية.

ثانيا:أصول الفكر الاعتزالي وأثرها في "الكشّاف".

ثالثا: آليات تطبيق أصول الاعتزال عند "الزمخشري".

2.       الزمخشري: بيئته الفكرية ومكانته العلمية  

يعدّ "الزمخشري" (ت 538ه) من أشهر علماء التفسير الذين أثْرَوا المكتبة الإسلامية بواحد من أعظم التفاسير القرآنية وقد أسهبت كتب التراجم في الحديث عن حياته نظرا لشهرته وذيوعصيته، بل من البحوث ما أفردته بترجمته مستقلة،نذكر منها على سبيل المثال: كتاب "الزمخشري"، لـ" أحمد محمد الحوفي"، و"الزمخشري أديبا" لـ"محمد حسن إبراهيم"، و"الزمخشري لغويا ومفسّرا" لـ"مرتضي آية الله زاده الشيرازي".لأجل هذا سنكتفي بعرض أهمّ الجوانب التي ساهمت في تكوينه العلمي، انتقالا إلى كشف بعض ملامح بيئته الفكرية.

1.2     البيئة الفكرية للزمخشري

ولد «أبوالقاسم محمود بن عمر بن محمدبن عمر الخوارزمي الزمخشريسنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر،وتوفي ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة بجرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة_ رحمه الله_». (ابن خلكان، 1977، ج 5، ص168، 173)،وقد سخّر حياته لطلب العلم والإقبال على روافده بهمّة عالية،وإخلاص متناهنوطموح كبير للرقي بنفسه ومنزلته.

فانصرف للتأليف والتصنيف، فجادت قريحته بتراث علمي مجيد،خلّد اسمه في تاريخ الفكر العربي؛ تراث في منتهى الثراء والإبداع والتنوّع، حيث بلغت كتبه قرابة الخمسين مؤلَّفا ويعدّ "الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" من أكثرها أهمية وشهرة؛ حتى أنّه أنشد في مدحه قائلا: (الزمخشري أ.، 2008، ص 396، 397)

إنَّ التَفـــَـــاسِيرِ في الدُنيــَـا بِلا عَددٍ

                               وَلَيسَ فِيــــــها لَعَمرِي مِثلَ كَشَّـــــافِي

إنْ كُنتَ تبَغِي الهُدَى فَالزَمْ قِرَاءَتـَـُه

                           فَالجَهلُ كَالداءِ والكَشّافُ كَالشَـــافِي

وقد كانت بيئة خوارزم «تعج بألوان متعدّدة من الثقافات والأفكار الدينية، وكانت مرتعا لنقاشات أهل الفرق وساحة تدور فيها مناظراتهم وحواراتهم حول العقيدة وأصول الدين». (الدومي، 2004، ص 35)، وعُرِف عنها أنّها: «كانت تموج بالاعتزال، وكانت معقلا للمعتزلة حتى لَينْدُر أن يوجد خوارزمي غير معتزلي». (الغامدي، 1998، ج 1، ص 22)

ولا شكّ أنّ لهذه البيئة بمعالمها الفكرية والثقافية انعكاسها الجلي على شخصية "الزمخشري"؛ حيث تُعلِمنا المصادر التاريخية بانتمائه للعقيدة الاعتزالية،ودفاعه عنها دفاع المؤمن بها في كثير من كتبه ولاسيما "الكشَّاف". ذكر     "ابن خلكان" 681ه):«كان"الزمخشري" معتزلي الاعتقاد متظاهرا باعتزاله، حتى نُقِلَ عنه أنَّه كان إذا قصد صاحبا له واستأذنفي الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قُل له: أبو القاسم المعتزلي بالباب». (ابن خلكان، 1977، ج 5، ص170). يتّضح من خلال هذا القول، شدّة تمسّك            "الزمخشري" بمذهبه الكلامي ومجاهرته به.

2.2المكانة العلمية للزمخشري

يعدّ "الزمخشري" من أكثر الشخصيات بروزا وتميّزا في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، وذلك في ضوء ما قدّمه من جهود علمية عظيمة _تنظيرا وتطبيقا_ على تعددّها وتشعّب مناحيها من لغوية ونحوية وبلاغية وتفسيرية وأدبية وغيرها. لأجل ذلك فقد أثنى عليه العلماء وأشادوا بفضله، فهو كما وصفه "ياقوت الحموي" 626ه): «كان إماما في التفسير والنحو واللغة والأدب، واسع العلم،كبير الفضل،متفنّنا في علوم شتّى». (الحموي الرومي، 1993، ج 1، ص 2687، 2688)، وقال عنه "ابن خلكان": «كان إمام عصره مِن غير مدافعٍ تُشدُّ إليه الرحال في فنونه».(ابن خلكان، 1977، ج 5، ص 168). بناء على ما تمّ ذكره، ندرك أنّنا أمام شخصية عبقرية حفلت بحياة علمية خصبة حيوية، ما أهّلها لنيل مكانةًعالية،ومنزلةجليلة بين أبناء زمانها.

 

3.       أصول الفكر الاعتزالي وأثرها في تفسير               " الكشّاف"

من الثابت تاريخيا، أنّ الجهود التفسيرية عند المعتزلة قد ضاعَ أكثرُها واندثر، كما تعلمنا بذلك جلّ مصادر التراجم كـ "طبقات المفسرين" لـ "السيوطي" 911ه)و"طبقات المفسرين" لـتلميذه " الداودي " 945ه)، وغيرها من الكتب التي عُنيت بهذا الشأن، فمن الواضح انتقال هذه المعطيات النظرية الاعتزالية إلى كتب التفسير.

ومن أشهر مفسري المعتزلة، نذكر: عبد الرحمن بن كيسان الأصم، ومحمد بن عبد الوهاب بن سلام، وأبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي، وأبو الحسن علي بن عيسى الرماني وغيرهم. ولم يصلنا من تفاسير هذه الفرقة الكلامية إلا هذه المصنّفات الثلاثة: تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبّار، وأمالي الشريف الرضي، والكشّاف للزمخشري. (الذهبي، د_ت، ج 1، ص 275_ 277). ويهمّنا منها هذا الأخير؛ «ذلك أنّه الأثر التفسيري الكامل والوحيد الذي بقي من هذا التراث الهائل». (الصاوي الجويني، 1968، ص 75)

ولأنّه لا يمكن فهم الرؤية التأويلية لـ "الزمخشري" فهما دقيقا وإدراك مقاصده في معالجته الدلالات القرآنية إلا في ضوء معرفة العقيدة الاعتزالية بأبعادها الفلسفية، واستحضار أصولها المذهبية التي تحدّد منهج بحثها. نعمد إلى التعريف بالمعتزلة والكشف عن أهمّ أسسها الفكرية في محاولة لمعرفة كيف وظّفها "الزمخشري" في تفسيره.

1.3تعريف المعتزلة

إذا ما جئنا إلى محاولة تعريف المعتزلة وكشف أصولها ألفينا اختلافا كبيرا في الآراء والأقوال بين الباحثين قديما وحديثا هذا الاختلاف صحبه تعدّد الروايات،وكثرة المناقشات. وعليه سنعمد إلى تتبّع هذه المعطيات المعرفية بإيجاز، مع الحرص على الأخذ بالرأي الأكثر شيوعا وتداولا. 

3_1_1في اللغة:                   

 المعتزلة كلمة مأخوذة من المادة اللغوية (عزل) يقول "ابن منظور" 711ه) في بيان دلالتها: «عزل الشيء يعزله عزلا وعزَّله فاعتزل وانعزل وتعزّل: نحاه جانبا فتنحّى». (ابن منظور، 1993، ج 11،  ص440).نفهم في ضوء هذه الاشتقاقات ودلالاتها، أنّ الاعتزال لا يخرج عن دائرة الانفصال والانفراد والتنحي والابتعاد والمفارقة. فهل يدعم المعنى الاصطلاحي هذه الدلالات ويوافقها؟ وبعبارة أخرى بماذا انفردتالمعتزلة؟ وعمّ انفصلت؟ هذا ما نحاول معرفته من خلال العنوان الآتي ذكره: 

3_1_2فيالاصطلاح

يُورد "الشريف الجرجاني" 816ه) تعريفا موجزا للمعتزلة بقوله إنّهم: «أصحاب واصل بن عطاء الغزال اعتزل عن مجلس الحسن البصري». (الجرجاني ا.، 1985، ص 238). المُلاحظ أنّ هذا التعريف يخدم المعنى اللغوي ويؤيّده بشكل جليّ؛ فالمعتزلة فرقة انفصلت عن حلقة "الحسن البصري" وتفرّدت عن غيرها من الفرق بأصولها ومبادئها وأدلتها، وذلك بسبب الخلاف في الحكم على مرتكب الكبيرة.

وهو قول أغلب المؤرخين أمثال "محمد بن عبد الكريم الشهرستاني" 547ه) الذي يرى أنّ: «المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء الغزال لمّا اعتزل مجلس الحسن البصري، يُقرِّر أنَّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ويثبت المنزلة بين المنزلتين فطرده. فاعتزله وتبعه جماعة سُموا بالمعتزلة». (الشهرستاني، 1992، ج 1، ص 38).

نفهم في ضوء هذه التعاريف، أنّ أصحابها يرتكزون في اصطلاح المعتزلة على اعتبارات عديدة أهمّها: مؤسس الفرقة والحادثة التاريخية،والمسألة الكلامية التي كانت سببا مباشرا في نشأتها.

2.3 الأسس الفكرية للمعتزلة

تشكَّل الفكر الاعتزالي على أسس نظرية وأصول منهجية ذات صبغة دينية. وقد حصرها علماء المعتزلة في خمسة أصول يشتركون فيها، حتى لا يعدّ معتزليّا _ كما يرى "الخيّاط"_ من لا يجمع القول بها. يقول: «وليس يستحقّ أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة التوحيد والعدل والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كملت في الإنسان هذه الخصال، فهو معتزلي». (الخيّاط المعتزلي، 1993، ص 126، 127)

وهذه الأصول وإن كان عددها خمسة، فإنّ أهمّها مبدآ التوحيد والعدل، حتّى إنّ المعتزلة قد عُرِفوا بهما، فكانوا يُسمّون أهل العدل والتوحيد. من هنا، لا خلاف في كونهما المصدر الأول للفكر الاعتزالي، وقطب الرحى،والركن الركين الذي تدور حوله مسائله وقضاياه.

أمّا التوحيد؛ فهو الأصل الأول عند المعتزلة وجوهر مذهبهم، والركن الأول من أركان الإسلام،ويُراد به: «الإقرار بأنّ الله تعالى واحد، لا ثانيَ له في القدم والإلهية،وهو من جملة التوحيد، ولا شريك له فيما يُثبت له، أو يُنفى عنه من الصفات مع اشتراط العلم والإقرار بهذه الوحدانية،وعدم المشاركة، ومن لم يحقّق هذين الشرطين فليس موحِّدا». (الضويحي، 1995، ص82). وقد شُغِل المعتزلة بالدفاع عن وحدانية الله تعالى والردّ على من خالفهم من الفرق الإسلامية من جهة، ومفارقة المذاهب المنحرفة من جهة أخرى.

وأمّا العدل؛ فهو الأصل الثاني الذي يقوم عليه مذهب المعتزلة، وهو من حيث الترتيب والأهمية يلي مباشرة أصل التوحيد نظرا لـ «أنّ البحث في العدل عند المعتزلة بحث في أفعاله تعالى، والتوحيد بحث في ذاته سبحانه وصفاته،والكلام في أفعاله يأتي بعد إثباته تعالى وإثبات                صفاته». (خثيري، 2015، ص 146)

وعليه، لا تعدو أن تكون الأصول الثلاثة الأخيرة إلا انعكاسا لما يحمله مبدأ العدل من مفاهيم وأفكار. فالوعد والوعيد؛ مفاده: «أنّ الله يجازي من أحسن بالإحسان ومن أساء بالسوء، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة ما لم يتب، ولا يُقبَل في أهل الكبائر شفاعة، ولا يخرج أحدمنهم من النار». (الجبالي، 2001، ص 12)

وأمّا المنزلة بين المنزلتين؛ فمضمونه: «أنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ويثبت له المنزلة بين المنزلتين. وأمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهو مبدأ مقررعندهم وواجب على المسلمين لنشر الدعوة الإسلامية،وهداية الضالين وإرشاد الغاوين، ولكنّهم بالغوا في هذا الأصل، وخالفوا ما عليه الجمهور».(الجبالي، 2001، ص12)

وجدير بالذكر، أنّ معظم هذه الأصول تتداخل مع ما ذهبت إليه الفرق الكلامية الأخرى من حيث التسمية،وتتوافق معهم من حيث الاصطلاح، إلا أنّها عارضتها في التصوّرات وخالفتها في المقاصد.

وفيما سيأتي ذكره، نحاول بيان مفهوم العدل لغة واصطلاحا – بعدّهأنموذجا للدراسة_ والإلمام بقواعده وحججه والوقوف على الآليات المنهجية التي اتّبعها                "الزمخشري" في سبيل تطبيق مسائله.

أ_ العدل في أصل اللغة 

العدل في اللغة: «ضدالجور، وما قام في النفوس أنّه مستقيم، عدل يعدل فهو عادل من عدول، وعدّل الحكم تعديلا أقامه، وعدَله يعدِله وعادله وازنه».  (أبادي، 1980، ج 4، ص13). هذه هي مختلف الاشتقاقات اللغوية والدلالات السياقية كما تناولها "الفيروز أبادي" في قاموسه، فإذا كان العدل _لغة_ نقيض الظلم والجور، فما هو تعريفه الاصطلاحي؟

ب_ العدل في اصطلاح المعتزلة 

يُلخِّص " القاضي عبد الجبّار" 415ه) مبدأ العدل بقوله: «وأمّا علوم العدل فهو أن يعلم أنّ أفعال الله كلها حسنة وأنّه لا يفعل القبيح، ولا يخلّ بما هو واجب عليه، وأنّه لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه...». (القاضي ع.، 1996، ص133)، وقد اتّفق جميع المسلمين على أنّ الله         _سبحانه_ عادل في حكمه، إلا أنّ المعتزلة بالغوا في مناقشة هذا الأصل وتعسّفوا في تأويله.

ج_ الخصائص الاعتزالية للعدل

للمعتزلة تصوّرات عقلية أكثر تعقيدا حول مفهوم العدل؛ لأجل ذلك جاء مشتملا على جملة من الخصائص الاعتزالية وخلاصتها أنّ: «الإنسان هو خالق أفعاله، وله عليها سلطة وإرادة، وهو حرّ مختار. وهذه الحرية هي التي تجعل عدلا من الإله أن يعاقبه إذا أخطأ، ويُثيبه إذا أحسن ولولا هذه الحرية لبطُل التكليف، ولفقدالثواب والعقاب أي      معنى». (قصّاب، 1985، ص 21)

بهذا، يتّضح أنّ العدل عند المعتزلة صفة من صفات الله تعالى تُنزِّهه عن الظلم والجور، وانسجاما مع هذا التصوّر قالوا بحرية العبد وقدرته على خلق أفعاله خيرها وشرّها وعليها يترتّب ثوابه أو عقابه.

د_ المسائل الكلامية للعدل

تفرّع عن هذا المبدأ مسائل عديدة، مثل: اللطف الإلهي ونفي القدر، والتولّد، وخلق أفعال العباد، والحسن والقبح العقليان، والصلاح والأصلح. وسنكتفي في هذا المقام بشرح أهمّها، مع توضيح كيف وظّفها "الزمخشري" في كتابه وذلك على النحو الآتي:

1_ مسألة حرية أفعال الإنسان

شكّل التساؤل: هل الإنسان مُجبر على أفعاله من الله تعالى أم لا؟ نقطة مهمّة في مسألة العدل الإلهي عند المعتزلة وقد أوضح "القاضي عبد الجبار" ما أجمع عليه المعتزلة في هذا الأصل بقوله: «اتّفق كلّ أهل العدل على أنّ أفعال العباد من تصرّفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم؛ وأنّ الله _جلّ وعزّ_ أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا مُحدِث سواهم، وأنّ من قال إنّ الله _سبحانه_ خالقها ومحدثها فقد عظُم خطؤُه». (القاضي ع.، 1965، ج 8، ص 3).

من خلال ما تقدّم ذكره، يتبيّن لنا أنّ المعتزلة قد أنكروا بإجماع خلق الله تعالى لأفعال عباده، وذهبوا إلى القول بمسؤوليتهم عنها مسؤولية تامة، وبأنّ لقدرة الله حدودا تقف عندها ولا تتجاوزها إلى ما بعدها.

وقد استدلّوا على تقرير حرية الإنسان في أفعاله الاختيارية بأدلة نقلية كثيرة، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا﴾ (الكهف: 29)، فإذا تعارضت الآيات القرآنية مع هذا الموقف اضطروا للتأويل العقلي. وقد طعن أئمة الإسلام فيما ذهب إليه أهل الاعتزال. يقول"ابن تيمية" موضّحا ردّهم على هذه المسألة: «وأمّا سائر أهل السنّة فيقولون: إنّ أفعال العباد فعل لهم حقيقة...، وإنّها مخلوقة لله ومفعولة له، ليست هي نفس فعله وخلقه الذي هو صفته القائمة به». (ابن تيمية، 1986، ج 1، ص 459، 460)

انطلاقا من هذا القول، يتّضح أنّ موقف أهل السنّة مخالف تماما لموقف المعتزلة؛ فهم يعتقدون أنّ أفعال العباد أفعال لهم حقيقة ولكنّها مخلوقة لله تعالى، وأنّ مشيئتهم فيما يفعلونه تابعة لمشيئة الله تعالى، فما يشاؤون إلا أن يشاء الله وما يفعلون إلا أن يشاء الله.

وأورد "الزمخشري" في تفسيره قوله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ(النحل: 9) ما يوافق معتقد المعتزلة القائم على نفي الجور والظلم عن الذات الإلهية، يقول: «ومنكم جائر جار عن القصد بسوء اختياره والله بريء منه﴿وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَقصرا وإلجاء». (الزمخشري أ.، 2015،ج 2، ص 573). يرى " الزمخشري" أنّ ضلال العبد وانحرافه عن طريق الحقّ التي شرّعها الله تعالى من سوء فعله واختياره، وذهب إلى تأويل الهداية بالقسر والإلجاء.

يقول "ابن المنير الإسكندري" معقّبا على تأويل           "الزمخشري" لهذه الآية: «قولهولو شاء لهداكم أجمعين قسرا إلجاء؛ هذا عند المعتزلة. أمّا عند اهل السنّة، فإنّه لو شاء لهدى الكلّ اختيارا، وذلك أنّ المعتزلة أوجبوا على الله الصلاح، وهداية الكلّ صلاح؛ فظاهر الآية يخالف مذهبهم...». (الإسكندري، 2015،ج 2، ص 573)

نفهم من قوله، أنّ الهدى ليس حاصلا لجميع العباد فمنهم من هداه الله؛ بمعنى وفّقه لذلك بفضله ورحمته ومنهم من أضله فلم يوفِّقه بعدله وحكمته، ويشير إلى أنّ القول بوجوب فعل الأصلح على الله تعالى هو الذي قاد المعتزلة لمخالفة أهل السنة في ذلك.  فما مفهوم هذه المسألة عندهم؟

2_مسألة الصلاح والأصلح

يقول المعتزلة بوجوب فعل الأصلح على الله تعالى ورعاية شؤون عباده، لأنّه من مقتضى عدله تعالى ورحمته وحكمته، أن لايفعل إلا ما هو صالح وخير لهم، وإلا كان ظالما لهم، «فإذا كلّف أحدا من عباده بتكليف فامتثله، لابدّ من أن يُثيبه على ذلك، وإذا أصاب عبدا من عبيده بأذى، لا بدّ أن يجعل ذلك محقّقا لصلاحه ومنفعته، وإلا كان مخلّا بواجبه،وهذا قبح في التكليف». (الضويحي، 1995، ص 111)

وقد أقر أهل السنةبوجود المصلحة في أوامر الله تعالى ونواهيه، ولكن على غير ما قال به المعتزلة، يقول       "ابن تيمية": «وذهبجمهور العلماء إلى أنّه إنّما أمر العباد بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم، وأن فعل المأمور به مصلحة عامة لمن فعله وأن إرساله الرسل مصلحة عامة وهكذا سائر ما يقدّره الله تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة، وإن كان في ضمن ذلك ضرر لبعض النّاس، فللّه في ذلك حكمة أخرى». (ابن تيمية، 1986،ج 1، ص 462، 463)

نستنتج أنّ القول بوجود المصلحة على الله تعالى عند أهل السنّة جاء من باب فضله _تعالى_ وإحسانه على عباده، لا من باب ما أوجبه غيره عليه.ولارتباط حرية الإرادة الإنسانية بمسألة الصلاح والأصلح نعود للآية السابقة، لنتبيّن كيف أخضعها "الزمخشري" لفكره الاعتزالي الذي أوجب على الله تعالى الصلاح من خلال هداية الكلّ.

يقول في تفسيره قوله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِين(النحل: 9):«ويعنى قوله: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِأنّ هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه كقوله: ﴿إِنَّعَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ﴾ (الليل: 12. (الزمخشري أ.، 2015، ج 2، ص 572)

يبدو أنّ " الزمخشري " من خلال استشهاده بقوله تعالى:﴿إِنَّعَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ﴾ (الليل: 12)، قد قيّد معنى (الهدى) إلى الصراط المستقيم بالدلالة والإرشاد فقط، وهو معنى عام ثمّ أوجب ذلك على الله تعالى، وهذا التأويل ينسجم مع مقتضى أصل العدل عند المعتزلة، ويتعارض مع مذهب أئمة الشرع.  

3_ الحسن والقبح العقليان

أسّس المعتزلة تصوّرهم للعدل الإلهي على تساؤل مهم هو: هل يستطيع العقل أن يستقلّ بإدراك الأفعال الحسنة أو القبيحة وحده؟ أم لا بدّ من ورود الشارع ليعلمنا بالحسن والقبيح ويُعيّنه للعقل؟ ويُعرّف "القاضي عبد الجبّار" الفعل الحسن بأنّه: «ما يوجد مختصّا لغرض وتنتفي وجوه القبح عنه ومن حقّه إذا علمه القادر عليه أن يقع». (القاضي ع.، 1965، ج 17، ص 247)

وفي المقابل عرّف الفعل القبيح بقوله: «هو ما يقع على وجه يقتضي في فاعله قبل أن يفعله أنّه ليس في فعله   ،إذا علم حاله، وعند فعله يستحق الذّم، إذا لم يكن يمنع». (القاضي ع.، 1965،ج 17، ص 247). بناء عليه يذهب المعتزلة إلى أنّ أفعال الله تعالى كلّها حسنة، ولأنّ الظلم والفساد من القبائح؛ فإنّه لا يجوز أن يكون من الله تعالى.

وأمّا أهل السنّة، فـ «متّفقون على أنّ الله تعالى لا يقاس بخلقه في أفعاله،كما لا يقاس بهم في ذاته وصفاته،فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته،ولا في أفعاله،وليس ما وجب على أحدنا وجب مثله على الله تعالى، ولا ما حَرُم على أحدنا حَرُم مثله على الله تعالى، ولا ما قَبُح منا قَبُح من الله،ولا ما حَسُن من الله تعالى حَسُن من أحدنا، وليس لأحد منا أن يوجب على الله تعالى شيئا،ولا يحرّم عليه شيئا،فهذا أصل قولهم الذي اتّفقوا عليه». (ابن تيمية، 1986،ج 1، ص 447، 448)

وقد بنى "الزمخشري" تفسيره لقوله تعالى: ﴿زُيِّنَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَيَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ(البقرة: 212) على فكره الاعتزالي القائم على تنزيه الذات الإلهية عن كلّ فعل قبيح، حيث أسند التزيين إلى الشيطان. يقول: «المزيّن هو الشيطان، زيّن لهم الدنيا وحسنها في أعينهم بوساوسه،وحبّبها إليهم فلا يريدون غيرها. ويحوز أن يكون الله قد زيّنها لهم بأن خذلهم حتى استحسنوها وأحبّوها، أو جعل إمهال المزيّن له تزيينا». (الزمخشري أ.، 2015، ج 1، ص 252)،نفهم من هذا، أنّه ينفي أن يكون الله هو المزيِّن؛ لأنّه فعل قبيح لا يجوز عليه تعالى، وهذا يتعارض مع ظاهر الآية.  

ويُعقّب "ابن المنير الإسكندري" على ذلك بقوله: «وردت إضافة التزيين إلى الله تعالى وإضافته إلى غيره في مواضع من الكتاب العزيز،وهذه الآية تحتمل الوجهين، لكن الإضافة إلى قدرة الله تعالى حقيقة، والإضافة إلى غيره مجاز،على قواعد السنة. و"الزمخشري" يعمل على عكس هذا، فإن أضاف لله فعلا من أفعاله إلى قدرته جعله مجازا، وإن أضافه إلى بعض مخلوقاته جعله حقيقة. وسبب هذا هو التعكيس باتباعالهوى في القواعد الفاسدة». (الإسكندري، 2015، ج 1، ص 252)

وعليه، فقد انتبه "أحمد بن منير" إلى طريقة                "الزمخشري" التي اعتمدها في تأويل الآية الكريمة وتوجيه دلالتها لتتوافق مع مبدأ العدل عند المعتزلة. ويدلّ تأويله قوله تعالى:﴿وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ(التوبة: 46) دلالة واضحة على أثر هذه المسألة الكلامية الاعتزالية.

حيث جعل معنى: «﴿فَثَبَّطَهُمۡفكسّلهم وخذلهم وضعّف رغبتهم في الانبعاث...، فإن قلتَ: كيف جاز أن يُوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهي قبيحة وتعالى الله عن إلهام القبيح، قلت: خروجهم كان مفسدة لقوله:﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالَافكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسنا ومصلحة»(الزمخشري أ.، 2015،ج 2، ص267)

والمُلاحظ أنّ تفسيره لهذه الآية الكريمة، مرتبط بمسألتين من المسائل التي أقرها المعتزلة في مبدأ العدل الإلهي ذكرهما "ابن منير الإسكندري" في تعقيبه على ذلك يقول: «وهذا الفصل في كلامه مبني على قاعدتين فاسدتين: إيجاب مراعاة المصالح على الله تعالى، والتحسين والتقبيح. وقد تكرّر بطلان ذلك فاحذره. واعلم أن معتقد أهل السنة أنّ الله تعالى ألقى كراهة الخروج في قلوبهم،لأنّه أراد شقاوتهم،وانضاف إلى ذلك إرادة راحة المخلصين من مرافقتهم؛ إذ الأمر ليس شرطا في نفوذ المشيئة، والله الموفّق». (الإسكندري، 2015، ج 2، ص267)

نفهم في ضوء ما سبق ذكره، أنّ لمبدأ العدل الاعتزالي أثرا جليا في توجيه الدلالة القرآنية في تفسير "الزمخشري" والتي تنبني على التنزيه المطلق للذات الإلهية عن كل مظاهر الظلم وفعل القبيح، وقد انتهج في بيان دلالته على الجدال الفلسفي والتعليل المستفيض، والتحليل المعمّق،والتأويل البعيد؛ والذي وصل لدرجة التكلّف والمغالاة، مخالفا بذلك كلّ رأي يتعارض مع فكره، مظهرا دقة لغوية، مع لجوئه إلى كلام العرب وأساليبهم في القول من جهة، والاستشهاد بالسياق القرآني من جهة أخرى للاستدلال على صحة رأيه وتفسيره.

بهذا، يتّضح أنّ تأويل "الزمخشري" للقرآن الكريم قائم على ما أقرّه الفكر الاعتزالي من مبادئ ومسائل كلامية،الأمر الذي أثار كثيرا من الدراسات والبحوث التي لا يمكن حصرها، «فمن مُميّز لاعتزال حاد فيه عن صوب الصواب، ومن مُناقش له فيما أتى به من وجوه الإعراب، ومن مُحشٍ وضّح ونقّح واستشكل وأجاب،ومن مُخرج لأحاديثه عزا وأسند وصحّح وانتقد، ومن مُختصر لخّص وأوجز». (حاجي خليفة، د_ت، ج 2، ص 1477)، وقد أحصى "كارل بروكلمان" أربعة وعشرين شرحا وتعليقا،وأحدعشر مختصرا وثلاثة ردود،من أشهرها نذكر: (بروكلمان، د_ت، ج 5، ص 223،224)

_ حاشية "الانتصاف من الكشّاف"، للإمام "أحمد بنالمنير الاسكندري المالكي" 683ه).

_ حاشية "العلامة قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي" (ت 710ه).

 _ فتوح الغيب في الكشف عن قناع الغيب لـ"الحسن بن محمد الطيبي" 743ه).

_ حاشية "الإنصاف على الكشّاف" لـ"ولي الدين أحمد بن زين الدين العراقي"826ه).

ولاشكّ أنّ هذا أكبر برهان على ضخامة الحركة التأليفية التي أثارها " الكشّاف" حوله.".

4.       آليات تطبيق أصول الاعتزال عند "الزمخشري"

بعد أن تعرّفنا على مبادئ الفكر الاعتزالي، بدا جليّا مدى التزام "الزمخشري" وتمسّكه بها، وكان من البديهي أن يُوظّف -تطبيقا له ودفاعا عن معتقداته، وإثباتا لصحة دلائله وضمانا لمصداقية نتائجه- جملة من الآليات المنهجية والأدوات الإجرائية الكفيلة بتمثيل هذه الأصول وممارستها والتي يعدّ التأويل من أهمّها.

بل هو: «ضرورة لا بدّ منها، بل هو ممّا يجب وجوبا حين يُخالف النص أدلة العقول،ومبادئ الاعتزال. وما أكثر ما استخدم المعتزلة في كلامهم أمثال هذه العبارة الصارمة القاطعة: (إذا ورد عن الله تعالى كلام ظاهره يخالف ما دلّت عليه أدلة العقول وجب صرفه عن ظاهره _ إن كان له       ظاهر_ وحمله على ما يُوافق الأدلة العقلية ويُطابقها)». (قصّاب، 1985، ص436). فما هو التأويل في اللغة والاصطلاح؟

4_1التأويل في اللغة والاصطلاح

كثيرا ما يرد مصطلح التفسير مقترنا بمصطلح التأويل بل لا يكاد يخلو مصنّف من الكلام فيهما مع التفاوت في معالجتهما، هذا ما نلحظه من خلال إيراد التعريف اللغوي والاصطلاحي.

4_1_1في اللغة

تناول "ابن منظور" الدلالة المعجمية للفظ (التأويل) ضمنالمادة اللغوية (أول)، وهذا ما سنحاول تتبّعه من خلال تفقّد أهمّ استعمالاتها على النحو الآتي ذكره: «الأَوْلُ: الرجوع. آل الشيءُ يَؤُول أَولاً ومآلاً: رَجَع، وأَوَّلَ الكلامَ وتَأَوَّله: دَبَّره وقدَّره وأَوَّله وتَأَوَّله: فَسَّره». (ابن منظور، 1993، ج 11، ص32، 33)

نفهم في ضوء هذا الاستعمال اللغوي، أنّ الدلالات متقاربة رغم اختلاف الاشتقاقات، بهذا يتلخّص (التأويل) في كونه إرجاع الشيء إلى أصله،وردّه إلى غايته، كما يُلاحظ اقترانه بلفظ (التفسير) هذا ما يثبت علاقة التلازم بينهما.

4_1_2في الاصطلاح

شغل مصطلح التأويل اهتمام العديد من الباحثين قديما وحديثا، وفي حقول معرفية مختلفة كعلم التفسير وعلم الأصول،وعلم الكلام والفلسفة وغيرها، فذهبوا في بيان معناه مذاهب شتّى، فلكلّ مذهب اصطلاح خاص به يوظّفه حسب ما يخدم توجّهه ومنهج عمله. ولأنّ المقام لا يسمح بذكرها جميعا نكتفي بذكر أشهرها. 

ذهب المتقدّمون إلى أنّ التأويل هو: «تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالفه». (الخالدي، 1996، ص 34) وعليه، فالتأويل والتفسير مترادفان. وعرّفه بعضهم بأنّه: «نفس المراد بالكلام فإن كان المراد طلبا كان تأويله نفس الفعل المطلوب، وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبَر به». (الخالدي، 1996، ص 34). وعليه، فالتأويل والتفسير متباينان. أمّا عند المتأخرين؛ فالتأويل هو: «صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا بالكتاب والسنّة». (الجرجاني ا.، 1985، ص 52)

يتّضح لنا في ضوء ما تقدّم من تعاريف، أنّ الاختلاف في تحديد معنى التأويل وأنواعه وشروطه صحبه اختلاف كبير في بيان الفرق بينه وبين مصطلح التفسير، حيث ظهرت اتجاهات متعدّدة سعت لضبط العلاقة بينهما، فتارة تجمع بينهما من باب المماثلة والمساواة، وتارة تفرّق بينهما من باب المقارنة والمخالفة.

وجدير بالذكر، أنّ هذه الاختلافات لا تنفي علاقة التلازم والتكامل بينهما، وذلك بالنظر إلى أنّ التعامل مع القرآن الكريم _كما يرى "صلاح عبد الفتاح الخالدي"_ يحتاج إلى عملية التفسير كمرحلة أولى ضرورية لفهم ما نزل به من آيات تتبعها عملية التأويل كمرحلة ثانية، إذ لابدّ للمفسّر من اعتماده على المصادر التفسيرية الصحيحة في البداية قبل الانتقال إلى مرحلة التأويل، والتي تعينه على حسن تأويل القرآن الكريم من خلال ملاحظة لطائفه، وتسجيل حقائقه،واستخراج دلالاته، فكلّ مؤوّل مفسر، وليس كلّ مفسرّ مؤولا. (الخالدي، 1996)

مثال ذلك، قوله تعالى: ﴿إِنَّرَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ﴾ (الفجر: 14)، فللآية الكريمة تفسير وتأويل، أمّا تفسيرها: «أنّ المرصاد من الرصد، يُقال رصدته: رَقَبته، وأمّا تأويلها: التحذير من التهاون بأمر الله، والغفلة عن الأُهبَة والاستعداد للعرض عليه». (السيوطي، 2008، ص 758)

ولا شكّ أنّ اختلاف المفسّرين في تأويل القرآن الكريم يقف وراءه الانتماء المذهبي والعقائدي، حيث راح عديد المفسّرين بالرأيّ يمارسون التأويل استنادا لمبادئ معتقدهم الأمر الذي ساهم بشكل كبير في اختلاف مناهج التفسير وتعدّد اتجاهات التأويل وتعاظم إشكالاته.

4_2آليات التأويل عند "الزمخشري"

اتّسم التأويل الاعتزالي عند "الزمخشري" وغيره من أهل الاعتزال بجملة من الضوابط، تعدّ المرتكزات الأساس في بيان دلالة النص وأحكامه ومقاصده، وتتمثّل في: العقل، واللغة والمحكم والمتشابه، والمجاز. يأتي بيانها على النحو الآتي:

4_2_1الاعتداد بالعقل  

يعدّ العقل الأساس الأول في التأويل الاعتزالي، إذ عليه يتوقّف فهم دلالة الآيات القرآنية، وقد حرص المعتزلة كلّ الحرص على الأخذ بهذا المبدأ، وتقديم أدلته على أدلة النقل إرساءً لأصولهم العقائدية،ودعما لآرائهم الفكرية، وفي ذلك يقول "القاضي عبد الجبّار": «وربّما تعجّب من هذا الترتيب بعضهم فيظن أنّ الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط. أو يظن أنّ العقل إذا كان يدلّ على أمور فهو مُؤخًّر وليس الأمر كذلك؛ لأنّ الله لم يخاطب إلا أهل العقل، ولأنّ به يُعرف أنّ الكتاب حجّة وكذلك السنة والإجماع فهو الأصل في هذا الباب»(البلخي، القاضي، و الجشمي، 1974، ص 139)

ومن الأسباب الداعية لقيام المنهج العقلي في الفكر الاعتزالي هو هدم عقائد الديانات الأخرى،ومفارقة المذاهب المنحرفة. لأجل ذلك، فـ «إنّ اعتماد المعتزلة على العقل كأحد الأسلحة الفكرية، إنّما كانت تمثّله ظروف تاريخية ضاغظة يقابلها طبيعة النصوص القرآنية التي قد تتناهى جدليتها مع العقل الإنساني الذي يخرج إلى فضاءات لم يطرقها الخطاب القرآني». (الحديدي، 2012، ص 366)

وللعقل مكانة عالية في تفسير " الكشّاف " وهذا ما يثبته تفسيره قوله تعالى: ﴿مَّنِٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا(الإسراء: 15)،حيث يقول: «فإن قلت: الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسل؛ لأنّ معهم أدلة العقل التي بها يُعرف الله وقد أغفلوا النظر وهم متمكّنون منه واستيجابهم العذاب لإغفالهما النظر فيما معهم وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف،والعمل  بها لا يصح إلا بعد الإيمان. قلت: بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة؛ لئلا يقولوا: كنّا غافلين، فلولا بعثت إلينا رسولا ينبّهنا على النظر في أدلة العقل». (الزمخشري أ.، 2015، ج 2، ص 628)

وقوله يتلاءم مع معتقد المعتزلة القائم على التحسين والتقبيح العقليين، حيث إنّهم يرون أنّ الإنسان قادر على معرفة الخير والشر باعتماد العقل. لأجل هذا فبعثة الرسل في اعتقادهم رحمة من الله تعالى، ولا يترتب على عدم إرسال الرسل الضلال لأنّ العقل أسبق من الشرع _ كما يزعمون _.

وقد تعقّب "ابن المنير الإسكندري" تأويل                  "الزمخشري" لهذه الآية قائلا: «وهذا السؤال أيضا إنّما يتوجّه على قَدَري يزعم أنّ العقل يرشد إلى وجوب النظر، وإلى كثير من أحكام الله تعالى، وإن لم يُبعث رسول، فيكلّف بعقله ويرتب على ترك امتثال التكليف استيجاب العذاب، إذا العقل كاف عندهم في إيجاب المعرفة بل في جميع الأحكام، بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. وأمّا السنّي، فلا يتوجّه عليه هذا السؤال، فإنّ العقل عنده شرط وجوب عموم الأحكام، ولا تكليف عنده قبل ورود الشرائع وبعد الأنبياء،وحينئذ يثبت الحكم وتقوم الحجة، كما أنبأت عنه هذه الآية التي يروم "الزمخشري" تحريفها فتعتاص عليه وتسدّ طرق الحيل بين يديه».(الإسكندري، ج2،2015، ص 628)

ولأنّ العقل يستدعي كثرةَ التدبّر، وطول التأمّل وبعد النظر وقوة الإدراك وعمق التحليل، اتّخذه "الزمخشري" أداة لتأويل النص القرآني، وآلية من آليات الكشف عن دقائق المعاني واستنباط حقائقها اللغوية وأسرارها البلاغية، وغوصه في مكنوناتها، مستعملا أسلوبا حواريا قائما على أساس السؤال والجواب.

والأمثلة على ذلك كثيرة، نختار منها: تفسيره قوله تعالى: ﴿إِنَّٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا(النساء: 56) يقول: «فإن قلت: كيف تعذّب مكان الجلود العاصية جلود لم تعصَ؟ قلت: العذاب للجملة الحسّاسة وهي التي عصت لا للجلد».(الزمخشري أ.، 2015، ج 1، ص 512)

نفهم في ضوء ما سبق ذكره، أنّ شدّة اعتداد                    " الزمخشري" بسلطةالعقلوتقديمهعلى سلطة الشرع وصلت إلى درجة المغالاة في بعض الأحيان، وفي هذا تأكيد على سيره على ما أقرّه الفكر الاعتزالي.

4_2_2التوسّع في استعمال اللغة

للغة أهمية كبيرة في تفاسير المعتزلة، فكثيرا ما يرجعون إليها في الاحتجاج لمذهبهم،وتثبيت عقائدهم، لأجل ذلك تعدّ الأساس الثاني من الأسس الضابطة للتأويل،وتتلخّص طريقتهم اللغوية في ذلك على: «صرف دلالات الألفاظ والتراكيب القرآنية المعارضة بظاهرها لأصول مذهبهم إلى المعاني التي يرتضونها والبحث في الاستعمالات اللغوية العربية عما يؤيّدها من الأدلة والشواهد». (حيسي، 2005، ص 227)

نفهم من هذا، أنّ المعتزلة قد عمدوا إلى التوسّع في استعمال اللغة في تأويلهم النص القرآني وذلك من خلال النظر في الوجوه الدلالية المحتملة للفظ القرآني، ثمّ اختيار الوجه الذي يتوافق مع مبادئهم، دون أن يغفلوا عن تدعيم صحة رأيهم بالشواهد اللغوية وفي طليعتها الشعرية. وقد عُرِف المعتزلة ببراعتهم في هذا المجال نظرا لانكبابهم على الدرس اللغوي وسعة اطّلاعهم على طرائق التعبير عند العرب وأساليبهم في القول،ووفرة محفوظهم؛ فـ «قد أقبلوا على روائع الكلم يحفظونه ويروُونه: إن قرآنا أو شعرا»(الصاوي الجويني، 1968، ص 71)

والجدير بالذكر، «أنّ المعتزلة لم يكن منهجهم لغويا مثل "ابن عباس "، وإنّما كان منهجا عقليا، وما اللغة فيه إلا لإثبات ما حكم به العقل، ثمّ إنّ حاجة المعتزلة إلى دعم التأويل العقلي بحجة اللغة وشاهدها دفعهم إلى العناية بالبحث اللغوي والبلاغي». (أبو زيد، 1986، ص 155)

وقد سخّر "الزمخشري" اللغة بمختلف جوانبها الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية نصرةً للفكر الاعتزالي ودعما لآرائه، وقد أهّله لهذا مقدرته اللغوية الفذّة وإلمامه الواسع بعلوم العربية؛ حيث نراه كثيرا ما يصرف دلالات الألفاظ والتراكيب القرآنية المخالفة بِظاهرها لهذه الأصول إلى الدلالات التي توافقها.

ولبيان ذلك، نسوق المثال الآتي ذكره: يقول في تفسيره دلالة (السيئة) في قوله تعالى: ﴿بَلَىٰۚمَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ‍َٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ(البقرة: 81): «﴿مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗيعني كبيرة من الكبائر». (الزمخشري أ.، 2015،ج 1، ص 159)

ويعقّب "ابن المنير الإسكندري" على ذلك بالقول: «قوله: "يعني كبيرة من الكبائر" فسّرها لتنطبق الآية على مذهب المعتزلة، وهو أنّ فاعل الكبيرة مخلّد في النار، ومذهب أهل السنّة أنّه لا يخلد فيها إلا الكافر. وفسّروا الخطيئة بالشرك». (الإسكندري، 2015، ج1،  ص159)

وفي هذا إشارة بيّنة إلى تأييده مبدأ العدل الذي يرى أنّ فاعل الكبيرة مُخلّد في النار في فكر المعتزلة _ كما وضّح     "ابن منير الإسكندري"_.

4_2_3ردّ المتشابه إلى المحكم

من ضوابط التأويل الاعتزالي ردّ المتشابه إلى المحكم عن طريق تحكيم العقل؛ حيث يجعل المعتزلة كلّ ما يوافق أصولهم في العدل والتوحيد محكما يدلّ بظاهره، وما خالفها متشابها وجب تأويله ليطابق المحكم. وللعلماء أقوال كثيرة في تعريف كليهما جمعها "السيوطي" في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" من بينها قولهم: «المحكم: ما عُرِف المراد منه إمّا بالظهور وإمّا بالتأويل والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه/ المحكم: ما وضَحَ معناه والمتشابه: نقيضه/ المحكم: مالا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا والمتشابه: ما احتمل أوجها». (السيوطي، 2008، ص 425)

وقد وصف القرآن الكريم آياته بأنّ بعضها محكم وبعضها متشابه في قوله تعالى: ﴿هُوَٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖوَمَايَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾           (آل عمران: 7).وممّا يُلاحظ على تناول المعتزلة لهذه القضية أنّ: «المتشابه ممّا يُعلم تأويله؛ لأنّه كسائر أوجه الخطاب القرآني قصد به منفعة المكلّفين، ولا يتحقّق هذا القصد إلا بمعرفة المراد به،كما أنّ الحكمة تقتضي ذلك، لاستحالة أن يُخاطب الله تعالى عباده بما لا يفهمونه، لأنّه تعالى منزّه عن العبث». (حيسي، 2005، ص 202)

وبهذا يتّضح أنّ التمييز بين المحكم والمتشابه من أساسيات التأويل عند المعتزلة رفعا لأي إشكال أو تعارض بين دلالة النصوص القرآنية ومبادئهم الكلامية. 

وقد التزم "الزمخشري" بتطبيق هذه الآلية في تأويل القرآن الكريم؛ حيث إنّه: «يجعل الآي المناصر ظاهرها للمذهب الاعتزالي محكمة، وتلك التي تخالفه متشابهة، ثمّ يردّ المتشابه إلى المحكم ليخضع تفسيرها للرأي الاعتزالي». (الصاوي الجويني، 1968، ص 107)

من أمثلة ذلك، ردّه الآية الكريمة: ﴿ٱللَّهُيَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ﴾( البقرة: 15) إلى المتشابه ومقابلتها بآية أخرى محكمة، لتوافق مبدأ العدل الاعتزالي،يقول: «فإن قلت: فكيف جاز أن يوليهم الله مددا في الطغيان وهو فعل الشياطين؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَإِخۡوَٰنُهُمۡيَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ﴾ (الأعراف: 202) قلت:... إمّا على أن يسند فعل الشيطان إلى الله؛ لأنّه بتمكينه وإقداره والتخلية بينه وبين إغواء عباده». (الزمخشري أ.، 2015،ج 1، ص 75)

نلحظ أنّ "الزمخشري" ينفي من خلال تأويله أن يمدّ الله سبحانه وتعالى المنافقين بالضلالة، وذلك عن طريق القول بالمجاز، لأنّه فعل قبيح لا يجوز عليه سبحانه وتعالى،فنراه ينسب هذا الفعل إلى الشيطان.

4_2_4التذرّع بالمجاز لردّ الآيات المعارضة لمذهبهم

تعدّدت آراء العلماء، وتشعّبت تصوراتهم حول مفهوم المجاز، ولأنّ هذا المقام لا يسمح بذكرها جميعا، سنكتفي بذكر تعريف "عبد القاهر الجرجاني "474ه)الذي ضبط مصطلحه، ووضّح دلالته بدقّة، بقوله: «والمجاز مَفْعَل من جاز الشيء يجوزه إذا تعدّاه، وإذا عدل باللفظ عمّا يوجبه أصل اللغة وُصِف بأنّه مجاز على معنى أنّهم جازوا به موضعه الأصلي، أو جاز هو مكانه الذي وُضِع فيه أوّلا». (الجرجاني ع.، 1988، ص342)

كما يعود الفضل إليه في الفصل بين أنواع المجاز وتمييز حدودها، وضبط مصطلحاتها البيانية، واستقرار قواعدها ليكتمل بذلك مبحث المجاز على يديه،ويصل إلى ذروة تطوره، يقول: «واعلم أنّ المجاز على ضربين مجاز من طريق اللغة، ومجاز من طريق المعنى والمعقول». (الجرجاني ع.، 1988، ص 355)

ويعُدّ المجاز أحد أهمّ الركائز الأساسية التي قام عليها المنهج الاعتزالي في التأويل. وهذا ما يؤكّده "علي حاتم حسن" بقوله: «إنّ المعتزلة أثبتوا وجود المجاز في اللغة والقرآن الكريم على نحو خاص بهدف عقيدي، الغرض منه عدم حمل الآيات المتشابهات في القرآن الكريم على ظاهر معناها إلى التشبيه والتجسيم». (حسن، 2002، ص45)

بذلك، فقد اتّخذوه سلاحا فعّالا وأداة ناجعة في توجيه دلالة النصوص القرآنية إلى ما يتوافق مع أصولهم المذهبية؛ «فما من آية يفيد ظاهرها التشبيه أو التجسيم أوصفة أو معنى لا يليق بمقام الألوهية إلا ويحملونها على المجاز ويؤولونها بما يطابق عقيدتهم في العدل والتوحيد». (حسن، 2002، ص 217)

وقد وجد "الزمخشري" في المجاز خير معين على تثبيت أصول فكره الاعتزالي والدفاع عنها في ضوء تفسيره       "الكشّاف" حيث لجأ إلى تأويل الدلالات القرآنية المنافية لها باعتماد آلية التأويل المجازي عن طريق نقلها من الحقيقة إلى المجاز وبخاصة المجاز الإسنادي.

وحسبنا في هذا المقام أن نُمثّل لذلك بذكر تفسير قوله تعالى:﴿خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ(البقرة: 7): «فإن قلت: ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت: لا ختم ولا تغشية على الحقيقة وإنّما هو من باب المجاز». (الزمخشري أ.، 2015، ج 1، ص 57).بهذا، فقد اضطّر          "الزمخشري" إلى تأويل الآية الكريمة تأويلا مجازيا؛ لأنّها تتعارض مع مسألة فعل القبيح والسوء.

حيث نجده يضيف قائلا: «فإن قلت: فلم أسند الختم إلى الله تعالى وإسناده إليه يدلّ على المنع من قبول الحقّ والتوصّل إليه بطرقه، وهو قبيح والله يتعالى عن فعل القبيح علوا كبيرا لعلمه بقبحه وعلمه بغناه عنه، وقد نصّ على تنزيه ذاته بقوله: ﴿مَايُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ(ق: 29)... ويجوز أن يستعار الإسناد في نفسه من غير الله لله، فيكون الختم مسندا إلى اسم الله من باب المجاز». (الزمخشري أ.، 2015، ج 1، ص 57، 59)

وهكذا، يصرّ "الزمخشري" على تفسير الآية الكريمة على غير ظاهرها؛ لأنّ الختم والتغشية على قلوب العباد حتى لا يهتدوا من مظاهر الظلم والجور، وهذا يتنافى مع مبدأ العدل الإلهي عند المعتزلة الذي ينزّه الذات الإلهية عن فعل القبيح والسوء.

وقد شنّ "ابن المنير الإسكندري" حملة من الانتقادات والاتهامات على تأويل "الزمخشري" لهذه الآية،يقول: «هذا أول عشواء خبطها في مهواة من الأهواء هبطها،حيث نزل من منصة النص إلى حضيض تأويله؛ ابتغاء الفتنة استبقاء لما كتب عليه من المحنة...». (الإسكندري، 2015،  ج 1، ص 57، 58)

تأسيسا على ما تقدّم ذكره، يمكن أن نعدّ هذه الآليات دعائم المنهج التأويلي عند "الزمخشري" وعند غيره من أهل الاعتزال، حيث حدّدت أطره،ورسمت معالمه. والملاحظ ارتباطها الوثيق بما تقرّر في الأصول الخمسة في الفكر الاعتزالي، وبخاصة أصل العدل.

5.خاتمة

نخلص إلى القول: إنّ للفكر الاعتزالي بأصوله الكلامية وبخاصة العدل وآلياته التأويلية أثرا جليّا في تفسير "الكشّاف" لـ "الزمخشري"؛ الذي ألزم نفسه _بكلّ ما أُوتي من علم وعقلوبكلّ ما يملك من لغة وبلاغة_ نقلها من مجالها النظري إلى مجال التطبيق والممارسة، باعتماد منهج تأويلي خاصقائم على أربعةآليات، هي: العقل واللغة والمحكم والمتشابه،والمجاز.

ولا نغالي إن قلنا: إنّ "الزمخشري" أظهر من وظّفها من مفسري المعتزلة في معالجته قضايا العقيدة، وإنّ تفسيره مثال حي وتجسيد فعليّ لها. وعليه، فقد تمكّن أن يرسم لنا الأبعاد الدلالية لرؤيته التفسيرية بدقّة وبراعة تعكس معالم فكره الاعتزالي. ولأنّه لا يمكن لأي كان أن يكشف أثر الفكر الاعتزالي في تأويله، ينبغي لمن أراد قراءة "الكشّاف" أن يكون على علم بأصوله وفهم مقاصده، مع الحرص على الاستعانة بما كتبه العلماء حوله من شروح وحواشوردود تبيّنتأويلاته الاعتزالية كحاشية "ابن المنير الإسكندري"، مع التحلي بكثير من الفطنة واليقظة بالنظر إلى أنّ "الزمخشري" حسن العبارة وذو مقدرة على بثّ هذه المبادئ بين طيات كتابه بطرائق خفية

المراجع

1.                       أبادي الفيروز. (1980).القاموس المحيط. ط 3. مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب.

2.                       بروكلمان كارل. (د_ت). تاريخ الأدب العربي. تر/ عبد التواب رمضان. د ط. القاهرة، مصر: دار المعارف.

3.                       البلخي أبو القاسم،القاضي عبد الجبار بن أحمد، والجشمي الحاكم. (1974). فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة. تح/ سيّد فؤاد. د ط.  تونس: الدار التونسية.

4.                       ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم. (1986). منهاج السنة النبوية. تح/ رشاد محمد. ط 1. مصر: مؤسسة القرطبة.

5.                       الجبالي مهند حسن حمد. (2001). " أثر الاعتزال في توجيهات الزمخشري اللغوية والنحوية في الكشّاف"، (رسالة ماجستير، غير منشورة). الأردن: جامعة اليرموك. كلية الآداب. قسم اللغة العربية.

6.                       الجرجاني الشريف. (1985).التعريفات. د ط. بيروت: مكتبة لبنان.

7.                       الجرجاني عبد القاهر. (1988).أسرار البلاغة. تح/ رضا محمد رشيد. ط 1. بيروت: دار الكتب العلمية. 

8.                       الجويني مصطفى الصاوي. (1968).منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه. ط 2. مصر: دار المعارف.

9.                       حاجي خليفة مصطفى بن عبد الله. (د_ت).كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. د ط.  بيروت: دار إحياء التراث العربي.

10.الحديدي عبد الله. (2012). " المنهج العقلي الانتقائي في التفسير عند المعتزلة دراسة تحليلية ". مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية ، مج 12( ع 1).

11.                    حسن علي حاتم. (2002).التفكير الدلالي عند المعتزلة. ط 1. بيروت: دار الكتاب الجديد المتّحدة.

12.                    حيسي عبد الرحمن. (2005).الأثر المذهبي للمعتزلة في التفسير. ط 1. الرباط: دار أبي رقراق للطباعة.

13.                    الحموي الرومي ياقوت. (1993).معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب. تح/ عبّاس إحسان. ط 1. بيروت: دار الغرب الإسلامي.

14.                    خثيري مليكة. (سبتمبر, 2015)." الأسس الفكرية لمقاصد التكليف عند المعتزلة ". مجلة البلاغ الحضاري . (ع 1)

15.                    الخيّاط المعتزلي عبد الرحيم. (1993).الانتصار والردّ على ابن الروندي الملحد. تح/ نيبرج. ط 2. بيروت: دار قابس للطباعة. 

16.                    ابن خلكان أحمد. (1977). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. تح/ عبّاس إحسان. د ط. بيروت: دار صادر.

17.                    الخالدي صلاح عبد الفتاح. (1996).التفسير والتأويل في القرآن. ط 1. الأردن: دار النفائس.

18.                    الدومي محمد محمود. (2004)." القراءات المتواترة في تفسير الزمخشري_ دراسة نقدية _ "، ( أطروحة دكتوراه غير منشورة ). الأردن: جامعة اليرموك. كلية الشريعة. قسم التفسير وعلوم القرآن.

19.                    الذهبي محمد حسين. (د_ت).التفسير والمفسرون. د ط. القاهرة: مكتبة وهبة.

20.                   الزمخشري أبو القاسم. (2008).ديوان جار الله الزمخشري. شر/ يوسف الخيمي فاطمة. ط 1. بيروت: دار صادر.

21.                    الزمخشري أبو القاسم محمود. (2015).تفسير الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. تح/ شاهين محمد عبد السلام. ط 6. بيروت: دار الكتب العلمية.

22.                   أبو زيد أحمد. (1986).المنحى الاعتزالي في البيان وإعجاز القرآن. ط 1. الرباط: مكتبة المعارف.

23.                   السيوطي جلال الدين. (2008).الإتقان في علوم القرآن. تح/ الأرنؤوط شعيب. ط 1، بيروت: مؤسسة رسالة ناشرون.

24.                   الشهرستاني محمد بن عبد الكريم. (1992).الملل والنحل. ط 2. بيروت: دار الكتب العلمية.

25.                   الضويحي علي. (1995).آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويما. ط 1. الرياض_ المملكة العربية السعودية: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع.

26.                   الغامدي صالح بن غرم الله. (1998).المسائل الاعتزالية في تفسير الكشّاف للزمخشري في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنير. ط 1. المملكة العربية السعودية: دار الأندلس للنشر.

27.                   القاضي عبد الجبار بن أحمد. (1965).المغني في أبواب التوحيد والعدل. تح/ الطويل توفيق. ط 1. مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي.

28.                   القاضي عبد الجبّار بن أحمد. (1996).شرح الأصول الخمسة. تح/ عثمان عبد الكريم. ط 3. القاهرة: مكتبة وهبة.

29.                   قصّاب وليد. (1985).التراث النقدي والبلاغي للمعتزلة في نهاية القرن السادس الهجري. د ط. الدوحة، قطر: دار الثقافة.

30.                   ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم. (1993).لسان العرب. ط 3. بيروت: دار صادر.

31.                    ابن المنير الإسكندري أحمد. (2015).حاشية الانتصاف من الكشّاف. ط 6. بيروت: دار الكتب العلمية.

@pour_citer_ce_document

كمال قادري / صبرينة ماضي, «مبادئ الفكر الاعتزالي في تفسير الكشّاف للزمخشري _مبدأ العدل أنموذجا _»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 201-213,
Date Publication Sur Papier : 2021-06-30,
Date Pulication Electronique : 2021-06-30,
mis a jour le : 30/06/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8367.