الأمن ذو البعد الواحد: الاختلال في الممارسة الأمنية في ظل التهديدات اللا تماثليةOne-dimensional security: the imbalance in the exercise of security under asymmetric threats.
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 19-2022

الأمن ذو البعد الواحد: الاختلال في الممارسة الأمنية في ظل التهديدات اللا تماثلية

One-dimensional security: the imbalance in the exercise of security under asymmetric threats.
ص ص 100-112
تاريخ الإرسال: 2020-01-18 تاريخ القبول: 2021-04-20

عدنان زروقي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

       تستهدف هذه الورقة البحثية مناقشة المدلول الجديد للأمن الدولي سواء فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية، أو بالاستراتيجيات الأمنية الجديدة التي أفرزها الواقع الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث بدأت العديد من الدول تعتمد تدابير وتشريعات جديدة لمواجهة ظاهرة الإرهاب المتجددة والمتكررة، انطلاقا من ذلك تتجه كثير من الدول لتغليب الجانب الأمني للدولة على حساب أمن وحقوق الأفراد، بمعنى وضع أمن الإنسان في مقابل أمن الدولة. توصلت الدراسة إلى أن كل الدول بما فيها الديموقراطية تعمل على تفعيل طرفا واحدا في المعادلة الأمنية بمعنى الأمن في بعده الواحد، أي تعتمد تدابير لمكافحة الإرهاب تركز على الجانب الأمني للدول وتهمل الأمن الإنساني وحقوق الإنسان.

الكلمات المفاتيح: الأمن الوطني، الأمن الإنساني، حقوق الانسان، مكافحة الإرهاب، التهديدات اللاتماثلية

Ce document de recherche vise à discuter de la nouvelle connotation de la sécurité internationale, que ce soit en termes d'arrangements de sécurité ou des nouvelles stratégies de sécurité qui émergent de la situation internationale après les événements du 11 septembre 2001, où de nombreux pays ont commencé à adopter des nouvelles mesures et législations pour lutter contre le terrorisme renouvelé et répété. Sur cette base, de nombreux pays prennent des mesures pour dominer le côté sécurité de l’État au détriment de la sécurité et les droits des individus. Sur cette base, de nombreux pays prennent des mesures pour dominer le côté sécurité de l’État au détriment de la sécurité et les droits des individus, , dans le sens de mettre la sécurité humaine en échange de la sécurité de l'État. L’étude a conclu que tous les pays, y compris la démocratie, travailler sur l’activation d’un parti dans l’équation de sécurité, ce qui signifie la sécurité dans sa seule dimension. Toute mesure de lutte contre le terrorisme se concentre sur la sécurité des pays et néglige la sécurité humaine et les droits de l'homme.

Mots-clés :Sécurité nationale, sécurité humaine, droits de l'homme, contre-terrorisme, menaces asymétriques

This research paper aims to discuss the new connotation of international security, whether in terms of security arrangements or new security strategies emerging from the international situation after the events of 11 September2001, where many countries began to adopt new measures and legislation to combat renewed and repeated terrorism. On this basis, many countries are taking steps to dominate the security side of the state at the expense of the security and rights of individuals. On this basis, many countries are taking steps to dominate the state security side at the expense of security and the rights of individuals, in the sense of putting human security in exchange for state security. The study concluded that all countries, including democracy, work on activating a party in the security equation, which means security in its only dimension. All counter-terrorism measures focus on the security of countries and neglect human security and human rights.

Keywords:National security, human security, human rights, counter-terrorism, asymmetric threats



Quelques mots à propos de :  عدنان زروقي

جامعة بومرداس،zerrouki.ad15@gmail.com

مقدمة

   ساهمت التهديدات اللا تماثلية غير التقليدية في زيادة حجم المخاطر والقيم المهددة للأمن، وزيادة مستوى الانتكاس من خلال الأوضاع الإنسانية المتدهورة ( هجرة قصرية ، الجريمة المنظمة ، الإرهاب ...الخ ) ، كما فرضت هذه التهديدات قيودا وتحديات أمام الطموحات النظرية للأمن الانساني ، وتراجعت مستويات إنجازه في الوقت الذي بدأيتشكل على المستوى الأكاديمي والمستوى الرسمي رغبة وإرادة لإحلال وترسيخ الأمن الإنساني في مقابل الأمن الوطني -أمن الدولة - ، الذي يركز على حماية حدود الدولة ، لكن آليات الحرب اللا تماثلية؛ الهجرة غير شرعية ، الارهاب ، الجريمة المنظمة غلبت الأمن في إتجاهه الواحد المتمثل في أمن الدول على حساب أمن الانسان ، خاصةفي ظل اعتماد المقاربة الأمنية الردعية ردا على أحداث 11 سبتمبر 2001 حيث أصبح للخيار الأمني بعدا عالميا – عالمية التوجه نحو الخيار الامني-.

ولمعالجة الموضوع نطرح الإشكالية التالية: 

لماذا تفضل الدول الأخذ بالأمن الدولاني – أمن الدولة -، ويتم التراجع دائما على الأمن الإنساني؟   وهل يمكن مواجهة التهديدات اللا تماثلية عن طريق تفعيل طرف واحد في المعادلة الأمنية؟ وهل يمكن تحقيق الموازنة بين طرفي المعادلة الأمنية (أمن الإنسان وأمن الدولة)؟ وللإجابة عن الإشكالية نطرح المحاور التالية:

المحور الأول: إطار مفاهيمي، في مفهوم الأمن الوطني، الأمن الإنساني، التهديدات اللا تماثلية.

المحور الثاني: الأمن الإنساني مواجهة الأمن الواقعي التقليدي.

المحور الثالث: أحداث 11 سبتمبر 2001 وإفرازها المقاربة الأمنية في مواجهة الإرهاب.

المحور الرابع: عالمية التوجه الأمني للدول يضع الامن الإنساني في مرتبة أدنى من أمن الدول أي أمن الدولة على حساب أمن الانسان

المحور الأول: إطار مفاهيمي، في مفهوم الأمن الوطني، الأمن الإنساني، التهديدات اللا تماثلية.

  • في مفهوم الأمن – الأمن الدولاتي -، يشير عليه عادة الأمن الوطني. 

إن مصطلح " الأمن الوطني" هو مصطلح سياسي حديث نسبيا ظهر مع بداية ظهور الدولة القومية Nation- Stateفي أوروبا بعد معاهدة وستفاليا 1648 ، التي بموجبها تغير شكل النظام الدولي وبدأت حقبة جديدة تمثلت في ظهور فكر الأنوار، و بداية النهضة العلمية والصناعية في أوروبا ، بالإضافة لمختلف الظروف السياسية والأمنية التي عاشتها أوروبا ، أما الاستخدام الرسمي للمصطلح كان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ،حيث في سنة 1947أنشأ الأمريكيون هيئة رسمية سميت مجلس الأمن الوطني الأمريكي الذي أسندت إليه كافة الأمور والأحداث التي تمس وتهدد كيان الأمة الأمريكية وتهدد أمنها (طشطوش، 2012، صفحة 19) ، ليكون المصطلح في تطبيقاته وصياغته المفاهيمية انعكاسا للخبرة التاريخية للمجتمعات الغربية في عصر الدولة القومية (مراد، 2017، صفحة 23) . وتعريف الأمن الوطني يسير وفق اتجاهين:

1-الاتجاه التقليدي:استخدم الأمن تقليدياً كونه مرادف لحماية وبقاء الوحدة السياسية- الدولة- وتأمين وجودها من مختلف التهديدات العسكرية للدول الأخرى في الفترة 1950-1985 التي تميزت بهيمنة نموذج" مركزية الدولة" (قوجيلي، 2012، صفحة 109)، حيث عرف دومنيك دافيد Dominique Davidالأمن الوطني في كونه يتمثل في خلو وضع ما من التهديد أو أي شكل للخطر وتوفر الوسائل اللازمة للتصدي للخطر في حال أصبح ذلك ممكنا (roche, 2002, p. 161) . كما عدّته دائرة المعارف البريطانية حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية (طشطوش، 2012، صفحة 12)

في حين يعرف باري بوزان Barry Buzanالأمن بقوله في حالة الأمن يصبح النقاش حول مسعى التحرر من التهديد pursuit offreedom from threat، وإذا نقلنا النقاش إلى النظام يصبح الأمن متعلقا بقدرة الدول statesوالمجتمعات societiesعلى الحفاظ على هويتها المستقلة وتكاملها الوظيفي (برقوق ا.، التهيديات الامنية في المغرب العربي : مقاربة الامن الانساني ).

يعرفArnold walfersالأمن في جانبه الموضوعي بأنّه غياب أيّة تهديدات تجاه قيم مكتسبة وفي جانبه الذاتي يعني غياب الخوف من أن يتم المساس بأي من هذه القيم (زقاغ،، 2011، صفحة 105) .

كما ورد في الموسوعة السياسية أن الأمن هو كل ما تجسده الدول للحفاظ على سلامتها ضد مختلف الأخطار الداخلية والخارجية التي قد تدفعها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة لاضطرابات أو انهيار داخلي أو ضغوطات خارجية" (الكيالي، 1981، صفحة 331).

2-الاتجاه الاقتصادي

الأمن عندروبرت مكنمارا Robert Macnamaraلا يعني تراكم السلاح بالرغم من أن ذلك قد يكون جزء منه وليس هو القوة العسكرية بالرغم من أنه قد يشملها، وليس النشاط العسكري التقليدي بالرغم من أنه قد يحتوي عليه، إنما الأمن هو التنمية ودون تنمية لا يمكن الحديث عن الأمن (فريجة و لدمية فريجة، 2016، صفحة 160) ، بمعنى الربط بين الأمن والتنمية فدون تنمية لا يوجد أمن، والدول التي لا تنمو تبقى غير آمنة.

أما بطرس غالي فيذهب إلى أن مفهوم الأمن لا يعني التحرر من التهديد الخارجي العسكري ولا يمس سيادة وسلامة الدولة، بل يمتد ليشمل الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لأن الأمن مؤسس على الاستقرار الداخلي بقدر ما هو أيضاً مرتبط بالعدوان الخارجي (معمر، 1992، صفحة 16).

هذه التعاريف تؤكد على ارتباط الأمن الوطني للدول بالتنمية الاقتصادية ووسائل تحقيقها.

  • في مفهوم الأمن الإنساني

كانت البداية الفعلية لتصعيد النقاش عن الأمن الإنساني مع محجوب الحق وزير المالية الباكستاني السابق والخبير الاقتصادي لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDPالذي أكد أن محور الأمن يجب أن ينتقل الى ضمان أمن الافراد من مخاطر متنوعة على رأسها الأمراض، والإرهاب والفقر، والمخدرات، ووجود نظام عالمي غير عادل، وذلك عن طريق تحقيق التنمية وإصلاح المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والمنظمات الاقتصادية العالمية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للتعمير والتنمية، وذلك عبر شراكة حقيقية بين دول العالم (يازجي، 2012، صفحة 526).

كما تابع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي PNUDالذي أصدر سنة 1994 حول " التنمية الإنسانية المستدامة " إلى اعتبار الأمن الانساني هو التحرر من الخوف والوقاية من الحاجة وقد حدد التقرير سبعة مستويات تشكل كلها محتوى الأمن الإنساني وهي الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن الشخصي، الأمن الجماعي، الأمن السياسي (PNUD, 1994, p. 26).

وفي تقرير عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائيPNUDحول" التنمية البشرية" سنة 1994، عدّ الأمن الانساني أولا السلامة من التهديدات المزمنةChromicThreatsمثل الجوع، والمرض، والقمع، وثانيا الحماية من الاضطرابات المفاجئة والمؤلمة في أنماط الحياة اليومية سواء في المنازل أو في الوظائف أو المجتمعات.

(report ,United nations, 1994, p. 23)

في حين عدّ بول هينبيكر الأمن الانساني يركز على الأفراد والمجتمعات بدلا من الدول، كما أنه يقوم على فكرة أن أمن الدول ضروري لكنه ليس كافيا لتحقيق بقاء البشر، والأمن الانساني يركز على مصادر التهديد العسكرية وغير العسكرية، إذ يعد أمن وبقاء الافراد جزء مكملا لتحقيق الأمن العالمي، كما أنه يكمل ولا يحل محل الأمن القومي، يضاف إلى ذلك أن تحقيق الأمن الانساني يعتمد أدوات جديدة منها دور المنظمات غير حكومية (امين، 2009، صفحة 33).

ويعرف lincolm Chenالأمن الانساني أنه" بقاء الإنسان، رفاه الإنسان، وحرية الإنسان" (takemi، 1999).

كما جاء في تقرير لجنة الأمن الإنساني (الأمن الإنساني الآن 2003) أن الأمن الإنساني هو " حماية الجوهر الحيوي لحياة جميع البشر بطرائق تعزيز حريات الإنسان وتحقيق الإنسان لذاته". (لجنة الامن الانساني ، 2003)  والجوهر الحيوي لحياة البشر هو مجموعة الحقوق والحريات الأولية التي يتمتع بها الافراد وضمان حمايتهم من أوضاع قاسية قد يجدون أنفسهم فيها ومن التهديدات واسعة النطاق.

نشير في هذا الإطار إلى كون مفهوم الإنساني مفهوم يتميز بالحركية والديناميكية أي ليس جامدا، يختلف باختلاف المجتمعات وفي أدبيات العلاقات الدولية يتحقق المفهوم من خلال عنصرين:

- الحمايةprotection: الأمنالإنساني طابعه وقائي يتحرك مسبقا لمواجهة التهديدات التي تحيط بالأفراد مثل الأعمال الإرهابية، الصراعات العنيفة، ما يستوجب تشكيل مؤسسات سواء وطنية أو دولية لإنهاء مشكلة انعدام الأمن بصفة وقائية وكلية.

- التمكين emporuerment: جعل الأفراد يمتلكون قدرة المطالبة باحترام مختلف حقوقهم وحرياتهم وإنهاء كثير من المشكلات مع إيجاد حلول لها (تقرير لجنة الامن الانساني ، 2003، صفحة 11).

3/ في مفهوم التهديدات اللا تماثلية

         إن توسيع مفهوم الأمن ما هو إلا نتيجة لظهور مخاطر وتهديدات جديدة على الساحة الدولية تجاوزت التهديدات العسكرية، أي انتقال التهديد من تهديد تقليدي إلى تهديد غير تقليدي، بمعنى تهديدات غير واضحة المعالم وهي لا تصدر من الدول، بل هي تهديدات مجهولة المصدر، تعرف بالتهديدات اللا تماثلية أو اللا تناظرية أو غير المتكافئة (لويس و عبد الله جمعة الحاج، 1996، صفحة 88) ،بتعبير جوزيفناي هذه التهديدات أصبحت أقل قهرية وأقل ملموسية كما أن أساليب التصدي لها لم تعد عسكرية فحسب بمنظور الأمن الشامل. (ساسة بوست، 2016)

وتعرف التهديدات اللا تماثلية على أنها تلك التهديدات التي تكون بين أطراف غير متكافئة من حيث القوة ويشمل هذا النوع من التهديدات؛ الجريمة الاقتصادية والمتاجرة بالأسلحة، الإرهاب العابر للحدود، الجريمة المنظمة، والنزاعات الداخلية وما يصاحبها من انتهاكات واسعة لحقوق الانسان، والابادة الجماعية التي تجد مكانا لها في الدولة الفاشلة failed statesوقد برزت نتيجة للتغير المهم في هيكلة المخاطر الأمنية من النمط التماثلي إلى النمط اللا تماثلي تزامنا مع التحولات الحاصلة في النظام العالمي. (لويس و عبد الله جمعة الحاج، 1996، صفحة 88)

وقد حدد تقريرPNUD لعام 1999 بعنوان  " لعولمة بوجه إنساني" سبعة تهديدات جديدة للأمن كالتالي: الأزمات المالية ، ضعف المستوى المعيشي، الأمراض والأوبئة ، الغزو الثقافي، الجريمة المنظمة ، تأثير التكنولوجيا في البيئة ، غياب الأمن السياسي والاجتماعي، (ساسة بوست، 2016) والتهديدات بدورها أصبحت عابرة للحدود، وباتت تقوم على منطق اللا تماثلية في التهديدات التي تتداخل فيما بينها: اقتصادية، واجتماعية تتمثل في؛ الهجرة غير الشرعية نتيجة الأمل في حياة اقتصادية واجتماعية أحسن، نظرا للكبت والشعور بالاغتراب، وأمنية تتمثل في الجريمة المنظمة وانتشار خطر عبور الأسلحة والاتجار بها. كذلك التطرف والإرهاب، وقد تم إدراج موضوع الإرهاب الدولي ضمن تقرير التنمية البشرية لعام 1994 فهو خطر أمني عابر للحدود. (ساسة بوست، 2016)

وقد كان لأحداث 11سبتمبر 2001 تأثير واضح على مفهوم التهديد، حيث طرح مفهوم جديد للأمن الدولي سواء ما تعلق بالترتيبات أو الاستراتيجيات الأمنية الجديدة، حيث حاولت أمريكا فرض أجندتها الخاصة بمفهوم الأمن والتي تقوم بالأساس على عدّ الارهاب أخطر مصادر التهديد التي تواجه أمن الدول والمجتمعات، وأن كل العالم معرض لتهديدات شبيهة بأحداث 11 سبتمبر 2001، وشرعت في بناء تحالف دولي ضد الإرهاب لمتحرك فوق قومي غير محدد المعالم (عرفة، 2003). بناء على ذلك نركز في دراستنا على الإرهاب كأهم تهديد من التهديدات اللا تماثلية.

المحور الثاني: الأمن الإنساني في مواجهة الأمن الواقعي التقليدي (الأمن الدولاتي)

كان تركيز الأنشطة الأمنية أثناء الحرب الباردة على الأمن الوطني أي أمن الدولة (الأمن الدولاتي)، من منظور عسكري بالدرجة الاولى، لكن هذا الموقف لم يعد ملائما لفترة ما بعد نهاية الحرب الباردة، في عالم يتميز بالتعقد المطرد والتغير السريع، وتعرض الشعوب لمختلف أنواع التهديد. (منظمة الصحة العالمية - المكتب الاقليمي لشرق المتوسط، 2002، صفحة 01)

فالتغيرات التي أصابت النظام الدولي بتغيير شكله من ثنائية قطبية إلى أحادية قطبية كان له الأثر البالغ في تغيير مفهوم الأمن الوطني، فالتغير في مفهوم الأمن يعد نتيجة منطقية لتغير المشهد الدولي بشكل نوعي، هذه المقاربة أصبحت ترتكز على أمن الفرد بدل الدولة، ذلك أن حماية الفرد هي الغاية الأساسية التي قامت لأجلها الدولة. لذلك القوة العسكرية لا تصلح وحدها كأداة لمواجهة الأنماط الجديدة من مصادر التهديد، حيث برز مفهوم الأمن الإنساني كمفهوم جديد يختص بصيانة كرامة الإنسان في تلبية مختلف احتياجاته كالأمن الغذائي- الاقتصادي، المائي، العسكري.  (أحمد و منى جلال عواد، صفحة 05)، في هذا الاطار عبرت اللجنة المكلفة بإدارة شؤون المجتمع العالمي التابع لهيئة الأمم المتحدة بالقول " إن مفهوم أمن البشر يسلم بأن الأمن العالمي يتجاوز الحدود والنخب الحاكمة ومصالح الدولة الحصرية ليشمل حماية البشر ، وهو لا يستبعد التهديدات العسكرية من الاهتمامات الأمنية بل يقترح بدلا من ذلك تعريفا أوسع للتهديدات في ضوء الشواغل الإنسانية الملحة لما بعد الحرب الباردة " (يحياوي، 2018، صفحة 285)، والتهديد وفقا للأمن الإنساني ليس من خارج الدولة فقط بل هو من داخل حدودها كذلك ( النزاعات المسلحة، صراعات اثنية..)،حيث جاء في تقرير الأمم المتحدة سنة 1999" عولمة ذات وجهين " أن المخاطر على الأمن البشري تتزايد وتصيب الأفراد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء . (شوادرة، 2018، صفحة 164)

و مما زاد من تعميق هذا الاتجاه التقارير الصادرة عن اللجان المستقلة المعنية بدراسات الأمن والتنمية ، منها نادي روما الذي أصدر مجموعة من التقارير بعنوان " الإشكالية العالمية "، اذ أقر بأن كل فرد في العالم يواجه مجموعة من الضغوط والمشاكل التي تتطلب الحل ، في انتظار التحرك الفعال نظرا للتأثير المتزايد لتلك المشاكل على كافة جوانب حياة الافراد ، كما أنها تفهم في سياق دولي أكبر كونها مرتبطة بمجالات التصنيع المختلفة ، التحضر ، النمو السكاني ، سوء توظيف البيئة ، كما أكدت هذه التقارير أيضا أن النظام العالمي المعقد يؤثر على الفرص المتاحة أمام الأفراد وعلى بقائهم، وأن هناك طرقا بديلة نحو إعادة تعريف التنمية العالمية والأمن الإنساني فيما يساعد على تحسين الخيارات أمام الأفراد " (الصادق، 2014، صفحة 27).

يركز مفهوم الأمن الإنساني على الإنسان الفرد وليس الدولة كوحدة التحليل الأساسية، فأي سياسة أمنية يجب أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق أمن الفرد بجانب أمن الدولة، إذ قد تكون الدولة آمنة في وقت يتناقص فيه أمن مواطنيها. بل إنه في بعض الأحيان تكون الدولة مصدرًا من مصادر تهديد أمن مواطنيها. ومن ثم يجب عدم الفصل بينهما (عرفة، 2003).

ذلك أن الأمن الإنساني كنموذج فكري جديد قائم على منطق التمكين، يتعين على الدول الاعتماد عليه عبر خلق مجال تمكيني يمكن المواطن من حقوقه وحرياته، التي تعد من الشروط المهمة لتحقيق الأمن والسلام، واحترام الدولة لحياة مواطنيها مما يؤدي إلى حماية هذه الحقوق (مشري، 2018،، صفحة 58) ، لذلك يمتد الأمن الانساني إلى ثلاث مستويات:

- المستوى الفردي ويسمى الأمن الشخصي، الهدف منه الحد من الصلاحيات الممنوحة للسلطات العامة في الدولة وتدخلها في الحريات الأساسية للفرد، وتوفير الحماية له من إجراءات تعسفية تتخذ ضده.

- المستوى الاجتماعي بمعنى الأمن على المستوى الاجتماعي.

- المستوى الدولي الذي يتعلق بأشخاص المجتمع الدولي من دول وكيانات سياسية، حيث تقابل هذه المستويات الثلاث قيم مهددة، فعلى المستوى الفردي القيم المهددة؛ البقاء، والرفاه، والمستوى الثاني القيم المهددة؛ الهوية، أما المستوى الثالث القيم المهددة؛ السيادة. (زقاع، 2019)

جدول رقم: العنوانجدول يبين أمن الدولة (الامن الدولاتي ) مقابل أمن الانسان (الأمن الإنساني).

 

المفهوم التقليدي للأمن – المفهوم الدولاتي

المفهوم الموسع للأمن – الامن الانساني

الموضوع المرجعي

- أمن الدولة،

دولة امنة يساوي افراد امنيين

امن الافراد بالدرجة الاولى + أمن الدولة أمن الدولة وسيلة لتحقيق أمن الافراد وليس هدفا في ذاته

قيم الامن

- القوة، السيادة

- المصلحة الوطنية

- سلامة الحدود

- تلبية الحاجات الاساسية

- الحريات الفردية

- حقوق الانسان

تهديدات الامن

تهديدات عسكرية ، العنف المباشر والمنظم من الدول الاخرى

تهديدات غير عسكرية+ تهديدات عسكرية ، العنف ، المخدرات ، تدهور البيئة ، الاضطهاد الاثني والطائفي

وسائل تحقيق الامن

-التهديد باستعمال القوة

- ميزان القوى

- القوة العسكرية التسلح

- تقوية القدرة الاقتصادية

- التنمية الانسانية المستدامة

- ترقية حقوق الانسان

- الديموقراطية والحكم الراشد

 

المصدر: عادل زقاع، برنامج البحث على الأمن المجتمعي، إعادة صياغة مفهوم الأمن.

لكن التمايز بين أمن الانسان وأمن الدولة لا يعني دائما أن أحدهما يتعارض مع الآخر بالضرورة، كما أن مفهوم الأمنالإنساني لا يدع أمن الناس يحل محل أمن الدولة، فهو يرى أن كلاهما يعتمد على الآخر وأن أمن الدول يظل شرطا ضروريا لأمن الناس، لكن أمن الدولة لا يكفي لضمان أمن الناس، لذا يجب على الدولة أن توفر أشكالا مختلفة من الحماية لمواطنيها للتقرب من تحقيق الأمن الإنساني.

حيث الأمن الإنساني يوفر الأساس الصلب للاستقرار الوطني حيث أشارت loyd exworthyلجنة للحكومة العالمية في تقرير 1995 " يجب النظر لأمن الشعوب باعتباره هدفا مساويا في الأهمية لأمن الدول "، كما قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان" إن الكائن الإنساني هو مركز كل شيء، وحتى تصور السيادة الوطنية قد وجد من أجل حماية الفرد، الذي يعد هو سبب وجود الدولة وليس العكس، وأنه من غير المقبول رؤية حكومات تسلب مواطنيها حقوقهم تحت حجة السيادة ". (عرفة، 2003)

الملاحظ أن مفهوم الأمن الإنساني أحدث تمييزا بين أمن الدول وأمن الاشخاص على أساس؛ أن الأول لا يحقق الثاني. فأمن الدولة رغم أهميته لا يعدو أن يكون جزء من أجزاء البناء الأمني المتكامل، بمعنى أن أي نظام عالمي آمن ومستقر يبنى أمنيا من أسفل – الافراد-، إلى الأعلى – العالم-، ومن ثم فان أمن الدولة مجرد مساحة وسطية، وهذا يعني أن الأمن الإنساني يجمع البعدين المحلي والعالمي للأمن. (منصر،، 2009، صفحة 13).

المحور الثالث: أحداث 11 سبتمبر 2001 وإفرازها المقاربة الأمنية في مواجهة الإرهاب:

كان لأحداث 11 سبتمبر 2001 تأثير واضح على مفهوم التهديد، حيث طرحت مدلولا جديدا للأمن الدولي سواء فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية أو الاستراتيجيات الأمنية الجديدة، حيث حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فرض أجندتها الخاصة بمفهوم الأمن والتي تقوم " على أن الارهاب هو أخطر مصادر التهديد التي تواجه أمن الدول والمجتمعات، وأن كل العالم معرض لاعتداءات إرهابية شبيهة بأحداث 11 سبتمبر 2001". شرعت أمريكا انطلاقا من ذلك في بناء تحالف دولي ضد الإرهاب كمتحرك فوق قومي غير محدد المعالم وقادت حملة ضده استخدمت فيها كل الوسائل خاصة العسكرية.

بالتالي كانت أحداث 11سبتمبر 2001 فرصة أمام الولايات المتحدة الأمريكية لصياغة استراتيجية أمنية جديدة – استراتيجية الهجمات الوقائية-، تنطلق من حق واشنطن في توجيه ضربات عسكرية وقائية (وثيقة الأمن القومي الأمريكي 2002) ضد أية دولة أو جماعة ترى أنها باتت تمثل خطرا أو تهديدا للأمن القومي الأمريكي بمفهومه الواسع (فريجة و لدمية فريجة، 2016، صفحة 165).

نتج عن 11 سبتمبر 2001 إطلاق ما يسمى "بالحرب على الإرهاب" حرب كما وصفتها الإدارة الأمريكية غير محددة بحدود زمانية أو مكانية، وفي ظل تزايد الهجمات _التهديد المستمر للإرهاب _ دخلت العديد من الدول في حالة استثنائية طارئة مستمرة تحققت عن طريق تبني مجموعة من التشريعات مقيدة للحريات، وحقوق وأمن الأفراد وهو ما عدّته الأستاذة IhreneichR.  أننا" أمام حالة حرب في كل مكان ولا حقوق في أي مكان"، خاصة وأنه في ظل الحالات الاستثنائية _ حالات الطوارئ_ يتم خلق وإفراز الوسط الذي يحتضن كل أشكال الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وأمن الأفراد داخليا و/خارجيا، ولعل من بين إفرازات الحالة الاستثنائية توجه العديد من الدول الى عسكرة القوانين الجنائية الداخلية. ومظاهر العسكرة تظهر في تحويل مصطلح مكافحة الجريمة إلى مصطلح الحرب عليها، وكذا تحويل للسلطات التقليدية في المجال الجنائي _مثال حولت شرطة التحري من شرطة المراقبة من القضاء إلى الأجهزة السرية التابعة للجنس.

حيث دفع مصطلح الحرب على الإرهاب الذي تبنته الإدارة الأمريكية إلى الخلط بين العديد من المفاهيم المعروفة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان كالخلط بين حالة الحرب وحالة السلم ، خلط بينالمدنيين والمقاتلين الشرعيين وغير الشرعيين منهم ، من ثم تحديد الوسائل القانونية للرد _و في خضم هذا الخلط فسرت أمريكا قواعد الدولي الإنساني بطريقتها الخاصة  فمن جهة عدّت مكافحة الارهاب حربا ولكنها رفضت إخضاع هذه الحرب لاتفاقيات جنيف 1949 على أساس أن الجماعات الإرهابية ليست دول ، بالتالي ليست طرفا متعاقدا في هذه الاتفاقيات ، وبالتالي تمت شرعنة ممارسات لا إنسانية تحت غطاء مكافحة الإرهاب ، ما من شأنه أن يجرد الحرب على الإرهاب من أي رادع قانوني وأخلاقي (ميهوب، 2010، الصفحات 447-448) .

ودفعت أحداث 11 سبتمبر 2001 العديد من الدول التي تبني تدابير وتشريعات جديدة لمواجهة ظاهرة الإرهاب وانخرطت الدول فيما يسمى: "الحرب ضد الإرهاب" والتي تحولت في الحقيقة إلى حرب على حقوق الإنسان وتهديد للأمن الإنساني، حيث أبيحت فيها كل الوسائل بما فيها الوسائل غير إنسانية. وبالتالي قامت بعض الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا بإحياء الحكمة القديمة لـ Sant Justالذي أسس نظرية الرعب تقول " لا حرية لأعداء الحرية " وبعبارة أخرى لوزير خارجية فرنسي سابق " سأرهب الإرهابيين "، في هذا الإطار تفاوتت درجة التشريعات والتدابير والممارسات لمكافحة الإرهاب بين التضييق والتقييد أو الاعتداء في بعض الحالات على حقوق الإنسان وأمن الأفراد (ميهوب، 2010، صفحة 426).

كما تم تحريك أكبر قوة عسكرية منذ الحرب العالمية الثانية ، حيث شرعت الولايات المتحدة الأمريكية في خوض مغامرة عسكرية تهدد مستقبل البشرية جميعا، ورزنامة تلك الحرب كانت قد أُعلن عنها بوضوح في مشروع للهيمنة الأمريكية، أطلق عليه تسمية مشروع "القرن الأمريكي الجديد" ، حيث في 6 أوت 2003 اجتمع أعلى قادة عسكريين أمريكيين من وزارة الدفاع في رئاسة القيادة العليا في القاعدة الجوية في " نبراسكا" مع ممثلين من قطاع الصناعة العسكرية لتحديد جيل جديد من الأسلحة النووية بهدف استخدامه وفق قاعدة دفاعية وقائية ضد الدول المارقة والمنظمات الإرهابية (تيغزة، 2016، صفحة 148).

وفرت الحرب على الإرهاب أمنا تحت الهيمنة الأمريكية، حيث عملت أمريكا على تركز هيمنتها في مختلف سياساتها الخارجية لتصل لما يسمى "الأمننة الامريكية" (Buzan, 2006, p. 06).

ولم تكتف الإدارة الأمريكية في عهد بوش بالاستخدام المنهجي لأساليب التعذيب كوسيلة لاستنطاق السجناء، بل حاولت قدر المستطاع تبرير ذلك السلوك بطريقة تجعل منها قانونية، وهو ما نشرته جريدة وول ستريت جورنال في جوان 2004 حول مذكرة بعثها المستشار القانوني بالبيت الابيض Alberto Gonzalesحررت في 2002 يناير حول التحايل على اتفاقيات جنيف لشرعنة الأساليب غير قانونية في مكافحة الإرهاب خاصة التعذيب (ميهوب، 2010، صفحة 434).

وقد تضمنت إجراءات مكافحة الإرهاب بعد 11 سبتمبر 2001 العديد من التدابير التي استهدفت الأجانب في الدول الغربية مثل: بريطانيا وأمريكا  بالرغم من أن الجنسية ليست معيارا للانتساب للجماعات الإرهابية ، وجدت بعض الممارسات في هذه الدول بنيت على أسس دينية وعرقية اتخذت ضد جماعات محددة من غير  مواطني هذه الدول من هذه التدابير النقل القسري الاعتقال غير المحدود (ميهوب، 2010، صفحة 442)، حيث يرى الأستاذ   J. Fitzpatrikأن الأمر العسكري الأمريكي الصادر في 13/09/2001 الخاص بإحالة المعتقلين الأجانب في الحرب على الإرهاب إلى اللجان العسكرية يعد تمييزا لأنه جعل المواطنة معيارا للإحالة أمام هذه اللجان وأن معيار الدين كان أهم مظاهر التمييز .

كما قامت وزارة الدفاع الأمريكية بتجميد الأرصدة المالية للعديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية بسبب الانتماء الديني بحجة الاشتباه في تمويلها الإرهاب رغم عدم تقديم أدلة واضحة منها مثل: جمعية البركة، وجمعية الحرمين والتقوى ، وهذه الإجراءات والممارسات مخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان وكذا لقرارات الأجهزة الدولية المعنية بحقوق الإنسان وأمن الأفراد – المادة 14/1 العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية التي لا يجيز اتخاذ تدابير استثنائية استنادا إلى حالة الطوارئ متى كان مبررها التمييز بين الأفراد بسبب: الجنس، اللون، اللغة الدين، الأصل الاجتماعي المادة 14 من الاتفاقية الأوروبية والمادة 27 الاتفاقية الأمريكية مشابهة (ميهوب، 2010، صفحة 443).  

وتوجهت مختلف الدول بعد 2001 إلى تبني جملة من التدابير والتشريعات لمواجهة ظاهرة الإرهاب قصد حماية مواطنيها، وحفظ النظام العام وأمنها القومي، وزيادة التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب تحت إشراف مجلس الأمن خاصة بعد صدور القرار 1368 في 12 سبتمبر 2001 والقرار 1373 في 28 سبتمبر 2001، هذين القرارين كانا متناقضين مع ميثاق الأمم المتحدة وأهداف المنظمة، وتتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف لسنة 1949.

منح القرار 1373 الولايات المتحدة الامريكية حق الدفاع الشرعي كما هو واضح في ميثاق الأمم المتحدة، كما تم تأكيده في القرار 1368، ومن المعلوم أن حق الدفاع الشرعي يتحقق عندما تتعرض الدولة للعدوان طبقا لمادة 51 من الميثاق. كما تم تحديد الحالات التي يحق للدولة فيها استخدام الدفاع الشرعي الذي لم يتضمن الأعمال التي توصف بأنها إرهابية _ قرار رقم 3314/74_كما أن القرار رقم 1368 لم ينص على حق الدفاع الشرعي لكن يؤكده القرار 1373، والدفاع الشرعي يقوم برد فعل حال، فاذا وقع الفعل وانتهى لا يتبعه حق الدفاع الشرعي.

كما أنه تم اعتبار ما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وبالتالي المسؤول عن ذلك هو مجلس الأمن الذي يجب أن يتخذ التدابير الواردة في الفصل السابع من الميثاق، وأن يقوم مجلس الأمن بالتصدي بالوسائل جميعا_ وفق ميثاق الأمم المتحدة_ بالنظر إلى التهديدات الإرهابية للسلم والأمن الدولي (المحاميد و ياسر يوسف الخلايلة، 2010، الصفحات 121-122) .

هكذا أصبح هناك تقاطع بين الأمن والحرية بعد الأحداث، وصياغة قانون مكافحة الإرهاب المعروف باسم "patriotact "بالولايات المتحدة الأمريكية الذي كان خاضعا لتصور جديد يعكس الرغبة في أدلجة مفهوم الأمن، حيث كان من أهم النتائج السياسية المترتبة على تطبيق القانون عسكرة السياسة، واعتماد مقاربة أمنية زادت من قوة ونفوذ الأجهزة الأمنية بما لا يتناسب مع المعايير الحقوقية (الزاوي، 2016)والإنسانية. وتحت عنوان الانتهازية في مواجهة المأساة "نشرت هيومن رايتس ووتش" تقريرا وضعت له عنوانا فرعيا " القمع باسم مكافحة الإرهاب "repression in the name of anterrorism، قالت فيه إن ردود فعل الدول بعد أحداث سبتمبر 2001 كانت إما لتبرير انتهاكاتها السابقة لمختلف الحقوق والحريات وأمن الافراد، وإما لتصعيد هذه الانتهاكات تحت دعوة مقاومة الإرهاب (فرحات، 2003، صفحة 19).

ورغم تأكيد القانون الدولي لحقوق الإنسان، وكذا القوانين الوطنية لكل دولة على ضرورة امتثال كافة أعضاء الجماعة الدولية للالتزامات الدولية، خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان، وحمايتها في ظل الحملة الدولية على الإرهاب، حيث صرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن " اتخاذ التدابير الفعالة لمكافحة الإرهاب وحماية أمن الأفراد وحقوق الإنسان ليسا هدفين متضاربين بل متكاملين يعزز كل منهما الآخر، وأن احترام الأمن الإنساني ومختلف حقوق الإنسان هو عنصر أساسي في استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب.

في هذا الإطار قال الأمين العام للأمم المتحدة " إن الإرهابيين لا يخضعون لمساءلة أحد، أما نحن فيجب علينا ألا نغفل عن مسؤوليتنا أمام المواطنين في كل أرجاء العالم، فمن واجبنا أن نحرص ونحن نخوض الحرب على الإرهاب على عدم المساس أبدا بحقوق وأمن الناس..." (الامم المتحدة، 2014، صفحة 05)

صدر إذن كثير من القرارات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 2002 تؤكد على ضمان أمن الأفراد وحماية حقوق الإنسان، والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، حيث أشار القرار 57/219 الصادر 27 فيفري 2003 (الجمعية العامة للامم المتحدة تقرير اللجنة الثالثة، الوثيقة A/RES/57/219، 23فيفري 2003)،تحت عنوان حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في ظل مكافحة الإرهاب وتم التأكيد فيه على إلزامية تكفل الدولة بجميع الحقوق والحريات المعترف بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

كما أكد مجلس الأمن على مسألة التزام الدول باحترام حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب من خلال القرار رقم 1566 في 8 أكتوبر 2004، والقرار رقم 1622 في 14 سبتمبر 2005 ، (قرارات مجلس الامن رقم 1566 و القرار 1622)،كما شكلت أيضا الأساس ضمن مشروع الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب الذي كان بموجب القرار رقم 60/288 في سبتمبر 2006، حيث شمل المشروع نص خاص بضمان حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون على اعتباره من الركائز الأساسية في محاربة الإرهاب ( استراتيجية الامم المتحدة.A/RES/60/288، 2006).

كما أشار مجلس حقوق الإنسان عن طريق قراره رقم 07/07 المؤرخ في 28 مارس 2008  (ميهوب، 2010، صفحة 449)إلى ضرورة احترام الأمن الإنساني في سياق مكافحة الإرهاب. حتى وإن كانت هناك محاولات للتخفيف من المقاربة الأمنية الردعية للإرهاب، إلا أن القرارات اللاحقة للقرار رقم 1373 لسنة 2001 ذهبت في نفس الاتجاه، من خلال تطوير المقاربة الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب كما أن الرأي العام العالمي أصبح يتجه للتركيز على الأمن.

فقوانين مكافحة الإرهاب في العادة تراعي اتخاذ تدابير تكفل فاعلية إجراءات المكافحة، لكنها في الوقت نفسه تؤدي إلى انتهاك حقوق وأمن الأفراد من الناحية الإجرائية، ويبرر ذلك الحالة الاستثنائية المستمرة في الحالات التي تتعرض لها البلاد، وتتطلب من السلطات المختصة اتخاذ تدابير وإجراءات ردعية وحاسمة لمنع وقوع الجرائم الإرهابية أو لمعاقبة المجرمين من الإرهابيين (عرفة م.، 2008، صفحة 223).

العلاقة إذن بين حقوق الأفراد والأمن الإنساني والإرهاب علاقة سلبية، حيث عندما يكون الإرهاب يغيب الأمن وتنتهك حقوق الأفراد، ما يعني أن هدف السياسة الأمنية في كل دولة يجب أن يكون الفرد والدولة معا، وليس الدولة وحدها. رغم الانتقاد الشديد نتيجة للتضحية بحقوق وأمن الافراد، والحريات المختلفة أثناء مكافحة الإرهاب ، والدعوة لإقرار الموازنة بين الأمن –أمن الدولة - والأمن الإنساني، إلا أنه منذ اعتماد المقاربة الأمنية الردعية ردا على أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبح للخيار الأمني بعدا عالميا – عالمية التوجه نحو الخيار الأمني – ،حيث إن اللائحة التي اعتمدها مجلس الأمن قد فعلت طرفا واحدا في الموازنة ، أي اعتمدت تدابير لمكافحة الارهاب تركز على الجانب الأمني وتهمل الأمن الإنساني وحماية حقوق الإنسان وهذا حتى في الدول الديموقراطية (قمودي، 2013-2014، الصفحات 150-164).

المحور الرابع: عالمية التوجه الأمني للدول يضع الأمن الإنساني في مرتبة أدنى من أمن الدول أي أمن الدولة على حساب أمن الانسان.

انخرطت مختلف دول العالم في حملة مكافحة الإرهاب حتى وإن لم تكن بنفس الدرجة لاعتبارات واقعية وسياسية، ومنهجها اتسم بصفة عامة بالمبالغة أحيانا في اتخاذ التدابير الأمنية وسن تشريعات لمواجهة الإرهاب –تشريعات تمثلت أساسا في حالات الطوارئ والاستثنائية -،ما تسبب في تراجع هامش الحقوق والحريات (ميهوب، 2010، صفحة 420)، حيث أثيرت عدة إشكالات خطيرة بشأن حقوق الانسان، وأمن الافراد التي تتعلق أساسا بتفعيل أو اعتماد قوانين الطوارئ والحالات الاستثنائية (محمد و رواب جمال،، 2019، صفحة 638).

ورافقت الحرب على الإرهاب عملية تقييد وإلغاء عدد من حقوق الإنسان، وأمن الافراد عن طريق سن مجموعة من القوانين واتخاذ إجراءات عدة ، منها التفويض، استخدام القوة العسكرية ، حيث تم منذ البداية إاختيار أسلوب المواجهة الأمنية والعسكرية، وترجيح كفة مكافحة الإرهاب على حساب حقوق الإنسان، وأمن الأفراد – تكريسا لخيار القوة بدل القانون- كما فتح المجال أمام كثير  من الدول لانتهاج المقاربة الامريكية نفسها لمعالجة الإرهاب دون أدنى احترام للمنظومة القانونية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وأمن الأفراد ، على الرغم من وضع عديد من الاجراءات اتسمت بالعالمية لمكافحة الإرهاب من طرف الغرب لتحقيق الأمن ، لكنها شكلت في الوقت نفسه تهديدا حقيقيا وكبيرا للأمن الإنساني في العديد من بلدان عالم الجنوب(حقاني، 2015، صفحة 86).

وأصبح المجتمع الدولي في مواجهة ومسؤولية كبيرة أمام ظاهرة الإرهاب، خاصة بعد إصدار القرار رقم 1373 في 28 سبتمبر 2001 بموجب الفصل السابع من الميثاق عن مجلس الأمن الدولي، حيث عُدّ الإرهاب الدولي تهديدا للسلم والأمن الدوليين ما يتطلب التصدي له بجميع الوسائل وفقا للميثاق، بل حتى تقديم الحق الراسخ في الدفاع عن النفس طبقا لأحكام المادة 51 من الميثاق في مواجهة الأعمال الإرهابية. فتحول العالم مباشرة من عالم يستند إلى الشفافية في المعاملات، وتبسيط الاجراءات تعبيرا عن الحرية وقيم الديمقراطية وحقوق الانسان، إلى عالم جعل من الأعمال الاستثنائية والطارئة قاعدة يؤسس لها وينطلق منها في تعاملاته، انطلاقا من الاعتماد على نظام تشريعي يركز على الاجراءات الأمنية ما يخلق مزيدا من عسكرة العولمة، وصولا إلى بناء وتأسيس منظومات دروع أمنية شلت فاعلية الحياة ومختلف الحريات، وأصبح الإرهاب هاجسا أمنيا يعكس التحول والاختلاف في النظام السياسي الدولي (صبري، 2011، صفحة 318، 319. ).

كما أن الفقرة الثانية من القرار 1456 سنة 2003 ناشدت تكاثف وتضامن الجميع دولا ومنظمات جهوية وفرعية، (مراح، 2010، صفحة 401) علاوة على ذلك إصدار القرار رقم 2187 سنة 2014 المتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، الذي أثيرت حوله عدة نقاط مع إمكانية أن يؤدي تنفيذه على الصعيد الوطني إلى انتهاكات حقوق الأفراد (محمد و رواب جمال،، 2019، صفحة 637).

وفي إطار مواجهة مخاطر حيازة أسلحة نووية واستخدامها أو الاتجار بها أصدر مجلس الأمن القرار 1540 في 28 أفريل 2004 ثم القرار 1566 الصادر 8 أكتوبر 25004 الذي ناشد الدول لاعتماد مشروع اتفاقيةشاملة للإرهاب ومشروع اتفاقيةدولية لقمع الإرهاب النووي.

 خلاصة القول أصدر مجلس الأمن عددا كبيرا من القرارات بعد 11 سبتمبر 2001 معتبرا الأعمال الإرهابية تهديدا للسلم والأمن الدولي (ولهي، 2016، الصفحات 526-527).

وفي المملكة المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 سنت مجموعة من القوانين الجديدة تضمنت أحكام متناقضة مع حقوق وأمن الأفراد، حيث في أعقاب أحداث لندن 2005صرح توني بليز " قواعد اللعبة قد تغيرت لا يشكك أحد في ذلك ... وإذا لزم الأمر يمكننا تعديل قانون حقوق الإنسان" (مهني، 2011، الصفحات 130-131).

وفي 13/11/2001 تقدمت حكومة المملكة المتحدة بمشروع مكافحة الإرهاب، هذا القانون وسع من سلطات الحكومة، الأمر الذي شكل تهديدا لحقوق وأمن الأفراد خاصة في الجزء 4 من القانون (جعل على سبيل المثال مدة احتجاز الأجانب المشتبه في ارتكابهم الأعمال الإرهابية غير محددة.)، حيث اعتبرت محكمة الاستئناف البريطانية أن أحكامه تشكل انتهاكاللاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" (مهني، 2011، صفحة 137).

في حين القانون الفرنسي حدد المدة بستة أيام طبقا لقانون 14/2006 وفي كندا سمح القانون (س36) الذي دخل حيز التنفيذ في 24 ديسمبر2001 بتوقيف الأشخاص دون إذن قضائي إذا تبين للشرطة أسباب معقولة، وأن ذلك ضروري لتجنب وقوع أعمال إرهابية، أما في أمريكا فإن قانون patriot actتحت رقم 56 الصادر في 26أكتوبر 2001 فقد تضمن مواد منحت سلطات واسعة لأجهزة الأمن الأمريكية (ميهوب، 2010، صفحة 428) ، كما أصدر جورج بوش أمرهالعسكريmilitary ordreفي 13/ 11 /2001 الذي سمح بإيداع المتهمين بالإرهاب في السجن ومحاكمتهم أمام لجان عسكرية بصفتهم مقاتلين أعداء خارجين عن القانون، وهو الوصف الذي إنطبق على مدنيين حوكموا أمام هذه اللجان التي طبقت القانون بأثر رجعي خلافا لما نص عليه العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية  (محمد و رواب جمال،، 2019، صفحة 634).

بالإضافة إلى قبول طلب إدارة بوش الإبن في الحصول على تمديد تطبيق قانون patriot actحيث قبل المواطنون الأمريكيون تقييد بعض حرياتهم المدنية باسم ما اصطلح عليه " الخير الأكبر" وهو سلامة الأراضي الامريكية.

عموما الحرب على الإرهاب تضر بمختلف دول العالم أكثر مما تنفعها وهو ما أعرب عنه paul wilkinson بقوله "إذا قمنا بتقويض حقوقنا أو حريتنا التي اكتسبناها بشق الأنفس باسم الأمن ضد الإرهاب فإننا سنهدي الإرهابيين نصرا لم يكن بوسعهم تحقيقه بالبندقية والمسدس".

 (Buzan, 2006, p. 15).

كما أن الحرب على الإرهاب التي تمت عالميتها ليست حربا عادية ككل الحروب، بل هي حرب ضد عدو مجهول يمثل تهديدا حقيقيا للجمعات المدنية والأمن الإنساني _ فهو لا يحترم أي قاعدة حربية بل يسعى لتجسيد فلسفة الرعب والخوف (مهني، 2011، صفحة 123).

تلك الممارسات أثرت بالسلب على حقوق وحريات الأفراد، بالتالي على أمنهم بشكل طرح التساؤل حول معادلة الأمن والحرية، حيث في خضم هده الحرب طغت التدابير المضادة على قيم دولة القانون، والديمقراطية، وحقوق الإنسان بصورة حولت تلك التدابير نفسها لنوع من الإرهاب وهو إرهاب الدولة في مواجهة الأفراد.

 في هذا الإطار أعربت

هيومن رايش ووتش سنة 2002 عن قلقها بشأن تدابير مكافحة الإرهاب التي لا تزال تنهك حقوق الإنسان وأمنهم في العديد من الدول، خاصة في إطار اعتماد تدابير أمنية تقلص من الحق في الحرية وتخل بمبدأ عدم التمييز وغيره من ضروب المعاملة القاسية ولا إنسانية (Human Rights، 16 يناير 2002)..

انطلاقا من ذلك تتجه كثير من الدول كما سبق وأشرنا لتغليب الجانب الأمني على حساب أمن وحقوق الأفراد، بمعنى وضع أمن الإنسان في مقابل أمن الدولة رغم وضوح وإلزامية المعايير الدولية للموازنة بين أمن الدولة وتحقيق النظام العام وبين احترام وتجسيد أمن الافراد، هذا التوجه مرتبط أساسا بالدول ذاتها.

حيث تتوجه غالبية الدول لتغليب الجانب الأمني - وضع الأمن الإنساني وحقوق الإنسان مقابل أمن الدولة - راجع إلى رغبة وإرادة الدولة في حد ذاتها، الأمر الذي يعود بدوره إلى عاملين أساسين:

- صعوبة تحقيق الموازنة من الناحية الواقعية الممارساتية.

- عدم وجود آلية على المستوى الدولي لتحقيق هذه الموازنة.

  • صعوبة تحقيق الموازنة من الناحية الممارساتية.

الصعوبة في الجانب العملي لتجسيد هذه الموازنة ترجع أساسا إلى طبيعة هذه القواعد (قمودي، 2013-2014، صفحة 159)  ،التي تقوم على مبدأ اللزوم والتناسب ، مبدأ عدم جواز المساس بالالتزامات الدولية الأخرى، مبدأ عدم التمييز، مبدأ عدم جواز المساس بالحقوق ذات الحصانة، مبدأ الأخطار، حيث تكون التدابير التي تعمد إليها أي دولة لمخالفة وتقييد التزاماتها الاتفاقية نتيجة الظروف الاستثنائية المهددة بالقدر الضروري واللازم لمواجهة الخطر الاستثنائي- الإرهاب- الذي يهدد كيان الدولة وأمتها النظام العام فيها، لكن الدولة لها كامل السلطة التقديرية من حيث تقدير الخطر الذي يهدد الأمة وكيفية السيطرة عليه (ميهوب، 2010، صفحة 453).

كما أنه من الناحية العملية هناك صعوبة في تقدير الخطر الذي يواجه الأمة أو الدولة خاصة، إذا تعلق بالظروف بالاستثنائية التي تفتضيها ظاهرة الإرهاب، نظرا للخصائص العامة التي تميز الأعمال الإرهابية، من حيث عدم التوقع وعدم التناظر، وكذلك من قبيل هل التهديد الإرهابي يستدعي إنشاء حالة الطوارئ أم لا؟، كون ذلك مسألة يجب تقييمها على أساس كل حالة لوحدها ، لأن كل الحالات تختلف عن بعضها البعض، حيث إنه في العادة لا توقف الأعمال الإرهابية، تطبيق التدابير العادية ولا تهدد استمرار الحياة المنظمة للمجمع فلكي يشكل العمل الإرهابي حالة طوارئ ينبغي أن يكون بدرجة من الخطورة تكفي لتهديد لسلامة الدولة (ميهوب، 2010، صفحة 454).

فمبدأ اللزوم والتناسب يجعل من القواعد القانونية التي تنظم الموازنة بين أمن الدولة وأمن وحقوق الأفراد تتميز بالعمومية ونوع من المرونة التي تسمح بتطبيقها على كل الظروف الاستثنائية مهما كان نوعها، وشدتها، ووقعها على الدولة.

ويمكن للدولة من التضحية بأمن وحقوق الأفراد بالقدر الذي يجعلها تتصدى للخطر الذي يهددها، لذا على الدولة أن تعمل على بذل المجهودات الضرورية واللازمة لاحترام أمن وحقوق الأفراد أثناء مواجهتها للظروف الاستثنائية التي تهدد كيانها وأمنها.

كما أن تلك القواعد المنظمة للموازنة لم تحدد المعايير التي يمكن اعتمادها لبيان ما هو الضروري وما هو اللازم للتضحية، وهذا ليس عيبا في القواعد القانونية لكنه ضروري، لأنها تكون أمام وضعيات استثنائية تقوم أساسا على عنصر المفاجئة (قمودي، 2013-2014، صفحة 159)، وفي نهاية المطاف فتحديد ما هو ضروري وما هو لازم يرجع بالضرورة للسلطة التقديرية للدولة أي -متعلقة بإدارة الدولة_

  • عدم وجود آلية على المستوى الدولي لتحقيق الموازنة.

تجسيد الجانب الأمني للدول وأولويته على أمن الأفراد عن طريق فرض حالة طوارئ مستديمة نتيجة للخطر الإرهابي يعود لغياب آلية على المستوى الدولي تكون لها صلاحية واختصاص مراقبة مدى تطبيق القواعد القانونية المنظمة والمشكلة للموازنة بين الأمن والنظام العام باسم؛ الإرهاب وأمن وحقوق الافراد، مما يجعل السلطة التقديرية للدولة سيدة الموقف.

كما أن الآليات المتوفرة لمتابعة كل ما يتعلق بتطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان تعتمد بصفة أساسية على المعلومات المقدمة من طرف الدولة نفسها في التقارير الدورية، كما أنه إذا تم رصد المعلومات من طرف هذه الآليات الدولية لحقوق الإنسان بأن الدولة قد وضعت أولوية الجانب الأمني لها على حساب أمن وحقوق الأفراد، حيث ليس لها أي آليات سوى إبداء توصيات كما لا يمكنها توقيع أي عقوبات على الدولة المخلة بالتزاماتها. (قمودي، 2013-2014، الصفحات 160-161) على هذا الأساس هناك كثير من الآراء التي تفترض أن تحقيق التوازن يقتضي إعادة النظر في طرق عمل المنظمات الحقوقية الدولية، حيث إن كل الجهات الرقابية للأمن الانساني وحقوق الإنسان الدولي سواء رسمية أو أقل رسمية نشأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية (حداد، 2015).

لا شك أن هناك التزاما يقع على عاتق الدولة بضمان الأمن للأفراد والحريات المختلفة كقاعدة عامة، لكن هذا الالتزام ليس مطلقا بل يجوز تقييده، أي يجوز للدولة التحلل جزئيا من بعض التزاماتها في الظروف الاستثنائية التي تهدد نظامها العام، لكن هذا التحلل الجزئي يجب أن يكون وفق الشروط والضوابط، حيث يترك للدولة بشكل منفرد وتقديري تحديد تلك الضوابط(مباركي، 2016).

خاتمـة

نتيجة لاعتماد الدول الحرب على الإرهاب كنموذج لأخطر التهديدات اللا تماثلية وظهور الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب صدرت العديد من قوانين مكافحة الإرهاب تمثلت أساسا في فرض الحالات الاستثنائية وحالات الطوارئ التي تميزت بالاستدامة والدوام في حالات كثيرة، ما خلق حالة من سمو الدولة بأجهزتها الأمنية على أمن حقوق الفرد ما يتناقض مع منظومة الأمن الإنساني.

كما أنه في ظل غياب الآلية الدولية لتحقيق الموازنة الواقعية بين أمن وكيان الدولة ومنظومة الأمن الإنساني، وكذاصعوبة تحقيق الموازنة من الناحية الواقعية الممارساتية تتجه الدول لتغليب توجه الحفاظ على أمن الدولة على حساب أمن وحقوق الأفراد، هذا التوجه ا تمت تزكيته فأصبح ذا بعد عالمي بعد 11 سبتمبر 2001.

- استراتيجية الأمم المتحدة.A/RES/60/288. (2006). استراتيجية الامم المتحدة .A/RES/60/288.

-Buzan, B. (2006, february 2-4). the war on terrorism (as the new macro securitisation unpublished paper ، prepared for the Oslo wors hop)،. the Oslo wors hop.

-Human Rights- . (16 يناير 2002). مراقبة حقوق الإنسان - التقرير السنوي.

-keizo takemi. (1999). "- new forms of development toward 21century which focus on the dignity of the individual. تم الاسترداد من www.nafa .org/jp/policy/human secur/speech9906/htm

-PNUD rapport mondial،. (1994). rapport mondial sur le développement humain. -paris: paris Economico.

-rapport mondia، PNUD. (1994). rapport mondial sur le développement humain. paris: -paris Economico.

-report ,United nations. (1994). United nations، development programme، human development. -new york oxford: university، press.

-report United nations. (1994). development programme، human development. new york oxford, : university، press.

-roche, C. P. ( 2002). théories de la sécurité définition approche et concepts de la sécurité international . paris: paris Montchrestien.

-united nation report. (1994). development programme، human development. new york oxford: university، press.

-احمد فريجة، و لدمية فريجة. (جانفي, 2016). الأمن والتهديدات الأمنية في عالم ما بعد الحرب الباردة. دفاتر السياسة والقانون(العدد14)، صفحة 160.

-الأمم المتحدة. (2014). حقوق الإنسان وتدابير العدالة الجنائية للتصدي للإرهاب، منهاج تدريب قانوني لمكافحة الإرهاب، النمطية 4،. نيويورك: مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فينا، الأمم المتحدة.

-الجمعية العامة للأمم المتحدة تقرير اللجنة الثالثة، الوثيقة A/RES/57/219. (23فيفري 2003). قرار الجمعية العامة رقم 57/219 المتعلق بحماية حقوق اإانسان والحريات الاساسية في سياق مكافحة الإرهاب في 27فيفري 2003، ،.

-الزهرة تيغزة. (19 06, 2016). توسيع مشروع الهيمنة الأمريكية بعد 11سبتمبر 2001. المجلة الجزائرية للعلوم الاجتماعية و الإنسانية، المجلد 03(العدد 06).

-المختار ولهي. (15 12, 2016). مجلس الأمن ومكافحة الإرهاب الدولي في ضوء الصراع بين الاعتبارات السياسية والقانونية. مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد 9(العدد04).-

-امحند برقوق. (بلا تاريخ). التهيديات الأمنية في المغرب العربي : مقاربة الأمن الإنساني . تاريخ الاسترداد 11 10, 2019، من https://www.politics-dz.com

-بوزنادة معمر. (1992). المنظمات الإقليمية ونظام الأمن الجماعي. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية.

-تقرير لجنة الأمن الإنساني . (2003).الأمن الإنساني: حماية الناس و تمكينهم . تم الاسترداد من http://www.humansecurity-chs.org/finalreport/Arabic_report.pdf.

-جراية الصادق. (جانفي, 2014). تحولات مفهوم الأمن في ظل التهديدات الدولية الجديدة. مجلة العلوم السياسية والقانونية( عدد8، )، صفحة ص.27.

-جمال منصر،. (جانفي, 2009). تحولات في مفهوم الأمن: من أمن الوسائل إلى أمن الاهداف. دفاتر السياسة والقانون،( العدد الاول)، صفحة ص.13.

-حسن الزاوي. (26 03, 2016). مكافحةالإرهاب بين المعالجة الأمنية و احترام حقوق الإنسان . تاريخ الاسترداد 15 06, 2017، من https://www.hespress.com/writers/300253.html

-حليمة حقاني. (31 12, 2015). مكافحة الإرهاب ومنطق الأمن الإنساني. المجلة الجزائرية للدراسات السياسية، المجلد 2،(العدد 1،).

-خديجة عرفة. (2003). تحولات مفهوم الأمن ...الإنسان أولا. تاريخ الاسترداد 25 06, 2015، من http://www.islamonline.net/arabic/mafaheem/2003/09/article01.shtml

-خديجة عرفة محمد أمين. (2009). الأمن الإنساني: المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي. مجلة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، صفحة ص.33.

-خولة محي الدين يوسف، أمل يازجي. (2012). الأمن الإنساني وأبعاده في القانون الدولي العام. مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، مجلد 28( عدد02،)، صفحة 526.

-رضا شوادرة. (2018). الأمن الدولي و الدراسات الأمنية بين الاتجاه التفسيري و الطرح الإنساني الشامل. مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد 15(عدد28).

-رفيقة مباركي. (05 04, 2016). الحريات الفردية و متطلبات الأمن العام . تاريخ الاسترداد 16 12, 2017، من www.legal-agenda.com/article.

-ساسة بوست. (13 10, 2016). قراءاة أمنية في طبيعة التهديدات الجديدة بمنطقة المتوسط وأاثرها في الرؤية الاستراتيجية للجزائر. تاريخ الاسترداد 25 09, 2019، من ساسة بوست: https://www.sasapost.com/opinion/new-threats-in-middle-east/

-سلمى مشري. (جوان, 2018،). الأمن الإنساني وحقوق الإنسان: من الإقصاء والتهميش إلى التمكين. مجلة الحقوق والعلوم السياسية(العدد 10)، صفحة ص58.

-سهيلة قمودي. (2013-2014). مكافحة الإرهاب واتفاقية حقوق الإنسان ( اطروحة دكتوراه) . . قسم الحقوق كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة.

-سيد أحمد قوجيلي. (2012). تطور الدراسات الأمنية ومعضلة التطبيق في العالم العربي. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

-عادل زقاع. (5 جويلية, 2019). برنامج البحث على الأمن المجتمعي ،إعادة صياغة مفهوم الأمن . تاريخ الاسترداد 23 12, 2019، من www.geoties.com/adelzeggagh/recon1.html.

-عادل زقاغ،. (جوان, 2011). المعضلة الأمنية المجتمعية: خطاب الأمننة وصناعة السياسة العامة. دفاتر السياسة والقانون(العدد 5)، صفحة 105.

-عبد الجبار أحمد، و منى جلال عواد. (بلا تاريخ). ، الديمقراطية والأمن الإنساني. مجلة العلوم السياسية(عدد46).

-عبد الوهاب الكيالي. (1981). ، الموسوعة السياسية، ج1، (ن م ن) . المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

-عبد الوهاب محمد، و رواب جمال،. (جوان, 2019). إشكالية الموازنة بين حماية حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. دراسات وأبحاث المجلة العربية للأبحاث والدراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية، ، مجلد 11(عدد2).

-علي عباس مراد. (2017). الأمن والأمن القومي: مقاربات نظرية. بن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية، ناشرون.

-علي مراح. (15 03, 2010). دور مجلس الأمن الدولي في مكافحة الإرهاب،. المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية،، المجلد 47(العدد01).

-قرارات مجلس الأمن رقم 1566 و القرار 1622. (بلا تاريخ).

-لجنة الأمن الإنساني . (2003). موجز مفوضية الأمن الإنساني "الأمن الإنساني الآن " . تم الاسترداد من www.human / securitychs.org/final report/outlines.pdf

-محمد السيد عرفة. (2008). الإرهاب و حقوق الإنسان. تاريخ الاسترداد 24 05, 2016، من https://drive.google.com/open?id=0B7MBmF-qu4fUdmJnalQ5RXNBVW8

-محمد حداد. (15 08, 2015). في الموازنة الصعبة بين الإرهاب و حقوق الإنسان . تاريخ الاسترداد 02 02, 2016، من http://www.alhayat.com/article/823374

-محمد نور فرحات. (2003). الإرهاب و حقوق الإنسان . تاريخ الاسترداد 22 08, 2015، من https://www.bibliotdroit.com/2016/10/pdf_721.html

-مختار يحياوي. (جوان, 2018). تطور آليات مكافحة الإرهاب وانعكاساتها على فكرة الأمن الدولي والأمن الإنساني. مجلة ابحاث قانونية وسياسية( عدد6،)، صفحة ، ص.285.

-منظمة الصحة العالمية - المكتب الاقليمي لشرق المتوسط. (اوت , 2002). الصحة و الأمن الإنساني. تم الاسترداد من http://applications.emro.who.int/docs/em_rc49_7_ar.pdf

-نجدت صبري. (2011). الإطار القانوني للأمن القومي : دراسة تحليلية . دار دجلة.

-هايل عبد المولى طشطوش. (2012). الأمن الوطني وعناصر قوة الدولة في ظل النظام العالمي الجديد. عمان: دار حامد للنشر والتوزيع.

-وردة مهني. (2011). الإرهاب وحدود التمكين لحقوق الإنسان ( مذكرة ماجستير غير منشورة ) . كلية الحقوق و العلوم السياسية ، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2.

-وليام لويس، و عبد الله جمعة الحاج. (1996). تحدي الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة. الإمارات: مركز الإمارات  للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

-وليد فؤاد المحاميد، و ياسر يوسف الخلايلة. (2010). موقف مجلس  الأمن من الإرهاب على ضوء القرارات (1373.1368.748.731)،. مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 26(العدد01)، الصفحات 121-122.

-يزيد ميهوب. (2010). مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان. مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية(العدد الثاني، ،)، صفحة ص ص.448،447.

@pour_citer_ce_document

عدنان زروقي, «الأمن ذو البعد الواحد: الاختلال في الممارسة الأمنية في ظل التهديدات اللا تماثلية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 100-112,
Date Publication Sur Papier : 2022-04-27,
Date Pulication Electronique : 2022-04-27,
mis a jour le : 29/04/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8503.