سارتر والفينومينولوجيا الهوسرلية (القصدية معبر لفهم الوجود الإنساني)Sartre et la Phénoménologie husserlienne L’intentionnalité comme possibilité pour comprendre l’existence humaine
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 19-2022

سارتر والفينومينولوجيا الهوسرلية (القصدية معبر لفهم الوجود الإنساني)

Sartre et la Phénoménologie husserlienne L’intentionnalité comme possibilité pour comprendre l’existence humaine
ص ص 309-3015

جيلالي حلوز
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يعد سارتر مثالا أخر بعد هيدغر من الأمثلة التي تعبر عن العلاقة الحميمية التي جمعت الفينومينولوجيا بفلسفة الوجود، سارتر الذي حاول تطبيق المنهج الهوسرلي على دراسة الوجود الإنساني لينفتح على اثر ذلك على أفق العثور على مفهوم عن الوجود الإنساني أو الوجود لذاته. إن استخدام سارتر للمنهج الفينومينولوجي لا يمكن فهمه إلا بالعودة إلى هوسرل نفسه على اعتبار استعانته به في ذلك قبل أن يثبت تميزه عنه بتوجهه بالفينومينولوجيا وجهة دراسة انطولوجيا الوجود الإنساني.

معلومات حول المقال

تاريخ الاستلام 24-03-2020

تاريخ القبول 04-10-2021

 

الكلمات المفتاحية

الفينومينولوجيا

المنهج

القصدية

الأنطولوجيا

Apres Heidegger, Sartre est un exemple qui explique la relation étroite qui uni la phénoménologie a la philosophie de l’existence, Sartre a voulu applique l’approche Husserlienne sur l’étude de l’existence humaine. L’utilisation par Sartre de l’approche phénoménologique ne peut se comprendre sauf si on revient à Husserl lui-même, considérant son aide avant qu’il ne prouve singularité son orientant la phénoménologie dans l’étude de l’existence humaine

. 

      Mots clés

Conscience

méthodologie

intentionnalité

ontologie

Sartre is another example after Heidegger of the examples that express the intimate relationship that combined phenomenology with the philosophy of existence, Sartre, who tried to apply the Husserl method to the study of human existence to open up to the prospect of finding a concept of human existence or existence for itself. Sartre’s use of the phenomenological method can only be understood by referring to Husserl himself, given that he used him in that before he proved his distinction from him by his approach to phenomenology and the study of the ontology of human existence.

Keywords

Phenomenology

method

intentionality

ontology

Quelques mots à propos de :  جيلالي حلوز

د. جيلالي حلوز   Dr. Djilali halouz جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان،الجزائرdjilali.kadi75@gmail.com

مقدمة

مما هو مؤكد أن المنهج الفينومنولوجي أسس من طرف هوسرل ومعترف به في فرنسا كأداة امتياز للمعرفة الفلسفية، فهوسرل وهيدغر أخذا مكانة عالية ووضعية استراتيجية في فرنسا أو بالأحرى في الفلسفة الفرنسية، ففي كتاب (الوجود والعدم) مجدت الفينومينولوجيا كحضور، كأصالة لانتقال العالم وتعاليه بدون ورائية العالم ليصبح هو العالم الوحيد الموجود وهو الوحيد الصالح لوصف الوضوح بالنسبة للوعي لأنها تسمح لكل ثنائية بالطفو عيانا (Dastur, 2011)

كيف يمكننا أن نقرأ الفهم السارتري للفينومينولوجيا الهوسرلية؟ بدأ سارتر مع هوسرل وانتهى إلى ما لم ينتهي إليه هوسرل ذاته، كيف ذلك؟ وكيف اعتمد سارتر القصدية معبرا لفهم الوجود الإنساني؟

يعد سارتر بوابة الفينومينولوجيا في فرنسا على اعتبار أنه أول من مهد الحضور لفينومينولوجيا هوسرل في فرنسا، وهذا السبق لم يكن سبقا زمنيا، فقد سبقه لذلك كل من ليفيناس ومرلوبونتي ودلبوس وغيرهم، إنما السبق هنا كما ذكرنا سالفا سبق عملي، فمن المعروف أن مقال سارتر الشهير عن القصدية والذي كتب سنة 1934 قبل أن ينشر سنة 1939 وهو أول ما كتب سارتر متأثرا بفينومينولوجيا هوسرل وذلك عقب إقامته في برلين بعد اطلاعه على المقالة الأصلية لهوسرل والتي كانت تعبر عن ذلك الهم القابع في الداخل السارتري والحالة النفسية التي كان يعيشها في مواجهة تلك التيارات الفلسفية القديمة (برنشفيك-لالاند-مايرسون) وكان أهم اكتشاف له في الفينومينولوجيا فكرة القصدية وامكاناتها والتي وجد فيها المخلص من تلك الوضعية الأليمة وكأنها تعبر عن اهتماماته الواقعية التي كان ينشدها، وتجنبه الغرق في أعماق الوعي .

فقد أشار سارتر أن « الوعي يتحدد بالقصدية، هذه الجملة تنحدر إلى ذلك النص المشهور الذي كتبه حول القصدية أين ألح سارتر أنه اكتشف عند هوسرل أن (كل وعي هو وعي بشيء ما)، من دون شك تلك هي الفكرة الأساسية التي انجذب من خلالها سارتر للفينومينولوجيا» (Mazzu, 2007)

في مقاله السالف الذكر حول القصدية قدم سمات الوعي في الفينومينولوجيا وركز كثيرا على مقولة هوسرل « كل وعي هو وعي بشيء ما « لكن الوعي مثلما دافع عنه في هذا المقال ليس له داخل، وهنا يكتشف القصدية ويقدمها ويبرز أهم ما سيستقيه منها وهو الوجود في الخارج، خارج الوعي (عطية, 2016).

«لقد افرغ الوعي من محتواه الثقيل ونظر إلى القصدية على أنها تسحب الإنسان من رطوبة الحميمية من أجل إلقائه خارج ذاته،بعيدا عن الذات نحو ما ليس ذاتا بالقرب من الأشياء» (Mazzu، 2007)، حيث يصبح الوعي فارغا لا شيء فيه سوى حركته التي يخرج بها عن ذاته خارج الذات، وإذا تصورنا أنه يمكننا الدخول في وعي ما، فلن نجد أنفسنا إلا وقد ألقي بنا في الخارج في العالم بين الأشياء قرب الشجرة ووسط الغبار، لأن الوعي ببساطة ليس له داخل، كله خارج وهو ما يشير إليه سارتر بفكرة «الانفجار نحو» الذي يلقي بنا خارج ذواتنا وسط الأشياء، وهو ما يوحي بالامتداد إلى فكرة هوسرل «كل وعي هو وعي بشيء ما» وهي فكرة تنزع نحو التعالي، كما أنها فكرة تحيلنا من جهة أخرى نحو عبارة هيدغر الشهيرة «الوجود وجود في العالم» على اعتبار أن الوجود هو حركة وانفجار في العالم، فكرة تقضي على تلك المحايثة المزعومة عند الكلاسيكيين، فالفكر أو الفلسفة قبل ذلك اتصال مباشر بالأشياء لإحداث الملموس، فمفهوم القصدية إذن يتماثل تماما وما أسماه سارتر «فصيل من الطوارئ» أو كما قال لاحقا «أبحاثي حول الوعي كانت من أجل إعطاء عمق فلسفي للواقعية» (Mazzu، 2007)

إن القصدية هي أن يتجاوز الوعي ذاته، هي كيفية لكشف العالم، العالم في المقابل سيخبرنا عليه، القصدية هي بناء أي فعل من أفعال الوعي ، هيكل كل فعل للوعي حتى الأحاسيس والمشاعر، فكراهية أي إنسان، هي كيفية أخرى للانفجار نحو الآخر واكتشاف العالم، أي أن نجد أنفسنا فجأة أمام أجنبي، يعاني يتألم مما أطلق عليه من كراهية، فالأشياء تكشف لنا عن ذاتها، كونها قابلة للكراهية والحب والخوف(Mazzu, 2007)، وهو ما قاد سارتر إلى الاستخلاص أن وجود الأشياء كلها في الخارج حتى نحن أنفسنا، إذ لا يمكن أن نكشف أنفسنا منعزلين، فنحن دائما في العالم وبين الأشياء أناس بين الناس، وهي الخصوصية التي تجعل من الوعي بالوجود وعي بشيء ما؛ أي أن الوعي مرتبط دائما بموضوع ما، أن أدرك حسا ما، ما هو إلا إدراكا لشيء ما وأن نتذكر هو أن نتذكر شيئا ما (عطية، 2016).

فهوسرل من قبل اتخذ من مقولة (الأنا المتعالي) مقولة أساسية على اعتبار أنها الحقيقة النهائية التي يصل إليها بعد عمليات الردود الفينومينولوجية إذ يقول : «هناك الأنا الجسماني الذي يرتبط بالجسد، وهناك معنى مختلف تماما للأنا، ألا وهو الوعي، حيث أنه وبواسطته يرتبط كل وعي فردي بمعنى التفكير» (E.Husserl، 1991) فقد فصل هوسرل بين الأنا الجسماني والأنا الواعي وأعطى أولوية القدرة على تأسيس الموضوعات وجعلها محتواة داخل الوعي إذ يقول: «الأنا الواعي يستطيع في كل لحظة أن يرسل نظره التأملي على هذه الحياة، سواء كانت إدراكا أو تصورا أو حكم قيمة أو تقريرا إراديا»(E.Husserl، 1953)

فقد اهتم هوسرل بدراسة الوعي والخبرة الكامنة فيه دون الاهتمام بعلاقة الوعي بالأشياء ، وهو ما يآخذه عليه سارتر على أنه وقع في خطأ الفلسفات السابقة وهو خطأ عدم وجود علاقة بين الذات والموضوع أو الوعي والعالم (سباع، 2015رفض سارتر فكرة الأنا المتعالي وأدخل مسافة نفسية بين الوعي وموضوعاته من خلال فكرة العدم، حيث ميز بين (الوجود - لذاته) و(الوجود-في ذاته)، فقد ناقش في بداية كتابه ( الوجود والعدم) مفهوم العدم انطلاقا من مقولة هوسرل «كل وعي هو وعي بشيء ما» بين خلالها أن ما نفهمه من هذه العبارة هو أن الوعي إما أن يرتبط بالوجود وموضوعاته أو أن الوعي هو وجود متعال، ففي الأولى إمكانية مستحيلة لأن الوجود هنا وجود عيني مختلف عن الوعي، وفي الثاني أجرى سارتر تعديلا حيث يجب أن يكون الموضوع متميزا عن الوعي في غيابه لا في حضوره ، أي أنه يريد أن يحرر الوعي من تحديد الخبرة بصورة مسبقة(سباع، 2015)، حيث يقول :» إنها تحرر الوعي من الذهول القريب من التخيل من أجل مواجهة الداخل(Mazzu، 2007) .

والملاحظ في فينومينولوجيا هوسرل أن فكرة القصدية الأشياء فيها لا تغادر ساحة إدراكنا بشكل دائم، وأن ما دون ذلك غير موجود بالنسبة لنا، فما أراه أمامي يمكنني وصفه بكل خصائصه من شكل ولون وغيره، وإن حصل غيابه يصبح لا يوجد وعي لما هو موجود بعيدا عن أعيننا، لكن هل يتوقف هنا وجود هذا الشيء الذي نراه اليوم على وعي به؟

في نظر هوسرل يبقى موجودا في ذاته ولكنه غير موجود بالنسبة لنا ويعطي بذلك مثال الشجرة التي نراها من النافذة، فإنا نرى الأغصان والأوراق والثمار فنتعرف عليها أنها شجرة كذا وكذا لكن بمجرد أن أغلق النافذة تصبح الشجرة غير موجودة بالنسبة لنا رغم أنها موجودة في ذاتها، وقد أظهر ذلك في قوله:«كل وعي هو وعي بشيء ما» هذا يعني أنه لا يوجد وعي ليس موضع موضوع متعال.

فقد أكد هوسرل في العديد من المراجع أن هذه الميزة الأساسية للقصدية؛ أي إعطاء الذات فينومينولوجيا بمعنى أن كل إدراك في حد ذاته ليس فقط هو وعي بموضوعه، لكنها تجعل موضوعها واعيا بطريقة واضحة، وبالتالي فالإدراك هو وعي الرؤية وامتلاك الموضوع في الجسد كما هو مستهدف، فمن الضروري أن نفهم أن الوعي بالمفهوم الهوسرلي يخلق الكائن الذي يبدو له ويكون في الواقع (Mazzu، 2007).

في هذا الصدد يرى سارتر أن كل وعي هو وعي غير متموضع في ذاته كالوعي المتوضع في ذات، على اعتبار أن الوعي ليس له محتوى، فعندما أرى قبعة أمامي فأنا لست واع بما يظهره لي هذا الشيء، فهو لا يمكنه كشف النقاب عن نفسه، هذا يعني أن الوعي هو فقط الذي يظهر شيئا، فإن وضع شيء على أنه موجود لا يعني فرض وجود تمثل، فالإدراك ليس هلامية ولكن هناك شيء ليس له نفس الترتيب مثل الوعي وبالتالي فإن الوعي موضعي في أنه يخترق نفسه للوصول إلى شيء ما هو منهك في هذا الموقف (J.P.Sartre، 1943)

ومن هذا المنطلق فإن الوعي ليس له داخل وليس سوى تلك العفوية غير المشروطة حيث تظهر الأشياء وتفاجئنا بوجودها كخارج وعليه فإن وضع الشيء ليس إجراء جرد لصفاته أو وجوده كما يقول ذلك هوسرل عندما قدم لنا مثال الشجرة ونحن ننظر إليها من النافذة، وإنما الوعي هو بالفعل وسيلة للاستيلاء على نفسي أو طريقة لتخصيص وجودي للقيام بذلك وجعله لي وكسر ذلك اللاتجانس بينه وبيني، فهو بذلك وسيلة للإشارة إلى شيء ما (Mazzu، 2007)

فإذا كانت القصدية هي التي تحدد الوعي، فإن كل وعي قصدي هو وعي بذاته وغير ذلك سيكون تناقضاً لا مَحَالة، إذ يقول سارتر:» إذا كان وعي لم يكن على وعي بكونه واعيا للطاولة، فإنه سيكون واعيا بالطاولة دون أن يعي وجودها، أو أحدا يريد وعيا يتجاهل ذاته؛ أي وعي لا واعي وهو أمر سخيف» (J.P.Sartre، 1943).

لقد وجه سارتر نقدا لأهم النظريات البينذاتية (هوسرل .هيدغر وحتى هيغل) معتبرا إياها فكرا غير واقعي أو فكرا من دون تجربة وهذا ما يؤكد مرة أخرى انفصاله عن الفلسفة الترنسندنتالية أو عن الوعي الذي يحمل العالم ويكونه ويختزله في معنى، فالعلاقة بالأخر أو بالعالم لدى سارتر علاقة كينونة لا تتحقق إلا على مستوى أنطولوجي خارج الوعي، فكينونتي لا تتحقق إلا عبر تلك العلاقة، فقد اعتبر الذات الهوسرلية ذاتا كانطية على اعتبار العلاقة بالعالم التي علاقة معرفية نظرية، في حين أن الوعي عند سارتر هو من طبيعة غير ماهوية رغم أن نظريته تتأسس على الكوجيتو، لكن الكوجيتو بالنسبة له ليس أكثر من نمط كينونة كما أن الأنا لا يمكن ربطها بالتفكير (بوطيب، 2019) ، فالشرط الضروري والكافي للوعي لجعل هذا الكائن يبدو هو أنه مدرك لنفسه على أنه يطرح هذا الشيء بدقة، ومع ذلك فإن هذا الوعي لا يكون فعل الوعي كشيء، هذه المعرفة ستسجل العلاقة القصدية كقسم داخلي وهو ما يفترض فعلي أنا، لذلك فإن العلاقة القصدية لا يتم تبريرها بأي شكل بالفئات المناسبة للعلاقات بين هذا الشيء أو ذاك مثل العلاقات السببية، فالوعي السببي لا يسجل أي تأثير للأشياء على ذلك، فالوعي لا يشير إلى مثل هذه الأشياء كرد فعل لأي حافز بمعنى أن الوعي لا يعي علاقته بالأشياء، فمجرد الحكم لا يأتي بعد إنشاء الروابط (Mazzu، 2007).

«فإن اختزال الوعي في المعرفة يعني ضمنيا أن ثنائية الذات والموضوع يتم خلقها في الوعي»(J.P.Sartre، 1943)، فالوعي الذاتي هو حكم ذاتي مباشر وغير معرفي وهو ما أسماه سارتر بالكوجيتو القبل تفكري، فالأشياء لا تعطي نفسها لي عن طريق التوصفات المتعاقبة كشيء أو كموضوع، لذلك لا يمكنني الحكم على قيمة هذا الشيء لكن ليس على قيمة الفعل، فحضور الكتاب أمامي لا يمكنني من القول أن إدراكه واضح، هي أن لا نقول شيئا أكثر من الأشياء التي تظهر بشكل واضح، هذا التقدير لا يتعلق بفعل الوعي ذاته لأنه موجه إلى الخارج.

فالقصدية إذن هي الحل الجديد والمعجزة تقريبا بالنسبة إلى سارتر (كما يقول دومينيك جانيكو) أو ما يشبه المعجزة يتم من خلاله تجاوز المثالية الواقعية والثنائية (الذاتية والموضوعية) من خلال علاقة سابقة وهي الحقيقة الغير قابلة للاختزال والتي لا يمكن لأي صورة جسدية تقديمها، انفجار الوعي عن العالم، من وعي شيء أخر غير الذات، إذ لا يوجد وعي خالص، تأخذ من علاقة قصدية مسبقة» (Janicaud، 2009).

«فالوعي المباشر -كما يقول سارتر- كما أتخيله لا يسمح لي بالحكم أو الرغبة أو الخجل، ويضيف إنها علاقة مباشرة بالذات كانفجار خالص خارج الذات، إذ لا يمكن اعتبار الوعي الذاتي وعيا جديدا ولكن كيفية وحيدة للوجود الممكن من أجل وعي بشيء ما»(J.P.Sartre, 1943) فالقصدية الغائبة عن ذاتها لن تكون مختلفة عن العلاقة التي تربطها بالأشياء، لهذا السبب يرفض سارتر فكرة كل داخلية للوعي، فالوعي بهذا المنظور لن يختلف كما يقول عن الهضم المعوي البسيط.

فوعينا لن يكون أكثر من مجرد ملاحظة لاستيعاب الأشياء في مضمون الوعي، لكن مثل هذه الملاحظة تهم أولئك الذين يحطون من حقيقة الوعي لبعض ردود الأفعال العصبية، فالنظام العصبي لا يستقر على شيء ما أو ما يؤثر عليه، فهو خامل وسلب، فالعلاقة القصدية إذن لا تختزل في الاستكشاف المعرفي للأشياء، لأن الوعي ليس في الأصل علاقة معرفة، بل علاقة وجود، لأن المعارف لا تقدم شيئا حاضرا لكنه معروف، فكل استكشاف معرفي يستند إلى كيفية وجود يجري بها ذلك وتحيلني إلى الخارج ولا يمكن أن يفسر أي معرفة، إنها علاقة الوجود التي تجعل كل معرفة ممكنة وهي كيفية أخرى للقول أن الوجود يسبق الماهية، فالقصدية هي كيفية للوجود قبل أن تكون ماهية، إنه إذن (وجود مطلق وليس معرفة)(J.P.Sartre, 1943) فمن المستحيل أن نعطي للمعرفة دافعا أخر مما تفعله بنفسها (Mazzu, 2007) إنه يقول : «المعرفة ليست سوى ضرورة للحقيقة» (J.P.Sartre, 1943).

أما فيما يخص التوصيف الذي قدمه هوسرل لم يمكنه من رسم حدود المفهوم الجديد للوعي الذي تستدعيه فينومينولوجيا القصدية، إلا من خلال حواره الجاد مع فرانز برانتانو حيث بقي «فيما هو جوهري حبيس الأحكام المسبقة للتراث الطبيعاني والذي هو في الحقيقة انقلاب هوسرل بحوث منطقية على هوسرل نفسه صاحب فلسفة الأرتيميتيقا، حيث كان استخدام الأطروحات التجريبية والنفسية لأستاذه برانتانو بما في ذلك ما يتعلق بفكرة القصدية، وإن توضيح المفهوم الجديد للوعي من حيث هو قصدية ليقتضي مراجعة مفهوم الظاهرة ومبدأ التمييز الذي ميز بمقتضاه برنتانو الظاهرات النفسية من الظاهرات الطبيعية»(بن أحمد يوسف, 2006)

لقد استخدم هوسرل الوصف البرانتاني لخصائص الظاهرة النفسية، وقدمه في أطروحتين أساسيتين جعلهما كأساس لفينومينولجيا الدلالة في البحوث المنطقية، وفينومينولجيا الوعي المتعالي في الأفكار الأولى، أولها: أن كل فعل واع هو وعي بشيء ما. والثانية أن كل الظاهرات النفسية هي تمثلات أو مؤسسة على تمثلات. (E.Husserl،  1953)

والظاهر في هذا أن التأويل الشيئي الذي قدمه برنتانو داخل هذه التوصيفات السالفة الذكر هو ما جعل هوسرل يجعل من القصدية بنية للوعي، فما هو جلي حقا أن هذا التأليف بين الخاصة الأولى المتصلة بظاهرات الوعي والعبارة الشهيرة «اللاوجود الباطني القصدي» والمؤول تأويلا شيئيا من قبل برنتانو هو الذي أوحى إلى هوسرل أن القصدية فعلا هي بنية الوعي الأساسية (يوسف بن أحمد 2008)

وعليه لا يمكن فهم وظيفة القصدية في بحوث منطقية بوصفها الفعل المعطي للدلالة، والقصد المالئ لقصد هذه الدلالة من خلال الإحالة إلى موضوع الحدس، إلا إذا أوضحنا معنى الوعي الفينومينولوجي من حيث «هو وعي قصدي» من جهة و «وعي دلالة» من جهة ثانية (إ.هوسرل، 2010).

إن البحث اليوم في القصدية على اعتبارها المؤسس للفينومينولوجيا لا يمكنه إلا أن يعد بمثابة الردة الفلسفية والارتداد إلى ما دون البحث الفينومينولوجي ذاته، فالوفاء لروح البحث والتأمل الفينومينولوجي لا يكمن في الخطاب المردد لمبادئ ونظريات مذهب هوسرل، بقدر ما يكمن في المسألة التي تسائل الفينومينولوجيا ذاتها عن إمكاناتها وتنظر فيما لم بتفكر به، وتسعى إلى الإفصاح عن مواطن الإشكال وتبيان ضروب الاحراجات التي منعتها من تفعيل إمكاناتها وتحقيق ماهيتها التي باتت فكرة مثالية لا متناهية ممتنعة الإنجاز، بحيث أن مختلف الصياغات النظرية للفينومينولوجيا لا تكون سوى مداخل أو مقدمات لا أكثر تردد ذلك في عناوين ومضامين مؤلفات هوسرل نفسه (يوسف بن أحمد، 2008)

هذا وقد انتقل هوسرل من الذات النفسية في «بحوث منطقية» إلى الأنا الباطني في الأفكار الجزء الأول من أن وصف الظواهر الشعورية لا يحتاج إلى أنا موحد للمعارف يعطي خلالها للأشياء وحدتها وفرديتها على اعتبار أن الوعي قصدية تتوحد في الزمان (سارتر، 2005).

وعليه إذا نحن أقررنا أن خاصية القصدية لا تقتصر على التفكير التمثلي والمعرفي، فإنها ستكون بذلك حركة الانفتاح على ما هو آخر وغير، ففهم نظرية القصدية في صلتها بمفاهيم الدلالة والحدس والوعي تستدعي العودة إلى نص بحوث منطقية 1900/1901 وحتى نتبين عدم كفاية هذه النظرية التي ظلت تدور بين المثالية المنطقية الصورية « والماهية القصدية» و«وعي الدلالة» و«التمثل التمثلي» دون أن تفضي إلى الموضوع القصدي أو الشيء عينه الذي لا يمكن إلا أن يبقى خارج متناول القصد الدلالي، وعليه فنقائص نظرية القصد المنطقية في مؤلف بحوث منطقية هي التي شرعت لفينومينولوجيا الأفكار الأولى ضرورة ابتداء المنعطف المتعالي، لكن ألا تصبح القصدية باعتبارها حركة فرق تفيد اللاشيء وتقضي على كل أساس من شأنه يقوم؟

إنها المسألة السارترية التي أعاد من خلالها تجذير المسألة القصدية فتبنى اقتضاء التعديل في مفهومها ليعيد تفسيرها مستعملا في ذلك الدليل الأنطولوجي. فيقول إن القصد المتبادل يعني أن التعالي هو البناء المكون للوعي أي أن الوعي يولد محمولا على وجود ليس هو وجوده، بمعنى أن هناك وجودا يكشف عن نفسه من خلال القصدية ليس هو معنى القصدية الذي لم يعرف هوسرل خاصيته الجوهرية، وهكذا حاول سارتر في بداية الأمر العثور على عالم الموضوعات الذي لا يمكن ارجاعه أو استنباطه من المادة الحسية. (سارتر، 2005)

لقد نقد سارتر القصدية الهوسرلية مثلما فعل ذلك إيمانويل ليفيناس على اعتبار أن القصدية تفرغ الوعي من محتواه، وتجعل من هذا الفراغ علاقة تتميز عن أطرافها وتتجاوزها لتكون على استعداد كي تحدد ما يتحدد كموضوع وعي (Levinas, 1972). كما يقول سارتر «الوعي لا داخل له، ليس الوعي إلا ما فيه خارج وإنه هروبه الدائم هذا ورفضه أن يكون جوهرا، ذلك هو ما يجعل منه وعيا، تصوروا الآن سلسلة مترابطة من الانفجارات تنزعنا عن ذواتنا، ولا تترك لذواتنا الوقت كي تتشكل خلفها بل على العكس من ذلك ترمي بنا من ورائها في غبار العالم الجاف، فوق الأرض الصلبة وبين الأشياء تصوروا أننا ألقي بنا هكذا وقد أهملتنا طبيعتنا في عالم عنيد يناصبنا العداء ولا يكترث بنا، عندئذ قد تكونوا أدركتم المعنى العميق للاكتشاف الذي يعبر عنه هوسرل «كل وعي هو وعي بشيء ما» فإذا حاول الوعي أن يعود إلى ذاته ويتحد معها وينغلق على نفسه انعدم (J.P.Sartre, 1974)

ومن جهة أخرى فإن الخيط الثاني الذي يتبعه سارتر فهو البدء من مثالية هوسرل التي يرفضها لإثبات العالم الخارجي كي يقيم فلسفة يصبح فيها العدم موضوعها الأوحد، فإذا كان الوعي كما يريده هوسرل هو وعي بشيء فإنه يصبح وعيا واضحا يضع موضوعه كمضمون له، ولا يكون الموضوع الذي يضعه الوعي نوعا من المعطيات المحايدة التي تكون عالما ما (سارتر، 1966).

كما يرى سارتر أن هوسرل قد أعطى الوعي بطريقة اصطناعية (سارتر، 2005) وحتى القصدية التي يكشفها هوسرل وكذلك برانتانو من قبله لها خاصية جوهرية وهي الانتزاع عن النفس، وليست فقط خاصية معرفية في تكوين الوعي، وهذا الانتزاع يكشف عن العدم داخل الوعي، خاصة وان موضوعه كان سلبا محضا نظرا للاواقعية. (سارتر، 1966) هذه المحاولة من سارتر كان يهدف من وراءها إقامة وصف خالص للوعي، بوصفه أنا موجود في العالم ومع الآخرين. (سارتر، 2005) وعلى إثر ذلك ينتهي سارتر إلى أن الوجود لا يأتي من الوجود المدرك، لأنه ليس مدركا على الإطلاق، لأن الوعي يتخطاه نحو الموضوعات، فحتى ولو افترضنا وجود طبقة مادية لقالب الفكر، فكيف يمكن للوعي أن ينتقل من الذات وأن يتخطاه نحو الموضوع؟ وقد ظن هوسرل أنه بإعطائه المادة صفات الشيء وصفات الوعي يمكنه تسهيل الانتقال من أحدهما إلى الآخر، ولكنه انتهى إلى خلق وجود ميت يرفضه الوعي ولا يمكن أن يكون جزءا من العالم. (سارتر، 2005)

فالوجود المدرك كما يقول سارتر هو وجود أمام الوعي وليس فيه، بل ومنقطع عنه، يفترض سارتر أن هوسرل لا يزال أسير التصور القديم فيفترق عنه ويتوجه إليه بالنقد في مواضع ثلاثة أولها: فكرة إحياء المادة الحسية التي جعلها هوسرل من مهمة الصورة والقصد المخيل. أما الثانية: فهي فكرة ملء المقاصد الفارغة التي يجعلها هي الأخرى من مهمة الصورة. وأخيرا فكرة تفرقة بين حفظ الماضي واستعادة الذكريات. ورغم ذلك يبقى سارتر شديد الارتباط بفينومينولوجيا هوسرل في تأسيسه لعلم النفس الفينومينولوجي على إثر تلك التطبيقات التي قدمها لتتوج بمنهج جديد في الوجود الإنساني تضمنها كتابه الوجود والعدم، لذلك يقال أن سارتر بدأ من هوسرل ولكنه ينتهي إلى ما لم ينته إليه هوسرل نفسه. (سارتر، 1966)

 لقد انطلق سارتر إذن من حيث بدأ هوسرل ليؤسس علما آخر هو علم الوجود الفينومينولولجي وهي رؤية جديدة للفينومينولوجيا على أنها منهج لدراسة الوجود وفلسفة تدور حول إثبات الموضوعات والأنا الموجود في العالم ومع الآخرين. فالجديد في فلسفة سارتر هو رد الاعتبار للعالم الخارجي، ووجود الموضوعات ويرفض بذلك رد هوسرل ويعتبره مجرد تفكير إرادي ويشير إليه على أنه معجزة ولكن ليس بمعنى الرفض القطعي، وإنما بمعنى التأخير وينظر إليه على أنه قلق يفرض نفسه علينا، ولا يمكن تفاديه.

 

المراجع

Dastur, F. (13/2011). Réception et non-réception de Hiedegger en France . Revue germanique internationale –(En ligne)

E.Husserl. (1953). Méditations Cartésiennes / introduction a la phénoménologie. paris: VRIN.

E.Husserl. (1991). problèmes fondamentaux de la phénoménologie . (t. J. English, Trad.) (paris . presses universitaire de France): Epiméthée.

J.P.Sartre. (1943). LEtre et le Néant.-Essai dontologie phénoménologique. tel Gallimard.

J.P.Sartre. (1974). une idée directrice . dans la phénoménologie de husserl lintentionnalité . in situation . .gallimard.

Janicaud, D. (2009). la phénoménologie dans taus ses états. Fotio essaisGallimard.

Levinas, E. (1972). sans identité .humanisme de lautre homme . montpelier: fata morgana.

Mazzu, L. C. (2007). Questions sur lintentionnalité . B.Bruxelles: Ed OUSIA.

إ.هوسرل. (2010). . مباحث منطقية « مباحث في الفيمياء ونظرية المعرفة (éd. ط1, Vol. الكتاب 2. الجزء الأول المبحث الثاني الفقرة 27). (.. :. وهبة, Trad.) كلمة بالاشتراك مع المركز الثقافي العربي.

أحمد, ي. ب. (2008). الظاهرة والمنهج « فينومينولوجيا هوسرل «. تونس: مركز النشر الجامعي.

أحمد, ي. ب. (2006, ديسمبر ). « القصدية ومشكل تأسيس الفينومينولوجيا عند هوسرل ، ، . حوليات الفينومينولوجيا والتأويلية , المجلد الأول، (العدد1، 1/6),.

بوطيب, ر. (2019). نقد الحرية – مدخل إلى فلسفة إيمانويل ليفيناس . (Vol. الطبعة الأولى). (ت. أ. هونيت, Éd.) لبنان: منشورات ضفاف .ومنشورات الاختلاف.

سارتر, ج. ب. (1966). الوجود والعدم ، بحث في الأنطولوجيا الظاهراتية . (ت. ع. بدوي, Trad.) بيروت: منشورات دار الآداب.

سارتر, ج. ب. (2005). .»تعالي الأنا موجود» (éd. الطبعة الأولى). (ت. ح. حنفي, Trad.) بيروت: .دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع .

سباع, م. ب. (مارس 2015.). تحولات الفينومينولوجيا المعاصرة – مرلوبونتي في مناظرة هوسرل وهيدغر . (Vol. الطبعة الأولى). بيروت: المركز العربي للدراسات السياسية.

عطية, أ. ع. (2016). الفينومينولوجيا الخالصة والجماليات الفينومينولوجية – . . مجلة أوراق فلسفية

@pour_citer_ce_document

جيلالي حلوز, «سارتر والفينومينولوجيا الهوسرلية (القصدية معبر لفهم الوجود الإنساني)»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 309-3015,
Date Publication Sur Papier : 2022-12-07,
Date Pulication Electronique : 2022-12-07,
mis a jour le : 07/12/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9188.