رقابة البرلمان على أعمال السلطة التنفيذية -دراسة مقارنة بين الجزائر والمغرب-Censorship of the legislative power over the facts of the executive power – a comparative study between Algeria and Morocco-Censure de pouvoir législatif sur les faits du pouvoir exécutif -étude comparative entre l’Algérie et le Maroc-
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 19-2022

رقابة البرلمان على أعمال السلطة التنفيذية -دراسة مقارنة بين الجزائر والمغرب-
Censure de pouvoir législatif sur les faits du pouvoir exécutif -étude comparative entre l’Algérie et le Maroc-
Censorship of the legislative power over the facts of the executive power – a comparative study between Algeria and Morocco-
ص ص 299-308

لخضر بن سهيل
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

إنّ رقابة السلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية، تعد نتيجة مباشرة لإقرار المؤسس الدستوري لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يهدف إلى تحقيق التوازن والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بما يضمن خضوع الهيئات الحاكمة للقواعد الدستورية، غير أنه وبسبب هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية في كل من الجزائر والمغرب، وأمام تراجع دور البرلمان الرقابي فيهما، فإنّ دور الرقابة البرلمانية كآلية قانونية لضمان نفاذ القواعد الدستورية يصبح في البلدين المغاربيين على المحك.

معلومات حول المقال

تاريخ الاستلام 14-12-2019

تاريخ القبول 29-06-2021

 

الكلمات المفتاحية

الرقابة

 البرلمان

 السلطة التنفيذية

 

La censure du pouvoir législatif sur les faits du pouvoir exécutif est un résultat direct pour que le fondateur constitutionnel établisse le principe de la séparation des pouvoirs qui vise à réaliser l’équilibrage et la coopération entre   les deux pouvoirs exécutif et législatif. Ce qui assure l’obéissance des   organismes gouvernementaux aux règles de la constitution. Néanmoins, et à   cause de la suprématie du pouvoir législatif sur le pouvoir exécutif en Algérie et au Maroc, et devant le recul du rôle de la censure du chef du parlement dans les deux pays, la censure du parlement comme mécanisme juridique pour assurer l’exécution des règles constitutionnelle dans les deux pays maghrébins est mise à mal. 

      Mots clés

Censure

Parlement

Pouvoir exécutif

 

 

 

 

The legislative authority’s censorship of the executive authority’s work is a direct result of the constitutional principle of the separation of powers, which aims to achieve balance and cooperation between the executive and legislative authorities, in a way that ensures that the governing organizations are subjected to constitutional rules. However, due to the executive authority’s dominance over the legislative authority in Algeria and Morocco, and with the decline of the parliament oversight role of both of them, the censorship of parliament as a legal mechanism to ensure the enforcement of constitutional rules in the two Maghreb countries is undermined.

Keywords

Censorship

Parliament

Executive Power

 

  

 

Quelques mots à propos de :  لخضر بن سهيل

د. لخضر بن سهيل Dr. Lakhdar Bensehil  جامعة محمد لمين دباغين سطيف2،الجزائرbensehillakhdar@yahoo.com

مقدمة

لقد انتهى الفكر الدستوري في أنظمة الحكم المعاصرة إلى ضرورة تقسيم وظائف الدولة بين سلطات ثلاث كضمانة أساسية من ضمانات الحرية وسيادة القانون، لما يحققه مبدأ الفصل بين السلطات من نظام دستوري مؤسساتي يحترم حرية الأفراد ويمنع الحكام من الطغيان أو الاستبداد، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى ضرورة قيام توازن بين السلطات العامة في الدولة، بما يمنع الاستبداد بالسلطة ويحد من إساءة استعمال اختصاصاتها الدستورية(حسني قمر، 2006).

لذا تقوم دساتير النظم الحديثة بمنح البرلمان حقّ الرقابة على أعمال الحكومة، حتى باتت رقابة العمل السياسي والإداري للسلطة التنفيذية تشكّل إحدى الوظائف الأساسية للبرلمان مع الوظيفتين التشريعية والمالية في إطار السعي لتحقيق الصالح العام(الجباري، 1972).

وبالرجوع إلى كلّ من الدستور الجزائري لسنة 1996 المعدل، والمغربي لسنة 2011، يظهر أنّ المؤسّس الدستوري فيهما وبسبب تشابه وتقارب الظروف السياسية والتاريخية للبلدين، قد منحا للسلطة التشريعية عدّة وسائل وآليات لمراقبة أعمال السلطة التنفيذية، هذه الرقابة التي ظهرت بوادرها الأولى في اعلان حقوق الانسان والمواطن لسنة 1789 م (أوليفيه، وايف، ترجمة: منصور القاضي، 1996). وهنا يُثار التساؤل حول مدى قدرة هذه الآليات الرقابية نظريا وواقعيا في ضمان التزام السلطة التنفيذية بتطبيق واحترام أحكام الدستور في كلّ من البلدين المغاربيين؟

الحقيقة أنّ هذه الآليات الرقابية وعلى أهميتها السياسية والدستورية، وردت في دستور البلدين على سبيل العدّ والحصر، ويمكن تقسيمها بحسب أثارها إلى نوعين:

-أولى تهدف إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات المهمة عن العمل الحكومي. 

-وثانية وهي الحاسمة والمباشرة، من خلالها يثير البرلمان المسؤولية الوزارية ما قد يؤدّي إلى إسقاط الحكومة (هكو، 2006).

وانطلاقا من هذا التقسيم سوف نعمل على بيان مختلف هذه الآليات والوسائل الرقابية وكذا إجراءات ممارستها، اعتمادا على النصوص الدستورية والتشريعية نظريا، ووصولا إلى تطبيقاتها في الواقع السياسي للبلدين المغاربيين بأسلوب مقارن، قصد الوصول إلى تقدير مدى فعالية هذه الآليات في ضمان نفاذ وصيانة القواعد الدستورية في الدولتين، رغبة في الاستفادة، وتثمين الآليات الرقابية الناجحة في كلا البلدين، بما يعود بالمصلحة العامة بتعزيز مبدأ سموّ الدستور واحترام مبادئ الشرعية وترسيخ دولة القانون. 

 

الوسائل الرقابية المتاحة للبرلمان بهدف الحصول على المعلومات

يمكن أن نطلق عليها تسمية المرحلة القبلية للمراقبة أو غير المثيرة للمسؤولية السياسية، وتتجلّى في محاولة البرلمان الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن العمل الحكومي، وذلك من خلال توجيه الأسئلة الكتابية والشفوية والآنية، أو عن طريق البيانات والتصريحات التي تدلي بها الحكومة، أو من خلال تشكيل لجان للمراقبة حول واقعة معينة (الدرقاوي، 1999).

ويبدو من النصوص الدستورية أنّ البرلمان الجزائري والمغربي، يشتركان في وسائل كثيرة من وسائل المراقبة غير المباشرة باستخدامهما لنفس التقنيات الدستورية والقانونية، ومع ذلك فهما يختلفان في اعتماد بعض الوسائل الرقابية الأخرى، ولا يتوقف الاختلاف عند هذا الحدّ بل يمتدّ إلى ما يتعلق باستخدام الآليات الرقابية المشتركة بينهما.

الأسئلة، التصريحات الحكومية وطرح موضوع للمناقشة

تعدّ هذه الوسائل والآليات الرقابية الأكثر استعمالا من قبل نواب مختلف البرلمانات، كونها تنطوي على استيضاح قضايا معينة وتهدف للحصول على المعلومات الضرورية بخصوص مسائل تهم الرأي العام، من دون الدخول في منازعات مع الحكومة، فجوهر هذه الوسائل استعلامي، قبل المرور إلى الآليات والوسائل الرقابية الأخرى الأكثر حساسية.

الأسئلة الشفوية والكتابية

الأسئلة تعدّ من أهم وسائل الرقابة البرلمانية، وتعرف، ولقد ظهرت الأسئلة في القرن الثامن عشر في انجلترا، واستخدم الـ «Question time» في مجلس العموم، ليصبح من ذلك الوقت معمولا به في العديد من المجالس النيابية (أوليفيه، وايف، ترجمة: منصور القاضي، 1996). وتعرف الأسئلة فقها على أنها استيضاح أمر مجهول، يطلب بواسطته عضو في البرلمان من الوزير المختص معلومات أو بيانات، وقد يراد بها لفت نظر الحكومة أو الوزير المختص إلى أمر من الأمور ذات الشأن العام.(Burdeau, 1977).

ويظهر من تعريف السؤال أنّه تحكمه قواعد تختلف باختلاف النظم، غير أنّها تشترك عموما في الجوانب العامة المنظمة لاستعمال هذا الحق كما يلي:

- أنه يقيم حوارا ثنائيا بين عضو من أعضاء المجلس النيابي وأحد الوزراء.

-يبقى موضوع هذا الحوار ثنائيا، ولا يثير مناقشة عامة يتدخل فيها الغير.

-لا يترتب على السؤال أي قرار، فينتهي إما بالإجابة عليه أو بالتعقيب على هذه الإجابة.  (حسام الدين الأحمد، 2008).

ومع أنّ السؤال لا يؤدّي إلى تحريك المسؤولية السياسية، فإنّ النظم واللوائح الداخلية للغرف والمجالس البرلمانية تضع قيودا على استعماله باسم تنظيمه (عثمان عبد الملك، 1981)، ولقد عني كلّ من الدستورين الجزائري والمغربي بالنص على حقّ نواب وأعضاء غرفتي البرلمان في توجيه الأسئلة كتابية أو شفوية، فقد نصّ الدستور الجزائري في المادة 152 على حقّ أعضاء البرلمان في توجيه أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة. أما الدستور المغربي فقد نصّ في الفصل 100 على أنّه تخصّص بالأسبقية جلسة في كلّ أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة (El Khazi, 2000).

الحقيقة أنّ النصوص الدستورية في البلدين لم تكتف بالنص على الحقّ في ممارسة أعضاء البرلمان لآلية السؤال، وإنّما تطرقا لتحديد المدة التي يجب على الحكومة أن تلتزم بها للإدلاء بأجوبتها، لكن يبدو أنّ الدستور الجزائري كان أكثر تحديدا، حيث أشار إلى مدّة الإجابة عن الأسئلة وكذلك أنواعها التي حصرها في: الشفوية والكتابية، مع ترك ضبط شروطها للأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان. أما الدستور المغربي فقد غلب على نصّه العمومية، بتحديده فقط للمدة التي يجب على الحكومة أن تلتزم بها للإدلاء بأجوبتها، وبذلك يكون قد ترك للبرلمان هامشا واسعا من الاستقلالية لتأطير وتنظيم كيفية ممارسة الأسئلة، وكذا تحديد أنواعها وإجراءاتها عبر الأنظمة الداخلية، وعليه نصّ النظامان الداخليان للغرفتين على تقسيم الأسئلة إلى ثلاثة أنواع: شفوية وآنية مستعجلة وهذان النوعان يمكن إدراجهما في نوع واحد هو الأسئلة الشفوية، ثم هناك الأسئلة الكتابية (هكو، 2006).

والملاحظ أنّ أسلوب الرقابة عن طريق الأسئلة على أهميته في النظم البرلمانية والغربية، يبقى له أثر محدود في التجربتين الجزائرية والمغربية رغم تهافت البرلمانيين في البلدين على الأسئلة الشفهية لما لها من طابع إشهاري وإعلامي ولسهولتها الإجرائية مقابل ضآلة اللجوء للأسئلة الكتابية، وعلى عكس تجاربنا نجد في التجربة الفرنسية أنّ نواب غرفتي البرلمان الفرنسي -مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية- يطرحون على حكومتهم سنويا حوالي 6000 سؤال كتابي مقابل بضع مئات فقط من الأسئلة الشفهية (المختار، 1999). ومن نتائج تهافت البرلمانيين على الأسئلة الشفهية تراكم هذه الأسئلة، وكذلك تأخر الحكومة أو امتناعها عن الإجابة عليها كون عدم الرد غير مقرون بأي جزاء، إضافة لضعف المجال الزمني المخصّص للردّ على الأسئلة عموما بتخصيص جلسة واحدة أسبوعيا في البلدين، في حين أنّه في فرنسا تعقد ثلاث جلسات أسبوعيا. كلّ (بقالم، 2009). كل هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى تراجع هذه الآلية الرقابية التي كفلتها الدساتير لكلا غرفتي البرلمان في أداء وظيفتها، وأفقدها الكثير من فعاليتها وجديتها بشكل انعكس على العمل البرلماني برمّته. مع ملاحظة أنّ نشاط الغرفة الأولى واضح في هذا المجال ومتفوق بشكل كبير على عمل الغرفة الثانية، كما يلاحظ بأنّ نشاط غرفتي البرلمان المغربي في ما يتعلّق بعدد الأسئلة الشفهية والكتابية المطروحة على الحكومة يتفوّق من حيث العدد كثيرا عن نظيره الجزائري.  

التصريحات الحكومية وطرح موضوع عام للمناقشة

للحكومة أن تقدم تصريحات أمام البرلمان ما يعدّ فرصة للنواب للحصول على معلومات هامة من لدن الجهاز التنفيذي نفسه ومن دون عناء. (Zarka, 2009). غير أنّه وبالمقابل فللبرلمان أن يطرح بمبادرة منه مواضيع عامة للمناقشة تتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية،  وما يلاحظ على هاتين الوسيلتين أنهما لا تؤديان إلى إثارة مسؤولية الحكومة السياسية.  (الزياني، 2008).

التصريحات الحكومية

يمكن للحكومة أن تطلب الإدلاء بتصريح أمام البرلمان قد تعقبه مناقشة، وتعدّ هذه التصريحات فرصة للبرلمان لمراقبة الحكومة في جلسات عمومية، في إطار تأكيد خضوعها لرقابة البرلمان وتمسكها بالشفافية في التسيير وتعزيز العلاقة بين المؤسستين الدستوريتين، كما أنّها فرصة للحكومة لإطلاع البرلمان والرأي العام عما أنجزته من أعمال، وقد تطلب تزكية البرلمان قصد اتخاذ قرارات تدخل في إطار التشريع، ولا يمكن إجراء أي تصويت كيفما كان نوعه في شأن هذه الأنواع من التصريحات.  (محب خليفة، 2004).

طرح موضوع عام للمناقشة

تعطي بعض الدساتير الحقّ لعدد من أعضاء البرلمان في طرح موضوع عام للمناقشة يتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية، ويستطيع من يشاء من الأعضاء المشاركة في النقاش المفتوح، على أنّ (عثمان عبد الملك، 1981)، على أن طرح أي موضوع للمناقشة بالبرلمان لا يتضمن اتهاما للحكومة، فهو ليس إلا مناقشة حرة ترمي إلى طلب استيضاح سياسة الحكومة بشأن موضوع معين وتبادل وجهات النظر حوله، والواقع أنّ هذه الوسيلة محدودة الأهمية في الرقابة لأنها تتطلب اشتراك عدد من أعضاء المجلس النيابي ما قد يتنافى مع رغبة بعض الأعضاء في التفرد عند مباشرة الوسائل الرقابية، لذا يتجه أغلب أعضاء الهيئة التشريعية إلى الوسائل الأخرى، مثل السؤال أو الاستجواب ليثبت من خلالها بأنه أكثر كفاءة وجدارة عن غيره من الأعضاء (دسوقي، 2006).

في الجزائر نصّت المادة 152/5 من الدستور، أنّه إذا رأت إحدى الغرفتين أنّ جواب عضو الحكومة الشفوي أو الكتابي، يبرر إجراء مناقشة تجرى المناقشة حسب الشروط المنصوص عليها في النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان،، وهنا يجب الاشارة إلى أن البعض يرى أن طرح موضوع عام للمناقشة يشبه إلى حد كبير الأسئلة الشفهية مع المناقشة التي نص عليها الدستور الفرنسي لسنة 1958 م، والتي أخذت بها الجزائر والمغرب  فيما بعد، ورغم اختلافهما نسبيا غير أن تقاربهما وتماثل نتائجهما جعلهما عند البعض  الأخر وجهان لعملة واحدة  (عثمان عبد الملك، 1981  إلا أنه وبالرجوع لهذه النظم وقفنا على أنّها أحالت تنظيم جميع الأمور المتعلقة بالأسئلة إلى القانون العضوي رقم 16-12 المؤرخ في 25/08/2016 والذي يحدد تنظيم المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة وعملهما وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، الذي اكتفى هو الأخر بتكرار ما جاء في النص الدستوري، ما يعني بالنهاية أنّ عرض موضوع للمناقشة في الجزائر لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض وعدم التحديد القانوني. أما في المغرب فرغم عدم نصّ الدستور على هذه الآلية الرقابية بشكل مباشر، إلا أنّ النظم الداخلية لغرفتي النواب والمستشارين، أوردتا هذه الآلية الرقابية وحددتا الإجراءات المتبعة فيها.

ومقارنة بين التجربتين في هذا المجال نلاحظ وجود نوع من الاختلاف بين مشرعي البلدين بدأ من تميز الجزائر بالنصّ دستوريا على هذه الآلية بشكل مستقلّ عن بقية الآليات والتقنيات الرقابية الأخرى، مرورا بتحديد مختلف الإجراءات والتفاصيل المتبعة بصددها والمنظمة لها، في حين أنّ المغرب لم ينصّ عليها دستوريا بل وردت في النظم الداخلية للغرفتين التي لم تحددا كافة الجوانب المتعلقة بهذه الآلية الرقابية المهمة بشكل مستقلّ وإنما أوردتها مع تقنية الأسئلة الشفهية. غير أنهما يعودان ليشتركا في أنّ المناقشات التي تفتح عقب الأسئلة الشفهية والكتابية في الجزائر والشفهية فقط في المغرب، بعد إجابة الوزير على سؤال أحد الأعضاء يشترك فيها سائر الأعضاء في كل غرفة على حدة، إلا أنها تقفل دون اتخاذ أي قرار بمعنى أنها لا تثير مسؤولية الحكومة السياسية.

الاستجواب ولجان تقصي الحقائق

على خلاف الوسائل الرقابية السابقة يحمل الاستجواب وتشكيل لجان تقصي الحقائق في طياته معنى المحاسبة والمؤاخذة والاتهام الموجّه إلى وزير من الوزراء أو إلى رئيس الطاقم الحكومي نفسه، بحيث يسعى البرلمان في هذه الحالة للوقوف على الحقيقة بنفسه.

والملاحظ أنّه وعلى أهمية آلية الاستجواب إلا أنّ الدستور المغربي لم ينصّ عليها إطلاقا مكتفيا بالنص على أحقية غرفتي البرلمان في تشكيل لجان مؤقتة لتقصي الحقائق بخصوص مواضيع معينة، وهذا خلافا لموقف المشرّع الجزائري الذي أخذ بالآليتين معا ومنح كلا غرفتي البرلمان الحقّ في ممارستهما، غير أنّ مشرعي البلدين عادا ليتفقا من جديد على أنّ استعمال البرلمان لآلية لجان التحقيق في المغرب أو الاستجواب والتحقيق في الجزائر لا يترتب عليها أي مسؤولية في حقّ الحكومة، الأمر الذي قد يؤثّر على أهمية هذه الوسائل الرقابية وقد يحول دون تحقيق أهدافها.

الاستجواب

يمثل الاستجواب أهمّ وسائل البرلمان الرقابية على أعمال الحكومة، إذ أنّه يفوق الوسائل السابقة خطورة ويحقّق رقابة أكيدة في مواجهة السلطة التنفيذية، ما يؤدّي إلى فتح مناقشة حقيقية يشارك فيها سائر أعضاء المجلس، قد تؤدّي إلى طرح الثقة في الحكومة أو أحد أعضائها، وفضلا عن ذلك فإنّه يجبر الوزير المعني عن توضيح سياسته بصدد مسألة معينة (صادق أحمد، 2008). ونظرا للخطورة التي ينطوي عليها الاستجواب وما قد يؤدّي إليه من نتائج فقد أحاطت مختلف التشريعات استعمال هذه الوسيلة ببعض الضمانات حتى لا يساء استعمالها من طرف النواب للتجريح بسياسات الحكومة دون مبرر (جابر نصار، 1998).

يعدّ الاستجواب في الجزائر ألية ووسيلة رقابية نصّت عليه المادة 151 من الدستور، يستطيع بموجبها البرلمان بغرفتيه مراقبة الحكومة بطلب توضيحات حول إحدى قضايا الساعة التي تهم البلاد، وهي أداة تسمح له بالتأثير على تصرّفات الحكومة بحيث تكون هذ الأخيرة مجبرة على مراعاة موقف النواب عن كلّ تصرّف تقوم به. على أنّ الدستور الجزائري لم يرتّب على الاستجواب سحب الثقة من الحكومة برمتها، ولا من وزير بمفرده، كما لم يشر إلى أي إجراء يمكن أن يتّخذه البرلمان اتجاه الحكومة في حال ما إذا تبين له أنها لم تقم بواجبها على أتمّ وجه (بوقفة، 2009).

غير أنّه وعلى أهمية هذه الآلية الرقابية، لم يتضمن الدستور المغربي لسنة 2011 أحكاما تخصّ نظام الرقابة البرلمانية عن طريق الاستجواب، حيث لم يغيّر الدستور الجديد الحال الذي كان موجودا في دستور 1996 ولم يضف وسائل رقابية جديدة، وربما يعود ذلك لحساسية هذا النوع من الرقابة وخطورته، أو تأسيّا من المشرّع المغربي ببعض الدول الديمقراطية الحديثة أين قلّت أهمية الاستجواب، وذلك بسبب فعالية المؤسسات السياسية بها  وعظم تأثير الرأي العام فيها حتى صار المسؤول يتخلّى عن السلطة طواعية ويستقيل إذا ما أخطأ في ممارسة سلطاته أو أتى تصرّفا شخصيا معيبا يؤثر على مركزه الوظيفي، أو تبين فشل سياساته، أو نتيجة أخطاء ارتكبها مرؤوسوه. غير أنه وبسبب اختلاف الحياة السياسية في المملكة المغربية عن نظيرتها الغربية كونها لم تتعوّد بعد على أن تتضمن بين مفرداتها كلمة الاستقالة، والاعتذار عن التقصير من قبل أي مسؤول حكومي، فإنّ الاستجواب في مثل هذه الحالات يصبح ملائما لطبيعة النظام ويكتسي أهمية بالغة، كوسيلة لإجبار الوزراء على تحمّل مسؤولياتهم بالاستقالة أو حتى بإجبارهم على تبرير تصرفهم أمام الرأي العام  وهو ما يعطي امتيازا واضحا للبرلمان الجزائري على نظيره المغربي، في تمكّنه من أحد أهم الوسائل الرقابية فعالية في مواجهة السلطة التنفيذية، ولقد بلغ عدد استجوابات الحكومة المغربية خلال الفترة البرلمانية الرابعة سبعة، وهي:

-استجواب يتعلق بسير الانتخابات المحلية بتاريخ 24/11/1997

-استجواب حول التجاوزات التي وقعت في حق النواب بتاريخ 24/11/1997.

-استجواب حول تطبيق المادة 48 من قانون البلدية بتاريخ 30/12/1997 حول لاحق إلى سؤال شفوي.

-استجواب الحكومة حول قضية اعتماد حركة الوفاء والعدل.

-استجواب الحكومة حول قضية المفقودين.

-استجواب الحكومة حول مسألة غلق مجال الإعلام العمومي.

- استجواب الحكومة حول التجاوزات في حق اللغة العربية خلال دورة الخريف 2000..

لجان تقصي الحقائق

قد يتعدّى الأمر في أهميته من أن يكون موضع سؤال أو حتى محلّ مناقشة عامة إذ قد يتشكّك البرلمان في حسن نيابة الحكومة وفي صحّة ما تقدمه من بيانات ومعلومات، مما يدفعه إلى إجراء تحقيق يقف فيه بنفسه على الحقيقة وبواسطة وسائل يرى أنّها كفيلة بتحقيق غرضه في الوصول إلى فحص عمل معين، والوقوف على عيوب الجهاز الحكومي سواء من الناحية الإدارية     أو المالية أو السياسية، حتى يقرّر الوسائل التي من شأنها القضاء على المساوئ التي يكشف عنها التحقيق (أنور، 1961).  ويذهب غالبية الفقهاء في الوقت الحاضر إلى تقرير هذا الحقّ للمجالس المنتخبة دون حاجة إلى نصّ دستوري يقره (عثمان عبد الملك، 1981)، للكشف عن عيوب السلطة التنفيذية وتجاوزاتها (أوليفيه، وايف، ترجمة منصور القاضي، 1996).

في الجزائر منح الدستور بموجب المادة 180 لكلا غرفتي البرلمان بالتساوي بينهما وفي إطار اختصاصاتهما حقّ إنشاء لجان تحقيق في قضايا ذات مصلحة عامة. أما في المغرب فقد تكفّل بذلك نصّ الفصل 67 من الدستور، أما على مستوى الممارسة فقد عرف البرلمانيون محاولات محدودة في هذا المجال، لا زالت في حاجة إلى التطوير في الممارسة والجرأة في الاستعمال، خاصة وأنّ، ولقد بلغ عدد لجان تقصي الحقائق التي شكلها مجلس النواب المغربي ستة وهي:

30/05/1979: تسرب امتحانات الباكالوريا.

11/12/1991: أحداث فاس.

26/09/1996: تقرير اللجنة النيابية لتقصي الحقائق في موضوع المخدرات المقدم أمام اللجنة.

نونبر 2001- ماي 2002: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

17/12/2008: تقديم التقرير العام لأعمال اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول أحداث سيدي أفني.

27/11/2010: خاص حول اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول أحداث مخيم أكد يمإزيك ومدينة العيون.

غير أنه وبالرغم من كل ما سبق فإن المشرعين خصوصا المغربي قيدا هذه الوسيلة بقيود كثيرة، (طالب، 2003)، تحد من فعاليتها بسبب اشتراط عدد كبير من النواب لاقتراح تشكيلها حدّد بعشرين (20) نائبا أو عضوا في الجزائر وبثلث أعضاء المجلس في المغرب، ناهيك عن عرقلة حصولها على المعلومات بدعوى المحافظة على أسرار الدولة، (زكي سلام، 1983)، وأخيرا يبقى على اللجنة في البلدين أن تنهي عملها قبل انتهاء مهمتها في حالة فتح تحقيق قضائي بالموضوع (Benyahya, 1998).

وسائل تحريك المسؤولية السياسية للحكومة

بالإضافة إلى الوسائل الرقابية السابقة التي يمارس من خلالها البرلمان بغرفتيه في كل من الجزائر والمغرب رقابة قد تبدو خفيفة نسبيا على أعمال السلطة التنفيذية تتعلّق بطلب معلومات وتقديم توضيحات بشأن مسائل متعددة، فقد منحت النصوص الدستورية في البلدين للبرلمان في الوقت نفسه وسائل رقابية حاسمة وأكثر حساسية، تؤدي إلى إثارة المسؤولية السياسية للحكومة، من خلال طرح الثقة وملتمس الرقابة. وتجد هاتان التقنيتان مرجعيتهما في النظام النيابي وشبه الرئاسي والبرلماني العقلاني، كما ترتبطان بمسألة التوازن والضغوط المتبادلة بين الحكومة والبرلمان، وبمسؤولية الحكومة أمام البرلمان (المختار، 1999). 

غير أنّه ولما كانت الحكومة وفق الدستور الجزائري والمغربي، تحصل على الثقة من قبل الغرفة الأولى المنتخبة شعبيا، المجلس الشعبي الوطني في الجزائر ومجلس النواب في المغرب، وتعكس الأغلبية الموجودة فيهما، فإنّه يصبح من غير المنطقي إقرار حقّ سحب الثقة من الحكومة للغرفة البرلمانية الثانية مجلس الأمة ومجلس المستشارين، وهو ما يوافق القاعدة الدستورية المعروفة «بقاعدة توازي الأشكال»، غير أنّ ذلك لا ينبغي أن يقود إلى الاستنتاج بسحب حقّ إثارة المسؤولية السياسية للحكومة من قبل الغرفة الثانية بصفة مطلقة، بل يمكن للغرفة الثانية مباشرة بعض الآليات الدستورية ومشاركة الغرفة الأولى فيها بالرغم من طابعها المثير لمسؤولية الحكومة السياسية كالاستجواب وملتمس الرقابة غير أنّها لا تصل إلى سحب الثقة من الحكومة، هذا الأخير الذي يبقى حكرا على الغرف الأولى.

وبالرجوع إلى الدستورين الجزائري والمغربي نجدهما قد نصا على عدّة وسائل في مجال مراقبة الحكومة وتحريك مسؤوليتها السياسية، ويتضح أنّ كليهما يتفقان على إعطاء العضو البرلماني الحقّ في سحب الثقة من الحكومة ودفعها للاستقالة.

التصويت على البرنامج الحكومي ومناقشة بيان السياسة العامة

بالإضافة إلى الوسائل الرقابية تعدّ الموافقة على برنامج الحكومة المشكلة من أهمّ الصلاحيات الممنوحة دستورا في مختلف النظم للبرلمان بصفته ممثلا للشعب وممثله في ممارسة السيادة، وينطوي تصويت البرلمان على البرنامج المقدم من الحكومة على خصوصيات مميزة، كونه يشكل أوّل اتصال حقيقي ومباشر بين الحكومة والبرلمان.

ولا تتوقف العلاقة بين الحكومة والبرلمان عند حصول الحكومة على الثقة المطلوبة من البرلمان بل تبقى العلاقة بينهما مستمرة، من خلال متابعة دائمة من البرلمان للحكومة باعتباره هيئة رقابية على أعمال السلطة التنفيذية، الأمر الذي يدفع الحكومة لتقديم بيان سنوي أو مرحلي عن السياسة العامة.

التصويت على البرنامج الحكومي

تعدّ الموافقة على برنامج الحكومة المشكلة عقب الانتخابات التشريعية أو عقب أي تغيير حكومي واسع ناتج عن استقالة أو إقالة الحكومة السابقة، من أهم الصلاحيات الأكثر تأثيرا ضمن مجمل الصلاحيات التي يمارسها البرلمان، حيث يعدّ أول اتصال بين الحكومة والبرلمان عند تقديم الحكومة لبرنامجها للهيئة الرقابية.

ولأن كانت هذه الوسيلة تتوفر لدى كل من البرلمان الجزائري والمغربي، إلا أنه وفيما يتعلق بالنقطة الأساسية والأكثر تأثيرا وهي مشاركة الغرفة الثانية فيما يتعلق بالمناقشات والموافقة التي تعقيبها على برنامج الحكومة، فيظهر هنا بالخصوص بعض الاختلاف بين النظام الجزائري والمغربي، أين لا تقدم الحكومة للغرفة الثانية إلا عرضا فقط وليس البرنامج التفصيلي الذي سبق تقديمه للغرفة الأولى وحصل على موافقتها، فبقاء الحكومة واستمرارها مرهون بموافقة الغرفة الأولى. ومع ذلك فالموافقة المرنة على برنامج الحكومة من قبل غرفتي البرلمان يمكنها من العمل بثقة وراحة أكبر نتيجة التأييد والمساندة التي تتلقاها من طرف مجلس الأمة. مع ملاحظة أنّ المشرّع قيّد سلطة الغرفة الأولى بعدم قدرتها على رفض برنامج الحكومة للمرة الثانية على التوالي حيث يلجأ رئيس الجمهورية في هذه الحالة طبقا لنصّ المادة 96 من الدستور إلى حلّ البرلمان -الغرفة الأولى- إذا لم يحصل برنامج الحكومة الجديدة على موافقة النواب.  أما نصّ الفصل 88 من الدستور المغربي فنجده مختلفا عن النصّ الجزائري، ولكن ليس إلى حدّ بعيد، فبرنامج الحكومة يكون موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. فالمناقشة تكون من قبل المجلسين معا خلافا لما هو عليه الحال في الدستور الجزائري، إلا أنّ التصويت يبقى من حقّ مجلس النواب، ما يعني تطابق الدستورين في هذه المسألة. والحقيقة أنّ هذه الآلية لا تطرح إشكالا حقيقيا على مستوى الممارسة، حيث إنّ هذه المناقشة وذاك التصويت يقعان عشية تشكيل الحكومة على أساس أغلبية برلمانية واضحة، والأمور لا زالت في بدايتها، وحتى بالنسبة للمعارضة فإنّ مناقشتها لا تكون بالحدة الكبيرة حينئذ، إذ يفرض المنطق أن تمنح بعض الوقت للحكومة لتنفيذ برنامجها والتأكّد من مدى جدية سياساتها.

مناقشة بيان السياسة العامة

إنّ العلاقة بين الحكومة والبرلمان هي علاقة مستمرة، لا تنتهي عند تقديم برنامج الحكومة للبرلمان وحصولها على الثقة المطلوبة، وإنما تتعدّى ذلك إلى متابعة دائمة، الأمر الذي يدفع الحكومة لتقديم بيان سنوي أو مرحلي عن السياسة العامة، وفي حالات معينة تكون مجبرة على تقديم استقالتها (بغدادي، 2009). 

والملاحظ أنّ الدستور الجزائري بنصّ المادة 98 لم يجعل للائحة الصادرة عن المجلس الشعبي الوطني، تبعات قانونية واضحة، وإنّما جعلها دليلا على عدم رضا المجلس عن عمل الحكومة، وتحذيرا سياسيا أوليا قد يسبق خطوات أخرى لها تأثيرات ملموسة، من أجل كبحها عن الاستمرار في توجهاتها التي يتحفظ عنها نواب الغرفة الأولى. غير أنّه وعلى الرغم من عدم انطواء هذه الوسيلة الدستورية على أي أثار محددة، إلا أنّ المؤسس الدستوري جعلها مقصورة على الغرفة الأولى فقط المجلس الشعبي الوطني، دون أن يمكن الغرفة الثانية مجلس الأمة من حق اللجوء إلى هذه الوسيلة الدستورية لمراقبة الحكومة ولو عرضت عليه الحكومة بيان للسياسة العامة. أما في المغرب فقد نصّ الدستور في الفصل 101 على بيان السياسة العامة كألية رقابية للبرلمان المغربي، إلى جانب آلية أخرى تتمثل في تقديم الحكومة لعرض عن حصيلة عملها ومدى تقدمها في تطبيق برنامجها في خلال مرحلة معينة. دون أن يتطرق لمسألة بيان السياسة العامة بأي تفصيل رغم أهميته كما أنّ القوانين التنظيمية والنظم الداخلية لغرفتي البرلمان لم تشر لهذا الموضوع تماما، (مانع، 2008)، إذا ما استثنينا نصّ المادة 115 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي لم تضف أي جديد على ما جاء به النص الدستوري، أو تغطي نقص القوانين التنظيمية لغرفتي البرلمان والمتمثلة في القانون التنظيمي رقم 11.27 المؤرخ في 14/10/2011، المتعلق بمجلس النواب. والقانون التنظيمي رقم 11.28 المؤرخ في 12/11/2011، المتعلق بمجلس المستشارين. 

ويظهر من النصوص الدستورية أنّ المؤسس الدستوري الجزائري منح هذه الآلية لكلا غرفتي البرلمان، وإن ميز الغرفة الأولى بفعالية أكبر في عملها الرقابي بما قد يؤدي لإسقاط الحكومة. أما في المملكة المغربية فإنّ الدستور لم يساوي بين الغرفتين ّفيما يتعلق بإسقاط الحكومة بعد (إثارة مسؤوليتها السياسية، ما يعني أنّ عقد جلسة مشتركة بين غرفتي البرلمان للاستماع لبيان السياسة العامة الذي تقدٍمه الحكومة سنويا، لا ينتهي بمشاركة مجلس المستشارين في الآليات الدستورية الخاصة حصرا بالغرفة ألأولى مجلس النواب.

 ملتمس الراقابة والتصويت بالثقة

تعد المسوؤلية السياسية للحكومة أمام البرلمان جوهر النظام البرلماني، كما أن إقرار المسؤولية أهم سلاح للبرلمان يمكنه من مواجهة السلطة التنفيذية ومقابل حق الحكومة في الحل، الأمر الذي يحقق فكرة التوازن التي يصبو إليها النظام البرلماني التقليدي (عثمان عبد المللك، 1981). ولقد تضمن الدستورين الجزائري والمغربي النص على تقنيتان دستوريتان تؤديان إلى إسقاط الحكومة هما: ملتمس الرقابة والتصويت بالثقة. 

ملتمس الرقابة

يعدّ ملتمس الرقابة الآلية التي يتم من خلالها تحريك المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وأداة قانونية بيد أعضاء البرلمان تستعمل كلما تبين للبرلمانيين أنّ الحكومة انحرفت عن الأهداف الأساسية التي صوتت عليها الأغلبية البرلمانية أثناء تنصيب الحكومة خلال عرضها للبرنامج السياسي أو البرنامج الحكومي، الذي تتقدم به الحكومة من أجل الموافقة والتصويت عليه لنيل ثقة البرلمان (أعبيزة، 2000).

ولقد تطرق الدستور الجزائري في المواد 153 و154 و155 إلى هذه الآلية التي تخصّ المجلس الشعبي الوطني فقط، موضّحا كيفيات تفعيلها وشروط مباشرتها ونسبة التصويت فيها، محددا آثارها بتقديم الوزير الأول استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية.

وكذا الشأن في الدستور المغربي الذي تطرق بموجب الفصول 105 و106 إلى ملتمس الرقابة، محددا إجراءاته المختلفة، والتي أظهرت تساوي كلا غرفتي البرلمان المغربي -مجلس النواب ومجلس المستشارين- في مباشرة هذه الآلية، التي تؤدي في حالة الموافقة عليها إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية. عكس ما ذهب إليه الدستور الجزائري الذي حرم الغرفة الثانية مجلس الأمة من ممارسة هذا الحقّ، وبالنظر إلى حجم الأثر الذي يترتّب على ممارسة النواب لملتمس الرقابة، فقد أحاطه المؤسس الدستوري في كلا البلدين بمجموعة من الضوابط التي تؤدي إلى الحدّ والعقلانية في اللجوء إليه.

أما على مستوى الممارسة فهذه الوسيلة نادرة الحدوث، حيث لم يشهد البرلمان المغربي إلا محاولتين اثنتين في ظروف سياسية خاصة لم تؤديا إلى إسقاط الحكومة (ملتمس 1964 وملتمس 1990)، ولعلّ السبب يعود في الأساس إلى الشروط التعجيزية لممارسة هذا الإجراء.

التصويت بالثقة

لأنّ منح الدستورين الجزائري والمغربي لنواب الغرف الأولى للبرلمان في كلّ منهما صلاحية إسقاط الحكومة عن طريق ملتمس الرقابة، فإنه وبالمقابل خولا الحكومة إجراءً تستطيع من خلاله تدعيم موقفها أمام نواب الغرف الأولى المجلس الشعبي الوطني ومجلس النواب، ويتمثل هذا الإجراء في طرح الحكومة الثقة أمام المجلس بمناسبة عرضها لبيانها السنوي أمام البرلمان.

في الجزائر اقتصر المؤسس الدستوري الجزائري بنصّ المادة 98/5 من الدستور على منح المجلس الشعبي الوطني صلاحية إسقاط الحكومة عن طريق التصويت على سحب الثقة منها، أما في المغرب فيتضح من خلال مختلف النصوص الدستورية التي تحكم العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وجود بعض الفوارق مع الجزائر، على أنّ ذلك لم يمنع من اتفاق الجانبين على مبدأ خصوصية الغرفة الأولى وأسبقيتها في هذا المجال. غير أنّ تصويت الغرفة الأولى في البلدين بعدم الموافقة على منح الثقة للحكومة، قد يؤدّي إلى نشوب نزاع بين المجلس ورئيس الدولة -رئيس الجمهورية في الجزائر والملك في المغرب- قد يتطوّر إلى درجة حلّ البرلمان في المغرب أو المجلس الشعبي الوطني في الجزائر، انطلاقا من أنّ رئيس الدولة فيهما هو حامي الدستور، والساهر على سير مؤسساتها، بالإضافة إلى كونه الصاحب الفعلي للبرنامج الذي تعمل الحكومة على تجسيده. ومن هنا وقبل أن ينظر رئيس الجمهورية أو الملك المغربي في مسألة قبول استقالة الحكومة لهما أن يلجآ إلى تطبيق النصوص الدستورية التي تمكنهما من حلّ البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، إذا ما كانت لهما قناعة بأنّ المجلس الشعبي الوطني في الجزائر أو مجلس النواب في المغرب، هما المتسبب في سوء العلاقة مع الحكومة (مانع، 2008).

خاتمـة

تحرص السلطة التأسيسية في النظم الدستورية الحديثة، على تضمين الوثيقة الدستورية نصوصا تتضمن بعض الوسائل، التي تكفل نفاذ القواعد الدستورية وحسن تطبيقها، وتحدّ من محاولات الخروج عليها (البحري، 2005)، ومن هنا تعدّ رقابة البرلمان على أعمال السلطة التنفيذية أحد أهم الضمانات القانونية على خضوع الحكومة للقواعد الدستورية.

غير أنّه وعلى أهمية الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية في النظم المقارنة، إلا أنّه وبتتبع الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية في الجزائر والمغرب ورغم الاختلافات التاريخية والاجتماعية والسياسية والدستورية بين البلدين، يلاحظ أنّها لم تحقق الأهداف المنشودة منها، نتيجة غياب التوازن المطلوب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لضعف المؤسسة البرلمانية فيهما وعدم قدرتها على مراقبة الحكومة مراقبة فعّالة، بحيث حرص المؤسس الدستوري في البلدين على تقوية السلطة التنفيذية، إضافة لما أفرزته الممارسة العملية والواقعية من هيمنة للسلطة التنفيذية وسيطرتها على البرلمان وعلى العمل البرلماني (ديدان، 2009).

كل ذلك أدّى بالنهاية لعدم تحقيق الرقابة البرلمانية للمقصود منها، ما أصبح يثير الشكّ في جدوى وفاعلية هذه الوسيلة والآلية كواحدة من الضمانات القانونية لنفاذ القواعد الدستورية، ويضعها على المحكّ. غير أنّه وبالرغم من قتامة هذه الاستنتاجات فإنّ ذلك لا يمنع من العمل على تعزيز وتوسيع الوظيفة الرقابية للمؤسسات التشريعية، لذا ندرج بعض التوصيات الهامة والتي من شأنها الارتقاء بأداء المؤسسة التشريعية وجعل العمل البرلماني وخصوصا الرقابي منه أكثر فعالية.

 

توصيات

على ضوء الاستنتاجات والملاحظات السابقة، ولجعل نظام الرقابة البرلمانية أكثر فعالية في الجزائر والمغرب، نقترح الأخذ بالتوصيات والمقترحات التالية علّها تساهم في الارتقاء بالرقابة البرلمانية، ومن خلالها بأداء المؤسسة التشريعية في كلا الدولتين:  

-ضرورة الحدّ من سيطرة وهيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان ومن تدخّلها في مجال اختصاصه التشريعي وتقييد اختصاصه الرقابي تحت مسمّى العقلنة البرلمانية، وما يترتّب عنها من توسع  لمجال التنظيم، وحقّ الحكومة في التدخّل في ضبط جدول أعمال الغرف البرلمانية، وتعقيد الإجراءات الرقابية، وتأثيرها على عمل اللجنة المتساوية الأعضاء، وحجب المعلومات عن النواب...، وبالمقابل يتعيّن على الحكومة دعم البرلمان بغرفتيه بإزالة معوّقات العمل البرلماني من خلال مراجعة القوانين العضوية والتنظيمية التي تنظّم العلاقة بين الحكومة والبرلمان بالقدر الذي يسهّل شروط وإجراءات ممارسة البرلمان لاختصاصاته الدستورية، وكذا تطوير النظم واللوائح الداخلية لغرف البرلمان على نحو مستمرّ حتى يمارس عضو البرلمان دوره بفاعلية، وتزويد البرلمان بالأجهزة الفنية المعاونة وببيوت الخبرة والدراسات المختصة، وبالمعلومات اللازمة لأجل إنجاح وتفعيل دوره في أداء وظيفته الرقابية باستقلالية وشفافية وفعالية. 

-وضع آثار محدّدة وواضحة تترتب على ممارسة البرلمان لآليات الرقابة على أعمال الحكومة، خاصة الأسئلة وعرض المواضيع للمناقشة والاستجوابات ولجان التحقيق، حتى تؤدّي هذه الآليات الرقابية إلى تحقيق الهدف المنشود من وراء إقرارها. 

-توسيع سلطات البرلمان فيما يتعلق بالمصادقة على قانون المالية، وعدم تقييده بمدّة ضيقة جدا قد تحول دون دراسته بشكل واف من طرف الغرف الثانية، في غياب نصوص تقرّر الجزاء الذي يطبق عند عدم احترام الغرف الأولى لآجال التصويت عليه وإحالته للغرفة الثانية لدراسته والمصادقة عليه، وهو ما يؤدّي غالبا إلى تضيع حقّ الغرفة الثانية في ممارسة حقها الدستوري بسبب استغراق الغرفة الأولى لكافة الوقت القانوني تقريبا، ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحا في الجزائر.

المراجع

الكتب

أنور، الخطيب، 1961، الأصول البرلمانية في لبنان وسائر البلاد العربية، دار العلم للملايين، بيروت.

أوليفيه، دو هاميل، وايف، ميني، 1996، المعجم الدستوري، ترجمة: منصور، القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان.

ايهاب زكي، سلام، 1983، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني، عالم الكتب، القاهرة.

بقالم، مراد، 2009، نظام الازدواج البرلماني وتطبيقاته « دراسة مقارنة»، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية.

بوقفة، عبد الله، 2009، أساليب ممارسة السلطة في النظام السياسي الجزائري (دراسة مقارنة)، دار هومه للطبع والنشر والتوزيع، الجزائر.

حسني، قمر، 2006، حقوق الانسان في مجال نشأة الحقوق السياسية وتطورها وضماناتها- دراسة مقارنة-، دار الكتب القانونية، القاهرة.

ديدان، مولود، 2009، مباحث في القانون الدستوري والنظم السياسية، دار بلقيس، الجزائر.

رأفت، دسوقي، 2006، هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان، منشأة المعارف، الاسكندرية.

صادق أحمد، علي يحيى، 2008، الاستجواب كوسيلة للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة –دراسة مقارنة المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية.

عادل، الجباري، 1972، القانون الدستوري والنظام الدستوري الأردني – دراسة مقارنة-، عمان.

عز الدين، بغدادي، 2009، الاختصاص الدستوري لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، مكتبة الوفاء القانونية، القاهرة.

المختار، مطيع، 1999، نظام البرلمان ذي الغرفتين بالمغرب، المغرب في محيطه الدولي سلسلة الدراسات القانونية والسياسية والاقتصادية، توزيع مكتبة الشباب، المغرب.

وسيم حسام، الدين الأحمد، 2008، الرقابة البرلمانية على أعمال الإدارة في النظام البرلماني والرئاسي- دراسة مقارنة-، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت.

George BURDEAU, 1977, Droit constitutionnel et institution politiques, L.G.D.J, paris. 

Jean- Claude ZARKA, 2009, Institution Politiques Françaises, ellipses, France.

المقالات العلمية

أعبيزة، عبد الغني، 2000، المسؤولية السياسية للحكومة بين الوثيقة الدستورية والممارسة البرلمانية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 23.

جابر، جاد نصار، 1998، الاستجواب كوسيلة للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومية في مصر والكويت، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 68.

الزياني، عثمان، 2008، البرلمان المغربي وإشكالية الحصول على المعلومات، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد 09.

طالب، محمد، 2003، التحقيق البرلماني عبر التجارب السياسية والدستورية المغربية، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد 55.

عثمان عبد الملك، الصالح، 1981، الرقابة البرلمانية على أعمال الادارة في الكويت – دراسة نظرية تطبيقية-، مجلة الحقوق والشريعة الكويتية، السنة الخامسة، العدد الرابع.

مانع، جمال عبد الناصر، 2008،» الرقابة البرلمانية على الحكومة في بلدان المغرب العربي»، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد 04.

محمد، محب خليفة، 2004، « العلاقة بين المجلس والحكومة في البرلمان المغربي» منشور بعنوان: من يشتكي من الأخر؟ العلاقة بين الحكومة والبرلمان في الدول العربية؟، تحرير علي الصاوي، جامعة القاهرة.

هكو، يمينة، 2006، المراقبة غير المباشرة للبرلمان على الحكومة نموذج المغرب والجزائر: دراسة مقارنة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 71.

Fathallah EL KHAZI, 2000les attributions du parlement, revue marocaine dadministration local et développement, N23.

Mohammed BENYAHYA, 1998, La Chambre des conseillers : seconde chambre du parlement, Revue marocaine dadministration locale et de développement, N 05.

الرسائل الجامعية

حسن، مصطفى البحري، 2005-2006، الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية-دراسة مقارنة-،( أطروحة دكتوراه  غير منشورة)، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، القاهرة، جمهورية مصر العربية.

المصادر القانونية

الدستور الجزائري، المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر 1996 المعدل والمتمم، الصادر بموجب القانون رقم 16-01 المؤرخ في 06 مارس 2016 المتضمن التعديل الدستوري، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 14، بتاريخ 07 مارس 2016.

القانون العضوي رقم 16-12، المؤرخ في 25/08/2016، يحدد تنظيم المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 50، بتاريخ 28/08/2016.

دستور المملكة المغربية، المعدل سنة 2011 باستفتاء صدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليو 2011، الجريدة الرسمية للملكة المغربية، عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليو 2011، ص.3600.

القانون التنظيمي رقم 11.27 المؤرخ في 14/10/2011، المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية للمملكة المغربية، العدد 5987، بتاريخ 17/10/2011.

القانون التنظيمي رقم 11.28 المؤرخ في 12/11/2011، المتعلق بمجلس المستشارين، الجريدة الرسمية للمملكة المغربية، العدد 5997 مكرر، بتاريخ 22/11/2011.

@pour_citer_ce_document

لخضر بن سهيل, «رقابة البرلمان على أعمال السلطة التنفيذية -دراسة مقارنة بين الجزائر والمغرب-»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 299-308,
Date Publication Sur Papier : 2022-12-07,
Date Pulication Electronique : 2022-12-07,
mis a jour le : 07/12/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9181.