التربية المواطنية بين الإيديولوجيا والفلسفة قراءة في أطروحات ناصيف نصارL’éducation à la citoyenneté entre idéologie et philosophie selon les thèses de Nassif NassarCitizenship education between ideology and philosophy, reading in Nassif Nassar’s theses
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 20-2023

التربية المواطنية بين الإيديولوجيا والفلسفة قراءة في أطروحات ناصيف نصار
L’éducation à la citoyenneté entre idéologie et philosophie selon les thèses de Nassif Nassar
Citizenship education between ideology and philosophy, reading in Nassif Nassar’s theses
ص ص 07-18
تاريخ الاستلام 2022-08-13 تاريخ القبول 03-12-2023

سيف الدين محمودي / حميدي لخضر
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على موضوع هام وجد حساس، ألا وهو موضوع التربية في الفكر العربي المعاصر، حيث تباينت الآراء والأفكار حول كيفية سير المنظومات التربوية في المجتمعات العربية، في هذا الإطار جاءت محاولة المفكر «اللبناني ناصيف نصار» الذي حاول تناول موضوع التربية من وجهة سياسية من خلال تسميتها بالتربية المواطنية، وكذا في علاقتها مع الإيديولوجيا التي يرى في هذه الأخيرة سبب التفكير المغلق والركود الذي تعاني منه التربية في المجتمعات العربية عامة والمجتمع اللبناني على وجه الخصوص، فالتنازع بين التربية والإيديولوجيا قد يجعل مستقبل التربية على المحك نظراً لما تنسجه الإيديولوجيا من فكر مغلق لخدمة مصلحة جماعة معينة، مما يجعل من التربية تدور في حلقة مفرغة نتيجة خدمة مصالح تلك الجماعات، وبهذا تبقى المجتمعات العربية تعاني من ويلات الإيديولوجيا لعدم وجود منهج تربوي سليم قد يغير نمط تفكير الفرد العربي، ولهذا يقترح ناصيف أن تحل الفلسفة مكان الإيديولوجيا بوصفها تفكيراً عقلانياً حراً لفتح الباب على الفرد للاحتكاك بالثقافات التي من شأنها النهوض بالتربية إلى مصاف العالمية، وخلق مجتمع تكون التربية تاجه المرصع

Cet article vise à éclairer un sujet important et sensible, qui est la question de l’éducation dans la pensée arabe contemporaine, où les opinions et les idées sur le fonctionnement des systèmes éducatifs dans les sociétés arabes variaient. Dans ce contexte est venus la tentative du penseur libanais Nassif Nassar qui a tenté d’aborder la question de l’éducation d’un point de vue politique en la qualifiant éducation civique, ainsi que dans son rap-port à l’idéologie, qu’il voit dans cette dernière la cause de la pensée fermée et de la stagnation dont souffre l’éducation dans les sociétés arabes en général et dans la société libanaise en particulier, ce qui fait tourner l’édu-cation dans un cercle vicieux. cercle parce qu’ils servent les intérêts de ces groupes, Ainsi, les sociétés arabes continuent de souffrir du fléau de l’idéologie, parce qu’il n’y a pas d’approche éducative solide qui puisse changer le mode de pensée de l’individu arabe, et pour cette raison, Nassif suggère que la philosophie devrait remplacer l’idéologie en tant que pensée rationnelle et libre pour ouvrir la porte permettant à l’individu d’interagir avec des cultures qui feraient progresser l’éducation dans les rangs du monde et créeraient une société. Imprégnée d’une saine pensée éducative, elle pourrait faire sortir les sociétés arabes de l’état de médiocrité qu’elles sont devenues

While it was called Education, this research paper aims to shed light on an important and sensitive topic, which is the issue of education in contemporary Arab thought, where opinions and ideas about how educational sys-tems work in Arab societies varied, in this context the attempt of the Lebanese thinker came  Nassif Nassar, who tried to address the issue of education from a political point of view of citizenship, as well as its relationship with ideology, which he sees in the latter the cause of closed thinking and the stagnation that education suffers from in Arab societies in general and in the Lebanese society in particular. The conflict between education and ideol-ogy may make the future of education On your mother, given the closed ideology that weaves to serve the in-terest of a particular group, which makes education revolve in a vicious circle as a result of serving the interests of those groups, and thus Arab societies continue to suffer from the scourge of ideology because there is no sound educational approach that may change the pattern of thinking of the Arab individual.  For this reason, Nassif suggests that philosophy should replace ideology as a rational and free thinking to open the door for the individual to interact with cultures that would advance education to ranks of cosmopolitanism, and creating a society saturated with sound educational thought, may bring Arab societies out of the state of mediocrity they have become

Quelques mots à propos de :  سيف الدين محمودي

[1]   Seyf eddin Mahmoudiمخبر سوسيولوجيا جودة الخدمة العمومية جامعة محمد بوضياف المسيلة، الجزائر seyf_eddin.mahmoudi@univ-msila.dz
[1]المؤلفالمراسل 

Quelques mots à propos de :  حميدي لخضر

Pr. Lakhedar Hamidiمخبر سوسيولوجيا جودة الخدمة العموميةجامعة محمد بوضياف المسيلة، الجزائرLakhedar.hamidi@univ-msila.dz

مقدمة

يعتبر موضوع التربية من المواضيع ذات الأهمية داخل المتجمع، إن لم يكن أهمها، ذلك أن نهضة الأمم وتطورها، يُقاس بمدى تطور المنظومة التربوية ومقدرتها على التكيف مع مستجدات العصر، ومدى ذيوع الفكر التربوي السليم فيها.

ولعل هذا الذي دفع المفكر «اللبناني ناصيف نصار» إلى انتهاج نهج جديد في التربية في لبنان خاصة والمجتمع العربي عامة، إذ حاول ربط التربية بالمواطنية كفكرة سياسية بالدرجة الأولى، غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في الإيديولوجيا التي تعيق عملية التربية المواطنية، ناهيك عن التوجه السياسي في سائر الدول العربية التي تفرض سلطتها في كل شيء، مما يُصعب الامر على بناء تربية مواطنية تقوم على التفكير الفلسفي الحر وعليه نجد أن «ناصيف نصار» في معالجته لهذه القضية يحرص كل الحرص على ضرورة جعل التربية المواطنية ذو توجه فلسفي نقدي كوني، وبالتالي التخلص من الفكر الأيديولوجي الذي يجعل من التربية المواطنية لعبة في يد السلطة السياسية وغيرها من السلطات، فالإيديولوجيا تنحاز بطريقة أو بأخرى إلى مصلحة الجماعة التي تعمل لصالحها وتدافع عن مصالحها الخاصة، هذا ما يجعل من التربية أداة طيِّعة في يد من تسول لهم أنفسهم تهديم المجتمع من خلال نشر ثقافات لدى الأجيال بعيدة عن خصوصيات وثقافات المجتمعات الأصيلة.

موضوع الدراسة

ومن هنا فإن محاولة «ناصيف نصار» متمثلة في كيفية تحرير التربية من القيود التي تفرضها وتنسجها الإيديولوجيا بما أنها فكر مغلق في خدمة مصلحة جماعة معينة، وضرورة تبني الفكر الفلسفي بما أنه فكر مُنفتح وحر وعقلاني، مع الاعتراف بصعوبة الأمر نظراً لما تحتله الفلسفة في المجتمعات العربية من مكانة ضئيلة وهامشية.

إشكالية البحث

يُعالج هذا البحث إشكالا معرفياً رئيساً وهو:

-إلى أي مدي وفق ناصيف نصار في معالجته لمشكلة التربية المواطنية في علاقتها مع الإيديولوجيا والفلسفة؟

وفي ضوء هذا الإشكال المحوري نطرح التساؤلات الفرعية التالية:

-ما هو مفهوم التربية المواطنية عند ناصيف نصار؟

-ما هو السبيل الذي يدلنا على تأسيس تربية مواطنية بين خصوصية الإيديولوجيا وكونية الفلسفة؟

 -وهل للتربية المواطنية بعدًا سياسيًا؟

-وما مصير الفلسفة من كل هذا التعارض؟

أهداف البحث

إن الفكر العربي المعاصر رغم تنوع مشاربه الفكرية، وبروز أسماء ثقيلة على الساحة العربية ومشاريع فكرية ضخمة، لم يقدم المرجو منه، نظراً لعدم وجود بدائل قوية تقوم بإنشاء نظرية في التربية تكون مرجعاً لكل الدول العربية، فكان المفكر «اللبناني ناصيف نصار» من بين أبرز الأسماء التي تناولت موضوع التربية في لبنان وفي جل الدولة العربية، فحاول التنظير لما يجب أن تكون عليه التربية.

فكان الهدف من هذه الدراسة هو اكتشاف البديل الذي يقترحه «ناصيف نصار» للنهوض بالتربية في المجتمعات العربية، وكذا في علاقتها بالإيديولوجية التي تنخر داخل المناهج التربوية في جل الدول العربية.

الدراسات السابقة للموضوع

من خلال استقرائي للدراسات السابقة المتعلقة بالموضوع وجدت أن أبرز من تناول قضية التربية المواطنية في فكر «ناصيف نصار» هو الدكتور زروخي الشريف من خلال كتابه: العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر (قراءة في مشروع ناصيف نصار)، حيث تُعد الدراسات حول هذا الموضوع شحيحة جداً.

خطة الدراسة

للإجابة على الإشكال المذكور أعلاه، قسمت البحث إلى مقدمة وتسعة مطالب وخاتمة، أما المطلب الأول فكان حول مفهوم التربية عموماً بين اللغة والاصطلاح، وأما المطلب الثاني فكان حول مفهوم التربية المواطنية كما يعرفها ناصيف نصار، وأما المطلب الثالث فكان شروط التربية المواطنية الحقة كما ينشدها ناصيف نصار، وأما المطلب الرابع فكان التربية المواطنية بين مأزق الإيديولوجيا وانفتاح الفلسفة، وخامساً كان حول البعد السياسي للتربية المواطنية، ويليه سادساً المشكلات التي تحول دون تحقيق التربية المواطنية لأهدافها، فيما كان المطلب السابع يدور حول صعوبة تعليم الفلسفة، بينما الثامن تناول أهم المرتكزات التي تقوم عليها التربية المواطنية في بناء الإنسان، واخيراً بعض الحلول التي يتصورها ناصيف نصار لإصلاح التعليم الثانوي في لبنان.

منهج الدراسة

اتبعت المنهج التحليلي الذي يقو على تحليل الكل إلى أجزائه البسيطة، بغيت تحليل فلسفة ناصيف نصار حول التربية المواطنية في علاقتها مع الإيديولوجيا والفلسفة.

مدخل  

 الإيديولوجيا في مفهومها البسيط نسق من الأفكار التي تعبر عن مصلحة الجماعة ووجودها وتجذرها وخدمة مصالح هذه الجماعة، بينما الفلسفة هي محبة الحكمة أو طريقة في التفكير الحر العقلاني بعيداً عن أي قيود،  فكل من الإيديولوجيا والفلسفة يتصلان بالتربية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا ما حاول الفيلسوف اللبناني «ناصيف نصار» توضيحه وفك اللبس عليه، من خلال تطرقه لعلاقة التربية بالإيديولوجيا والفلسفة، حيث أن التربية أعطاها بعدا آخر إذ ربطها بالمواطنية التي تحمل بعداً سياسيا، ولهذا سأتطرق بداية الى مفهوم التربية عموما، ثم مفهوم التربية المواطنية، ثم الولوج إلى فكر «ناصيف نصار» حول هذه المواضيع.

مفهوم التربية

في البداية سأحاول توضيح مفهوم التربية بين اللغة والاصطلاح، قبل الولوج إلى فكر «ناصيف نصار» حول التربية المواطنية.

مفهوم التربية في اللغة 

جاء في «لسان العرب» لابن منظور أن التربية معناها ربَا الشيء يربو ربوا رباء زاد ونما، وأربيته نميته(ابن منظور، د ت)، وقال الاصمعي: ربوت في بني فلان، اربو: نشأت فيهم، وربيت فلا أربيه تربية وتربيته ورببته، وربّبته بمعنى واحد(ابن منظور،د ت)، وورد في القرآن الكريم قوله تعالى﴿وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ﴾ (الحج: 5)، بمعنى نمت وازدهرت».

مفهوم التربية في الاصطلاح

جاء في المعجم «الفلسفي لجميل» صليبا أن التربية هي تبليغ الشيء إلى كماله، أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا، تقول ربيت الولد، إذ قويت ملاكاته، ونميت قدراته، وهذبت سلوكه حتى يصبح صالحا للحياة في بيئة معينة(جميل صليبا، د ت)، ينفعل ويتفاعل داخل المجتمع الذي هو عضو فيه.

أما الفرنسي «لالاند» في موسوعته الفلسفية فقد ميز بين التربية بمفهومها العام والخاص، ففي المفهوم العام فهي تقوم على تطوير وظيفة أو عدة وظائف تطويرا تدريجيا عن طريق التجربة والتدريب وتظهر من عمل الفرد ذاته، فهي بهذا عملية متجددة. أما المفهوم الخاص فيتمثل في عمليات إجرائية يتم بها تدريب الأفراد عن طريق إبراز ميولاتهم وتشجيعهم على حمل عادات مجتمعهم(اندريه لالاند، 2001)، وبهذا المعنى فإن للتربية طريقان، الأول أن يربى الطفل بواسطة المربي، والثاني أن يُربي نفسه بنفسه، فإذا أخذت التربية بالطريق الأول كانت عملاً موجهاً يتم في بيئة معينة وفقا لفلسفة معينة، وإذا أخذت بالطريق الثاني، كانت عملا ذاتيا يترك فيه الطفل على سجيته ليتعلم من نشاطه القصدي (جميل صليبا، د ت)، وبهذا يستقيم سلوك الفرد مع ذاته ومع الآخرين.

بهذا يمكن اعتبار التربية ذلك العمل المتناسق الذي يهدف إلى نقل المعارف والخبرات، وكذا تنمية القدرات وتحسينها في كافة المجالات وخلال حياة الإنسان كاملة.

إذاً فالتربية هي تبليغ شيء إلى كماله، أو هي كما يقول علماء النفس تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئاً فشيئاً(الدراجي زروخي، 2015)، أي أنها تعتمد على تهذيب الجانب الروحي للإنسان.

مفهوم التربية المواطنية عند ناصيف نصار

يربط «ناصيف نصار» بين التربية والمواطنية ربطاً وثيقاً، لأنه يرى في هذه الأخيرة الحل لقيام التربية في المجتمع اللبناني على وجه الخصوص والمجتمعات العربية عموما، ولهذا قبل توضيح مفهوم التربية المواطنية، يجب فهم ماذا يقصد «ناصيف» بالمواطنية؟ وما علاقتها بالتربية؟

ترتكز المواطنية على المواطن، «فالمواطنية تصور مشتق من تصور عيني هو المواطن» (ناصيف نصار، 2000)، الذي يعيش في رقعة أرض معينة ينتسب إليها ويتفاعل معها في جملة من المصالح المادية والمعنوية.

ويميز «ناصيف» بين المواطنة والمواطنية، فالأولى أساسها الموطن والثانية أساسها الوطن «فالموطن بالنسبة الى الفرد هو مكان ولادته ونشأته أو مكان استقراره، ويشمل على مستويات، من المنزل والحي أو القرية (...) بحسب نطاق التحرك الذي يحيط بالإقامة أو العمل»(ناصيف نصار، 2000)، أما الوطن «بالنسبة إلى الجماعة هو تلك القطعة من الكرة الأرضية التي تخصها دون غيرها ويشعر أفراد الجماعة بالانتساب إليها من خلال انتمائهم إلى الجماعة نفسها» (ناصيف نصار، 2000)،  وفي هذا التمييز يظهر أن المواطن ذو أبعاد اجتماعية تمليها ظروف الحياة كالهجرة والعمل وغيرها، بينما الموطن يمثل الجماعة التي ينتمي إليها الفرد و يتفاعل معها و يُعرف بالانتماء إليها عبر الاجيال و القرون .

وفيما يخص علاقة التربية بالمواطنية فإن «ناصيف نصار» يوضح التداخل بين التربية الوطنية والتربية المواطنية، إذ يعتبر أن التربية الوطنية هي «التربية التي تُعنى بتنمية الشعور الوطني وحب الوطن والاعتزاز به، وبتغذية الولاء الوطني في نفوس أفراد الجماعة الوطنية وفئاتها (...) حيث تدل على التربية التي تتم داخل الوطن، بإشراف الدولة الوطنية، حيث توجد، وتشمل النشاطات التربوية و التعليمية» (ناصيف نصار، 2000) وهذا النوع من التربية معمول به تقريبا في كل الدول العربية، بينما التربية المواطنية ف «موضوعها هو تشكيل المواطن و تنميته، انطلاقا من تصور فلسفي معين لماهية المواطن ومن واقع التجربة في حياة الجماعة الوطنية ووجودها السياسي» (ناصيف نصار، 2000) ، وذلك من أجل إنشاء مواطن يكون عضوا فعالا وفاعلا و منفعلا داخل دولة وطنية يعرف ما له و ما عليه، وبالتالي فإن التربية المواطنية تتميز ببعد سياسي ونظام يدرك فيه المواطن حقوقه وواجباته، انطلاقاً من حقوق وواجبات الفرد داخل الدولة، وفي نفس الوقت فإن حقوق الأفراد هي من واجبات الدولة.

شروط التربية المواطنية الحقة كما ينشدها ناصيف نصار

يحدد «ناصيف» في كتابه في «التربية والسياسة» مجموعة من الشروط لقيام تربية مواطنية حقة من شأنها تغيير ذهنية الاجيال الآنية والقادمة نذكر منها:

-كونها عملية نضالية مستمرة(عصام الدين هلال وآخرون، 2004)، وذلك راجع إلى أن المواطنية ليست سياسة بديهية، «لأن المواطن كائن سياسي ليس من السهل الحفاظ عليه بعد تشكيله» (ناصيف نصار، 2000)، ولذا وجب انخراطه في العملية التربوية.

-التربية الحقة تقتضي تغليب الانتماء إلى الوطن (الشريف زروخي، 2013)،الذي يحضن جميع أفراده، أي الانتماء «الى الجماعة الوطنية ودولتها الوطنية، دون أي انتماء سياسي آخر»(ناصيف نصار، 2000)، ولهذا على الدولة الوطنية أن تعامل أفرادها كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، ومن مهمة الدولة الوطنية حفظها، لا أن تعاملهم كأنهم عبيد أو جماعة مؤمنين، والقانون داخل الدولة الوطنية الحقة يسري على جميع الأفراد دون تمييز مهما كانت مكانة الفرد داخل المجتمع، والدولة الحقة هي التي تفرض منطق الولاء لنفسها دون أي سلطة جزئية أخرى مهما كانت مكانتها.

-تستلزم النظر الى أعضاء الدولة على أساس أنهم كائنات حرة وعاقلة (عصام الدين هلال وآخرون، 2004)، وهذا يجعل من «نظام الحقوق والواجبات الذي يربط المواطنين بالدولة والدولة بالمواطنين هو من صنع المواطنين أنفسهم من حيث أنهم قادرون بعقولهم وإرادتهم الحرة على معرفة مصالحهم العامة والالتزام بالقوانين والقواعد التي تصونها وتحققها» (ناصيف نصار، 2000)، فالحرية والعقل يفتحان المجال للمواطنين للانخراط في بناء دولة مواطنية يكون فيها الشغل الشاغل للدولة حفظ وحماية حقوق وواجبات المواطنين التي لا يمكن التنازل عنها.

-تفترض النظر إلى المواطنين على أساس أنهم متساوون أمام القانون (الشريف زروخي، 2013)، لأن «قاعدة المساواة في الحياة المواطنية منبثقة من المساواة في الكرامة الإنسانية ومن الأُخوة الوطنية، فهي تعبير عن العدل من هذه الجهة، وهي أيضا شرط لوحدة الجماعة الوطنية» (ناصيف نصار،  2000)، والمساواة بين المواطنين تجعل منهم فخورين بالانتماء للدولة الوطنية.

-أن تكون سلطة الدولة محصورة في نطاق الخير المشترك لأعضاء الدولة إلى الأفراد ككل (عصام الدين هلال وآخرون،  2004)، لأن «الدولة من حيث هي جماعة مواطنين، تُعنى بالخير المشترك لهؤلاء المواطنين»(ناصيف نصار،2000)، فتحقيق الخير المشترك للمواطنين هو أسمى شيء تقوم به الدولة اتجاه مواطنيها.

-تستلزم إحداث توازن في الحقوق والواجبات بين المواطنين (الشريف زروخي، 2013)، لأن حقوق الافراد هي واجبات على الدولة الوطنية، كما أن واجبات المواطنين هي من حق الدولة، ولذا وجب إحداث توازن بين الحقوق والواجبات، بحيث لا يكون هناك إفراط في الواجبات ولا يكون هناك تفريط في الحقوق، أي جعل كل منهما معدل وسط أو منزلة بين منزلتين بلغة المعتزلة.

-نشر ثقافة الاختلاف لأنها جزء من التربية على الحرية، لأن إدراك الاختلاف بين الأجيال أمر طبيعي وظاهر في كل المجتمعات (الشريف زروخي، 2013).

لكن إذا رجعنا إلى واقع الشعوب العربية وما هو ظاهر جاز لنا أن نطرح التساؤل الآتي: هل يمكن تطبيق هذه الشروط على أرض الواقع؟ وهل الواقع السياسي يسمح بذلك؟ قد يكون من المستحيل فعل ذلك، نظراً للسياسات الموجودة داخل المجتمعات العربية التي تفرض نظاماً يجعل من هذه الشروط مجرد تنظير لما يجب أن يكون فقط، أو ربما يأتي في المستقبل أجيال قد تطبق هذه الشروط على أرض الواقع.

التربية بين مأزق الإيديولوجيا وانفتاح الفلسفة

يُلح «ناصيف نصار» في جل مؤلفاته على ضرورة جعل العقل العربي عقل فلسفي يمارس النقد من واقعه المعاش متبعاً في ذلك طريق الاستقلال الفلسفي، ومن خلال متابعته لواقع التربية في لبنان وفي معظم الدول العربية، لاحظ الإهمال الذي لحق بتدريس الفلسفة، ذلك أن «الفلسفة ضرورية لفهم الواقع التربوي كما هي ضرورية لإصلاحه»(ناصيف نصار، 2000)، إذ لابد من أن تكتسي أهمية بالغة في المنظومات التربوية العربية.

لكن ترسيخ الفلسفة في المنظومات التربوية العربية لا يكون بمجرد الدعوة اليها وتبين فضائلها وتزيين نتائجها، وإنما المجال الذي ينبغي لنا أن نمارس فيه فعل الفلسفة، أي السؤال عن المجال الذي يشكل دخولنا فيه إعلاناً عن ارتفاع الثقافة العربية الى مستوى العقل الفلسفي (ناصيف نصار، 1989)، ومدى تبني المجتمع للقول الفلسفي.

ولهذا يجب تركيز العمل التربوي بأشكاله ومستوياته وطرائقه وأساليبه المختلفة على فلسفة واضحة محددة، ومن أجل تمكين الفلسفة من أن تلعب دورها في العملية التربوية لابد من تخطي العقبات التي تعترض طريقها وطرق تدريسها، لأن العقبات التي يواجهها تقدم الفكر التربوي لا تأتي من العلوم ولا من الفلسفة، بقدر ما تأتي من الإيديولوجيا و طموحها ونزعتها الى السيطرة على مجالات الفكر كلها، مستخدمة شتى الأساليب و الحيل،  لهذا وجب كشف لعبة الإيديولوجيا في الفكر التربوي من أجل تحرير الفلسفة من هيمنتها وإعطاء كل مستوى من مستويات الفكر التربوي حقه في النمو و الازدهار (ناصيف نصار، 2000).

وعليه يرى «ناصيف نصار» أن التربية في المجتمع العربي تتحمل مسؤولية كبيرة جداً في الأزمة الفكرية التي تعاني منها البلدان العربية سواء في تفسير الأزمة أو في إمكان الخروج منها وتجاوزها، لأن النظم التربوية في المجتمعات العربية هجينة وغير متلائمة مع الحاجات والتطلعات الحقيقية للشعوب العربية(ناصيف نصار، 2000)، ولأن نمط التفكير الإيديولوجي داخل هذه النظم متجذر ومغلق، بحيث لا يفتح الباب أمام العقل للتفكير والبحث والمناقشة الهادفة.

إن التربية مطالبة بتنمية العقل العلمي والعقل الفلسفي، وبذلك يستطيع أن يفتك ويتجاوز الفكر المغلق الذي تقدمه الإيديولوجيا، وأن يتمكن الانسان من تغيير العالم وإثبات ماهيته وتحقيقها (ناصيف نصار، 1986)، لأن الإيديولوجيا «تضع التحليل مذ البداية في إطار الانحياز إلى جماعة معينة والدفاع عن مصالح هذه الجماعة سياسيا وتربويا» (ناصيف نصار، 2000)، ولهذا وجب إعادة انتاج العقل العربي من عقل إيديولوجي إلى عقل فلسفي منفتح على كل الثقافات، وأن يحتك بكل المنظومات التي من شأنها أن تساهم في رفع مستوى الوعي والتفكير والمناقشة والخروج من الدائرة المغلقة التي رسمتها الإيديولوجيا، ذلك راجع للاختلاف بين نمط التفكير الفلسفي والتفكير الإيديولوجي، فالتفكير الفلسفي «يأخذ أساسا بالعقلانية والشمول الإنساني في تقرير الحقيقة وتحديد الحق والمصلحة»(ناصيف نصار، 2000)،  بينما يأخذ التفكير الإيديولوجي «أساسا بالإيمانية والانحياز الكامل الى الجماعة، دون غيرها أو مفضلة على غيرها، في تناوله لجميع الشؤون الاجتماعية، ومن ضمنها الشؤون التربوية، وما يمكن أن تنطوي عليهالإيديولوجيا من مبادئ إنسانية شاملة» (ناصيف نصار، 2000)، ومنه فالإيديولوجيا تفرض قيودا وتنسج خيوطا تدعي انها الحقيقة، ولكن مهما حاولت الوصول الى الشمول الإنساني فإنها تبقى مرتبطة بوجود جماعة تاريخية معينة، لأن «الإيديولوجيا لا تستطيع أن تنقلب فلسفة بالمعنى الصحيح والفلسفة لا تستطيع أن تحل محل الإيديولوجيا»  (ناصيف نصار، 1986)، ولهذا فإن التداخل الكبير بين التفكير الفلسفي والتفكير الإيديولوجي يوحي بصعوبة تنزيه التفكير الفلسفي عن أي ضغط إيديولوجي، لأن هذه الاخيرة لا تنظر دائماً إلى الإنسان كإنسان وإلى وجوده الاجتماعي الخاص به كنوع إلا من خلال ما يخدم مصلحة الجماعة المعينة(ناصيف نصار، 2000)،  وهذا ما يؤثر سلبا على العملية التربوية، إذ تصبح في يد الجماعة التي تناشدها الإيديولوجيا، وهذا «لا يمنع من قيام ما يشبه تبادل الخدمات بين الفلسفة والإيديولوجيا، شرط أن تحترم كل واحدة منهما حدودها بالنسبة إلى الأخرى ... فما تعبر عنه الإيديولوجيا لا ترنو إليه الفلسفة، أو لا تدركه بحرارة الإيديولوجيا له، وما تنفذ اليه الفلسفة تعجز عنه الإيديولوجيا» (ناصيف نصار، 2000)،  إلا أن التربية مطالبة بالاحتكاك بالبعدين الفلسفي والإيديولوجي، فمن جهة الانخراط داخل المجتمع الإيديولوجيا أقرب إلى المجتمع لكن ليس في ثوبها المغلق ، ومن جهة التفكير الإنساني الكوني الفلسفة أقرب الى ذلك، فمهمة التربية الجمع بينهما من أجل القيام بالتربية الحقة .

فالتربية في المجتمعات العربية مطالبة بإعادة النظر في المناهج التربوية، بغية توسيع دائرة الاهتمام بالفلسفة وإعطائها أولوية كبيرة ضمن البرامج الدراسية، من أجل إعادة إنتاج العقل العربي وترسيخ التفكير الفلسفي المنفتح داخله، وتحريره من هيمنة الإيديولوجيا التي ضيقت الخناق على التفكير الحر والاحتكاك بالثقافات التي من شأنها أن تنمي التواصل والحوار داخل المجتمع العربي.

وإذا نظرنا إلى واقع الفلسفة قد نجدها تتأرجح، بين مؤيد ومعارض لها، ومن جهة ثانية قد يكون من يشتغل بالفلسفة ربما يؤسس بنفسه لإيديولوجيا جديدة من خلال تبنيه لفلسفة معينة يرى أنها عين الصواب، وبالتالي تبقى فرضية تخليص الفلسفة من هيمنة الإيديولوجيا غير واردة بشكل كلي، إلا أنها تبقى محاولة قدمها ناصيف على أمل تطبيقها على أرض الواقع.

البعد السياسي للتربية المواطنية

يرى «ناصيف نصار» في كتابه«في التربية والسياسة»، أن الفرد في الدول العربية يعيش حياة سياسية غير منطقية، تتناقض وطبيعة العقل، لأن الأنظمة السياسية في الوطن العربي على اختلاف أنواعها هي أنظمة أبوية (الشريف زروخي،  2013).

أي أنها تحمل طابع إيديولوجي من خلال الدساتير وقوانينها، لان الدستور هو الذي «يحدد شكل الدولة، ويحدد نظام الحكم، ويحدد المبادئ العامة لعلاقة الدولة بأعضائها»(ناصيف نصار، 2000).

ولهذا نجد أن «ناصيف نصار» يشدد على ضرورة المساواة في عملية التربية المواطنية، من خلال سن القوانين التي تحفظ كرامة المواطن، لأن قاعد المساواة تشكل اللبنة الأساسية للتربية المواطنية في أي بلد مهما كان، وذلك راجع إلى أن «نظام الحقوق والواجبات الذي يربط الأفراد بالدولة والدولة بالأفراد لا يكون نظام مواطنية بدون شرط المساواة أمام القانون بين أفراد الدولة، والمساواة أمام القانون في الدولة الجمهورية تفترض أن وضع القانون هو نتيجة اشتراك جميع الخاضعين له»(ناصيف نصار، 2000)، وبالتالي فإن قيام الدولة على أساس الرابطة الوطنية هو ما يجعل الإنسان مواطنا، في حين أن الدولة الوطنية ترى أن الإنسان يولد مواطنا بالقوة نتيجة ما تفرضه الدولة والمجتمع من قوانين ينصهر فيها المواطن بالقوة.

ولهذا فمهمة التربية المواطنية ليست في تنوير المواطن فقط، بل «إنها مسؤولة عن تحويل المواطن بالقوة إلى المواطن بالفعل، أي مسؤولة عن تشكيله كمواطن وتنمية وعيه وشعوره وإرادته كمواطن، وذلك ليس فقط في المدرسة، وإنما أيضا في جميع البيئات التي يتصل بها ويتفاعل معها وجميع المؤسسات التي ينتظم فيها سلوكه» (ناصيف نصار، 2000)،  ولهذا فالتربية المواطنية فيها من الصعوبة ما فيها، وواجب الدولة هو تحويل الأفراد إلى أفراد فاعلين ومنفعلين لحمل صفات محددة بكل حرية ومسؤولية داخل حياة الدولة التي وجودها لا ينفصل عن وجودهم، ومصلحتها لا تنفصل عن مصلحتهم المشتركة (ناصيف نصار، 2000).

وعليه فإن التربية المواطنية في علاقتها بالسياسة تكاد تكون أكثر من ضرورية، لأن ذلك راجع لما تفرضه الدساتير والقوانين من مواد وبنود من شأنها أن تدمر البرامج التربوية، أو على العكس من ذلك فتعطيها حظا كبيرا من الاهتمام والرعاية، ونفس الشيء ينطبق على الأفراد داخل المنظومة التربوية، ولهذا فالسياسة سلاح ذو حدين إذ أُحسن استغلالها، ولعل تدهور التربية في المجتمعات العربية راجع بدرجة كبيرة  إلى الأنظمة السياسية ومدى سيطرتها على كل الجوانب الحياتية للمواطن، ووضع أشخاص في غير موضعهم لسن قوانين معينة في مجال معين بعيدا عن الاختصاص، وهذا ما يفسد أي منظومة مهما كانت، وعليه فإن التربية التي تتجه للمواطنين، لفهم كيفية التصرف ضمن الإطار الاجتماعي السياسي، وهي التي تجعل «من التفكير في المواطنية يؤدي إلى اكتشاف أمرين يحددان المعنى الصحيح للقول بأن الإنسان يولد مواطنا، الأول هو ضرورة قيام الدولة عل أساس الرابطة الوطنية، والأمر الثاني هو تشكيل المواطن وتنشئته بصورة مستمرة في الدولة الوطنية» (ناصيف نصار، 2000)،  من أجل رسم خارطة طريق تحدد مهام المواطنين اتجاه الدولة، ومهام الدولة اتجاه المواطنين.

كما يطرح ناصيف مشكلة الطبقة الحاكمة والتربية، وكيف يصبح لها أن تكون مؤهلة لتولي مهمة التربية المواطنية، ولهذا يعترف ناصيف أن هذه المشكلة لم يُعرف لها حل لحد الأن، وأيضا فيما يتعلق بمعلم التربية المواطنية ووضع الكتاب المدرسي الذي يتناول البرامج والمناهج الموضوعة من طرف الطبقة الحاكمة هي احدى مشكلات التربية المواطنية، ويظهر مما سبق أن ناصيف نصار حاول «بناء منظومة مفاهيمية تخص التربية السياسية وتنطلق من مفهومي المواطن والوطن، إذ دعا إلى تربية مواطنية هدفها تنشئة المواطن ونقله من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل، داخل نظام محدد من الحقوق والواجبات» (الوردي الحيدوسي، 2012).

ولكن مهما حاول المفكرون والفلاسفة تنزيه التربية وغيرها من المجالات الحياتية، من البعد السياسي فإنها تبقى مجرد حبر على ورق، لأن رجال السياسة لا ولم ولن يتركوا مجالات الحياة دون سيطرة وتحكم. 

المشكلات التي تحول دون تحقيق التربية المواطنية لأهدافها                                                           

يرى «ناصيف» أن هناك جملة من المشكلات التي تعيق التربية المواطنية في تحقيق أهدافها ولعل أبرزها:

التحديد الدستوري للمواطنية

يلعب الدستور في الدول المتقدمة دورًا حاسما في عملية التربية المواطنية، وذلك عن طريق النظر إلى أفراد الدولة على أنهم مواطنين لهم حقوق وواجبات داخل الدولة، ففي الدول العربية نجدها تقر بجملة من الحقوق والواجبات للأفراد تحت مسميات كثيرة كحقوق الإنسان، والحقوق الأساسية، وغيرها من التسميات سواء كانت ظاهر أم مستترة، وبالتالي فهذه الحقوق تنقسم إلى حقوق سياسية ومدنية، «وما يتصلبالتربية المواطنية كما نفهمها، هو في الدرجة الأولى، جملة الحقوق والواجبات السياسية، مع العلم أنها ذات علاقة وثيقة بالحقوق والواجبات المدنية» (ناصيف نصار، 2000)، ولهذا فالفرد يتحدد في الدستور بوصفه موطناً، فهو يمتلك حقوق وواجبات بالنسبة إلى الدولة، وعلى العكس من ذلك فالدولة تعتبر نفسها صاحبة حقوق وواجبات بالنسبة للأفراد، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على مدى تطبيق المساواة بين أفراد الدولة، غير أن هذه المساواة التي يكفلها القانون للأفراد، لا تكون مساواة حقيقية مالم يشارك الأفراد «في حقهم في صنع القانون، وهذا الحق يعني في النهاية الحق الكامل في المشاركة في حياة الدولة وسلطتها وأجهزتها» (ناصيف نصار، 2000)، ولهذا فإن التربية المواطنية كمشكلة سياسية، تتأثر بطبيعة الحال بنوعية التحديد الدستوري والقانوني، كما تتأثر بالصراعات الأيديولوجية داخل الدولة، وهذا ما سنوضحه في العنصر الموالي.

التبرير الإيديولوجي للمواطنية

إن الحديث عن التبرير الإيديولوجي للمواطنية يفتح الباب للتداخل بين أنواع كثيرة من الحجج والتنظيرات، التي تكون تارة مستمدة من الفلسفة المواطنية وتارة أخرة من الإيديولوجيا الوطنية، فمن وجهة النظر الفلسفية، «يحتاج تبرير المواطنية إلى منظومة من الأفكار والنظريات حول أمور سياسية يتعلق بها وجود الانسان كمواطن، مثل الدولة والشعب، والسلطة والامر» (ناصيف نصار، 2000)، أما من وجهة النظر الإيديولوجية، «يحتاج إلى منظومة من الأفكار والنظريات حول أمور سياسية يتعلق بها وجود الوطن في دولة وطنية تاريخية معينة، مثل الوطن والهوية الوطنية والانتماء الوطني ...» (ناصيف نصار، 2000).

ولهذا ولكي تستقيم التربية المواطنية لابد لها من تبرير إيديولوجي، يقول ناصيف نصار «وإنه لمن الأكيد أن أمر التربية المواطنية لا يستقيم بدون توافر التبرير الإيديولوجي المقنع حول قيمة المواطنية على نطاق واسع في المجتمع والدولة، وبقدر ما يكون هذا التبرير واضحاً، متماسكاً وعميقاً، يكون هذا الدعم قوياً وفعالاً» (ناصيف نصار،  2000).

وهذا التبرير الإيديولوجي لا يكون مغلقاً، بل يفتح الباب للمواطن للانخراط في المواطنية، أي أنه يحمل بعداً فلسفياً من شأنه النهوض بالتربية المواطنية.

 التجذر الوطني والديمقراطي للطبقة الحاكمة

تعتبر هذه المشكلة أعمق من المشكلتين السابقتين، «لأن الطبقة الحاكمة هي في الواقع من يفسر عموميات الدستور ويعدله عند الضرورة وينتج الإيديولوجيا السائدة في الدولة ويستخدمها ويعيد إنتاجها بحسب تغير الظروف»(ناصيف نصار، 2000)،  أي أن الطبقة الحاكمة هي من تملك زمام الأمور ومنطق اتخاذ القرار، فهي من ينتج القوانين ويسنها، انطلاقا من كونها تحمل مهمة الحافظ على الدستور وقوانينه وتعديله عند الحاجة، وهذا يدل على أن الطبقة الحاكمة أنها المرآة العاكسة لحقيقة الصراع في الدولة من خلال القوانين التي تفرضها.

وفي معنى التجذر الوطني للطبقة الحاكمة، يقول «ناصيف نصار»: «إنه يعني أن الطبقة الحاكمة تشعر شعوراً عميقا بانتمائها إلى الوطن، وتدرك أن كل انتماء إلى جماعة جزئية في الوطن هو دون انتمائها للوطن، مرتبة وقيمة، وتسعى بالإخلاص وعناد إلى خدمة مصالح الوطن»(ناصيف نصار،  2000)، أما التجذر الديمقراطي للطبقة الحاكمة فيعني «أن الطبقة الحاكمة تشعر شعورا راسخا بأنها جزء لا يتجزأ من الشعب، بوصفه جماعة أشخاص، عقلاء وأحرار، وتسلم بأن إرادتها تستمد قوتها وصلاحها من إرادة الشعب، وتسعى إلى أن تكون سيادة القانون تعبيراً صادقاً عن إرادة الشعب وتطلعاته ومصالحه»(ناصيف نصار، 2000)، ولهذا نجد أن مشكلة التجذر الوطني والديمقراطي للطبقة الحاكمة، ليست مشكلة معرفة أو وعي بجوهر الوطن أو الشعب، «إنها قضية وجودية، قضية معاناة كيانية، قضية انتماء ومصير» (ناصيف نصار، في التربية والسياسة، 2000)، حيث أن الإيديولوجيا في هذه القضية تلعب دورا مهما دون شك، ولعل مهمة التربية المواطنية كقضية سياسية تكمن في كيفية الربط والتنسيق بين الطبقة الحاكمة والمواطنين المحكومين، من خلال تربية الأجيال وغرس فيهم الثقافة الوطنية والديمقراطية الوطنية.

وبالنظر إلى هذه المشكلات التي يطرحها «ناصيف» يظهر مدى التحكم السياسي في التربية فمشكلة الدستور في الوطن العربي تبقى قضية صناع القرار يغيرونه ويعبثون به وقت ما شاءوا، أما التبرير الإيديولوجي فهو ضروري بالنسبة لبقاء الطبقة الحاكمة وتجذرها والدفاع عن مصالحها، وكذلك قضية التجذر الوطني باسم الديمقراطية فهي مجرد أضاليل يضعها صناع القرار للحفاظ على مكانتهم، ولهذا فالتخلص من هذه المشكلات قد يكون صعباً إن لم نقل مستحيلاً. 

في صعوبة تعليم الفلسفة

نجد أن «ناصيف نصار» في تناوله لقضية تعليم الفلسفة، يربطها دائما بالإيديولوجيا، والتي في نظره تحول دون تحقيق الفلسفة لأهدافها، من خلال الخيوط التي تنسجها والتفكير المغلق الذي تنتجه في إطار الانحياز إلى جماعة معنية، مما يصعب الأمر على الفلسفة، «فالإيديولوجيا السائدة في المجتمع والدولة تتخذ موقفا محددا من الفلسفة، وتعليم الفلسفة، انطلاقا من مضمونها الفلسفي ومن مصلحة الجماعات التي تبسط سيطرتها على أجهزة المجتمع والدولة»(ناصيف نصار، 2000)،فالفلسفة تفكير حر عقلاني، بينما الإيديولوجيا تفكير مغلق مرتبط بجماعة معينة، هذا يفسد الأمر على وجود الجماعة ومكانة هذه الجماعة داخل الدولة، فمهمة الأيديولوجيا الحد من هيمنة الفلسفة في نظر الجماعة التي تريد فرض فكرها مهما كان.

وبهذا تجد الفلسفة نفسها مقيدة بتوجه معين، مما يجعلها لا تلعب دورها المنوط بها، والمتمثل في نشر الوعي والتفكير الحر العقلاني بعيدا عن الدوغمائية (مصطفى كيحل، 2011).

فالسياسة أو الطبقة التي تتولى زمام الأمور تنحاز بصورة أو بأخرى إلى جماعة معينة هذا إن لم تكن عميلة لجهات اجنبية، فهي تبسط نفوذها على البرامج التربوي ككل والفلسفة من بينها، مما يولد نوعا من التفكير الدوغمائي الذي يجعل من الفلسفة تعمل لصالح تلك الجماعة بطريقة مباشر أو غير مباشرة، وهذا ما يبعد الفلسفة تماما عن دورها الحقيقي، فعوض أن تبحث الفلسفة عن الحقيقة، تبرر ما كان وما سيكون للطبقة الحاكمة ومصالحها.

وعلى غرار السياسة وتغلغلها في جميع الشؤون، فكذلك قضية المناهج المعتمدة في تعليم الفلسفة فهي غير متلائمة مع طبيعة التفلسف، وذلك راجع لما تقرره من مواد وحصص وامتحانات وغيرها، ويرى ناصيف نصار أيضا أن واقع تعليم الفلسفة سواء في لبنان أو في سائر الدول العربية، لا تقتصر على واقع المناهج المعتمدة وحدها، بل تتداخل فيها مجموعة من العوامل المشتركة التي «تتصل بالأساتذة وكيفية إعداداهم، وطرق تدريسهم، وبالكتب وكيفية تأليفها وتسويقها، وبالطلاب وكيفية اختيارهم لمادة الفلسفة، وشروط دراستهم لها، وبالمكتبات ومدى توفيرها للمراجع الفلسفية»، (ناصيف نصار، 2000)، ولهذا لابد من التحكم في هذه العوامل.

وبالتالي فكل هذا راجع الى طبيعة تعليم الفلسفة في المراحل المعتمدة في التدريس، فمرحلة الثانوية تختلف عن مرحلة الجامعة، فالثانوية محكومة بمراسيم حكومية تتحكم فيها السلطة الحاكمة، بينما التعليم الجامعي هو تعليم متخصص تتحكم فيه هيئة التخصص المكلفة يتسيير هذا التخصص أو ذاك، ولهذا فمرحلة التعليم الثانوي من شأنها أن تفتح الباب أمام الإيديولوجيا التي تفرضها السلطة الحاكمة، وتنسج خيوطا من شأنها التأثير على تعليم الفلسفة في مرحلة الجامعة، وربما نمط التعليم في المرحلة الثانوية المغلق ما يجعل الطلبة ينفرون من الفلسفة في التعليم الجامعي.

وبهذا يبقى تعليم الفلسفة في البلدان العربية لعبة بين أيدي السلطة السياسية والإيديولوجيا والدين وغيرها، حيث تفرض عليها رقابة صارمة، لأن التفكير الفلسفي يفتح الباب على التفكير الحر والتعبير عن الرأي بكل حرية وعقلانية، وتفضح الفلسفة كل أشكال الاستلاب التي يتعرض لها البشر، هذا ما يقلق السلطة التي لا يعنيها سوى الحفاظ على امتيازاتها في بسط نفوذها، لكونها تشجع الركود وتبرر ما هو سائد وتمنع التفكير الحر من الانتشار والذيوع.

 غير أن «ناصيف» يأمل أن تحتل الفلسفة مكانة مرموقة داخل الأنظمة التربوية في لبنان، وفي جل الدول العربية، من أجل تحرير العقل العربي من مخلفات الإيديولوجيا، والسلطة الابوية التي هيمنت عليه، وجعلت منه عقل ايماني، عوِض ان ينتج الأفكار أصبح يقلد كل ما هو خارج ثقافته وانتمائه.

أهم المرتكزات التي تقوم عليها التربية المواطنية في بناء الإنسان

لقد وضح «ناصيف نصار» جملة من المرتكزات التي يجب أن تقوم التربية المواطنية باعتمادها ونشرها، بهدف بناء إنسان حر في تفكيره، يعرف ما تضمره القوى الخفية داخل المجتمع، كالطائفية والإيديولوجيا والسياسية وغيرها، حيث تتمثل هذه المرتكزات فيما يلي:

-أن يرفض الفرد كل اشكال الطائفية، وسيتبدل انتماءه الطائفي بانتماء سياسي، أي جعل الفرد ينخرط في المجتمع المدني من خلال ولوجه الى السياسية، ونبذه للطائفية التي تجعل منه فرداً مأموراً لا يشارك في أي عمل مهما كان، وفي هذا نبذ أيضا للإيديولوجيا الدينية التي من شأنها خلق فوارق بين الأفراد داخل الدولة الواحدة، مما يولد التعصب الذي يهدم كل العلاقات الإنسانية، وهو ربما ما روج إليه «كمال الحاج» «من خلال فكرة أن الانسان كائن ديني، حيث «أقام بتركيز استدلاله على أساس ظاهرة نفسية، وهو أساس لا يمكن الإرتكان إليه»(ناصيف نصار، 1995)، غير أن البعد النفسي وحده لا يكفي بل لابد من واقع عملي يجسد فيه الإنسان فكره بكل حرية.

-التوجه نحو بناء مجتمع علمي علماني، يُبنى على أسس متينة يكون العلم فيها هو المحرك لكل متطلبات المجتمع، وأيضا تحقيق الديمقراطية التي توضح حقوق وواجبات الأفراد التي طمستها الطائفية، هذا لا يعني أن الدولة يجب أن تكون محايدة دينيا، بل لها أبعاد دينية ولكن حينما يكون الدين هو المرجع الأول، وجب فصله عن الشؤون السياسية، لأن «وظيفة الدولة تختلف عن وظيفة الدين، الدولة هي التنظيم السياسي والحقوقي للمجتمع»(ناصيف نصار، 1988)، ولهذا يجب أن تكون الدولة هي المرجع الأول لكل الشؤون البشرية.

- يجب أن «يتعرف الفرد الإنساني على السلطة ويعيش تجربة السلطة في وجوده كفرد متعين قائم بنفسه بقدر ما يتعرف عليها ويعيشها في علاقته مع الآخر، الفرد الإنساني المتعين والقائم بنفسه يمارس الامر على نفسه في كل لحظة يتخذ فيها قراراً في أي شأن من الشؤون التي تخصه، فهو في هذه الحالة الآمر والمأمور معاً» (ناصيف نصار، 2001)، ولهذا فلإنسان الراشد يمارس السلطة انطلاقا من ذاته، أما إذا كان غير راشد فالتربية هي من تتولى تدريب الفرد على أن يتحمل نتائج أفعاله، وأن يمارس هذه السلطة أو تلك بكل وعي.

-أن يكون الفرد ذو توجه فلسفي حر، يعالج المعطيات انطلاقاً من ذاته، لأن الفلسفة تنبذ النظام الكلي الشمولي، فهي «حريصة على حريتها وفاعليتها المستقلة لا تؤيد النظام الكلي» (ناصيف نصار، 1988)، وعليه فالفلسفة تفتح الباب أمام الفرد للتفكير الحر العقلاني، بهذا فهو يمارس النقد انطلاقا مما يراه، مفككا بذلك كل مركب شمولي يدعى أنه عين الصواب.

يبدو من خلال واقع الشعب اللبناني والشعوب العربية ككل، أن تطبيق هذه المرتكزات فيه من الصعوبة ما فيه، وذلك راجع إلى أن التخلص من الطائفية والتوجه نحو بناء مجتمع علمي علماني لا يكون بهذه البساطة، فتجذر البعد الطائفي في ذهنية الفرد قد لا يمكن التخلص منه، وتبني مناهج غربية غريبة في ثقافة خاصة لها طقوسها ربما يصطدم برفض تام من قبل المجتمع، أما أن يكون الفرد ذو توجه فلسفي حر فهذا ضرب من الخيال، لأن الدارس للفلسفة لابد وأن يتأثر بفلسفة معينة وبالتالي تتحول إلى إيديولوجيا يدافع عنها ويُزيين فضائلها.

بعض الحلول التي يتصورها ناصيف نصار لإصلاح التعليم الثانوي في لبنان

يقترح «ناصيف نصار» جملة من الحلول التي يرى فيها المخرج لأزمة تعليم الفلسفة في مرحلة الثانوية في لبنان، لأنه يرى أن المشكلة التي تعاني منها الفلسفة هي في التنازع الإيديولوجي الذي يقسمه إلى نصفين، نصف لتاريخ الفلسفة العربية، ونصف للفلسفة العامة، ولتجاوز هذا الانشطار وجب التخلص من الأيديولوجيا وقيودها، وأن تسود إيديولوجية واحدة وهي الولاء للإيديولوجية الوطنية اللبنانية، بعيدا عن الطائفية التي سيطرت على المجتمع اللبناني، وتتمثل هذه الحلول فيما يلي:

-«أن يقوم على المحافظة على البنية الرئيسية لهذا المنهج، وتغيير عميق لمادة تاريخ الفلسفة العربية» (ناصيف نصار، 2000)، لأن مقارنتها بالفلسفة العامة يظهر فيه ضعف كبير، وكذلك في تسميتها التي تقتصر على تاريخ الفلسفة العربية، ولكي تكون أشمل وتتسع إلى المفكرين خارج إطار الفلسفة، يُفترض تسميتها بالتاريخ الفكر العربي.

-«يقوم على المحافظة على ثنائية الفلسفة العامة وتاريخ الفلسفة العربية، وتوحيد لغة التدريس، مع إصلاح مادة تاريخ الفلسفة»(ناصيف نصار، 2000)، أي الدمج بين الفلسفتين، مع ضرورة جعل لغة التدريس واحدة، لأن مادة الفلسفة العامة تُدرس بلغة أجنبية، بينما مادة تاريخ الفلسفة العربية فهي بطبيعة الحال تُدرس باللغة العربية.

-»يقوم على إلغاء ثنائية الفلسفة العامة وتاريخ الفلسفة العربية وجعل لغة التدريس اختيارية» (ناصيف نصار، 2000)، مع التركيز على تلقين اللغات الأجنبية بشكل مكثف.

-«يقوم على ثنائية الفلسفة العامة وتاريخ الفلسفة العربية واعتماد لغة واحدة لتدريس المادة الجديدة الموحدة» (ناصيف نصار، 2000)، وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً في مجال الفكر واللغة.

ربما تكون هذه الشروط التي يقترحها «ناصيف نصار» تعاني منها معظم الدول العربية التي لا تولي أهمية بالغة للفلسفة، مما يشجع الركود والانسياق وراء الجماعات المؤمنة التي لم تغير وتيرة سيرها.

ربما يمكن تطبيق هذه المرتكزات لأنها في المتناول، ويبقى قضية تفعيل هذا أو ذاك من القوانين حكراً على أهل السياسة ونسج إيديولوجيات تخدم من هم في الهرم السلطة.

خاتمة

وصفوة القول أن التربية عند «ناصيف نصار» ربطها بفكرة المواطنية والتي تحمل بعداً سياسياً، وكذلك في علاقتها مع الإيديولوجيا، أخذت بعداً سياسياً أيضاً، لأن «ناصيف» يرى أن مشكلة التربية أو سائر الشؤون التي تعاني منها المجتمعات العربية، إنما مردها الى السياسة بالدرجة الأولى، وحتى «كلود لفي ستراوس» يرى بأنه ليس هناك دولة متقدمة وليس هناك دولة متخلفة، بل هناك سياسة متقدمة وسياسة متخلفة، ولهذا نتج ما يسمى بالأيديولوجية السياسية التي تبسط سيطرتها على التربية من خلال التكريس لفكر مغلق يخدم مصلحة الجماعة التي تصنع القرار وتمتلك زمام الأمور، فالإيديولوجيا بما هي تخدم الجماعة فهي تحافظ على وجودها وبقائها في هرم السلطة، ولهذا حاول «ناصيف نصار» إعطاء التربية بعداً فلسفياً من أجل تحريرها من هيمنة الإيديولوجيا التي فرضت نفسها على المناهج التربوية والتعليمية، غير أن الفلسفة تصطدم بالإيديولوجيا التي تنسج خيوطها وتمنع التفكير الحر الذي هو من سيمات التفكير الفلسفي.

 إن التربية المواطنية في تحقيق أهدافها تتداخل مع جملة من الشروط التي تحول دون تحقيقها، مما يولد الصعوبة في تعليم الفلسفة، ضف إلى هذا الاستهجان الذي تتعرض له الفلسفة في المجتمعات العربة، ولهذا نجد «ناصيف نصار» يقترح مجموعة من المرتكزات والحلول التي قد تكون ناجعة في الاهتمام بالفلسفة داخل نظام تربوي مبني على التفكير الحر العقلاني.

توصيات البحث

-ضرورة جعل التربية أولوية الأولويات في السياسات العربية.

-إعطاء الفلسفة المكانة التي تليق بها في المناهج التربوية.

-ضرورة الحد من هيمنة الإيديولوجيا في المجتمع العربي المعاصر.

-الاحتكاك بالمناهج التربوي التي لا يكون فيها طمس للهوية العربية.

لا يمكننا ادعاء الإحاطة الشاملة والكاملة بالموضوع، ربما تكون هناك دراسات في قادم الأيام تتعمق أكثر فأكر في الموضوع، وتعطي قراءات وأبعاد أخرى للموضوع، فمشروع ناصيف نصار شاق ومشوق ولا يبحث عنه إلا كل مشتاق للمعرفة والنقد



-الدوغمائية: هي عدم قدرة شخص على تغيير جهازه الفكري أو العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك، وعدم القدرة على إعادة ترتيب أو تركيب حقل ما تتواجد فيه عدة حلول لمشكلة واحدة، وذلك بهدف حل هذه المشكلة بفاعلية أكبر، وهذا يعني أن الدوغمائية ترتبط بالروح المغلقة، بغض النظر عن المضامين سواءا كانت ايديولوجية أو دينية أو طبقية... إلخ. كما أن العقلية الدوغمائية تلجأ دائما، إلى تأويل ما هو مناقض لأسسها، حتى يبدو مطابقا لمبادئها الأساسية فتعقلن غير عقلاني، وهذا تكون أكثر صلابة كلما كان منظورها الزمني موجها إلى نقطة معينة (مصطفى كيحل، الانسنة والتأويل في فكر محمد اركون، 2011،)

 

ابن منظور: لسان العرب، تحقيق عبد الله على الكبير وآخرون، مج 3، دار المعارف، القاهرة، (د ت).

 اندريه لا لاند: موسوعة لا لاند الفلسفية، مج1، تر خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، باريس، ط2، 2001.

 جميل صليبا: المعجم الفلسفي، مج1.

  الدراجي زروخي، الابعاد الفلسفية للنظام التربوي عند جمعية العلماء المسلمين، ط1 دار صبحي للطباعة والنشر، الجزائر، 2015.

الشريف زروخي، العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر (قراءة في مشروع ناصيف نصار)، ط1، دار ومكتبة عدنان، بغداد، العراق ،2013.

عصام الدين هلال وآخرون، طريق الاستقلال الفلسفي (باب الحرية)، قراءات نقدية في فلسفة ناصيف نصار، إشراف أحمد عبد الحليم عطية، (د ت).

القرآن الكريم، سورة الحج، الآية 5.

  ناصيف نصار: في التربية والسياسة (متى يصير الفرد في الدول العربية مواطناً؟)، دار الطليعة، ط1، بيروت، لبنان، 2000.

ناصيف نصار: مطارحات للعقل الملتزم (في مشكلات السياسة والدين والأيديولوجية)، ط1، دار الطليعة للطباعة وللنشر، بيروت، 1986،

ناصيف نصار، إسهام في نقد العقل الكلي (الفلسفة العربية المعاصرة مواقف ودراسات)، مركز دراسات الواحدة العربية، بيروت، 1988.

ناصيف نصار، الفلسفة في معركة الأيديولوجية (أطروحات في تحليل الأيديولوجية وتحرير الفلسفة من هيمنتها)، ط2، دار لطليعة، بيروت، 1986.

ناصيف نصار، طريق الاستقلال الفلسفي (سبيل الفكر الغربي الى الحرية والابداع)، ط3 دار الطليعة، بيروت، 1988.

ناصيف نصار، منطق السلطة (مدخل الى فلسفة الامر)، أمواج للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2001.

ناصيف نصار، نحو مجتمع جديد (مقدمات أساسية في نقد المجتمع الطائفي)، ط 5، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1995.

الوردي الحيدوسي، علاقة المثقف بالسلطة عند ناصيف نصار، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة، قسنطينة، الجزائر، 2012.

@pour_citer_ce_document

سيف الدين محمودي / حميدي لخضر, «التربية المواطنية بين الإيديولوجيا والفلسفة قراءة في أطروحات ناصيف نصار»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 07-18,
Date Publication Sur Papier : 2024-01-24,
Date Pulication Electronique : 2024-01-24,
mis a jour le : 24/01/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9547.