التفاعل وآلياته في الخطاب البلاغي عند الجاحظ -دراسة تداولية-Interaction and mechanism in Jahiz rhetorical discourseL’intearction et ses mécanismes dans le discours rhétorique de «Jahiz»
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 20-2023

التفاعل وآلياته في الخطاب البلاغي عند الجاحظ -دراسة تداولية-
L’intearction et ses mécanismes dans le discours rhétorique de «Jahiz»
Interaction and mechanism in Jahiz rhetorical discourse
ص ص 19-30
تاريخ الاستلام 2022-08-22 تاريخ القبول 26-09-2023

إبراهيم ميهوبي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يهدف هذا البحث إلى تناول شبكة العلاقات والضوابط التي تربط بين مكونات المخطط التواصلي الذي تصوره الجاحظ في خطابه البلاغي. وهي شبكة تربط بين الخطاب باعتباره أداة وموضوعا، والمناسبة أو المقام الخطابي، والمشاركين فيه. مما يلزم المخاطب بتحري الاعتدال في الخطاب، وتمييز المقدار المناسب لتتحقيق الغرض وذلك لا يكون إلا بالموازنة بين أقدار المعاني، وأقدار الحالات، وأقدار المستمعين. وعن هذه الأسس يحدث التفاعل بين عوامل العملية التلفظية المختلفة  فينجم عنها الخطاب الناجع والمؤثر والمقنع

Cette recherche vise à étudier le réseau de relations et de déterminants qui relient les différents facteurs du schéma de communication que Jahiz a envisagé dans son discours rhétorique. C’est un réseau qui relie la parole en tant qu’instrument et sujet, et la situation énonciative, et les différents participants. Ce qui recommande la modération et la justesse dans le discours, tout en considérant les valeurs des significations, les qualités des allocutaires et la nature de la situation. Ces facteurs participent à la production d’un discours à la fois efficace et persuasif qui est le produit de l’interaction des différents facteurs inaliénables de la communication

This research aims to study the network of relationships and determinants that link the different factors of the pattern of communication that Jahiz envisioned in his rhetorical discourse. It is a network that connects speech as an instrument and subject, and the enunciative situation, and the different participants. This recommends moderation and accuracy in speech, while considering the values of meanings, the qualities of allocutars and the nature of the situation. These factors contribute to the production of an effective and persuasive discourse that is the product of the interaction of the various inalienable factors of communication

Quelques mots à propos de :  إبراهيم ميهوبي

Dr. Brahim Mihoubiمخبر التداولية وتحليل الخطاب جامعة عمار تليجي  الأغواط ، الجزائر Br.mihoubi@lagh-univ.dz

مقدمة

مما امتن الله به على عباده، في كتابه أن علمهم البيان، حيث قال عز من قائل: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ١  عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢  خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣  عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤﴾ (الرحمن: 1-4).  به يبين عما في نفسه. وبه يعرب عما في ضميره من أغراض ومقاصد، ليفيد غيره، ويستفيد. وبه ميز عن الحيوان (بن عاشور، 1984). وقد عبر عن هذا المعنى ابن جني حين قال معرفا اللغة: «أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم» (ابن جني، 2001)وقول ابن جني هذا يمكن أن نفهم منه مجموعة من الإشارات نجملها فيما يلي:

-اللغة وسيلة اجتماعية يستعملها البشر. بها يتواصلون وبها يفهم بعضهم بعضا وبها تكون المنافع المختلفة التي لا تكون الحياة بدونها.

-حياة اللغة التي عبر عنها بالأصوات إنما تتم بالاستعمال

اللغة وسيلة تفاعل بين الناس إذ إن التعبير عن الأغراض يولد ردود أفعال مختلفة ومتباينة تربط بها العلاقات أو توطد.

-اللغة ليست حبيسة الأفكار والأذهان وإنما تحيا من خلال المواقف الحية في شؤون الحياة المختلفة والواقع.

هذه الصلة الوثيقة بين اللغة والتواصل يعبر عنها فتنجنشتاين (wittgenstein)الذي ما فتئ يرى أن تكلم لغة هو جزء من نشاط، أو جزء من نمط حياة، ليؤكد على حقيقة، مفادها أن اللغة باعتبارها علامات لا تدب فيها الحياة إلا من خلال الاستعمال (ludwing, 1986). هذا وقد تجاوز الوظيفة الأولية المتمثلة في التواصل إلى ما ينجم عنها من تفاعل كما بيناه في فهمنا لكلام ابن جني، فيقول: « لا أقول بأننا من دون اللغة لا يفهم بعضنا بعضا ولكن أقول: «إننا بدون اللغة لا يمكن أن يؤثر بعضنا في بعض بطريقة أو بأخرى» (Armengaud, 2007). وما يقرره ابن جني وفتنقنشتاين (wittgenstein)وغيرهما من الباحثين في علاقة اللغة بالتواصل والتفاعل أمر لا يحتاج إلى كثير عناء، ذلك أن وقائع الحياة تعبر عنها بجلاء. يكفي في ذلك نظرة خاطفة، تبين بما لا يدع مجالا للشك كيف تندلع الحروب، وكيف تنتهي، ويحل السلام، وكيف يعلن الحظر وكيف يرفع، وكيف يجتمع الناس للصلاة وكيف يتفرقون، وكيف تحدث الاجتماعات المختلفة، وكيف تغير القناعات، كيف تنفتح القلوب وكيف تنكسر الخواطر؟. إنه الفعل السحري للغة ذلك الكائن الذي تدب فيه الحياة كلما التقى شخصان بل كلما فكر شخصان في الالتقاء أو التواصل لتستمر الحياة ويمتد نفسها. لأن الكلام، وإن كان يتمثل في نقل المعلومات إلى الغير، فهو كذلك نوع من الفعل يراد به التأثير على الغير كما يراد به تغيير الواقع التواصلي. بل إن المعنى في حد ذاته نوع من أنواع الفعل يراد به التأثير على الآخر (Orechionni, 1998). ولذلك سنبدأ بتعريف التواصل والتفاعل، لنتناول بعد ذلك التفاعل في بلاغة الجاحظ.

تعريف التواصل لغة واصطلاحا

جاء في لسان العرب «الوصل ضد الهجران، والتواصل ضد التصارم» (ابن منظور). وهومن الفعل وصل، وجاءت الصيغة لتضفي عليه معنى التشارك في أداء الفعل. ومنه كان التواصل ذلك التبادل الكلامي الحادث بين متكلم ينتج ملفوظا موجها إلى آخر يريد منه الاستماع والرد (Dubois). وهو مفهوم تؤكده تعاريف القواميس المتخصصة حيث جاء في قاموس التداولية ما مفاده أن التواصل حسب المفهوم الشائع يتمثل في نقل وتبادل المعلومات بطريقة شفوية أوغير شفوية (voirJulien Longhi et Georges Sarfati, 2011)وفي قاموس علوم اللغة، التواصل، في اللسانيات، حدث تنقل من خلاله رسالة من مرسل إلى مرسل إليه. وقد خصصت لذلك نظرية تسمى نظرية التواصل لها أعلامها. (voir Frank Neveu, 2011)

التفاعل لغة واصطلاحا

من صيغته يدل على أنه فعل يقع من طرفين أي فيه تشارك. جاء في المعجم الوسيط التفاعل من تفاعل أي أثر كل منهما في الآخر (ابراهيم مصطفى وأخرون، 2004).

والمعنى اللغوي ينسجم تماما مع المعنى الاصطلاحي، إذ إن التفاعل ينطبق على فهم وتأويل العلاقات الإنسانية (Julienlonghi & G. Sarfati, 2012) ولا سيما  تلك التي تنشأ من خلال الكلام. ذلك أن التلفظ ذو طبيعة انعكاسية ارتدادية تظهر من خلال ما يبدو من ردود أفعال يبديها المشاركون في العملية التواصلية، إذ يتحرى المتكلم، بداية، ما يقوله آخذا بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات التي تتعلق به، وبمن يخاطبه، أما المستمع فينطلق، في الغالب، متأثرا بما سمع

سلبا أو إيجابا ليعودالأمر، مرة ثانية، إلى المتكلم الأول وهكذا دواليك وهو أمر يندرج ضمن إطار واسع يسمى التفاعل.

وقد تمت الاستفادة، في هذا الصدد بالنتائج التي توصل إليها بعض الباحثين الغربيين، أمثال كربرات أوريكيوني (Kerbrat Orecchioni)، وباحثوا مدرسة بالو آلتو (Palo Alto)التي تناولت أهمية الإطار الاجتماعي وأثره على سلوك الفرد الذي يظهر، حتما، من خلال طريقة تواصله مع الآخرين. وقد ميزت هذه المدرسة بين مستويين في كل عملية تواصل: مستوى المحتوى ومستوى العلاقة، إذ كل تواصل ينطلق من محتوى ليربط علاقة (Traverso, 2007 .et C.KOrecchioni) «والتواصل حسب هذه المدرسة هو إنشاء علاقة والمحافظة عليها، من خلال تبادل المعلومات، والعلاقة هي التي تحدد المحتوى وسلوك المشاركين في العملية التواصلية» (PhilippeVerhaegen, 2010). وقد سمحت الدراسات في هذه المدرسة بالانتقال من التواصل إلى التفاعل، والتحول من التصور الخطي للتواصل إلى التصور الدائري؛ فأصحابها يرون أن تصرفات المشاركين في التواصل تندرج ضمن إطار معقد من الأفعال وردود الأفعال التي تتجه إما إلى التصعيد أو إلى التهدئة، إذ إن مبدأ المسار الدائري للتواصل يفترض أن نفس السلوك قد يكون مثيرا للمشارك أو جوابا عن سلوك سابق له. (Dominique Picard, 1992)

التفاعل من هذا المنطلق نقل رأي مزود بحجج معينة من مخاطِب إلى مخاطَب. يتولد عنه لدى المخاطَب رد فعل معين إيجابا أو سلبا، فيرد انطلاقا من هذه الأرضية المشتركة التي يسميها التداوليون الافتراضات المسبقة. ومنه يكون الانتقال من التواصل الخطي على طريقة شانون ويفر (Shanon Weaver)وجاكوبسون (jacobson)إلى العملية الطبيعية السائدة بين جميع البشر حيث يكون تداول الكلام بين المتخاطبين. (فيليب بروتون، 2013).

وإذا كان ذلك كذلك في علوم اللغة المتعلقة بالاستعمال اللغوي عند الغربيين فكيف هو الشأن في التفكير البلاغي العربي ؟

ساهم في التفكير البلاغي أهل الأدب، وعلماء الكلام، والفلاسفة، وعلماء الإعجاز، وعلماء التفسير، وأهل النقد وغيرهم. وهو فكر يعمل على مطابقة الكلام لمقتضى الحال، ويرى أن لكل مقام مقالا وحشد لذلك العديد من الآليات المختلفة والمتنوعة بتنوع مواردها وروافدها ورؤى أصحابها وما توفر لديهم من خلفيات فكرية. وهذه لعمري مساحة واسعة يضيق هذا الفضاء عن استيعابها، مما يجعلنا نقتصر على بعضه. وقد وقع اختيارنا على  الجاحظ الذي تمثل مؤلفاته «أقدم آثار وصلتنا، لها علاقة بأفانين التعبير، ناهيك عن طبعه البحث البلاغي،في مستوى التصورات الكبرى بطابعه الخاص» ( صمود، 1981)خرج فيه عن الإطار الذي رسمه النحاة للدرس اللغوي إلى الإطار التفاعلي الذي يفرضه الاستعمال. 

التفاعل وآلياته في بلاغة الجاحظ

لا يكاد يختلف الدارسون في سبق الجاحظ إلى مجال البحث البلاغي، واعتباره أول من أنشأ البلاغة العربية وأرسى قواعدها الأساسية (صمود، 1981)  . كما يشهد له بأنه «أحد مؤسسي بلاغة النثر أو السرد بمفهومها الجمالي الإنساني» (محمد مشبال، 2010). هذا ويتميز الجاحظ عن كتاب عصره باستعماله المنطق استخداما واسعا إذ هو يعرض أفكاره في شكل حجاج يؤسس عل أدلة وبراهين ومقدمات وأقيسة وهو نوع ممن التفكير العقلي لا يفتأ الجاحظ يشفعه بالتفكير الفني. فيلتقي بذلك عنده جمال التفكير وجمال التعبير. (شوقي ضيف، 2010)

هذا وتنطلق بلاغة الجاحظ من تعريف البيان إذ يقول: «والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى ، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته ، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري إليها القائل والسامع، إنما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى ، فذلك هو البيان في ذلك الموضع». (الجاحظ ع.، 1998)

يبدو من تعريف الجاحظ كأنه يتناول عملية التلفظ في عصرنا من خلال الكلام عن البيان الذي يفترض فيه وجود «القائل» و «السامع» أي وجود مؤثر يُفهم ومتأثر يفهم باستعمال شتى الوسائل التي توصل الرسالة. وهذه الرؤية المبكرة تختلف بلا شك عن تلك التي ترصد بنية اللغة أو تبتغي اكتشاف نظامها، حيث تتجه إلى استعمالها. وبهذا يكون الجاحظ قد وجه الدرس اللغوي وجهة تختلف عن تلك التي ابتغاها النحاة، وهذا يشبه إلى حد ما تأثير وجهة جاكوبسون التي دفعت الدرس اللغوي خارج الإطار البنيوي.  يقول حمادي صمود: «اهتدى الجاحظ في وقت مبكر من تاريخ العلوم اللغوية والبلاغية إلى ما يحف ظاهرة الكلام من الملابسات، وهو أول مفكر عربي نقف في تراثه على نظرية متكاملة تقدر أن الكلام، وهو الجانب العملي لوجود اللغة المجرد، ينجز بالضرورة في سياق خاص يجب أن تراعى فيه، بالإضافة إلى الناحية اللغوية المحض، جملة من العوامل الأخرى كالسامع والمقام وظروف المقال وكل ما يقوم بين هذه العوامل غير اللغوية من روابط» (صمود، 1981)  .

وتبدو أهمية ما جاء به حينما نذكر أن البحث في مكونات العملية التواصلية لم يظهر إلا حديثا من خلال نظرية التواصل ،ويقوم مخططها القاعدي على العناصر الثلاثة المذكورة. وقد كان لجاكوبسون فضل السبق في توظيفها حيث كانت الأبحاث قبل ذلك تترنح بالمقابلة بين الخطاب  الأدبي والخطاب العادي .تأتي هذه النظرية لتؤكد على أن ظروف المقال غيراللغوية كالمتكلم والسامع تقوم بدور هام في تحديد خصائص الخطاب وتعنى بالجانب الوظيفي (صمود، 1981)  .

ومنه، فبالعناية بملابسات العملية التواصلية التي يؤطّر البيان من خلالها، ويؤدي في إطارها وظيفته المعبر عنها بـ» الغاية « ومدار الأمر «، يكون الجاحظ قد سبق  الدراسات اللغوية المعاصرة بما يربو على الألف عام.

لقد فهم الجاحظ في وقت مبكر أن خصائص الخطاب ومواصفاته هي نتاج تفاعل جميع المعطيات المؤطرة لمعطيات الخطاب ابتداء من المتكلم وانتهاء بوظائف الخطاب وآثاره. (صمود، 1981) باعتبار الخطاب يفضي حتما إلى أثر معين لدى المتلقي. وقد كان هذا المعنى حاضرا في تعريف الجاحظ للبيان الذي يركز على الفهم والإفهام بشتى الوسائل الممكنة. وهو معنى عبر عنه براون ويول في كتابهما تحليل الخطاب بطريقتهما، حين نسبا للغة وظيفتين هما وظيفة نقل الأفكار ووظيفة التفاعل فيقولان « أما الوظيفة الأولى التي تؤديها اللغة والمتمثلة في التعبير عن المضامين فنسميها وظيفة تعاملية  وأما الوظيفة المتمثلة في التعبير عن العلاقات الاجتماعية والمواقف الشخصية فنسميها وظيفة تفاعلية» (براون ويول، 1997). وهذه الثنائية تعاملية/تفاعلية، عندهما تقابلها: عند بوهلر التمثيلية/ التعبيرية، والمرجعية/الانفعالية عند جاكوبسون، والفكرية التبادلية عند هالداي والوصفية / التعبيرية -الاجتماعية عند لاينز (براون ويول، 1997).

هذا ويبدو أن للبيان عند الجاحظ مفهومين، أحدهما عام وثانيهما خاص. فأما الأول فيعبر به عن وسائل التواصل الممكنة بين البشر بغض النظر عن العلامة المستعملة ، لغوية كانت أو غير لغوية وهذا النوع يندرج في عصرنا ضمن علم العلامات (صمود، 1981). يفهم ذلك من قول الجاحظ: «البيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضمير» فلم يحصر مفهوم البيان في العلامة اللغوية ولكن تجاوزه إلى كل ما يمكن أن يتم به التواصل. وقد بدا له  أن مجموع الدلالات يمكن أن يؤدى من خلال»اللفظ، والإشارة والعقد، والخط، والنصبة» (الجاحظ ع.، 1998). أما المفهوم الثاني للبيان عند الجاحظ فيظهر عندما يصبح البيان صنو البلاغة والفصاحة ( صمود، 1981)، فينحصر في اللغة وهي تؤدي وظيفتها الأساسية التواصل. وكتاب البيان والتبيين حافل بالنصوص التي تشير إلى هذا المعنى (الجاحظ ع.، 1998).

ولكن ما المقصود بالفهم والإفهام عند الجاحظ ؟ اختلف الباحثون في شأنهما. أما حمادي صمود فقد تناول وظائف الكلام عند الجاحظ عموما باعتبار الجاحظ كان يقايض بين مصطلح البيان، والبلاغة، والخطابة، على حد تعبير العمري. وبدا له من ذلك ثلاثة أنواع من الوظائف:

النوع الأول :وظيفة خطابية بالمفهوم اليوناني كما هي عند أرسطو وفلاسفة المسلمين:

باعتبار الخطابة نوعا من أنواع الكلام ، والخطيب نموذج للمتكلم ، والغاية من الخطابة : الإقناع والاحتجاج والمنازعة والمناظرة. الخ.

النوع الثاني:يتمثل في مجموعة من الوظائف يأتي على رأسها الإمتاع والتعليم

النوع الثالث:الفهم والإفهام ويرى أنها الوظيفة الأساسية (صمود، 1981).

والمتأمل في ما ذهب إليه حمادي صمود يبدو له جليا أن النوعين الأول والثاني، منضويان في الوظيفة الثالثة التي صرح الجاحظ نفسه بأنها الغاية إذ يقول: «لأن مدار الأمر والغاية التي يجري إليها القائل والسامع، إنما هو الفهم والإفهام». ولعله لذلك اتجه العمري إليها وبدا له منها  أن الجاحظ يشير إلى وظيفة البيان في مستوييها: الأول  يتعلق بكشف ما كمن في الصدور ليظهر الخفي ويقرب الغائب والبعيد إلى الأفهام، ويحل المنعقد ويشمل كل ما يتعلق بالمعرفة والاستكشاف، وتلك هي الوظيفة الأولى للغة أو الوظيفة العامة لها أي التواصل (العمري،محمد، 1999). جاء في البيان والتبيين: «لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه وخليطه ... وإنما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها وإخبارهم عنها  واستعمالهم إياها. وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم وتجليها للعقل وتجعل الخفي منها ظاهرا والغائب شاهدا والبعيد قريبا ... والمجهول معروفا».

أما المستوى الثاني فتظهر من خلاله وظيفة أخرى يمكن فهمها من خلال إشارات الجاحظ إليها، من خلال اختياره مجموعة من النصوص تتمثل فيها هذه الوظيفة، من ذلك قول موسى عليه السلام ﴿قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِي صَدۡرِي ٢٥  وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي ٢٦ وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي ٢٧  يَفۡقَهُواْ قَوۡلِي ٢٨﴾(طه:25-28) ، وقوله ﴿وَأَخِي هَٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّي لِسَانٗا فَأَرۡسِلۡهُ مَعِيَ رِدۡءٗا يُصَدِّقُنِيٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ٣٤﴾ (القصص: 34).

وقوله: «ويضيق صدري ولا ينطلق لساني» الشعراء:13 يعقب الجاحظ على أقوال نبي الله موسى عليه السلام ليوضح أن ذلك كان»رغبة منه في غاية الإفصاح بالحجة، والمبالغة في وضوح الدلالة، لتكون الأعناق إليه أميل، والعقول عنه أفهم، والنفوس إليه أسرع» (الجاحظ ع.، 1998) وهنا نجد أنفسنا في مستوى آخر يختلف عن المستوى الأول مستوى الإخبار والهدوء ونقل المعرفة والاستكشاف إلى مستوى الإقناع والتأثير. (العمري،محمد، 1999) كما تظهر هذه الوظيفة بشكل أوضح من خلال تعاريف البلاغة المختلفة التي ينقلها الجاحظ عن أهل البلاغة، كقولهم : «جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة « وقولهم : «البلاغة وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة» (الجاحظ ع.، 1998). وهي تعاريف تشير إلى تلك العلاقة التي تعبر عن التفاعل بين المتخاطبين المعبر عنها بانتهاز الفرصة واختيار الكلام الملائم لكل موضع واعتبار حال المخاطَب.

وإذا كنا قد أشرنا إلى مكونات المخطط التواصلي، عند الجاحظ،  فإن ذلك يجرنا إلى الكلام عن شبكة من العلاقات والضوابط التي تربط بين مكونات هذا المخطط. وهي تنطلق من مكونات الخطاب وتتعلق بالمشاركين فيه. هو إذن ربط بين الأداة والموضوع والمناسبة أو المقام الخطابي. يظهر من خلاله كلامه عن الصواب والاعتدال في الخطاب، وعن أقدار المعاني، وأقدار الحالات، وأقدار المستمعين. وهذه كلها آليات وضوابط يراها الجاحظ ضرورية للخطاب الناجع. وهي تلتقي مع كثير من مفاصل الدرس التداولي الذي خصص لجوانب التفاعل مباحث بل كتبا خاصة. وفي بحثنا سنعمل على بسطها وتفصيلها بإذن الله.

العلاقة بين المتخاطبين

حال المخاطِب

يرى الجاحظ أن تأثير الخطيب في المستمعين يقوى ويضعف بحسب  توفر مجموعة من المواصفات، منها أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ. وهي، كما ترى، صفات خاصة بالخطيب ويشترط شروطا أخرى في القاص، منها أن يكون أعمى، وأن يكون شيخا بعيد مدى الصوت. ويجعل للمغني والشاعر وغيرهما شروطا أخرى . (الجاحظ ع.، 1998) ولاشك أن هذه الصفات تختلف من مجتمع إلى آخر ولكن الذي يهمنا فيها هو العناية بحال المخاطِب الذي يكون له أثر على من يخاطبه من خلال حاله وهيأته فضلا عن كفاءته اللغوية والاجتماعية والنفسية وغيرها.

المخاطُب والمناسبة

ينقل الجاحظ عن بشر بن المعتمر قوله: «ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك مقاما (الجاحظ ع.، 1998).   

إذن فالكلام عند الجاحظ يبدأ بالمعاني التي ينبغي تشكيلها والتمثيل لها، بحسب نوع المستمعين كل بحسب قدره وبحسب حالته. وقد أطلق الجاحظ لفظ المعاني ولم يبينه، مما يجعل القارئ يأخذها بمعناها الواسع الذي يشمل تفاوت الدلالات كما يشمل المعاني الاجتماعية والدينية والثقافية وغيرها. كما أن أقدار المستمعين جاءت مجملة فيمكن أن نفهم منها الطبقات المجتمعية والتفاوت في الرتب، والشرف، والنسب، والاختلاف في الصنعة، وغيرها. وكذلك شأن الحالات أي المناسبات التي يقال فيها الكلام وتساهم بدورها في توجيه شكل الكلام  وانتقائه (العمري،محمد، 1999). هذا ويتجاوز الجاحظ هذه القضايا إلى مراعاة الحالة النفسية للمخاطبين حين يدعو إلى مراعاة قدرة المخاطَب على الانتباه، حين ينقل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: «حدث الناس ما حدجوك بأبصارهم، وأذنوا لك بأسماعهم ولحظوك بأبصارهم، وإذا رأيت منهم فترة فأمسك»(الجاحظ ع.، 1998) وينقل عن بعضهم قوله: « إذا لم يكن المستمع أحرص على الاستماع من القائل على القائل لم يبلغ القائل في منطقه ، وكان النقصان الداخل على قوله بقدر الخلة بالاستماع منه»(العمري،محمد، 1999)  .

هذا الربط بين أقدار المعاني وأقدار المستمعين واقدار الحالات يفهم على أنه توجيه إلى  الآليات التي تساهم في التفاعل الذي يحدث بين المتخاطبين. فكما أن المخاطِب يؤثر بكلامه، فإن المخاطَب يؤثر بشخصيته وحاله وهيأته وعلمه. لأن المتكلم إنما يشكل خطابه بحسب ذلك كله. ناهيك عن المقام الذي يصاغ فيه الكلام.ذلك أنهم يرون أن «مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من المقال» (الجاحظ ع.، 1998). وهو نوع من الربط بين ما يسميه الوظييفيون البنية والوظيفة. الذي صاغه البلاغيون قبلهم بقرون في قواعد ذهبية منها قولهم: «لكل مقال مقام «و» لكل كلمة مع صاحبتها مقام» وهو ما سنعرض له فيما يلي بإذن الله.

مكونات الخطاب البياني عند الجاحظ

ينطلق الخطاب في تصور الجاحظ من مبدأ الملاءمة الذي يتحقق من خلال مناسبة الخطاب للمقام بكافة مكوناته فيتخير له جنسه شعرا أو نثرا، أي هيأة معينة، وتتخير فيه المعاني، وتنتقى فيه الألفاظ . وإذا كان الجاحظ، بحكم موقعه، يركز على الخطابة، فهو لا يغفل أجناسا أخرى كالنادرة والمقطوعة الشعرية وغيرها.

كل ذلك يصدر عن قصد لا ينبغي الخروج عنه لتحقيق المطلوب. والجاحظ يشترط لذلك مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي:

انتقاء الألفاظ

مراعاة الفئات الاجتماعية

يرى الجاحظ أن لكل فئة قاموسها اللغوي الذي به يتفاهم أفرادها ويتواصلون ولذلك يؤكد على أن الخطيب البليغ هو ذلك الملم بألفاظ الفئات المختلفة والذي يحسن استعمالها  وانتقائها.  فلا يخاطب الصغير بخطاب الكبير ولا العالم بخطاب الجاهل ولا العامي بخطاب الخاصة ولا البليغ بخطاب العيي ...

يقول الجاحظ: «ولكل قوم ألفاظ حظيت عندهم. وكذلك كل بليغ في الأرض وصاحب كلام منثور، وكل شاعر  في الأرض وصاحب كلام موزون فلا بد من أن يكون قد لهج وألف ألفاظا بأعيانها ليديرها في كلامه وإن كان واسع العلم غزير المعاني، كثير اللفظ، فصار حظ الزنادقة من الألفاظ التي سبقت إلى قلوبهم واتصلت بطبائعهم وجرت على ألسنتهم التناكح والنتائج والمزاج والنور والظلمة» (الجاحظ ع.، 1965).

ويقول مفصلا: «ولكل صناعة ألفاظ قد حصلت لأهلها بعد امتحان سواها، فلم تلزق بصناعتهم إلا بعد أن كانت مُشاكَلا بينها وبين تلك الصناعة. وقبيح بالمتكلم أن يفتقر إلى ألفاظ المتكلمين في خطبة، أو رسالة، أو في مخاطبة العوام والتجار، أو في مخاطبة أهله وعبده وأمته...وكذلك فإنه من الخطأ أن يجلب ألفاظ الأعراب وألفاظ العوام وهو في صناعة الكلام داخل. ولكل مقام مقال ولكل صناعة شكل». (الجاحظ ع.، 1965)وفي كل هذا يتوخى الجاحظ الألفاظ التي يحصل بها تفاعل المستمع وجلب انتباهه. ولذلك نجده يقول: وإن كان في لفظه سخف وأبدلت السخافة بالجزالة، صار الحديث الذي وضع على أن يسر النفوس يكربها ويأخذ بأكظامها» (الجاحظ ع.، 1965).

ألفاظ يفرضها مبدأ التأدب

يقضي هذا المبدأ المكمل لمبدأ التعاون عند غرايس، بضرورة التقليل من الكلام غير المؤدب والإكثار من الكلام المؤدب (طه عبد الرحمن، 1998). وهو مبدأ شائع في المجتمع العربي في عصرالجاحظ، فرضته طبيعة التعامل يظهر فيه جنوح العربي إلى الكناية عوضا عن التصريح. فذكره الجاحظ منوها بضرورة تخير الألفاظ وانتقائها لتلائم المقام الاجتماعي، فيقول:»ويقال لموضع الغائط الخلاء والمذهب والمخرج والكنيف، والحش والمرحاض، والمرفق.وكل ذلك كناية واشتقاق. وهذا أيضا يدلك على شدة هربهم من الدناءة والفسولة، والفحش والقذع» (الجاحظ ع.، 1965).

اختيار الصياغة المناسبة

لم يقتصر الجاحظ على التنويه باختيار الألفاظ المناسبة لكل فئة من فئات المجتمع، وإنما تجاوز ذلك  بالإشارة إلى ضرورة اختيار الصياغة المناسبة للغرض والمقام وذلك بمدحه الإطالة في موضعها والإيجاز في موضعه وكذلك الشأن في التصريح والكناية وغيرهم. وذلك أمر يعود إلى كفاءة المتكلم في حسن اختيار شكل الكلام الملائم.

الحذف والإطالة

يقول الجاحظ: «ومما مدحوا به إيجاز الكلام الذي هو كالوحي والإشارة قول أبي دؤاد بن حريز الإيادي:

يرمون بالخطب الطوال وتارة     

 وحي الملاحظ خيفة الرقباء

فمدح كما ترى الإطالة في موضعها والحذف في موضعه» (الجاحظ ع.، 1998). وهو كما ترى لا يقدم نوعا على الآخر. ولذلك تجده يقول عن خطب العرب: «ومنها الطوال، ومنها القصار، ولكل ذلك مكان يليق به، وموضع يحسن فيه» (الجاحظ ع.، 1998). فالعبرة إذن بحسن الاختيار الذي يفرضه الموضع أو الغرض. ولا بأس أن نختار من المواضع التي ذكرها الجاحظ بعينها إذ يقول: «ووجدنا الناس إذا خطبوا في صلح بين العشائر أطالوا وإذا أنشدوا الشعر بين السماطين في مديح الملوك أطالوا ... ورأينا الله تبارك وتعالى إذا خاطب العرب والأعراب، أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي والحذف، وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعله مبسوطا» (الجاحظ ع.، 1965)

الإفصاح والكناية

ما قيل عن الحذف وعن الإطالة يقال عن الإفصاح والكناية. من حيث إن لكلٍ موضع يناسبه. يقول الجاحظ: «والإفصاح في موضع الإفصاح والكناية في موضع الكناية» (الجاحظ ع.، 1965).

كنا قد عرضنا للكناية في معرض الكلام عن الألفاظ ولكننا هنا نتناولها باعتبارها تركيبا يحمل معنى خفيا دعت الضرورة إلى إخفائه. باعتبار الكناية «صورة بيانية تقوم على ستر المعنى المقصود بمعنى آخر مستقل في ذاته يوحي بالمعنى الأول، ويشير إليه لما بين المعنيين من تلازم غير مباشر ومعنى غير صريح» (ميشال عاصي، 1974)، من ذلك ما جاء في البيان والتبيين: «الحدة كناية عن الجهل» و «العارضة كناية عن البذاء» وإذا قالوا فلان مقتصد فتلك كناية عن البخل وإذا قالوا فلان مستقص فتلك كناية عن الجور» (الجاحظ ع.، 1998). وأوضح من ذلك في استعمال التركيب الكنائي هذه القصة التي يوردها الجاحظ في كتاب الحيوان.

قال الأصمعي: «تزوج رجل امرأة فساق إليها مهرها ثلاثين شاة، وبعث بها رسولا، وبعث بزق خمر. فعمد الرسول، فذبح شاة في الطريق، فأكلها، وشرب بعض الزق. فلما أتى المرأة نظرت إلى تسع وعشرين ورأت الزق ناقصا، فعلمت أن الرجل لا يبعث إلا بثلاثين، وزق مملوء. فقالت للرسول: قل لصاحبك: إن سحيما قد رُثم، وإن رسولك جاءنا في المحاق. فلما أتاه الرسول بالرسالة: قال يا عدو الله ، أكلت من الثلاثين شاة شاة، وشربت من رأس الزق فاعترف بذلك». (الجاحظ،ع 1998) والمرأة هنا كنت عن نقص الشياه باستعمال عبارة «إن سحيما قد رثم « فعبرت عن نقصان الشياه بقولها «رثم» الذي يعبر به عن البياض يكون في طرف الأنف، عن الكسر، وعن الضعيف والقليل من المطر فاستفادت من هذه المعاني لتخبر خطيبها أن عدد الشياه ناقص. وعبرت عن حالة الزق الذي جاء ناقصا بقولها «إن رسولك جاءنا في المحاق» التي يعبر بها عن القمر في آخر أيامه.     

الإعراب

لا أحد يمكنه إغفال أهمية الإعراب في اللغة العربية كونه عاملا بالغ الأهمية في توجيه المعاني، يقول ابن قتيبة عن اللغة العربية:» ولها الإعراب الذي جعله الله وشيا لكلامها وحلية لألفاظها، وفارقا في بعض الأحيان بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين، كالفاعل، والمفعول لا يفرق بينهما إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما إلا بالإعراب وأن قائلا قال  «هذا قاتلٌ أخي» بالتنوين، وقال الآخر «هذا قاتلُ أخي» بالإضافة، لدل التنوين على أنه لم يقتله ودل حذف التنوين على أنه قد قتله. (بن قتيبة، 1973)

ومع هذه الأهمية يرى الجاحظ أن الإعراب يفسد الكلام إذا لم يكن في موضعه، فيقول: «وإذا كان موضع الحديث على أنه مضحك ومُله، وداخل في باب المزاح والطيب، فاستعملت فيه الإعراب انقلب عن جهته. (الجاحظ ع.، 1965) ويقول: «وكذلك إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام، وملحة من ملح الحشوة والطغام، فإياك وأن تستعمل فيها الإعراب» (الجاحظ ع.، 1998).

 الاستعانة بالإشارة

يرى الجاحظ أن البيان لا يكون باللغة وحدها، وإنما تستعمل له سائر الوسائل المساعدة، ومنها الإشارة بكل أنواعها، وهو في ذلك يقول: «والإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه. وما أكثر ما تنوب عن اللفظ ... وفي الإشارة بالطرف، والحاجب وغير ذلك من الجوارح، مرفق كبير ومعونة حاضرة، في أمور يسترها بعض الناس من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس. ولولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص. (الجاحظ ع.، 1998) كل ذلك يجري في إطار تفاعلي كالذي يكون بالصوت، أو أكثر. وقد حشد لذلك مجموعة من النصوص التي تؤيد ما يذهب إليه نختار منها قول الشاعر:

ترى عينُها عيني فتعرف وحيها   

وتعرف عيني ما به الوحي يرجع

(الجاحظ ع.، 1998).

فانظر إلى قول الشاعر «وتعرف عيني ما به الوحي يرجع» الذي يعبر عن ذلك التفاعل الذي حدث بين المتحابين واكتفي  فيه باستعمال إشارات الأعين وحدها. وهذا الذي تكلم عنه الجاحظ، يعد من من كفاءات المتخاطبين عند التداوليين ويصطلحون عليه بقولهم « الكفاءة شبه اللغوية»، يضاف إلى الكفاءة اللغوية والاجتماعية والثقافية والمنطقية وغيرها ... (Catherine Kerbrat Orecchioni, 2006)

الخطابة وخصائصها

العلاقة بين صدر الكلام والغرض

إن مما يؤكد حرص الجاحظ على قضية التفاعل بين المتكلم والسامع تنويهه بالعلاقة بين صدر الكلام والغرض المقصود حتى يصل إلى ذهن السامع دون إطالة، فينقل عن ابن المقفع قوله: «وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، ثم يقول معقبا: كأنه فرق بينصدر خطبة النكاح وصدر خطبة العيد، وخطبة الصلح ، وخطبة التواهب حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على العجز» (الجاحظ ع.، 1998).

الابتداء والقطع

انتبه خطباء العرب إلى المكانة التي يتبوؤها مطلع الكلام أو ما يصطلح عليه في لسانيات النص بالتغريض. ذلك أن الكلام ينتظم في شكل متتاليات من الجمل، متدرجة لها بداية ولها نهاية، بحيث يؤثر بعضها في تأويل البعض وفهمه. ويتمثل دور العبارة الأولى أو الجملة في تقييد ما يأتي بعدها وتوجيهه (ينظر محمد خطابي، 1991). وهو أمر وجه إليه الجاحظ وهو ينقل قول شبيب بن شيبة : «الناس موكلون بتفضيل الابتداء، وبمدح صاحبه، وأنا موكل بتفضيل جودة القطع، وبمدح صاحبه. حظ جودة القافية وإن كانت كلمة واحدة أرفع من حظ سائر البيت». (الجاحظ ع.، 1998) وفي قول شبيب توجيه إلى أمر آخر وهو العناية بحسن الختام حتى يلتئم شمل الكلام، ويقوى تأثيره في السامع، ويبلغ المتكلم مقصده.

توشيح الخطب بأي القرآن الكريم وذكر الله

درج خطباء العرب بعد الإسلام على الاستعانة بالقرآن الكريم في الخطب. لما له من سلطان على قلوب الناس. وتميز النص القرآني بحمل المعاني الكثيرة في اللفظ الموجز وبتفوق تركيبه وسمو بلاغته، يقول الجاحظ : « وعلى أن خطباء السلف الطيب، وأهل البيان من التابعين بإحسان مازالوا يسمون الخطبة التي لم تبتدأ بالتحميد، وتستفتح بالتمجيد البتراء، ويسمون التي لم توشح بالقرآن ، وتزين بالصلاو على النبي صلى الله عليه وسلم الشوهاء» (الجاحظ ع.، 1998) وكان الخطباء يستعملون آي القرآن في خطبهم لأن ذلك «مما يورث الكلام البهاء والوقار، والرقة، وسلس الموقع». (الجاحظ ع.، 1998)

الخطاب فعل كلامي

من أهم وظائف الخطابة التعليم والإرشاد، إذ هي تحبب إلى النفوس ما يراد تحبيبه وتبغض إليها ما يراد تبغيضه. وقد عملت رسائل الجاحظ وخطاباته على ترسيخ هذا المعنى بشتى الوسائل الجادة والهازلة، أو بما تضمنته من مواعظ وقصص وغيرها، من ذلك، مثلا، قصة وفاء الكلب، التي تحكي قصة رجل خرج إلى الجبان، ينتظر ركابه، فأتبعه كلب كان له ، فضرب الكلب وطرده، فأبى الكلب إلا أن يذهب معه. فبينما هو ينتظر، إذ أتاه أعداء له يطلبونه بطائلة لهم عنده، وكان معه جار له وأحد أقربائه. فأسلماه وهربا عنه. فجرح جراحات ورمي في بئر غير بعيدة القعر. وحثي عليه التراب. والكلب في ذلك يزجم ويهر، فلما انصرفوا عنه، لم يزل يعوي، وينبث عنه، ويحثو التراب بيده، حتى كشف عن رأسه، وردت إليه الروح، فبينما هو كذلك إذ مر أناس وحملوه إلى أهله، فنجا. (الجاحظ ع.، 1965).

أمام هذا النوع من القصص، يجد القارئ نفسه أما موقف ينبني على توصيل قيمتي الوفاء واللؤم. فيحبب الأول بإثارة شعور الإعجاب بالحيوان.  ويبغض الثاني بإثارة شعور النفور من خذلان الإنسان، في مقابل وفاء الحيوان. وذلك يدفع القارئ إلى الانفعال واتخاذ موقف (محمد مشبال، 2010) ولا شك أن الجاحظ يستعمل هذا القصص وهو يعي تمام الوعي الوظيفة التي تؤديها مثل هذه النصوص، وما أكثرها في مؤلفات الجاحظ .

الحجاج في خطاب الجاحظ (رسالة كتمان السر انموذجا)

لا شك أن الحجاج لا يكاد يغيب في خطاب الجاحظ بحكم انتمائه إلى فئة المتكلمين التي صار الإقناع والجدل لديها عادة وصناعة لا يكاد يخلو منها كلامهم. وإذا كان ذلك كذلك فإنه مبثوث في جل كتب الجاحظ ولاسيما في رسائله. وذلك لا تكفي في استيعابه الكتب. ولذلك سنكتفي بنموذج واحد من رسائل الجاحظ هو رسالة «كتمان السر وحفظ اللسان» نتناول فيه نوعا واحدا من الحجج هو حجة السلطة.

موضوع الرسالة : كتمان السر وحفظ اللسان

درج الجاحظ في رسائله على معالجة بعض القضايا الأخلاقية وفي بعضها تظهر إشكالية الكتاب من خلال العنوان في شكل ثنائية، كرسالة مفاخر السودان على البيضان، أو  رسالة الجد والهزل،  وغيرها و الرسالة التي بين أيدينا تتناول ثنائية  كتمان السر وحفظ اللسان في مقابل إطلاقه.

ورسائل الجاحظ جنس تخاطبي يتم فيه بناء القول الحجاجي طرف واحد يحشد فيه من الحجج ما يمكنه من إقناع المستمع بما يراه وقد كان هذا فعل الجاحظ في هذه الرسالة التي ينتصر فيها لحفظ اللسان وركز فيها على حجج السلطة على الرغم مما يتخللها من أنواع أخرى. وسنبين ذلك فيما يلي:

حجة السلطة

تستمد حجة السلطة قوتها من مصادرها المتعددة التي قد تكون شخصا معينا (نبيا أو عالما أو فيلسوفا أو إماما وغيره). وقد تكون سلطة غير شخصية تتمثل في الدين أو العقيدة أو العلم وغيرها ... (صولة،، 2007). وقد درج الجاحظ على استعمال أنواعها المختلفة، وسنعمل على بيان ذلك من خلال الرسالة التي اخترناها ( رسالة كتمان السر وحفظ اللسان)

القرآن الكريم

القرآن الكريم له سلطان على نفوس المؤمنين وهو  يورث الكلام البهاء والوقار، والرقة، وسلس الموقع». (الجاحظ ع.، 1998)ناهيك على أن العرب تسمي الخطب التي لا تزين بالقرآن بالشوهاء» (الجاحظ ع.، 1998). ولذلك يعمد الجاحظ إلى توشح خطبه بآي القرآن الكريم في هذه الرسالة التي جاء فيها قوله تعالى: ﴿هَلۡ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٞ لِّذِي حِجۡرٍ ٥﴾ (الفجر: 5). يقول الجاحظ «وإنما سمي العقل عقلا وحجرا لأنه يزم اللسان ويخطمه، ويشكله ويربثه ...» (الجاحظ، 1964). وذلك يعني أن حفظ اللسان من سمات العقلاء ويورد قوله تعالى: : «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم يعضا» (الجاحظ، 1964)باعتبارها أوامر من الله يجب اجتنابها الحجرات: 12 وقوله عز وجل: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ ٣﴾ (المؤمنون: 3) باعتبار الإعراض عن اللغو واحدا من الأسباب المؤدية إلى الفلاح.

الحديث النبوي الشريف

والحديث النبوي الشريف مثل القرآن الكريم في سلطانه على نفوس المؤمنين باعتباره وحيا ينطق به النبي صلى الله عليه تؤسس عليه القواعد أو يأتي ليبين ويوضح. وقد استعمل الجاحظ في هذه الرسالة مجموعة من الأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم «الحزم سوء الظن» (الزرقاني، 1989). وقوله صلى الله عليه وسلم:المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (البخاري، 2002) وقوله صلى الله عليه وسلم: «وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» (الألباني، 2000). وكل هذه الأحاديث تحث على حفظ اللسان من حيث إنها ترتفع بمقام صاحبها. فهي تجعل حفظ اللسان من صفات الحازم ومن صفات المسلم الحق وتحذر من حصائد الألسنة التي تكون عاقبتها النار. وقد انتقاها الجاحظ بإتقان حتى يحبب إلى مخاطبه حفظ اللسان، ويبغض إليه سوء استعمال اللسان.

 أخبار العلماء

يورد الجاحظ أخبار أولئك الذين يحرصون على كتم السر من أمثال الأعمش الذين كان حريصا على كتم الأخبار. وكان له أصحاب يضجرونه، ويسومونه نشر ما يحب طيه. وكان يأبى عليهم، فيحلف لا يحدثهم الشهر والأكثر والأقل. فإذا فعل ذلك ضاق صدره وتطلعت الأخبار إلى الخروج منه، فكان يحدث شاة له بالأخبار والفقه حتى كان بعض أصحابه يقول: ليتني كنت شاة الأعمش (الجاحظ، 1964).

 الشعر

من الأبيات التي أوردها الجاحظ، قول الدارمي:

إني امرؤ مني الحياء الذي ترى   

أنوء بأخــلاق قليــل خداعــهـــــــا

أؤاخي رجالا لست أطلع بعضهم  

على سر بعض غير أني جماعــها

يظلون شتى في النهار وسرهم    

إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها

(الجاحظ، 1964)

وسرد أخبار الفضلاء يدفع بلا شك إلى التأسي بهم والاقتداء. ولا سيما إذا أحسن انتقاؤها كما هو الشأن عند الجاحظ

الأقوال الحكمية :

من ذلك قول أنس بن أسيد (الجاحظ، 1964، )

ألم أن تر أن وشاة الرجا 

 ل لا يتركون أديما صحيحا

فلا تفش سرك إلا إليك    

فإن لكــل نصــيح نصيحــا

وقول الشاعر:

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه 

 فصدر الذي يستودع السر أضيق

(الجاحظ، 1964)  

وهذه المختارات وحدها كافية في الحث والحض. ولكن الجاحظ لا يكتفي بذلك. بل يدعمها بقوله معقبا بقوله: «فمن أسوأ حالا، وأخسر مكانا، وأبعد من الحزم، ممن كان حرا مالكا لنفسه فصير نفسه عبدا مملوكا لغيره، مختارا للرق من غير أسر ولا قسر. والعبيد لم يصبروا على الرق إلا بذل الأسر والسباء.

فانظر كيف جعل من جعل من أفشى سره كمن صير نفسه عبدا وانظر إلى تسلسل الاستفهامات الانكارية التي جاءت لتقرر سوء الحال والخسار والبوار.

خاتمة

على الرغم مما ذكره بوهلر وجاكوبسون وهالدي وغيرهم من وظائف اختلفوا في تحديدها،تبقى وظيفة التواصل هي الأصل الذي تؤول إليه هذه كل الوظائف المذكورة باعتبار  التواصل الأرضية الأولى للتفاعل. وباعتبار اللغة فعلا كلاميا يكون له أثر على من نخاطبه. ومنه يكون موضوع المدارس التي تنظر إلى اللغة بهذا المنظار هو دراسة القوانين الكلية المتعلقة بالاستعمال اللغوي في المقامات المختلفة. وقد أخذت التداولية على عاتقها هذه المهمة.

ولكن التعامل مع قضايا الاستعمال اللغوي في الواقع ليست مقصورة على التداولية فقد سبقها إلى ذلك علم قديم لم يفتأ يتجدد هو علم البلاغة الذي جعل من الخطابات الحقيقية مضمارا لدراساته. وما يهمنا هو البلاغة العربية التي أسست لمجموعة من المبادئ العامة، نذكر منها:  مطابقة الكلام لمقتضى الحال، و لكل مقام مقال و لكل كلمة مع صاحبتها مقام ليتجه بعد ذلك إلى تجسيد الآليات التي تحقق ذلك.

وقد كان الجاحظ  أول من أنشأ البلاغة العربية وأرسى قواعدها الأساسية كما أنه أحد مؤسسي بلاغة النثر أو السرد بمفهومها الجمالي الإنساني.

هذا ويتميز الجاحظ عن كتاب عصره باستعماله المنطق استخداما واسعا إذ هو يعرض أفكاره في شكل حجاج يؤسس على أدلة وبراهين ومقدمات وأقيسة وهو نوع من التفكير العقلي لا يفتأ الجاحظ يشفعه بالتفكير الفني. فيلتقي بذلك عنده جمال التفكير وجمال التعبير وقوة التفاعل بين مكونات العملية التلفظية.

وتنطلق بلاغة الجاحظ من تعريفه للبيان الذي يؤكد من خلاله على أن وظيفة اللغة هي التواصل وما ينجم عنه من تفاعل. لقد اهتدى الجاحظ في وقت مبكر إلى ما يحف ظاهرة الكلام من الملابسات.

ومنه يتوفر تراث الجاحظ  على نظرية متكاملة تقدر أن الكلام، وهو الجانب العملي لوجود اللغة المجرد، ينجز بالضرورة في سياق خاص يجب أن تراعى فيه، بالإضافة إلى الناحية اللغوية المحض، جملة من العوامل الأخرى كالسامع، والمقام، وظروف المقال، وكل ما يقوم بين هذه العوامل غير اللغوية من روابط.

يجعل الجاحظ للعملية التلفظية شبكة من العلاقات تنشأ من خلال الروابط المختلفة التي تكون بين المخاطِب والمخاطَب، والمقام. وتأثير كل منهم في الآخر على إنتاج الخطاب. فيشترط للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك مقاما.

يربط الجاحظ بين بنية الكلام ووظيفته عندما يرى أن مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من المقال. ومنه فهو يشترط مجموعة من الخصائص ينبغي توفرها لدى المخاطب، منها ما يتعلق بهيأته: أن يكون رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ الخ... ويتجاوز ذلك إلى مراعاة الحالات النفسية لدى من يخاطبه فلا ينبغي مخاطبة من لا يكون متهيئا لذلك بل وينبغي مراعاة آداب من يكلمه إذا كان يراد لكلامه التأثير ومستواه وسنه. ومنه يتحدد نوع الخطاب ابتداء من انتقاء ألفاظه مرورا بشكل التركيب كناية، وإفصاحا حذفا وإطالة، نثرا وشعرا، وما يتبع ذلك مما يوشح به الخطاب من قرآن وحديث نبوي وحكم وغيرها.

يمكن القول إن الجاحظ، فضلا عن مشروعه البلاغي، أسس مشروعا أخلاقيا تعرب عنه رسائله. وقد كان في كل ذلك محاججا ماهرا يحسن حشد الكم الهائل من الحجج المختلفة لتأييد ما يذهب. يؤسس لها من رصيده المنطقي وعقله الجبار أو يأخذها من حقائق الحياة أو وقائها ويؤسس لما يرى باستعمال الأمثلة والشواهد المختلفة من القرآن والحديث النبوي والشعر والحكم

ابراهيم مصطفى وآخرون. (2004). المعجم الوسيط. (مكتبة الشروق،)

أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. (1973). تأويل مشكل القرآن. (المكتبة العلمية،)

الجاحظ. (1986). البيان والتبين (المجلد 6).

الجاحظ. الحيوان (المجلد 3).

الجاحظ. الحيوان (المجلد 5).

الجاحظ. (1964). رسائل الجاحظ (المجلد 1). (مكتبة الخانجي،) مصر.

العمري. البلاغة العربية اصولها وامتداداتها.

براون ويول. (1997). تحليل الخطاب. (النشر العلمي والمطابع،) السعودية.

حمادي صمود. (1981). التفكير البلاغي عند العرب. (مطبوعات الجامعة التونسية،)

شوقي ضيف. (2010). الفن ومذاهبه في النثر العربي (الإصدار 10). (دار) القاهرة.

طه عبد الرحمن. (1998). اللسان والميزان (الإصدار 1). (المركز الثقافي العربي.)

عبد الله صولة،. الحجاج أطره ومنطلقاته من خلال (مصنف في الحجاج) ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية. (المطبعة الر سمية للجمهورية التونسية)، تونس.

عبد الله محمد ابن منظور. لسان العرب. (دار المعارف،)

عثمان ، ابن جني. (2001). الخصائص (الإصدار 1، المجلد 1).

عمرو بن بحر الجاحظ. (1998). البيان والتبيين (الإصدار 7، المجلد 1). (مطبعة الخانجي.)

فيليب بروتون. (2013). الحجاج في التواصل (الإصدار 1). (المركز القومي للترجمة.)

محمد الطاهر بن عاشور. (1984). تفسير التحرير والتنوير (المجلد 27). دار التونسية للنشر.

محمد بن إسماعيل البخاري. (2002). صحيح البخاري (الإصدار 1). (دار بن كثير دمشق، المحرر) بيروت.

محمد بن عبد الباقي الزرقاني. (1989). مختصر المقاصد الحسنة (الإصدار 4). (المكتب الإسلامي، بيروت.

محمد مشبال. (2010). البلاغة والسرد. (مطبعة الخليج العربي.) تطوان.

محمد ناصر الدين الألباني. (2000). صحيح الترغيب (الإصدار 1، المجلد 3). (مكتبة العارف.) الرياض.

ميشال عاصي. (1974). مفاهيم الجمالية والنقد في أدب الجاحظ (الإصدار 1). (دار العلم للملايين) بيروت.

محمد خطابي. (1991). لسانيات النص (الإصدار 1). (المركز الثقافي العربي، المحرر) الدار البيضاء.

Armengaud Françoise. (2007). Lapragmatique ( 5èmeédition). Paris: presse universitaire.

Catherine Kerbrat Orecchioni. (2006). L’énonciation. (A. Colin, Éd.) Paris , Paris.

Catherine KerbratOrechionni. (1998). Les interactions vrbales (3èmeédition). france: ArmandColin,.

Dominique Picard. (1992). de la communicationàlinteraction. communication et langages , p. 72.

jean Dubois voir. Dictionnaire delinguistique et des sciences du langage. (Montréa, Éd.) Larousse- Bordas.

Julien longhi& G. Sarfati. (2012). Dictionnaire de pragmatique. (A. Colin, Éd.) Paris.

Philippe Verhaegen. (2010). Signeet communication (Vol. 1èreéditon). (e. d. Boeck, Éd.) Bruxelles.

Traverso, V. (Paris). Lanalyse des conversations. (A. Colin, Éd.) 2007.

voirFrank Neveu. (2011). Dictionnaire des sciences du langage(éd. 2èmeédition). (A. Colin, Éd.) Paris.

voirJulien Longhi et GeorgesSarfati. (2011). dictionnaire de pragmatique.(A. Colin, Éd.) Paris.

wittgensteinludwing. (1986). philosophical investigations.(G.E.M ancombre، oxford، uk.

@pour_citer_ce_document

إبراهيم ميهوبي, «التفاعل وآلياته في الخطاب البلاغي عند الجاحظ -دراسة تداولية-»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 19-30,
Date Publication Sur Papier : 2024-01-24,
Date Pulication Electronique : 2024-01-24,
mis a jour le : 24/01/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9553.