المعادل الموضوعي في قصيدة وصف الجبل لابن خفاجة الأندلسي دراسة أسلوبية (التركيبي، والدلالي، والموسيقي)Thematic Equivalent in the Poem Depicting the Mountain authored by ibn Khafaja al-Andalusi. Stylistic study: (synthetical, semantical, musicianL’équivalent objectif dans le poème de la description de la montagne au fils de la fatigue andalouse est une étude stylistique (synthétique, sémantique et musician)
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 20-2023

المعادل الموضوعي في قصيدة وصف الجبل لابن خفاجة الأندلسي دراسة أسلوبية (التركيبي، والدلالي، والموسيقي)
L’équivalent objectif dans le poème de la description de la montagne au fils de la fatigue andalouse est une étude stylistique (synthétique, sémantique et musician)
Thematic Equivalent in the Poem Depicting the Mountain authored by ibn Khafaja al-Andalusi. Stylistic study: (synthetical, semantical, musician
ص ص 60-75
تاريخ الاستلام 2022-12-17 تاريخ القبول 26-09-2023

مجدي الخطيب
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يتناول هذا البحث دراسة المعادل الموضوعي في قصيدة وصف الجبل لابن خفاجة الأندلسي من خلال دراسة أسلوبية في المستوى ( التركيبي والدلالي والموسيقي)، حيث يعد مصطلح المعادل الموضوعي من أهم المصطلحات النقدية الحديثة، وذلك لقدرته على تأويل الظواهر الحسية الغامضة في النص الشعري، وتقع مشكلة البحث في طريقة استجلاء الأسس والمقومات التي بني عليها المعادل الموضوعي في قصيدة وصف الجبل لابن خفاجة الأندلسي، ويهدف البحث إلى بيان الأسس والمقومات التي بني عليها المعادل الموضوعي، عن طريق محاولة التعرف على أبعاد هذا المصطلح وتوظيف مفاهيمه في الإجراء النقدي التطبيقي على قصيدة وصف الجبل، من خلال ثلاثة مباحث، ويقوم البحث على منهج التحليل الأسلوبي، حيث توصل البحث إلى أن ابن خفاجة الأندلسي استطاع أن يوظف في بنية قصيدة الجبل صورها الفنية، وتراكيبها ودلالاتها، وموسيقاها ومزجها مع التشكيل النفسي الدلالي لشخصه، ليعكس صورته وتجربته الشعرية، كمعادل موضوعي له

Cette recherche examine l’équivalence objective du poème dans la description de la montagne par Iben Khafaja Al Andaloussi à travers une étude stylistique au niveau synthétique, sémantique et musical. En effet, le terme équivalent objectif est considéré l’un des importants esprits critiques modernes en raison de sa capacité à interpréter les phénomènes sensoriels mystérieux dans le texte poétique. Notre problématique de recherche consiste à clarifier les fondements et les paramètres sur lesquels l’équivalence objective sont fondés dans le poème de la description de la montagne par par Iben Khafaja Al Andaloussi. L’étude identifie les dimensions du terme l’équivalence objective et utilise ses concepts dans la procédure critique appliquée au poème de la description de la montagne. En se basant sur trois enquêtes, notre recherche se fonde sur une approche d’analyse stylistique. Ainsi, nous constatons que Iben Khafaja Al Andaloussi a été en mesure d’intégrer dans la structure du poème de montagne ses images artistiques, ses structures et connotations, sa musique et sa combinaison avec la formation psychologique sémantique de sa personnalité

This research tackles the study of the thematic equivalent in the poem describing the Mountain by Ibn Khafaja Al-Andalusi through a stylistic study at the synthetic, semantical and musical levels. Undoubtedly, the term thematic equivalent is one of the most significant terms in modern criticism, due to its ability to interpret the mysterious sensory phenomena in the poetic text. The research problem lies in the method of clarifying the foundations and components on which the thematic equivalent is built in the poem demonstrating the Mountain by Ibn Khafaja Al-Andalusi.  The research aims to clarify the foundations and pillars on which the thematic equivalent is built, by trying to identify the dimensions of this term and employing its concepts in terms of applied critical procedure on the poem, through three subsections. In terms of methodology, this research is based on the method of stylistic analysis, as the research concluded that Ibn Khafajah Al-Andalusi was able to employ it in the structure of the mountain poem, its artistic images, structures, semanticity, and music, besides mixing it with the semantic psychological formation to his personality, in order to reflect his image and his poetic experience, as an objective equivalent to him

Quelques mots à propos de :  مجدي الخطيب

Dr. Majdi Alkhatib هذا البحث تم دعمه من خلال البرنامج البحثي العام  جامعة الملك خالد المملكة العربية السعودية (رقم: 283/ سنة 1443هـ).drmajdi11@gmail.com

مقدمة

 شهدت الساحة الأدبية النقدية في العصر الحديث العديد من المصطلحات النقدية، وقد برز من بينها مصطلح المعادل الموضوعي الذي ظهرت ولادته على يد الشاعر والناقد ت. س إليوت أحد أبرز رواد المدرسة النقدية الحديثة الأنجلو أمريكية. وتكمن أهمية البحث بقدرة المعادل الموضوعي على تعليل الظواهر الحسيّة والمعقدة في الشعر العربي قديمه وحديثه، وقد اختار البحث قصيدة وصف الجبل للشاعر ابن خفاجة الأندلسي نموذجًا لهذه الدراسة النقدية، لما تفيض به أبياتها من نزوع لتوظيف المعادل الموضوعي في بنيتها الشعرية، ولما للقصيدة من شهرة واسعة نابعة من عمقها في وصف جماليات الطبيعة. وتعزى إشكالية البحث إلى عدة أسباب منها:

-اضطراب مصطلح المعادل الموضوعي، وكثرة أراء النقاد فيه.

-كيفية تطبيق مقومات المعادل الموضوعي في قصيدة وصف الجبل للشاعر ابن خفاجة الأندلسي، وثالثًا- اثبات تأثير المعادل الموضوعي على المتلقي كوسيلة في تفكيك تأويلات ومضامين النص الغامضة.

أمّا تساؤلات البحث فقد استفهمت في عدة أسئلة منها:

-هل حضي المعادل الموضوعي بتعريف متفق عليه لدى النقاد؟

-هل استطاع ابن خفاجة الأندلسي ايجاد المعادل الموضوعي في قصيدة الجبل؟

-كيف وظف ابن خفاجة الصور والدلالات والتراكيب والموسيقى في بناء قصيدة الجبل؟

كيف أنسن ابن خفاجة الجمادات الطبيعية من حوله في -قصيدته، وعكس تجربته الشعرية كمعادل موضوعي له؟

ويهدف البحثإلى وضع تعريف وتفسير جاد لمصطلح المعادل الموضوعي، والكشف عن الأسس والمقومات التي انبنى عليها المصطلح، ومحاولة استكناه مكامن النص الجمالية والإيحائية بتجربة الشاعر، لاستجلاء أبعادها والكشف عن قيمها البلاغية والتعبيرية بالدراسة التطبيقية، عدا عن إبراز المعادل الموضوعي في قصيدة ابن خفاجة لما تفيض به بنيتها الشعرية، والذي يكشف بدوره عن أحاسيس الشاعر ومكنوناته النفسية.

ومن خلال استقراء الدراسات السابقة المتعلقة بموضوع البحث عثر على العديد من الدراسات التي عالجت موضوع المعادل الموضوعي -حسب الإطلاع- ضمن اشكاليات بحثية عامة دون التعمق فيها بالدراسات الأسلوبية، نذكر منها:

دراسة الباحث: فتحي محمد أبو مراد، بعنوان «المعادل الموضوعي بين النظرية والتطبيق قصيدة الأرض لمحمود دريويش أنموذجًا» حيث حاول الباحث التعرف على أبعاد المعادل الموضوعي، وتحليل مقوماته في شعر محمود درويش، وقامت الدراسة على منهج القراءة التحليلية.

دراسة الباحث: محمد أحمد عبد الرحمن، بعنوان» المعادل الموضوعي في شعر الدكتور/زهران جبر، دراسة نقديّة تحليلية، وقد سعت الدراسة إلى ابراز المعادل الموضوعي في شعر الدكتور/زهران، وقامت على المنهج الاستنباطي، لاستنباط المعادل الموضوعي من تجارب الشاعر الابداعية، حيث كانت هذه الدراسة الأقرب إلى موضوع البحث من حيث تحديد المصطلح دون التعمق في التحليل الأسلوبي.

دراسة الباحث: عبد الناشي. رفعت اسوادي، وآخرين «المعادل الموضوعي في الشعر الحديث قراءة تطبيقية في الشعر الحر، والتشكيل الكتابي»، وكان من دواعي الدراسة قراءة المعادل الموضوعي كما وضعه مبتكره ت.س. إليوت، حيث اعتمدت الدراسة على المنهج الثقافي النقدي الحديث دون الأسلوبي.

ومن هنا تميز هذا البحث عن سائر الدراسات السابقة، بسبر أغوار التحليل النصي لقصيدة وصف الجبل لابن خفاجة، ضمن دراسة أسلوبية تطبيقية تحليلية للظواهر التركيبية والدلالية والموسيقية.

وبهذا سار البحث على منهج التحليل الأسلوبي لما له من قدرة على كشف البنية العميقة للنص، واستجلاء المعادل الموضوعي من تجربة الشاعر الإبداعية، وتفسير الأثر الذي يتركه التشكيل الجمالي في البنية الشعرية عند المتلقي، وهي غاية البحث.

هذا ويرتكز البحث في موضوعاته وعرض أفكاره وعناصره على ثلاثة مباحث: الأول- الاطار النظري الذي كشف عن أبعاد المصطلح النقدي من حيث المفهوم وأسس مقوماته التي بني عليها، والثاني- قراءة في الاطار العام للقصيدة بغرض التعرف على الجو العام للنص، وحالة الشاعر لحظة بناء نصه الشعري، ومدى تأثير الطبيعة على شعره، والثالث- التحليل الفني (الأسلوبي) للقصيدة في اطار المعادل الموضوعي، من خلال الكشف عن لغة الشاعر التي تمثلت في تشكيل صور الشاعر، كما شمل التحليل الفني الصور الشعرية من حيث التشبيه والاستعارة، كذلك شمل الظواهر الدلالية البارزة في القصيدة كدلالة الألوان والمكان، وقد شمل التحليل أيضًا الايقاع الموسيقي بشقيه الداخلي والخارجي.

وفي نهاية البحث خاتمة لأهم نتائج البحث مع توصيات، وقائمة مراجع.

إطار نظري

مصطلح المعادل الموضوعي (ObjectiveCorrelative

يعد مصطلح المعادل الموضوعي من مصطلحات النقد الحديث، ظهر عند توماس إليوت الشاعر- الناقد، في دراسة مشهورة له بعنوان (هاملت ومشكلاته) في عام 1919م، أصبح فيما بعد نظرية نقدية لها تأثيرها وصداها، اعتمدت معياراً للشعر.

ويشير «ت. س. إليوت» إلى جوهر هذا المصطلح بوصفه أداة نقدية بفصل جيد الشعر عن رديئه، وتقرر متى يكون الشعر شعراً، في أن «الطريقة الوحيدة للتعبير عن الانفعال في صورة فنية، هي العثور على (معادل موضوعي) أي العثور على مجموعة أشياء، على موقف، على سلسة من الأحداث تكون هي الصيغة الفنية التي توضع فيها تلك العاطفة. حتى إذا أعطيت الوقائع الخارجية التي لا بدَّ أن تنتهي خلال التجربة الحسيّة استثيرت العاطفة على التو»(ماتيسن،1965).

فهو مواقف أو موضوعات، أو أحداث تعبر عن الانفعال، في صورة فنية أو أدبية ما.

ويمكن تفسير صورة المعادل الموضوعي، بأنه انفعال خاص يحس به الشاعر يعادل، أو يوازي نسيج الأفكار والأوضاع والأحداث، وإذا منحه الشاعر، أو المبدع المظهر الخارجي، فإنه يصبح تعبيرًا عن ذلك الانفعال، ووسيلة المبدع للتخلص منه (الخطيب، 1973).

فالشعر الناجح في مفهوم المعادل الموضوعي «إنما هو دائماً تصوير للفكر والشعور بتقرير الأحداث في العمل الإنساني، أو الأشياء في العالم الخارجي»(ماتيسن، 1965)، وإن الصور والعبارات والمشاعر جميعها تخزَّن في فكر الشاعر الذي يلتقط ويخزن ما لا يحصر، وتبقى هناك لتكون مركّبًا شعريًا جديدًا لحظة أن تلتقي معًا جميع العناصر التي يمكن أن تتفاعل(الخطيب، 1975).

إذًا فقضية المعادل الموضوعي تكمن في وقوف الشاعر على المحتوى الخارجي لهذا المعادل الذي بدوره يجسد العاطفة ويخرج بها من واقع النفس المجرد إلى حيز الوجود الخارجي الملموس، على أن يكون هذا المحتوى أو المعادل قادرًا على إثارة وتحريك الانفعال في نفس وشعور المتلقي، وإحداث حالة في نفسه مماثلة لتلك التي يعانيها الشاعر، فتدفعه نفسه للتعبير عنها(أبو مراد، 2007). 

وتتحدد قيمة الشعر المعاصر تحديدًا في الشكل الفني الذي يصوغه الشاعر لغة وصورة وإيقاعًا، ذلك أن مصطلح المعادل الموضوعي يرتكز على فكرة معادل التشكيل الفني الذي يستلزم على الشاعر، أو الأديب استحضاره في كتابات نصه الشعري(عبد الناشي،2018).

فالاعتبار يقع في قدرة الشاعر على تصوير محيط العواطف، والمشاعر والأحاسيس، فنيًا بحسب ما يتصوره ذهنه بالإستناد على مجموعة موضوعات، أو مواقف، أو سلسة الأحداث التي تطرحها مؤشرات المحيط الخارجي.

وتجدر الإشارة في الحديث عن مصطلح المعادل الموضوعي إلى أن الشاعر إزراباوند هو الذي وضع هيكل المصطلح في كتابه( روح الرومانس)، وأضفى بضلاله على المعادل الموضوعي عند إليوت، يقول «إنَّ الشعر نوع من الرياضيات المتلقاة إلهامًا، ويعطينا معادلات، لا للأرقام المجردة والمثلثات والكرويات وما أشبه ذلك، بل للعواطف الإنسانية»(هايمن، 1958)، إذًا إن فكرة إزراباوند يمكن عدها نقطة البداية في نظرية إليوت عن المعادل الموضوعي.

وقد اقترن مصطلح المعادل الموضوعي بتسميات متعددة حين ترجم إلى العربية، وهي حسب تسلسلها الزمني كالآتي: التبادل الموضوعي، المعادل الموضوعي، البديل الموضوعي، الترابط الموضوعي، وقد استقرت ترجمته إلى العربية تحت مصطلح (المعادل الموضوعي)(غزوان، 1984).

«ولم يقتصر اختلاف تلقي النقد العربي للمعادل الموضوعي على ترجمته، أو تعريبه فحسب وإنما تجاوز ذلك رؤية النقاد العرب المختلفة لدلالاته وأهميته، واختلاف الشعراء والروائيين والمسرحيين في مستويات توظيفه؛ بساطة وتعقيدًا، وكيفية استخدامه والتعامل معه»(دواس، 2016).

وإن المتأمل لقراءات وتفسيرات النقاد والباحثين العرب المختلفة والمتباينة حول فكرة المعادل الموضوعي، يرى أن هذا المصطلح قد توشَّح برؤى وأبعاد نقدية جديدة مختلفة، وحمل بضلال معاني مختلفة، فنجده عند الناقد غنيمي هلال قد اصطبغ بفكرة الإقناع، وعند الناقد منيف موسى قد اشتبك مع عموم النقد الموضوعي، وتارة يتلون عند الأستاذ عبد الرضا بفكرة التعويض، وتارة أخرى نجده عند الأستاذ جليل كمال الدين يرتبط بفكرة التحكم(علي، 2017).

نلحظ أن مصطلح المعادل الموضوعي كان مضطربًا، لكثرة المناهج والمصطلحات، لدى جمهور القراء والباحثين في الساحة النقدية العربية، وتعددت المسميات التي اقترنت به نتيجة الترجمة؛ مما أدى إلى تعقيده ودخوله في دائرة الغموض والإجتهادات الفردية، إلا أنه وبالرغم من هذا الاضطراب لقي اهتمامًا كبيرًا من قبل النقاد والباحثين العرب.

أسس مقومات المعادل الموضوعي

إن دراسة مصطلح المعادل الموضوعي تقوم على عدد من الأسس والمقومات، وهذا يدفعنا إلى التعرّف على مقوماته التي بني عليها هذا المفهوم، ونلخصها بما يأتي:

إن العمل الفني خلاصة التجربة الشعرية الناتجة عن تحويل انفعال الشاعر وأفكاره وعواطفه

فالانفعال المستعاد في السكينة هو معادلة دقيقة، لأنه ليس انفعالًا ولا تذكرًا ... شيء جديد ينتج عن التركيز لعدد كبير من التجارب التي لاتبدو للشخص العملي الفعال تجارب على الإطلاق(ماتيسن،1965)».

وما العواطف والمشاعر والأفكار في العمل الفني (القصيدة) إلا تجسيد، أو تصوير في المعادل الموضوعي، والذي بدوره يمكِّن المتلقي في كل مرة يعود إليه من كشف طبقات متعددة من المعنى الأصلي بعد المحاورة والمناورة والتفحص(أبو مراد، 2007).

ويتولد اهتمام المعادل الموضوعي الشديد ببنية المنجز الشعري، أو البناء الأدبي بشكل عام، من الانفعال الفني الذي ينبغي أن لا يكون عابرًا، وإنما قابلًا للبقاء والتجسيد في إطار العمل الأدبي(أبو مراد، 2007).

ومن هنا تتكشف موهبة الشاعر الناجح، الذي يعود إلى مقومات بناء عمله الفني من مشاعر وعواطف وأفكار وأحاسيس كينونة في أعماق وخلجات نفسه، فيلتقطها ويضعها في بنائها الفني المحسوس.

الشاعر، وقدرته على الاحتفاظ بالمشاعر التي تعينه على التقاط أفكاره وصوره

فالشاعر «يحتفظ بمشاعره حيَّة مهما كانت جياشة ومتدفقة بفضل قدرته ومواهبة، وبالتالي فإنه يستطيع أن يعود إلى هذه المشاعر ويخلق لها معادلاتها الفنية التي تخلدها في الحياة»(أبو مراد، 2007)، والشاعر يلجأ إلى استخدام المعادل الموضوعي ليتجرد من سيطرة أحاسيسه على النص، كقناع ليتستر به على شخصيته الحقيقية(الشيخ، 2021).

معنى ذلك أن هاجس الشاعر في لحظة العملية الإبداعية هو إيجاد المعادل لموضوعه، وذلك حتى يعبر من خلاله، فيتمازج الموضوع بمعادله، ليعكس ذلك تراسلًا ما بين الطرفين من حيث الدلالة، ولتتكون روابط جديدة ما بين أشيائهما، من شأنها أن تفيض بالمعنى على نحو لا يمكن إنتاجه فيما لو كان التعبير تقريراً ومباشراً، إذ إن الشاعر لا يعني بالحديث عن مشاعره وأفكاره بشكل مباشر.

«فالشعر الرفيع يصاغ من المشاعر وحدها... وفكر الشاعر حيّز يلتقط ويخزِّن ما لا يحصر من المشاعر والعبارات والصور التي تبقى هناك إلى أن تلتقي معًا جميع العناصر التي يمكن أن تتفاعل لتكوِّن مركَّبًا شعريًا جديدًا»(الخطيب، 1973).

ولكي يرتقي الشاعر إلى العالم الخارجي من حوله، لا بد أن يكون قادرًا على الاحتفاظ بمشاعره حيَّة؛ ليسمو بها إلى مستوى عواطفه، لذا يستوجب عليه حتى يحتفظ بمشاعره ويرتقي بها أن يتخلص نهائيًا من الأثر المباشر لهذه المشاعر حين يحس بلحظة الإبداع، فينفصل عن الشخص الذي يحس ويعاني داخله انفصالًا تامًا(أبو مراد، 2007).

فالشاعر لحظة العملية الإبداعية قد لا يعي معادله الموضوعي، وإنما هو يشعر فقط بالإمتلاء التعبيري، وبأن ملفوظه بدأ يتفجر بدلالات مختلفة، إذ إنه في الواقع قد تسنّى للمعادل الموضوعي الظهور كمصدر إبداعي في منطقة اللاوعي، وكمدد تربطه بموضوع الشاعر وشائج حيوية، يتم في إطارها التراسل والتبادل والتحويل، ولكي تنتج الدلالة الشعرية، وتبرز الذات في إنتاجها المتفرد الجديد، يتمازج الموضوع بمعادله لحظة الصفر، في إطار علاقة حيوية يندغم بها كل منهما في الآخر.

والشاعر البارع والمتميز هو الذي لا يسمح بأن تطغى مشاعره على الأشياء المجسّدة، بل يوظف الأشياء المحسوسة في واقعه، ويوفق في التعبير عن مشاعره ومكنوناته، من خلال قدرته على استمداد المشاعر من الواقع عبر المؤثرات الخارجية(عبد الرحمن، 2020).

علاقة القارىء (المتلقي) بالعمل الفني

لقد أثبتت الدراسات النفسية أن الفن لا يستطيع دائمًا أن يثير في كل متلق العواطف، أو المشاعر، وأن الإثارة حاصلة بين العمل الفني والمتلقي وإثارة إنتباهه كذلك(غزوان، 1984) لأسباب ثقافية وفكرية.

وقد يبدو للمتلقي أن ثمة علاقة سببية بين العاطفة والموضوع، وهذه العلاقة هي نفسية محضة تعمل على ربط الفكر والحس في إطار القصيدة فقط، ذلك لأن آلية عمل المعادل الموضوعي هي تشخيص، أو تجسيد، أو تجسيم العواطف، من خلال ربطها بموضوعاتها(أبو مراد، 2007).

«فإن نظرية النقد الحديث ترى أن هذا العمل كي يحقق الأثر المطلوب فإنه يجب أن يجسِّد الإحساس المجرد، إلى كيان محسوس، يستطيع القارىء أن يلمسه، ليستطيع العمل الفني أن يعادل الإحساس»(عبد الناشي، 2017).

وإن الدليل على سمو الشاعرية وارتفاع قيمة الغموض الفنية من الناحية النقدية، هو عودة القارىء إلى النموذج الشعري المقروء أكثر من مرة، بحثًا عن جماليات المعنى وأصالة المبنى والتقويم الفني(غزوان، 1984)، ذلك أنه كلما تلاقت الاعتبارات الثقافية والفكرية، أو تساوت وضيقت الفوارق بين الشاعر والمتلقي ازدادت احتمالية الإستجابة الجمالية لدى المتلقي في العمل الفني، فالتأثير يجب أن يصل إلى المتلقي، من خلال اجتماع تلك الاعتبارات وتضافرها فيما بينها، لتشكِّل عاملًا قادرًا على إحداث الدهشة والتجارب، لتحدث التأثير المرجو على المتلقي.

وإن ما تتركه القصيدة من أثر فني في متلقيها لا يتحقق إلا إذا ترجمت العواطف والانفعالات والشعور ( الإحساس) إلى موضوع، أي إن ما يثيره العمل الفني من إحساس» في نفوسنا في طبيعته عن الإحساس الذي قد تزودنا به الحياة... والعكس صحيح، بمعنى أنه لو لم يترجم الشاعر الإحساس الذاتي إلى إحساس موضوعي ... أي إنه لو لم يخرج الإحساس من نطاق الذاتية إلى نطاق الموضوعية لما كان للقصيدة تأثير فني علينا»(رشدي، 1962).

فالكاتب المبدع الناجح يعمل على إيجاد المعادل الموضوعي الأمثل والأقوم للتعبير عن تلك الأحاسيس.

إن الفن يمنح المتلقي فرصة التحكم في الإحساس والاستمتاع به، وكذلك يثير إحساسًا جماليًا يهدف إلى إعادة التناغم المفقود إلى نفس المتلقي، بينما الأحاسيس التي تثيرها الحياة تكون عفوية وعرضية، مما يسبب الاضطراب والقلق لصاحبها، وقد تجعل الحياة الإحساس يتحكم في المتلقي، ولسبب ما يصبح تحت رحمته فينتقل هذا الإحساس إلى المتلقي كما هو في الحياة بكل شوائبها ورواسبها(محمد،2017).

«فالقارىء لا يمتلك طريقة يعرف من خلالها فيما إذا كانت العواطف المستثارة لديه هي العواطف الصائبة طالما أنه لم يخلق الروابط، أو العلاقات المسبقة بين حالة الشعور والصورة التي تماثلها، لذا فإنه لا يعرف ما يعنيه الشاعر( من خلال حالته الشعورية وصوره الفنية)، أو معرفة فيما إذا كان المعنى الذي يسعى إليه القارىء هو المعنى الصحيح»(غزوان،1984).

وبحسب قدرة المتلقي على الإستكشاف للعلاقات النفسية التي أوجدتها النفس الشاعرة بين الذات والموضوع، فإن المتلقي لا يعدم المعيار لقياس درجة تأثره، وإن كان هذا القياس يمكِّن المتلقي من الحدس والظن والتخمين بنوع العاطفة(أبو مراد، 2007).

إذًا فالمتلقي أقصى ما يستطيع عمله هو الإحساس بمثل ما يحس به الشاعر، وما هو إلا عنصر مشترك في نظرية المعادل الموضوعي، حيث إن الشعر يعبر عن المشاعر والأفكار والعواطف التي تؤدي بدورها إلى إنتاج علاقة ارتباط بين الموقف، أو الموضوع الذي قصده الشاعر، وهذه الأحاسيس تستثيره إلى الغاية المرجوه في العمل الفني، ذلك أن نظرية النقد الحديث ينطوي تحت ظلالها العمل الفني في حد ذاته، والفنان وعلاقته بالعمل الفني، وأخيًرً المتلقي مع العمل.

بنية اللغة التي يتشكل منها العمل الفني

والتي يقوم عليها المعادل الموضوعي فتثيره، أو تمده بالطاقة الإيحائية اللازمة لتشكيل القصيدة، فنظرية المعادل الموضوعي تستند» على فكرة اللغة الخاصة -A private Language- وعلى النظر إلى ألفاظ العاطفة وكأنها تمثل الحالات الخاصة»(غزوان، 1984).

وثمة علاقة حميمة بين طريقة الشعور، أو الإحساس، وبين طريقة الاستعمال الذاتي للغة، وما المعادل الموضوعي إلا عاطفة، أو فكر يتمثل في الكلمات، ونوع من العلاقة النفسية التي تربط الفكر بالحس، والذات بالموضوع، فيتلاقى كل طرف مع أخيه(أبو مراد، 2007).

فالشعر فنًا ليس بحرفة أو صنعة، ولا مصنوعًا من عواطف موجودة قبل أن يعبر عنها، إذ إن العاطفة لا يمكن معرفتها حتى يعبر عنها، وكذلك شكل التعبير لا يمكن معرفته مسبقًا، وذلك انطلاقًا من أن الإحساس مع العاطفة يظهران الفكرة(غزوان، 1984).

وإن الطاقة الإيحائية التي تنتج في مزيج فريد من الحس والفكر عبر البناء الفني للمعادل الموضوعي، والذي في كل مرة يتلمس طبقة جديدة من طبقات المعنى المتولدة فيها لهو بنية حيوية وبؤرة كبرى منقطعة عن واقعها ومستقلة بذاتها، قابلة للتأمل والتفحّص يعاودها الفكر مرات ومرات، وما هذا النموذج اللغوي الذي يصوغه الشاعر لعواطفه إلا مزيج فريد يتجسد فيه المجرد عبر المحسوس(أبو مراد، 2007).

«وإن كل عمل أدبي هو مجرد انتقاء من لغة معينة، تمامًا كما أن التمثال المنحوت يوصف بأنه كتلة من المرمر شطفت جوانبه»(ويليك، 1981)، وما الأثر الملتقط الذي تبنته اللغة ووهبه السياق الفني طاقته الإيحائية إلا حدس وظن وتخمين، فتعددت به طبقات المعنى بتعدد قراءاته في كل مرة، وهذا سبب من أسباب بقاء الشعر والأدب عامة إلى يومنا هذا(أبو مراد، 2007).

«فالطريقة الذاتية (أو الفردية) للشعور والرؤية تخضع الطريقة الفردية لاستعمال اللغة لها» (غزوان، 1984).

ونرى أن الشاعر ذو دراية تامة بالظلال النفسية للكلمات، ولديه حساسية لغوية هائلة، بحيث يكفيه أن يصاحب نفسه في تحولاتها، فتذهب به إلى عالم الشعر الحقيقي تلقائيًا. 

 

قراءة في الإطار العام لقصيدة وصف الجبل

قصيدة «مقيم وذاهب» لابن خفاجة في وصف الجبل (بائية ابن خفاجة)

ارتحل ابن خفاجة غريبًا متنقلًا من مكان إلى آخر، فمر في إحدى رحلاته بجبل ووقف يحاكيه كأنه شخص يحاوره.

والقراءة الأولى للقصيدة توهم المتلقي بأنه كان يصف الجبل؛ بيد أن القراءة المتعمقة المصحوبة بالتأمل والتعمق في كينونات وأبعاد القصيدة تكشف أنه كان يصف نفسه، ويحاول إسقاط حالته النفسية على الجبل، أي إنه يحاور نفسه في تجربة نفسية عاناها بعد أن سئم الحياة؛ فانطلقت في أبيات معبرة عن تجربته الصادقة، وما الجبل إلا أنسنة من قبل الشاعر الذي يحاول الهرب من شبح الموت وجد فيه عزاؤه، فكان أقوى نفسًا على مواجهة حتفه، يقول:

(مقيم وذاهب)

«بَعَيشِكَ هَل تَدري أَهوجُ الجَنائِـــبِ

 تَخُــبُّ بِرَحلي أَم ظُهــورُ النَجائِـــبِ

فَما لُحتُ في أولى المَشارِقِ كَوكَباً      

فَأَشـرَقتُ حَتّى جِئتُ أُخرى المَغارِبِ

وَحيـداً تَهــاداني الفَيــافي فَأَجتــَلي        

وَجوهَ المَنـــايا في قِنـــاعِ الغَياهِـــبِ

ولا جــارَ إِلّا مِـن حُســامٍ مُصَمَّــمٍ   

 وَلا دارَ إِلّا فـي قُتــــودِ الـرَكائِـــــبِ

لا أُنــسَ إِلّا أَن أُضاحِــكَ ساعَــةً     

        ثُغورَ الأَماني في وُجــوهِ المَطالِـــبِ

وَلَيــلٍ إِذا ماقُلــتُ قَد بــادَ فَاِنقَضى   

        تَكَشَّـفَ عَن وَعـدٍ مِنَ الظَــنِّ كــاذِبِ

سَحَبــتُ الدَياجـي فيهِ سـودَ ذَوائِبٍ   

       لِأَعتَنِــقَ الآمــــالَ بيـضَ تَـرائِـــــبِ

فَمَـزَّقتُ جَيــبَ اللَيـلِ عَن شَخــصِ   

              أَطلَسٍ تَطَلَّعَ وَضّاحَ المَضاحِكِ قاطِبِ

أَيــتُ بِهِ قِطعاً مِنَ الفَجرِ أَغبَشـــاً    

              تَـــأَمّــَلَ عَـن نَجــــمٍ تَوَقَّــــدَ ثـاقِــــبِ

وَأَرعَــنَ طَمّـــاحِ الذُؤابَــةِ بــــاذِخٍ     

                يُطــاوِلُ أَعنـــانَ السَمـــاءِ بِغـــــارِبِ

يَسُــدُّ مَهَــبَّ الريـحِ عَن كُلِّ وُجهَةٍ  

              وَيَزحَـــمُ لَيـــلاً شُهبَــهُ بِالمَناكِـــــــبِ

وَقــورٍ عَلى ظَهرِ الفــَـلاةِ كَأَنـــّهُ       

            طِوالَ اللَيالي مُفَكِّرٌ في العَواقِـــبِ

يلــــوثُ عَلَيهِ الغَيمُ سودَ عَمائِـــمٍ        

         لَها مِن وَميضِ البَرقِ حُمرُ ذَوائِبِ

أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِتٌ     

          فَحَدَّثَني لَيلُ السُــرى بِالعَجائِــــبِ

وَقـالَ أَلا كَم كُنــتُ مَلجَـأَ قاتِــــلٍ       

        وَمَـوطِــــنَ أَوّاهٍ تَبَتَّــــلَ تائِــــــبِ

وَكَـم مَـرَّ بي مِن مُدلِــجٍ وَمُؤَوِّبٍ    

            وَقــالَ بِظِلّي مِن مَطِـيٍّ وَراكِـــبِ

وَلاطَمَ مِن نُكبِ الرِياحِ مَعاطِفي     

         وَزاحَمَ مِن خُضرِ البِحارِ غَوارِبي

فَما كانَ إِلّا أَن طَوَتهُم يَدُ الرَدى     

         وَطارَت بِهِم ريحُ النَوى وَالنَوائِبِ

فَما خَفقُ أَيكي غَيرَ رَجفَةِ أَضلُعٍ    

          وَلا نَوحُ وُرقي غَيرَ صَرخَةِ نادِبِ

وَما غَيَّــضَ السُلــوانَ دَمعـــــي           

        وَإِنَّما نَزَفتُ دُموعي في فِراقِ الصَواحِبِ

فَحَتّى مَتى أَبقى وَيَظعَنُ صاحِبٌ      

        أُوَدِّعُ مِنـهُ راحِـــلاً غَيــرَ آيِــــــبِ

وَحَتّى مَتى أَرعى الكَواكِبَ ساهِراً   

          فَمِن طالِعٍ أُخرى اللَيالي وَغارِبِ

فَرُحماكَ يا مَولايَ دِعوَةَ ضـارِعٍ        

        يَمُدُّ إِلى نُعمـاكَ راحَـةَ راغِـــــبِ

فَأَسمَعَني مِن وَعظِهِ كُلَّ عِبـــرَةٍ     

             يُتَرجِمـُها عَنهُ لِســانُ التَجـــارِبِ

فَسَلّى بِما أَبكى وَسَرّى بِما شَجا      

        وَكانَ عَلى عَهدِ السُرى خَيرَ صاحِبِ

وَقُلـتُ وَقَد نَكَّبــتُ عَنهُ لِطِيَّـــةٍ      

        سَلامٌ فَإِنّـا مِن مُقيـــمٍ وَذاهِــــبِ»

(خفاجة، 1994)

إطار عام للقصيدة

مرّ ابن خفاجة في إحدى رحلاته بجبل شاهق الطول صامد في مهب الريح جاثم في قلب الطبيعة الصحراوية، والشاعر في تلك الفترة كان وحيدًا في سفره (وحيدًا تهاداني الفيافي) متشائم وقلق وفي نفس الوقت هو خائف من المنايا (وجوه المنايا) تلاحقه وهو تائه في توجهه يقصد ضروب الفيافي إلى ما لا نهاية، ليهرب منها لكن أين المفر؟

وفي لحظة اقترابه من الجبل الشاهق، وأصبحت صورته كاملة أمام ناظرية بكل تفاصيلها جلس متأملًا به إلى أن حلَّ الليل، فانطلق خيال الشاعر لينقذه من الوحدة والقلق والخوف المتأزم في نفسه، وأنطق الجبل وأظفى عليه مشاعره بقصد مجالسته وجعله أنيس في شعره؛ لتسليته وليبوح له ما بخلجاته من أسرار النفس المليئة بالخطوب، وقبل أن يؤنسن الجبل حاول أن يجد من يؤنسَ وحدته في ظلمة الليل الطاغية، فبدأ بسيفه ثم تركه سريعًا وانتقل إلى قتود الركائب، ثم تركها عاجلًا وانتقل إلى ثغور الأماني، مستخدمًا في ذلك أسلوب الحصر في تحديد من يسليه (لا جار إلا من حسام مصمم) و(لا دار إلا في قتود الركائب) و(لا أنس إلا أن أضاحك ساعة ثغور الأماني)، واكتشف على الفور أن كلها لا تصلح بمجالسته وأنسته، لذا انتقل بخياله يؤنسن الجبل الذي استطاع بتأمله الطويل أن يجد فيه ذلك الملاذ، فالشاعر رأى أن الليل يزيد الجبل مهابة وجلالًا (يزاحم ليلًا بالمناكب) لذا شخصه رجلًا وقورًا يجلس في الصحراء منعزلًا مفكرًا فيما ألمَّ به من خطوب ومحن، على رأسه عمامة سوداء ذات ذوائب حمراء، بسبب وميض البرق الذي يخترق هذه الغيوم التي تلف الجبل من أعلى قمته، فراح الشاعر يتخيل بأنه يحادثه على الرغم من صمته العميق، وراح الجبل يبوح له بأنه كان ملجأ للقتله، وموطن كل من توسل وتاب إلى الله، وأن ظله كان مكانًا يستريح فيه السائرين في جوف الليل، ويقول بأن كل هؤلاء قد لقوا حتفهم، وبقي هو متسائلاً عن سر بقائه في الوقت الذي يضعن فيه صاحبه، وعن توديعه للراحلين في الوقت الذي يبقى فيه ساهرًا مع النجوم يرعى الكواكب، وهي تتراوح بين الطلوع والغروب، فإذا بالأعشاش التي ترفرف فيها العصافير على قمته كأنها خفقات قلبه الحزين، تنوح على من ارتحل من عند هذا الجبل، ويظهر أن دموعه قد جفت كلها( نزفت دموعي)، من كثرة البكاء على هؤلاء الذين استظلوا به وفارقوه، وهو يسأل إلى متى يبقى على هذا الحال يودع الذاهبين الذين لا يرتجي عودتهم.

فالشاعر يصارع زمنًا نفسيًا في عقله الباطن ويحاول أن يتخلص منه بكشف صمود الجبل أمام الزمن الموضوعي، فنجده ذاهل أمام حركة الزمن القصيرة (ساعة)، والزمن الطويل المريب المتمثل بالليل، وهذا الأمر ضاعف قلق الشاعر من الزمن المفضي إلى الموت المحتوم(عيسى، 2011)، فاتخذ من الجبل معادلًا موضوعيًا للصمود أمام الزمن الموضوعي.

إن الشاعر جدّ في البحث عن رفيق يمكن أن يحمل همومه عنه، فوجد في الجبل الأنيس الذي تنتفي فيه صفة الزوال التي يعاني الشاعر فقدها... ويحاول أن يصل إلى مرحلة من التماهي الكلي مع الجبل ناطقاً بلسانه ليسقط ذاته عليه، ولقد وظف الشاعر الجبل ليسليه ويبعده عن همه، إلا أن هذه التسلية جاءت على حساب الجبل الذي أسبغت عليه صفات بشرية كانت سوف تسلبه صفة البقاء على مر العصور، فنجد الجبل قد اكتملت صورته الإنسانية تمامًا في غمرة هذا التماهي والاندماج مع الطبيعة، فهو يبكي ويتحدث ويشعر ويسهر ويتضرع لربه، وفي الحقيقة نجد الشاعر من يقوم بكل ذلك(عيسى، 2011).

«وقد أثَّر الخيال بملكته في صورة الجبل فخرج ليمثّل أفكار الشاعر وأحاسيسه، تمامًا كما يحدث في الأحلام حين تلتقط الصورة الواقعية بموجوداتها في الخارج لتكون أفكارًا معبّرة في صورة متحركة يراها النائم، وهي في ذلك تعبر عنه من خلال الإستعارات المرئيّة في النوم»(المالكي، 2019) فالخيال يترجم الشعور ويجسده، وهو الغرفة المظلمة التي تحول الظلال الشعرية المموهة إلى صورة ذات شكل وحدود ومعنى(عيد، 2006) وابن خفاجه لا يكتفي بالمحسوسات الخارجية، بل ينفذ من خلالها إلى خلجات النفسِ ويصور بخياله ما يحسه ويشعر به.

التحليل الفني (الأسلوبي) لقصيدة وصف الجبل

إن قصيدة «الجبل» لابن خفاجه نموذج فني رفيع المستوى من القصائد التي قصدت الطبيعة لا لتصفها، بل لتوظفها في التعبير الفني عن حالة نفسية إنسانية، وقد اختار ابن خفاجة( الجبل) ليكون معادلًا موضوعيًا دلاليًا لشخصه ولنفسه، إذ إن للجبل وابن خفاجه سمات مشتركة مثل علو الهمة وشموخ الكبرياء، وطول العمر، وتعدد التجارب ومهابة الوقار(عيسى، 2011).

ويقوم البناء الفني في قصيدة(الجبل) على أربعة محاور هي: مقدمة، وثلاث لوحات تشكيلية، وقد جاءت هذه المحاور متماسكة فيما بينها، مشكِّلة الإحساس الفني في مجموعها.

فمقدمة القصيدة تشكلت من تسعة أبيات سلطت الضوء على ثلاثة أقسام: الأول استفهامي تمثل في البيت الأول، والقسم الثاني شبه تقريري تمثل في البيت الثاني والثالث والرابع والخامس، أمّا القسم الثالث فهو صورة فنية تحيلنا إلى طبيعة الصراع النفسي عند الشاعر(عيسى، 2011).

فالشاعر يجرد من نفسه شخصًا آخر يخاطبه ويستعين به على الإجابه، كما أنه يعاني من أزمة نفسية في محاولة بحثه عن سبب مقنع لطول عمره، وتعدد تجاربه، وكثرة أسفاره، وصبره على المشقات وحيدًا أمام أشكال الاغتراب.

وينهي ابن خفاجه مقدمة القصيدة بصورة فنية يستعرض فيها خبرته في تطويع الصعاب التي لحقت به، لتحقيق آماله ومبتغاه، إلا إنه يشعر أن هذه الخبرة لن تنفعه أمام ضرورة الموت(عيسى، 2011).

أمّا اللوحات الشعرية في القصيدة فقد تشكلت في ثلاث لوحات هي: «البحث عن الحقيقة وما يمكن تسميته بالكشف عن كنه الحياة، أو سر الوجود. وهذه اللوحة تمثل صورة الشاعر، أو الوجه الخارجي للشاعر حيث القلق والمعاناة والتيه واستشراف كنه هذه الحياة. وأمّا اللوحة الثانية فهي لوحة وصف الجبل وتتمثل في البيت العاشر حتى البيت الثالث والعشرين، وتجسد هذه اللوحة الصورة الداخلية للشاعر، وذلك من خلال الظلال التي تتركها صورة الجبل في النفس، فالجبل يمثل إسقاطًا لأحاسيس الشاعر ومعاناته، وتمثل المرحلة الثالثة مرحلة إدراك كنه هذه الحياة وسبر غورها. فالشاعر في هذه اللوحة يقف على سر الوجود المحير بالنسبة إلى الإنسان، حيث يدرك حقيقة هذه الحركة والتغير والثبات في هذه الحياة، وذلك من خلال صورة الإنسان، وصورة الجبل والطبيعة»(درابسة، 2001).

فالجبل هو المعادل الموضوعي الذي تأنسن وفاض بالأحاسيس التي شخصت الشاعر تشخيصًا جميلًا وعكست حالة الحزن التي خيمت على نفس الشاعر فأغنته لوعة، وهي» لوحة تشكيلية ذات نظام ترميزي وإشاري جليّ، تلعب فيه الدلالات دورًا رئيسيًا في الإنابة عن مقاصد ابن خفاجه وموقفه من الوجود»(عيسى، 2011).

المستوى التركيبي

اللغة

تعد اللغة وسيلة هامة يعتمد عليها الأديب في التعبير عن انفعالاته وأحاسيسه داخل نصه الأدبي سواء أكان نثرًا أو شعرًا، وهي أداة وعنصر أساس في تشكيل نصه، وبما «أن اللغة مخزن عظيم لقيم الحضارة والفكر والوجدان»(مبارك، 1974) فقد استطاع ابن خفاجة أن ينتقي لنصه أجمل وأعذب الألفاظ والمعاني المختارة، ليعكس صورته وتجربته الشعرية.

فجاء أسلوب التنكير مناسبٌ للتعبير عن حالة الشاعر في انعزاله ووحدته وإحساسه بالغربة، وينطبق ذلك على الجبل حيث بقي وحيدًا في الصحراء(المالكي، 2019)، والكلمات الدالة على ذلك قوله:( أرعن، طماح، باذخ) ( فالأرعن): أي أنف الجبل المتقدّم،( طمَّاح): مرتفع،( باذخ): عال أو مرتفع(الرازي، 1999،حرف(أ،ط،ب))، وكل هذه الصفات وردت بلفظ التنكير وهي قريبة من صفات الإنسان، ويشير التنكير هنا إلى الغربة والوحدة والقوة والكبرياء.

وجاءت الإضافة ظاهرة في بعض التراكيب فيها معنى النسبة بين الجبل والشاعر، من مثل قوله: (طمّاح الذؤابة، سود عمائم، حمر ذوائب) وهذه الإضافات جميعها مما يخص الإنسان(المالكي، 2019)، مما يشير إلى علاقة بين المضاف والمضاف إليه من حيث نسبة الجبل إلى الإنسان، فيشتركا في الصفات والوحدة والإحساس.

وقد جاء استخدام الأفعال ليدُلَّ على «الحركة والحدوث والتجدُّد، فنسبتها إلى الجبل الثابت، وهي من خصائص الإنسان المتحرِّك المتغيِّر، إدخال للجبل في عالم الإنسان، وهو إدخال للثابت المقيم في المتحرك المتغير»(المالكي، 2019).

والكلمات الدالة على ذلك قوله:( يطاول أعنان السماء، يسد مهب الريح، يزحم ليلا)، وقد جاءت بصيغة الفعل المضارع للدلالة على الحدوث والاستمرارية، فاستحضر الشاعر الصورة في الذهن في صورة المشاهد الحاضر، وإن ورود مثل هذه الأفعال وهي شائعة في القصيدة على لسان الجبل ومن مثل (أرعى الكواكب) وهي حالة حاضرة دال من دوال المعادل الموضوعي، فالمقصود بالجبل هو عينه الشاعر.

أمّا الأفعال الماضية فاستخدمها الشاعر للدلالة على الاستقرار تارة وللدلالة على تنقل الإنسان وارتحاله من مكان لآخر، ونجدها تشير إلى الاستقرار في قوله: (فحدثني ليل السرى بالعجائب)،(وقال ألا كم كنت ملجأ فاتك)، ونجدها تشير إلى التنقل والإرتحال في قوله:( فمالحت في أولى المشارق كوكباً)،(فأشرقت حتى)، (جئت أخرى المغارب)، وهذا يعني أن الأصل في حياة الإنسان هو التبديل والتغيير والتجديد.

ومن الظواهر اللغوية الإنشائية استعماله لبعض أدوات النداء من مثل أداة النداء(يا) في نداء الذات الإلهيَّة كما في قوله: (فُرحماك يا مولاي). فقد «جاء استخدام الأداة (يا) للبعيد، وذلك راجعٌ لعلوّ منزلة المخاطب، فأنزله منزلة البعيد، على الرغم من قرب الله عز وجل من عباده، ونلمح في هذا الاستخدام دلالة التعظيم في ابتهاله إلى الله، وما كان هذا المعنى ليتحقق لولا استخدامه لأداة النداء (يا)، ولا سيمّا أن النداء موجّهٌ إلى الذّات الإلهية في لحظة من الوجد الطارىء، حين شعر ابن خفاجة أن العالم من حوله قد أصبح خاويًا، فحققت هذه الأداة هذا الوصل الرّوحي بين الموجود والموجدِ عزّ وجلّ بعد قطيعة، بسبب المعاصي التي دامت زمنًا طويلًا»(اختيار، 2016).

نستنتج من ذلك أن أسلوب التنكير، والإضافة والأفعال (الماضية والمضارعة)، والنداء شكلت بناء النص الشعري ومفاتيح دلالاته عند ابن خفاجة، واستخدمها كروابط بينه وبين الجبل، ليكون الجبل معادلًا موضوعيًا لشخصه ونفسه.

الصورة الشعرية

تعد الصورة في العمل الفني أداة يستخدمها الأديب، أو الكاتب للتعبير عن عواطفه وأحاسيسه وانفعالاته» فإذا كانت صورة الأشياء قد ارتسمت في الخيال على حسب ما وقعت عليه في الوجود كانت للنفس قوة على معرفة ما تماثل وما تناسب وما يخالف وما يضاد، وبالجملة ما انتسب منها إلى الآخر نسبة ذاتية أو عرضية ثابتة، أو متنقلة أمكنها أن تركب من أنساب بعضها بعض التركيبات»(القرطاجني، 1986).

فالصورة الشعرية إذًا «تشكيل لغوي يكونها خيال الفنان من معطيات متعددة، يقف العالم المحسوس في مقدمتها، لأن أغلب الصور مستمدة من الحواس على جانب ما لا يمكن اغفاله من الصور النفسية والعقلية»(البطل، 1981)، فهي المكان الذي يجد فيه الشاعر متنفسه ليسترسل من خلاله مشاعره وأحاسيسه، كذلك يجد المتلقي فيه تلك الاستثارة التي تركها الأديب، ليحرك خياله ويدرك ما تحمله من دلالات في نصه الأدبي.

جاءت صورة الجبل على مستويين في نص ابن خفاجة الشعري هي:

الصورة التشبيهية

يعد التشبيه من الفنون التصويرية التي لها أثر عظيم في بناء الصورة الفنية المؤثرة في العواطف الإنسانية، لأنه يضفي على الأسلوب البهاء والجلال، ويخلع عليه المتعة والحركة، وليحدث نوع من العطاء المتبادل لا بد من اختيار مشبه بعينه دون غيره وربطه بمشبه به بعينه، وهنا تحصل البراعه في التشبيه وليس في اختيار مشبه به لمشبه ما(زمان، 2017).

جاء التشبيه مؤثرًا بقوة في نفسية المتلقي، وهذا ما نجده من خلال البيت الشعري، بقوله:

«وقَورٍ على ظهرِ الفَلاةِ كأَنّهُ     

      طِوالَ اللَيالي مطرق في العَواقبِ»

(خفاجة،1994).

فقد شبه الشاعر الجبل الحليم الذي يجلس في الصحراء الممتدة، بحال الرجل الذي امتد به الليل وهو في حالة تأمل وتفكر في ما ساءت إليه الأمور. ويلاحظ أن التشبيه هنا حصل بين محسوس بمحسوس (الشاعر والجبل)، فنجد ابن خفاجه هنا استخدم أداة التشبية (كأن)، لتوكيد المعنى وإقراره في ذهن المتلقي، أو للدلالة على صدق المشاعر والأحاسيس والعواطف.

الصورة الاستعارية

تعد الاستعارة فن من فنون البيان وهي «إدعاء المعنى الحقيقي في الشيء للمبالغة في الشيء، عن طريق تعليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة»(ابن معطي، 2014)، وقد اسهمت الاستعارة في زيادة جماليات الصورة عند ابن خفاجة بخروجها عن المعنى الحقيقي، لإفادة أغراض تحيي معالم الصورة من خلال تجسيدها، وتشخيصها، أو المبالغة فيها.

ومن الشواهد التي استعان بها الشاعر في توظيف استعاراته المكنية في وصف الجبل، قوله:

« فَما خَفقُ أَيكي غَيْرَ رَجفةِ أضْلُعِ   

  وَلا نَوحُ وُرقي غير صرخَةِ نادِبِ»

 (خفاجة، 1994)

فالشاعر قدّم لنا هنا صورة الحزن النفسي الذي يشعر به في نفسه عندما تهل عليه المصائب، وصور الجبل بالرجل الباكي، وما الحركات والأصوات التي ذكرها إلا تعبيرًا عن هذا الحزن الذي يدور في خلجات نفسه.

كذلك ساعدت الاستعارة المكنية على تحويل المعنويات إلى محسوسات من خلال التشخيص والتجسيد، ونجد ذلك في قوله:

وَحيدًا تهاداني الفَيافي فأجتلي   

    وجوهَ المَنَايا في قِناعِ الغَياهِبِ

(خفاجة، 199)

فالاستعارة «قادرة على تصوير الأحاسيس الغائرة وانتشالها وتجسيدها تجسيدًا يكشف عن ماهيتها وكنهها بشكل يجعلنا ننفعل انفعالًا عميقًا بما تنضوي عليه»(قاسم، 1980).

كذلك وظّف الشاعر ابن خفاجة أسلوب الاستعارة التصريحية في قصيدة الجبل، يقول:

وقور على ظهر الفلاة كأنّهُ     

   طِوالَ اللّيالي مُفكرٌ في العَواقبِ

 (خفاجة، 1994)

فقد شبه الشاعر الجبل بالإنسان، فحذف المشبه وأبقى على المشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية، والقصيدة غنية بالاستعارات التصريحية المؤثرة المليئة بالانفعالات التي حملها الشاعر في ثنايا مشاعره وأحاسيسه، فقد أدت الاستعارة الغرض الذي أراد الشاعر أن يوصله للمتلقي من حكم ومواعظ، وصورت الجبل بأوصاف الأحياء.

إن توظيف الشاعر للصورة الفنية كالتشبيه والاستعارة والكناية في قصيدة الجبل، أعطاها رونقًا خاصًا من الروعة والجمال وقوة تأثير في بعث انفعالاته في نفس المتلقي.» فللمتلقي دور مهم يبرز عندما يتسلط الأسلوب كقوة ضاغطة عليه، تبرز عندها بعض العناصر في الكلام وتنبه المتلقي عليها لاستكشاف دلالتها التي تتميز بها وأثرها عليه؛ لأن الأسلوبية تهتم بملاحظة ردود الأفعال التي تتولد عند المتلقي حينما يستمع إلى النص»(حمادة، 2012) .

المستوى الدلالي

دلالة الألوان

إن «للألوان قيم شعرية تتجاوز حدود اللون ذاته، أو الإحالة عليه إلى مستويات عاطفية وإيحائية»(الهمص، 200)، حيث يوظفها الشاعر في سياق دلالي غير المعنى الحقيقي للون، وتعد الألوان من العناصر الدلالية المهمة، فكل لون يشير إلى رمزية معينة وإيحاء حسب السياق الذي يوضع فيه اللون(حمادة، 2012).

وقد ذكر ابن خفاجة في قصيدة الجبل أربعة ألوان في ثلاثة أبيات متفرقة هي: اللون (الأسود، والأبيض، والأحمر، والأخضر)، والأبيات الدالة على ذلك، قوله:

سحبَتُ الدّيــاجي فيهِ سُودَ ذوائبِ   

         لأعتَنـــِق الآمـــال بيـــضَ ترائـــبِ

يَلُـوثُ علَيه الغَيــمُ سُودَ عَمــــائـمِ    

             لها من وميض البرقِ حمرُ ذوائـبِ

ولاطَــمَ من نُكـبِ الرّيـاحِ معاطفـي           

    وزاحَمَ من خُضرِ البحِارِ غواربـي

 (خفاجة، 1994)

فالمواضع التي ذكر الشاعر بها الألوان في هذه الأبيات هي: «(سود ذوائب)، (بيض ترائب)، (سود عمائِمِ)، (حمرُ ذوائبِ)، (خضر البحارِ)، ونجد الشاعر قد استخدم اللون الأسود مرتين، ففي المرة الأولى في قوله:( سود ذوائب) أراد أن يدل على الشقاء والتعب الذي يكابده الشاعر في الليل.

أمّا في المرة الثانية فقد استخدم الشاعر اللون الأسود في قوله: (سود عمائِم) للدلالة على الوقار والعظمة.

وقد قابل الشاعر اللون الأسود باللون الأبيض في بيت واحد بين الشطر الأول والشطر الثاني بقوله: سود ذوائب = بيض ترائب، وما اللون الأبيض إلا دلالة على الصفاء والطهارة والهدوء، بعد أن هدأت العاصفة في الليلة السوداء التي كانت محملة بالمصائب نتيجة التفكير، والتأمل الطويل في مصيره وملاقات حتفه في مواجهة الموت.

أمّا اللون الأحمر الوارد ذكره في قوله: (حمر ذوائب) فما هو إلا دلالة على الشدة والقوة والبأس، وهنا في هذه القصيدة دلالة على شدة التماع الفكر والحكمة، وشدة ما يدور في رأس الشاعر من أفكار وخبرات ورأي سديد، والتي أصبغها وطبعها على الجبل باستخدام الألوان.

وما العمائم السوداء سوى تلك الأسئلة المكتظة المتزاحمة في فكر الشاعر، والتي سبغها على الجبل، فالجبل هو نفسه الشاعر.

واستخدام الشاعر اللون الأخضر وهو مبعث للهدوء والراحة والطمأنينة، بقوله: (خضر البحار) دلالة على الخصب والنماء والازدهار والصفاء والجمال، فهو رمز للحياة والتجدد، والخير والتفاؤل، وهذا دليل ولحظة تنويرية على أن الشاعر استطاع أن يتخلص من وضعه المتأزم في تلك الليلة الظلماء، بأن حمّل تلك الهموم والمصائب على شخص جعله معادل موضوعي له، ألا وهو الجبل، فالألوان ساعدت على تمكين الشاعر من استخدام المعاني بغير استخداماتها الحقيقية، أي بالانزياح من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي الذي قصده الشاعر.

دلالة المكان

تحتل دلالة المكان موقعًا بارزًا في أبيات ابن خفاجة في وصف الجبل، حيثُ لا يذكر المكان لذاته وإنما يذكره لما ارتبط به من مشاعر وأحاسيس تمثلت على مراحل زمانية وعلاقاته مع الآخرين، وتجاربه في تلك المراحل، وإن التحسر عليها وبكاؤها ما هو إلا معادل موضوعي خلع عليها الشاعر صفة من صفات البشر على تلك الأماكن.

فالمكان هو» الحيز الذي يحتضن عمليات التفاعل بين الأنا والعالم. من خلاله نتكلم وعبره نرى العالم ونحكم على الآخر»(حسين، 2001).

وقد كان المكان بمفرداته المتنوعة من الإبداعات الفنية في قصيدة الجبل لابن خفاجة، حيث ارتبطت الأماكن مرة بالجبل، وبالشاعر نفسه مرة أخرى، فمن مواضع الأماكن المرتبطة بالشاعر قوله:( ظهور النجائب، قتود الركائب) وهي أماكن ألفها الشاعر لما لها علاقة بسفره وترحاله، حيث إنها تتفق مع عنوان قصيدة الجبل (مقيم وذاهب)، وهناك أماكن لم ترتبط بالشاعر هي من مظاهر الطبيعة من مثل: (المشارق، المغارب، النجم، الكواكب، الفيافي) فهي تتميز بصفة البقاء والاستمرارية والدوام، وجميعها تُشعر بالإحساس بالرحيل والسفر.

أمّا مواضع الأماكن المرتبطة بالجبل فنذكر منها، قوله:( أعنان السماء، مهب الرياح، موطن أواه، ملجأ فاتك) والشاعر حين يذكر هذه الأماكن يستذكر أصحابه الذين فقدهم، ويحاول اسقاط حاله على حال الجبل الذي فقد هو أيضًا زواره، ووراده من الذين مروا به وارتحلوا عنه.

وفي القديم كان الجبل يعد مكان لجوء الأشخاص الهاربين من قبائلهم، أو المطرودين من ديارهم الأصلية، وفي العادة كانوا يطلقون عليه (بالأرعن): وهو الشخص الأهوج في منطقه، والأحمق، وطاش في أقواله، أو أفعاله(ابن منظور، 1993)وقد وصف الشاعر في قصيدته الجبل بالأرعن وهذه أصلًا صفة للجبل تعني أنف الجبل الشاخص البارز. إذًا فالجبل مكان لجوء.

وبالتالي من المفترض أن يعده ابن خفاجة مكانًا معاديًا مخيفًا، إلا إنه تحول في نظره إلى صديق قد ألفه بسبب الظروف النفسية من إحساس بالفقد والفراق التي مرّ بها الشاعر في حياته(زمان، 2017)، وقد «تُحوِّل نظرة الأديب، أو حالته النفسية المكان الأليف معاديًا والعكس صحيح»(الجهني، 1999)، والشاعر اختار الجبل مكانًا للتأمل والتفكر والتدبر بقربه، بعد أن أضفى عليه صفات الحكمة والوقار.

فالمكان يبرز باعتباره ممارسة ونشاطًا إنسانيين مرتبطين بالفعل البشري، فهو لا يبرز معزولًا مفردًا، وإن كل من الممارسة والنشاط يحملان مواقف ومشاعر وانفعالات الكائن الإنساني(الجهني، 1999)، وبهذا اختار الشاعر الجبل مكانًا ليبوح بمعانيه وأحاسيسه، وأضفى على الجبل بعض من هذه المشاعر فانطقه كإنسان يتكلم بلسانه كمعادل موضوعي له.

المستوى الموسيقي

إن الشعر لا يعد شعرًا إلا بمقدمات مخيلة، ووزن ذي إيقاع مناسب، فالوزن مع الخيال مكونان للشعر، والإيقاع المناسب ينتج عنه سرعة تأثير في النفس، ويجذب ميل النفوس إلى المتزنات والمنتظمات من التراكيب(خضر، 2004)، ويتألف الإيقاع الموسيقي عند ابن خفاجة في قصيدة الجبل من الإيقاع الخارجي المتمثل في القافية، والإيقاع الداخل المتمثل في التكرار بين أجزاء مقاطع القصيدة.

الإيقاع الداخلي

إن الإيقاع الموسيقي الداخلي «عبارة عن نسيج نغمي ينساب خلال البنية الإيقاعية للقصيدة، ويمكن تحديد الجوانب الخاصة بالموسيقى الداخلية في نغمات الحروف التي تعمق الإحساس بدلالة الكلمات، وتمنح المتلقي شعورًا عامًا بما تشتمل عليه موسيقى القصيدة من بهجة أو أحزان»(خضر، 2004).

وتبرز الموسيقى الداخلية في قصيدة الجبل لابن خفاجة من خلال التكرار، و» للتكرار مواضع يحسن فيها ومواضع يقبُح فيها، فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني، وهو في المعاني دون الألفاظ أقل، فإذا تكرر اللفظ والمعنى جميعًا فذلك الخذلان بعينه؛ ولا يجب للشاعر أن يكرِّر اسمًا إلا على جهة التشوِّق والاستعذاب»(القيرواني، 1981) لذا وجب أن لا يبالغ في التكرار إلا لغرض، أو لحجة.

وقد كرر ابن خفاجه في قصيدته بعض الألفاظ والحروف لدلالات معينة قصدها الشاعر، ناتجة عن أحاسيسه وانفعالاته، ومن أمثلة ذلك تكرار لفظة (الليل) في مواضع وصور مختلفة في القصيدة، يقول:

« وليــل وَلَيــلٍ إِذا ماقُلــتُ قَد بــادَ فَاِنقَضى    

        تَكَشَّـفَ عَن وَعـدٍ مِنَ الظَــنِّ كــاذِبِ

فَمَـزَّقتُ جَيــبَ اللَيـلِ عَن شَخــصِ  

                 أَطلَسٍ تَطَلَّعَ وَضّاحَ المَضاحِكِ قاطِبِ

يَسُــدُّ مَهَــبَّالريـحِ عَن كُلِّ وُجهَةٍ       

             وَيَزحَـــمُ لَيـــلاً شُهبَــهُ بِالمَناكِـــــــبِ

وَقــورٍ عَلى ظَهرِ الفــَـلاةِ كَأَنـــّهُ             

           طِوالَ اللَيالي مُفَكِّرٌ في العَواقِـــبِ

أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِتٌ         

          فَحَدَّثَنيلَيلُ السُــرى بِالعَجائِــــبِ

وَحَتّى مَتى أَرعى الكَواكِبَ ساهِراً         

         فَمِن طالِعٍ أُخرى اللَيالي وَغارِبِ»

(خفاجة، 1994)

فقد خرجت الدلالة عن المعنى الحقيقي لليل، إذا استعار الشاعر سواد الدياجي ليجعله جدائل سود لامرأة وضع فيها آماله البيضاء، وخرجت لفظة (الليالي) على معنى الأيام وإلى الحياة المريرة والأحلام الداكنة، ولو أضفنا الألفاظ: (الدياجي، مدلج، سود العمائم، المغارب، الغياهب) إلى كلمة الليل بمختلف تشكيلها في الأبيات السابقة لو جدنا أن التكرار يفيد في تعميق دلالة السواد المسيطر على نفس الشاعر، فنفسه ملتهبة بالانفعالات، ومتلبسة بالأفكار الحائرة، والأحاسيس الكئيبة المتشائمة(عيسى، 2011).

ومثل ذلك تكرار الشاعر للفظة (الصاحب) في أبيات القصيدة في مواضع مختلفة، يقول:

وَما غَيَّــضَ السُلــوانَ دَمعـــــي         

          وَإِنَّما نَزَفتُ دُموعي في فِراقِ الصَواحِبِ

فَحَتّى مَتى أَبقى وَيَظعَنُ صاحِبٌ       

       أُوَدِّعُ مِنـهُ راحِـــلاً غَيــرَ آيِــــــبِ

فَسَلّى بِما أَبكى وَسَرّى بِما شَجا         

     وَكانَ عَلى عَهدِ السُرى خَيرَ صاحِبِ

(خفاجة، 1994)

فالشاعر طال عمره وزاد شوقه لهؤلاء الأصحاب الذين فارقوه ورحلوا عنه، حاله كحال الجبل ذو الصفات العظيمة الذين انقطعوا عنه رواده، وكأن الجبل يوازي الشاعر في نفس المحنة.

كذلك نلمح تكرار حرف (لا) النافية للجنس، بقوله: (لاجار، لادار، لا أنس)، حيث استخدمها للدلالة على الوحدة المتأزمة التي عاناها الشاعر في حياته(زمان، 2017).

فاتخذ الشاعر من التكرار سبيلًا للدلالة على المعنى بأغراضه المختلفة التي خرج إليها، سواء لتأكيد الكآبة، أو الوحدة التي يواجهها.

الإيقاع الخارجي

يتمثل الإيقاع الخارجي من الوزن والقافية، ويعدان من أهم العوامل في صناعة الموسيقى الخارجية، فالوزن يعمل على صنع المقاطع الصوتية المتناسقة في الأبيات، أمّا القافية فتعمل على إيجاد الانتظام الخارجي لآخر الأبيات، فيكون هذا النظام عاملًا مهمًا من عوامل التأثير الجمالي في النص من خلال توليد الموسيقى التي يشعر بها المتلقي(زمان، 2017).

جاء وزن موسيقى قصيدة ابن خفاجة على البحر الطويل» ولما كان البحر الطويل رحيب الصدر طويل النفس فإن العرب قد وجدت فيه مجالًا أوسع للتفصيل (في داخل نطاق التلميح والإشارة)»(الطيب، 1991)، وقد وجد ابن خفاجة مراده في ذلك بعد أن نضجت تجربته في ذهنه وبثها فيه، فجاءت الموسيقى ذات طاقة شعورية تبين انفعالاته المختلفة بكل هدوء لا ضجيج فيها.

أمَّا القافية فقد اختار الشاعر قافية (الباء) المكسورة لقصيدته الجبل، وهي مكونه من أربعة حروف ثانيها ألف التأسيس، ونتيجة لتكرار هذه الألف أسهم في ظهور صوت المد عند قراءة النص، وأصوات اللين تحتل قمم الموجات الصوتية المتذبذبة، وتتميز بأنها أكثر وضوحًا في السمع من الأصوات الساكنة، لذا شكَّلت إيقاعًا داخليًا متميزًا، وقد ساهمت ألف المد في إظهار حالة التنبيه والتذكير التي قصدها الشاعر، وما هذه المدود الكثيرة المتنوعة المصاحبة إلى نهايات النص إلا إفضاءات بآلام الشاعر داخل إفضائه الظاهر بشكواه، إنها أنفاسه داخل كلماته، تمنح الأبيات حياة وصدقًا، فهي موسيقى شجوه تخللت موسيقى العروض(زمان، 2017).

وبذلك تكون القافية بحرف رويها المكسور قد ساهمت في تلاحق الدفقات التأملية بين البيت وما بعده في القصيدة، واختيار الشاعر لقافيته كان نابعًا من حاجة نفسية وضرورة معنوية، فقام باستدعائها دون تكلف لما لها من أثر نفسي، فحالته النفسية كانت سيئة وحزينة جراء البعد، والوحدة، وفراق الأحباب، وقد استعمل القافية المكسورة للدلالة على ذلك الحزن القابع في نفسه، فكانت قوافيه تدل على نفسه.

فهذه أهم العناصر التي تشكل منها التحليل الفني الأسلوبي في قصيدة الجبل لابن خفاجة، حيث تم الكشف عن ملامحها الفنية والجمالية، وما تضفيه من قيمة انفعالية تثير الحركة والحيوية في هذه القصيدة، وهذه العناصر ساعدت المتلقي على نقل ذهنه من المعاني المجردة إلى الأحاسيس المفعمة بالحياة، ليدرك بفكره كيف تشكل البناء الهندسي للقصيدة، إذ إننا» لا ندرك تركيبهُ إلا من خلال التجوال في أنحائه الممتدة واستيعاب تشكيله الكلي، وهي أيضًا تكتسب قيمتها من تمازجها الرهيف في بنية الأداء جميعه، وذلك بحسبانها ذات فعالية في الأداء الفني حيث تنفث روحها في الكيان الشعري»(حمادة، 2012). 

خاتمة

نَخلصُ في الختام إلى أن المعادل الموضوعي واحدًا من مصطلحات الحداثة النقدية في تاريخ النقد الأدبي ، لما له من أهمية على مستوى التوظيف الإبداعي في العمل الأدبي، من خلال إثارة الإنفعال مباشرة في المتلقي، وقد استطاع الشاعر ابن خفاجة الأندلسي إيجاد المعادل الموضوعي في قصيدة الجبل، وتجسيد رؤيته في الخلاص من الموت المحتوم الذي يؤرقه، فامتزجت ذات الشاعر بموضوع القصيدة في بنية منقطعة عن واقعها، وهي بنية قابلة للتأمل والتفحص والإستنطاق، قادرة على توليد طبقات جديدة للمعنى، فالشاعر كان يحاول الانفصال عن ذاته، ووقف جنبًا إلى جنب مع المتلقي للمشاهدة والتأمل، بغية التحرر من أسرار الذات.

ومن النتائج التي خَلَصَ لها البحث أن المعادل الموضوعي لم يحظَ بتعريف متفق عليه، وذلك لكثرة آراء النقاد فيه، وقلة الدراسات في سبر أغواره، واضطرابه، بسبب كثرة المناهج والصطلحات لدى جمهور القراء والباحثين في الساحة النقدية العربية، وتعدد المسميات التي اقترنت به، نتيجة الترجمة، إلا إنه لقي اهتمامًا كبيرًا من النقاد والباحثين العرب.

وقد خلَصَ البحث أيضًا في نتائجه إلى أن الشاعر في قصيدة الجبل نجح في توظيف صورها الفنية (كالتشبيه، والاستعارة، والكناية)، التي أضفى عليها رونقًا خاصًا من الجمال والروعة، وفي توظيف تراكيبها من (التنكير، والإضافة، والأفعال الماضية والمضارعة، والنداء)، التي ساعدته بانتقاء أجمل وأعذب الألفاظ والمعاني المختارة، وتمكّن الشاعر في القصيدة من توظيف دلالاتها( كدلالة الألوان، والمكان)، التي مكنته من استخدام المعاني بغير استخداماتها الحقيقية، أي بالانزياح من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي الذي قصده الشاعر، كما نجح بتوظيف موسيقى القصيدة ذات الطاقة الشعورية، التي بينت انفعالاته المختلفة في القصيدة بكل هدوء، لا ضجيج فيها، وقد وظَّفَ كل ذلك في بناء المعمار الفني في نصه الشعري، الذي تلاحم مع التشكيل النفسي الدلالي لشخصه، فاستنطق الجبل ليبوح بمعانيه وأحاسيسه، وليعكس صورته وتجربته الشعرية، كمعادل موضوعي له، مما ساعد المتلقي على نقل ذهنه من المعاني المجردة إلى الأحاسيس المفعمة بالحياة، ليدرك بفكره كيف تشكل البناء الفني للقصيدة.

وأخيرًا خَلصَ البحث إلى أن الشاعر استخدم أسلوب التشخيص في أنسنة الجمادات الطبيعية في قصيدته، فسما عن التصوير المباشر الظاهري للطبيعة، وارتقى إلى آفاق تعبيرية فنية مميزة، معبرًا عن طبيعة الحياة الإنسانية ومفارقتها إزاء الفناء والموت، فبدى كأنه قرأ نفوس الجمادات من حوله، وما فيها من أحاسيس ومشاعر ذات علاقة بعواطف الإنسان وانفعالاته، وراح يسقط مواجعه على ملامح الجبل الذي أحسّه عميقًا في ذاته كمعادل موضوعي، ويمزج حالته النفسية بمظاهر الطبيعة، ويشخصها إيحائيًا بإنسان ذا قيم جمالية وفنية، وتخيل الحياة في ما لا حياة فيه، ووصل الموصوفات بذاته الشاعره، مما أسهم في بناء نصه بناءًا قويًا، وأكسب القصيدة أهمية وتفردًا. 

توصيات

يوصي البحث بالمزيد من الكشف على مصطلح المعادل الموضوعي، وسبر أغواره في الدراسات الأسلوبية التطبيقية في النصوص الشعرية، للبحث عن الدلالات العميقة، والتأويلية التي يرمي إليها النص الشعري

ابن معطي، يحيى. (2014). البديع في علم البديع. تحقيق ودراسة: محمد مصطفى أبو شوارب. الكويت.

أبو مراد، فتحي. (2007).  «المعادل الموضوعي: بين النظرية والتطبيق قصيدة الأرض لمحمود درويش نموذجا». مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية: (33). الإمارات.

اختيار، أسامة. (2016). «جماليّات أسلوب الإنشاء في شعر ابن خفاجة الأندلسيّ». مجلة: Siirt Universitesi Ilahiyat Fakultesi Dergisi: 3(1). تركيا.

البطل، علي. (1981). الصورة في الشعر العربي. ط(2). دار الأندلس للطباعة والتوزيع. بيروت.

بن خفاجة، إبراهيم. (1994). ديوان ابن خفاجة. شرح وضبط وتقديم: عمر فاروق الطباع. دار القلم. بيروت.

بن منظور، محمد. (1993). لسان العرب، مادة رَعَنَ. ج(13). ط(3). دار صادر. بيروت.

الجهني، سليمان. (1999). «صورة المدينة المنورة في شعر السعودي الحديث من عام 1320هـ إلى عام 1420هـ، (دراسة في شاعرية المكان)». كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى. مكة المكرمة. رسالة ماجستير. رسالة منشورة.

حسين، خالد. (2001).  شعرية المكان في الرواية الجديدة- الخطاب الروائي لإدوار الخراط نموذجاً. مؤسسة اليمامة الصحفية.  كتاب الرياض 83. الرياض.

حمادة، محمد. (2012).» الخطاب الشعري عند ابن حمد يس الصقلي- دراسة أسلوبية». (رسالة ماجستير منشورة). قسم اللغة العربية.كلية الآداب. الجامعة الإسلامية. غزة.

خضر، فوزي. (2004). عناصر الإبداع الفني في شعر ابن زيدون. مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. الكويت.

الخطيب، حسام. (1973). أبحاث نقدية ومقارنة. دار الفكر. دمشق.

الخطيب، حسام. (1975). تطور الأدب الأوروبي ونشأة مذاهبه واتجاهاته النقدية. مطبعة طربين. دمشق.

درابسة، محمود. (2001). «ثنائية الحياة والموت في قصيدة وصف الجبل لابن خفاجة». مجلة دراسات الأندلسية. جويلية: (26). تونس.

دواس، أحسن. (2016). «المعادل الموضوعي في النقد الأنجلو أمريكي الجديد: دراسة في المصطلح والمفهوم والمرجعيات». مجلة الأثر: العدد 26. جامعة قاصدي مرباح-ورقلة.

الرازي، زين الدين. (1999). مختار الصحاح. ط(5). الدار النموذجية. بيروت.

رشدي، رشاد. (1962). مقالات في النقد الأدبي. دار الجيل. القاهرة.

زمان، أنور. (2017). «قصيدة الجبل لابن خفاجة (دراسة أسلوبية)». مجلة جامعة طيبة للآداب والعلوم الإنسانية: 3(1) السنة السابعة. السعودية.

الشيخ، حمدي. (2021).» المعادل الموضوعي في شعرنا العربي بين الإبداع والتقليد». المجلة العلمية لكلية التربية: 1(26). جامعة المنوفية.

الطيب، عبد الرضا. (1991). المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، دار جامعة الخرطوم للنشر. ط(4). الخرطوم.

عبد الرحمن، محمد. (2020). المعادل الموضوعي في شعر الدكتور / زهران جبر دراسة نقدية تحليلية. المجلة العلمية لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة: 39(2). جامعة الأزهر. مصر.

عبد الناشي، رفعت. (2018). «المعادل الموضوعي عند الشعراء المحدثين (ديوان أسير الموج للشاعر نايف عبد الله الهريس اختياراً)»، مجلة آداب الكوفة: 2(37). العراق.

عبد الناشي، رفعت؛ محمد، علي. (2017)»المعادل الموضوعي في الشعر الحديث قراءة تطبيقية في الشعر الحر، والتشكيل الكتابي»، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة: (44). جامعة بابل كلية التربية للعلوم الإنسانية. العراق.

علي، عبد الرضا. (2017). «رؤى نقدية في الشعر وما حوله». مجلة الجامعة الإسلامية. (44).

عيد، يوسف. (2006). دفاتر أندلسية في الشعر والنثر والحضارة والأعلام. المؤسسة الحديثة للكتاب. بيروت.

عيسى، راشد؛ الشمالي، نضال. (2011)»خطاب الموت في شعر ابن خفاجة الأندلسي- قصيدة الجبل أنموذجاً»، مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية): (8)25.

غزوان، عناد. (1984). «المعادل الموضوعي مصطلحاُ نقدياً». مجلة الأقلام: (9). وزارة الثقافة والإعلام. دار الحرية للطباعة. بغداد.

قاسم، عدنان. (1980). التصوير الشعري- التجربة الشعورية وأدوات رسم الصورة الشعرية. المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع والإعلان. ليبيا.

القرطاجي، حازم. (1986). منهاج البلغاء وسراج الأدباء. ط (3). دار الغرب الإسلامي. بيروت.

القيرواني، علي. (1981). العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده.ج(2). ط(5). دار الجيل.

ماتيسن، ف.أ. (1995). توماس إليوت الشاعر الناقد. ترجمة إحسان عباس. مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. بيروت.

المالكي، بدرية. (2019). الأدب العربي في الأندلس. جامعة أم القرى.

مبارك، محمد. (1974). مواقف في اللغة والأدب والفكر. دار الفارابي. لبنان.

هايمن، ستانلي. (1958). النقد الأدبي ومدارسه الحديثة. ترجمة إحسان عباس ومحمد يوسف نجم. دار الثقافة. بيروت.

الهمص، سامي. (2007). «شعر بشر بن أبي خازم- دراسة أسلوبية». كلية الآداب/ اللغة العربية، جامعة الأزهر. غزة. رسالة ماجستير. رسالة غير منشورة.

واستن، رينيه؛ ويليك، وارين. نظرية الأدب. ترجمة: محي الدين صبحي. (1981). ط (2). المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت

@pour_citer_ce_document

مجدي الخطيب, «المعادل الموضوعي في قصيدة وصف الجبل لابن خفاجة الأندلسي دراسة أسلوبية (التركيبي، والدلالي، والموسيقي)»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 60-75,
Date Publication Sur Papier : 2024-01-24,
Date Pulication Electronique : 2024-01-24,
mis a jour le : 24/01/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9592.