أسلوب الحذف في كتاب البرهان للإمام الزركشيEllipsis in Imam Al-Zarkashi’s book” Demonstration in the Sciences of the Qu’ran”Méthode de suppression dans le livre « la preuve dans les sciences du Coran» De l’imam Ezarkachi
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 20-2023

أسلوب الحذف في كتاب البرهان للإمام الزركشي
Méthode de suppression dans le livre « la preuve dans les sciences du Coran» De l’imam Ezarkachi
Ellipsis in Imam Al-Zarkashi’s book” Demonstration in the Sciences of the Qu’ran”
ص ص 182-194
تاريخ الاستلام 2022-07-16 تاريخ القبول 26-09-2023

عيسى بهلول / فاطمة جخدم
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

من أساليب اللغة المتأصلة والمتجذرة الحذف،  خصه الإمام الزركشي رحمه الله في كتابه البرهان في علوم القرآن بالتفاتة واسعة تعريفا،  وذكرا لفوائده،  وأسبابه وشروطه وأدلته بالإضافة إلى أقسامه،  ليترجم كل في هذا الأسلوب على مختلف التراكيب الاسمية والفعلية وحتى على الحروف، وهو بذلك غير متفرد في إشارته هذه،  إنما معتمدا على قاعدة أسسها العرب الأوائل في خطاباتهم طيلة مراحل نمو المجتمع العربي بداية بالعصر الجاهلي،  وما تلاه، كما أن هذه الظاهرة لم تقتصر ممارستها على التراث،  بل كان هذا الأخير خلفية معرفية لحداثة ومعاصرة هذا الأسلوب،  فكان أداة ناجعة في الخطاب اللغوي المكلل بالتجاوب والتناغم بين قطبيه (المرسل والمرسل إليه).

L’un des styles enracinés de langue arabe est l’ellipse que l’imam Al-Zarkashi a expliqué en détail dans son livre «Démonstration dans les sciences du Coran» en fournissant ses définitions et en mentionnant ses avantages, ses causes, ses conditions et ses preuves, ainsi que ses différents types. Tous ces aspects ont été complétés par un côté pratique de ce style sur différentes structures nominales et verbales, et même sur les lettres. Cependant, l’imam Al-Zarkashi n’a pas été le premier à faire référence à l’ellipse, mais s’est plutôt appuyé sur une base établie par les premiers Arabes dans leurs discours tout au long des étapes de la croissance de la société arabe, en commençant par l’ère préislamique et au-delà. Aussi, la pratique de ce phénomène ne se limitait pas à l’héritage, mais avait un bagage de connaissances pour rechercher la modernité et la contemporanéité de ce style par la réponse et l’harmonie entre ses pôles (le l’expéditeur et le destinataire)

One of the rooted Arabic language styles is  Ellipsis  which Imam Al-Zarkashi fully explained in his book” Demonstration in the Sciences of the Qu’ran” providing  its definitions, and mentioning  its benefits, causes, conditions, and evidence, as well as its different types. All these aspects were padded out with a practical side of this style on different nominal and verbal structures, and even on letters. However, Imam Al-Zarkashi was not the first to refer to ellipsis, but rather relied on a basis established by the early Arabs in their discourses throughout the stages of the growth of the Arab society, beginning with the pre-Islamic era and beyond. Also, the practice of this phenomenon was not limited to the heritage, but had a background of knowledge to seek modernity and contemporaneity of this style which is characterized by response and harmony between its poles (the sender and the receiver)

Quelques mots à propos de :  عيسى بهلول

 [1]Aissa Bahloul   مخبر اللسانيات التقابلية وخصائص اللغات جامعة عمار ثليجي بالأغواط، الجزائرbahloulaissa2022@gmail.com
[1]المؤلفالمراسل

Quelques mots à propos de :  فاطمة جخدم

Dr. Fatima Djokhdemمخبر اللسانيات التقابلية وخصائص اللغاتجامعة عمار ثليجي بالأغواط، الجزائرdjokhdemfatima@yahoo.fr

مقدمة

كل لغة من لغات العالم لها نظام وبنــاء، تكـــون طوعا له كمـــا لها قواعد مُجمـــع عليها في كل مستوياتها، وهذا ما يدعونا  إلى البحث في منهج الأقدمين خصوصا ما يتعلق بالقضايا التركيبية وإظهار دورها في النظم، وضرورة ربطها بالدلالة فالتداولية لمعرفة مــدى أصالة التراث اللغوي العربي وربطه بالنص المقدس القرآن الكريم، هذا الأخير الذي يعتبر مصدرا أساسيا للغة العربية، وعلى سبيل المثال قد يحذف عنصر ما من عناصر الجملة فيترتب عنه تعدد لوجوه الإعراب، لكن الهدف الأسمى منه هو خدمة المعنى، وظاهرة الحذف منحى هام يجد المخاطب أحيانا نفســـه مضطرا إلى نهــجها لما يستلزمه الموقف الاتصالي التواصلي.

الحذف والذكر ظاهرتان تسلكان من قبل المرسل، والقصد منهما هو إيصال المقصود من الرسالة إلى المتلقي بوضوح وجلاء دونما غموض أو لبس، ويلعب كل من السياقين الداخلي- البنية الشكلية للتركيب والسياق الخارجي الملابسات المرافقة من حال المرسل والمتلقي وعاملي الزمان والمكان… ولهما أي الحذف والذكر أهمية بالغة في إنتاج الدلالة وإحداث التأثير في المتلقي، ما ينجم عن هذا البعد الاستعمالي للغة (البعد التداولي) الذي يدل على التناغم بين قطبي الخطاب المرسل والمتلقي، ما يترتب عنه التجاوب بينهما.

فقد يحذف اللفظ لكثرة تداوله، وإدراك مدلوله في حال عدم ذكره من قبل المتلقي لسابق علمه كما في المثال التالي قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٣٥﴾(البقرة: 135)، أي بل اتبع ملة إبراهيم حنيفا، تم حذف الفعل اتبع وهو جواب لما في الآية الكريمة وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا، وكأنه قيل لهم اتبعوا اليهود والنصارى، فحذف الفعل اتبع بدوره لسابق علم المتلقين به.

وفي هذه الظاهرة (الحذف والذكر) هناك وضعيات تدرك من خلال سياقها الخارجي، حيث يضمر فيها الفعل لسابق علم السامع به،كأن نلاحظ جمعا من الناس في بداية شهر رمضان ينظرون تجاه غروب الشمس في وقت المغرب، وفجأة سمعت أصواتا تتعالى تقول الهلال الهلال وتقدير كلاهم رأينا الهلال أو أبصرنا الهلال ،حيث اعتمد على السياق الخارجي لتفسير هذه الوضعية كالاعتماد على الملابسات المذكورة سلفا زمن الترقب ومكانه والمناسبة الداعية إلى ذلك ...

وقد كان لسيبويه وقفة في مثل هذه الحالات، حيث يشترط فيها على المرسل أن يدرك السياق الخارجي المرافق لعملية التلفظ، ومن أمثلته أيضا كما ورد في الكتاب  «القرطاس والله أي سيصيب القرطاس» (ابن قنبر، 1990).

ولقد أشار ابن جني لهذا النوع في كتابه الخصائص، حيث ذكر ما يتواتر ذكره من أمثلة بقوله:» كان رؤبة إّذا قيل له كيف أصبحت؟ يقول: «خير عافاك الله»، فيحذف الباء لدلالة الحال عليها» (بن جني، 2006)، أي بخير، ولم يكتف بهذا الحد عند إمام النحو سيبويه ،بل امتدت وسائل إدراك السياق الشفوي بصرية، سمعية، شمية وذوقية حسب الحواس الخمسة» كذقت طعاما قلت العسل» (بن جني، 2006)، ووصلت هذه الرسائل حتى إلى الإشارات وتقسيمات الوجه كما في قول الشاعر:

تَقولُ ودقَّتْ صَدْرها بيمينِها    

 أَبَعْلي هذا بالرَّحَى المتقاعِسُ

(الهذلول، 2007).

فقوة الإنكار من خلال صك الوجه، مثال حي يفوق المدلول اللغوي، ولو حضر لهذا الموقف لكان الأثر أبلغ وأوقع في النفس فليس السامع كالعيان.

ولقد كان لهذا الأسلوب اللغوي، الإشارة الواسعة من قبل الإمامالزركشي رحمه الله في كتابه البرهان في علوم القرآن، حيث عنون له عنوانا وأثراه بشرح واسع في النوع السادس والأربعين سماه أسلوب الحذف، نذكر بعض جوانبه لصعوبة الإلمام والإحاطة به.

فالموقف الاتصالي التواصلي يستدعي ذلك في الكثير من الوضعيات، حتى تتم عملية التواصل بنجاح بين طرفيها ويبلغ المرسل ما يريد تبليغه للمرسل إليه بجلاء ووضوح، ما يتولد عن ذلك تجاوب هذا الأخير ودخوله في خط التواصل، فالمتلقي يتأثر بالحذف أيما تأثر، وبذلك تعتبر هذه الظاهرة ظاهرة منتجة للتفاعل، وتقع بمكان من المتلقي، وهي أسلوب محكم نوصل به ما نرغب في إيصاله إلى الغير بطريقة غير مباشرة، وشفرة نلج بها إليه، شريطة أن تكون له خلفية معرفية تساعده على إدراك كنهها وفحواها، والقصد المتوخى منها حتى لا يتوه وتتشعب عليه الاحتمالات والظنون، وهذا صميم المنهج التداولي الذي يهتم بالاستعمال اللغوي ما نلاحظه جليا في كتاب البرهان للإمام الزركشي، الذي خصص جزءا واسعا من أنواع مؤلفه لأسلوب الحذف، فما هو الحذف لغة واصطلاحا؟ وما فوائده؟ وما أقسامه التي تكلم فيها الإمام الزركشي؟ وفيما تظهر أهميته في الخطاب؟

مفهوم الحذف

تعريف الحذف لغة

الحذف يعني القطع من الطرف كما ورد ذلك في لسان العرب «حذف الشيء يحذفه حذفا قطعه من طرفه» (منظور، 1984) ومنه حذفت الشعر إذا أخذت منه وقصرته.

ويقول الإمام الزركشي: «وهو لغة الإسقاط، ومنه حذفت الشعر إذا أخذت منه» (الزركشي، 2005).

وفي مختار الصحاح في باب الجذر (ح ذ ف) «حذف الشيء إسقاطه، حذفه بالعصا رماه بها، وحذف رأسه بالسيف  ضربه فقطع منه قطعة، الحذَفَ بفتحتين غنم سود صغار من غنم الحجاز الواحدة حذفة»، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَتَخَلَّلُكُمُ الشَّيَاطِينُ كَأَوْلَادِ الْحَذْفِ» (احمد، 2009)، وفي معجم العين للخليل في نفس الجذر المذكور آنفا «الحذف قطف الشيء من طرفه كما يحذف طرف ذنب الشاة، والحذف الضرب عن جانب والرمي عن جانب وتقول: حذفني فلان بجائزة أي وصلني» (الفراهيدي، 2003)، والحذف أيضا في العربية ما دل على إسقاط شيء ومشتق مما تقوله العرب حذفت من شعري أي أخذت منه، وحذفت من ذنب الدابة أي قطعت منه، يقول الأعشى في هذا:

قاعداً حَوْلَه النَّدامَى فما يَنْــــــــ 

 ـــــفَكُّ يُؤْتَى بمُوكَرٍ مَحْذُوفِ

(الفراهيدي، 2003)

والإسقاط والقطع بمعنى واحد ويفيد التهذيب والتنميق والتسوية كقول القائل: «حذف الصانع الشيء إذا سواه تسوية حسنة، كأنه حذف كل ما يجب حذفه حتى خلا من كل عيب وتهذب» (الزمخشري، 1998)  .

يقول امرئ القيس في وصف فرسه:

لهَا جَبْهَةٌ كَسَرَاةِ المِجَنِّ       

        حَذَّفَهُ الصّانِعُ المُقْتَدِرْ

(القيس، 1984)

والحذف في أصل استعماله يتعلق بالمحسوسات كالشعر والذنب وغيرهما ثم استعمل مجازا في اللغة للدلالة على التهذيب والتسوية والتحسين ... فصار الحذف يعني إسقاط جزء من الكلام قصد تهذيبه وتجنيبه الإطناب في غير محله والركاكة المخلين بالمعنى.

الحذف اصطلاحا

هو إسقاط جزء الكلام، أوكله لدليل، قد يكون هذا المسقط اسما، أو فعلا، أو حرفا، وهو أسلوب من أساليب التأويل النحوي وأحدها الذي استخدمه النحاة لتبرير الاختلاف بين الواقع اللغوي والقواعد النحوية.

كما يعرفه علماء النص بأنه استبعاد العبارات السطحية، فهو إذا إسقاط عنصر من عناصر الكلام شريطة وجود الدليل، أو القرينة بمعنى ما يريده صاحب الكلام، يقول الإمام عبد القاهر في دلائل الإعجاز: «الحذف هو باب دقيق المسلك ،لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد في الإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تبن» (الجرجاني، 1992)، وقد عبّر عنه روبرت دي بوجراند بأنه وسيلة من وسائل السبك، وهو ما أسماه، بالكفاءة النصية إذ يقول: «وهي صياغة أكبر كمية من المعلومات بإنفاق اقل قدر من الوسائل» (روبرت، 1998)، ومما يشتبه به الإيجاز غير أن هذا الأخير هو اللفظ القليل الذي يحمل المعاني العدة «ما قل ودل» كجوامع الكلم التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله: «أُعْطِيتُ جوامعَ الكلِمِ»(ابن حيان، 1988) والحذف خلافه مقدر يستنتج ويتوصل إليه ويمكن إعادته عند التوضيح  وإلابانة  كقوله تعالى: ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلۡعِيرَ ٱلَّتِيٓ أَقۡبَلۡنَا فِيهَاۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ٨٢﴾ (يوسف: 82)، إذ عقلا لا يمكن أن نسأل الجماد المتمثل في دور هذه القرية، والقصد هو أن نسأل أهلها وسكانها، كما يشتبه أيضا  بالإضمار والفرق بينهما أن الإضمار يبقى له أثر في التركيب يدل عليه  .

قال الشاعر: 

سَتَبقى لَها في مُضمَر القَلبِ والحَشا 

سَريرَةُ ودٍّ يَومَ تُبلى السَرائِرُ

 (الحوص)

وهو أي الإضمار من أخفيت الشيء والحذف من حذفت الشيء قطعته واستغنيت عنه ظاهرا لكنه موجود ضمنيا.

الحذف عند قدماء العرب  

تناول قدماء العرب موضوع الحذف بإسهاب دراسة وتحليلا، حيث تحدثوا عن أقسامه وأنه فرع من الأصل الذكر، وسووا بينه وبين الإضمار، كما تحدثوا عن أقسامه وأسبابه وأغراضه يقول سيبويه « اعلم انه مما يحذفون الكلم، وإن كان أصله في الكلام غير ذلك ويحذفون ويعوضون، فما حذف وأصله في الكلام غير ذلك لم يكن، ولم أدر، وأشباه ذلك» (ابن قنبر،1990).

ورأوا أنه أفصح من الذكر، فيقول عبد القاهر: «أنه باب دقيق المسلك لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر فانك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة للإفادة، تجدك أنطق  ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن» (الجرجاني، 1992)  .

الحذف عند التوليديين التحوليين 

لقد أشار هؤلاء إلى الحذف باعتباره إحدى العمليات التحويلية التي تدخل التراكيب، حيث يقولون: أن الحذف يُمكّننا من اختصار الجمل بإسقاط بعض العناصر التي يمكننا السياق من استرجاعها ويمكن توضيح ذلك من المثال التالي:

-أحمد اشترى معجما وخديجة اشترت سلسلة علمية.

-أحمد اشترى معجما وخديجة سلسلة علمية، فحذف الفعل لدلالة السياق عليه.

وهذا طبعا بواسطة كل من البنية العميقة التي تقدم المعنى الدلالي والسطحية التي تحدد التفسير الصوتي.

يقول تشو مسكي: «إن البنية العميقة تعبر عن المحتوى الدلالي، والبنية السطحية تحدد الشكل الصوتي» (التركي، 2011)، للإشارة عدل تشومسكي عن رأيه هذا حيث اهتم بالبنية السطحية التي تركز على الجانب الدلالي. 

لقد ساير الدرس اللغوي الحديث، الدرس اللغوي العربي القديم في موضوع الحذف مما يدل على أحقية السبق للدرس العربي في هذا الموضوع.

الحذف عند علماء النص

نجد هؤلاء العلماء قد أولوا موضوع الحذف عناية فائقة لمساهمته الكبيرة في تحقيق التماسك النصي الذي يحقق الكفاءة النصية.

يقول أحد المحدثين: «يعد الحذف واحدا من العوامل التي تحقق التماسك النصي ... وهذا ما أكده كل من هاليداي ورقية حسن، إذ أفردا له قسما كبيرا من كتابهما(Cohesion in English)ومن التسميات التي أعطوها له المبنى العدمي substitution by zeroأو الإبدال من الصفر، مثل محمد أنجز كل واجباته وعلي(...) بعض واجباته فالفراغ في المثال هو الصفر عندهم» (التركي، 2011).

فوائد الحذف

للحذف فوائد جمة خاصة في لغتنا العربية لميلها أكثر للإيجاز والاختصار كقولنا خير الكلام ما قل ودل، ويروى عن العرب أنها تنفر من الركاكة وثقل وطول الكلام، وترتاح عند سماع الموجز منه، ولقد أعطى لها الإمام الزركشي الأهمية اللازمة لما تستحقه ومن أهم الدواعي إليها هو تواتر ظاهرة الحذف في النص القرآني الكريم، التي لها مقاصد وفوائد عديدة  نذكر جملة من هذه الفوائد والتي ذكرها الإمامالزركشي في برهانه:

التفخيم والتعظيم

لما فيه من الإبهام وذهاب الذهن في كل مذهب بحثا عن المراد، وقد يعجز عن إدراكه فيعظم بذلك شأنه فبظهور المحذوف زال ما كان يختلج في الوهم من المقصود.

زيادة لذة

فسبب إدراك الذهن للمحذوف ينجم هذه اللذة والمتعة والثقة بالنفس أكثر لإدراك الحقيقة الغامضة.

زيادة الأجر

وهذا بالجهد المبذول لإدراك هذا الحذف بخلاف الظاهر.

الإيجاز والاختصار

وهذا بتحصيل المعنى الكثير والعميق باللفظ القليل لقولهم «خير الكلام ما قل ودل».

التشجيع على الكلام

وهو ما سماه أبو الفتح ابن جني «باب شجاعة العربية» إذ يقول اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف ... والتقديم والتأخير.

الموقع في النفس

حيث يقول الإمام عبد القاهر: «ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره» (الجرجاني، 1992).

قال الشاعر:

إِذَا نَطَقَتْ جَاءَتْ بِكُلِّ مَلَاحَةٍ  

وَإِنْ سَكَتَتْ جَاءَتْ بِكُلِّ مَلِيحٍ

(ابن القيم الجوزية، 2014).

أسباب الحذف

مجرد الاختصار

فتستغني عن الزائد الذي لا طائل من ذكره، كقول القائل الهلال والله فحذف المبتدأ استغناء عنه بقرينة شهادة الحال، والأصل هذا الهلال والله.

الاشتغال بالكلام يفوت المهم

ويندرج ضمن باب التحذير مثل إياك والشر، الله الله ... وكقوله تعالى: ﴿فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡيَٰهَا ١٣﴾ (الشمس: 13)، أي احذروا ناقة الله فلا تقربوها.

التفخيم والتعظيم

وهو عندما يستخدم في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس، كقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ الزمر:71، فحذف الجواب للدلالة عن ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه، وترك الأمر للنفوس تقدر هذا ،ولا يمكنها أن تبلغ كنهه، وكقوله صلى الله عليه وسلم» ما لا عَيْنٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَر على قَلب بَشَر « (الفضلي، 2007).

التخفيف

كحذف ياء النداء في قوله تعالى: ﴿يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِِٔينَ ٢٩﴾ (يوسف: 29)،  قال سيبويه: «العرب تقول لا أدر فيحذفون الياء، والوجه «لا أدري» لأنه رفع وكقول «لم ابل فيحذفون الألف والوجه «لم أبال ويقولون: «لم يك» فيحذفون النون،و كل ذلك يفعلونه استخفافا لكثرته في كلامهم» (الزركشي، 2005).

حذف نون التثنية والجمع

كقولنا: «الضاربا زيدا» و«الضاربو زيدا» وكقوله تعالى: ﴿وَٱلۡمُقِيمِي ٱلصَّلَوٰةِ ﴾ (الحج: 35)، وهذا استطالة الموصول في الصلة.

رعاية الفاصلة

 كقوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ٣﴾ (الضحى: 03)، حيث حذف كاف الخطاب موافقة للفاصلة، وهو ما سماه عبد الخالق رشيد العدول بالحذف حيث يقول: «حذفت من الفعل الثاني حتى ينسجم إيقاعيا وهو رأس آية من رؤوس الآي السابقة واللاحقة» (عبد الخالق رشيد، 2008).

الحذف صيانة له

حيث حذف المبتدأ في قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٣ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ٢٤  قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥٓ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ ٢٥ قَالَ رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٢٦﴾ (الشعراء: 23-26)، فحذف الضمير المنفصل هو العائد على اسم الجلالة ومحله من الإعراب مبتدأ.

صيانة اللسان عنه

كقوله تعالى: ﴿صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ ١٨(البقرة: 18)، أي عنهم.

لا يصلح إلا له

كقوله تعالى: ﴿عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٩٢﴾ (المؤمنون: 92)، حيث استأثر سبحانه وتعالى بعلم الغيب.

الشهرة التي لذكره وعدمه سواء

وهو ما يكون لسان الحال أبلغ من لسان المقال، كقول رؤبة: خير، لمن قال له كيف أصبحت؟ وتقدير الكلام أصبحت بخير.

الحذف لتفادي مواجهة الأفصح

وهذا ما يلجأ إليه كل من يريد تجنب مخاطبة من يملك قوة البيان، نجده عند عدو الله فرعون إذ لخبثه ومكره عند استهل خطابه لاثنين ثم عدل عنه إلى المفرد كما نلمس ذلك في قوله تعالى: ﴿قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ ٤٩﴾ (طه: 49)، حيث يقول الكثير من المفسرين: «وعللوا بما مفاده أن فرعون لخبثه المتأصل وجه كلامه لسيدنا موسى وحده دون سيدنا هارون اتقاء لفصاحة سيدنا هارون، ولسابق علمه بالرثة في لسان سيدنا موسى»(عبد الخالق رشيد، 2008).

ملاحظة هامة

لا يكتفى في الحذف بالأسباب السالفة بل لابد من تحقق شروط كأن تكون في المذكور ما يدل على المحذوف وبدون هذا يكون الكلام مبهما فيصير لغزا محيرا لا فائدة منه وهي قسمان:

-شروط مقالية:وتستنتج من المقال فمثلا في حالة النصب لابد من وجود الناصب الظاهر، أو المقدر، مثل أهلا وسهلا ومرحبا وتقديره وجدت سهلا، وسلكت سهلا، وصادفت مرحبا وكقوله تعالى: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ﴾(الفاتحة: 02)، وكقوله تعالى: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ﴾ (النساء: 01 ).

-شروط حالية:وتحصل من النظر إلى المعنى، كما في المثال فلان يحل ويربط أي يحل الأمور ويربطها فهو ذو حكمة وتصرف وتدبير .

أدلة الحذف 

والحذف لا يجوز إلا بدليل، فتارة يدل على محذوف مطلق، وأخرى على محذوف معين.

الدليل العقلي

كقوله تعالى: ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾ (يوسف: 82)،  فإنه عقلا يستحيل تكلم الأمكنة وعليه تقدير الكلام واسأل أهل القرية.

ما دلت عليه العادة الشرعية

كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ﴾ (النحل: 115)، فإن الذات لا تتصف بالحل والحرمة شرعا وإنما هما من صفات الأفعال الحادثة على الذوات وتقدير الكلام تحريم التناول والأكل.

ما دل عليه اللفظ

كدلالة﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١﴾ (الفاتحة: 01)، فاللفظ يدل على وجود حذف لأن حرف الجر في البداية يقتضي وجود متعلق به وتقدير الكلام أبدأ ببسم الله.

ما دلت على حذفه اللغة

كقول القائل ضربت فالفعل المتعدي يقتضي وجود المفعول.

تقدم ما يدل على المحذوف

كقوله تعالى: ﴿وَأَبۡصِرۡ فَسَوۡفَ يُبۡصِرُونَ ١٧٩﴾ (الصافات: 179).

أقسام الحذف

ذكر الإمام الزركشي في برهانه ثمانية أقسام:

الاقتطاع

وهو أن يذكر حرف من الكلمة ويسقط الباقي وهناك من أنكر وجود هذا النوع في القران الكريم ومنهم من جعل منه فواتح السور كما روي عنابن عباس الم معناها «أنا الله أعلم وأرى» ومنهم من ذكر في قوله تعالى: ﴿وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ ﴾ (المائدة: 06).

فقاف في نهاية الصدر تعني وقفت والترخيم حذف أسلوب سلكه العرب الأوائل وأكده الله سبحانه وتعالى في القران الكريم لأن كتاب الله جاء على لسان عربي كما جاء في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ ﴾ (الزخرف: 77)، وقد عبروا بهذا لهول وعظمة ما هم فيه فعجزوا عن الإتمام حسب بعض الأقوال لما سئلوا عن الغرض من هذا وفي قوله صلى الله عليه وسلم «كفَى بِالسَّيْفِ شا» (السيوطي) ذكر ابن الأثير أن الرواية « كفى بالسيف» أراد أن يقول شاهدا فامسك ... لولا تهافت الغيران والسكران في القتل لتممت على جعله شاهدا .

الاكتفاء

ويعني أن يقتضي المقام التصريح بشيئين لتلازم وترابط يجمعهما فيقتصر على أحدهما فقط لنكتة تقتضي ذلك كما في قوله تعالى: ﴿سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ ﴾ (النحل: 81)، (وهذا ارتباط) ولم يذكر القرّ (البرد) وهذا ارتباط عطفي فاكتفى بالحرّ لما تتميز به البيئة العربية وتتطلبه من تدابير واحتياطات تجنبا لحر ولفح الشمس، وهنا أيضا ركز القران الكريم على مناخ البيئة العربية فيأخذ منها في كل النواحي ليتجاوبوا معه.

 ومن أمثلة هذا القسم الكثيرة قوله تعالى: ﴿وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ ﴾ (الأنعام: 13)، يقول الإمام الزركشي ولقد قيل المراد وما تحرك فلم يذكر هذا لأن السكون أصل والحركة طارئة ولأن السكون هو الحال الملازمة لصاحبها غالبا.

وكما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ﴾ (الإسراء: 67)، ولم يذكر البر لأن مخاطر البحر أعظم وضرره  كبير والبشر يخافونه أشد من البر وركوبه أي البحر ينجم عنه اضطراب نفسي حار بخلاف البر هو مكان السكن والاستقرار وأحيانا السفر فبيئة الاستقرار يطمأن لها أكثر من بيئة التنقل أي البحر، وفي قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ ﴾ (البقرة: 03)، يقول الإمام الزركشي أي والشهادة وهنا تلازم الإيمان بهما معا، وقد اكتفى سبحانه وتعالى بأمر ولم يذكر الثاني الذي يقتضيه  أما في قوله جلّ في علاه: ﴿فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَعَسَىٰٓ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلۡمُفۡلِحِينَ ٦٧﴾ (القصص: 67)، «فأما» تفصل مجمل الكلام وتقتضيه وتقدر ذلك وأما من لم يتب ولم يؤمن ولم يعمل صالحا فلا يكون من المفلحين.

الضمير والتمثيل

وهو أن يضمر من القول لبيان ذلك من خلال العبارة كقول «النبيذ» مسكر فهو حرام فأضمر وكل مسكر حرام وإضمار عدم الانفضاض من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أتباعه بل عددهم يتضاعف ويزداد من حين لآخر في قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾ (آل عمران: 159)، وبذلك انتفاء الفظاظة «غلظة قلب النبي صلى الله عليه وسلم».

الاستدلال لشيئين وهو لأحدهما

كالتعبير بالمحسوس للمعنوي في قوله تعالى: ﴿لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ﴾(الحج: 40)، فالهدم محسوس يخص البيع والصوامع وهي أماكن للعبادة عند اليهود والنصارى والصلوات عبادة تترك وتضيع ضمت إلى أماكن العبادة وعمم عليها الهدم رغم أنها أمرا معنويا وفي قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ﴾ (الحشر: 09)، والقصد في الإيمان والاعتقاد أي واعتقدوا الإيمان.

اقتضاء شيئين والاقتصار على أحدهما

هو الاكتفاء الأهم المقصود دون الثاني كقوله تعالى: ﴿فَمَنرَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ﴾ (طه: 49)، فلم يذكر سيدنا هارون عليه السلام لأن سيدنا موسى هو المقصود لتحمله أعباء الرسالة إلى قومه والمسؤول الأول عنها فيما سيدنا هارون هو عون وسند له.

عودة الضمير على شيء من الاثنين

كعودة الضمير على التجارة دون اللهو ودونهما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا﴾ (الجمعة: 11)، يقول الراغب في تفسير سورة البقرة إن التجارة لما كانت سبب انفضاض الذين نزلت فيهم هذه الآية أعيد الضمير إليها ولأنه قد تشغل التجارة عن العبادة ما لا يشغله اللهو» (الزركشي، 2005).

وعودة الضمير على الثاني بدل الأول  بخلاف الآية السابقة في قوله تعالى:﴿وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّه﴾ (التوبة: 34)،  يقول الإمام الزركشي» لأن الفضة أكثر وجودا في أيدي الناس والحاجة إليها أمس» (الزركشي، 2005)، يقول حسان ابن ثابت رضي الله عنه في ديوانه:

إِنَّ شَرخَ الشَبابِ وَالشَعَرَ الأســ      

 ـــود ما لَم يُعاصَ كانَ جُنونا

وهنا يعود الفعل يعاص على شرخ (شُرْخُ الشباب و مفرده شارخُ الشاب ، شرخ شارخ كصحب صاحب.) (الشباب) لأنه هو المقصود والشعر الأسود هو من لوازم الشباب ومظهر من مظاهره ولذا عاد الفعل على الأهم منهما  وعاد الضمير على اسم الجلالة في قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾ (التوبة: 62)، لأن إرضاء الله سبحانه وتعالى  هو إرضاء لرسوله صلى الله عليه وسلم .

ومن دواعي عودة الضمير كما يقول الإمام الزركشي أيضا القرب وهو ما نلاحظه في قوله تعالى: ﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ ٤٥﴾ (البقرة: 45)، وفي قوله تعالى أيضا: ﴿وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيَٓٔةً أَوۡ إِثۡمٗا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓٔٗا﴾ (النساء: 112).

الحذف المقابلي

يضم فيه الكلام متقابلين فيستغنى عن أحدهما لدلالة الأخر عليه كما في قوله تعالى: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ ٣٥﴾ (هود: 35)، والأصل في هذا الكلام فإن افتريته فعلي إجرامي وأنتم بريئون منه وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون، ونذكر أدناه التقابل المقدر في الآية:

فعلي إجرامي        ==== ==>   وعليكم إجرامكم

أنتم بريئون منه   ======>   وأنا بريء مما تجرمون

فحذف وعليكم إجرامكم لدلالة فعلي أجرامي عليه وحذف وأنتم بريئون منه لدلالة، وأنا بريء مما تجرمون فتم الحذف بالتركيز على ما ينسب للمخاطب دون إظهاره والاحتفاظ بما نسب للمخاطب إبرازه في القول.

الحـذف والتراكيـب النحويــة

الحذف والتراكيب الاسمية

حذف المبتدأ ومن شواهده

قوله تعالى في سورة الكهف قال تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٞ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةٞ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَجۡمَۢا بِٱلۡغَيۡبِۖ وَيَقُولُونَ سَبۡعَةٞ وَثَامِنُهُمۡ كَلۡبُهُمۡۚ﴾ (الكهف: 22)، فقوله في شأن أصحاب الكهف «ثلاثة» «خمسة» «سبعة « أي هم ثلاثة، هم خمسة، هم سبعة حيث يظهر الضمير المنفصل غير الظاهر في الآية تقديرا في محل المبتدأ.

وأيضا في قوله تعالى: ﴿مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ﴾ (فصلت: 46)، وتقديره فعمله لنفسه، حيث حذف المبتدأ وأبقى على الخبر شبه الجملة المكون من الجار والمجرور «لنفسه».

 

حذف الخبر

الخبرهو العمدة الثانية في الجملة الاسمية، يمسه أيضا الحذف لطبيعة المقام، ولأنه كلما قل التركيب دونما إخلال بالمعنى كان الأفضل كما في قوله تعالى: ﴿أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ﴾ (الرعد: 35)، أي ظلها دائم كأكلها في إشارته للجنة ونعيمها، وما يبعثه هذا الخطاب في نفس المؤمن من راحة واطمئنان.

كما في قوله تعالى: ﴿لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ ﴾ (سبأ: 31)، حيث يتحجج الضعفاء بوجود هؤلاء الجبابرة في الحياة الدنيا الذين صدوهم عن إتباع الهدى.

ما يحتمل الأمرين (المبتدأ والخبر)

قديحتمل الحذف الاثنين كما ورد في قوله تعالى: ﴿ۖفَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ﴾ (يوسف: 18)، وفي هذه الآية الاحتمالات الآتية:

-حذف الخبر والتقدير صبر جميل أجمل (أمثل) والأمثل هو رأي الزمخشري.

-حذف المبتدأ والتقدير أمري صبر جميل

وقد يقع عليهما معا، كما في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ ﴾ (الطلاق: 04)، بحكم العطف على ما سبق في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ﴾ (الطلاق: 04)، والتقدير فعدتهن ثلاثة أشهر أيضا.

حذف الفاعل

والراجح امتناعه واستثنى الإمام الزركشي ثلاثة مواضع بقوله «المشهور امتناعه إلا في ثلاثة مواضع ... أحدها إذا بني الفعل للمفعول ... وثانيهما في المصدر ...» (الزركشي، 2005،)، «والفاعل كما هو معلوم ينوب عنه الضمير المتصل أو المنفصل أو المستتر ما يؤكد قول الإمام الزركشي المشهور امتناعه» (الزركشي، 2005).

أما بخصوص البناء للمفعول (البناء للمجهول) الذي يستغى فيه عن الفاعل ويحل المفعول محله فله أسباب تخدم المعنى منها:

الغرض منه الإعلام لا غير: كما في قوله تعالى: ﴿خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ﴾ (الأنبياء: 37).

-الغرض منه التعظيم: كما في قوله تعالى: ﴿قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ﴾ (يوسف: 41).

-مناسبة الفواصل: كما في قوله تعالى: ﴿مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ ﴾ (الليل: 19)، ولم يقل تجزيها.

-التوافق مع ما سبقه: إذ يتبع التركيب ما سبقه، كأن يبنى الأول للمفعول فيأتي الموالي على شاكلته كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ ٨٦﴾ (التوبة: 86).

حذف المضاف

وقد ورد كثير منه في كتاب الله كما في قوله تعالى: ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾ (يوسف: 82)، وهنا لمقصود المضاف أهل القرية الذي مسه الحذف وحل محله المضاف إليه ومن شواهده أيضا قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ ﴾ (الأنبياء: 96)، والمقصود سد يأجوج ومأجوج وكما في قوله تعالى: ﴿وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ﴾ (آل عمران: 194)، أي على ألسنة رسلك.

حذف المضاف إليه

وهو نادر الوقوع في كتاب الله بخلاف الأول ومن شواهده قوله تعالى: ﴿تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ﴾ (البقرة: 253)، أي على بعضهم (بعض الرسل).

حذف الاثنين معا

كما في قوله تعالى: ﴿مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَى﴾ (الحشر: 07)، أي من أموال كفار أهل القرى وكذا في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾ (الحج: 32)، أي من أفعال ذوي تقوى القلوب أسلوب وجيز بديع.

حذف الجار ومجروره

حيث يحذفا معا كما في قوله تعالى:﴿خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا﴾ (التوبة: 102)، أي في الأولى بسيئ والثانية بصالح .

حذف الموصوف

ومن شواهده قوله تعالى: ﴿وَعِندَهُمۡ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ عِينٞ ٤٨﴾ (الصافات: 48)، أي حور قاصرات وكذا في قوله: ﴿وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ ١٣﴾(القمر: 13)، أي سفينة وفي قوله تعالى : ﴿وَعَمِلَ صَٰلِحٗا﴾(البقرة: 62)، أي عمل عملا صالحا.

حذف الصفة

تعد الصفة من المخصصات لكن مع هذه الوظيفة يمكن الاستغناء عنها إذا أدى التركيب الإفادة المقصودة كما في قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ ٤﴾ (قريش: 04)، حيث خلصهم من جوع شديد وخوف عظيم، واكتفى سبحانه وتعالى بذكر صفة الأول دون الثاني لتحقق ذلك دون ذكرها في قوله: ﴿بِفَٰكِهَةٖ كَثِيرَةٖ وَشَرَابٖ﴾ (ص: 51)، أي كثير كما ذكر أولا، كما أنه استغنى عنها لدلالة الفعل عنها وعدم الحاجة إلى ذكرها في قوله تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِهِۦ قَوۡمُكَ﴾ (الأنعام: 66)، أي المعاندون.

حذف المعطوف

يمكن حذف المعطوف والاكتفاء بالمعطوف عليه مع وضوح المعنى كما في قوله تعالى:﴿وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا﴾(الإسراء: 16)، فخالفوا هذا الأمر ففسقوا والفسق ليس مأمورا به.

حذف المعطوف عليه

بالإمكان حذف المعطوف عليه والاكتفاء بالمعطوف مع تمام المعنى ووضوحه كما في قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ﴾ (البقرة: 184)، والتقدير على سفر فأفطر فعدة، وكذا في قوله تعالى مع سيدنا موسى عليه السلام: ﴿أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ﴾ (الشعراء: 63)، والتقدير فضرب فانفلق.

حذف الموصول

كما في قوله تعالى: ﴿ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ ﴾ (العنكبوت: 46)، والتقدير والذي أنزل إليكم

حذف المخصوص

فيباب نعم: كقوله تعالى: ﴿نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ﴾ (ص: 44)، فالقصة في ذكر سيدنا أيوب عليه السلام وعليه التقدير نعم العبد أيوب، وفي قوله أيضا: ﴿َقَدَرۡنَا فَنِعۡمَ ٱلۡقَٰدِرُونَ ٢٣َ﴾ (المرسلات: 23)، والتقدير فقدرنا نحن.

حذف الضمير المتصل المنصوب

كمافي قوله تعالى: ﴿أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا﴾ (الفرقان: 41)، والتقدير بعثه.

حذف المفعول

وهو قسمان:

القسم الأول: أن يقصد مع الحذف فيقدر بما يليق به في كل موضع ومن شواهده قوله تعالى: ﴿فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ ١٦﴾ (البروج:  16)، أي يريده.

القسم الثاني: وله أعراض ومقاصد منها:

- الاحتقار كما في قوله تعالى: ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ ﴾ (المجادلة: 21)، وحذف الكفار ولم يذكرهم احتقارا لهم لما صدر منهم من معاصي.

- أن لا يكون المفعول مقصودا أصلا فلا يؤبه بحذفه كما ورد في قصة سيدنا موسى وابنتي سيدنا شعيب حيث مس الحذف خمس مفاعيل، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ﴾ (القصص: 23)، ومواضع الحذف (يسقون) و(تذودان) و(لا نسقي) و(حتى يصدر الرعاء) و(فسقى لهما) واستغنى عن المفعول لأن القصد موجه للفعل لا غير.

حذف الحال

وجملةالحال هي أيضا من المخصصات قد يمسها الحذف غير المخل بالمعنى كما في قوله تعالى: ﴿وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ ٢٣  سَلَٰمٌ عَلَيۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ ﴾ (الرعد: 23-24)، أي قائلين سلام عليكم.

حذف المنادى

النداء باب حذف حيث تحذف الياء من المنادى المضاف إلى ياء المتكلم كقولنا يا رب كما أنه يحذف منه التنوين وبعض الاسم للترخيم ومن حالات حذف المنادى قوله تعالى: ﴿أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ﴾ (النمل: 25)، فعلى قراءة الكسائي كما يقول الإمام الزركشي رحمه الله على قراءة الكسائي بتخفيف(ألا) على أنها تنبيه و(يا) نداء، والتقدير ألا يا هؤلاء اسجدوا لله.

حذف الشرط

تأتي الجملة الشرطية بدون أحد أركانها (الشرط) مع المعنى التام رغم ما حل بها من حذف كما في قوله تعالى: ﴿قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ (إبراهيم: 31)، فإقامتهم للصلاة شريطة أن يؤمروا بإقامتها من قبل الداعي إلى ذلك هذا الشرط الذي لم يظهر في الآية غير أنه متضمن فيها.

 وفي قوله تعالى: ﴿فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ﴾ (الأنفال: 17)، والتقدير إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم وأثبت القتل لله، وفي قوله تعالى: ﴿فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِيّ﴾ (الشورى: 09)، والشرط المحذوف تقديره إن أرادوا أولياء الله ثم تأتي الآية المذكورة.

حذف جواب الشرط

يقول الإمام الزركشي في هذا الشأن:» قالوا وحذف الجواب يقع في مواقع التفخيم والتعظيم، ويجوز حذفه لعلم المخاطب به وإنما يحذف لقصد المبالغة ... ولو صرح بالجواب لوقف الذهن عند المصرح به ...  وثم لا يحسن تقدير الجواب مخصوصا ...» (الزركشي، 2005)، وصور هذه الشواهد التي  ذكرها الإمام الزركشي متتابعة وقد استهل كل منها (ولو ترى)، قال تعالى: ﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ﴾(الأنعام: 27).

قال الله تعالى: ﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ ﴾ (سبأ: 31)، قال تعالى: ﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ﴾ (الأنفال: 50)، نكتفي بهذا فقط وتقدير الجواب عنها لرأيت أمرا عجبا أو أمرا عظيما أو سوء منقلب ...

حذف جواب القسم

أسلوب القسم أيضا هو عرضة للحذف الذي يضفي عليه جمالا وفنية رائعة تؤكد أهمية حدوثه كما في قوله تعالى: ﴿وَٱلنَّٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا ١  وَٱلنَّٰشِطَٰتِ نَشۡطٗا ٢  وَٱلسَّٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا ٣﴾ (النازعات: 1-3)، ثم يتوالى القسم ليتأكد يوم البعث وما فيه حساب وجزاء وعقاب لمن أنكر حدوثه ومجيئه.

حذف الجملة

بعد ذكر بعض الأساليب التي مسها الحذف (الشرط – القسم) يأتي الدور على الجملة عموما التي تكون عرضه لذلك لما يمليه المعنى الرصين المتقن كما في قوله تعالى:﴿لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلۡبَٰطِلَ﴾(الأنفال: 08)، فاللام المستهل بها لها متعلق إما ظاهرا وإما مقدرا كما في هذا المقام وتقديره فعل ما فعل ليحق الحق، وفي قوله تعالى: ﴿ۖفَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ﴾ (البقرة: 60)، فاء الفورية العاطفة تدخل على مسبب له حتما سبب وقد يكون هذا الأخير ظاهرا أو مقدرا كما في هذه الحالة وتقديره فضربه فانفجرت.

حذف القول

وهو ما يصرح به صراحة أو ضمنيا على لسان قائله وهو أيضا محل إظهار أو حذف في تراكيب اللغة العربية كما في قوله تعالى: ﴿قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّه﴾ (البقرة: 60)، وتقديره قلنا كلوا واشربوا، وفي قوله تعالى: ﴿ وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٢٧﴾(البقرة: 127)، وتقديره يقولان ربنا، وفي قوله تعالى مبرزا حال المؤمنين مستعملا الإستراتيجية التضامنية لإدخال الطمأنينة في نفوس المؤمنين: ﴿وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ﴾(الأنبياء: 103)، وتقديره يقولون لهم مرحبين بهم ومبشرين.

الحذف والتراكيب النحوية الفعلية

حذف الفعل

حذف الفعل وهو عمدة في الجملة ومسند الجملة الفعلية هو عرضة للحذف ولما تمليه المعاني المفيدة في العربية، وطريقة بناء الخطاب حتى يكون واضحا ومفهوما عند مستقبله(المتلقي)، فيحدث التجاوب والتواصل وهو قسمان:

الحذف الخاص

وهو ما يضمر ولا يظهر وينتصب مفعوله بالمدح كما في قوله تعالى: ﴿وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ (النساء: 162)، والتقدير أمدح وفي قوله تعالى: ﴿وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ٤﴾ (المسد: 04)، والتقدير أذم.

الحذف العام

«هو كل منصوب دل عليه الفعل لفظا أو معنى أو تقديرا « من شواهده البسملة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والتقدير باسم الله أقرأ ومن شواهده أيضا قوله تعالى: ﴿كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِۧمَ﴾ (البقرة: 135)، والتقدير بل نتبع ملة إبراهيم، ومن شواهده أيضا قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ﴾ (البقرة: 184)، والتقدير فأفطر فعدة من أيام أخر.

حذف الحرف

الحرف ينوب عن الفعل في المعنى، كقولنا: ما حضر الأستاذ والتقدير أنفي حضور الأستاذ يقول أبو بكر السراج حذف الحرف ليس يقاس، وذلك لأن الحرف نائب عن الفعل، ألا تراك إذا قلت ما قام زيد فقد نابت[ما] عن [أنفي] كما نابت [إلا] عن [استثني] ... ومن شواهده قال تعالى: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ٨ ﴾ (الغاشية: 08)، والتقدير ووجوه بالواو، ومنه حذف همزة الاستفهام كما في قوله تعالى: ﴿وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ (الشعراء: 22)، والتقدير أو تلك نعمة؟ ومنه حذف النداء كما في قوله تعالى: ﴿يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ﴾ (يوسف: 29)، والتقدير يا يوسف، يضطر أحيانا المرسل أن يكون مختارا إلى ظاهرة الحذف لما تمليه المواقف الاتصالية التواصلية الفعالة في نفس الحال  ليصل الخطاب في وضوح بعيدا عن الإبهام واللبس إلى المتلقي  وهذا بالاعتماد على العناصر الآتية: السياق، العلامات التركيبية، طرق الحبك والتأليف للتراكيب من قبل المرسل، فإذا توفرت هذه العناصر بانسجام كان لهذا الخطاب الأثر المتوقع والتجاوب المنتظر من قبل المرسل إليه، كما في المثال الآتي قولنا لمن قصدنا: «مرحبا وأهلا» والتقدير أدركت ذلك، فحذف الفعل لشيوع وكثرة تداوله وكما في المثال الآخر: «أهلا وسهلا» وتقديره حللت أهلا ونزلت سهلا، ولنا في كتاب الله سبحانه وتعالى المعجزة الخالدة المثل الأعلى والأوفى لما حواه من حذف وذكر وكل ذلك لحكم جليلة وعبر عظيمة وأسلوب فصيح وبليغ يليق بمقام قائله جل في علاه، حقق مراده وتجاوب معه كل من انشرحت صدورهم، وصغت آذانهم، وصدقت نياتهم، وخشعت قلوبهم واطمأنت نفوسهم لخطابه، الذي جمع بين اللفظية والفعلية فحدث الانقياد وتحققت الطاعات قولا وفعلا في مجتمع تحول بين عشية وضحاها إلى أنموذج للحياة الراقية.

خاتمـة

من خلال هذا العرض الوجيز بخصوص أسلوب الحذف بكتاب البرهان للإمام الزركشي يمكن حوصلة جملة من النتائج

-الحذف أسلوب هام في اللغة العربية، مارسته العرب في خطاباتها لما له من ميزات هامة تساعد على مد جسور الاتصال والتواصل بين طرفي العملية الخطابية مجنبا إياها الركاكة الناجمة عن الزيادة في اللفظ فالعربية هي لغة الإعجاز والإيجاز تحرص على الاكتفاء بالقليل من الكلام الذي يحقق الغرض المقصود، وقديما قالت العرب «خير الكلام ما قل ودل» وهذا ما جعل الإمام الزركشي رحمه الله يولي أهمية لهذا الأسلوب إذ خصه بالقسط الأوفر من النوع السادس والأربعين الموسوم بـ«في أساليب القرآن وفنونه البليغة» (الزركشي، 2005)مستشهدا بما قاله الشاعر أبو دؤاد بن حريز الإيادي:

يَـرْمُـون بـالخُـطـب الطِّوال وتـارةً     

وَحْـي المَـلاَحـظ خِـيـفَـةَ الرُّقـبـاءِ

(الجاحظ، 2002).

-الحذف تقنية لبقة يسلكها أحيانا المخاطب تجنبا لظهور الأمر وما يترتب عنه من مضاعفات، واللبيب بالإشارة يفهم، كما يُفهم من قول الإيادي السالف الذكر.

-أسلوب الحذف له دور هام للخطاب بكل أنواعه ومراتبه بداية بالخطاب القرآني الذي جاء حافلا بهذا الأسلوب، وحظي باهتمام كبير من الإمام الزركشي رحمه الله.

-الحذف أسلوب يسلكه المرسل قاصدا إيصال المقصود إلى المتلقي بوضوح تام معتمدا في ذلك على السياق الداخلي -البنية الشكلية التركيبية- والسياق الخارجي -الملابسات المرافقة للخطاب- كحال قطبي الخطاب وزمنه ومكانه ...

-الحذف له أهمية قصوى في إنتاج الدلالة والتأثير في المتلقي وصولا للتناغم والتجاوب.

لحذف سلوك لغوي يمارس لتجنب الإطناب والركاكة في القول لسابق علم المتلقي به، فبمجرد مباشرة الكلام الذي طرأ عليه حذفٌ تصل رسالته إلى المتلقي، كما يتضح ذلك في عملية ترقب هلال الشهر القمري إذ بمجرد رؤيته تسمع أقوالا موجزة «الهلال» «الهلال» فيعبر عنه المتلقي مباشرة بقوله «رأوا الهلال» فحذف الفعل لا يشكل غموضا عنده، لتعوده على ذلك في مثل هذه الحالات، ويصل في ذلك حتى إلى الإشارات وتقسيمات الوجه الدالة على الحذف.

-أسلوب الحذف ربط بين التراث والحداثة فممارسة المحدثون له بإسهاب أعطت الأهمية للتراث كقاعدة هامة، يعتمد عليها ويرجع لها سواء في خطابات العرب القدامى وصولا إلى النص القرآني الذي جاء بلغتهم، فالتراث الواسع المترامي الأطراف فيما بعد.

وختاما لغة الحذف شفرة نلج بها إلى نفس المتلقي شريطة إلمامه بخلفية معرفية يتوصل بها إلى كنه قصد المرسل، حتى لا يتوه في عرض الكلام فينجُم التجاوب المقصود

ابن القيم الجوزية. (2001). مدارج السالكين. ج2. مصر: مؤسسة المختار.القاهرة.

ابن حيان. (1988). صحيح ابن حيان. ط1. بيروت: مؤسسة الرسالة.

أبو بشر عمرو بن قنبر. (1990). سيبويه الكتاب. ج1. بيروت، لبنان: مؤسسة الاعلمي للمطبوعات.

أبي القاسم الزمخشري. (1998). أساس البلاغة.تح: محمد باسل عيون السود. ج1. بيروت.لبنان: دار الكتب العلمية.

الجاحظ. (2002). البيان و التبيين. ج1. لبنان: دار مكتبة الهلال.

الخليل بن احمد الفراهيدي. (2003). العين. تر وتح: عبد الحميد هنداوي. ج1.بيروت. لبنان: دار الكتب العلمية.

امرئ القيس. (1984). ديوان امرئ القيس. بيروت. لبنان: دار المعارف.

بن جني. (2006). الخصائص (المجلد ج1). مصر: الهيئة العامة لقصور الثقافة.

بن حنبل احمد. (2009). المسند. ج4. مصر: دار المعارف.

بن قنبر. ( 1990). سيبويه الكتاب. ج1. بيروت ، لبنان: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

بن كعب الهذلول. (2007). شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية. لبنان: مؤسسة الرسالة.

جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور. (1984). لسان العرب. مادة ح ذ ف. ايران: ادب الحوزة.

روبرت دي بوجراند. (1998). النص و الخطاب و الإجراء. تر: تمام حسان.ط1. القاهرة: عالم الكتب.

شُرْخُ الشباب و مفرده شارخُ الشاب ، شرخ شارخ كصحب صاحب.

عبد الخالق رشيد. (جانفي, 2008). العدول الصوتي و تناسب اي الذكر الحكيم. الدراسات الادبية جامعة وهران. العدد2، صفحة 08.

عبد القاهر الجرجاني. (1992). دلائل الاعجاز.تح: محمود محمد شاكر. جدة. السعودية: مطبعة المدني.

فايز التركي. (2011). الحذف و التركيب. بيروت. لبنان: دار الكتب العلمية.

محمد بدر الدين الزركشي. (2005). البرهان في علوم القرآن.تح: محمد أبو الفضل ابراهيم .صيدا. ج1. ط2. بيروت. لبنان: المكتبة العصرية

@pour_citer_ce_document

عيسى بهلول / فاطمة جخدم, «أسلوب الحذف في كتاب البرهان للإمام الزركشي»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 182-194,
Date Publication Sur Papier : 2024-01-24,
Date Pulication Electronique : 2024-01-24,
mis a jour le : 24/01/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9725.