الصورة التنافسية للدولة: كيف ولماذا تتحول الدول إلى علامات تجاريةNation Competitive Image: How And Why Nations Become Commercial BrandsL’image Compétitive de La Nation: Comment et Pourquoi Les Nations Deviennent Des Marques Commerciales
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 21-2024

الصورة التنافسية للدولة: كيف ولماذا تتحول الدول إلى علامات تجارية
L’image Compétitive de La Nation: Comment et Pourquoi Les Nations Deviennent Des Marques Commerciales
Nation Competitive Image: How And Why Nations Become Commercial Brands
07-16
تاريخ الاستلام 2023-09-06 تاريخ القبول 26-02-2024

نور الدين هميسي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تحاول هذه الورقة البحثية التعمق في مفهوم الصورة التنافسية للدولة باعتباره مفهوما مفتاحيا يسمح بإدراك حجم تأثير الاتصال على تشكيل حزمة تمثلات ترتبط بالدولة وبعمقها الثقافي والسياسي والاقتصادي. يتم التعامل مع هذه التمثلات بوصفها تراكما آليا وأحيانا قصديا لجملة من الصور التي يمكن الإفادة منها كمدخلات لنظام حوكمة الدولة وسياستها الخارجية واقتصادها انطلاقا من كون العلاقات التي فرضت العولمة عبورها للحدود تتغذى بالدرجة الأولى من عمليات الاتصال، التي تستحيل تدريجيا إلى إحدى أهم أدوات التسيير الناجع للدولة. سنصل في خاتمة البحث إلى فهم كيفية الاستفادة من هذا المفهوم من أجل بناء إستراتيجيات وسياسات على الصعيد الدولي تسمح بدعم قطاعات اقتصادية وسياسية، كما سنصوغ جملة من التوصيات المهمة لتوظيف هذا المفهوم على الصعيد العربي.

Cet article vise à approfondir le concept d’image compétitive de la nation, un concept clé qui permet d’explorer comment la communication affecte nos représentations sur la nation et sa profondeur culturelle, politique et économique. Ces représentations sont traitées comme une accumulation automatique et parfois intentionnelle d’un certain nombre d’images qui peuvent contribuer comme intrants au système de gouvernance de la nation, à sa politique étrangère et à son économie, en partant du fait que les relations que la mondialisation a imposées au-delà des frontières sont principalement alimentées par des processus de communication, qui se transforment progressivement en l’un des outils les plus importants pour la gestion efficace de la nation. Au terme de l’étude, nous parviendrons à comprendre comment tirer parti de ce concept afin de construire des stratégies et des politiques au niveau international qui permettent de soutenir les secteurs économiques et politiques, et nous formulerons un certain nombre de recommandations importantes pour discerner comment profiter de ce concept dans les pays arabes.
This paper aims to delve into the concept of the nation competitive image, a key concept that allows to explore how communication affect our representations about nation and its cultural, political and economic depth. These representations are dealt with as an automatic and sometimes intentional accumulation of a number of images that can contribute as inputs to the nation’s governance system, its foreign policy and its economy, based on the fact that the relations that globalization imposed crossing borders are fed primarily by communication processes, which gradually transform into one of the most important tools for the effective management of the nation. At the conclusion of the study, we will reach an understanding of how to benefit from this concept in order to build strategies and policies at the international level that allow support for economic and political sectors, and we will formulate a number of important recommendations to discern how to avail this concept at the arab countries

Quelques mots à propos de :  نور الدين هميسي

Dr. Noreddine Hamici    جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، الجزائر  n.hamici@univ-setif2.dz
مقدمة
هناك اتفاق على أن العولمة ليست في الأصل سوى سعيا متناهيا إلى السيطرة والانتصار، ليس بالسياسة والاقتصاد فقط، وإنما كذلك بالرموز والأفكار التي تجسدها ثورة التواصل التي لا تعترف بالحدود. سنحاول من خلال هذه الورقة البحثية استخلاص بعض القراءات حول مفهوم الصورة التنافسية للدولة بوصفه تعبيرا عن حالة صراع مشتدّ في قطاعات اقتصادية وسياسية معينة ومثالا عن المنافسة الفكرية المستعرة عبر وضمن وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال الحديثة، وهي منافسة تبتغي غايات سياسية واقتصادية في النهاية لأن قوة الدول وفرص بقائها في السباق العالمي لن تكون إلا من خلال التمكن والنفوذ.
ويمكن في هذا الصدد الاستئناس بمثال حي عن هذا الأمر، حيث تشكّل عودة كل من إسبانيا وكرواتيا إلى الواجهة العالمية كبلدين يعيشان رخاء اقتصاديا واستقطابا لافتا للسياح رغم الظروف السياسية والاقتصادية التي مرتا بهما خلال العقود القليلة الماضية، نموذجا ممتازا لاختبار مفهوم صورة الدولة وتجلياته الإجرائية على المستوى السياسي. إن استنطاق ممكّنات هذا المفهوم في واقعنا العربي، سواء من الناحية الأكاديمية أو من ناحية الممارسة التطبيقية، يمكن أن يقود إلى إعادة التفكير في حلول مبتكرة للكثير من الإشكاليات المهمة التي تعاني منها الدول العربية، وبالخصوص على المستوى الاقتصادي، حيث يمكن الاعتماد على مفهوم الصورة التنافسية من أجل إعادة ابتكار طرق صناعة الثروة وإدارة المشاريع  
مفهوم الصورة التنافسية: من المنتج إلى الدولة
يقوم مفهوم الصورة التنافسية على مفهوم الصورة الذهنية الذي يحظى بمكانة مميزة في قاموس التواصل والعلاقات العامة. يستخدم الباحثون مفهوم الصورة الذهنية على نطاقات واسعة، ولكن من دون الاتفاق على مفهوم موحد له، وبهذا فهو يبقى بحاجة -كغيره من الكثير من المفاهيم في العلوم الإنسانية والاجتماعية- إلى توضيح وتدقيق على الرغم من عمره المديد من مهد الفلسفة إلى رحاب العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة التي لا تزال تحاول صقل هذا المفهوم. يمتلك مفهوم الصورة الذهنية جذورا موغلة في أعماق الفلسفة القديمة، حيث يعرف من قبل الفلاسفة بأنه محاكاة ذهنية ضعيفة عموما لإحساس أو لإدراك سابق من قبل. وهي أيضا تمثيل عيني من إنشاء فعالية الفكر يستفاد منه في تصوير فكرة مجردة (لالاند، 2001). ويقترب هذا المفهوم كثيرا من بعض المفاهيم التي يتبناها علماء النفس، خصوصا أخصائيي علم النفس الإدراكي، ويمكن الإحالة هنا إلى تعريف وليام سكوت للصورة الذهنية بأنها مجموعة الصفات التي يميزها الشخص أو يتصورها حينما يتذكر الشيء الذي تعبر عنه الصورة (الموسى، 1984).
ويعتبر الباحث الأمريكي كينيث بولدينغ من بين أهم من أسهموا في إعطاء مفهوم الصورة الذهنية قيمة علمية عالية، حيث نال على يده شهرة واسعة في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية، وذلك بعد استخدامه المميز في كتابه الشهير «الصورة: المعرفة في الحياة والمجتمع» الصادر عام 1956. وقد أكد بولدينغ على فعالية هذا المفهوم من أجل تفسير ما وصل إليه العقل البشري من إنجازات علمية مادية وفكرية، وكذا على جدواه في تعليل الكثير من السلوكات التي يقوم بها البشر في مختلف جوانب حياتهم اليومية، ويرى بأن محتوى هذا المفهوم يرتبط بالمعرفة، ويقدم تبعا لذلك تعريفه للصورة الذهنية بأنها «المحتوى المعرفي للذهن البشري» ويرى كذلك بأن المحتوى المعرفي للصورة الذهنية هو أيضا بنية عضوية لأن البشر أثناء عملية التواصل يتبادلون الكثير من الرسائل المشفرة والمفككة بفضل أعضاء بيولوجية معينة(Boulding, 1956) .
ورغم أن ما قدمه بولدينغ حول مفهوم الصورة خلق حركية كبيرة في البحوث العلمية في فروع عديدة من المعرفة والعلوم على غرار علم الاجتماع المعرفي وعلم النفس الإدراكي مثلما أكده الكثير من معاصريه إلا أن هذا لم يمنع من توجيه بعض الانتقادات لمفهومه المقترح من قبل بعض الباحثين مثل ريتشارد إيلي الذي اعتبر بأن هذا المفهوم يحمل لبسا كبيرا، وبأن موضع النقد الرئيسي هو التساؤل عما إذا كان ما يحمله الناس في أذهانهم صحيحا، وبالتالي ما إذا كانت معرفتهم بالواقع ماضيا، حاضرا ومستقبلا صحيحة، ويستدل هنا بما قاله ويل روجرز، أحد كلاسيكيي العلوم الإنسانية في الغرب، حين اعتبر بأن المشكلة ليست في ما إذا كان الناس يعرفون أو لا يعرفون الواقع، ولكن فيما إذا كانت معرفتهم للواقع صحيحة. ويرى البعض بأن الصورة الذهنية هي خلاصة الانطباعات الذاتية التي تتكون في الذهن نحو شيء ما من خلال التجارب المباشرة وغير المباشرة، وترتبط هذه التجارب بعواطف الأفراد واتجاهاتهم وعقائدهم بغض النظر عن صحة المعلومات التي تتضمنها خلاصة هذه التجارب لأنها في النهاية تمثل دافعا صادقا بالنسبة لأصحابها ينظرون من خلاله إلى ما حولهم ويفهمونه على أساسها ((Boulding, 1966.
ولم يبق مفهوم الصورة الذهنية على هذا المستوى من التحليل فقط، حيث بدأ بالتطور تدريجيا قبل أن يتم توظيفه في العديد من الأدبيات العلمية حتى وصل إلى حقول الاتصال والعلاقات العامة، التسويق وعلم الاجتماع التنظيمي بدءا من أواخر الخمسينيات، وكان إسهام الباحث الأمريكي دافيد أوجيلفي واضحا جدا في هذا السياق بصفته أول من نبه إلى أهمية إدراك القيمة العلمية لمفهوم صورة أو علامة المنتج من خلال فرضه الشهير القائل بأن الناس لا يشترون منتوجات وإنما علامات وصور رمزية للمنتوج، وبأن هذا الأخير إنما هو في الأخير شخصية محددة يدركها الجمهور جيدا(Dowling, 1993).
ويذهب تيار آخر من الباحثين إلى التركيز على الجذور الاجتماعية لهذا المفهوم، ويؤكدون بالتالي بأن الصورة الذهنية للمنتوج، الخدمة أو المؤسسة إنما تأخذ قيمتها من دخولها حيز التفاعل الاجتماعي، وهو ما يطلق عليه دوغلاس هولت «التشكل الثقافي للعلامات والصور»، حيث يرى في هذا الشأن بأن ابتكار العلامات التجارية وصور المنتجات وتحسينها أصبح سمة غالبة على المجتمعات الحديثة بفعل الرأسمالية، مضيفا بأن المنتج لم يعد الشيء الوحيد الذي يمثل محورا لتحسين الصورة، وإنما المؤسسة أيضا أصبحت محلا لمثل هذا الفعل. وتكتسب هذه الصور والعلامات وجودها من التداول الاجتماعي والثقافي لأنها توفر للمستهلك فوائد معلوماتية وتفاعلية ورمزية تصبح قابلة للتوظيف من قبل مخططي الاتصال داخل المؤسسات من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية(Holt, 2006).
ومن مفهوم صورة المؤسسة، انطلقت المزيد من الأبحاث الساعية لاختبار فعالية الصورة الذهنية كأداة مفاهيمية تحليلية على مستويات أكثر اتساعا، وفي هذا المنحى، برزت أولى الملامح حول مفهوم صورة الدولة ضمن محتوى الكثير من الدراسات التي انطلقت من نهاية الثمانينيات وإلى غاية يومنا هذا، حيث نذكر هنا على الأقل مساهمة فيليب كوتلر، أحد أبرز منظري التسويق، والذي يذكر في هذا السياق العديد من الدراسات التي حاولت الكشف عن مفهوم صورة الدولة أو العلامة التجارية للدولة (nation brand)، وقدم لمحة عن نتائجها حول تأثير هذه الصورة في سياق المنافسة بين المنتجات المحلية والأجنبية على مستوى الأسواق الأمريكية. ويرى فيليب كوتلر ودافيد غيرتنر بأن صورة الدولة عادت ما تنشأ بالتفاعل بين العديد من المحددات مثل الجغرافيا، الإعلام، التاريخ، الثقافة، وأيضا من خلال شخصياتها المعروفة خارجيا، ويؤكدان بأن هذه الصورة تتسم في الغالب بأنها صورة نمطية واختصار مبتذل للحقيقة قد ينشأ في انعدام أي تجربة شخصية حيال الدولة المعنية، وذلك بفعل الأثر الذي تتركه وسائل الإعلام وصناعات الترفيه من خلال تقديمها للمعلومات أو من خلال تلقي انطباعات من أشخاص آخرين (Kotler & Gertner, 2002).
ورغم هذه الدراسات، إلا أن الفضل في صقل مفهوم صورة الدولة من الزاوية التنافسية وإعادة تدقيقه في سياق كلي سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل يعود إلى الباحث الإنجليزي سيمون أنهولت Simon Anholt*، وخصوصا في كتابيه «الهوية التنافسية: الإدارة الجديدة لصورة الدول، المدن والمناطق»  (Competitive identity: The new brand management for nations, cities and regions) الصادر عام 2007، ثم كتاب «هوية الأماكن وصورتها وسمعتها» (Places identity, image and reputation) الصادر عام 2010، حيث قدم في هذين الكتابين العديد من الرؤى حول مفهوم صورة الدولة وتشعباته النظرية والمنهجية، مستخدما التراث العلمي الكبير لمجالات العلاقات العامة والتسويق في دراسة صورة المؤسسة والعلامة التجارية، وهو ما يفسر اعتماده كثيرا على استخدام مفهومي الصورة والعلامة بنفس المعنى تقريبا.
ويقدم أنهولت مفهومه الخاص لصورة الدولة بالقول بأن وضع تعريف شامل لهذا المفهوم يتطلب التفرقة بين اتجاهين اثنين: اتجاه يعتبر بأن صورة الدولة يجب أن تستقرأ بناء على المظاهر المادية المرئية المتلقاة عن الدولة، فيما يذهب الاتجاه الثاني إلى محاولة التعمق في قراءة جوهر صورة الدولة بالتركيز كذلك على العناصر المعنوية غير المرئية (Dinnie, 2008).
وبالاستعانة بإجراء مقارنة بين صورة المنتج أو صورة المؤسسة من جهة وبين مفهوم صورة الدولة من جهة أخرى، يوضح أنهولت بأنه إذا كانت صورة العلامة أو صورة المؤسسة تبني عبر آليتي التسويق والإشهار، فإن صورة الدولة أو المكان تتكون بواسطة ميكانيزمات أكثر تعقيدا، غير أنه يصر على أن هذه المقارنة تكشف عن تقارب المفهوم كثيرا بين الحالتين، حيث يستفيد صاحب الصورة في كل الأحوال من تكون صورة إيجابية عنه وقد يخسر أكثر إذا تشكلت صورة سلبية، ثم يستطرد بالقول بأن صورة الدولة أو المكان عادة ما تكون مزيجا بين الإيجابية والسلبية بالنظر لكثرة العوامل التي تتدخل في تشكيلها (Anholt, 2007).
ويوضح الباحث الإنجليزي في موضع آخر مفهومه للصورة الذهنية بالقول بأن الحكم المعياري على إيجابية أو سلبية صورة الدولة لا يتوقف على شهرتها أو قوة معرفة الناس بها، ويوضح بالمثال هذا الأمر ويشير إلى أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو أفغانستان قد تمتلكان نفس القدر من الشهرة أو معرفة الناس بهما، غير أن هناك فارقا شاسعا بينهما من ناحية تقييم إيجابية أو سلبية صورتهما (Anholt, 2007). وفي موقع آخر من الكتاب ذاته، يفصّل تصوره للعوامل التي تتحكم في تشكل الصورة الذهنية للدولة لدى شعوب دول أخرى، ويرى بأن تصورات الناس حيال دولة ما تنشأ بتأثير عاملين (Anholt, 2007):
- العامل النفعي الجيد (good reason): ويتدخل هذا العامل في مجالات معينة على غرار اختيار الاستثمار في دولة ما بالنظر لمناخها الاقتصادي المناسب أو كوجهة سياحية بالنظر لممتلكاتها السياحية الجيدة، بحيث يلعب الجانب المادي دورا مهما في تشكل الصورة ويكون تأثيره على مستوى الجانب العقلي.
- العامل الحقيقي العميق (real reason): ويتحدد هذا العامل على المستوى الوجداني العميق، حيث تتشكل الصورة بناء على معتقدات عميقة واتجاهات نفسية حيال الدولة محل التقييم، ويقول أنهولت بأن التعرف على تأثير هذا العامل يبدو أكثر صعوبة لأنه يمكن التعرف على المدركات العقلية للناس، غير أنه من العسير تحديد مدركاتهم العاطفية.
ويستخدم أنهولت في هذا الشأن العديد من المفاهيم التي تتداخل من لحظة إلى أخرى للتعبير عن تصوره لشيء معين يتكوّن حيال دولة ما في أذهان شعوب وأنظمة الدول الأخرى، حيث يستخدم مصطلحات على غرار الصورة، الثقة، الهوية، السمعة أو العلامة، غير أنه معذور في ذلك لأن النقاش الدائر بين أخصائيي الإعلام والعلاقات العامة والتسويق في هذا الصدد ليس بالجديد، حيث دعا كل من فرانك جيفكنز وجيمس غرونيغ، أحد أبرز منظري الصورة الذهنية في العلاقات العامة، إلى تجاوز هذا الخلاف في التسميات والتركيز على المسمى بالنظر للتقارب الكبير في هذه المفاهيم، ويقترح غرونيغ تحديدا جمع كل هذه المسميات تحت مسمى واحد أطلق عليه «إدارة الانطباعات» أو «استهلاك الرموز من طرف الجماهير» ( Grunig, 2003).
وينتهي أنهولت إلى أن رعاية وتخطيط صورة الدولة على المدى البعيد أصبح يمثل أهمية قصوى في العالم المعاصر الذي يتميز بمدّ عولمي متنامي، ويصوغ في هذا الصدد مفهومه الخاص لما يسميه «إستراتيجية الهوية التنافسية للدولة»، وهو برأيه مفهوم يستدعي رعاية خاصة بالنظر لضرورته في عالم اليوم الذي يعتبر «سوقا معولمة»، حيث أضحى لزاما على كل دولة أن تدرك بأنها مخيرة بين إيجاد مكانة لها في منظومة هذه السوق أو البقاء خارج التاريخ، ويعرف بناء على ذلك الهوية التنافسية للدولة بأنها «مجمل المجهودات المخططة والموجّهة لدفع تنافسية الدولة في سياق دولي»(Anholt, 2007)، وتتضح مستويات المنافسة أكثر في الدبلوماسية، التجارة والسياحة. 
صورة الدولة ومجالات التنافس في سياق العولمة
يتيح مفهوم صورة الدولة مجالا خصبا لفهم الكثير من الظواهر التفاعلية بين الدول ويقدم قراءات ذات قيمة فعالة لشرح ما يعيشه العالم المعاصر من مد عولمي جارف. وفي هذا الشأن، يؤكد أنهولت على أن صورة الدولة هو مفهوم جوهري قابل للقياس، وله تأثير هام على التقدم الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي والثقافي للدول، وذلك بالنظر لتدخله كمتغير بالغ الأهمية في علاقة الدولة بغيرها من الدول، وكذا في اتخاذ الكثير من القرارات ذات الطابع العابر للحدود على غرار الهجرة، العمل في بلد آخر، اقتناء المنتجات، السياحة... والكثير من الأفعال التي يتم التخطيط لها بناء على ما يتلقاه الأفراد من مدركات حيال الدول الأخرى (Anholt, 2007).
وعلى العموم، قد تتحدد الكثير من الأهداف من التخطيط لصورة الدولة، ولعل أهمها على الإطلاق يتضح في الجانب الاقتصادي، وخصوصا استقطاب السياح الأجانب والاستثمارات الأجنبية، دفع الصادرات، تنمية المصداقية الدولية، تقوية الشراكات مع الدول الأخرى وزيادة التأثير السياسي للدولة في المواضيع الدولية (Dinnie, 2008).
ومن أجل توضيح مختلف هذه الأهداف يمكن الاستقرار على الأمثلة التطبيقية التالية:
المنافسة الاقتصادية والتجارة الدولية
على مستوى التحليل الجزئي، تشير بعض دراسات التسويق إلى أن المستهلك عادة ما يقوم بعملية مراجعة معرفية قبل اتخاذه لسوك شراء أي منتج، حيث يتصرف المستهلك عادة وفقا لآلية مراجعة معرفية يتم عن طريقها التعرف على المنتج وفقا للمعلومات التي تلقتها بنيته المعرفية سابقا، وهذا التحليل ينسحب على الطريقة التي يتصرف بها المستهلك لما يتعلق الأمر بمنتج قادم من دولة أخرى. ويذكر كولتر مثالا مميزا عن هذا الأمر من خلال الدراسة التي أجراها فرانس لوكليرك، بيرند شميت ولورين دوبي حول تلقي علامات المنتجات في خارج الدول، والتي تم من خلالها التوصل إلى أن الاتجاه نحو المنتج الفرنسي يبني إيجابيا حتى من خلال التلفظ بعلامته باللكنة الفرنسية (Kotler & Gertner, 2002).
يفاجئنا أنهولت في كتابه «هوية الأماكن، صورتها وسمعتها» بأنه تلمس الملامح الأولى للبحث في تأثير صورة الدولة على تجارتها الخارجية من المفكر العربي أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي في كتابه المعنون «الإشارة إلى محاسن التجارة بالحديث عن المال» (سنة 570 هجرية الموافق لـ1175 ميلادية)، وهو الكتاب الذي تحدث فيه أبو الفضل عن منظوره للعمل في التجارة بالبلدان البعيدة من خلال قوله «أحيانا اسم التاجر يزن في السوق أكثر من ثروته، والناس يشترون من التجار الذين يثقون فيهم»(Anholt, 2010).
ويسقط أنهولت هذه المفاهيم على واقع التجارة العالمية حاليا، حيث يشير إلى أن علاقة التاجر والزبون التقليدية كما رآها أبو جعفر الدمشقي تطورت كثيرا وأصبحت عملاقة بفعل العولمة التي يعطي لها أنهولت بعدا سياسيا اقتصاديا، غير أن صلابة العلاقة الارتباطية بين سمعة وصورة التاجر وثقة الزبون بقيت على حالها، وإنما تحول طرفاها من شخصين إلى دولتين أو مجموعة دول، حيث أصبحت علاقات التجارة الدولية قائمة كذلك على صورة الدولة البائعة والثقة التي تمتلكها لدى الدول الأخرى، ويذهب إلى أن تراجع النظام العالمي في شكله الحالي دليل آخر على أن الثقة أصبحت مهزوزة بين الدول.
وفي كتابه «تلميع صورة العدالة الجديدة»، يوضح أنهولت بدقة كيف أن صراعات التجارة الخارجية بين الدول يمكن أن تلقى تفسيرات عميقة لها في مفهوم «تلميع صورة الصادرات»، ويرى بأن الصورة يمكن أن تكون مصدرا لثروة الأمة، حيث يعتبر بأن تسويق منتجات العديد من الدول تحت علامات تجارية تخضع لعناية خاصة في تلميع صورتها يمكن أن يكون سياسة تجارية ذكية للغاية قد تعود بمداخيل وفيرة على الدولة، لأن الناس عادة ما يشترون المنتج الذي يملك صورة إيجابية محسنة وفقا لبرامج خاصة ويفضلونه على المنتجات المجهولة، بل وهم مستعدون لدفع أموال أكثر مقابل الحصول عليه، وهذا الأمر ينطبق على المؤسسة التي تملك صورة جيدة لدى زبائنها، حيث تملك فرصا أكبر في البقاء في السوق مقارنة بمؤسسات تجهل صورتها لدى الناس، وإذا ما اتجهنا صعودا فإن الدول لا تفلت من صرامة هذا القانون، فالنظام العالمي لا يعترف بالدول المجهولة، والمنافسة الاقتصادية والسياسة على المستوى الدولي تتأثر كثيرا بتصورات الناس نحو دولة معينة وثقتهم فيها (Anholt, 2003).
ولا تتوقف المنافسة بين المنتجات عند حدود الدولة الواحدة، حيث قد يمتد هذا الصراع إلى خارج الدولة بفعل نجاح العلامة في كسر حواجز الاتصال بواسطة وسائل الإعلام واقتحام أسواق الدول الأخرى، ويقدم أنهولت مثالا على ذلك بنجاح السيارات الألمانية في الظفر بمكانة خاصة في الأسواق الأمريكية، ويفسر ذلك بالثقة الكبيرة للمستهلك الأمريكي في الصانع الألماني، ويفترض أنه حتى لو غيرت شركات صناعة السيارات الألمانية علاماتها من مرسيديس وأودي إلى أسماء أخرى مثل «أ» و»ب» فإنها ستلقى نفس الرواج لأن هناك علاقة ثقة بين الزبون الأمريكي والشركة الألمانية بفعل صورة المنتج التي خضعت للتحسين من جهة وصورة المؤسسات الألمانية من جهة ثانية، ثم صورة الدولة الألمانية ذاتها من جهة ثالثة وأخيرة (Anholt, 2003).
الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الثقافية
وإلى جانب التوظيف المثمر لمفهوم صورة الدولة في تفسير طبيعة علاقات التجارة الدولية في العالم، فقد لقي استخدام هذا المفهوم نجاحا واسعا في فهم وبناء العلاقات السياسية بين الدول، وبالتحديد في الجانب الدبلوماسي، وفي هذا الصدد، هناك عدة مفاهيم تستخدم بكثافة في الأدبيات الغربية على غرار الدبلوماسية الافتراضية، الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الثقافية، وهي في الأصل مزيج من الدبلوماسية ونشاط العلاقات العامة يستند كثيرا على مفهوم صورة الدولة.  
وتشير هذه الأدبيات إلى أن الكندي إيفان بوتر هو أول الباحثين الذين صقلوا مفهوم الدبلوماسية الافتراضية، وذلك من خلال كتابه المعنون بـ»الدبلوماسية الافتراضية»، الصادر عام 2002، ويستعين فيه بما كتبه مواطنه الشهير مارشال ماكلوهان حول الحتمية التكنولوجية، ويقدم فيه قراءة تاريخية لواقع الدبلوماسية المعاصرة إلى أن يصل في الأخير إلى أن التطور الحاصل في تكنولوجيات الاتصال وصولا إلى الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي مكّن بعض الدول من تحقيق مكاسب دبلوماسية عديدة لأنه نقلها من مخاطبة الأنظمة السياسية الرسمية إلى مخاطبة الشعوب في حد ذاتها، معتبرا بأن انفجار تدفق المعلومات بفضل الرقمنة كان في صالح الدبلوماسيين مثلما كان في مصلحة الشركات والبنوك، وبأن «الشفافية التامة» في عصر الشبكات ستعيد التأسيس لنمط جديد من العلاقات ليس بين الدول فقط، وإنما بينها وبين الشعوب والمنظمات غير الحكومية أيضا (Potter, 2002).
ويقترب مفهوم الدبلوماسية الافتراضية كثيرا من بناء نظري أكثر اتساعا لقي استخداما مكثفا في حقل العلاقات الدولية، والأمر يتعلق بالدبلوماسية العامة، وهي مبحث يعنى بدراسة والتخطيط للتصورات الناشئة عن دولة ما لدى شعب دولة أخرى، وذلك بالاستعانة بفعالية وسائل الإعلام في هذا الصدد، وإذا كان كل من أنهولت وبوتر قد كتبا حول هذا الموضوع في الوقت ذاته، فإن الأول كان أكثر تركيزا على استخدام مفهوم صورة الدولة واعتبره مفتاحا لتفسير كيفية بناء علاقات بطريقة وسائطية بعيدا عن النمط التقليدي المتعارف عليه في الدبلوماسية. 
وترجع الأصول الأولى لمصطلح لدبلوماسية العامة إلى سنوات الستينيات غير أنها كانت ذات طابع تطبيقي أكثر منه أكاديمي، ففي عام 1963، اعتبر إدوارد مورو، أب الدبلوماسية العامة ورئيس الوكالة الأمريكية للمعلومات في ذلك الوقت، بأن الدبلوماسية العامة تختلف عن التقليدية منها، لأنها تمتد باهتماماتها لتستهدف الجماهير العامة والمنظمات غير الحكومية، كما أنها لا تنقل وجهات نظر الحكومات الرسمية للدول، وإنما تتضمن وجهات نظر عامة مواطنيها كذلك، فيما سار كريستوفر روس، أحد أبرز وجوه الدبلوماسية الأمريكية في هذا التيار، واعتبر بأن الدبلوماسية العامة تمثل الوجه الجماهيري للدبلوماسية التقليدية، واصفا العلاقة بينهما بالتكاملية والموازية، وذلك بعد دخول ثورة الاتصال كمتغير وسيط في العلاقات بين الدول، وبالتحديد بعد نهاية الحرب الباردة، وليست وسائل الإعلام المتغير الوحيد هنا لأن هناك تأثيرا آخر للعديد من العوامل الناشئة الأخرى مثل التغير في شكل المجتمع المدني بالنمو الكبير في المنظمات غير الحكومية وسعيها الدائم للدخول إلى دائرة اهتمامات الرأي العام (Leonard & al, 2002) .
ولم تحظ الدبلوماسية العامة بالاهتمام النظري إلا في السنوات الأولى للألفية الثالثة، حيث يعتبر أنهولت من بين الباحثين البارزين في هذا المضمار، وتتميز تحليلاته حول الموضوع بمرجعيته الدائمة إلى مفهوم صورة الدولة والتخطيط لهويتها التنافسية، ومن هذا المنطلق، فهو يطوّر التصورات السابقة حول جماهيرية الدبلوماسية العامة ويشدد على أنها تبقى في كل الأحوال تعبيرا عن وجهات النظر التي تمثل المؤسسات الحكومية الرسمية وكذا غير الرسمية والأشخاص داخل الدولة، والهادفة إلى نقل رسالة مجتمع بأكمله إلى مجتمع دولة أخرى، وبالتالي فهي في رأيه مكون فرعي داخل مخطط الهوية التنافسية الذي يضم إلى ذلك العديد من الاتجاهات الأخرى في صناعة انطباعات معينة حول الدولة (Anholt, 2010).
يشار إلى أن تصورات أنهولت حول الدبلوماسية العامة تركز أكثر على فكرة المنافسة بالنظر لارتكازه النظري على مفهوم الهوية التنافسية، غير أن هذا لا يجب أن يخلط علينا الأمور إذا ما أشرنا إلى أن الباحثين في الموضوع يفرقون بين نمطين من الدبلوماسية العامة: التنافسية والتعاونية(Leonard & al, 2002)، فالأولى تفرض نفسها في بعض المواضيع التي تسعى الدولة لتكون رائدة فيها على حساب غيرها من الدول بالنظر للمراهنة على مصالح وأهداف غير قابلة للتنازل والتقاسم مثل اقتحام الأسواق والهيمنة التجارية والترويج السياحي، في حين تميل الثانية إلى الطابع التشاركي والمصلحة المتقاسمة مع بقية الدول في التوجه إلى جماهير الدولة المستهدفة، ومثال هذا النمط من الدبلوماسية السعي إلى نشر قيم سياسية مثل العدالة والديمقراطية ومساعدة الدول على تجاوز الحروب والأزمات.
ويحذر أنهولت من عدم إيلاء أهمية كبيرة لبرامج صورة الدولة من قبل الحكومات القائمة، ويشير في هذا الشأن إلى أن الدبلوماسية العامة تشكل على العموم خطرا محدقا بهذه الحكومات إذا ما قورنت بالدبلوماسية التقليدية، فإذا كانت هذه الأخيرة تخاطب جمهورا محصورا يتشكل من حكومة ودبلوماسيي الدولة المستهدفة فإن الدبلوماسية العامة أمر أكثر تعقيدا بكثير، ويوضح هنا بالقول:
« إن التعقيد في معرفة وإدارة الجماهير الواسعة مقارنة بالجماهير الصغيرة المحترفة مفتاح رئيسي لفهم الفروق بين الدبلوماسية العامة والدبلوماسية التقليدية، فتقييم جمهور من وزراء ودبلوماسي دولة ما لسياسات دولة أخرى لن يكون له أثر واسع على صورتها، وهذا التقييم يوصف في الأعراف الدبلوماسية بأنه سطحي وقابل للتغير في أي لحظة، غير أن الأمر يختلف بالنسبة للجماهير الواسعة، والتي تشكل تصوراتها حيال دولة ما من خلال ما تتلقاه من معلومات، وهذه التصورات تتسم في الغالب بأنها مستقرة وسهلة التحديد والقياس، غير أنه من الصعب تغييرها « ( Anholt, 2010).
ويقدم أنهولت بعد ذلك موجزا تاريخيا لتطور الدبلوماسية العامة في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، حيث يحدد ثلاث مراحل أساسية، أولها الفترة التي سبقت تولي إدوارد مورو لرئاسة الوكالة الأمريكية للمعلومات، وكانت الدبلوماسية العامة حينها مجرد نشاط إعلامي يتولى نقل ما تقرره الخارجية الأمريكية عبر وسائل الإعلام، أي أن دورها في صناعة السياسة الخارجية كان المرافقة وفقط، فيما تحولت وظيفة ممتهني الدبلوماسية العامة بقدوم مورو إلى المشاركة في تعديل السياسات الخارجية بالشكل الذي يخدم صورة الولايات المتحدة، قبل أن تتحول الدبلوماسية العامة إلى أداة مستقلة ضمن منظومة السياسة الخارجية الأمريكية كمحور رئيسي لصنع السياسات وليس كوسيلة للتواصل فقط، وبالتالي فقد أصبح هذا النشاط مستقلا ومؤثرا للغاية (Anholt, 2010).
وإلى جانب الدبلوماسية العامة، يشير أنهولت إلى إمكانية الاستعانة بتصوره حول الهوية التنافسية للدولة لفهم نمط آخر من الدبلوماسية هو الدبلوماسية الثقافية، ويقدم كمثال على ذلك إسهام الثقافة الجماهيرية الأمريكية في اختراق المجتمع السوفياتي والمشاركة في تدمير الشيوعية. والدبلوماسية الثقافية هي تسمية مرجعية لما يمكن أن نطلق عليه سياسة خارجية ذات طابع ثقافي، وهي تعبير واقعي عن طبيعة العلاقات بين الدول التي لا تبنى بالدبلوماسية التقليدية والعلاقات السياسية فقط، وإنما كذلك بالتلاقح والتعارف بين الثقافات، لأن الصلات بين الدول لا تتوقف عند حدود الأنظمة السياسية، بل هي في الأساس علاقات بين الشعوب والثقافات (Jora, 2013).
لقد أصبح التواصل الدولي الآن أفضل أداة لنشر الأفكار بين الشعوب، كما أن الإقناع أصبح أفضل حل لتوزيع ما يسميه أنهولت بـ»المنتجات الثقافية للدول» وتغيير الكثير من سلوكات الشعوب الأخرى، بعد أن لم يعد هناك مكان للإجبار والقسر اللذين سادا سابقا العلاقات الدولية. ويمكن هنا تقديم المزيد من الأمثلة التوضيحية، فصورة أوروبا مثلا لدى بقية شعوب العالم هي في الغالب امتداد ثقافي معين أكثر من كونه امتدادا سياسيا، كما أن الكثير من الصور والرموز تختلط عند الحديث عن أوروبا، حيث تتداخل صورة لذة الأطعمة الفرنسية والإيطالية مع فخامة التكنولوجيات الألمانية والسويسرية، إلى جانب قوة ونظارة البناءات الإنجليزية...( Anholt, 2010)، وهو ما يعتبره أنهولت تأكيدا إضافيا على أن صورة الدولة هي أداة فعالة جدا في تحديد طبيعة اتجاهات الشعوب والدول نحو بعضها البعض.
ويمتد تأثير الدبلوماسية الثقافية وتشكيلها لصورة إيجابية حيال الدولة إلى أهداف أخرى، وبالتحديد على المستويين السياسي والاقتصادي، وهو ما يدفع للتأكيد على أن تأثير الدبلوماسية الثقافية يظهر على المدى البعيد، وقد أدركت العديد من الدول في الآونة الأخيرة هذا الأمر، ففي فرنسا على سبيل المثال، دق مستشارو وزارة الخارجية الفرنسية في الثمانينيات أجراس الإنذار بعد إحساسهم باهتزاز صورة بلدهم في العالم، وخصوصا لدى الشعب الأمريكي، حيث استغربوا كيف أن بلدا مثل فرنسا بمكتسباته الثقافية العريقة غير معروف بالنسبة للمواطن الأمريكي، لدرجة أن هذا الأخير لا يعرف ما تختزنه باريس ولا تتملكه أي رغبة في زيارتها، وإذا حدث وأن فعل ذلك فإنه يقول بأنه ذهب إلى أوروبا، وليس إلى فرنسا(Guehenno, 1986) . ومن هذا المنطلق فقد تفطن الفرنسيون حينها إلى أن ثمة عطبا في سياسات تسويق ثقافة بلدهم يجب أن يصحح من أجل إعادة تلميع صورة فرنسا في العالم.
تسويق الوجهات السياحية
ويمكن الاستفادة من مفهوم الصورة التنافسية للدولة في استكشاف أغوار مبحث آخر لا يقل أهمية في دراسة العلاقات بين الدول والشعوب، حيث أضحت السياحة فضاء ثقافيا وسياسيا يتخطى جميع الحدود ويسهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي الداخلي مثلما يساعد في تنمية العلاقات السياسية. ويتحدث أنهولت في هذا الصدد عن إسقاطه لتصوراته حول صورة الدولة ولكن في إطار نظري أكثر اتساعا، وهو مفهومه لصورة المكان، والأمر واضح من خلال كتابه الذي يحمل العنوان ذاته، ويعتبر في هذا الشأن بأن صورة المكان هو البناء النظري الأنسب لإجمال النظرة إلى التصور القائم حيال بلد ما في منظور شعوب البلدان الأخرى، ويعتبر السياحة هنا أحد أهم المجالات التي تتضح فيها حدة المنافسة بين الدول بالنظر إلى أن طبيعة الخدمة المسوقة هنا مميزة جدا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العرض المقترح في الغالب في التواصل السياحي ليس منتوجا ماديا قد يكون عطلة أو رحلة منوعة بقدر ما هو في الأصل إطار معرفي ووجداني متكامل حول البلد أو المدينة محل العرض منمّق بمعلومات ثرية حول ما سيجده السواح في البلد من عادات وتقاليد، طبائع الناس، المناخ، نوعية المأكل، الثقافة والتاريخ... وغير ذلك من المكونات التي تصنع في ذهن السائح صورة واضحة وإيجابية... (Anholt, 2010).
ويستخدم باحثو وممارسو الترويج السياحي في هذا الصدد مفهوما خاصا هو «تلميع الوجهة السياحية» (destination branding)، وهو مفهوم شرع في استخدامه في هذا المجال ابتداء من سنوات الثمانينيات من أجل التعبير عن المجهوادت الهادفة لتسويق منتجات وخدمات معينة تتعلق بثقافة وطبيعة وأساليب عيش مجتمع معين، وهذا الأمر يشير ضمنيا إلى أن برامج تلميع الوجهة السياحية نشأت في حضن مهنة الترويج السياحي قبل أن تجد لها مكانا ضمن الفضاء الأكاديمي للبحث في البعد الاتصالي لهذا المجال وذلك بدءا من السنوات الأولى للألفية الثالثة(Pereira & al, 2012) .
يمكن أن يكون مفهوم الصورة التنافسية للدولة أكثر فائدة في فهم التنافس في مجال السياحة، فتلميع الوجهة السياحية حافز مهم جدا من حيث دفعه إلى تحقيق الهدفين سابقي الذكر، أي الجانب الاقتصادي والجانب الدبلوماسي والسياسي، إذ أن التعرف على البلد من خلال زيارته وتكوين صورة عنه من خلال التجربة الحسية يشكل دافعا إضافيا لاختيار الاستثمار بهذا البلد أو عقد شراكة سياسية معه وتعميق العلاقات الدبلوماسية معه من أجل تحقيق أهداف معينة، فيما يكون من الصعب اتخاذ مثل هذه القرارات في ظل غياب المعلومات المكتسبة بالتجربة الحسية، ويسرد أنهولت في هذا المجال تجارب العديد من الدول التي أصبحت تتبنى شعارا مهما يؤكد ذلك وهو: «إذا كان الناس سيأتون إلى بلدنا من أجل رؤيته، فإنهم يجب أن يغيروا نظرتهم إلينا»، ويحدد لهذا التصور مفهوما خاصا هو «الرضا الإستراتيجي للسيّاح» ( Anholt, 2010).
ولهذا السبب، فقد ارتقى نشاط تلميع الوجهات السياحية إلى أعلى المراتب في اهتمامات الكثير من الدول الرائدة في السياحة العالمية وأصبح يحظى باهتمام سياسي منقطع النظير، وهذا الأمر أكدته الدراسة التي أجراها كل من نايجل مورغان، أنيت بريتشارد وراشيل بيغوتي عام 2003، تحت عنوان «تلميع الوجهة السياحية ودور الجماهير المختلفة: حالة نيوزيلاندا»، والتي بيّنت بأن تلميع الوجهة السياحية يشكل محورا هاما في سياسة الحكومة النيوزلندية، وبأن هناك سعيا حثيثا لبناء التحالفات الدولية والشراكات السياسية بناء على ما أفرزه النشاط السياحي في هذا البلد من حيوية، وبأنه على العكس من ذلك فإن الأزمات السياسية عادة ما تكون سببا في تراجع هذا النشاط(Ryan & Silvanto, 2010).
خاتمة: آفاق عربية لمفهوم الصورة التنافسية للدولة
اهتمت هذه الورقة ببحث تصورات سيمون أنهولت حول الصورة التنافسية للدولة والمجالات التي تتضح فيها جدوى هذا المفاهيم، ومن الضروري أخذ مثل هذه التحاليل بعين الاعتبار في الدول العربية، وخصوصا منها تلك التي تتعلق بالاستثمار في تخطيط وتحيين السياسات الإستراتيجية لتنمية النفوذ السياسي والاقتصادي العربي على المستوى الدولي.
إن مثل هذه المخططات النظرية تحتاج إلى رعاية خاصة من قبل الدوائر العلمية الأكاديمية والسياسية الرسمية على حد سواء، وذلك بالنظر لعاملين اثنين:
- أن العالم العربي يزخر في غالبه بالمقومات الأساسية لكي يصبح قوة فعالة من الناحية السياسية والاقتصادية على الرغم من التفاوت في مستويات جاهزية كل دولة لمثل هذه الخطط.
- أن الحضور الإعلامي للدول العربية في الإعلام الدولي لا يزال محتشما، وهذا من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى رسم صورة سلبية حول كل ما هو عربي، الأمر الذي يستدعي ردا عمليا وإجرائيا، وليس تحليلا للأسباب والظواهر فقط. 
وفي منظورنا، فإن هناك مجموعة من المنطلقات الرئيسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار من أجل إعطاء النقاش حول مفهوم صورة الدولة وآليات توظيفه ضمن السياسات العامة في الفضاء العربي الصفة العلمية والأداتية الجادة، ونذكر منها:
- أن الرهان على الإعلام هو رهان استراتيجي ومخرجاته تظهر في العادة على المدى البعيد، والعالم العربي هو منطقة حيوية في العالم ويملك موروثه الحضاري الذي يؤهله للحصول على مكانة مرموقة ضمن الفضاء الرمزي العالمي. 
- أن العالم العربي يزخر بمقومات أساسية في المجال الاقتصادي، وذلك مع أن أكبر القوى العربية تبقى تجني مداخيلها من تصدير النفط، هذا الأمر بدأ في التغير في السنوات الماضية باتجاه دول الخليج على وجه التحديد نحو تنويع ممارساتها الاقتصادية باستقطاب الاستثمارات الأجنبية ومباشرة استثمارات عملاقة في الخارج. 
- أن هناك شبه إجماع على أن الصورة القائمة حول العالم العربي في الخارج لا زالت تحتاج إلى مجهود كبير من أجل تلميعها، وذلك ليس بالاستعانة بالوجه الاقتصادي المشرق لبعض الدول مثل دول مجلس التعاون الخليجي فقط، وإنما أيضا من خلال الاستثمار في الثقافة العربية والتركيز أكثر على عولمتها.
- العالم العربي له مقومات سياحية هامة، ودول مثل مصر، تونس والمغرب من أكبر الأقطاب السياحية في العالم، لذلك فإن الترويج للسياحة يمكن أن يكون أيضا واجهة لتلميع صورة الدولة الواحدة أو الدول العربية مجتمعة، وذلك من خلال استغلال الوفادة السياحية القادمة إلى هذه الدول من أجل تدارك الثغرات التي تولدت نتيجة الغياب العربي في الفضاء الإعلامي الدولي.  
- تبقى الإرادة السياسية من أكثر عوائق إدماج هذا المفهوم في الفضاء العربي، فقول أنهولت بأن السياسة والسياحة يتأثران ببعضهما البعض له موضع صدق كبير في عالمنا العربي، إذ تغيب في الكثير من الأقطار العربية سياسات واضحة على مستوى الاستثمار الاقتصادي والسياحة رغم الإمكانيات التي تزخر بها، والأمر يرجع بالأساس إلى تدهور الأوضاع الأمنية وغياب الأفق الاستراتيجي في الكثير من السياسات المنتهجة.
- إضافة إلى ذلك، يقدم هذا المفهوم وآليات توظيفه قيمة علمية كبيرة للمشتغلين في حقول الاتصال والعلاقات العامة، حيث يستدعي ذلك إطلاق لبحوث بخصوصه وتعميقها من أجل اختبار إمكانية استيعابه في السياسات العربية وتقديم المقترحات اللازمة لوضعه على سكة الأداء.
الموسى، ع (1984). الصورة العربية في الصحافة الأمريكية، مؤسسة حمادة للنشر والتوزيع، إربد.
لالاند، أ (2001). موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة: خليل أحمد خليل، منشوارت عويدات، بيروت.
Anholt, S. (2003). Brand new justice: The upside of global branding, Butterworth-Heinemann, Oxford.
Anholt, S. (2007). Competitive identity: The new brand management for nations, cities and regions, Palgrave Macmillan, New York.
Anholt, S. (2010). Places identity, image and reputation, Palgrave Macmillan, New York.
Boulding, K. (1966). “The economics of knowledge and the knowledge of economics”, The Americain Economics Review, 56 (1/2), pp. 1-13, American Economic Association, Nashville.
Boulding, K. (1956). The image: Knowledge in life and society, University Of Michigan, Michigan.
Dinnie, K. (2008). Nation branding concepts, issues and practice, Elsevier Butterworth-Heinemann, Oxford.
Dowling, G. (1993). “Developing your company image into a corporate asset”, Long Range Planning, 26 (2), pp. 101-109. Emerald Publications, London.
Grunig, J. (2003). Image and substance: From symbolic to behavioral relationships. In: Balmer, J. & al., revealing the corporate: Perspectives on identity, image and reputation, Routledge, London.
Guehenno, J. M. (1986). «Diplomatie culturelle: culture de France, culture d’Europe», Politique Etrangère, 51 (1), pp. 165-171. Institut Français des Relations Internationales, Paris.
Holt, D. (2006). «Toward a sociology of branding». Journal of consumer culture, 6 (3), pp. 299-302. Sage Publication, London.
Jora, L. (2013). “New practices and trends in cultural diplomacy”, Romanian Review of Political Sciences and International Relations, 10 (1), pp. 43-52, Cultural Diplomacy Research, Washington.
Kotler, P. & Gertner, D. (2002). Country as brand, product and beyond: a place marketing and brand management perspective. In: Morgan, N. & al., Destination branding creating the unique destination proposition, Elsevier Butterworth-Heinemann, Burlington.
Leonard, M. & al, (2002). Public diplomacy, The Foreign Policy Center, London.
- Pereira, R. & al, (2012). “Destination Branding: A critical overview”, Journal of Quality Assurance in Hospitality & Tourism, 13 (2), pp. 81-102, Taylor & Francis, Oxford.
- Potter, E. (2002). Cyber-diplomacy: Managing Foreign Policy in the Twenty-first Century, McGill-Queen’s Press, and Ottawa.
- Ryan, J. & Silvanto, S. (2010). “World heritage sites: The purposes and politics of destination branding”, Journal of Travel & Tourism Marketing, 27 (5), pp. 533-545. Taylor & Francis, Oxford.

@pour_citer_ce_document

نور الدين هميسي, «الصورة التنافسية للدولة: كيف ولماذا تتحول الدول إلى علامات تجارية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 07-16,
Date Publication Sur Papier : 2024-06-30,
Date Pulication Electronique : 2024-06-30,
mis a jour le : 30/06/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9836.