طبيعة الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» لكمال قرورThe nature of the beginning in Kamal Karour’s novel “Hazrat the General”La nature de l’éditorial dans le roman de Kamal Qarour «Son Honneur le général »
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 21-2024

طبيعة الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» لكمال قرور
La nature de l’éditorial dans le roman de Kamal Qarour «Son Honneur le général »
The nature of the beginning in Kamal Karour’s novel “Hazrat the General”
125-136
تاريخ الاستلام 2019-07-24 تاريخ القبول 20-02-2024

نجمة قرواز
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يعد الاستهلال في الرواية من أهم العتبات التي يستخدمها الروائي للانتقال بالقارئ من العالم الواقعي إلى العالم التخييلي، لذلك نجده يراهن عليه كثيرا للتأثير في القارئ، وذلك من خلال عملية انتقاء دقيقة لنصوص أو عبارات مركزة ومشحونة، يرى بأنها كفيلة بممارسة الضغط على القارئ بغرض ضمان قراءة النص الروائي قراءة جيدة.  ونظرا للأهمية الكبيرة للاستهلال في الرواية، تهدف هذه الورقة البحثية للكشف عن طبيعة الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» لكمال قرور، وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلات الآتية: ما هو الاستهلال الروائي؟ وما هي أنواعه؟ وما هي أشكال الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال»؟

Le début du roman est l’un des seuils les plus importants utilisés par le romancier pour faire passer le lecteur du monde réel au monde imaginaire. Nous le voyons donc parier beaucoup sur lui pour l’influencer, par le processus de sélection minutieuse de textes ou de phrases concentrés et chargés, considérés comme capables de faire pression sur le lecteur pour en assurer la lecture du texte est une bonne lecture. Compte tenu de la grande importance du début du roman, cet article a pour objectif de révéler la nature du début du roman «Le Général» de Kamal Qarour en répondant aux questions suivantes: Qu’est-ce que le début du roman? Quels types? Quelle est la nature du début du roman «Le général»?

The novel beginning is one of the most important thresholds used by the novelist to move the reader from the real world to the imaginary world, so we find him betting on him a lot to influent the reader. Through the process of careful selection of texts or phrases concentrated and charged, which is considered able to put pressure on the reader to ensure reading. The text is a good read novelist. In view of the great importance of the beginning of the novel, this paper aims to reveal the nature of the beginning of the novel “The General” by Kamal Qarour, by answering the following questions: What is the beginning of the novel? Which types? What is the forms of the beginning of the novel “The General”?

Quelques mots à propos de :  نجمة قرواز

Dr. Nedjma kerouaz   مخبر الدراسات الاجتماعية اللغوية والاجتماعية التعليمية  والاجتماعية الأدبية جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل، الجزائر n.kerouaz@univ-jijel.dz
مقدمة
لقد حظي الاستهلال بقسط كبير من الدراسات النقدية العربية القديمة، وبخاصة فيما يتعلق بالنصوص الشعرية، وذلك حينما تحدثوا عن حسن المطلع في القصيدة، حيث تفطنوا إلى مدى قيمة هذه العتبة في بناء القصائد التي نظمت من دون عناوين، وكأن هذا الأمر ضروري،  وبالتالي كان لزاما على الشعر أن يتقيد به، كما أولته الدراسات الحديثة الغربية والعربية العناية الكبيرة سواء تعلق الأمر بالنصوص الشعرية أم النصوص النثرية، ولعل دراسات «جيرار جنيت» من أهم الدراسات الحديثة الرائدة في هذا المجال، حيث تحدث فيها عن العتبات النصية بمختلف أنواعها، فكانت دراساته الشاملة تلك بمثابة المنبه للباحثين للكتابة حول هذه القضية، ويعد البحث في مجال الاستهلال الروائي/ العتبات النصية الروائية من أهم المجالات التي نالت حظا وافرا من هذه الدراسات، حيث شملت العتبات النصية مختلف النصوص الموازية والمتعالية، وما ساعدها على ذلك كون الرواية حقلا فسيحا يستوعب مختلف الأجناس ويقبل الانفتاح والتجدد، وله القدرة على التفاعل، ويعتبر الاستهلال أحد المنافذ التي يحقق من خلالها النص الروائي هذا التفاعل، وعليه ستقوم هذه الدراسة بالتطرق إلى أشكال الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» للروائي كمال قرور، لما لهذه الأشكال من دور كبير في التأثير على المتلقي من جهة، والمساهمة في تحقيق الحوارية الداخلية والخارجية لها من جهة أخرى، ولكن قبل ذلك سنعرج أولا على ما يعنيه الاستهلال عموما، والاستهلال الروائي خصوصا.
في ماهية الاستهلال
لقد ورد في لساننا العربي لـ»ابن منظور» عن الاستهلال ما يأتي: «يقال استهلت السّماء وذلك في أول مطرها، ويقال: هو صوت وقعه، واستهل الصبي بالبكاء: رفع صوته وصاح عند الولادة، وكل شيء ارتفع صوته فقد استهل. والإهلال بالحج: رفع الصوت بالتلبية، وكل متكلم رفع صوته أو خفضه فقد أهلّ واستهلّ»(ابن منظور، 1984، ص701).
إن الملاحظ لهذا القول يستشف أن من معاني الاستهلال بداية الشيء، وذلك انطلاقا من أول مطر السماء، وأول بكاء الصبي عند الولادة على الرغم من وجود معاني أخرى من مثل: رفع الصوت عند التلبية أو الكلام،  وحتى رفع الصوت عند التلبية يعني إعلان الحاج عن بدء تأديته لمناسك الحج، والأمر نفسه عن رؤية الهلال؛ لأنها تكون في بداية الشهر الهجري، وعلى هذا الأساس أطلق على بداية الشهر، ومن هنا يمكن أن يدخل الاستهلال إلى الميدان الاصطلاحي باعتباره بداية الخطاب مكتوبا كان أو شفويا، شعرا كان أو نثرا، وهذا ما أكده»المدني» حين قال: «وكل من هذه المعاني مناسب للنقل منه إلى المعنى الاصطلاحي وإن خصه بعضهم بالنقل من المعنى الثاني وإنما سمي هذا النوع الاستهلال لأن المتكلم يُفهم غرضه من كلامه عند ابتداء رفع صوته به»( أحمد مطلوب، 1989).
للاستهلال أهمية كبيرة، لذلك أولاه المتقدمون عناية بالغة حين تحدثوا عن براعة الاستهلال، وهو «أن يأتي الناظم أو الناثر في ابتداء كلامه بيِّنة أو قرينة تدل على مراده في القصيدة أو الرسالة أو معظم مراده، والكاتب أشد ضرورة إلى ذلك من غيره ليبني كلامه على نسق واحد دل عليه من أول وهلة علم بها مقصده»( أحمد مطلوب، 1983)، وهذا يعني أن للاستهلال علاقة وطيدة بما يليه من كلام، فهو الممهد لما بعده نظرا لما يحتويه من إشارات مركزة دالة على المعاني اللاحقة، لذلك اشترطوا فيه البراعة والتفوق لضمان معرفة مراد الناظم أو الناثر.
كما تحدثت المعاجم العربية المعاصرة أيضا عن الاستهلال وعن براعته بما يوافق رؤية القدامى، فقد ورد في «معجم اللغة العربية المعاصرة»: «حسن الابتداء، أن يقدم المتحدث أو الكاتب في ديباجة حديثة أو في أول موضوعه جملة من الألفاظ والعبارات، يمهد بها لموضوعه الأساسي»( أحمد مختار عمر، 2008)، وهنا أيضا نرى مدى ارتباط الاستهلال بما يليه وذلك عبر الإشارات التي يحتويها والتي تكون تمهيدا للموضوع من جهة، وجذب الانتباه من جهة أخرى.
كما أولى الدرس النقدي الغربي المعاصر أهمية عظمى لبداية العمل ونهايته في مختلف الأجناس الأدبية، وفي هذا الشأن يقول «رولان بارث»: «إنّ الافتتاح منطقة خطرة في الخطاب، فابتداء الخطاب فعل عسير، إنّه الخروج من الصمت... فدراسة مفتتحات السرد إذن هامة جدّا، وهذه الدراسة لم تحصل بعد..»( رولان بارث، 2001)، وفي هذا الصدد يصرح أنه كان يجد صعوبة كبيرة في إقناع طلبته بأن يختاروا كموضوع لأطروحاتهم دراسة الجمل الأولى من النصوص الروائية معتبرا هذا الموضوع موضوعا عظيما وطريفا في الآن نفسه(ينظر، عبد المالك أشهبون، 2013)، وهذا يعني أن للاستهلال أهمية كبيرة في الخطابات، على الرغم من أنه لم يلقَ الاهتمام اللازم من قبل الدارسين، لذلك كان يصر على إقناع طلبته باختيار أطروحاتهم في هذا المجال من الدراسات التي لم تستوف حقها بالنظر إلى أهميتها.
أما «جيرار جنيت» فقد أسهب في الحديث عن الاستهلال، وذلك إثر حديثه عن العتبات النصية، كما أنه قد وسع من مجال الاستهلال؛ حيث يرى أن الاستهلال هو كل ذلك الفضاء من النص الافتتاحي/Liminaire بدئيا Préliminaire كان، أو ختميا/ Post liminaire ، والذي يعنى بإنتاج خطاب بخصوص النص، لاحقا به أو سابقا له، لهذا يكون الاستهلال البعدي أو الخاتمة (Post Face) مؤكدة لطبيعة الاستهلال، غير أن أكثر الاستهلالات دورانا واستعمالا نجد المقدمة/المدخل (Introduction)، التمهيد (Avant-Propos)، الديباجة (Prologue)، توطئة (Avis)، حاشية (Note)، عرض/تقديم (Présentation)، مطلع (Prélude)، خطاب بدئي (Discours Préliminaire) وغيرها، وهناك ما يعرف بالاستهلال البعدي (Post Face) والذي يتمثل غالبا في الخاتمة، ويضم كل الملاحق (Annexe)، والذيول (Apres-Propos)، بعد القول/أما بعد (Apres-dire)، الكتابة البعدية/ما بعد الكتابة (Post-scriptum)، ولكل هذه الاستهلالات والتذييلات خصائصها ووظائفها، خاصة الكتب ذات الطابع التعليمي، والتي تمتاز بوظيفتها البروتوكولية، والأكثر ظرفية بارتباطها بما يقوله النص(ينظر، عبد الحق بلعابد، 2008).
ويتخذ الاستهلال عند «جيرار جنيت» عدة أشكال، فهو من حيث موقعه نجده في بدايات النصوص، وفي بعض الأحيان نجده في نهاياتها أي في آخر أسطره، أما عن تاريخ ظهوره (Apparition) فيكون في أوّل طبعة للكتاب/النص، أما عن نظامه الشكلي (Statut Formel) فيتخذ نظام نصّه، أما إذا أتينا على نظامه الشكلي والنموذجي المتداول، فنجده يتخذ شكل الخطاب النثري (Un discoure en prose) في صيغ سردية أو درامية، كما يمكن أن يتخذ شكلا شعريا (Poétique)، وإذا نظرنا إلى حدوده وأطرافه فنجد المرسل، الذي هو الكاتب الحقيقي أو المفترض للنص والمرسل إليه وهو المتلقي أو القارئ الحقيقي أو المفترض، ومن ثم يتخذ الاستهلال موقعين مهمين يمكن الاختيار بينهما إما قبل البدء أو ما بعده (Pré-ou post liminaire)، ولكل خصائصه التي تبدي وظائفه، كما يمكن أن يتموقع الاستهلال داخل الكتاب، وهو ما يعرف بالاستهلال الداخلي (Préfaces internes) والذي يتصدّر مباحث الكتاب ومداخله مبررا تقسيماته، أو أن يكون هذا الاستهلال مندرجا بين المباحث، يعمل كنص واصف وشارع للنص الأصلي، غير أن الاستهلال يمكن أن يحدث عليه تغيير بإعادة موقعه بفعل إعادة الطبع، فمثلا يمكن لاستهلال افتتاحي/بدئي أن يصبح استهلالا داخليا لمبحث من الكتاب، إلى غير ذلك مما تستدعيه الحاجة الطباعية، أو ما يقترحه الكاتب نفسه على الناشر(ينظر، المرجع نفسه، ص ص 114-115).
وعليه نجد أن «جيرار جنيت» قد تحدث عن الاستهلال في الكتب عموما ولم يختص بذلك نوعا منها، والرواية واحدة من هذه الكتب، إلا أن نظرته للاستهلال كانت واسعة شملت كل ما تقدم وما تأخر عن المتن في الكتب، لأنها غالبا ما تكون لها علاقة بما يحتويه المتن، إلا أنه يؤكد أن أكثر الاستهلالات انتشارا ما يكون في بداية النصوص.
كما قسم الاستهلال من حيث ارتباطه بالمستهل إلى قسمين: استهلال واقعي، واستهلال تخييلي، فالاستهلال الواقعي هو الذي يكون فيه المستهل شخصا واقعيا مثل كاتب العمل، ويسمى الاستهلال التأليفي (Préface auctorial)، أو من طرف أصدقاء الكاتب فيكون استهلالا حقيقيا(Préface authentique)، أما الاستهلال التخييلي(Préface fictive) فهو الذي تقوم به شخصية تخييلية يسند لها الكاتب وضع الاستهلال، ولقد وضع «جيرار جنيت» فارقا بين الاستهلال التخييلي والاستهلال المزيف (Préface apocryphe)، وكان مترددا نوعا ما في هذا التحديد، فالاستهلال التخييلي هو الذي ينسب وضعه لشخصية تخييلية في العمل مثل السارد، أما الاستهلال المزيف فهو الذي ينسب بالخطأ إلى شخص واقعي، ونظرا لأهمية الاستهلال وللوظائف التي يؤديها سعى «جنيت» لوضع نمذجة جديدة لوظائف الاستهلال، محددا أنماط المستهلين، ومركّزا بالأساس على الاستهلال الأصلي أو ما يعرف بالاستهلال التأليفي؛ أي استهلال المؤلف (P. auctorial) مع تحذيره من مغبّة التداخل الموجود بين وظائف الاستهلالات (الأصلي، اللاّحق، المتأخر)؛ لأن نظام الاستهلال خاضع لحركية الاستهلال نفسه،فرأى أن للاستهلال الأصلي وظيفة مركزية هي وظيفة ضمان القراءة الجيدة للنص (d’assure au texte une bonne lecture)، ويتضح من هذه الوظيفة شرطان: الأول يحمل الضمانة، أي حائز على قراءة (obtenir une lecture)، والثاني ضروري لكن غير كاف، بأن تكون هذه القراءة التي حاز عليها النص جيدة، وللاستهلال القدرة الإقناعية على قراءة الكتاب، وكأنه دعوة من المؤلف إلى القراء لقبول أسلوبه، أو قبول مهارته التركيبية، لأنّ الاستهلال مفتاح إجرائي وتوجيهي لتقييم الكتاب عامة وفهم النص وتقييمه من طرف القارئ على وجه الخصوص(ينظر، المرجع نفسه، ص ص 116-119).
لكن كيف سيتمكن الكاتب بواسطة الاستهلال من إقناع القارئ بقراءة محتوى الكتاب، وكذلك بقراءته قراءة جيدة؟ كل ذلك يعود إلى طبيعة الاستهلال، ومدى تعبئته وتركيزه، واحتوائه على تراكيب مشحونة تمارس الضغط على القارئ.
وعليه يمكن القول أن «جيرار جنيت» من الباحثين الذين فصلوا كثيرا في قضية الاستهلال، وذلك بالنظر إلى ما تناوله عنه من حيث مفهومه، وموقعه، وأشكاله وأنواعه، ووظائفه، إلا أن ما يعطي المكانة العظيمة للاستهلال ليست الأنواع وإنما الوظيفة التأثيرية الإقناعية لمواصلة القراءة، لكونه أول ما يفتتح به المتلقي الخطاب، سواء كان هذا الخطاب مسموعا أو مكتوبا، وعليه فإن الاستهلال الحقيقي هو ما يكون في البداية، هذا بالنسبة للاستهلال عموما، فماذا عن الاستهلال الروائي؟
مفهومالاستهلال الروائي
لقد تعددت تسميات «البداية» الروائية لدى النقاد العرب بتعدد وجهات نظرهم في الموضوع؛ فـ»رشيد بنحدو» يفضل توظيف تسمية «المطلع»، في حين يؤثر «ياسين النصير» و»عبد العالي بوطيب» استعمال لفظة «الاستهلال»، أما «جليلة الطريطر» فتسمي البداية «فاتحة»، بينما أجمع باقي النقاد على مصطلح «البداية» ونذكر منهم: «صبري حافظ»، و»شعيب حليفي» و»صدوق نور الدين»( ينظر، عبد المالك أشهبون، المرجع السابق، ص 28)، لكننا في دراستنا هذه سنعتمد مصطلح «الاستهلال» نظرا لامتداد جذوره في تراثنا العربي الأصيل.
يعد الاستهلال من الوسائل (الآليات) الفنية التي يستخدمها المؤلف للانتقال بالقارئ من خارج النص إلى داخله، أي من العالم الواقعي إلى العالم المتخيل، وبالتالي عليه إيلاء الاهتمام الكافي لصياغته صياغة جيدة أو لانتقاء نصوصه انتقاء صائبا، لأنّ الروائي يراهن على أمر ما يريد إيصاله إلى المتلقي، أو يراهن على التأثير فيه، لذلك فهو يختار طريقة ما ينظم بها الأحداث في بداية روايته، وهذه الطريقة هي ما يسمى بالبرهان (Enjeu)، وذلك من منطلق ما يراهن عليه الروائي وهو يستحضر صورة القارئ المفترض، فطريقة الكتابة هي التي توجه حبكة الرواية نحو وجهة ما لكونها تبحث دائما عن أثر تخلفه لدى المتلقي(ينظر، المرجع نفسه، ص 28)، لذلك فإن الرهانات الفنية للبداية الروائية متعددة ومعقدة في الآن ذاته ويمكن تلخيص خطوطها العريضة فيما يأتي(ينظر، المرجع نفسه، ص ص 30-32):
- افتتاح النص (Commencer le texte)، ومن هنا تكتسي الجملة الأولى باعتبارها النواة (Phrase-noyau) وموقع الانطلاق في المحكى الروائي أهمية مزدوجة، فهي تمثل جسرا نصيا يتم فيه الانتقال ذهنيا من عالم الأشياء إلى عالم الكلمات، وغالبا ما يترافق هذا الانتقال لدى القارئ بإحساس غامض من مغبة الإقدام على ولوج عالم النص، هذا التردد والحيرة قد تثني القارئ عن مواصلة القراءة قبل الأوان، والسبب في تلك الحيرة يرجع إلى أن القارئ لحظة بداية اقتحامه للنص يكون مشدوها إلى عالم حياته اليومية، وأن مبارحته له باعتباره تخطيا لهوية وجودية حقيقية لن يكون إجراء عاديا ولا بسيطا من جهة ثانية.
- جذب اهتمام القارئ (Intéresser le lecteur)، وذلك بتحفيز وتنشيط رغبة القراءة لديه، ويتجسّد هذا الرهان بالدرجة الأولى في الوظيفة الإغرائية (F. Séduction)، ذلك أن نظير هذه البداية تسعى بكل إمكاناتها الفنية لوضع قارئها في حالة ترقب قصوى في انتظار ما سيحدث، بحيث تحثه البداية (الاستهلال) على الانغماس في تتبع التفاصيل لمعرفة ما يثوي خلف سطوره من أحداث ووقائع، وعليه فإن جذب القارئ وجعله أسير النص يعتبر إستراتيجية حاسمة من استراتيجيات البداية، ذلك أن عنصر البداية يعتبر عنصرا جارفا للقراء لمعرفة ما سيقع لإشباع فضولهم، بيد أن العنصر الإغرائي يكون متنوعا؛ عجائبيا أو استيهاميا أو غريبا...
- وضع الخيال على مسرح الأحداث (Mettre en scène la fiction)، وبالتالي بناء عالم الخيال من خلال الإحالات المتنوعة المقتضبة، التي يمكن اعتبارها معالم أساسية يتعرّف عليها القارئ، الذي يشرع في الدخول إلى هذه الأفضية المجهولة في بداية عالم الرواية، وتجدر الاشارة إلى أن تلك الإحالات عادة ما تختلط في بدايات التخييل السردي لتتزاوج بين ما هو واقعي وما هو متخيّل، وعليه فالقارئ الذي بدأ رحلة القراءة بالفعل لا يدري أين يوجد، هل هو في العالم الواقعي أم العالم الخيالي؟ وشيئا فشيئا ومن خلال بعض الإحالات المرجعية يتعرّف هذا القارئ على الخطوط العريضة لمسرح الأحداث، وينتقل بواسطتها من عالم الخيال إلى العالم الواقعي وهكذا دواليك.
- تحريك القصة (Mettre en scène) والشروع في إضفاء الحركية على الأحداث التي تبدو وكأنها تتحرّك بارتفاع متثاقل وبطيء، هذا الرهان بالضبط تضطلع به عادة البداية من الصّنف السردي التي تبدأ بإشارة مكانية دقيقة، أو زمنية محددة، أو بتقديم الشخصية من خلال مقاطع الوصف التي تضم مجموعة من المواصفات (الجسدية، والنفسية، والطبقية...).
أما على مستوى القراءة فإنه لا مناص للروائي- وهو يفكر في بداية الرواية ونهايتها- من استحضار القارئ المفترض الذي سيتواصل ويتفاعل معه؛ إذ أن هناك أكثر من إمكانية لاجتلاب القراء أو تنفيرهم، سواء من خلال سحر البداية التي تنصب أحابيلها وفخخها منذ الوهلة الأولى لكل راغب في الاطلاع على هذه الرواية أو تلك، أو بواسطة النهاية الروائية التي تستجيب لأفق الانتظار أو تخيّبه، وذلك ما ذهب إليه القدماء حين اعتبروا أنّ «حسن الافتتاح داعية الانشراح، ومطية النجاح، ولطافة الخروج إلى المديح سبب ارتياح الممدوح، وخاتمة الكلام أبقى في السمع، وألصق بالنفس، لقرب العهد بها، فإن حسنت حسن، وإن قبحت قبح، والأعمال بخواتمها»( ينظر، المرجع نفسه، ص ص 7-8).
أنواع الاستهلال الروائي
إن ما يميز الاستهلال في الفن الروائي هو السعة والتنوع، حيث أنه قد يشمل الفصل الأول، ذلك لأنه قد يضع أهم لبنات العالم الروائي، التي يتم التفصيل فيها، ويعد الباحث «ياسين النصير» من أهم الذين فصّلوا في الاستهلال عموما والاستهلال الروائي على وجه الخصوص، وقد ذكر أنواعا عدة للاستهلال الروائي وهي:
الاستهلال الروائي الموسع 
في هذا النوع من الاستهلال يقدم الراوي كل الشخصيات التي ستأخذ دورها لاحقا في الرواية، إلاّ الشخصيات الثانوية التي تظهر ملحقة بالشخصيات الأساسية، وفي الاستهلال لا يظهر إلا صوت الراوي حتى ولو كانت الشخوص هي المتكلمة، وقيمة الاستهلال تكمن في أنّ الروائي يبتدئ بتقديم العالم الخاص بحركة وأفكار ومسارات الشخوص، إنه يولّد فكرة البيضة المخصبة التي ستنضج خلال السرد اللاحق، وعليه أن يراقب من الداخل خصائص كل جزء فيه، وهكذا يعرّفنا الاستهلال على الزمن الخارجي للرواية، وعلى المكان وعلى نوعية الأحداث المركزية التي ستجري لاحقا، كل ذلك بصورة مكثفة ومركزة، وعليه فالاستهلال هو حضانة لأفكار وبنى الفصول اللاّحقة، لذلك يعد الاستهلال من أصعب الصفحات في أي عمل فنّي يراد له أن يكون جيّدا، ويتطلب بناؤه عناية خاصة، كما أن الميزة الجوهرية لهذا النوع من الاستهلال الروائي هي أنه لا يكتفي بحجم الفصل الذي يحتويه، بل يمتد على شكل خيوط متشعبة إلى مداخل الفصول الأخرى(ينظر، ياسين النصير، المرجع السابق، ص 147)، وبالتالي يحتل هذا النوع من الاستهلال مساحة كبيرة من الرواية مقارنة بأنواع الاستهلال الأخرى.
الاستهلال الروائي متعدد الأصوات
ويخص هذا اللّون من الاستهلالات الأعمال الروائية التي تتوازى فيها الشخصيات أو الأحداث فتصبح روايتها هي الكيفية البنائية لها، كل شخصية تروي كل الأحداث من وجهة نظرها، كما يصحب هذا الاستهلال الأعمال الروائية التي تتعدد محاورها الفكرية عندما يصبح التداخل بين الخطوط الفكرية تعددا لمستويات القص ومستويات الزمان والمكان، فيأتي الماضي ليتداخل مع الحاضر ويتقاطع معه، كما يصبح هذا الاستهلال لروايات الحقب التاريخية حيث تداخلتها تنوعات الفن القصصي وكشوفات متعددة لزوايا الرؤية فمثل هذه الروايات مطالبة أن تقدّم للقارئ من خلال استهلالها مختصرا عن محاورها الكلية، وعن العمق النفسي والاجتماعي لأبطالها والتواريخ المتداخلة والمتناقضة في لحمة السياق الفنيّ، بيد أن الأساس الجوهري في مثل هذا اللّون من الروايات هو الكاتب نفسه، فإذا كانت الرواية حقيقية وقف الكاتب خارج إطارها العام وجعل الشخوص والأحداث تسرد ذاتها من خلال حجم المعلومات المتوفرة لديه، أما إذا كانت الرواية حقيقية في زمن الحاضر يكون الروائي أحد أبطالها فتقل حياديته، ويظهر كما لو كان العلم بكل تفاصيلها وقد تحمل شخوصها سمة خصوصية استقلالية داخلية إلا أنها خاضعة لقوة وسلطان المؤلف المشارك، كما أنّ البنية الأساس لهذا اللّون من الاستهلال لا تختص بالفصل الأول فقط، بل تكون موزعة على الفصول التي تبتدئ بها الأحداث أو الشخوص، فما دام بيت الرواية موزعا إلى أحداث، وشخوصه متكافئة أيضا وتنتمي إلى محور مركزي واحد يجمع الأحداث والشخوص، فالاستهلال لا يظهر دفعة متكاملا، بل يتجزّأ على فصول الرواية وإن كان الفصل الأول منها له حصة الأسد، وأن البنية العامة لهذا النوع من الاستهلال ليست إلاّ بنية الاستهلال الموسع وقد جرى تشتيتها وتوزيعها على فصول الرواية، وبذلك فقدت صفة البنية الداخلية الخاصة بالاستهلال الموسع، وحافظت على البنية العامة باعتبارها حاملة لنوى العمل(ينظر، المرجع نفسه، ص ص 149-150).
الاستهلال الروائي محوري البنية
ويتحدّد معنى هذا اللّون من الاستهلال بأنه ثمة فكرة أو محورا واحدا يتكرّر داخل الصفحات الأولى من العمل، فهو أما أن يكون حال معيّنة، أو مكان، أو موقف، أو زمن ما، ويتضمن الاستهلال إشارة مركزّة وقوية لهذه البنية المحورية، ثم تتكرّر في مقاطع عدة من الرواية، تتعدى مفاصل الرواية وتمدها بتصورات كلية لاحقة، وغالبا ما يحيط الغموض والإبهام، والتعمية المقصودة، هذه البنية المحورية كجزء من زيادة التأكيد عليها، والروائي المتمرس لا يفصح في الفصول الأولى بالكثير عن جوانب هذه البنية، وإنّما يقدم أجزاء منها بالتتابع معتمدا البعدين المكاني والتاريخي، وغالبا ما تكون هذه البنية محلية التكوين، أو من الأفكار العامة التي عندما يجري التعامل معها يجد الروائي أن الكثيرين منا قد اشتركوا في صياغتها أو على معرفة واضحة بها، ولم يقف الاستهلال عند تأكيد هذه البنية في نقطة مركزّة أو جملة واضحة وإنما في محاولة اقتناص لحظة تاريخية مهمة تمر بها هذه البنية، وتكمن قيمة هذا اللّون من الاستهلالات في بعدها الاجتماعي والنفسي، فعلى الصعيد الاجتماعي غالبا ما تكون موضوعات الروايات ذات بعد تاريخي صنعته أيادي شعوب وعاملين توارثوا العمل والبناء فيه، فخلقوا تاريخية المكان من خلال شواهد وآثار ومخلفات وعلى هذا الصعيد تختفي الفردية والآنية، ويبرز بدلا منها الممارس الفعال والجماعي، وهذا لا يعني ضياع الأفراد المهرة وأصحاب القرارات وإنما يتم حضورهم من خلال البعد الجماعي للصياغة والفعل العامين(ينظر، المرجع نفسه، ص 144).
الاستهلال الروائي الحديث
ويعني هذا النوع من الاستهلالات تلك التي رافقت موجة التحديث في الرواية، فرواية الواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتينية مثلا تعتمد العمق الميثولوجي للشعب، والحكاية الأسطورية وقد أضفت عليها سمة المعاصرة، والرواية الواقعية الاشتراكية مثلا تعتمد قوة الفعل الإنساني المعاصر، مستثمرة الإرث الروحي والمادي لحياة الشعب العامل وهو ينشئ كيانه الاجتماعي الفكري، معمقة إنجازاتها برؤية شاملة للعالم، والرواية الحديثة في أوروبا تعتمد قوة الأشياء كجزء من مخيّلة كاتب فقد الإيمان بالإنسان وبلغات العصر، وكإفراز واقعي لضخامة الحضور التكنولوجي في حياة المجتمعات بحيث بدت الرغبات الصغيرة مغرية أمام الإنتاج السلعي الاستهلاكي وتعتمد الرواية الحديثة العربية خاصة، على إمكانية حركة الواقع السياسي والاجتماعي مستثمرة الإرث الأدبي الحكائي منه والموروث اللّغوي والتراث وقد أشبعت بمناخ رمزي واقعي، ومن مقومات الاستهلال في الرواية الحديثة : قوة الأشياء وحضورها الفاعل، والعمق الميثولوجي للشعب، البعد الأسطوري للحياة المعاصرة، والشاعرية الغامضة في الأسلوب، ووحدة الزمن الإنساني، واعتماد الحس التطوري في صياغة مشروعات الغد، والرؤيا الشاملة للعالم، العمق الرمزي والكثافة الواقعية، حيث تعكس طبيعة هذه الاستهلالات تعقيدات العصر وتنوع ثقافاته والإمكانات الهائلة التي وفرتها حركة الشعوب الناهضة والطرق النضالية للطبقات الاجتماعية المختلفة وهي تجد نفسها في خضم حرب هائلة وغير معلنة، ذلك أن حركة الواقع العالمي تفرض سماتها وخصائصها على الأبعاد المحلية فتجد صوتك اليومي البسيط وقد حمل انعكاسات تلك الحركة ودلالاتها، وعبثا حصر النفس في زاوية معينة فأحداث العالم وحركة الواقع السريعة تفرض ثقلها الشامل على كل أبعاد الحياة المعاصرة(ينظر، المرجع نفسه، ص ص 157 158).
بعد إلقاء الضوء على مفهوم الاستهلال عند العرب والغربيين، والتطرق لأهم أشكاله وأنواعه عموما وأنواعه في النص السردي الروائي على وجه الخصوص، وعرفنا أهم وظائفه سنعرج الآن إلى بيان طبيعة الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» لـكمال قرور، وعليه فما هي أنواع الاستهلال في هذه الرواية؟
أشكال الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» لكمال قرور
إن المُطَّلِع على الرواية يميز ثلاثة أنواع للاستهلال وهي: الاستهلال البدئي، والاستهلال المقطعي، والاستهلال الموسع، إلا أن المتأمل في هذه الاستهلالات يجدها تتميز بالحوارية وتعددية الأصوات، ذلك أن مضمون الاستهلالات الواردة في بداية الرواية يحمل أفكارا وأحداثا تحاور مضمون الرواية ككل، وأن الاستهلالات المتموضعة في بداية المقاطع تحاور مضمون تلك المقاطع، كما تتسم هذه الاستهلالات بالتنوع  لكونها منسوبة  لعدة شخصيات آتية من أزمنة مختلفة، ونابعة من أوساط متباينة، لذلك فإننا نسمع من خلالها أصواتا مختلفة، وإن كانت تدور حول فكرة واحدة.
الاستهلال البدئي
إن أول ما تقع عليه عين القارئ عند فتح الرواية وبالضبط بعد الصفحة التعريفية بالرواية، هي مجموعة من المقاطع تعود لأقوال بعض الفلاسفة والكتاب المشهورين عَبر التاريخ، الذين تميزوا بنظرتهم الثاقبة للأمور والأوضاع، فكانت أقوالهم تحمل دلالات وعِبر عميقة كأنها حكم.
 كان المقطع الأول من الاستهلال البدئي للفيلسوف اليوناني «أفلاطون»(427ق م - 347 ق م) الذي يقول فيه: «إذا انحرفت الأرستقراطية وتحول أبناؤها إلى إيثار الثروة على الشرف تحولت إلى الأوليغارشية oligarchie (حكم القلة) التي لبابها جعل الثروة أساس الجدارة وهو إثم فظيع»( كمال قرور، 2015).
ويعود المقطع الثاني للفيلسوف اليوناني «أرسطو»(384 ق م – 322 ق م) أحد تلامذة أفلاطون الذي يقول فيه: «الأرستقراطية حكومة الأقلية الفاضلة العادلة، إلا أن الأوليغارشيا فساد طبيعي لها»( المصدر نفسه، ص 5).
أما المقطع الثالث فيعود للكاتب الفارسي العربي المسلم «ابن المقفع» (724م- 759م) الذي قال فيه: «وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر»( المصدر نفسه، ص 5).
إن المتأمل في هذه الأقوال التي استهل بها الكاتب روايته يجد أنها أصوات قادمة من عصرين مختلفين؛ عصر ما قبل التاريخ، والعصر الأموي والعباسي، ولكن على الرغم من الاختلاف في العصر، نلاحظ أن هؤلاء الفلاسفة والكتاب قد تحدثوا عن القضية نفسها وهي قضية الحكم الأوليغارشي، وهو الحكم الذي تستحوذ عليه الأقلية التي تكون السلطة بيدها، سواء أكانت هذه السلطة عسكرية أو مالية، وهذه الفئة تمجد المال على الشرف، وتحاول الحصول عليه بشتى الطرق دون إعطاء أي  اعتبار للمبادئ والأخلاق، وهذا الأمر له علاقة كبيرة بمضمون الرواية، الذي يتحدث عن شخصية «ذياب الزغبي» أحد فرسان بني زغبة، حيث ناضل كثيرا من أجل الحصول على المال والسلطة بمختلف السبل؛ وذلك عندما تعرض للتهميش من بني عمومته الهلاليين (الجازية، وحسن بن سرحان، وأبي زيد) الذين نفوه إلى «وادي الغباين» لرعاية القطيع بدلا من البقاء معهم للدفاع عن القبيلة من الأعداء، وبحكم أنه كان من أقوى الفرسان  المعول عليهم في الحروب، فعندما أحس بالظلم أقسم على أن يكون هو الحاكم الوحيد الأعظم ولا حاكم عليه، ولا من بعده، وأن يكون باقي الحكام في قبضته، وهذا بالفعل ما تحقق، ففي الوقت الذي عجز فيه الهلاليون عن قتل «الزناتي خليفة» والاستحواذ على تونس تمكن هو من قتله، واستولى عليها وشكل إمبراطورية عظيمة أساسها القوة والطغيان، خضعت لها الخلائق كلها، فأصبح الناس جميعهم يهابونه ويحسبون ألف حساب قبل فعل أي شيء، بل صاروا ينادون بحياته فقط من فرط خوفهم من بطشه وجبروته، وعلى هذا الأساس استبد بالحكم لمدة قرن كامل دون بروز أي نوع من المعارضة، حتى سئم من الوضع الروتيني وخرج باحثا بين شعبه عن المعارضة لكن دون جدوى، حتى الشخصية الكرتونية «ميكي ماوس» التي أغراها بالكثير من أجل لعب دور المعارضة قد رفضت هذا الدور المخزي، وقررت أن تضع حدا لحياتها في حالة إرغامها على ذلك.
وعلى هذا الأساس انتقل الحكم من القادة الهلاليين الأرستقراطيين إلى القائد الزغبي حضرة الجنرال «ذياب الزغبي» الأوليغارشي، الذي صاحب حكمه دمارا واسعا وشاملا لمدة طويلة، وطمع أن يزيد لولا ظهور «الجازية» قائدة اليتامى الهلاليين الذين اتقدوا انتقاما من أجل الثأر لآبائهم الذين لقوا مصرعهم على يده، وعليه يمكن القول أن تلك المقاطع الاستهلالية تحمل بين طياتها النويات الصغيرة لمتن الرواية، وهي بمثابة إشارات وممهدات تساهم في تحضير القارئ لتلقي المضمون الروائي، وتحفزه على مواصلة القراءة.
هذا بالنسبة للاستهلال البدئي للرواية، فماذا عن الاستهلال المقطعي؟
الاستهلال المقطعي
لم يكتف الروائي بالتمهيد لروايته عن طريق الاستهلال البدئي، بل قد جعل لبعض المقاطع استهلالات خاصة بها، ولعل هذا الأمر له من الأهمية بمكان للتشجيع على مواصلة القراءة، ففي الوقت الذي ربما يشعر فيه القارئ بالتعب أو الملل الذي قد يثنيه عن القراءة، يجد أمامه محفزا جديدا يجذبه لمعرفة أغوار المقطع التالي.
من المقاطع التي تصدرت بنصوص استهلالية بالإضافة إلى العنوان، نجد المقطع الأول، والثاني، والحادي عشر، والثالث عشر.
لقد استهل المقطع الأول بنص للكاتب الفيلسوف والمحامي الفرنسي «أتين دي لابويسي» (1530م- 1562م)، هذا الصوت القادم من عصر النهضة، حيث اقتطف من مقال له موسوم بـ «مقال في العبودية المختارة» يقول فيه: «... أي قوة والطاغية واحد بينما محتملوه على كره بالملايين؟ أنقول إنه الجبن؟ قد يخشى اثنان واحد وقد يخشاه عشرة... أما ألف مدينة! إن هي لم تنهض دفاعا عن نفسها في وجه واحد فما هذا الجبن، لأن الجبن لم يذهب إلى هذا المدى كما أن الشجاعة لا تعني أن يتسلق امرؤ وحده حصنا أو أن يهاجم جيشا أو يغزو مملكة. فأي مسخ من مسوخ الرذيلة هذا الذي لا يستحق حتى اسم الجبن ولا يجد كلمة تكفي قبحه والذي تنكر الطبيعة صنعه وتأبى اللغة تسميته...»( المصدر نفسه، ص 6).
فمن خلال هذا القول يكتشف القارئ أن هناك طاغية واحدا قد استبد ملايين الناس وخشيته ألف مدينة، فوصفوا إثرها بالجبن نتيجة لرضوخهم وانقيادهم، وهذا الأمر يدعو للدهشة والاستغراب، فكيف لشخص واحد أن يستطيع فعل هذا؟!لكن عند الولوج إلى متن المقطع نجد بالفعل أن هناك شخصية قد تمكنت من فعل ذلك وهي شخصية «ذياب الزغبي» الذي حكم الملايين من الناس، وبث فيهم الرعب دون أن يرفع رأسه واحد منهم، كأنهم قطيع من الأغنام همه الوحيد الأكل والشرب والنوم لا غير حتى سماهم بـ»قطيع الغاشي».
أما المقطع الثاني فقد استهل بالعنوان الآتي: «يتامى الحقد السياسي على باب القصر الإمبراطهوري»، بالإضافة إلى هذا المقطع المقتطف من قصيدة الشاعر الجزائري «عادل صياد» الموسوم بـ: «أنا لست بخير»، الذي يقول: 
«أما لست بخير
كنت أظن بأن الأرض ستحفظ من كان عليها 
وأن الحاكم يحكم بالعدل
وأن الوقت سيحتاج لبعض الوقت فقط
كان يقيني في غير محله»( المصدر نفسه، ص 15).
فمن خلال العنوان يتضح أن أبناء يتامى الهلاليين الذين لقوا حتفهم على يد «ذياب الزغبي»، قد كبروا، وصاروا أقوياء حتى يتجرؤوا على اقتحام قصر الإمبراطور الذي يهابه الجميع ويرتعدون لسماع اسمه، كما أن بدء المقطع الثاني بهذا المقتطف الشعري يؤكد ما جاء في العنوان، إذ يشير إلى أن هناك خيبة أمل كبيرة - مثلما كانت خيبة أمل الشاعر «عادل صياد» من الأوضاع السيئة الراهنة للبلاد العربية عموما والجزائر خصوصا- قد أصابت «ذياب الزغبي»، فبعدما حكم قرنا كاملا، وبعدما ظن أنه ثابت في الحكم غير مزحزح عنه، يأتي اليتامى الهلاليون بقيادة «الجازية» ويضربونه ضربة رجل واحد أصبح بعدها متهالكا جليس كرسي متحرك ينتظر أجله .
أما المقطع الحادي عشر فقد استهله بهذا العنوان: «لن تستقيم السلطة إلا بتصفية آخر الخصوم»، بالإضافة إلى مقتطف من «مقال في العبودية المختارة» لـ»دي لا بويسي» الذي يقول: «ما هذا ياربي؟  كيف نسمي ذلك؟ أي تعس هذا؟ أي رذيلة بالأصدق أي رذيلة تعسة؟ أن نرى عددا لا حصر له من الناس لا أقول يطيعون بل يخدمون، ولا أقول يُحكمون بل يُستبد بهم، لا ملك لهم ولا نساء ولا أطفال بل حياتهم نفسها ليست لهم! أن نراهم يحتملون السلب والنهب وضروب القسوة لا من جيش ولا من عسكر أجنبي.. بل من واحد لا هو هرقل ولا شمشون..» (المصدر نفسه، ص 161).
فالعنوان يوحي بأن هناك عملية قتل مزمع عليها بسبق الإصرار والترصد لإزاحة جميع الخصوم حتى آخر واحد منهم، من أجل أن تكون السلطة بأتم معنى الكلمة، لا يهددها أي خطر، وهذا بالفعل ما يوجد بمتن المقطع الحادي عشر فبعدما قتل «ذياب الزغبي» زعيمَ الهلاليين «حسن بن سرحان» وقضى خمس سنوات منفيا في الحبشة فارّا من جيش «حسن»، قرر العودة لتصفية بقية الخصوم؛ «أبي زيد» و»الجازية»، على الرغم من أن الأول كان صديقه المقرب وشريكه في الحروب، والثانية كانت ولا زالت حبه الأول الذي طالما حلم بالظفر به، إلا أن تحالفهما و»حسن بن سرحان» وموافقتهما على عزله من قبل بوادي الغباين لحماية القطيع كراع  بدلا من حماية القبيلة كفارس، أجج في قلبه نار الانتقام لشرفه المنتهك، فقام إثرها بقتل صديقه المقرب -الذي سهل له العودة إلى الديار- بعدما استدرجه إلى رحلة صيد، ثم قام بالتنكيل بجثته أمام الناس، وبعدها استولى على القصر الإمبراطوري، وأعلن نفسه حاكما، وجنرالا، ورئيسا لكل المراتب الحكومية.
 أما النص الاستهلالي لهذا المقطع فيحتوي على نويات تشير إلى حالة الرضوخ والاستسلام للأمر الواقع التي كانت تخيم على الناس داخل الإمبراطورية، فبعدما رأوا ما فعله بـ»أبي زيد»، وبعدما بين لهم عاقبة من يخرج عن طاعته، أخرست ألسنتهم، وصفدت أيديهم، وخضعت قلوبهم لهذا الجنرال الطاغي، فلم يحتجوا على القرارات التي أقرها، ولا على الدستور الذي سنّه وجعله في كتاب سماه بـ»الكتاب الأبيض»، والذي جعل جميع السلطة بيده في كل الشؤون والمجالات. 
واستهل المقطع الثالث عشر بعنوان: «الزنديق ابن المقفع والدكتور عاشور فني والبروفيسور بوطاجين والروائي الموريسكي خوان خويتيصلو يفسدون مشروع الاستمرارية ويحبطون عرس التوريث»، بالإضافة إلى هذا القطعة الشعري للشاعر «ناصر معماش» التي تقول: 
 «ماذا سنفعل بالرعية إن بدا
-منها الردى، أو كثرة التفكير؟
أو قام فيها قائم متحمل
عبء الحقيقة، يبتغي تكسيري؟»( المصدر نفسه، ص 203)
فمن العنوان يتضح وجود معارضة على استمرارية الحكم أو توريثه للأبناء، أما المقطع الشعري فيشير إلى انبثاق معارضة كلفت نفسها بحمل عبء المسؤولية الكبيرة على عاتقها، وهذا فعلا ما يتضمنه متن هذا المقطع الروائي، فـالكاتب «ابن المقفع» والدكتور «عاشور فني» و»البروفيسور بوطاجين» والروائي الموريسكي «خوان خويتيصلو» قد عرضوا كتابة سيرته بطريقة ساخرة؛ فالأول اقترح أن يكتبها على لسان بغل أحول، والثاني على لسان حشرة عمياء، والثالث قال له: من أنت؟...، وكتابة سيرته بالكيفية التي اقترحوها لا تساعد على استمراريته في الحكم، كما لا تساعد على توريث الحكم لابنه، لذلك كان أكبر شيء يخاف منه هو سماع كلمة مثقف؛ لأن هذه الكلمة تهدد مكانته، لاعتقاده أن أقوى الضربات الموجهة للديكتاتوريات الأوليغارشية وأكثرها إيلاما تأتي دائما من المثقفين، لذلك نجد المقطع الاستهلالي لهذا المقطع الروائي يشير إلى الأمر نفسه، وهو ظهور فئة من الرعية تحمل على عاتقها مسؤولية الوقوف في وجه الطغيان ومحاولة قطع أوصاله وهي فئة المثقفين.
وقد استهل المقطع الرابع عشر بهذا العنوان: «ربيع «الإمبراطهورية».. اليتامى «الثوارجية».. رأس الحية» متبوع بمقطع للكاتب الفيلسوف «دي لابويسي» يقول فيه: «... كذلك هي حال الطغاة، فكلما نهبوا وكلما ازداد الإغداق عليهم، تشتد سطوتهم.. أما إن لم يعطوا شيئا، ولم تقدم لهم عروض الطاعة، فإنهم، ومن غير قتال أو توجيه ضربات، سيلبثون مجردين مسحوقين ولا يبقى لهم من كيان، فحالهم كحال الغصن حين تنقطع عنه العصارة التي تغذيه من جذوره، فيجف ويموت»(المصدر نفسه، ص 208).
يتضح من العنوان أن الإمبراطورية ستشهد تغيرا إلى الأحسن، كما يبدو أيضا أن اليتامى قد ثاروا على الحاكم، وأن هناك من يقودهم وقد شبه بمثابة الرأس للحية، وحقيقةً، هذا ما يتضمنه المقطع، فقد ثار اليتامى الهلاليون بقيادة «الجازية» على الحاكم «ذياب الزغبي»، والمقطع الاستهلالي يؤكد ذلك، فقد خرجت «الجازية» واليتامى عن طاعة الحاكم وأعلنوا التمرد عليه؛ ورفضوا مبايعته لعهدة أخرى تسمح له بالحكم لقرن آخر، وقد فروا من الإمبراطورية واحتموا بـ»شمشون» سلطان الجمهورية المتاخمة لإمبراطورية «ذياب»، ثم استجمعوا قواهم واستعدوا للهجوم على «ذياب الزغبي» في إمبراطوريته، لكنه تمكن من قتل «الجازية» بالرصاصة الوحيدة التي ادخرها لفترة طويلة، أما هو فقد اخترقت جسده سيوف اليتامى الهلاليين.
أما بقية المقاطع فقد استهلت بعناوين فقط، كل عنوان يحتوي على إشارات إلى مضمون ذلك المقطع، فمثلا المقطع الثالث معنون بـ»وادي الغباين : الفارس الزغبي راعي القطيع»، فمن خلال هذا العنوان نستشف أن أحداث هذا المقطع تجري في مكان يسمى «وادي الغباين»، وأن الشخصية المحورية في هذا المقطع هي شخصية «ذياب الزغبي»، كما يبرز من العنوان أن الحدث المهم هو رعي هذا الفارس للقطيع، وهنا تكمن المفارقة ويأتي عنصر التشويق لمواصلة القراءة ومعرفة سبب رعي الفارس للقطيع بدلا من المشاركة في الحروب مع أقرانه الفرسان.
والمقطع الرابع: «الأميرة الخائنة سحرتني»، وهنا إشارة إلى وجود أميرة منعوتة بالخيانة، إلا أنها قد سحرت الراوي بجمالها، وحقا عندما نلج إلى متن المقطع نجده يتحدث عن ابنة «الزناتي خليفة» وهي الأميرة «سعدى» التي خانت والدها وأعانت «ذياب الزغبي» من أجل تحرير الهلاليين من قبضته، لكن «ذياب» عندما انتصر وظفر بالقصر الإمبراطوري بتونس أراد أن يتملك الأميرة التي كانت تحب ابن أخته «مرعي»، لكنها رفضت على الرغم من كل أشكال التعذيب التي تلقتها منه، ثم قتلها في النهاية.
والأمر نفسه مع بقية المقاطع فكل عنوان يحمل النويات الأساسية لمضمون المقاطع، وقد عنونت كما يأتي:
المقطع الخامس: «لا تتردد لحظة.. اقتل بدم بارد «من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك».
المقطع السادس: «ست الغرب احرق زروعهم جوعهم...».
المقطع السابع: «السادة يعرسون.. وأنا أتهرس «ليست الحكمة بل السلطة هي ما يصنع القانون».
المقطع الثامن: «الأقدار التي نلومها تتوجنا «القوة والزيف هما الفضيلتان الأساسيتان في الحرب».
المقطع التاسع: «الكتاب الأبيض في شؤون الحكم والرعية».
المقطع العاشر: «السلطة شر لا بد منه «تمسكن حتى تتمكن»».
المقطع الثاني عشر: « «إمبراطهورية» «ميكي ماوس» كرنفال الديموقراطية وفرجة الحكم الراشد».
كما يمكن أن ندخل ضمن الاستهلال المقطعي بداية معظم مقاطع الرواية بالجملة نفسها، وإن طرأ عليه تغيير طفيف في البنية من مقطع إلى آخر، وهي جملة إنشائية طلبية، حيث كان في كل مرة يخاطب بها «ذياب الزغبي» كاتب سيرته «غارسيا ماركيز» أو العكس، وهذه الجملة هي: «إيه..غارسيا ماركيز!»، «إيه يا حضرة الجنرال ذياب الزغبي! «اكتب يا ماركيز!»، «سجل يا ماركيز!»، «اكتب يا ماركيز! اكتب الحقيقة..»، «اكتب يا ماركيز اكتب!، سجل يا ماركيز! ... سجل»، «ما أصعب التيه يا ماركيز! ...، إيه ... يا ماركيز! هرمنا...، نعم يا ماركيز! ...، اكتب يا ماركيز! ...
وهذه الجملة تبين أن الرواية قد قدمت في شكل محاورة بين شخصيتين رئيسيتين، تكون الأولى ساردة والثانية مستمعة، ما دامت الرواية أتت في شكل سرد لسيرة ذاتية لـ»ذياب الزغبي»، وأن «غارسيا ماركيز» هو المكلف بكتابة هذه السيرة، وإن تم بين الحين والآخر ترك زمام الحكي لبقية الشخصيات لتقديم العالم الروائي عن طريق تقنية العرض. 
الاستهلال الموسّع
إن المتأمل في رواية «حضرة الجنرال» لـ»كمال قرور» يجد أنها بالإضافة إلى اشتمالها على استهلالات بدئية، واستهلالات مقطعية عديدة ومتنوعة، فإنها كذلك تشتمل على استهلال آخر وهو الاستهلال الموسع، ومن اسمه يتضح حجمه، فهو يشمل مقطعين كاملين من الرواية؛ المقطع الأول(من ص 6 إلى ص 14)، والمقطع الثاني(من ص 15 إلى ص 41)، حيث نجد ضمن هذين المقطعين سردالأهم أحداث الرواية بطريقة ملخصة، كما قام الراوي بتقديم الشخصيات الأساسية المشاركة في الرواية، ففي أول صفحة من الرواية قد عرّف ببطل الرواية -الجنرال «ذياب الزغبي»- وذكر أهم ألقابه، وصفاته وأحواله، كما عرّف بكاتب سيرته العطرة «غارسيا ماركيز» وعرج كذلك على أهم صفاته، وهذا المقطع يؤكد ذلك: 
«إيه غارسيا ماركيز!
كاتب شهير
ومتألق أنت ...!
ومهوس بكتابة سير أشهر ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية ...
وأنا فارس وجنرال وديكتاتور «أوليغارشي» محلي، منسي، يبحث عن قلم يمنحه أضواء الشهرة(...)
يا لسخرية الأيام! أنت على فراش المرض والشيخوخة والخرف، ووراءك ملايين القراء المعجبين والمحبين، يطلبون لك الرحمة.
وأنا متهالك على كرسي متحرك، أعاني مثلك الخرف و»الزهايمر» والقرف واللعنات وطعنات قاتلة، وجهها إلى جسدي النحيف المرتعش، في لحظة واحدة، يتامى الحقد السياسي الأعمى...» (المصدر نفسه، ص 7).
بالإضافة إلى هاتين الشخصيتين البارزتين نجده قد عرف أيضا بشخصيات أخرى لها وزنها في هذه الرواية وهي: «أحمد قاسم الحجري» الملقب بـ»أفوقاي» الذي أتى الجنرال بمشروع تطوير البارود والمدافع والسفن الحربية والتجارية، و»الجازية»، و»حسن بن سرحان» و»أبي زيد» وأبنائهم اليتامى، و»ابن المقفع»، والبروفيسور «السعيد بوطاجين، والدكتور «عاشور فني»، والشاعر «عادل صياد».
كما قام الاستهلال الموسع بالإشارة إلى أهم أحداث الرواية، بداية برعي «ذياب الزغبي» للقطيع بـ»وادي الغباين»، ثم قيامه بحملات هجومية على أعدائه، واعتلائه كرسي الحكم، وانتهاء بإسقاط حكمه على يد اليتامى الهلاليين.
كما تمت الإشارة في هذين المقطعين الاستهلاليين إلى أهم الأماكن التي كان لها تأثير في سيرورة الأحداث وتطور الشخصيات منها: «المشفى» وهو مكان لقاء «ذياب الزغبي» بكاتب سيرته «غارسيا ماركيز»: «لقاؤنا هنا في هذا المشفى ليس صدفة. هو موعد من مواعيد القدر التي كثيرا ما فاجأني بها، والأكيد أن هذا آخر المواعيد غير الرسمية»(المصدر نفسه، ص 7)، و»وادي الغباين» المكان الذي عزل فيه «ذياب الزغبي» لحماية قطيع القبيلة والذي كان فرصة له لتعلّم كيفية حكم البشر، حيث يقول: «لم أرع القطيع مجانا في «وادي الغباين»، كانت فرصة سانحة وثمينة لأخذ أبجديات أولية لفن حكم البشر. الراعي الناجح لقطيع الظأن راع ناجح وقائد ملهم لقطيع الشعب»(المصدر نفسه، ص 17)، والقصر الإمبراطوري الذي استولى عليه «ذياب الزغبي» بعدما قتل «الزناتي خليفة»، وأصبح حينها جنرالا وإمبراطورا طاغيا لمدة قرن من الزمن حتى شب اليتامى الهلاليون وانقلبوا عليه، وحصروا قصره الرئاسي الإمبراطوري مثلما هو وارد في هذا المقطع السردي: «ها هم مصطفون خطا واحدا يحاصرون قصري الرئاسي «الإمبراطهوري» متأهبون يلهثون ويكشرون عن أنيابهم مثل الضباع الجائعة تروم الانقضاض على فريستها»(المصدر نفسه، ص 16).
خاتمة
في الختام يمكن القول:
إن الاستهلال من أهم القضايا النقدية العربية القديمة الخاصة بالشعر.
إن النقد الحديث وسّع من مجال الاستهلال فشمل كلا من الشعر والنثر.
للاستهلالأهمية عظمى في التأثير في المتلقي، ودعوته لمواصلة القراءة، لذلك يولي له الكتاب عناية كبيرة من حيث جودة تركيبه وشحنه بطاقة تعبيرية مؤثرة ومحفزة على مواصلة القراءة، وهذا يعني أن القارئ الضمني حاضر بالقوة أثناء تحرير الاستهلال.
تتنوع الاستهلالات الروائية حسب طبيعة النصوص الروائية وتركيبها؛ فمثلا الاستهلال الموسع مرتبط بمدى كبر المساحة التي يحتلها في الرواية، أما الاستهلال متعدد الأصوات فمرتبط بتعدد الشخصيات الساردة، وكذا تعدد المحاور الفكرية، أما الاستهلال محوري البنية فمرتبط بوحدة الفكرة، وإذا نظرنا للاستهلال الحديث فنجده متعلقا بموجة التحديث والتقنيات المستخدمة. 
جاء الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» لـكمال قرور متنوعا؛ حيث أتى استهلالا بدئيا، ومقطعيا، وموسعا، ومن حيث نصوصه؛ إذ أتت نصوصه فلسفية، وأدبية؛ نثرية وشعرية، وقد أضفى هذا التنوع على الرواية نوعا من التعددية اللغوية والصوتية، مما يجعلها رواية حوارية، سواء أكانت هذه الحوارية داخلية أو خارجية، وبوليفونية حيث كانت استهلالاتها قادمة من أصوات مختلفة، وبالتالي فهي معبرة عن إيديولوجيات مختلفة، لذلك يمكن القول إن رواية «حضرة الجنرال» رواية بوليفونية بامتياز.
ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، المجلد 11، بيروت.
أحمد مطلوب، معجم النقد العربي القديم، الجزء الأول (أ،د)، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 1989م.
أحمد مطلوب، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، الجزء الأول (أ،ب)، مطبعة المجمع العلمي العراقي، العراق، 1983م.
أحمد مختار عمر، معجم اللّغة العربية المعاصرة، المجلد الأول، ط1، 2008م، عالم الكتب، القاهرة.
رولان بارث، التحليل النصي، تر: عبد الكبير الشرقاوي، منشورات الزمن، الرباط، 2001، ص37، نقلا عن: ياسين النصير، الاستهلال فن البدايات والنهايات.
ينظر، عبد المالك أشهبون، البداية والنهاية في الرواية العربية، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2013م.
ينظر، عبد الحق بلعابد، عتبات (جيرار جينات من النص إلى المناص)، الدار العربية للعرب ناشرون، بيروت، منشورات الاختلاف، ط1، 2008، الجزائر.
كمال قرور، حضرة الجنرال (التخريبة الرسمية للزعيم المفدى ذياب الزغبي كما رواها غارسيا ماركيز)، منشورات الوطن اليوم، ط1، 2015م.

@pour_citer_ce_document

نجمة قرواز, «طبيعة الاستهلال في رواية «حضرة الجنرال» لكمال قرور»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 125-136,
Date Publication Sur Papier : 2024-07-01,
Date Pulication Electronique : 2024-07-01,
mis a jour le : 01/07/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9977.