فنيّة الكناية في الشعر العباسيL’art de la Métonymie dans la poésie AbbassideL’art de la Métonymie dans la poésie Abbasside
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 21-2024

فنيّة الكناية في الشعر العباسي
L’art de la Métonymie dans la poésie Abbasside
L’art de la Métonymie dans la poésie Abbasside
137-148
تاريخ الاستلام 2020-12-14 تاريخ القبول 06-02-2024

مسعودة صابة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تشكل الكناية الطاقة المولدة لشعرية النّص، بحيث تأخذ دورا حاسما في اغناء الدلالة الأسلوبية في النّص الإبداعي، مما تجعل هذه الدلالات في لغته وتراكيبه قابلة للتفسير، مما يمنح النّص خصوصيته الفنيّة وخلوده عبر الزمن. وعلى هذا الأساس تحاول الباحثة الخوض في فنيّة الكناية من خلال تناولها عند النقاد القدامى، ثم من خلال الشرح والوقوف على صورها في شعر بعض الشعراء العباسيين، منتهجة المنهج الوصفي التحليلي. وتسعى الدراسة إلى تفسير خصائص الكناية في شعر العباسيين وهل هي محفوظة من الآثار التي اطلعوا عليها أم مبتكرة؟

La Métonymie forme l’énergie qui génère des vers poétiques du texte, de sorte qu’elle joue un rôle décisif dans l’enrichissement de la signification stylistique dans le texte créatif, ce qui rend ces connotations dans son langage et ses compositions sujettes à interprétation, ce qui donne au texte sa spécificité artistique et son immortalité dans le temps. Sur cette base, le chercheur aborde l’art de la métonymie à travers les anciens critiqueurs, puis en expliquant et en examinant ses images dans la poésie de certains poètes abbassides, en utilisant la méthode analytique descriptive. L’étude cherche à expliquer les caractéristiques de la métonymie dans la poésie des Abbassides et est-elle préservée des effets qu’ils ont vus ou innovants ?      

Metonymy forms the energy that generates poetic verses from the text, so it plays a decisive role in enriching the stylistic meaning in the creative text, which makes these connotations in its language and its compositions subject to interpretation. This gives the text its artistic specificity and its immortality over time. On this basis, the researcher approaches the art of metonymy through the ancient critics, then by explaining and examining his images in the poetry of certain Abbasid poets, using the descriptive analytical method. The study seeks to explain the characteristics of metonymy in the poetry of the Abbasids and is it preserved from the effects they have seen or innovated?

Quelques mots à propos de :  مسعودة صابة

Dr. Messaouda Sabba المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة الجزائر ahlembeno2008@gmail.com
 مقدمة
ممّا لا يخفى على أحد أنّ العصر العباسي يعرف بالعصر الذهبي للأدب العربي، لما جدّ فيه من موضوعات لم تكن مألوفة من قبل، كانت نتاج الزخم الحضاري، والامتزاج الثقافي، والتحرر الفكري والاجتماعي. فلجأ الشعراء العباسيون إلى تطوير أساليب التعبير، فنقلوا إلى القارئ الانفعالات القوية والأحاسيس المختلفة، من خلال مجموعة من الصور التي استمدوها من مختلف المنابع: الطبيعية، التراثية والذاتية النابعة من عواطفهم الجيّاشة.
وقد تعاضدت الصور بمختلف أنواعها لتصنع التوتر داخل النّص، بعد أن أزاح الشعراء اللغة العادية، وبعثوها من جديد، قدموا من خلال طريقتهم تلك صياغة جديدة للواقع والأشياء، حيث أقاموا علاقات غير مألوفة ليصلوا إلى نتائج غير معروفة، أحسّوا بها وتخيّلوها وتذوقوها، وهذا كله ليكشفوا قدراتهم على الصياغة والتشكيل، وهم الذين امتلكوا ناصية اللغة فأثروا الفن وأفادوا العلم ونموا الفكر وذوق المتلقين.
رأى النقاد القدامى أنّ الشعراء العباسيين بانزياحاتهم في صورهم المختلفة باعدوا إلى حد كبير بين الصيغة الفنيّة لهذا الشعر وشعر العصور السابقة، ممّا رعّبهم وخافوا أن يكون هذا التجديد مؤديا إلى الانقطاع التام من الخيال البدوي وطبعه وصياغة الصورة باللغة العربية القديمة فمنهم من استحسن ومنهم من استقبح ذلك.
والكناية فن من فنون التّعبير البياني، يلجأ إليها الشعراء لما تحققه من غايات بلاغية وأسرار فنيّة، من هذا المنطلق جاء عنوان الدراسة موسوما بــ « فنيّة الكناية في الشعر العباسي» تحاول من خلاله الباحثة الخوض في مجموعة من العناصر تراها ضرورية قبل أن تتناول نماذج الكناية في شعر بعض الشعراء العباسيين منها: التعريف بالكناية، الكناية في اصطلاح النقاد، أغراض الكناية.
تعريف الكناية
ورد في كتاب الفيروز أبادي أنّ الكناية من « كنى به عن كذا يكنى ويكنو كناية: تكلم بما يستدل به عليه أو أن يتكلم بشيء وأنت تريد غيره أو بلفظ يراد به جانبا أو حقيقة أو مجازا، وزيد أبا عمرو وبه كنية بالكسر والضم: سماه به وكناه وأبو فلان كنيته وكنوته ويكسران: وهو كنية أي كنيته، ويكنى بالضم إمرأة». (آبادي، دس ن) 
كما ورد في لسان العرب: الكنية على ثلاثة أوجه: أحدهما، أن يكنى عن الشيء الذي يستفحش ذكره، والثاني: أن يكنّى الرجل باسم توقيراً وتعظيماً، والثالث: أن تقوم الكنية مقام الاسم، فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه كأبي لهب اسمه عبد العُزَّى، عرف بكنيته فسماه الله بها.  (منظور، د س ن)
الكناية إذن تعني عدول عن لفظ إلى آخر دال عليه.
الكناية في اصطلاح النقاد 
لقد أولى النقاد اهتماما للكناية وخاضوا فيها، فقد عرفها صاحب الطراز على أنّها « اللفظ الدال على معنيين مختلفين، حقيقة ومجاز من غير واسطة» (العلوي، د س ن)، فالكناية عنده ليست نوعا مستقلا من المجاز، وإنّما هي جزء من الاستعارة.  (طبانة، 1981)
وهي حسب الجاحظ» سلوك لغوي وتصرف في التعبير تلجأ إليه المجموعة اللغوية لستر بعض المعاني وتلطيفها بواسطة ألفاظ تعبر عنها بشكل غير مباشر، وكأنّ أفراد هذه المجموعة يتحاشون ما من شأنه أن يجرح الذوق الأخلاقي الذي تقتضيه المعاملات الإنسانية»  (بلملبح، 1984)، وفي ذلك يقول الجاحظ:» وقد يستعمل النّاس الكناية، وربما وضعوا الكلمة بدل الكلمة، يريدون أن يظهروا المعنى بألين اللفظ إما تنزيها وإما تفضيلا، كما سموا المعزول عن ولايته مصروفا، والمنهزم عن عدوه منحازا، نعم حتى سمي بعضهم البخيل مقتصدا ومصلحا». (الجاحظ، د س ن)
ووجه الشاهد في حديث الجاحظ عن الكناية يكمن في أن استعمال الألفاظ من قبل الأديب وهو يريد بها معنى معناها، لا معناها الذاتي المباشر، فالألفاظ تحتمل أن تكون حقيقة من جهة أنّها استعمال حقيقي للفظ، ومجازا من حيث تعبيرها عن معنى آخر قريب من هذا اللفظ وذي علاقة دلالية به. فضلا عن هذا أحس الجاحظ أنّ هناك نوعا من الكناية يحتاج إلى تأمل دقيق وهو أبعد في التخييل وهذا ما أسماه المتأخرون بالكناية البعيدة.  (السكاكي، د س ن)
ومن صور الكناية عنده ما أورده من كلام لقتيبة بن مسلم، حين خطب في النّاس عندما عزله سليمان بن عبد الملك عن ولاية خراسان قال: « يا أهل خراسان، أتدرون من وليكم؟ إنّما وليكم يزيد بن ثروان» (الجاحظ أ.) ويزيد هذا هو (هنبقة) الذي اشتهر بإحسانه إلى السمان من إبله وإهماله للهزيلة منها، زاعما أنّه يكرم من أكرم الله ويهين من أهان الله.  (قتيبة، د س ن) ومعناه أنّ سليمان بن عبد الملك يتصرف التصرف نفسه، إذ يعطي الأغنياء ويحرم الفقراء قائلا: « أصلح ما أصلح الله وأفسد ما أفسد الله». (الجاحظ أ.، المصدر السابق)
فمعنى المعنى عند الجاحظ يمثل جوهر التعبير اللغوي وماهيته الروحية، إلاّ أنّ هذا المعنى لم يبلغ قيمته إلاّ بمغادرته كينونته الفكرية، الأولى إلى عالم شعوري آخر ينتقل بالمعاني من الوجود بالفعل إلى الوجود بالقوة، ليصبح المعنى حدثا لغويا مخصوصا تحدده الدلالات البيانيّة لأنّ هذه الدلالات تتفاوت حسب قدرتها على احتواء المعنى وإيصاله والكشف عنه.  (ناصف، 1981) من هنا كانت الكناية المعنى الذي يومئ إليه تركيب لغوي مخصوص.
«وفاعلية الكناية البلاغيّة تأتي من كونها نمطا من أنماط التّصوير البياني، وتتجلى جدواها في توضيح معاني الشعر وتقويتها وتجميلها، وتحسين وقعها في النّفوس في نتيجة هذا الوضوح، وهذا الجمال» (اللوي، د س ن) ولها أغراض مختلفة منها الإيهام على السامعين أو نحو ذلك، وقد تكون عن صفة أو موصوف أو نسبة صفة لموصوف.  (عمر، 2008)
لم تكن الكناية في بداية الأمر تمثل قضيّة فنيّة ذات خطورة في تشكيل البناء الّلغوي، ولكن الرّغبة في تفتيت كل شيء والدوران حوله، ثم التفنن فيما لا فن فيه، كان لا بد أن يشمل ما اصطلح عليه باسم «الكناية».
تحدّث قدامة بن جعفر عن معنى المعنى لما أشار إلى الكناية التي سمّاها (الإرداف) قال: «هو أن يريد الشاعر دلالة على معنى من المعاني، فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى، بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له، فإذا دلّ على التابع أبان عن المتبوع». (جعفر، دت) وقد عرض لذلك قول عمر ابن أبي ربيعة: (ربيعة، 1994)
بَعِيدَةُ مَهْوَى الْقِرْطِ إِمَّا          أَبُوهَا وَإِمَّا عَبْدُ شَمْسٍ
ذكر قدامة أنّ عمر بن أبي ربيعة إنّما أراد أن يصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص به. بل أتى بمعنى هو تابع لطول الجيد وهو بعد مهوى القرط، (جعفر، مصدر سابق)وابن أبي ربيعة وصف امرأة بأنها طويلة، فعدل عن اللفظ الصريح وجاء بالكناية ودلّ ببعد مهوى القرط على طول الجيد مع المبالغة.  وتعليق قدامة بن جعفر على بيت عمر ينم عن فهم جيد له. يقع في التعبير الكنائي من المبالغة في الوصف ما لا يكون في نفس اللفظ المخصوص بذلك المعنى وهذا ظاهر في البيت.
كما أن في هذا البيت تتمثل المرأة في أجمل ما ينبغي أن تكون عليه، يصف الشاعر جمالها الذي يتمثل في جمال عنقها وعراقة نسبها وأصالتها، فهي إلى جانب كونها جميلة تنتسب إلى قوم لهم شرف ولهم عزة ومتعة يتضح ذلك من ذكر نوفل، وعبد شمس، وهاشم، فهذه الأسماء لها شرف ومكانة عظيمة عند العرب قاطبة وهذا الطول في العنق يشير إلى علو قدر هذه المرأة ومكانتها عند قومها.   (سعيد، 2000)
جعل قدامة بن جعفر الصّورة الكنائية نوعا من أنواع» ائتلاف اللفظ والمعنى» فيما سمّاه بالإرداف والذي تحول فيها إلى «كناية» أي أنّه لاحظ هذا النّمط اللغوي ظاهرة خطيرة تتحول إلى أن تصبح أحد الأقسام الثلاثة لما عرف بالبيان من استعارة وتشبيه وكناية، وهو يقول:» ومن أنواع ائتلاف اللفظ والمعنى الإرداف وهو أن يريد الشاعر دلالة على معنى من المعاني، فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى، بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له، فإذا دلّ على التابع أبان عن المتبوع.»  (جعفر، المصدر السابق)
والملاحظ أنّ قدامة عدّ من الكناية ما هو من صورة الاستعارة، ومنها ما هو من صورة التشبيه. ولمّا جعل قدامة الكناية أو ما يسميه بالإرداف « نعت ائتلاف اللفظ مع المعنى» هنا تفارق الكناية دلالتها الجزائية لترتبط بالنسيج العام، وهنا نظر للأداء جميعه وإلى تشابك الدلالة الجزئية مع دلالات المعنى المنبث في التركيب ويتضح ذلك في تعليقه على بيت امرئ القيس الذي يقول فيه:
وَيُضْحِي فَتِيتُ المِسْكِ فَوْقَ فِرَاشِهَا 
                                                نَؤومُ الضُّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ  
(القيس، 2004)
«أراد امرؤ القيس أن يذكر ترفه هذه المرأة وأنّ لها من يكفيها، فقال:» نؤوم الضحى»، وأن فتيت المسك يبقى إلى الضحى فوق فراشها، وكذلك سائر البيت، أي هي لا تنتطق لتخدم، ولكنّها في بيتها متفضلة». (جعفر، المصدر السابق)وصف الشاعر المرأة بأنّها منعمة مترفهة مخدومة، لكنّه لم يأت بالألفاظ الدالة على ذلك مباشرة بل لجأ إلى لازمها، عدل عن التصريح بهذه الصفات إلى الكناية عنها، فالنّوم إلى وقت الضحى يستلزم تنعّم هذه المرأة وترفها ووجود خدم يكفونها مؤونة السعي في أمر المعاش عند العرب «وقت الضحى».
فالكناية إذن أن تذكر الشيء وتريد لازمه أو ما يفضي إليه ويدل عليه،» فنؤوم الضحى» تعبير يدل على الترف والتنعّم.
يبحث قدامة بن جعفر عن الصّورة الواضحة في المعنى الشّعري، لهذا نراه يفضل أن تكون الكناية قريبة المعنى، أي أنّ المتلقي لا يحتاج إلى جهد كبير في سبيل الوقوف على معنى المعنى، ومن هذا المنطلق عدّ الكناية البعيدة مذمومة، ويراها عيبا من عيوب الشعر وهو الانغلاق في اللفظ وتعذر العلم بمعناه إذ قال: « وذلك إذا ذكر الردف وحده، وكان وجه اتباعه لما هو ردف له غير ظاهر أو كانت بينه وبين أرداف أخر كأنّها وسائط، وكثرت حتى لا يظهر الشيء المطلوب بسرعة، وهذا الباب إذا غمض، و لم يكن داخلا في جملة ما ينسب إلى جيد الشعر».  (جعفر، المصدر السابق)
فما يريده قدامة بن جعفر هو أن تكون الوسائط بين المعنى الأول والمعنى الثاني قريبة، لأنّ البعد في هذه الوسائط يؤدي إلى الغموض واللّبس ممّا يؤثر سلبا على فهم النّص الشعري، ولهذا يرى الدكتور جابر عصفور أنّ» غاية الشعر هو التأثير». (عصفور، 1986)وهذا الأخير يعني تغيرا في الاتجاه وتحولا في السلوك ولا يتم ذلك إلا بضرب بارع من الصياغة تنطوي على قدر من التمويه، تتخذ معه الحقائق أشكالا تسحر العقول. والشاعر إن أراد الانتقال من مرحلة التخيل إلى مرحلة عليا من مراحل الفكر والعقل يلجأ إلى أسلوب الكناية الذي يدلّ دلالة يخالطها شك على ذكاء الأديب يستلزم متلقيا فطنا يستطيع أن يصل إلى ما قصده الشاعر بكنايته.
أما المبرد فقد جعل الكناية على أضرب قائلا: الكناية تقع على ثلاثة أضرب، أحدها: التعمية والتغطية، والثاني وذاك أحسنها الرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من غيره، قال تعالى: «أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم»  (القرآن الكريم برواية ورش لقراءة الإمام نافع، 2014) ، والضرب الثالث من الكناية التفخيم والتعظيم ومنها اشتقت الكنية، وهو أن يعظم الرجل أن يدعى باسمه ووقعت في الكلام على ضربين: في الصبي على جهة التفاؤل بأن يكون له ولد، ويدعى بولده كناية عن اسمه، وفي الكبير بأن ينادى باسم ولده صيانة لاسمه.  (المبرد، 1985) 
فالكناية تحمل في طياتها معاني وصفات مختلفة هي وليدة الموقف الذي تقال فيه، فقد تحمل لصاحبها حسن أدب وكريم خلق، أو خوفا من ظالم أو تعظيما لعظيم، أو تعريضا بحقير، وذلك حين يتعرض الشاعر لمعنى مستهجن فيكني عنه أو يتعرض لتهديد فيلجأ إلى التكنية عمّا في صدره (عصفور، المرجع السابق)، وإذا أراد مدح شخص فيكني عن ذلك بصفة حسنة كالكرم والإقدام ويترك التصريح بذلك طلبا للإيجاز والمبالغة، بالإضافة إلى ما تقيس الكناية في المبدع من براعة لغوية وجدة عقلية، فإنها بنت البيئة وسمة العصر الذي يعيش فيه الشاعر، ولذلك فإنّ أسلوب الكناية يختلف باختلاف البيئات والعصور.
أما ابن رشيق القيرواني فقد تناول الكناية تحت باب الإشارة، وهي عنده من غرائب الشعر، وفيها بلاغة عجيبة تدل على بعد المرمى وفرط المقدرة وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر، وهي في كل نوع لمحة دالة واختصار وتلويح يعرف مجملا ومعناه بعيد عن ظاهر لفظه ومن أنواعها التفخيم والحذف والتورية والتتبيع». والعرب تجعل المهاة شاة لأنها عندهم ظائنة الظباء، لذلك يسمونها نعجة، وعلى هذا المتعارف في الكناية جاء قول الله تعالى في إخباره عن خصم داوود عليه السلام» إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة «كناية بالنعجة عن المرأة.»  (رشيق، 1981)
إنّ ما نلاحظه أنّ ابن رشيق كانت لديه نظرة شمولية ممتعة في تجميع الفنون البلاغيّة التي ذكرها، والتي تختلف فيها نسبة البعد عن التصريح والمباشرة مجمعا إياها تحت باب الإشارة، ومع ذلك فإنه لم يترك تعريفا محددا للكناية مع إعجابه بأسلوبها.
أما ابن سنان الخفاجي فقد تناول الكناية تحت تأليف الكلام وجريانه على العرف العربي الصحيح يقول: « ومن هذا الجنس حسن الكناية عمّا يجب أن يكنى عنه في الموضع الذي لا يحسن فيه التصريح» (الخفاجي، 1969)، وتحدث عن الإرداف الذي هو لون من ألوان الكناية عند المتأخرين فيقول:» ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدلالة على المعنى، فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة، بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة، فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع، وهذا يسمى» الإرداف» و»التتبيع» لأنه يؤتى فيه بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص بذلك المعنى وتابعه.»   (الخفاجي، المصدر السابق)
إنّ ابن سنان الخفاجي في كلامه يذهب إلى أنّ الكناية والإرداف مترادفان ولم يفرق بينهما، تأسيا بمن سبقه من النقاد أمثال ابن المعتز وأبو هلال العسكري. وقد نبه إلى أنّ أصحاب صناعة البلاغة يذكرون هذا اللون البلاغي ولا يشرحون العلة في سببه وحسنه وما فيه من المبالغة، يقول:» ومنه في النثر: قول أعرابية وصفت رجلا فقالت: « لقد كان فيهم عمارٌ طلابٌ بأوتار، لم تُخمد له قط نار» كثرة إطعامه الطعام، فلم تأت بذلك اللفظ بعينه، بل بلفظ هو أبلغ في المقصود، لأن كثيراً ممن يطعم الطعام تخمد ناره في الوقت.»    (الخفاجي ا.)
وابن سنان في دراسته للكناية مع تحليله للنصوص الأدبية وبيان موضعها فيها كشف عن محاسنها وبلاغتها، والقبيح منها والمستحسن، ويعد حسنها أصلا من أصول الفصاحة، لذا عرض لها في مقامين: المقام الأول في إطار وضع الألفاظ موضعها، والمقام الثاني عندما جعلها نعتا من نعوت البلاغة والفصاحة.
كانت الكناية المعنى الذي يومئ إليه تركيب لغوي مخصوص، باعتبارها إحدى وسائل تكوين الصورة الفنية في الشعر، لما تحمله من معان بديعة، وإشارات خفية تلوح بالمعنى من بعد وتومئ به دون أن تفصح عنه، يلجأ إليها الشاعر حين تعجز الأساليب الأخرى عن التعبير عن أحاسيسه ومشاعره تجاه موقف من مواقف الحياة.  (سعيد، المرجع السابق)
ومن جهة قيمتها الفنية يرى الجرجاني أنّه يتأكد بواسطتها ما يود صاحبها من تأكيد وزيادة إثبات وذلك «أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه فيومئ إليه ويجعله دليلا 
عليه.» (الجرجاني، 2000)
 فالجرجاني لم يجعل المزية في المعنى المكنى عنه، بل في إثباته للذي ثبت له، والكناية وإن كانت من القسم الذي تعزى المزية فيه إلى اللفظ، إلا أننا لا نعرف المعنى إلا عن طريق المعقول، وتأويل المشار إليه، و لها القدرة على إعطاء إشارة رامزة بجانب الدلالة الإشارية التي تبعد التركيب اللغوي عن المباشرة  و «قد أجمع الجميع على أنّ الكناية أبلغ من الإفصاح، والتعريض أوقع من التصريح».  (الجرجاني، المصدر السابق) 
وليس معنى ذلك أنك إذا كنيت عن المعنى زدت في ذاته « بل المعنى أنك زدت في إثباته فجعلته أبلغ وأكد وأشد» (الجرجاني، المصدر السابق)، ودلّل عبد القاهر الجرجاني على صحة كلامه بأمثلة مشهورة في كتب البلاغة كقولهم: طويل النجاد وكثير الرماد، ونؤوم الضحى، يكنون بذلك عن الطول، وكثرة القرى، والترف، ولذلك فالكناية هي إحدى وسائل تكوين الصّورة الفنيّة في الشّعر، لما تحمله من معان بديعة، وإشارات خفية تلوح بالمعنى من بعد وتومئ به دون أن تفصح عنه، يلجأ إليها الشّاعر حين تعجز الأساليب الأخرى عن التعبير عن أحاسيسه ومشاعره تجاه موقف من مواقف الحياة. كما أنها تأخذ طابعا توصيليا لإثبات المفاهيم دون جرح العواطف أو خدش المشاعر أو اشمئزاز النّفوس، بما لها من قدرة على التعبير الموحي والمهذب في الوقت نفسه.
تعد الكناية نتاج مشاعر خاصة تجاه الأشياء، والشاعر قد يصنع كناياته أو رموزه اللغوية حتى توسع الدائرة الوجدانية لدى المتلقي الذي يستطيع استشفافها من خلال السياق الفني، وقد تتداخل الصور الكنائية في بناء تجسيدي لتفجر دلالات رامزة، يكون في دلالاتها المتآزرة مكونة وشائج متداخلة معبرة عن مواقف متكاملة المشاعر.
 أغراض الكناية
إنّ توظيف الشاعر للكناية يسعى لتحقيق أغراض تتمثل في:
-تصوير المعنى تصويرا واضحا مصحوبا بما يؤيده، ويكون كالحجة له.
-تحسين المعنى وتجميله مع تعمية الأمر على السامعين وإيهامهم.
-تهجين الشيء والتنفير منه وأمثلة كثيرة في ذلك موجودة في القرآن الكريم.
-العدول عن ذكر شيء بلفظه الدال عليه لهجنته إلى لفظ آخر يدل عليها من غير استكراه ولا نفور منه مثل الكناية عن الصمم لنقل السمع مثلا.  (السكاكي، المصدر السابق، 1987)
-للكناية أثر في نفس المتلقي من خلال إحداثها انفعالا تعجز اللغة العادية عن تصويره، وذلك لأنّها تضع المعاني في شكل محسوسات.
-عدولها عن إفادة المعنى المراد مباشرة إلى إفادته عن طريق لازم من لوازمه، فللكناية معنيين أحدهما قريب يتعلق بالمعنى المادي للعبارة لا يريده الشاعر غالبا، والثاني بعيد يحتاج إلى الذكاء والقراءة بين السطور، للوصول إلى المعنى الذي يريده الشاعر، أو ما يسمى بدلالة العبارة، (وآخرون، 2002) فالمعنى المقصود غير مصرح به مباشرة، بحيث يؤدي ذلك التوظيف بالمتلقي إلى تشغيل فكره للوصول إلى المعنى الباطني المقصود.
اعتمد الشعراء العباسيون على الكناية ووظفوها توظيفا فريدا للتغني بمثلهم العليا، وكانوا يسعون إلى تحقيق المثالية في الصفات المحمودة.
والكناية القديمة في التصاقها ببيئتها وتمازجها بمجتمع له ثقافة معينة، تصبح جمالياتها منطوية في إطار تلك الزمنية المحددة. من هنا كانت كنايات الشعراء المحدثين في العصر العباسي التي باعدوا فيها عن معايير جمالية الكناية في تصور النقاد المحافظين تطلق عليها الصيحة القديمة « إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل» ولا نريد من هذا التهوين من شأن القدماء أو التقليل من جهد البلغاء وإنّما نعني ضرورة تجاوز ما يستدعي التجاوز حتى يتجدد النظر البلاغي. فالإيحاءات الرامزة تتداخل في العمل الفني جميعه وتتآزر هذه الجزئيات لينمو من خلالها حصاد فني جديد.
 صور الكناية عند بعض الشعراء العباسيين
إذا كانت الكناية هي استبدال المعنى الأصلي بدليل ينوب عنه، فإنّ النّداء الصادر من الفنان الشاعر يعبر عن شعوره أو موقفه من هذا الدّليل، من هذا المعنى المولّد، وكأنّه يكمل به الصورة التي يريدها.
فقول أبي تمام في مدح مالك بن طوق التغلبي من الكامل:
يَا خَاطِبًا مَدْحِي إِلَيْهِ بِجُودِهِ       
 وَلَقَدْ خَطَبْتَ قَلِيلَةَ الْخُطَّابِ  
 (التبريزي، 2007)
فالكناية في قوله» قليلة الخطاب» والمعنى الأصلي أنّ قصائده رائعة، يعجز كثير من الممدوحين عن التصدي للمدح بها لغلاء مكافأتها، فهي صعبة المنال، ومتلقي الكناية ينتقل من المعنى المولّد إلى المعنى الأصلي، ويضفي عليه تصوره، وتذوقه، والكناية هنا خاصة لأنّ المعنى المولّد هنا ليس معنى عاما سريع الورود إلى أي ذهن، بل معنى خاصا أحسّ به أبو تمام تجاه شعره وقيمته، ومن هنا لن تفهم الكناية إلاّ في إطار كون القائل أبا تمام، ثم يضاف إليه نداء التقدير للممدوح، والإعجاب بكرمه وسخائه.
وقوله يمدح أبا العباس عبد الله بن طاهر من الطويل:
فَيَا أَيُّهَا السَّارِي اسْرِ غَيْرَ مُحَاذِرٍ   
                                                         جَنَانَ ظَلاَمٍ أَوْ رَدىً أَنْتَ هَائِبُهْ  
(التبريزي، المرجع نفسه)
فالكناية هنا لا تعنينا أن تكون كناية عن صفة أو موصوف أو نسبة، في قوله «أسر غير محاذر جنان ظلام أو ردى أنت هائبه»، المعنى الأصلي « الأمن المستتب» وله علامات وظواهر، وتتولد عنه أحوال ومشاهد في الليل والنّهار، في المدينة والقرية، داخل البلاد أو خارجها، التعامل بين النّاس والطمأنينة في نفوسهم... لكنّ أبا تمام يختار « سرى الليل» ويعدّه من أقوى الأدلة على استتباب الأمن، واستقرار النظام. يختار أبو تمام الأدلة وأبلغها على وجود الأمن وكأنّه يدور على النّاس في الأسواق والمجالس مناديا: لا خوف، لا فزع فيد عبد الله حديد وبطشه مبيد.
ويقول في مدح خالد بن يزيد الشيباني من الكامل: (التبريزي، المرجع نفسه)
يَا مُوضِعَ الشَّدَنيَّةِ الوَجْنَاءِ           وَمُصَارِعَ الإِدلاجِ وَالِإسْرَاءِ
الناقة اليمنية الأصيلة الغليظة الوجناء، أنت يا خالد جعلتها تسرع متجهة إليك، لأنك كريم وكرمك حبب الشعراء إليك، وحبّهم دفع بهم إلى نوقهن، إلى الإسراع إلى بابك وعطائك وأنت شجاع، لا تقف أمامك عقبات، ولا يصدك الليل عن اقتحام العقبات، فوجد الليل فيك من يصارعه ويصرعه.
فجمال الكناية هنا أن نستمتع بالمعنى مرتين، مرة مصورّا في شكل المعنى الموّلد، ومرة أخرى حين يربط المعنى الموّلد بالمعنى الأصلي الذي اختفى وراء ستار ولكن ظله يكشفه.  يعرض أبو تمام المعنى الموّلد ثم ينادي خالد الشيباني به، وكأنّه لا وجود للمعنى الأصلي. فكرم خالد الشيباني دفع بالمعتقين إلى دفع نوقهم إليه، وقد يكون في الأمر مبالغة، ولكنّها لا تنفي أنّها حقيقة، و أنّها حدثت بشكل من الأشكال أو يمكن وقوعها بصورة من الصور. فالمعنى المولّد حادث واقع نائب عن المعنى الأصلي، جانب من جوانبه أو نتيجة من نتائجه، مظهر من مظاهره أو أثر من آثاره منبثق منه منسوب إليه.
ويقول أبو تمام في مدح أبا دُلَف القاسم بن عيسى العِجْلي من الطويل: (التبريزي، المرجع نفسه)
إذا الـعِيـسُ لَاقَــتْ بــي أَبَا دُلَفٍ فقد   
تَــقَـطَّــعَ مَـا بَـيْنِــي وَبَيْـنَ النَّوَائِبِ
هُنَالِكَ تَلْقَى الجُودَ حَيْثُ تَقَطَّعَتْ   
تَمَائِمُهُ وَالمَجْدَ مُرخَى الذَّوَائِبِ
أراد الشاعر أن يثبت صفتي الكرم والمجد خلالا للممدوح، لكنّه لم يصح بذلك فيقول: إنّهما مجموعتان فيه أو مقصورتان عليه ونحو ذلك، بل عدل إلى ما أنت تراه، فجعلهما في مجلسه ليمكنّه أن يثبتهما للممدوح بطريق الكناية، لأّنه إذا ثبت الأمر في مكان الرّجل وحيّزه فقد أثبت له. والكناية تتمثل في العدول عن نسبة الصفة إلى الموصوف مباشرة ونسبتها إلى ما له اتصال به.
ويقول أبو تمام للمأمون من البسيط: 
يَا وَارِثَ اْلمُلْكِ إِنَّ الْمُلْكَ مُحْتَبِسٌ
 وَقْفٌ عَلَيْكَ إِلَى أَنْ تُنْشَرَ الصُّوَرُ   
(التبريزي، المرجع نفسه)
«إلى أن تنشر الصّور» كناية تصور ثقة الشاعر بطول حكم العباسيين من الأدلة التي يراها ماثلة أمام عينيه، فيها مبالغة، ولكنها اعتقاد يكاد يكون راسخا.
ويقول في هجاء مقران المباركي من المتقارب: (التبريزي، المرجع نفسه)
فَقُولاَ لِمُقْرَانَ فِيمَ الْمُقَامُ بِعِ السَّيْفَ ثُمَّ اسْتَجِدْ مِنْجَلاً
وَهَذَا حَصَادُكُمُ قَدْ حَضَرْ وَأبْدِلْ بِسَوْطِكَ رَفْشًا وَسِرْ
إنّ الكناية التي تطورت مع الزمن واختلفت نظرة المجتمع إليها جعلت أبا تمام يوظفها في شعره، وهو هنا يقدم لنا صورة مهينة بحيث يصنع فيها مقرانا، وهذه الصورة هي أن يترك شأن الفروسية والبطولات والمعارك ويتحول إلى مزارع، وقد كان العرب يترفعون عن ممارسة التجارة والزراعة ويتركونها للموالي، ولا يشتري المنجل بل يستجديه لأنه عاجز عن شرائه، وأن يستبدل بالسّوط رفشا، ثم يأمره بأن «يسير» أي ينضم إلى صفوف أجراء الأرض لعله يوفق ويجد من يستأجره وهي كناية عن هوان قدره وقدراته وفقده لخصال الفروسية والعروبة. ولم ينس أبو تمام أن يستخدم كلمة « الحصاد الذي حضر» وهو ليس حصاد الرؤوس الأبطال في المعركة، بل حصاد رءوس العيدان من الغيطان.
وقوله في رثاء هاشم بن عبد الله الخزاعي من الطويل: (التبريزي، المرجع نفسه)
فَلاَ تَطْلُبُوا أَسْيَافَهُمْ فِي جُفُونِهَا
 فَقَدْ أُسْكِنَتْ بَيْنَ الطُّلَى وَالْجَمَاجِمِ
قدم أبو تمام الفكرة القديمة في ثوب جديد في الكناية، فالمتداول بين الشعراء أنّ السيوف هجرت أغمادها وسكنت الأعناق، ويأتي أبو تمام بأن يبدأها بالنهي المفيد للاستبعاد، وفي الوقت نفسه يكشف الحاجة الملحة لهذه الأسياف فهي لم تغب عن أغمادها لجبن فيها، ولكنها في مهمة مقدسة تنتزع رءوس الأعداء من رقابهم، ويكون هذا هو التعليل، واختياره الفعل « سكن يسكن سكنا» موحيّا براحة السيوف وسط الرقاب، وقلتها وسط الأجفان، مع أنّ الجفن ستر ووقاية ودفء، وما ذلك إلاّ لأنّها في يد الأبطال من خزاعة.
وقال يمدح أبا عبد الله أحمد بن أبي دؤاد من الخفيف: (التبريزي، المرجع نفسه)
شَابَ رَأْسِي وَمَا رَأَيْتُ مَشِيبَ الرَّأْ    
سِ إِلاَّ مِنْ فَضْلِ شَيْبِ الفُؤَادِ
« شيب الفؤاد» كناية عن الهموم، أي أنه شاب ليس لكبره في السن، وإنما لكثرة همومه، فالصورة جاءت وفقا لحالته النفسية الحزينة.
وقال من مخلّع البسيط: (التبريزي، المرجع نفسه)
يَا سَقِمَ الجَفْنِ مِنْ حَبِيِبِي
كَمْ قَتَلَتْ لـَحْظَتَاكَ ظُلْما
قَدْ رَوَيْتَ مِنْ دَمِي فَحَسْبِي أَلْبَسَنِي حُلَّةَ السَّقَامِ
مِنْ عَاشِقِ القَلْبِ مُسْتَهَامِ
مِنْ صَائِبِ النّبَـْلِ وَالسِّهَامِ
فالملاحظ في هذه الأبيات الحرقة والحزن والعذاب الذي يعمها، فحالة الشاعر كانت موافقة لها قال «ألبيني حلة السقام» كناية عن حزنه الشديد وألمه وأوجاعه، وقوله « رويت من دمي» كناية تدل على الألم والحزن.
وفي نفس السياق قال أبو تمام من الطويل:
رُقَـــــــــادُكَ يَا طَرْفِـــــــــي عَلَــيْكَ حَــــــــــرَامُ 
  فَــخَــــــلَّ دُمُـــوعًــا فَـيْــضُـهُــــنَّ سِــجَــامُ
فَفِـــــــي الدَّمْعِ إِطْفَـــــــــاءٌ لِنَــارِ صَبَابَــــــــةٍ 
  لَهَـــــا بَيْــنَ أَثْنَــــــــاءِ الضُّلُـــــــوعِ ضِـــرَامُ
وَيَا كَبِدِي الحَرَّى التِي قَدْ تَصَدَّعَتْ 
مِنَ الوَجْدِ ذُوبِي مَا عَلَيْكِ مَلاَمُ      (التبريزي، المرجع نفسه)
كل هذه الأبيات تقطر حزنا وشغفا للقاء المحبوب، فقوله» رقادك يا طرفي عليك حرام» كناية عن شدة الألم وطول سهر الليالي. وقوله « إطفاء لنار صبابة» كناية عن شدة التلهف والشوق للمحبوبة، فهو يجد في الدمع تصبيرا له على لوعة الفراق والاشتياق لها. وقوله» تصدعت متن الوجد» كناية عن اللوعة والاشتياق أيضا، فجميع هذه الكنايات تدور في فلك التلهف والشوق والاشتياق.
وقال من الرمل: (التبريزي، المرجع نفسه)
أَنْتَ فِي حِلٍّ فَزِدْنِي سَقَمَا         أَفْنِ صَبْرِي وَاجْعَلِ الدَّمْعَ دَمَا
» أفن صبري» كناية عن شدة الألم لفراق الحبيب، فهو لم يعد يجد حلا لوصال محبوبته فاستسلم لدموعه وعذابه.
وقوله في عبد الله الكاتب من المنسرح: (التبريزي ا.)
إِذَا رَأَيْتَ الغُلَامَ قَدْ طَلَعَتْ بِخَدِّهِ شَعْرَةٌ فَقَدْ هَلَكَا
»بخده شعرة» كناية عن الحزن والهم، لأن هذا الغلام لا يزال غلاما كما يقول، فإذا كانت شعرة بخده فهي دلالة على القلق أو الحزن وهي تصادف نفسية الشاعر.
وقال من مجزوء الرمل: (التبريزي ا.، المرجع نفسه)
بُؤْسَ قَلْبِي كَيْفَ ذَلاّ صَارَ لِلسُّقْمِ مَحَلاّ 
فقوله» السقم محلا» كناية عن شدة الحزن دائما، ومثل هذه الصور هي ما تعبر عن حالته النفسية الهادئة حينا والمضطربة حينا آخر.
والكناية تساعد على التعبير عن أمور لا يستطيع القائل التصريح بها مباشرة، وإنّما يترك فهمها لمن له القدرة على فهم الصور الخفيّة، والتمييز بين الأساليب البلاغية. ومثل ذلك قول البحتري يرثي المتوكل من الطويل: (البحتري، 2005)
فَلاَ مُلِّـــــــيَ الْبَاقِـــــــي تُــــرَاثَ الَّذِي مَضَــى      
وَلاَ حَـــــــمَـــــلَـــــتْ ذَاكَ الدُّعـــــــــاءَ مَنَـــابِـــــــــــرُه
وَلاَ وَأَلَ المَــشْــــكُــــوكُ   فِيـــهِ وَلاَ نَجَــــــا 
مِنَ السَّيْفِ نَاضِي السَّيْفِ غَدْراً وَشَاهِرُهْ 
دعا البحتري على الخليفة المنتصر حين اشترك في مؤامرة اغتيال والده المتوكّل بتحريض من القواد الأتراك. «فلا ملّي الباقي» و» لا وأل المشكوك فيه» كنايتان تتضمنان الدعاء على المنتصر، وقد كنى عن المنتصر بقوله» الباقي» كما كنى عن الخليفة الراحل المتوكّل بقوله:» الذي مضى» وأما قوله «ولا نجا من السيف ناضي السّيف عذرا وشاهره» فيتضمن الإشارة إلى قاتل الخليفة دون التصريح باسمه، وهو باعر التركي كما تذكر المصادر التاريخية.
 وقوله يمدح محمد بن علي بن عيسى القمّيّ الكاتب من الكامل: (البحتري أ.)
أَوَ مَا رَأَيْتَ المـَجْدَ أَلْقَى رِحْلَهُ          فِي آَلِ طَلْحَةَ ثُمَّ لـَمْ يَتَحَوَّلِ 
أراد الشاعر أنّ المجد حلّ وأقام في خيام آل طلحة أسرة الممدوح ولم يرحل عنهم بعدها. كنى بإثبات المجد لخيام آل طلحة عن إثبات المجد لهم، فالمجد صفة، أي معنى قائم بغيره، والخيام لا تصلح محلا لها واللزوم واضح.
وقال يمدح الفتح بن خاقان من الطويل: (البحتري أ.، المصدر نفسه)
يَغُضُّونَ فَضْلَ اللَّحْظِ مِنْ حَيْثُ مَا بَدَا                            
                                     لـَـــهُــــمْ عَـــنْ مَهِيبٍ فِي الصُّدُورِ مُحَبَّبِ
إِذَا عَـــــرَّضُــــــوا فِــــي جِــــــدِّهِ نَـــفَـــــرَتْ بِــــهِــــمْ                                           
                            بَــسَـالَــةُ مَشْـبُـــوحِ الدِّرَاعَيْـِـن أَغْـــلَـِـــب
كنى الشاعر عن إكبار النّاس للممدوح وهيبتهم إيّاه بغض الأبصار، الذي هو في الحقيقة برهان على الهيبة والإجلال. كما كنى عن قوة الممدوح بقوله» مشبوح الذراعين أغلب».
وقال في موضع آخر يمدح الفتح بن خاقان من الطويل: (البحتري أ.، المصدر نفسه)
دَنَـوْتُ فَقَبَّـلْتُ النَّـدَى فِـي يَدِ امرئٍ      جَـمِيـلٍ مـُحَيَّاهُ سِـبَاطٍ أَنَامِلُـهْ 
أعطى البحتري لممدوحه صفة الكرم والجود والقرينة الدالة هي «سباط أنامله» أي منبسط كفه كناية عن سخاء الممدوح.
وقال في موضع آخر يمدح ابن ثوابة من الطويل: (البحتري أ.، المصدر نفسه)
إِلَـى أَبْيَضِ الأَخْلَاقِ مَا مَـرَّ أَبْـيَـضٌ
مِـنَ الـدَّهْرِ إِلاَّ عَنْ جَـدَى مِنْـهُ أَوْ رِفْـدِ 
«أبيض الأخلاق» كناية عن حسن أخلاق الممدوح، فأخلاقه مهذبة ورفيعة ذكر الصفة وقصده الموصوف الذي هو الممدوح.
وقال يمدح محمد بن علي بن عيسى القمّي الكاتب من الكامل: (البحتري أ.، المصدر نفسه)
أَوَ مَـا رَأَيْتَ المَـجْدَ أَلْقَى رَحْـلَهُ          فـِي آَلِ طَلْحَةَ ثُمَّ لـَمْ يَتَحَوَّلِ 
وصف الشاعر مجد بني طلحة، ذكر الصفة والموصوف، لكنه أراد النسبة أي نسبة المجد إليهم، كأن المجد حلّ في آل طلحة ولم ينتقل عنهم بعدها.
وقال في قصيدته المشهورة في وصف إيوان كسرى بالمدائن ويتعزّى به من الخفيف: (البحتري أ.، المصدر نفسه)
لـَوْ تَرَاهُ عَلِمْـتَ أَنَّ اللَّيَـالِـي          جَعَـلَتْ فِيهِ مَـأْتَـمًـا بَعْدَ عُرْس 
من يرى إيوان كسرى يوحي بأن الأيام والليالي جعلت الحزن سمة له بعد أن كانت الأفراح لا تفارق كناية عن الحزن.
وقال في القصيدة نفسها: (البحتري أ.، المصدر نفسه)
يُــــتَــظَنَّـى مِــنَ الكَآَبَـــةِ إِذْ يَبْـ         ــدُو لِعَيْنَــــيْ مُـــصَبَّحٍ أَوْ مُمَـــسِّي 
فالشاعر حزين ويعاني من الألم المستمر وقد كنى عن هذه المعاناة بقوله» مصبح ّوممسّي».
وقوله: عُمِّرَتْ لِلسُّرُورِ دَهْرًا فَصَارَتْ    لِلـتَّعَـــزِّي رِبَــــاعُـهُــمْ وَالتَّـأَسِّـــي   (البحتري أ.، المصدر نفسه)
قال شارح الديوان محمد التونجي «سكن بها أهلها مسرورين زمنا، وصار النّاس اليوم يتأسون ويتعزون بمصائبهم بما أصابها، والشاعر هنا كنى عن الحزن وضياع السعادة والفرحة التي كان يعيشها.
وقال البحتري يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري الطائي من الكامل: (البحتري أ.، المصدر نفسه)
فَأَثْلَجَ بِبَرْدِ الدَّمْعِ صَدْرًا وَاغِرًا
وَجَوَانِحًا مَسْحُورَةَ الرَّمْضَاءِ
قَصَرَ الفِرَاقُ عَنِ السُّلوِّ عَزِيمَتِي
وَأَطَالَ فِي تِلْكَ الرُّسُومِ بُكَائِي
»فأثلج ببرد الدّمع صدرا واغرا» بردت دموع الشاعر وأصبح صدره مرتاحا كناية عن الراحة والطمأنينة.
«قصر الفراق عن السّلوّ عزيمتي» يعاني الشاعر من الفراق وهذا جعله يفقد عزيمته، وزاد بكاءه من فراق الأحبة، كناية عن الحزن والمعاناة. 
وقوله في نفس السياق:
تَشْكُو الفِرَاقَ إِلَى قَتِيلِ صَبَابَةٍ       شَرْقَ المَدَامِعِ باِلفِرَاقِ مُعَذَّبِ (البحتري أ.، المصدر نفسه)
يشكو الشاعر من الفراق الذي قتله وأصبحت عيناه تسيلان بالدموع، فجعله حزينا ومعذبا، كناية عن الحزن والمعاناة من الفراق. 
وقال يصف الذئب من الطويل:
تَسَرْبَلَتُهُ وَالذِّئْبُ وَسْنَانُ هَاجِعٌ
بِعَيْنِ ابْنِ لَيْلٍ مَا لَهُ باِلْكَرَى عَهْدُ  (البحتري أ.)
«بعين ابن ليل» كناية عن اللّص، لفظة الليل جاءت خادمة للمعنى العام للنص، حاول البحتري إبراز شجاعته وجرأته، والليل بما يرمز إليه من خوف ووحشية، اتخذ منه الشاعر وسيلة للاعتداد بالنفس والفخر بالذات، وتتضافر الصور الكنائية في هذا الشطر لتسعف السياق بأمثلة تشحن المعنى بدلالات قوية في قوله «ما له بالكرى عهد»، فقد ساهمت الكناية في بناء الصورة الشعرية، وحملت بعض هذه الصور دلالات حسيّة تجسد المعنى وتنقله إلى المتلقي بوضوح.   
وظف ابن الرومي كغيره من الشعراء الكناية في شعره مسخرا إياها في التعبير عن تجربته الشعورية ومواقفه من الحياة ومن أمثلتها قوله في مدح سليمان بن عبد الله من الطويل: (الرومي، 2002)
وَلِــي وَطَنٌ آَلَيـْتُ أَلّا أَبِـيـعَـهُ
وَأَلَّا أَرَى غَيْرِي لَهُ الدَّهْرَ مَالِكَا
عَهَدْتُ بِهِ شَرْخَ الشَّبَابِ وَنِعْمَةً
كَنِعْمَةِ قَوْمٍ أَصْبَحُوا فِي ظِلاَلِكَا
وَأَحْدَثَ أَحْدَاثًا أَضَرَّتْ بـِمَنْزِلـِي
يـَرِيغُ إِلَى بـَيْعَيْهِ مِنْـهُ الـمَسَالِكَا
وَرَاغَمَنِي فِيمَا أَتَى مِنْ ظَلَامَتِي
وَقَالَ لـِي اجْهُدْ فـِيَّ جُهْدَ احْتِيَالِكَا
مِنَ القَوْمِ لَا يَرْعَوْنَ حَقًا لِشَاعِرٍ
وَلاَ تَقْتَــــدِي أَفْعَالـُهُـــمْ بـــــِفِعَــــالِكَا
الأبيات من قصيدته» لي وطن» كنى عن شدة حبه للوطن والتمسك الشديد به لما قال» لي وطن آليت ألا أبيعه» ولم يكتف بهذا بل قال» ولا أرى غيري له مالكا» كناية عن حبه الشديد واعتزازه وارتباطه بوطنه على مدى الدّهر.
وقوله» عهدت به شرخ الشباب» كناية عن سعادته بذكريات الشباب وراحته النفسية في منزله.
«وها أنا منه معصم بحبالكا» كناية عن الضعف والالتجاء إلى الأمير وتفويض الأمر له، وقد أتى بمعنى مصحوبا بالدليل وهذا سر جمال الكناية.
«يريغ إلى بيعه منه المسالك» كناية عن كثرة محاولة الجار لإجبار الشاعر على بيع بيته وسوء نيته.
«وراغمني فيما» كناية عن سوء أخلاق الجار وسوء معاملته للشاعر.
«أجهد في جهد احتيالك» كناية عن استصغاره لأمر الشاعر وعدم اهتمامه به.
«لا تقتدي أفعالهم بفعالكا» كناية عن حسن معاملة الأمير للشعراء.
وقال في الحسن بن عبيد الله بن سليمان من الخفيف:
مَلِكٌ يَقْدَحُ الحَيَاةَ مِنَ المَــوْ       تَـى وَيَكْفِي بِفَضْلِهِ الأَحْيَاءَ   (الرومي أ.)
«ملك يقدح الحياة من الموتى» كناية عن الجود وبذل المال في سبيل إعانة المحتاج، فالشاعر هنا أتى بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه وهذا ما جعل الكناية جميلة بديعة.
وقال يرثي ابنه الأوسط محمد من الطويل: (الرومي أ.، المصدر نفسه)
أَلَاَمُ لِـَمــا أُبْدِي عَلَيْكَ مِـَن الأَسَـــى
وَإِنِّـي لَأُخْفِي مِنْكَ أَضْعَافَ مَا أُبْدِي
مـُــحَـــمَّــدُ مَــا شَـــيْءً تُـــوُهِّــــَم سَـلْـــوَةً 
لِـــقَــلْـبـِي إِلاَّ زَادَ قَـــلْــبِـــي مِـنَ الـــوُجْــــدِ
وَأَنْتَ وَإِنْ أَفُرْدْتَ فِي دَارِ وَحْشَةٍ 
فَإِنيِ بِدَارِ الأُنْسِ فِي وَحْشَةِ الفَرْدِ
البيت الأول كناية عن شدة الحزن الذي يعاني منه الشاعر لفقدانه لابنه، ويكني في البيت الثاني عن عدم نسيانه وشدة حزنه عليه والألم الذي انجر على فقدانه.
«دار وحشة» كناية عن القبر وقوله «دار الأنس» كناية عن الدنيا والآخرة.
ووظف الشاعر أبو الطيب المتنبي الكناية في شعره ومنها قوله في مدح سعيد بن عبد الله بن الحسين الكلابي المنبجي: 
وَضَاقَتِ الأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ       إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلاً 
(المتنبي، 1983)
صور المتنبي في هذا البيت مقدار الفزع والذعر الذي انتاب الأعداء من رؤية خيل الممدوح مقبلة عليهم حتى لا متنفس ولا مهرب، وهي كناية عن قوة هذا الممدوح وشدة سطوته عليهم وإطاحته بهم، وقد بلغ بهم الذعر والخوف والهلع أنّ الهارب منهم يشعر في قرارة نفسه أنه قد أحيط به حتى لا مفر، ويجعل ذلك في نفسه في حكم اليقين أو شبه اليقين، فتراه يتخيل كل ما يراه، وهو يمعن في الهروب، رجلا يطارده ويوشك أن يقبض عليه، بل يتوهم العدم وجودا ويحدث له خياله أوهاما وأشباحا تطارده وكل ذلك كناية عن مقدار الفزع الذي ينتاب الأعداء من قوة الممدوح وسطوته الهائلة.
ويقول في موضع آخر يمدح سيف الدولة الحمداني في وقيعته بني كلاب: 
فَمَسَّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَرِيرُ
وَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ           وَصبَّحَهُمْ وَبُسْطُهُمْ تُرَابُ
لـِمَـْن فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ
 
(المتنبي، الديوان)
صور الشاعر ما وقع في الأعداء من الهزيمة السريعة التي حولت أوضاعهم من حال إلى حال، فبينما هم يفترشون الحرير ويرفلون في النعمة يدركهم الممدوح بجنده فيهربون تاركين منازلهم وما كانوا به ينعمون، يؤول أمرهم إلى التشرد في العراء يفترشون التراب، وأفدح من ذلك ما أصاب كيانهم النفسي، فقد اهتز اهتزازا كبيرا حتى صار الرجل منهم لا يختلف عن المرأة في شدة الهلع وقلة الثبات، وقد كنى عن الرجل والمرأة تكنية ولم يذكرهما: كناية الرجل القناة التي يحملها، وكناية المرأة الخضاب التي تتزين به، وكلاهما في الكف، وهو ما سهل على الشاعر إجراء هذا الأسلوب الكنائي البديع.
 وقوله في قصيدة الملك الاستاذ: 
لَا تـُحْزِنِـي بِضَنِى بـِي بَعْدَهَا بَقَرٌ   
تـَجْزِي دُمُوعِي مَسْكُوباً بـِمَسْكُوبِ  
(المتنبي، الديوان)
حتى لا يقول أنّ دموعه تنهمر غزيرة من عينيه لشدة حزنه، جعله كالماء الذي ينسكب من الدلاء موصولا غير منقطع وهي كناية عن كثرة الدموع.
وقوله في نفس القصيدة: (المتنبي، الديوان)
قَدْ وَافَقُوا الوَحْشَ فِي سُكْنِي مَرَاتِعِهَا
وَخَالَفُوهَا بِتَقْوِيضٍ وَتَطْنِيبِ
إنّ هؤلاء القوم بلغ من شجاعتهم وقوتهم وبأسهم، أن نازعوا الوحش هلكا وزاحموها في مكان سكناها غير مبالين بها أنهم خالفوها بأنهم متحقرون وعبر عن ذلك «خالفوها بتقويض وتطنيب» كناية عن القوم وصفة مساكنهم.
وقال أيضا: (المتنبي، المصدر نفسه)
جِـــيــرَانُــهَـــا وَهُــمُ شَــرُّ الجَــوَارِ لَــهَــــا
وَصَــحْــبُــهَــا وَهُــمْ شَــرُّ الأَصَــاحِــبِ 
حدد الشاعر صفة الشر بالجيران وكذا الأصحاب، كناية عن الشر والخبث.
وقال في قصيدته «كفى بك داء»: (المتنبي، المصدر نفسه)
خُــلِقْــتُ أُلُــوفًــا لَــوْ رَجَـعْــتُ إِلَى الـصَّبِـبَـي    
 لَفَــارَقْــتُ شَـيْبِــي مُـوجَـعَ القَـلْــبِ بَـاكِـيَـــا
ينسب الشاعر حاضره إلى طفولته ويتمنى الرجوع إليها مهما كانت فهذه الطفولة مليئة بالأحزان تبكي القلب والعين معا كناية عن نسبة.
وقوله أيضا:     (المتنبي، المصدر نفسه)
لَقِيتُ الـمَرَوْرَى وَالشَّنَاخِيبَ دُونَهُ
وَجُبْتُ هَجِيرًا يَتْرُكُ الـمَاءَ صَادِيَا 
فالشاعر من أجل الوصول إلى الممدوح، ر كب وخاض كل الصعاب والمخاطر، سره في المرورى والتي هي الصحارى والقفار، وصعد الشناخيب وهي الأماكن العالية رؤوس الجبال، واهتل الهجير أي القيظ والحر الذي يدع كل إنسان صاديا أي عطشانا. كناية عن المتاعب والشقاء.
خاتمة 
هذه بعض صور الكناية وغيرها كثير في شعر شعراء العصر العباسي بوصفها أسلوبا من أساليبه المتميّزة، لها خصائصها الفنيّة في التعبير والتصوير والتأثير. فالكناية لم تأت لتشرح انفعالات الشعراء بالموقف، وإنما جاءت لتعبر عن هذا الانفعال وتمثله، فصور الشعراء هي الشعراء بعمق إحساسهم، وسعة تجربتهم، ورحابة تفكيرهم وما يمازجهم من حزن وفرح، وألم وأمل، وسخط ورضا، لذا تأتي لتكون متنفسا لرغباتهم وتمثيلا لشعورهم. وقيمة الكناية عند الشعراء العباسيين تنبع من رؤيتهم لها رؤية شاملة مع جاراتها، ودراستها في إطار مجموعة العلاقات التي تربط الكلام بعضه ببعض وتجعل له هيئة خاصة.
وخلصت الباحثة في نهاية المقال إلى النتائج التالية:
-تمثل الكناية عند الشعراء العباسيين القدرة الفنية على استخدام الألفاظ والألغاز في التعبير عن المعاني الكثيرة والتصرف فيها، خصوصا في استخدام المشترك اللفظي الذي اختزنت حافظته الكثير منه، مما مكنه من التعبير عن الأشياء التي لم يستطع التصريح عنها مباشرة.
-جاءت الكناية عند الشعراء العباسيين مستوحاة من الزخم الحضاري والامتزاج الثقافي والتحرر الفكري الذي كان في ذلك العصر.
-تعكس الكناية عند الشعراء العباسيين رؤيتهم اللغوية وإحساسهم بالأشياء من حولهم، فالشاعر العباسي يطيل التفكير والتمحيص يطيل صورته تارة ويقصرها أخرى، حتى يستنفذ طاقته التعبيرية فيها، وهو في عمله هذا لم يخرج عن البيئة المحيطة به، فأبدع في وصف ما حوله من الأشياء الحسية الذهنية، فجاءت كناياته معبرة عن المعادل الحسي للصور العقلية المجردة، وقد بناها على لوازم الألفاظ، ونقل المعنى بأسلوب غير مباشر، فبعضها غامض يحتاج إلى إعمال العقل وبعد النظر، وبعضها واضح لا تقعر فيه.
تنوعت صيغ الشعراء بين الكنايات المحفوظة من الآثار والمعارف التي اطلعوا عليها، والكنايات المبتكرة النابعة من قريحتهم وذهنهم داعية فيها المتلقي إلى إعمال عقله والتدبر للوصول إلى معناها.
المراجع
ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، مصر، 1969، ص192.
أبو الحسن بن علي ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر، ط5، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1981، ص312.
أبو الحسن علي بن العباس بن جريج ابن الرومي، الديوان، ج3، شرح أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002، ص14.
أبو الطيب المتنبي، الديوان، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1983، ص18. 
أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، الكامل في اللغة والأدب، تح محمد أبو الفضل، نهضة مصر بالفجالة، مصر، 1985، ص100.
أبو الفضل جمال الدين محمد بن منظور، لسان العرب، دار الكتب العلمية، بيروت، د.س.ن، مادة «كنى»، ص233.
أبو عبادة الوليد بن عبيد الله البحتري، الديوان، ج1، شرح وتعليق محمد التونـجي، دار الكتاب العربي، بيروت، 2005، ص524.
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، ج1، تح عبد السلام هارون، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، د.س.ن، ص263.
أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة، عيون الأخبار، ج1، دار الكتب المصرية، القاهرة، د.س.ن، ص242-243.
أبو يعقوب يوسف السكاكي، مفتاح العلوم، ضبط وتعليق نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، د.س.ن، ص170،171
أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي، مفتاح العلوم، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987، ص98.
أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، مج2، عالم الكتب، القاهرة، 2008، ص156.
ادريس بلملبح، الرؤية البيانية عند الجاحظ، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1984، ص222.
امرؤ القيس، الديوان، ط5، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004، ص116.
بدوي طبانة، علم البيان دراسة تاريخية فنية في أصول البلاغة العربية، دار الثقافة، بيروت، 1981، ص47.
جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، ط2، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، 1986، ص63.
حمزة يحيى بن علي بن ابراهيم العلوي، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، ج1، مطبعة المقتطف، مصر، ص373. 
الخطيب التبريزي، شرح ديوان أبي تمام، ج1، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، 2007، ص58.
رواية ورش لقراءة الإمام نافع، القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 187، بيت القرآن للطباعة والنشر، سوريا، 2014.
عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000، ص105.
عمر بن أبي ربيعة، ديوانه، ط1، المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر، دمشق- بيروت، 1994، ص186.
فاطمة حمدان أحمد سعيد، مفهوم الخيال ووظيفته في النقد القديم والبلاغة، معهد البحوث العلمية، مكة المكرمة، 2000، ص357.
قدامة بن جعفر، نقد الشعر، تحقيق، محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ص157.
مجيد الدين الفيروز أبادي، القاموس المحيط، ج4، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د.س.ن، مادة كنى، ص349.
محمد عبد الغني المصري وآخر، تحليل النص الأدبي بين النظرية والتطبيق، دار الوراق، الأردن، 2002، ص40.
مصطفى ناصف، نظرية المعنى في النقد العربي، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، د.ب.ن، 1981، ص42.
إلهام السويسي العبد اللوي،» العناصر البلاغية والنقدية في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي»، مجلة مجمع اللغة العربية، دمشق، مج 79، ج3، ص500.

@pour_citer_ce_document

مسعودة صابة, «فنيّة الكناية في الشعر العباسي»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 137-148,
Date Publication Sur Papier : 2024-07-01,
Date Pulication Electronique : 2024-07-01,
mis a jour le : 01/07/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9992.