نقد النقد ودواعي تشكّله لدى الشعراء العرب القدماء – قراءة ثقافية
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N° 25 Décembre 2017

نقد النقد ودواعي تشكّله لدى الشعراء العرب القدماء – قراءة ثقافية


عصام بن شلال / عبد الملك بومنجل
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

كشف هذا البحث عن تجارب الشعراء العرب القدامى في مجال النقد الأدبي كممارسة النقد الذاتي على قصائدهم، وعن قيمة أحكامهم النقدية، ومدى إسهامهم في إثراء المشهد النقدي بمصطلحات نقدية وبلاغية، ودواعي توجههم إلى ممارسة نقد النقد في ضوء صراع فكري دار بينهم وبين بعض الرواة واللغويين والنقاد ممن حاولوا مصادرة علم الشعر منهم، وذلك بخلق نسق ثقافي جديد للعلم بالأشعار.

    ثم عرفنا كيف كان ردّ بعض الشعراء (كابن الرومي والمتنبي وغيرهما) على بعض النقاد، فحصل ما يسمى بصراع أنساق بين سلطة الشاعر وسلطة الناقد، فتمخض عن ذلك الصراع تشكّل نقد النقد لدى الشعراء.

 الكلمات المفاتيح: النقد، نقد النقد، علم الشعر، الشعراء، الرواة، النسق الثقافي

Cette recherche révèle les expériences des anciens poètes arabes dans le domaine de la critique littéraire comme la pratique de l'autocritique sur leurs poèmes, aussi la valeur de leurs jugements critiques, la portée de leur contribution à l'enrichissement du domaine critique par des termes critiques et rhétoriques. Les raisons de leur intérêt à pratiquer la critique de la critique sous le conflit intellectuel entre eux et certains narrateurs, linguistes et critiques qui ont essayé de leurs confisquer la science de la poésie en créant un nouveau modèle culturel pour la science de la poésie.

Ensuite, nous avons appris comment certains poètes (comme Ibn AR-Roumi, Al-Mutanabi et d'autres) ont réagi à certaines critiques. Par conséquent, il est né le soi-disant conflit entre l'autorité du poète et l'autorité du critique, formant la critique de la critique chez les poètes.

Mots clés: critique, critique de la critique, poésie, poètes, narrateurs, modèle culturel.

This research reveals the experiences of old Arab poets in the field of literary criticism as applying the self-criticism on their poems, also the value of their critical judgments, the scope of their contribution in   enriching the critical field with critical and rhetorical terms, the reasons of their interest in practicing the criticism of criticism regarding the intellectual conflict between them and some narrators, linguists and critics who tried to confiscate the science of poetry from them, by creating a new cultural pattern for the science by poetry.

Then we learned how some poets (as Ibn AR-Roumi, Al-Mutanabi and others) reacted to some criticisms. Consequently it was born the so-called conflict between the authority of the poet and the authority of the critic, forming the criticism of criticism among poets.

Key words: criticism, criticism of criticism, poetry, poets, narrators, cultural pattern.

Quelques mots à propos de :  عصام بن شلال

طالب دكتوراه، كلية الآداب و اللغات، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2     

Quelques mots à propos de :  عبد الملك بومنجل

أستاذ التعليم العالي، كلية الآداب و اللغات، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2      

توطئة:

    كان تراثنا العربي وما يزالُ يتجاوبُ مع كلّ القراءات، مثبتا بأنه تراث إنسانيّ أثير، ويرجع هذا إلى ثرائه وتنوع سياقاته وأنساقه الثقافية، لذلك يمكن لأي أحد أن يجد ما يدعم توجهه الفكريَّ في رحابه، فما عليه سوى التسلح بمنهج معين، لينظر من خلاله إلى جانب منه، وليكُنْ على يقين بأنه إذا أضاء ذلك الجانب فإنه قد أهمل جوانب أُخَر كثيرة من ذلك التراث.

     ولأن النقد شيء وثيق الصلة بالأدب، فإننا لا نستبعد أن يصير ذلك النقد ذاته موضوعا للنقد، ومن هذا المنطلق فقد حاولت في هذا البحث أن أضيء بعض الجوانب من تجارب الشعراء في النقد الأدبي وكذلك الظروف التي ساهمت في تشكُّل ما نصطلح عليه بنقد النقد عندهم، وسوف أطرح إشكاليات منها:

1.كيف مارس الشاعر العربي القديم النقدَ على شعره وعلى شعر غيره كذلك، وما الذي قدمه للنقد العربي من مصطلحات وآراء نقدية؟

2وما هي الدواعي التي حملت بعض العلماء على مصادرة علم الشعر من الشاعر نفسه؟

3وكيف كانت ردة فعل الشاعر على تلك المصادرة والتعسّف النقديّ؟

     كل هذا سأحاول توضيحه في الصفحات الآتية، لنرى كيف تحوّل بعض الشعراء القدامى من ممارسة النقد إلى توظيف نقد النقد، مستعينا بما تتيحه القراءة الثقافية من رؤية تسلّطُ الضوءَ على صراع الأنساق الثقافية والمعرفية لتلك الخطابات النقدية التي تملك خلفيات ثقافية خاصة بها، تتحكم في رؤيتها للإبداع الشعري، ليقيننا كذلك بأنّ النقد الثقافي ليس منهجا بين مناهج أخرى، أو مذهبا أو نظرية، كما أنه ليس فرعا أو مجالا متخصصا من بين فروع المعرفة ومجالاتها، بل هو ممارسة أو فاعلية تتوفّرُ على درس كلّ ما تنتجه الثقافة(1)، وذلك باستحضار نظرية (الهيمنة) التي تكشف عن علامات التسلّط من حيث علاقتها بالطبقة(2)، بالتركيز على الصراعات الدائرة بين النخبة من شعراء وعلماء ورواة ونحاة، لتكريس نوع من الطبقية والهيمنة الفكرية لاحتكار الوصاية النقدية على الإبداع الشعري، خاصة وأن تلك النزاعات قد اتسمت بنبرات تسلطية تقصي الطرف الآخر في أغلب الأحايين؛ مع العلم بأني جعلتُ من الدراسة  الثقافية وسيلة لا غاية، وذلك لأجعل التراث يقرأ ذاته بذاته، ويفسر نفسه بنفسه، دون إكراه أو تعسّف منهجي، ولا تَأوُّلٍ يُقوِّلُ التراث ما لم يقله.

1شعراء ولكنهم نقاد   

أالنقد الذاتي:

    إذا تحدثنا عن الشعراء النقاد، يتبادر إلى الأذهان أولئك الشعراء الذين كانوا يُقوّمون أشعارهم بالثِقاف وإعادة النظر، حتى وصفهم الأصمعي (215ه) بعبيد الشعر(3)، وليس يُدرى أمدح هذا أم ذم؟ في حقّ النابغة الذبياني (18ق. ه) وزهير بن أبي سلمى (13ق. ه) وأشباههما ممن قوّم شعره بالثِقاف، لكننا لا نعدم أن نجد آراء تشيدُ بشعراء هذه المدرسة، "وَكَانَ يُقَالُ لِطُفَيْلٍ الْغَنَوِيِّ (13ق. ه): مُحَبِّرٌ; لِأَنَّهُ كَانَ يُحَبِّرُ الشِّعْرَ وَيُزَيِّنُهُ"(4)، وكذلك كانَ النمرُ بن تولب (14ه) الذي سمّاه أبو عمرو بن العلاء (154ه): الكيّس(5)، لذكائه ورهافة ذوقه في صنعة الشعر، وكان الحطيئة (59ه) يقول: "خير الشعر الحوليّ المنقح المحكّك"(6)، لأنه لا يرضى بكلّ ما يجود به الخاطر، وكذلك كان بشّار بن برد (168ه) لا يقبلُ كلَّ ما تورده عليه قريحته، ويناجيه به طبعه، ويبعثه فكره(7)، وفي هذا السياق نجد ابن خلدون (808ه) يطالب الشاعر بأن يراجع "شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد"(8)، ويستشهد ببعض الأشعار التي تؤيّد رأيه منها(9):

    الشِّعْرُ ما قَوَّمْتَ زَيْغَ صُدُورِه ... وشَدَدْتَ بالتَّهْذِيبِ أُسَّ مُتُونِهِ

   وقال ابن الرّقاع يذكرُ تنقيحَه شِعْرَه(10):

   وَقَصِيدَةٍ قَدْ بِتُّ أَجْمَعُ بَينَها ...  حتّى أُقَوِّمَ مَيْلَها وَسِنادَها

   وقال إدريس أخو مروان بن أبي حفصة(182ه)يصف كثرة تنقيحه لشعره(11):

   وأنفي الشعرَ لَوْ يَلْقاهُ غيرِي ... من الشعراءِ ضَنَّ بما نفيتُ   

   ولا نعجب لو وجدنا أحدا من الشعراء النقاد، هو ابن طَباطَبا العلوي (322هـ)، اهتمَّ بمشكلة الإبداع ومراحل بناء القصيدة ؛ ونصح الشاعر بأن يعيد النظر في أبيات قصيدته، وأن "يتأمَّلَ مَا قد أدَّاه إِلَيْهِ طَبْعُهُ، ونَتَجَتْهُ فِكْرَتُهُ فَيَسْتَقْصِي انتقادَهُ، ويَرُمُّ مَا وَهَى منهُ، وَيُبْدِلَ بكُلِّ لَفْظَةٍ مُسْتكرهَةٍ لَفْظَةً سَهْلةً نَقِيَّةً... (فيكون) كناظِمِ الجَوْهر الَّذِي يُؤَلّفُ بَين النَّفيس مِنْهَا والثَّمين الرَّائق، وَلَا يشين عُقودَ بأنْ يُفَاوتَ بَين جواهِرِهَا فِي نَظْمها وتَنْسيقها"(12)ولذلك كانوا يُسمون القصائد التي تأخذ حظا كبيرا من الجودة بالسُّموط، ومفردها السِّمْطُ وهي: الْقِلَادَةُ، لِأَنَّهَا مَنْظُومَةٌ مَجْمُوعٌ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ(13)، لأنّ الشاعرَ ينتقي في نظمها الكلمات كما ينتقي الصائغُ الجواهر، ويرتّبها في تناغم خالقا بينها تناسقا عجيبا يبهر المتلقي. 

     وكذلك نجد شاعرا ناقدا مثل إليوت(14)يعتبر أن ما يقوم به الشاعر أثناء الكتابة، "هو النقد الحقيقي، الأصيل، فهو نقدُ الشاعرِ الذي ينتقدُ الشعرَ من أجل أن يخلق الشعرَ"(15)، فما يمارسه الشاعرُ من نقد قبْليّ أو تزامنيّ، إن صح التعبير، يختلف عن النقد البعديّ الذي يمارسه الناقد، لأنه يقوم بعملية بناء ومعالجة للنص في غاية من الدقة والرهافة، ولابد مع هذا أن يكون أدرى بأسرار إبداعه، وأعلم بمجمل شعره وتفصيله، وفي نفس السياق يقول إليوت: "إن عملية الغربلة والربط والبناء، والشطب والتصحيح والاختبار...تشكل جهدا مضنيا للنقد فيها ما للخلق من أهمية. وأنا أزعم أن النقد الذي يمارسه كاتب ماهر متمرس على أعماله هو أهم أنواع النقد وأسماها"(16)، وللجاحظ (255ه) رأيٌ يؤيّد هذا الكلام إذا قال بانّ "البصر بهذا الجوهر من الكلام في رواة الكتاب أعمّ، وعلى ألسنة الشعراء أظهر"(17)؛سنأخذ برأي إليوت ولكن مع قليل من التحفّظ، ويأتي تحفظنا هذا لأن الشاعر، وباعتراف إليوت نفسه، يحاول دائما "الدفاع عن ذلك الشعر الذي يكتبه هو"(18)، ولا يُعجبُ من الشعر إلا بما وافق مذهبه، على رأي النوبختي(19)، مما يجعله غير قادرٍ على نقد كلّ الشعر، باختلاف أغراضه ومنازعه، ولذلك يرى إليوت أننا "حين نكون في صدد دراسة نقد الشعر لدى ناقد هو من الشعراء أيضا فليس في وسعنا أن نُقَدِّرَ نقدَه بمقاييسه ومزاياه وحدوده، إلا في ضوء نوع الشعر الذي كتبه"(20)؛ وهذا كفيل بأن يجعل من خطابه النقدي أقرب إلى الهوى منه إلى الموضوعية، وداخلا في باب النظرية الأدبية التي تمثل اتجاه أدبيا معينا لا النظرية النقدية التي تنفتح على كل الأدب، لذلك فإن الشعراءَ "تعدُّ دراسة شعرهم وثيقة الصلة بدراسة نقدهم، لأنّ كلّا منهم كان معنيا بنوع خاص من الشعر."(21)  

     كما أبدى رينيه ويليك تحفظّه من اتحاد الناقد والشاعر في شخص واحد، واعتبره اتحادا قلقا لأنه – في نظره – لا يمكن أن يعود بالخير على النقد والشعر بالضرورة (22)كما يرى بأنّ وجود أمثلة ناجحة لشعراء تمكّنَ لهم التوفيقُ بين وظيفتي النقد والشعر، كدانتي وغوته وكولردج وإليوت شيءٌ شاذّ ولا يقاسُ عليه – حسب تعبيرنا – "فالأصحّ أن نقول إنّهم استطاعوا بشكل ما أنّ يتقلّبوا بين الشعر والنقد."(23)

     ولو تأملنا بعض مواقف الشعراء من النقد سنجدها تتسم بشيء من "النزعة التبريرية" في تلقيهم للنقود المختلفة، مما يوحي بعدم تقبّلهم لها، فكأن ردودهم تحمل دعوة لاحترام منازعهم ومذاهبهم في الشعر، وقد أعطى الجاحظُ لهذا تفسيرا نفسيا فحواهُ: أنّ المتكلمَ تعتريه الفتنة بحسن ما يقول(24)؛ ولذلك تجد بعض الشعراء الذين إن سُئلوا عن سبب قصر قصائدهم مثلا يقدمون أجوبة تبريرية منها: "يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق."(25)، وحين لاموا شاعرا آخرا على الإطالة قال: "أنا على القصار أقدر"(26)، و قد تجد بعض الشعراء يصلون إلى حد هجاء من ينتقدهم مثلما فعل الفرزدق (114ه)، في هجائه لابن أبي إسحق الحضرمي النحويّ (117ه)(27)، غير أن هذا لا ينفي أن نجد شاعرا كذي الرمة (117ه) يستجيب لرأيِ أحدٍ نَقَدَهُ، وغيّرَ في شعره استجابة له(28)، مما يعني بأن بعض الشعراء كانوا يستندون في نقدهم الذاتيّ لقصائدهم إلى آراء النقاد الآخرين كذلك، وهذا ما سنعرفه فيما بعد.

   ب-الأحكام النقدية:

    في بيئة أدبية كان يُرتضى فيها حكم الشعراء فيما يُعرض من شعر، يبرز لنا ناقد الشعر الأوّل، وقاضي الشعراء الأعدل، النابغة الذبياني، والذي كانت "تُضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها، فأتاه الأعشى (7ه)فأنشده... ثم أنشده حسّان (54ه): (الطويل)

    لنا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ... وأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا

    وَلَدْنابَني العـنقاءَ وَابْنَيْ مُحَرَّقٍ ... فَأكْــــــــرِمْ بنا خَالًا وَأكْرِمْ بِنَا ابْنَمَا

 فقال له النابغة: أنت شاعر، ولكنك أقللت جفانك وأسيافك، وفخرت بمن ولدت، ولم تفخر بمن ولدك"(29).   

     وكان أبو بكر الصولي (335ه) من الذين احتفوا بهذا الحكم النقديّ أيما احتفاء، فقال: "فانظر إلى هذا النقد الجليل الذى يدلّ عليه نقاء كلام النابغة، وديباجة شعره؛ قال له: أقللت أسيافك؛ لأنه قال: «وأسيافنا» وأسياف جمع لأدنى العدد، والكثير سيوف. والجفنات لأدنى العدد، والكثير جفان. وقال: فخرت بمن ولدت؛ لأنه قال: ولدنا بنى العنقاء وابنى محرّق. فترك الفخر بآبائه وفخر بمن ولد نساؤه."(30)؛ولعل احتفاء الصولي به، يرجع إلى ذلك التعليل الصادر عن دقيق نظره، ودعوته لحسان بأن يلتزم الصدق الفني، في الموضع الذي تكون المبالغة فيه مستحبة، لتبيين الغرض، وبلوغ الغاية المنشودة من الفخر.

     ولعلنا إذ نجد نقدا معلّلا كهذا، سواء كان مقنعا أو غير مقنع لبعضنا، نتجاوز تلك الأحكام القاسية التي صدرت في حق نقد مرحلة ما قبل الإسلام، ولعل أصحاب تلك الأحكام لم يعوا بأنهم هم من كانوا يفتقرون للتعليل، إذ أنكر بعضهم وجود النقد أصلا في هذه المرحلة(31)، بينما نجد أحمد بدوي يتورع قليلا ،وينكر أن يكون هناك نقد معلل في العصر الجاهلي البتة(32)، وإلى ذلك ذهب إحسان عباس(33) ومن تبعه في ذلك، ولعلهم في حكمهم هذا، لم يستقرئوا نقد النابغة، أو ربما لم يلفت انتباههم...  

    وقد كان عمر بن الخطاب (23ه)، رضي الله عنه، يرجع إلى الشعراء في شأن الشعر، فهو كما قال الجاحظ:"أعلم الناس بالشعر، ولكنه كان إذا ابتلي بالحكم بين النجاشي والعجلاني، وبين الحطيئة والزبرقان، كره أن يتعرض للشعراء، واستشهد للفريقين رجالا، مثل حسان بن ثابت وغيره...، فإذا سمع كلامَهُم حكم بما يَعْلَم، وكان الذي ظهر من حكم ذلك الشاعر مقنعا للفريقين، ويكون هو قد تخلص بعرضه سليما، فلما رآه من لا علمَ له يسألُ هذا وهذا، ظن أن ذلك لجهله بما يعرف غيره."(34)

    لاشك أن عمر بن الخطاب بما خوَّلَه اللهُ له من العدل والإنصاف، أبى إلّا أن يُشرّف الشعراء بالاعتراف، إذ يعود لهم في التحكيم ونقد الشعر(35)، وفي حادثة هجاء الحطيئة (59ه) للزبرقان بن بدر (45ه)، لم يقف الفاروق "حائرا أمام الأثر الشعري الذي يصدر عن كنه الأشياء لا عن حقيقتها"(36)كما زعم عبد الله حمادي، بل كان حكمه غاية في الحكمة والعدل، إذ أرجع الحكم لأهل الاختصاص، ليبثّوا الرأيَ فيه، فيكون حكمهم مرضيّا، وهذه هي سمة الخليفة العادل الذي رغمَ علمِه بالشعر، فإنه يُعيد الحكومة فيه للشعراء من أمثال حسان بن ثابت، ولا نعجب حين نجده في حادثة بين النجاشي الحارثي (49ه) وبين عاصم بن عديّ العجلاني(45ه)، "بعث إلى حسّان والحطيئة، وكان محبوسا عنده، فسألهما، فقال حسّانمثل قوله فى شعر الحطيئة، فهدّد (عمر) النجاشىّ وقال له: إن عدت قطعت لسانك."(37)، والملاحظ أن عمر بن الخطاب رغم حبسه للحطيئة، فإن ثقته في علمه بالشعر لم تهتز، ولولا ذلك ما بعث إليه ولا طلب رأيه.

ج- مصطلحات النقد والبلاغة:

    لا يكاد القارئ يتصفح دواوين الشعراء الجاهليين والإسلاميين، أو يطالع أقوالهم حتى ينكشف له بأنهم أسهموا في مجال النقد الأدبي إسهاما كبيرا، وأنهم وضعوا الكثير من المصطلحات النقدية(38)، كما يرى صفيّ الدين الحلّي(750ه)بأن الشاعر ابن المعتزّ(296ه)هو المخترع الأول للمصطلحات البلاغية في كتابه "البديع" وكان جملة ما جمع منها سبعة عشر نوعا(39)، لكن هذا لا يعني عدم تجلّي بعض المصطلحات النقدية والبلاغية لدى شعراء سابقين.

    فعند طرفة بن العبد (60ق. ه) مثلا تتجلى مصطلحات كالإغارة التي تدخل في باب السرقات الشعرية، ومصطلح الصدق الذي يشكل مع مصطلح الكذب قضية شائكة في تراثنا النقدي، إذ قال(40):

    ولا أُغير على الأشعار أسرقها ...   عنها غَنِيتُ وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ سَرَقَا

    وإنّ أحْـــــسَنَ بَيْتٍأنتَ قَائِلُهُ  ...   بَيْتٌ يُقَـــــــــــالُ إِذا أنشَدْتَهُ: صَدَقَا

      وللشاعر أبي تمام الطائي (231ه)أيضا إسهام في مجال النقد الأدبي ومصطلحاته، فكما كانت اختياراته في كل من ديوان الحماسة(41)، والحماسة الصغرى (الوحشيات) تحوي نقدا ضمنيا(42)، فقد كان ناقدا في (وصيته الشعرية) للبحتري(43)، كما تجلت في شعره عدة مصطلحات، منها "السَرَقُ" الذي تبناه القاضي الجرجاني (392ه)في وساطته، وحُجّتنا قولُ حبيب يصف قصيدته(44):

     مُنَزهةٌ عن السَرَقِالمُورَّى    مُكرَّمةٌ عن المعنى المُعادِ

     معناه: أن قصيدته ليست بمسروقة، ولو بطريقة غير مكشوفة، وليست بمولّدة المعاني، بل حديثة في معناها ومبناها؛أما المصطلح (الاستطراد)، فظهر أول ما ظهر عنده(45).

      وللبحتريّ (284ه) كذلكإسهام في مجال النقد الأدبي، وهو من الأوائل الذين ورد على ألسنتهم مصطلح (نقد الشعر)، وذلك حين قال عن أبي العباس ثعلب الكوفيّ (291ه): "فما رأيته ناقدا للشعر"(46)، ومن المصطلحات التي جرت على لسان البحتري، وتلقّفتْها ألسنة النقاد، من بعده، مصطلح (عمود الشعر)، وجاء ذلك في جوابه حين سُئل عن أبي تمام فقال: "هو أغوص على المعاني مني وأنا أقوم بعمود الشعر منه"(47)، كما روى صاحبُ الموازنة (370ه)بأنه كان"لا يُذكرُ شاعرٌ محسنٌ أو غيرُ مُحسنٍ إلا قرّظه، ومدحه، وذكرَ أحسن ما فيه"(48)، وتروي لنا كتب الأدب كيف كان يهتم بالنقد ومصطلحاته(49).

      ولو تتبعنا إسهامات الشعراء في النقد الأدبي ومصطلحاته، لأتينا بالجمّ الوفير، وليس يُثبت مكانة آراء الشعراء النقدية كاحتفال أكثر النقاد والبلاغيين بها، واستشهادهم منها بما يوافق تصوراتهم، واتجاهاتهم النقدية والبلاغية.

     د – الناقد الشاعر:

     ولعل من صفات نجاح الناقد –وهذا الحكم ليس بعامٍّ- أن تكون له تجربة في الأدب والكتابة، وحظ في الإبداع، والجاحظ يقول بهذا الرأي، إذ جزم بأنه لم يجد علم الشعر إلا عند الأدباء الكتاب(50)، ولو تبيّنا في هذا الباب سنجد بأن أكثر النقاد المبرّزين كانوا من الشعراء والأدباء، فمنهم القاضي أبو الحسن الجرجاني صاحب الوساطة، وله ديوان شعر(51)، وابن طباطبا العلوي، وابن رشيق المسيلي القيرواني(456ه)(52)، وحازم القرطاجني(684ه)، حتى إن هنالك من الشعراء من كان يُصدّر ديوانه بمقدمة نقديّة كما فعل أبو العلاء المعرّي (449ه) في لزومياته وفي ديوان سقط الزند، وابن خفاجة الأندلسي (533ه) صَدَّرَ ديوانه بمقدمة نقدية كذلك(53).

    ويقول ابن رشيق في سياق إقراره بأن الشعراء أبصر بالشعر من غيرهم: "وقد كان أبو عمرو بن العلاء وأصحابه لا يجرون مع خلف الأحمر في حلبة هذه الصناعة أعني النقد ولا يشقون له غباراً، لنفاذه فيها؛ وحذقه بها، وإجادته لها."(54)

    فخوضُ خلف الأحمر (180ه) لتجربة كتابة الشعر، كان العامل الذي صنع الفارق، فجعله يتفوق في نقد الشعر على رجالِ علمٍ ورُواةِ شعرٍ ولغويّين يُشهد لهم بالتفوُّق، من أمثال أبي عمرو بن العلاء، حتى إنّه خَطَّأَ الخليلَ بن أحمد (170ه) في مسألة عروضية(55) !؛ وهناك من العلماء من سمع خلفا الأحمر يقول: "أخذتُ على المفضل الضبي في يوم واحد تصحيف ثلاثة أبيات"(56)، ولو سلمنا بهاتين الروايتين سنجد بأن خلفا كان يجاري العلماءَ في مجال اختصاصهم، فإذا كان الخليل بن أحمد الذي خطّأه صاحب علم العروض وواضع أصوله، فإن المفضّل الضبي (178ه) صاحب المفضليّات(57)كان من الرواة الثقات المبرزين، وليس من الهيّنِ أن يأخذَ عليه تصحيفا.

2- مصادرة علم الشعر من الشاعر

    يُروى بأن كعبا بن زهير(26ه)، كان "إذا أنشد شعرا قال لنفسه: أحسنتَ وجاوزتَ واللهِ الإحسانَ، فيقال له: أتحلفُ على شعرك؟ فيقول: نعم لأني أبصرُ به منكم.وكان الكميتُ إذا قالَ قصيدة صنع لها خطبة في الثناء عليها، ويقول عند إنشادها: أي علم بين جنبي وأيُّلسان بين فكيّ !"(58)

   كما يروى أن البحتري كان: "إذا شرب وأنس أنشد شعره، وقال: ألا تسمعون؟ ألا تعجبون؟"(59)، وقد وصل به الحدّ إلى أن قال في بيت مأثور(60):

   عَلَيَّ نَحْتُ القوافي مِنْ مَقَاطِعِها ... وما عليَّ إذا لم تفهم البقرُ

   مما يوحي بشيء من الاحتقار للمتلقي، ومثل هذا الاعتداد المفرط بالنفس، والعُجْب والخُيَلاء، والثقة العمياء؛ ربما كان ثمرة لانفراد الشاعر بعلم الشعر، وعدم وجود رقيب عليه وناقد يصوّبه إذا أخطأ، فالشعراء هم أمراء الكلام،كما وصفهم الخليل بن أحمد، غير أن هذه الرخصة لا تبيح لهم التصرّف على غير ضرورة، "فأما أن يحدثوا لحنا في إعراب أو إزالة كلمة عن نهج صواب فليس لهمذلك."(61)

     والفرزدق كان مشغوفا فِي شعره بالإعراب الْمُشكل المحوج إِلَى التقديرات الْعسرَة بالتقديم وَالتَّأْخِير(62)، ويروي ابن قتيبة (276ه)بأنه إذ قال:

    وعضُّ زمانٍ يا ابنَ مروانَ لَمْ يَدَعْ ... مِنَ المالِ إلّا مَسْحَتًا أو مجلّفُ

    فرفع آخر البيت ضرورةً، وأتعب أهل الإعراب فى طلب العلّة، فقالوا وأكثروا، ولم يأتوا فيه بشىء يرضي. ومن ذا يخفى عليه من أهل النظر أنّ كلّ ما أتوا به من العلل احتيال وتمويه؟! وقد سأل بعضهم الفرزدق عن رفعه إيّاه فشتمه وقال: عليّ أن أقول وعليكم أن تحتجّوا!(63)

    ربما تكشف القراءة الأولى لهذا الموقف عن الطابع العدواني الذي يتصف به الفرزدق، لكن تأويل الموقف قد يسفر عن أشياء منها تهيّبُ النُحاة من الشاعر ومحاولاتهم الحثيثة لتبرير ضرورته الشعرية، على ضعف عللهم، لكونها واهية، وبلغ الأمر بالفرزدق أن شتم عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي حين سأله عن سبب رفعه في موضع النصب، ثم أمر الحضرميَ بأن يحتج بشعره كما هو ولا يناقشه، مما يوحي بأن ظاهرة الاستفحال بلغت أشدها لدى هذا الشاعر.

    وإزاء هذه التجاوزات اللغوية التي صارت تشوّش على النحاة واللغويين، وتحول دون تأسيسهم لأصول النحو، بعيدا عن العلل النحوية التي فتحت بابا واسعا للجدل النحوي بين المدارس النحوية فيما بعد؛ فقد جاء جيل من رواة الشعر، وعلماء اللغة، حظروا الاستشهاد بشعر المحدثين، وحصروا مجال الاستشهاد على الشعر الجاهلي، وعلى رأسهم أبو عمرو بن العلاء(64)، وحاولوا خلق نسق ثقافي جديد، يُخوّل لهم مصادرة علم الشعر من الشاعر، وأخذوا يروّجون لمقولات تخدم توجههم الفكري.

    مثل قولهم:"وقد يميز الشعر من لا يقوله، كالبزاز يميز من الثياب ما لم ينسجه، والصيرفي يخبر من الدنانير ما لم يسبكه ولا ضربه..."(65)، وتحفل هذه المقولة بما تحمله كلمة (قد) من معاني الاحتمال، لا التأكيد، وتأتي على نفس النسق مقولتهم:"فقد يقول الشعر الجيِّد من ليس له المعرفة بنقده، وقد يميِّزه من لا يقوله."(66)

    وقد يتجاوزون ذلك إلى حد القول: "كن على معرفة الشعر أحرص منك على حوكه"(67)؛ وهذه الجملة تشير ضمنيا إلى شيء من ذم للشاعر ولنظم الشعر كذلك، ودعوة إلى الاشتغال بطلب علمه لا نظمه، ومن هذا يظهر أنهم يحاولون الفصل بين العلم بالشعر، وبين الشاعر، لتُنتزع سُلطة النقد من يده، و لعل ما كان يُروى عن تراجع منزلة الشاعر أمام منزلة الخطيب(68)يدخل في هذا السياق.

  ثم نجد الأصمعي يقرُّ بأنّ: "فرسانَ الشعر أقل من فرسان الحرب"(69)، ويقصد بفرسان الشعر العلماء به.                   

  وقال أستاذه عمرو بن العلاء: "انتقاد الشعر أشدّ من نظمه"، مُلمّحا لميلاد تخصّص جديد موضوعه الشعر، وأن وظيفة الناقد فيه أصعب بكثير من وظيفة الشاعر، وهو نفسه القائل: " العلماءُ بالشعر أعزّ من الكبريت الأحمر"(70)، للدلالة على نُدرة النقاد في زمانه، وكان ذو الرمة ممن اعترف له بتفرّده في علمه بالشعر إذ قال: "يا أبا عمرو أنت مفردٌ في علمك، وأنا في علمي وشعري ذو أشباه"(71)، وتوحي المقولة بظهور نسق معرفيٍّ جديدِ للعلم بالشعر، حيث إن أبا عمرو ومن تبعه يطلبون في الشعر الشاهد والمثل للاحتجاج بهما في علم اللغة وتفسير غريب القرآن وقراءاته وغير ذلك... أما الشعراء فيكفيهم من علم الشعر ما ينظمون به القصائد العصماء حسب ما هو متعارف عليه بينهم.     

-لماذا كان الرواة يجتنبون قول الشعر؟

    ولأمرٍ ما تجد أولئك العلماء والرواة، يجتنبون قول الشعر، أو ربما لا يجيدونه البتة، وقد قيل للخليل بن أحمد: ما لك لا تقول الشّعر؟ فقال: «الذي يجيئني لا أرضاه، والذي أرضاه لا يجيئني»(72)، وهذا الاعتراف  يستحق الاحترام والإعجاب، إذ يقرّ فيه بعجزه عن قول الشعر، ولا يأخذه شيءٌ من العُجْب بما يقول، فلا يتكلف ما لا يعرف، رغم علمه بالشعر ووضعه لأعاريض القريض، ولذلك حين سُئل عن سبب عدم قوله الشعرَ(73) رغم روايته له قال : "لأني كالمسنِّ، أشحذ ولا أقطع".(74)

    وقيل للمفضل الضبي:" لم لا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ قال: علمي به هو الذي يمنعني من قوله، وأنشد:

     وقد يَقْرِضُالشِّعْرَ البكيُّ لِسانُهُ ... وتُعْيِي القَوَافي المرْءَ وهوَ لَبِيبُ"(75

     وإن كان قول الشعر قد يعيي بعض الألِبَّاءَ(76)، فليس من المعقول أن يقرضه من لم يكن له في حسن المنطق حظ ولا نصيب، ولو اكتفى المفضل بالتبرير الأول، بأن علمه بالشعر هو الذي منعه من قوله، لكان أكثر إقناعا، وقد يؤيده في هذا الباب ما لاحظه ابن خلدون حول قصور من يشتغلون بالعلوم كالنحو وغيرها عن امتلاك آلة البلاغة الشعرية(77)، غير أن حكم ابن خلدون يبقى نسبيّا، لولا أن يؤيّده ما أقرّه قبله الآمديّ مِنْ "أنّ شعْرَ العلماءِدون شعر الشعراء."(78)

     كما لاحظ كذلك ابن قتيبة أن أشعار العلماء، ليس فيها شيءٌ جاء عن إسماحٍ وسهولة، كشعر الأصمعيّ، وشعر ابن المقفّع(142ه) ، وشعر الخليل، واستَثْنى منهم خلفا الأحمر، لأنه كان أجودهم طبعا وأكثرهم شعرا.(79)

     وهذا خلف الذي كان يمثل استثناءً من بين أولئك العلماء، ومنهم أستاذه أبو عمرو بن العلاء، ورفيقُ دربه في طلب العلم الأصمعي، وغيرهما من علماء اللغة والنحويين والرواة الثقات؛ والذين يُحتمل أن يكونَ في اجتنابهم لنظمِ الشعرِ، وتكريسهم لمبدأ أنه لا يجتمع الشعرُ والعلمُ به في رجل واحد، حجةً وملاذًا كي لا يُتّهموا بنحلِ الشعر، ونسبه لشعراء آخرين، كما حصل مع خلف الأحمر نفسه(80)، وقد اعترف بذلك أيضا كما رُوي عنه(81)، حتى أنه مُتّهم بنَحْل لامية العرب المنسوبة للشنفرى(70ق. ه)(82)، وكذلك كان صاحبه حماد الراوية (155ه)، يُتهم بالانتحال، وبأنه كان يزيد في الأشعار التي يرويها(83)، وهكذا يصير قول الشعر بالنسبة للراوية بمثابة "طابو" يُستحبُّ أو يجبُ اجتنابه، ذلك حتى لا يقع في شَرَكِ تهمة الانتحال، وورطة الشك في أمانته العلمية، وسحب الثقة منه فيما يرويه من أشعار.

     وإذا طالعنا مواقفَ العلماء من الشاعر، ومصادرتهم علم الشعر منه، سنجده يأتي في سياق تقليلهم من شأن الشعراء المحدثين، وقلة ثقتهم بما يأتون به من شعر، فذلك كان دأب الرواة الذين يميلون إلى تقديم كل شاعر قديم وتفضيله، والتصغير من شأن كل شاعر محدث مهما كان شعره جميلا. 

    أما النقاد الذين كانوا يعتنون بالتأليف في مجال النقد البلاغي، ويتعاملون مع الشعر على أسس فنية جمالية، فقد تخلصوا من ذلك الخطاب الذي يُقصي الشاعرَ ولا يعتد برأيه النقدي، بدليل أنهم كانوا يأخذون بأقوال الشعراء النقدية، ويضعونها موضع الاستشهاد والحجة، مثل الجاحظ الذي كان يعتدّ بآرائهم وأحكامهم النقدية، وفي نفس الوقت كان يدعو مَنْ يتكلّفُ صناعة الشعر أن لا يعتدّ بما يقوله حتى يعرضه على العلماء من ذوي الاختصاص(84)، وذلك من باب أن الإنسان لا يمكنه الحكم على نفسه بموضوعية. 

3- الشعراء ونقد النقد

    إذ كان الشعراء هم من ينتجون الإبداع، وهم من يخلقون اتجاهاتهم الشعرية، وهم من يفتحون للغة آفاقا لغوية ودلالية جديدة، بما يُحمِّلونها من إزاحاتٍ وإخراجٍ للقولِ غيرَ مخرجِ العادةِ، فقد دأبَ بعض النقاد من لغويين ورواةٍ على تتبع أخطاء الشعراء -التي منها ما تبيحه ضرورة شعرية أو تدعمه علة نحوية - وكانوا في ذلك الوقت لا يقبلون الضرورة الشعرية كصرف ما لا ينصرف وقصر الممدود أو الزلات العروضية كالإقواء إلا إذا صدرت من شعراء جاهليين كامرئ القيس والنابغة ولبيد ومن عاصرهم من فحول شعراء(85)، بل ويجعلون منها حججا ويلتمسون لهم العلل والتبريرات.

    ولم يكن تعامل الرواة واللغويين مع الشعراء الإسلاميين بنفس الطريقة التي تعاملوا بها مع من سبقهم من شعراء، خاصة مع ظهور نظرية الطبقات، ولذلك تميزت ردود بعض الشعراء على مؤاخذات بعض اللغويين بشيء من الغلظة والقسوة في الهجاء، وهذا مما لا يمكن إدراجه ضمن نقد النقد البتة، مثلما كان من هجاء الفرزدق لعبد الله بن أبي إسحاق في بيته المشهور:

    فَلَو كَانَ عَبْدُ اللهِ مَوْلىً هَجَوْتُهُ ... ولكنّ عبد الله مولى المواليا"(86)

    ويظهر فيه تعمّده للحن سخرية من عبد الله، ولم يكن الأستاذ "خالد بن محمد بن خلفان السيابي" موفقا في تصنيف هذا البيتضمن ما يسمى: نقد النقد(87)، ومن خلال هذا المثال يتجلّى بأن مفهومه غير واضح تمام الوضوح في ذهن الأستاذ؛ فهو لا يفرق بين نقد النقد الذي يقوم على مبدأ تقويم النقد الأدبي والكشف عن خلفياته المعرفية وعيوبه، وبين نقد الناقد – إن صحّ التعبير – وهجاء الشاعر للعالم (اللغوي)، ذاك إذا سلّمنا بأن كلّ من أصدر حكما أو تتبع عيبا فقد مارس نقدا، فالنقد هو فنُّ إصدار الأحكام على الآثار الأدبية انطلاقا من معايير معينة(88)، مع العلم بأنّ بدايات النقد العربي كانت – في أغلبها – متأرجحة بين المؤاخذات اللغوية أو العروضية.

    أما نقد النقد فيعرفه جابر عصفور بأنه: "نشاط معرفي ينصرف إلى مراجعة الأقوال النقدية، كاشفا عن سلامة مبادئها النظرية وأدواتها التحليلية وإجراءاتها التفسيرية"(89)، لذلك ينبغي أن نتصور أنّ نقد النقد لدى الشعراء القدامى كان موجها للآراء النقدية التي لا ترضيهم، دون شك، وما علينا سوى تلمّس هذا النشاط المعرفي، ومحاولة الكشف عن ملامحه، مع مراعاة سياقه المعرفي وواقعه التاريخي، خاصة وأنه قد يتجلّى حتى في بعض أشعارهم التي يمكن أن ندرجها ضمنه.

أ-الشعراء والرواة:

   لعلّ بعض الرواة لم يتمكن لهم أن يتجاوزوا الرواية إلى الدراية بالشعر، وخاصة في تعاملهم مع شعر المحدثين - في عصرهم – وكان هذا مذهب أبي عمرو بن العلاء الذي يحكي الأصمعيُّ بأنه قد جلس إليه ثمان حِجج فما سمعه يحتجُّ ببيتٍ إسلاميّ(90)،ويروي لنا ابن رشيق كيف اقتدى الأصمعيّ بأستاذه، هو وابن الأعرابي: "أعني أن كلّ واحد منهم يذهب في أهل عصره هذا المذهب، ويقدم من قبلهم وليس ذلك الشيء إلّا لحاجتهم في الشعر إلى الشاهد، وقلة ثقتهم بما يأتي به المولدون، ثم صارت لجاجة."(91)

    مما يعني بأن أولئك الرواة استسلموا للتقليد، وجعلوا الاحتجاج بالشعر وقفا على العرب، وختموه بإبراهيم ابن هرمة (176ه) ومن عاصره من ساقة الشعراء، أي: آخرهم، حتى زعم الأصمعيّ بأن الشعر قد خُتم بابن هرمة!(92)؛ وفي هذا الحكم إقصاء وتهميش لكل شاعر سيقول الشعر ابتداءً من بشّار بن برد (167ه).

   ومن أوائل الردود التي وصلتنا وتمثّل نقدا لمنهج الرواة في التعامل مع الشعر قولُ مروان بن أبي حفصةيصف قوماً منهم بأنهم لا يعلمون ما هو الشعر، على كثرة استكثارهم من روايته، فقال(93):

    زواملُ للأشعارِ لا عِــلْمَ عندهُمْ ... بجيّدها إلا كعــــــــــــــــلم الأباعر

    لَعَمْرُكَ ما يَدْري البعيرُ إذا غَدَا ... بأوساقِهِ أوْ راحَ مَا في الغرائر

    وهذا التشبيه التمثيلي الذي يصوّر لنا الراوية وكأنه بعير ليس له من علم الشعر إلّا روايته، لا يكون إلا اقتباسا من الآية الكريمة، في قوله تعالى: {مَثَلُ الذين حُمّلوا التوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْملوها كَمَثَل الحمار يَحْملُ أسْفارا} سورة الجمعة: الآية(5).

   وبهذا الردّ المفحم يجعل الشاعرُ من الرواة أبعد الناس عن الذوق الجماليّ، رغم حفظهم وروايتهم للأشعار الكثيرة، فإنّه لا يمكنهم أن يكونوا على بصر بجوهر الشعر. 

   ومن ردود الشعراء التي تأتي في نفس السياق ما قاله ابن الرومي (283ه) عن أبي الحسن علي الأخفش الأصغر (315ه) النحويّ(94):

   قلتُ لمن قالَ لي عَرَضْتُ عـلى الأخفَشِ مَا قُلتَه فَمَا حَمِدهْ

   قَصَّـــــــرْتَ بالشِّعْرِ حين تَعرِضُهُ على مُبينِ العمَى إذا انتَقَدَهْ

   مـــَا قَالَ شــــــــــــــــــــــعراً ولا رواهُ فلا  ثَعْلَبَهُ كان لا ولا أَسَدَهْ

   فإن يَقُلْ إنّني رويتُفَكَــــــــــــــــــــالدَّفْتَرِجَهْلًا بِكُلِّ مَا اعْتَقَدَهْ

    فالشاعر ابن الرومي هنا يعترض على حكم والانتقاد الأخفش لشعر أحد الشعراء، مبيّنا بأنّه ليس على بصيرة بالشعر، لأنّه ليس بشاعر، مقارنا إيّاه بأستاذه ثعلب اللغويّ الكوفي المعروف، جازما كذلك بأنّ ادعاء الأخفش لرواية الشعر ليس المعيار الذي يؤيّد علمه بالأشعار، بل هو كالدفتر الذي يحفظ كل شيء بلا تمييز ولا تمحيص، ولا مقدرة على تخليص جيّد الشعر من رديئه حسب تعبير قدامة بن جعفر.  

    وفي موضع آخر يردُّ ابن الرومي على الرواة يرميهم بقلة المعرفة، وانعدام البصيرة بجوهر الشعر، وذلك في قوله:

    عابوا قَريضيوما عابوا بِمعْرِفَةٍ ... ولَنْ تَرَ الشَّمْسَ أَبْصَارُ الخَفافيشِ

    ورغم ما كان من ردود بعض الشعراء على نقد الرواة، فإنه قد يكون من الظلم أن نخليهم من الذوق الأدبي(95)، كما لا ننسى أنهم كانوا يتعاملون مع الأشعار من وجهة نظر لغوية لتأصيل قواعد النحو العربي خدمة للقرآن الكريم، لذلك فهم معذورون من هذا الباب، ولم نقصد مما سقناه التقليل من شأنهم بقدر ما قصدنا تبيين ما تجلّى من نقد لنقودهم، وهذا لا يمحو الدور الكبير الذي لعبه الرواة الثقاة في جمع صحيح الشعر، وصناعة الدواوين والمجموعات الشعرية، بضبط علمي محكم وتحقيق دقيق ورواية صحيحة، مثلما فعله الأصمعيّ في أصمعياته، والمفضل الضبي في مفضلياته، وغيرهما كثير...

   ب-الشعراء والواقعية

   نتيجة لسيطرة منهج الموازنة بين الشعراء على المشهد النقدي، ومن باب أن هذا المنهج يقتضي الموازنة بين ما يتفق فيه الشعراء من معانٍ وأغراض، فإنّ بعض النقاد كانوا يطالبون الشعراء بوصف أشياء لم يشاهدوها،"ومن هنا يُحْكى عن ابن الروميّ أن لائماً لامَه فقال: لم لا تُشَبِّهُ تشبيهَ ابن المعتزّ وأنت أشعر منه؟ قال: أنشدني شيئاً من قوله الذي استعجزتني في مثله، فأنشده في صفة الهلال:

    فانظُرْ إِلَيْهِ كَزَوْرَقٍ مِنْ فِضّةٍ ...قد أثْقَلَتْهُ حُمُولَةٌ مِنْ عَنْبَرِ

    فصاح: وا غوثاه، يا لله، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ذلك إنما يصف ماعون بيته؛ لأنه ابن الخلفاء، وأنا أي شيء أصف؟ ولكن انظروا إذا وصفت ما أعرف أين يقع الناس كلهم مني؟"(96).

    يتضح لنا من الكلام السابق أن ابن الرومي قد ردّ على ذلك النقد بكل واقعية، فالشاعر غير مطالب بأن يكون نسخة لشاعر آخر، فلكل شاعر أسلوبه وأغراضه التي يجيد القول فيها، كما أنه غير ملزم بوصف أشياء لم يرها، فإن كان ابن المعتز شاعرا يجيد تشبيه الأشياء الثمينة التي كان يراها في قصره، فابن الرومي ليس بابن خليفة، ولم يعش كالأمراء؛ لذلك فهو غير ملزم بوصف ما لم ير ولم يعرف، وقد كان رده أقرب إلى الموضوعية، لأنه يصدر عن اتجاه يشبه ما نعرفه اليوم بالاتجاه الواقعي في الأدب.

   وقد وقع أبو نواس (198ه) في مثلِ موقفِ ابن الرومي، مع بعض أهل العلم بالشعر الذين كانوا يطالبون الشاعر بالالتزام بنهج القصيدة العربية التي شكلت بنية قصيدة المدح الموروثة عن الشعراء الجاهليين، حتى تصور بعض أهل الأدب ممن نقل عنهم ابن قتيبة(97)أن قصيدة المدح لا تكون مقبولة لدى المتلقي (الممدوح) إلا إذا صُدِّرت بمقدمة طللية، حتى أنهم تجاوزوا ذلك فقالوا: "وليس لمتأخّر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدّمين فى هذه الأقسام، فيقف على منزل عامر، أو يبكى عند مشيد البنيان، لأنّ المتقدّمين وقفوا على المنزل الداثر، والرسم العافي"(98)، ولا يبعد أن يكون رأي ابن قتيبة النقديّ التعسفيّ امتدادًا لآراء نُقّادٍ كانوا يُكرهون الشعراءَ المحدثين الذين انتجَعُوا المدنَ على وصف أشياء لم يروها، وأن يلتزموا شروطا لا تسمح لهم بأن يُصوّروا أشياء صادرة عن تجاربهم الحياتية.

   ولم يكن أبو نواس راضيا عن هذا النسق النقدي والأدبي، فحاول التمرد عليه ورد عليه في قوله:(99)

   تَصِفُ الطلول على الســـــــماع بها ... أفــــــــذو العيان كأنت في الحكم؟؟

   وإذا وصــــفـــــــت الشيء مُــــــــــــتَّبِعًا ... لَمْ تَخْــــــــــــــــــلُ مِنْ غَلَطٍ وَمِنْ وَهْمِ 

   علّق مصطفى هدارة على هذه الأبيات قائلا: "والواقع أن دعوة أبي نواس هذه لم تكن دائما مشوبة بروح الشعوبية، - كما يقول محمد مندور- بل كانت كثيرا مشوبة بروح الواقعية"(100)، وفي هذا السياق يلفت انتباهنا الأسلوب الحجاجي الذي وظفه أبو نواس، بما يحمله من قدرة على الإقناع، ونقد ذلك النقد الذي يطالب الشاعر بالتقليد وأن يكون بعيدا عن الصدق الفني في شعره، وعن واقعه كذلك. 

   ج – الشعراء والحداثة

   مما شاع عند أكثر النقاد وذاع، أنّ الشعراء المحدثين "قد سُبِقوا إِلَى كلِّ مَعْنَى بَديعٍ، ولَفْظٍ فَصِيحٍ، وحيلةٍ لَطيفةٍ، وخَلابَةٍ ساحِرةٍ"(101)، كما يروي الأصمعي عن أستاذه أبي عمرو بأنه قال عنهم: "ما كان من حسن فقد سبقوا إليه، وما كان من قبيح فهو من عندهم"(102)، ومثل هذه الآراء النقدية القاسية قد حكمت مسبقا على جيل كامل من الشعراء بالفشل في الإبداع، مع جهلنا بالسياقات الثقافية، وبالخلفيات المعرفية التي جعلتهم يحكمون بمثل هذه الأحكام.

   وكان أبو تمام من أكثر الشعراء تعرضا للنقد والطعن على شعره، حتى بلغ الأمر بأحد معاصريه أن قال في شعره: "إن كان هذا شعرا فما قالته العرب باطل"(103)، ويبدو عليه إذ أصدر هذا الحكم مقارنتهُ لشعرِ أبي تمام بأشعار الأوائل، وبالتالي الحكمُ بخروجه على عمود الشعر كما هو مشهور.

   وسنتمثل بما ورد في كتاب العمدة، ففي باب القدماء والمحدثين، وبعد أن ضيّقَ كثيرٌ من النقاد السبيل على الشعراء المحدثين زاعمين أن القدماء قد استنفدوا المعاني وما تركوا سبيلا لابتداعها أمام المحدثين، قال حبيبٌ بيته الشهير:

   يَقولُ مَنْ تَقْرَعُ أَسْمَاعَهُ ... كَمْ تَرَكَ الأوّلُ لِلْآخِرِ

   فنقض قولهم: "ما ترك الأول للآخر شيئاً"، وقال في مكان آخر فزاده بياناً وكشفاً للمراد:

   فَلَوْ كَانَ يَفْنَى الشّعرُ أَفناهُ مَا قَرَتْ ... حِيَاضُكَ مِنْهُ في العُصُورِ الذّوَاهِبِ

   وَلَكِــــــــنّهُ صَوْبُ الْعُقُولِ: إِذَا انْجَلَتْ ... سَحَائِبُ مِنْهُ أُعْقِبَتْ بِسَحائِبِ"(104)

   لاشك أننا أمام شاعر واثق في إبداعه الشعري، حتى إنه يعتبر نفسه "محيي القريض"؛ وكيف يمكن تفسير توارده مع الجاحظ(105)في التمرد على مقولة: "ما ترك الأول للآخر شيئا" إلا يقيننا بأنهما كانا يصدران عن نسق ثقافي واحد، وإن كان الجاحظ قد اعتبر المقولة خَطِرَة ومُضِرَّةً بالعلم والعلماء، فإن أبا تمام قد تيقّن من ضررها وخطرها على الشعر والشعراء، لأن الإبداع كالحياة التي تتجدد، وكالخصب الذي تحمله السحائب إلى أرضٍ هي اللغة العربية البكر، التي لن يضيق صدرُها بأيّ إبداع كان، طالما أنها قد رَحُبت للقرآن الكريم بأكمله.   

   د- البحتريّ واللغويّ ثعلب

    ولأبي عبادة البحتري مواقف أشدّ اتصالا بنقد النقد، وأبْيَنَ حجّة في الرد على النقاد وتقويم نقدهم، ويروى أن أحدهم : "سألَه عن مُسْلم وأبي نُوَاس: أيُّهما أشعرُ؟ فقال: أبو نُوَاس. فقالَ: إنَّ أبا العباسِ ثَعْلباً لا يوافقُك على هذا. فقال: ليس هذا من شأن ثعلب وذويهِ، مِن المُتعاطينَ لعلْمِ الشعرِ دُون عَمله، إنما يعلُم ذلك من دُفع في مَسْلك طريقِ الشعرِ إلى مُضَايِقه وانتهى إلى ضَروراته"(106).

    ويعدّ هذا الرأي ردّا صريحا على ما روجه من يدّعون علم الشعر، وهم لا يدرون ما يعانيه الشاعر حين ينضحُ بالقصيدة، وحين ينزفُ شعرًا، ويظهر أن البحتري يشترط في الناقد أن يكون ذا تجربة شعرية، وأنه لا يعتدّ برأي من لم يتكلف صناعة الشعر ولم تكن له دراية بأسرارها وعلم بضروراتها، والضرورة في الشعر "كالرخصة في الفقه لا يقدم عليها إلا فقيه"(107)كما رُوي عن الأصمعي.

    وكانت قصص البحتري مع النحويّ ثعلب لا تنتهي، وكأنه ما تركه حتى أخرجه من ساحة النقاد أولي البصر بالشعر، فيُروى أن أحدهم قال: "رآني البحتري ومعي دفترُ شعرٍ فقال: ما هذا؟ فقلتُ: شعر الشَّنفرى. فقال: وإلى أينَ تَمْضي؟ فقلتُ: إلى أبي العباس أقرؤه عليه. فقال: قد رأيتُ أَبا عبَّاسِكم هذا منذُ أيامٍ عندَ ابنِ ثَوَابة فما رأيتُه ناقداً للشعرِ ولا مُميزاً للألفاظِ، ورأيتُه يَستجيد شيئاً ويُنشِدُه، وما هو بأَفضَلِ الشعر"(108).

    ومن يطلعْ على كتاب قواعد الشعر لثعلب يتبينْ له صواب رأيِ البحتريّ فيه، فثعلب حاول التقعيد للشعر، وحصره في أربع قواعد هي: أمرٌ، ونهيٌ، وخبرٌ، واستخبارٌ!(109)... ولابد مع هذه النظرة التكعيبية للشعر أن يستشهد منه بما يؤيّد تقسيماته بغضّ النظر عن جودة أو رداءة ما استشهد به من أشعار.

    ه- المتنبي يستعيد علم الشعر

    أما الشاعر أبو الطيب المتنبي (354ه) فلم يُرزقْ شاعرٌ قبله ولا بعده مِنْ حظٍّ ما رُزقه في اهتمام الناس بشعره، وقد أحصى الصفديّ ما يقارب الأربعين شرحا لديوانه(110هذا دونَ الكتب النقدية التي تناولت شعره والتي كانت في أغلبها تحاملا عليه، ومحاولات للحطّ من شأنه، كاتهامه بالسرقة كما فعل (ابن وكيع، والحاتمي والعميدي وغيرهم)،  أو إساءة تأويلٍ لشعره كما كان من الصاحب بن عباد الذي ردّ عليه القاضي الجرجاني في وساطته(111).

    ومن موضع المدافع عن شعره يردّ المتنبي على من يعيبون شعره فيرميهم بسوء الفهم، جازما بأنه لا يدرك قيمة أشعاره إلا العلماءُ الذين لهم بصر بجوهر الشعر، وذلك على قدر ما امتلكوه من قريحةٍ وذوقٍ وعلم، فقال(112):

    وكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا    وآفَــــــــــــتُهُ مِنَ الْفَـــهْمِ السَّقِيمِ

    ولَكِــــنْ تأخـــــــــــذُ الآذانُ مِنْهُ    عـلى قَـــــــــــدَرِ القَرائحِ والعُلومِ

   وفي مواضع أخرى يجعل الدافع وراء ذم بعض النقاد له ولشعره هو افتقارهم لملكة الذوق(113):

    أَرَى المتَشَاعِرِينَ غروا بِذَمِّي   وَمَنْ ذَا يَحْمَدُ الدَّاءَ الْعُضَالَا

    وَمَنْ يَكُ ذا فَمٍ مــرٍّ مَرِيضٍ   يَــجِـــــــدْ مُـــــــــــــرًّا بِهِ الماءَ الزُّلَالَا

    ويبدو بأن أولئك الذي يذمون المتنبي، لا يميزون بين نقد الشعر وبين نقد الشاعر وذمه، خاصة وأن النقد كان يمثل عند بعضهم – ومازال – الكشف عن المساوئ فقط، كما لا يبعدُ أن يكون مثل هذا النوع من الردود عائدا إلى شخصية المتنبي الذي يأبى تقبّل النقد، حتى إنه قد يرى في ذلك إساءة لشخصه وليس لشعره فقط.

    ومن المواقف النقدية التي واجهت المتنبي مع سيف دولة الحمداني أنّه استنشده يوما "قصيدته الَّتِي مطلعها:

     على قَدْرِ أهل الْعَزْم تَأتي العزائمُ ...وَتَأْتِي على قدر الْكِرَام المكارمُ

    وَكَانَ سيف الدولة معجبا بهذه القصيدة، كثيرَ الاستعادة لَهَا، فَانْدفع أَبُو الطّيب المتنبي ينشدها فَلَمَّا بلغ قَوْله فِيهَا:

    وقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْت شكٌّ لِوَاقِفٍ ...كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرّدَى وَهُوَ نَائِمُ

    تمــــــــرُّ بِــــــــــــكَ الْأَبْطَال كَــلْمَى هزيمَةً ...ووجهُـــــــــكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ

    فقَالَ سيف الدولة: قد انتقدنا عَلَيْك هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كَمَا انتُقدَ على امْرِئ القَيْس بيتاهُ، القائلُ فيهما:

    كَأَنِّيَ لَمْ أَرْكَبْ جَــــــــــــوَادًا لِلَذَّةٍ ...وَلَمْ أَتَبَطَّنْ كَاعِبًا ذَاتَ خلخال

    وَلم أسبأ الزق الروي وَلم أقل ...لخيلي كُــــــرّي كَرّةً بعد إجفالِ 

    وبيتاك لَا يلتئم شطراهما كَمَا لَيْسَ يلتئم شطرا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي لامرئ الْقَيْس أَن يَقُول:

    كَــــــــــأَنِّي لم أركب جوادا وَلم أقل ... لخــيلي كُـــــرّي كرّة بعد إجفال

    وَلم أسْــــــــــــــــبَأِ الزقّ الرويّ للذة ... وَلم أتبطن كاعبا ذَات خلخال

    وَلَك أَن تَقول:

    وقفت وَمَا فِي الْمَوْت شكّ لواقف ...ووجهــــــك وضاح وثغرك باسم

    تمـــــــر بك الْأَبْطَال كلمي هزيمَة ...كَأَنَّك فِي جفن الردى وَهُوَ نَائِم

    فقال المتنبي: إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأتُ أنا، ومولانا يعلمُ أنَّ الثوبَ لا يعلمُه البزّازُ كما يعلمُه الحائكُ؛ لأن البزّازَ(الناقد)يعرفُ جُمْلتَه، والحائكُ (الشاعر)يعرفُ تفاصيله، وإنما قرنَ امرؤ القيس النساءَ بلذّةِ الركوب للصيد، وقرنَ السماحة بسباء (شراء)الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، وكذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت الأول أتبعته بذكر الردى في آخره، ليكون أحسن تلاؤما، ولما كان وجه المنهزم الجريح عبوسا وعينه باكية قلت: ووجهك وضاح وثغرك باسم؛ لأجمع بين الأضداد،(114)وروى صاحبُ اليتيمة كيف أعجب سيف الدولة بقوله وَوَصله بِخَمْسِينَ دِينَارا.(115)

     فسيف الدولة في نقده لبيتيْ المتنبي قد تمثّل برأي صاحب عيار الشعر الذي اعتبر ما وقع على بيتي امرئ القيس خللا وقع فيه رواة الشعر والنَّاقلونَ لَهُ "فَيَسمَعونَ الشَّعرَ على جِهَتِهِ ويؤُدُّونَهُ على غَيرِهَا سَهْواً، وَلَا يَتَذَكّرون حَقيِقةَ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُ"(116)؛ ثم قال: "وَما البَيْتَانِ حَسَنانِ، وَلَو وُضِعَ مِصْرَاعُ كُلَ واحِدً مِنْهَا فِي مَوضِع الآخر كانَ أشكَلَ وأدْخَلَ فِي استواءِ النَّسج"(117)، ويبدو أنّ نقد ابن طباطبا للبيتين كان شيئا مسلّما به في الأوساط الأدبية، خاصة وأنّه يعتقد بأنّ "للشِّعْرِ فُصُولاً كفُصُول الرَّسَائل"(118)، وهذه النظرة التي تقيّم الشعر على أساس سرديّ توحي بأنّ الناقد كان ذا سلطة تتيح له أن يقول للشاعر: قل كذا ولا تقل كذا، وقدِّمْ هذا البيت وأخّر الآخر... وإن كان ابن طباطبا لم يعدم الحجة والتعليل الذي يؤيّد نقده.

   ولذلك تميّزَ ردُّ المتنبّي على نقد سيف الدولة بإصابة ثلاثة آراء نقدية بنقد واحد؛ أولهما رده على نقد السيف الدولة في بيتيه من قصيدته الميمية، وثانيهما ردّه على رأي ابن طباطبا في بيتي امرئ القيس، وثالثهما ردهعلى مقولة نقدية ظلت تُستطرد في الفكر النقدي العربي هي:"وقد يميز الشعر من لا يقوله، كالبزاز يميز من الثياب ما لم ينسجه"(119)؛ وهكذا نجح المتنبي في طرد البزاز (الناقد) من دائرة العلم بالشعر، ليبقى ناسج الثوب (الشاعر) هو الأعلم بنسجه (شعره)؛ ويرجع ذلك إلى تمكن المتنبي من توظيف نقد النقد أحسن توظيف في الرد على ذلك النقد الموجه إلى شعره، فتمكن بقوة حجته وبلاغته في التعليل من إقناع سيف الدولة بالتراجع عن رأيه النقدي، واستحسان ردّه.

خاتمة البحث

    عرفنا في هذا البحث كيف تحول الشعراء من النقد إلى النقد بسبب الصراع القائم بين نسقين ثقافيين مختلفين، نسق سلطة الشاعر ونسق سلطة الناقد الذي لا يقول الشعر؛ حيث شكلّ لنا هذا الصراع خطابات نقدية متصارعة يغالبُ بعضها بعضا، فلا الشاعر يتنازل عن سلطته الشرعية في نقد الشعر، ولا الناقد يُسلّم له بذلك، فهو يحاول أن يصادر علم الشعر منه ليطرده خارج دائرة النقد، ومن هنا تشكل خطاب نقد النقد في تراثنا النقدي العربي.

    ولاشك أن مثل هذه الصراعات النقدية هي التي وسعت من مفهوم الشعر منذ ذلك الوقت إلى يومنا، وفتحت للنقد مجالات رحيبة من الجدل والخلاف الفكري الذي وإن اتسم بالعنف اللفظي أحيانا بين بعضهم، فإنه قد أثرى الساحة النقدية العربية القديمة بآراء ومواقف نقدية تستحق القراءة والنظر، ذلك حتى نرحل في تصورنا للخطاب النقدي العربي القديم من تصور جزئي إلى تصور كلي يتضح لنا من خلاله كيف تفاعل التراث مع نفسه، ولا شك أن المجال لا يزال واسعا لإعادة قراءة التراث وفتح صفحات معرفية جديدة معه... 

1.صلاح قنصوة، تمارين في النقد الثقافي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، (2007)، ص11.

2.عبد الله الغذامي، النقد الثقافي- قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، المملكة المغربية-الدار البيضاء، ط3، (2005)،ص18.

3.ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث- القاهرة، ط: (2006)، 1/78.

4.أحمد بن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر – بيروت، ط: (1979)، 2/127.

5.ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق:محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل-لبنان، الطبعة الخامسة، (1981)، 1/133.الرجل الكيّس هو مجتمع الرأي والعقل.

6.ابن قتيبة، الشعر والشعراء، 1/78.

7.ابن رشيق: العمدة، 2/239.

8.ابن خلدون، المقدمة، اعتناء ودراسة: أحمد الزعبي، دار الهدى، عين مليلة – الجزائر، ط: (2001)، ص652.

9.المصدر السابق، ص654.

10.ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، تحقيق: السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث - القاهرة، ط2، (1973)، ص21. السناد من العيوب التي تحصل في القافية.

11.أبو أحمد العسكري، المصون في الأدب، تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة حكومة الكويت، ط2، (1984)، ص:13.

12.ابن طباطبا، عيار الشعر، تحقيق: عبد العزيز بن ناصر المانع، مكتبة خانجي-القاهرة، ط1، (1985) ص8. وهى: ضعُف.

13.ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر- بيروت، ط1، (1979)، 3/101.

14.هو: توماس ستيرنس  إليوت، شاعر إنجليزي عُرف بقصيدته (الأرض اليباب) وناقد كان من رواد مدرسة النقد الجديد، وصاحب نظرية المعادل الموضوعي، حاز على جائزة نوبل للآداب عام (1948م)، توفي سنة (1965م).

15.رينيه ويليك، مفاهيم نقدية، ترجمة: محمد عصفور، عالم المعرفة، الكويت، فبراير (1987)، ص339 وما بعدها.

16.المرجع السابق، ص343.

17.الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة خانجي – القاهرة، الطبعة السابعة، (1998)، 4/24.

18.رينيه ويليك: مفاهيم نقدية، ص340.

19.العسكري، المصون في الأدب، ص5. علي بن العباس النوبختيّ، أبو الحسن (327ه): من مشايخ الكتاب في عصره، عاش طويلا، وروى من أخبار البحتري وابن الرومي بالمشاهدة قطعا حسنة. وله شعر.الأعلام للزركلي، 4/297.

20.ت. س. إليوت، في الشعر والشعراء، ترجمة: محمد جديد، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، ط1، (1991)، ص215.

21.المرجع السابق، ص257.

22.رينيه ويليك، مفاهيم نقدية، ص425.

23.المرجع السابق، ص426.

24.كان الجاحظ يستعيذ من فتنة القول في مقدمات كتبه.

25.ابن رشيق، العمدة، 1/187.

26.البيان والتبيين، الجاحظ،1/206.

27.المرزباني، الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، تحقيق وشرح: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى، (1995)، ص133.

28.                  عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة - دار المدني بجدة، ط2، (1992)،ص274 وما بعدها.

29.المرزباني، الموشح، ص69.

30.المصدر السابق، ص70.

31.عصام قصبجي، أصول النقد العربي القديم، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية-حلب، (1991)، ص5.

32.أحمد بدوي، أسس النقد الأدبي عند العرب، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، سبتمبر: (1996)، ص5.

33.إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة- بيروت، الطبعة الخامسة، (1986)، ص7.

34.الجاحظ، البيان والتبيين، 1/239 وما بعدها.

35.ابن قتيبة، الشعر والشعراء، الجزء الأول، ص315 وما بعدها.

36.عبد الله حمادي، الشعرية العربية بين الاتباع والابتداع، منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين-مطبعة دار هومة ، الطبعة الأولى، ديسمبر: (2001)، ص79.

37.ابن قتيبة، الشعر والشعراء، 1/319.

38.انظر: الشاهد البوشيخي، مصطلحات النقد العربي لدى  الشعراء الجاهليين والإسلاميين، عالم الكتب الحديث- الأردن، ط1، (2009)، والكتاب في الأصل رسالة دكتوراة ناقشها عام: 1990، بجامعة فاس.

39.صفيّ الدين الحلي، شرح الكافية البديعية في علوم البلاغة ومحاسن البديع، دار صادر- بيروت، ط2، (1992)، ص52.

40.ديوان طرفة بن العبد، اعتنى به: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة-بيروت، الطبعة الأولى، (2003)،  ص65.

41.قيل بأن أبا تمام في اختياره الحماسة أشعر منه في شعره، انظر مقدمة الخطيب التبريزي، لشرح ديوان الحماسة لأبي تمام، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، (2000)، 1/10.

42.إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص70 وما بعدها.

43.ابن أبي الإصبع المصري، تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر، تحقيق: الدكتور حفني محمد شرف،  الجمهورية العربية المتحدة - المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، دت، ص410.

44.ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد عبده عزام، دار المعارف، مصر، ط5، دت، 1/382.

45.أبو بكر الصولي، أخبار أبي تمام، حققه وعلق عليه: خليل محمود عساكر، محمد عبده عزام، نظير إسلام الهندي، قدّم له: أحمد أمين، منشورات دار الآفاق الجديد – بيروت، الطبعة الثالثة، (1980)، ص68 وما بعدها.

46.عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص253.

47.الموازنة، الآمدي، تحقيق: السيد أحمد صقر،دار المعارف – مصر، الطبعة الرابعة، دت، 1/12.

48.نفسه.

49.الصولي، أخبار أبي تمام، ص63.

50.الآمدي، الموازنة، 2/105.

51.ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر-بيروت، ط: (1978)، 3/278.

52.له ديوان شعر جمعه عبد الرحمن ياغي.

53.ديوان ابن خفاجة، تحقيق السيد مصطفى غازي، منشاة المعارف-القاهرة، (1960).

54.ابن رشيق، العمدة، 1/117.

55.ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، دار المدني – جدة، ط1، 1980، 1/246.

56.العسكري، المصون في الأدب، ص67.

57.المفضليات مختارات شعرية تقع في مئة وثلاثين قصيدة، لستة وستين شاعرا أغلبهم جاهليون، وضعها المفضل الضبي للخليفة العباسي المهدي عندما كان مؤدبا له، سماها في الأصل "كتاب الاختيارات" ولكنها نُسبت له .

58.الأبشيهي، المستطرف في كل فن مستظرف، عالم الكتب- بيروت، الطبعة الأولى، (1998)، ص141.

59.الآمدي، الموازنة، 1/12.

60.علي بن عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد بجاوي، المكتبة العصرية- بيروت، ط1، (2006)، ص348. وجاء البيت في ديوانه(ص955): عليّ نحتُ القوافي من مقاطعها ...وما عليّ لهم أنْ تفهمَ البَقَرُ

61.الآمدي، الموازنة، 1/12.

62.عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون،  مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1418 هـ - (1997)، 5/145.

63.ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 8-90.

64.ابن رشيق، العمدة، 1/90.

65.المصدر السابق، 1/117.

66.العسكري، المصون في الأدب، ص6.

67.الراغب الأصفهاني، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء،شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت، الأولى، (1999)، 1/132.

68.ابن رشيق، العمدة، 1/81.تُنسب هذه المقولة إلى عمرو بن العلاء.

69.أبو بكر الباقلاني، إعجاز القرآن، تحقيق:السيد أحمد صقر، دار المعارف – مصر، الطبعة الخامسة، (1997)، ص203.

70.نفسه.

71.المرزباني، الموشح، ص282.

72.الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية، (1965)، 1/132. ينسب الجاحظ هذه المقولة إلى ابن المقفع في  البيان والتبيين، 1/210.

73.كانوا لا يطلقون لقب الشعر على أي نظم أو كلام.

74.ابن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق: مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، (1983)، 2/128.

75.ابن رشيق، العمدة، 1/117.

76.الألِبّاء: جمع لبيب.

77.ابن خلدون، المقدمة، ص656.  

78.الموازنة، الآمدي، 1/25.

79.ابن قتيبة، الشعر والشعراء، 1/70.

80.المصدر السابق، 2/790.

81.ابن خلكان، وفيات الأعيان، 2/379. قال خلف: "أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر، فبخلوا علي به، فكنت أعطيهم المنحول وآخذ الصحيح.

82.أبو علي القالي، الأمالي (النوادر)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي، دار الكتب المصرية-القاهرة، 1/156.

83.الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص48.

84.الجاحظ، البيان والتبيين، 1/203.

85.حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب بن خوجة، دار الغرب الإسلامي- بيروت، ط3، (1986)، ص180-181، ظلّ النقاد القدامى يعتبرون النابغة الذبياني شاعرا فحلا رغم وقوعه في الإقواء.

86.البغدادي، خزانة الأدب،5/145.

87.خالد بن محمد بن خلفان السيابي، نقد النقد في التراث العربي – المثل السائر نموذجا، دار جرير، عمّان- الأردن، الطبعة الأولى، (2010)، ص24.

88.nne maurel: La critique, hachette livre, paris, 1994,p:3.([1])

89.جابر عصفور، قراءة التراث النقدي، مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، قبرص، الطبعة الأولى، (1991)، ص11.

90.ابن رشيق، العمدة، 1/90.

91.المصدر السابق،1/91.

92.عبد الله بن المعتز، طبقات الشعراء، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، دار المعارف-مصر، ط3، دت، ص20.

93.محمد بن يزيد المبرد،الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط3، (1997)، 3/98.

94.عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق: محمود محمد شاكر، ط1، (1991)، ص144.

95.طه إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب،المكتبة الفيصلية-مكة المكرمة،2004,ص53.

96.المصدر السابق، 2/237.

97.ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 74 وما بعدها.

98.المصدر السابق، 1/ 76.

99.ديوانه، ص 540.

100.محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد الأدبي، المكتبة الأنجلو مصرية، (1958)،ص 212.

101.ابن طباطبا، عيار الشعر، ص13.

102.ابن رشيق، العمدة، 1/90.

103.أبو بكر الصولي، أخبار أبي تمام، ص244.

104.ابن رشيق، العمدة، 1/90.

105.الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص292.

106.المصدر السابق، ص 252 وما بعدها.

107.ابن رشيق، العمدة، 1/140. قالها الأصمعي عن الزحاف وهي من ضرائر الشعر.

108.الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 253.

109.أبو العباس ثعلب، قواعد الشعر، تحقيق: رمضان عبد التواب، مكتبة خانجي بالقاهرة، ط2، (1995)، ص31.

110.صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي، نصرة الثائر على المثل السائر، تحقيق: محمد علي سلطان، دار العصماء-سورية، ط1، (2012)، ص180.

111.              أبو منصور الثعالبي، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تحقيق: مفيد محمد قمحية،دار الكتب العلمية - بيروت/لبنان، الطبعة:الأولى، (1983)، 4/4.

112.ديوانه، ص232.

113.ديوانه، ص141.

114.ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية للطباعة والنشر- بيروت، ط1، (1999)، 2/287.

115.              الثعالبي، يتيمة الدهر،1/43 وما بعدها.

116.ابن طباطبا، عيار الشعر، ص 209.

117.المصدر نفسه، ص 210.

118.المصدر نفسه، ص 9.

119.ابن رشيق، العمدة، 1/117.

@pour_citer_ce_document

عصام بن شلال / عبد الملك بومنجل, «نقد النقد ودواعي تشكّله لدى الشعراء العرب القدماء – قراءة ثقافية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2017-12-13,
Date Pulication Electronique : 2017-12-13,
mis a jour le : 17/10/2018,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=2354.