السياسة الثقافية: بين نظرية المفهوم والفعل المؤسساتي
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°15 Juillet 2012

السياسة الثقافية: بين نظرية المفهوم والفعل المؤسساتي


سفيان لوصيف
  • resume:Ar
  • resume
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

     يناقش المقال موضوع السياسة الثقافية، حيث يحلل في البدء المفاهيم المختلفة للثقافة، ثم يربط الثقافة بالسياسة، حيث تنتهج الدولة سياسة للقطاع الثقافي من تخطيط وتشريع للقوانين الثقافية، و توفير الأموال والهياكل المؤسساتية، والإطارات اللازمة، وتحديد الأهداف الإستراتيجية، والمرجعيات الفكرية مراعيا في ذلك الانتماء الهوياتي، هذا من الجانب النظري ثم تكرس هذا الخطاب في الممارسة الميدانية على أرض الواقع في شكل سياسات.

     Cet article traite le thème de la politique culturel, de prime abord on va exposer les divers notions de la culture, et sa dépendance à la politique  dans la mesure ou l’Etat ‘investie dans la planification, la législation, le financement, ainsi que l’encadrement nécessaire au secteur culturel, y compris la  détermination des références intellectuelles et les objectifs de la politique culturelle, et finalement sa mise en œuvre.

         حاول الكثير من الباحثين منذ القرن 19متحديد مفهوم لثقافة، لكن تعدد وتنوع تعريفات الثقافة جعل محاولة حصرها عسيرة، فكلمة الثقافة هي واحدة من بين الكلمات التي يكتنفها التعقيد والغموض، وتدل بشكل عام على الجانب الفكري من الحضارة، أما كلمة حضارة فتدل على الجانب المادي، وهناك ترادفا في المفهوم الانجلوساكسوني للكلمتين، فكلمة ثقافة كثيرا ما تأتي مرادفة لكلمة حضارة[i]،وأقدم تعريف للثقافة وأكثره شيوعا ذلك الذي قدمه إدوار تايلور سنة 1871 مفي كتابه "Primitive culture"مفاده أن الثقافة هي:« كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات، والفنون، والقانون، والعرف، وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع »[ii].  

                تعدد مفاهيم الثقافة ناتج من تباين أراء الدارسين لها، فمنهم من يميل إلى دراسة الثقافة في حد ذاتها والبحث عن دورها الاجتماعي، وهناك من يرجح كفة التاريخ ولا يفهم الثقافة إلا من خلال مفهومها التاريخي، ويمكن ايجاز مفاهيم الثقافة المتعددة في محورين الثقافة بالمعنى الأنثربولوجي الذي يشمل كل ما يقوم به الإنسان من نشاط فكري أو مادي، معنى يرتبط بأشكال القيم ونوع الأساليب التي يبتكرها الإنسان، ويرتب بها حياته الفكرية والروحية والجمالية والاجتماعية، أي أن الثقافة حسبماعرفتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ' مجموع النشاط الفكري والفني بمعناها الواسع، وما يتصل بهما من المهارات والوسائل، فالثقافة بهذا المعنى هي المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية، وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والفني والمعرفي '[iii]

          وأبرز التعريف ثلاث مكونات أساسية للثقافة القيم والعادات تشمل الرموز والأخلاق والسجايا والمعتقدات والتقاليد والأعراف والعادات والوسائل والمهارات، الإبداعات التعبيرية تشمل الأدب' شعر، قصة قصيرة، رواية، مسرح، مقالة ' والموسيقى والغناء والرسم والرقص وغيرها، والنتاجات الفكرية تضم علمية وفلسفية ونظرية[iv].

             تعد مفهوم الثقافة اهتمامات الباحثين إلىاهتمامات الهيئات، وأضحى هاجسا عند أهم مؤسسة دولية تهتم بالثقافة وهي منظمة اليونسكو، التي تمخض عن مؤتمرها المنعقد في نيومكسيكو سنة 1982 تعريفا للثقافة جاء فيه:« الثقافة بمعناها الواسع هي جماع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الإرث الاجتماعي ومحصلة النشاطالذهني والروحي والفكر الأدبي والقيمي، ويتجسد في الرموز والأفكار والمفاهيموالنظم، وسلم القيم، والحس الجمالي، أي هي الامتداد المتنوع لجميع أنواعالمعارف والخبرات الإنسانية، تشمل المعارف العلمية والأدبية والفنية والتراث وطرازالعيش والأذواق والآداب السلوكية، وقوانين التعامل بين الناس»[v]

               ورغم أن الثقافة بهذا التعريف ليست من المسلماتالمتفق عليها، إلا أن هذا التعريف بهذه السعة والشمولية، قلما يتعارض مع التعريفاتالأخرى التي ربما تختصره دون أن تتناقض معه، فأغلب المفكرين ينظرون إلى الثقافة علىأنها السمات المشتركة التي تميز أمة ما عن غيرها من الأمم، سواء كانت هذه السماتتتعلق بالفعاليات الإنسانية ونشاطاتها الذهنية والمادية، أو كانت تراكم خبراتوتجارب اجتماعية، أو تصورات منبثقة من معتقدات دينية[vi].

               حاول مالك بن نبي أن يضع تعريفا شاملا للثقافة يتسق مع الواقع الإسلامي فيقول هي:« مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته وتصبح  لا شعوريا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه فهي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته »[vii]، وهي عنده ليست مجرد علم يتعلمه الإنسان في المدارس أو من الكتب، بل هي جو من العادات والأذواق والقيم، التي تؤثر في تكوين الشخصية وتحدد دوافع الفرد وانفعالاته وصلاته، ويرى أن الثقافة كنظرية للتغيير يستلزم أن تصاغ صياغة تربوية، ترتكز على ركائز التوجيه الأخلاقي، والمنطق العلمي،التوجيه الفني[viii].

            بهذه الركائز تستكمل الثقافة بناءها في المجتمع وترتقي إلى مستوى الحضارة، ويرى بن نبي أنه:« ليس بنافع لنا أن نفكر في الأسباب التي تدخلنا إلى باب الحضارة، من غير أن نواجه أولا وقبل كل شيء الوسائل التي تجعلنا نخرج من باب التخلف »[ix]، ومع أن مصطلح الثقافة جرى تداوله ليؤدي مدلولا خاصا لا يتميز في بعض الحالات عن مصطلح الحضارة فإنه يتميز عنه إذ يعبر عن خصائص عديدة للثقافة منها:

 - الثقافة ظاهرة إنسانية، فاصل نوعي بين الإنسان وسائر المخلوقات لأنها تعبر عن إنسانيته، وتحدد ذات الإنسان وعلاقاته مع نظرائه، ومع الطبيعة من خلال تفاعله معها.

- الثقافة أساس الحياة الاجتماعية، فليس من عمل اجتماعي أو فني جمالي أو فكري يتم خارج دائرتها، وهي التي تيسر للإنسان سبل التفاعل مع محيطه.

- الثقافة عملية إبداعية متجددة، تبدع الجديد والمستقبلي، فالتفاعل مع الواقع تكيفا أو تجاوزا نحو المستقبل من الوظائف الحيوية لها.

- الثقافة إنجاز تراكمي متنام مستمر تاريخيا، فهي بقدر ما تضيف من الجديد تحافظ على التراث، وتجدد من قيمه الروحية والفكرية، وتوحد معه هوية الجديد روحا ومسارا[x].

          وهنا إعمال العقل للوصول إلى المفهوم الواضح للثقافة ارتباطا بخصوصية الواقع وبالتفاعل معه، فعلى سبيل المثال فقد أحصي ما يزيد عن 200 تعريف للثقافة، في حين أن الفيلسوف الأمريكي 'جون ديوي' عرفها بجملة واحدة بقوله:« بأنها حصيلة التفاعل بين الإنسان وبيئته »، لكن علي أومليل يتجاوز هذا في تعريفه بقوله:« الثقافة رؤية ومبدأ للسياسات كيف تكون سياستنا في التربية والتعليم منتجة لرأسمال بشري مندمج ومنافس في عالم اليوم ؟ ما هي قيمنا الثقافية القابلة للتبادل في سوق القيم، ومكونه لعقلية حداثية، ولهوية ليست من ماضي ولى، بل جواز سفر لدخول آفاق المستقبل ؟ ما هي رؤيتنا لبناء اقتصاد اجتماعي ومنافس معا، وكيف نبني منظومة قيم تحفز على المبادرة والابتكار، والإنتاج وتخطيط المستقبل ؟ كيف نربي على احترام الكرامة الإنسانية ؟ ذلك هو مفهوم الثقافة الذي يتوجب أن نأخذ به »[xi].

             في حين أن السياسة الثقافية مفهوم يستمد معناه من كلمة سياسة، والسياسة هي منظومة من الغايات والأهداف والوسائل تضعها مجموعة وتنفذها سلطة، الحديث عن سياسات ثقافية يعني جملة من الغايات ذات المدى البعيد، ومن الأهداف ذات المدى المتوسط، ومن وسائل، وأشخاص، واعتمادات مالية، وترتيبات قانونية منسجمة مع بعضها البعض، وسواء تعلق الأمر بالدولة أو بمؤسسة، فإن من يقرر العناصر المختلفة لهذه المنظومة ليس الأشخاص أنفسهم، فالغايات تحددها النخبة، والأهداف يضعها الخبراء، والوسائل هي شأن الإداريين، والسياسات الثقافية سواء تم إعدادها بطريقة ديمقراطية أو بطريقة تكنوقراطية، يجب أن تتضمن دائما أدوات لتقييم النتائج من أجل إعادة النظر في الغايات والأهداف والأدوات[xii].

                تدخل الدولة يأتي على خلفية أهداف تنموية محددة تريد تحقيقها، وترصد لها الاستثمارات المالية والمادية والبشرية اللازمة، دور السياسات الثقافية هو تنظيم التدخل في العمل الثقافي، من خلال سلسلة من الإجراءات التي تتناسب مع أوضاع المجتمع، وعلى نحو تستغل معه الإمكانيات المتاحة، لابد أن تأخذ هذه السياسات باعتبارها السياق التاريخي والسياسي والحقائق الاقتصادية والحاجات الاجتماعية والخصائص الثقافية للبلاد، كذلك يجب أن تسعى إلى إطلاق الإبداع والتحرر من المعوقات التي تحول دون التقدم نحو تحقيق الرفاهية للمجتمع، ويفترض في السياسات الثقافية أن ترتكز على معرفة عميقة بالمشكلات التي تتطلب حلولا وبالوسائل التي يمكن إتباعها لتطبيق الحلول، الأمر الذي يقتضي وجود أهداف ووسائل وقدرات تنفيذية[xiii].

               يعرفها الباحث جيرار أوغسطين 'Girard Augustin' بأنها:« نسق من الغايات والأهداف التي تعتمد وسائل وأدوات تقرها مجموعة معينة، وتقوم على تنفيذ ذلك سلطة ما في ميدان الثقافة »[xiv]، تبرز السياسة الثقافية كأحد المفاهيم الحديثة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن 20 م لتمثل أحد مجالات السياسة العامة للدولة، وهذا المفهوم تبلور نتيجة الاهتمام به من قبل مفكرين وباحثين، أثروا جهود المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالعمل الثقافي.

             تبلور مفهوم السياسة الثقافية نتيجة مباشرة للأحداث التي ميزت القرن 20م، حيث شهد تحولات مختلفة في شتى مناحي، بحيث امتدت آثارها إلى المجال الثقافي وانعكست بوضوح على السياسة الثقافية فكرا وممارسة، مما أدى إلى التفكير في وضع معايير جديدة للممارسة الثقافية بالتخطيط والتنظيم الكامل، للوفاء بالمطالب الثقافية للمجتمعات مثلها مثل غيرها من الخدمات التي يحتاجها المجتمع، وتعد اليونسكو أبرز المستخدمين لتعبير السياسة الثقافية، ذلك أنها كانت حريصة على إيضاح المفهوم دون الدخول في متاهة تضارب التعريفات، وركزت في استخدامها على دعوة الدول للأخذ بمنهج تخطيطي تنموي، يلبي الاحتياجات الثقافية عبر الاستخدام الأمثل للقدرات البشرية والمادية التي يمتلكها أي مجتمع مع الاستفادة من الخبرات الإنسانية في مجالات التكنولوجيا والاتصالات، ولعل من الضروري التأكيد على ارتباط مفهوم السياسة الثقافية بتدخل الدولة المباشر في النشاط الثقافي باعتباره أحد مجالات السياسات العامة[xv].

             اهتمت المؤسسات الثقافية الدولية بعقد المؤتمرات واللقاءات التي تبحث في أبعاد السياسات الثقافية، واهتمت بعض الحكومات بإنشاء الأجهزة المختصة بشؤون الثقافة، وتبنى أشكال الإدارة المتبعة فيها سواء تلك التي تعتمد نظام الاقتصاد الموجه سبيلا للتنمية الشاملة، أو بالنسبة للدول التي تنتهج مبدأ الاقتصاد الحر وتدعم مبادرات الأفراد في الحياة الثقافية بمختلف أبعادها، بينما رأى البعض أن عدم وجود سياسة ثقافية في دولة ما هو سياسة بحد ذاتها، أضف إلى ذلك فإن تخبط السياسات الثقافية وتداخلها مع سياسات الأخرى ضرورة تقتضيها طبيعة التدجين المتعمد، وبث الخطاب الإيديولوجي المباشر كسياسة ثقافية[xvi].

                ارتبطت الثقافة دائما بالسياسة بل هي في حقيقتها تعبيرا سياسيا وعمليةسياسية سواء كان مجالها الآداب أو العلوم الإنسانية أو الثقافة الشعبية، ولقد تعاظم الدور السياسي للثقافة في الفترة المعاصرة على نحو لم يسبق له مثيل، وذلك مع انبثاق الدولة الوطنية، فحتى في أوروبا جرى الحديث في بداية العصر الحديث عن أمم راسخة أنشأت دولها، كان لا بد من تجنيد الثقافة من أجل إعادة صياغة تلك الأمة على نحو يتطابق مع متطلبات الدولة الحديثة[xvii].                                   

             وعلى هذه الأسس فإن الثقافة هي حياة المجتمع التي دونها يصبح المجتمع ميتا، إذ لا توجد مجموعة إنسانية بلا ثقافة مهما صغرت، ومهما ظهرت للغير في أقصى حالات التأخر، فكل مجموعة إنسانية تعبر بأي وسيلة فكرية وعملية نظرتها للحياة،هناك علاقة وطيدة بين الثقافة والسياسة، أن يكون للثقافة وطن مؤسساتي يدعمها ويجعل منها مقوما أساسيا من مقومات هويته، من هذا المنطلق علاقة الوطن بالثقافة هي مسألة تتعلق بالاختيارات الجوهرية في إطار إعادة قراءة تاريخ الفكر المعاصر، وبقدرة هذا الفكر على إبداع البديل التاريخي والحضاري[xviii].

               ترتكز الثقافة على التخطيط الذي هو في الأصل عملية تقوم بها وتنفذها أجهزة الدولة، لأنها الجهة القادرة على التنظيم وعلى الإلزام القانوني الضروري، وهي الجهة التي تستطيع حماية الثقافة، كما تستطيع وضع إمكانياتها الواسعة لخدمة الثقافة في جانبيها، جانب المبدعين الذين يقدمون أعمالا قد يعجز القطاع الخاص عن تقديمها، وإفادة الجماهير منها بسبب ضخامة التكاليف، وجانب الجماهير العريضة التي يمكن للدولة أن تساعدها على خوض تجربة الثقافة والتثقف دون التعرض للاستغلال، وهكذا فإن وضع الخطط الثقافية إنما يعود للسلطات العامة، وهي تبعة ثقيلة لأن بها مستقبل الثقافة والإنسان الذي يبدعها أو يعيشها، يرتكز بشكل أساسي على القرارات التي تقدمها هذه السلطات، سواء في مجال التخطيط أو التنفيذ[xix].

              جل دول العالم الثالث جميعا تقر مبدأ تدخل الدولة في الشأن الثقافي، وتعتبر ذلك من بديهيات خططها وسياستها، وتعتبر أن هذه الشؤون أهم وأخطر من أن تترك كليا للأفراد والمؤسسات الخاصة إن كانت، ومع أن الدوافع لهذا الموقف يتخذ شكلا تستخدمه الدول للدعاية لنفسها ولدعم مركزها المعنوي، فإن مبدأ التدخل هو المبدأ السائد، وهو الذي يحسن الإفادة منه وتوجيهه نحو تبني التخطيط الثقافي بمضمونه الواسع البناء، ومع الاعتراف بفائدة تدخل الدولة في التخطيط والتنفيذ لمشروعات الثقافة فإنه كثيرا ما تكون في التنمية الثقافية عدة معوقات منها:

- قلة الأجهزة البشرية الثقافية المتخصصة من مشرفين على الخطط وخبراء إداريين.

- نقص الميزانية المخصصة للثقافة، ونقص الوسائل والتسهيلات، وضعف البحث والمعلومات.

- تطبيق السياسة الثقافية دون وصلها عضويا بمشاريع التنمية[xx].

            إذا كان التخطيط الثقافي أصبح ضرورة أساسية في التنمية الشاملة، فإن تدخل الدولة لتنفيذه أمرا لازم، ويكون هذا التحرك فعالا شاملا حين تكون الدولة محوره والمسؤول عنه، لكن قيادتها للتنمية لا تعني السيطرة على الثقافة في إبداعها، ولا التدخل في حرية المبدع الثقافي سواء بالتوجيه الإلزامي أم بالتسخير لأغراض غير ثقافية، وإذا كانت المسؤولية الأولى في عمليات النشر الثقافي تقع على الدولة، فيمكن أن يتم من خلال جهات استشارية مختصة تعنى بنشر الثقافة، أي الثقافة التي تزيد من المعرفة، ويكون ذلك بإعادة الثقافة إلى مكانها الحقيقي، وجذب الشعب إلى دائرة ثقافية واحدة تنبثق عنها هوية متجانسة، وتشجع المبدعين فيها ثقافيا وماديا[xxi]

              يستلزم وضع تخطيط لإنجاز تنمية ثقافية في المجتمع الجزائري، إعداد بنية تحتية مناسبة للنشاط الثقافي ومنابر نشر وبث واتصال، والمقصود بالبنية التحتية أبنية المسارح والمتاحف والمكتبات وقاعات المحاضرات، وتقديم تمويل من قبل الدولة للبنية التحتية والثقافية، على شكل ميزانيات منتظمة، ووضع سياسات للتنمية الثقافية منبثقة من أولوية البناء الثقافي ومتطلباته، وبعيدة ما أمكن عن الاعتبارات الإيديولوجية والسياسية المباشرة، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد وقابلة للتطبيق حيثما أمكن ذلك، أي في حدود الإمكانات المتاحة، ومراعاة التفاعل الدائم والتوازن بين المقومات الأساسية لسياسة ثقافية قادرة على الاستمرار والإشعاع، وأهمها الأبعاد الثلاثة التالية:

  - البعد التراثي التاريخي والانتمائي، أي تلك العناصر التي تشكل مفهوم الهوية الخاصة وقيمه.

  - الحاجات الروحية والجمالية الراقية لمجتمع معاصر في حالة تطور دائم.

  - مناخ البعد العالمي، أي مراعاة روح العصر القائمة على الحركية والفعالية وسرعة التطور الانفتاح والحوار والتعددية، والتخلي عن عقلية الرقابة والحصار، ويدخل ذلك بالنسبة للجزائر إحياء مواقع القوة والإشعاع في الثقافة العربية الإسلامية تحسبا لحدة المنافسة العالمية في ظل الانفتاح وربما مواجهة ثقافات القوة بقوة الثقافة وقدراتها.

               مع الاهتمام التنموي بالثقافة لم تبرز كحق من حقوق المواطن فقط، ولكنها دخلت في صلب القوانين، وبرزت معها الحاجة إلى تقنينها بتشريعات تحميها، وتفتح الطريق أمامها في المجتمع، وتعطيها مكانها الإنساني، وهكذا أصبح في إمكاننا التحدث في الوقت الحاضر عن تشريعات ثقافية وطنية، كما نتحدث عن تشريع ثقافي دولي في مجال العلاقات الثقافية الدولية.

             لكن هذه التش

@pour_citer_ce_document

سفيان لوصيف, «السياسة الثقافية: بين نظرية المفهوم والفعل المؤسساتي »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2012-07-04,
Date Pulication Electronique : 2012-07-04,
mis a jour le : 14/01/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=618.