شبكة تحليل الصور الثابتة: نمذجة بيداغوجية لبعض المرجعيات السيميولوجيةGrid analysis of still images : pedagogical modeling of some semiological references
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°04 Vol 16- 2019

شبكة تحليل الصور الثابتة: نمذجة بيداغوجية لبعض المرجعيات السيميولوجية

Grid analysis of still images : pedagogical modeling of some semiological references
ص ص 21-33
تاريخ الإرسال: 28-01-2019 تاريخ القبول: 18-12-2019

فضيل دليو
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

رافقت الصورة الكلمة منذ القدم بل وسبقتها أحيانا كتعبير عن التجارب المعيشية للإنسان. ثم تطورت أشكالها وموادها لترافق كل التغيرات المجتمعية خاصة السياسية والدعائية، لاعبة دورا مهما في تنشيط نقاشات الحياة العامة من خلال تمثّلاتها الظاهرية المباشرة والضمنية غير المباشرة. مما يجعل دراستها وتحليلها أكثر من ضرورة.
   فما هي الصورة، لغة واصطلاحا؟ وما هي أهم مرجعياتها السيميولوجية؟ وكيف يمكن استكشاف وتحليل لغتها البصرية ورموزها، باعتماد نموذج شبكة تحليلية عامة مدعمة بمثال تطبيقي؟ هذا ما يستهدفه العمل الحالي.
الكلمات المفاتيح: الصورة، شبكات تحليل الصورة، النمذجة، مرجعيات سيميولوجية.

L’image a accompagné le mot depuis longtemps et l'a même précédé en tant qu'expression d'expériences de vie humaine. Ensuite, ses formes et ses matériaux ont évolué pour accompagner tous les changements de société, notamment politiques et de propagande. Elle joue un rôle important dans les débats publics par le biais de ses représentations directes et indirectes. Ce qui rend son étude et son analyse plus que nécessaires.

Ce travail tentera de répondre à nombre de questions : Quelle est le sens littéral et conceptuel de l'image ? Quelles sont ses références sémiologiques les plus importantes ? Et comment explorer et analyser son langage visuel et sa symbolique à l'aide d'un modèle général de grille analytique ou un exemple empirique?

Mots-clés : Image, Grille d'analyse d'images, Modélisation, Références sémiologiques.

Since ancient times image has accompanied the word and has even preceded it as an expression of human life experiences. Then, its forms and materials evolved to accompany all societal changes, especially political and propaganda, playing an important role in stimulating discussions of public life through its direct & implicit representations. These factors make the study and analysis of image more than necessary. This work is aiming at answering the following questions: what is image? What are its most important semiological references? And how can its visual language and symbols be explored and analyzed, using a general analytical grid model and a practical example?

Keywords: Image, Image Analysis grid, Modeling, Semiological references.

Quelques mots à propos de :  فضيل دليو

جامعة قسنطينة3-صالح بوبنيدرfdeliou@yahoo.fr

مقدمة

رافقت الصورة الكلمة منذ القدم بل وسبقتها أحيانا كتعبير رسمي –في الكهوف خاصة-عن التجارب المعيشية للإنسان. ثم تطورت أشكالها وموادها إلى أن تم اختراع الصورة الفوتوغرافية في القرن التاسع عشر فالصورة الرقمية الافتراضية والتفاعلية مع نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، لترافق ما يسمى بـ"حضارة الصورة" وكلّالتغيرات المجتمعية وخاصة منها السياسية والدعائية، لاعبةً دورا مهما في تنشيط نقاشات الحياة العامة من خلال تمثلاتها الظاهرية المباشرة والضمنية، المدعمة للأنظمة المهيمنة والمنتقدة لها، عاكسةً البُنى الفوقية والعميقة للمجتمعات وحاملةً لرسائل مستهدفة وأخرى جانبية. مما استدعى دراستها وتحليلها لمساعدة الجمهور العام، أو الطالب الشاب، أو حتى الباحث المبتدئ على الاقتراب من صور قد يعتقد أنها حيادية وتسلم نفسها للاستهلاك العفوي، فيما أنها قد تكون أحيانا مخادعة وتكون دائما هادفة، ذات رسائل غير مباشرة وذات تأثير خفي...

ولتحليل الصورة الثابتة بالذات، وردت في التراث المتخصص في التحليل السيميولوجي عدة شبكات تحليلية للصورة، تَمّاقتراحها من عدة باحثين متخصصين، وسنحاول مراجعتها قبل اقتراح شبكة تحليلية توجيهية بعناصرها التفصيلية. ولكن قبل ذلك، سنبدأ بمدخلمعرفي عام حول السيميولوجيا وحول ماهية الصورة، أهمية تحليلها والوظائف المَنُوطة بها عادة.

أولا) مدخل مفهمي

سيقتصر عرضنا في هذا المدخل على الإحاطة المعرفية الموجزة بمفهومي السيميولوجيا والصورة:

- السيميولوجيا:

إن أصل كلمة (Sémiologie) –كما هو معروف-مركب من مقطعين يونانيين (séméion/سيميو/: علامة، وlogos/ لوجيا/: حديث، دراسة)(1)، وهي أصبحت تعبّر عن علم يختص بدراسة العلامات ودلالاتها.  ولقد ارتبط تاريخه الأوروبي في مطلع القرن العشرين باسم عالم اللسانيات "فيردناند دوسوسير" (Ferdinande De Saussure)، الذي خصهذا العلم بدراسة العلامات ودلالاتها وطريقة تدليلها في الحياة الاجتماعية. انقسم أتباعه إلى اتجاهين: محافظ حصر السيميولوجيا في دراسة الاتصال الإرادي المستعمل لرموز معلومة ومحدودة مثل اللغات وإشارات المرور...، أي "سيميولوجيا الاتصال" بأنصارها من أمثال: "برييتو، مارتيني، بويسان" (Buyssens, Mounin, Martinet, Prieto)؛ واتجاه "مَرن" يدرس كل الأنظمة الدلالية المفتوحة، ومثلته "سيميولوجيا الدلالة" من خلال رمزيْها من علماء اللسانيات: "جاكوبسون ويالمسلاف" (Jakobson & Hjelmslev). مع العلم أن "رولان بارث" (Roland Barthes) و"كريستيان متز" (Christian Metz) يعتبران أبرز الممثلين الفرنسيين الأوائل لهذا التيار(2).

أما في أمريكا، وفي نفس فترة "دوسوسير"، فقد ارتبط هذا العلم بالتوجّهات النظرية للأمريكي "شـارل ساندرس بيرس" (Charles Sanders Pires)، متخذا اسم "السيميوطيقا" (Semiotics)، وذلك قبل أن يطوّره مواطنه "شارل موريس" (Charles Morris) في ثلاثة اتجاهات رئيسة: السيميولوجيا  الصرفة (Pure)، التي تتعلّقباللسانيات وفلسفة اللغة؛ السيميولوجيا الوصفية، المستلهمة من المدرسة السلوكية، والتي تدرس السلوكيات الاجتماعية غير اللّفظية(الإدارة الاجتماعية والثقافية للفضاء، للوقت، وللإيماءات)، واللغات غير اللفظية (الصور، الملابس ...)؛ والسيميولوجيا التطبيقية أو البراغماتية، التي تهتمّبالعلاقة بين العلامة والفرد وكذا بعلامات الاتصال الحيواني(3).

الصورة: الماهية، الأهمية والوظائف

-  ما هي الصورة؟ إنها في الأصل اللغوي "نسخة" عن شيء أو "تقليد" له (وفي معظم اللغات الأوروبية، يعود أصل كلمة –Image(n)- إلى هذا المعنى نفسه: Imitari : Imite(a)r/ Copie(a)r)(4). وفي تراثنا الإسلامي، ورد في تفسير ابن كثير-على لسان مجاهد-أن قوله تعالى: "في أيّ صورة ما شاء ركّبك" (الإنفطار: 8) يعني: في أي شبه أبٍ أو أمٍ أو خالٍ أو عمٍ....

لكنها عادة ما تعرف اصطلاحا –في التراث المتخصص-بأنها شيء أنجز لكي يكون مرئيا، وفي حدود إطار معين، ومرتبطا غالبا بوسائل الإعلام والاتصال. وهذا الشيء قد يكون تمثيلا مرئيا لشيء طبيعي أو اصطناعي، مادي أو معنوي... عبارة عن رسم، صورة فوتوغرافية، لوحة فنية، إشارة إرشادية، لافتة إشهارية، صورة علمية (فلكية، طبية، إرصادية...) ...، فيقوم صاحبها بعدد من الخيارات لإخراج عمله في أحسن مظهر ممكن، من حيث التأطير، زاوية الرؤية، الألوان، النص المرافق... وهي من العناصر التشكيلية التي تستهدفها أي شبكة تحليلية للصورة(5).

ولكن، لماذا نقوم بتحليلالصورة؟ لأن الصورة، أيا كان نوعها، فهي توجه لنا رسالة معينة. هذه الرسالة البصرية لها لغتها الخاصة ورموزها الخاصة، ودائما لديها وظيفة رئيسة وأخرى ثانوية: التسجيل، التواصل، الإقناع، الانتقاد... ولذلك، اجتهد بعض المتخصصين في وضع شبكات تحليلية لها، سنعرضها لاحقا.

لكن، قبل عرض بعض هذهالشبكاتالمرجعية التحليلية، تجدر الإشارة إلى بعض المحاولات المحددة لوظائف الصورة، ومنها، محاولة "مارتين جولي" (Joly, M.) التصنيفيةلمختلف أنواع الصورة انطلاقا من وظائفها التواصلية التي قد تساعد في تحديد بعض أطر تحليل الصورة: "وظيفة تعيينية أو مرجعية أو إدراكية (صور الهوية، إشارة مرور، صورة صحافية، طبية...)؛ وظيفة تعبيرية أو أحساسية(جمالية، فنية)، وظيفة شعرية (جمالية، فنية، تصميمية، تشكيلية)؛ وظيفة تعيينيّة(إشهارية، دعائية، تركيبية)؛ ووظيفة انتباهية -phatique- (زخرفية، تلبيسية، متحركة)"(6).

وهناك محاولات تصنيفية أخرى لوظائف الصورة، يعكس اثنانمنها الجدول الموالي:

جدول رقم01: وظائفالصورة عند كل من "جاكوبسون" و"شافيز" (تشير الأرقام إلى ترتيب الوظائف عندهما)

جاكوبسون

تشافيز

1- تعبيرية:  المرسل

4- تشخيصية/ تعريفية

2- تضمينية تأثيرية: المستقبل

3- إقناعية

3- مرجعية: المحنوى والسياق

2- إخبارية

4- لغوية (حول اللغة): الترميز

5- توافقية

5- انتباهية/تواصلية: القناة

1- تواصلية

6- شعرية جمالية: الرسالة

6- جمالية

 

المرجع: بتصرف عن:ACAL DíAZ, Inmaculada, 2015, 432.

إنها، كما يلاحظ، تصنيفان متداخل العناصر ومفصِّلان على العموم لخاصتيْ الرسائل الظاهرة والمبطنة (التضمينية والتعيينية) بمختلف أنواعها.

ثانيا) بعض مرجعيات شبكات تحليل الصورة

عند تحليل صورة ما، عادة ما تتدخل الذاكرة البصرية لتنتج مجموعات من المعاني... وهو ما يستلزم استجابة مباشرة من جانب المتلقي، أو ما يسمى بالأثر الرجعي (Feed-back)، مما وجب أخذه بعين الاعتبار عند تحليل أي صورة، إلى جانب كونها تصلنا مع اعتمادها على أساليب عدة ومتأثرة بسياقات مجتمعية مختلفة(7). وهو ما ساهم بقسط وافر في تعدد مقاربات تحليل الصور بمختلف أنواعها، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التباين الموجود بين الباحثين حول النماذج أو التقنيات الواجب إتباعها لتحليل محتوى الصور الثابتة.

حيث يعتقد البعض أنه سيكون من المفيد استخدام سيميائية الخطاب (البلاغة مدعومة بالسيميائية) بالتركيز على العلاقة بين النص والصورة (Durand, 1965; Bonsiepe, 1999; Joly 2003)؛ مقابل باحثين آخرين (Carretero, 1997) يعدّونأن الصورة تشكل وحدة دلالية، تتكون من دال ومدلول ودلالة، دون الحاجة إلى اللجوء إلى علم الجمال، كما يقترح ذلك دارسي البلاغة. بينما ترى مجموعة ثالثة من الباحثين (Baraduc, 1993) أن للصورة قواعد نحوية يمكن اعتمادها للكشف عن البنية الداخلية لعناصرها التصويرية (Pictographiques)، أو التشكيلية (Plastiques) (8).

لكل ما سبق،وردت في التراث المتخصص في التحليل السيميولوجي عدة شبكات تحليلية للصورة الثابتة بالذات، تَم اقتراحها من طرف مناهجة تحليليين اعتمد معظمهم على ثلاثية "بارث"(9)في تحليله لصورة إشهارية ثابتة لعجائن إيطالية: رسالة لغوية (Linguistique)، صورة أيقونية غير مرمَّزة/ "تعيينية" ظاهرية/ مباشرة/ حرفية (dénotée/ littérale)، تحمل صورة أيقونية مرمّزة/ "تضمينية/ إيحائية" عير مباشرة (Connotée/ Symbolique/ Codée) ثقافية مشتركة بين المرسل والمستقبل(10). ونخص هنا بالذكر: شبكتيْ "جولي/ Joly"(11)و"جيرفيرو/ Gervereau"(12)، بالإضافة إلى ثلاث شبكات أخرى والتي نقدّمتعريفا موجزا لها فيما يلي قبل اقتراح شبكة تحليلية عامة توجيهية بعناصرها التفصيلية:

- شبكة "مارتين جولي" وتحليل الصورة:

تعتمد في تحليلها على عنصري الدليل التشكيلي والدليل الأيقوني اللذين تعكسهما "العلامة" (Signe)، والتي يمكن النظر إليها من ناحيتين: تمثل الأولى المعنى المباشر/ المرئي(Stricto sensu/ intrinsèque) والثانية المعنى المتسع/الكامن/غير الظاهر(Lato sensu/ extrinsèque) أو النظام الدلالي(13). وتحليل الصورة (الإشهارية) عندها يتم من خلال: السياق، الوصف، الرسالة التشكيلية، الرسالة الأيقونية والرسالة اللسانية، بالإضافة طبعا إلى خلاصة عامة تخص الرسالة الضمنية للصورة (14).

- شبكة "جيرفيرو" لتحليل الصورة:

تعتمد شبكته على تقسيم عملية التحليل السيميولوجي إلى ثلاث مراحل أساسية: الوصف الدقيق للصورة "في ماديتها" وتحضيرا للتحليل: ذكر الخصائص التقنية للصورة (المصدر، الشكل، تقنية التمثيل، الدعامة المادية)، أسلوبها (التركيبة، الألوان، الأضواء...) بمعية وصف موضوعها وكيفية تمثيله (من خلال اللقطات والأشكال والفضاء وعلاقة النص بالصورة)؛ ذكر السياق (القبلي، الحالي والبعدي) الشخصي للمؤلف، المجتمعي والتقني للصورة: أي ظروف إنتاجها واستقبالها وتأثيراتها (من خلال شهادات، نصوص، دراسات...)؛ وتأويل معناها انطلاقا من عناصر تكوينها وسياقها وتحليلات معاصريها ومن تلاهم، وصولا إلى التعبير عن ذاتية المحلل في شكل حوصلة عامة(15). أي باختصار، التعبير عن "ماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟".

- شبكات تحليلية أخرى

بالإضافة إلى الشبكات التحليلية الرئيسة سابقة الذكر، هناك شبكات أخرى، من بينها تلك التي ميز فيها "بانوفسكي" (Panofsky, 1998)(16)بين ثلاثة مستويات من الدلالات، ما قبل- الأيقوني، والأيقوني والتأويل الأيقوني؛ والشبكة المقترحة من طرف "بينتو وآخرون" (Pinto et al.)(17)والتي ضمنوها أيضا ثلاثة مستويات رئيسة لتحليل محتوى الوثائق المرئية: الوصفي والتعريفي/التشخيصي (d’identification) والتأويلي. ومن جهته، ميّز "فايي غاستامينثا" (Valle Gastaminza)(18)بين المستوى المورفولوجي ومستوى المحتوى، قبل أن يضيف إلى هذه المستوياتكل بيانات الخصائص الببليوغرافية: المؤلف، العنوان، التاريخ والمكان، وما إلى ذلك، ويسميها التحليل التشكيلي أو الخارجي. فالصورة عنده ثلاثية المعلومات، تعينية –dénotée- (التي تظهر في التمثيل البصري، من عناصر لفظية وكتابية)، وتضمينية -connotée- (ما يقترحه التمثيل البصري) وسياقية (المشهد الذي يحدث فيه التمثيل البصري)، والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ليكون التحليل كاملا.

بعد عرض هذه النماذج التحليلية لمحتوى الصور الثابتة، نلاحظ أنها تجمع على وجود مستويين: ظاهري مباشر وباطني غير مباشر (بتسميات متشابهة و/أو متباينة)، ولكنها تختلف في الإجراءات أو التقنيات أو الأساليب المستخدمة وفي بعض العناصر التفصيلية المتضمنة في كل مستوى، لتمييز الرسائل المرسلة بواسطة الصور.

سنحاول فيما يلي تقديم نموذج مبسط ومرن البنية وبتفصيلات توفيقية ووظيفية في كل مستوى تحليلي من مستويات تحليل الصورة:

ثالثا) نموذج شبكة تحليلية عامة

سنقدم فيما يلي شبكة تحليلية عامة، معظم عناصرها مستوحاة من نصائح "الدروس المنهجية المفتوحة"(19)المعتمدة أساسا على البنية التحليلية العامة لـ"جيرفيرو" –سابقة الذكر-ومطعمة بمرجعيات أخرى أجمعت –كما مر معنا-على وجود ثنائية ما قد يسمى بـ"التضميني" و"التعييني" واختلفت في إجراءات وتفاصيل مستويات القراءة. وهي موجهة للمبتدئين في تحليل الصور الثابتة للاسترشاد بها، مع مراعاة خصوصية كل صورة:

فلتحليل الصورة الثابتة، يجب إذن المرور بمراحل ثلاث: الوصف والسياق والتأويل، أي:

1. القيام بوصف موضوعي ("ما نراه")

2. وضعها في السياق ("ما نعرفه")

3. التأويل والنقد ("ما نستنتجه")

إنها مراحل تبسيطية، واضحة المعالم والتفاصيل، أحسبها أقل تعقيدا وتركيبا وتداخلا من بعض الدراسات السابقة، ومنها مثلا، "الإجراءات المنهجية لتحليل الصورة الإعلامية الثابتة"، التي عرضتها "بوثلجة وزياد"(20)في سياق تقديمهما لكيفيةاستخدام المنهج السيميولوجي في البحوث الإعلامية المعاصرة(21)؛ و"منهج تحليل الصورة الثابتة" لـ"كامبوثانو رويث"(22)، الذي حصرها في خمسة مستويات: التقني والتشكيلي والدلالي والسياقي والمستوى الأخير الخاص بالنتائج الشاملة(23)؛ و"تحليل الخطاب الإشهاري لـ"حمداوي سعيدة"(24)التي التزمت فيه حرفيا بمقاربة "رولان بارث"، الخ...

وفيما يلي تفصيل عناصر الشبكة التحليلية التوجيهية:

1-الوصف الموضوعي للصورة من خلال "ما نراه" (التحليل الظاهري)

وهو يتكون من عنصرين: تقديم الصورة وعناصرها التشكيلية:

1.1-تقديم الصورة

- نبدأ بتحديد صاحب الصورة ونوعها وموضوعها وتقنية ومادة وظروف إنجازها وشكلها، من خلال الإجابة على الأسئلة الآتية:

• من هو مؤلف الصورة؟

• ما هو تاريخ تصويرها و/ أو نشرها؟

• أين تم نشرها؟ (البلد والوسيلة: جريدة، كتاب، معرض فني، الخ.)، وإذا كانت عبارة عن عمل فني: أين يتم حفظه (متحف...)؟

• ما هو عنوان الصورة؟

• ما التقنية المستخدمة في إنجازها؟

- التصوير الفوتوغرافي،

- الرسم (الفحم، الأقلام الملونة، الباستيل، الخ.)،

- النقش (على النحاس، الخشب، الطباعة الحجرية...)،

-  اللصق،

- الطلاء (زيت، ألوان مائية، أكريليك، الخ.)

   - ...

• هل يمكننا تحديد طبيعة الصورة؟:

- رسم صحافي/ كاريكاتير،

- صورة إخبارية (يمكن أن تكون صورة سياسية، وثائقيّة، الخ.)،

- صورة منفردة؟ مع النص؟ مع الشخصيات؟

- ملصق/لافتة ثقافية أو سياسية أو إعلانية،

- بطاقة بريدية،

- لوحة صور كاريكاتيرية،

- عمل فني (يمكن أن يكون لوحة، صورة فوتوغرافية، رسم، ملصقة، الخ.)،

- ...

• هل تم تغيير شكل الصورة الأصلية؟ بالـPhotoshop(كما تم ذلك مؤخرا مثلا مع صورة زوجة أردوغان بجعلها تعانق سياسي يوناني)؟

• ما الذي يتم تمثيله في الصورة (عناصرها التصويرية الرمزية أو التشخيصية -Figuratifs-/ أو الأيقونية-Iconiques)؟ ما هو موضوعها الرئيس؟:

- شخصيات؟ معروفة أم لا؟ سياسيون؟ نجوم؟ رجال؟ نساء؟ حيوانات؟ ...

- رمز،

- منظر طبيعي...،

- شيء،

- مشهد، معركة، حدث معروف...

- ما طبيعة موضوعها: ديني، علماني، تاريخي، سياسي، إشهاري، الخ.

- هل هناك علاقة بين عنوان الصورة والموضوع؟

من هذه العناصر وغيرها (تبعا لطبيعة الصورة)، يمكن بالفعل إجراء جرد موجز، وعرض الصورة عن طريق تسمية المؤلف والسنة ومصدر الوثيقة والموضوع الرئيس.

وفيما يلي مثالان عن ذلك وبتعليقين متفاوتين في الاختصار ومختلفين، لأن ثانيهما سيعتمد لاحقا كنموذج تحليلي:


غرنيكا (بابلو بيكاسو)

 

الصورة عبارة عن لوحة فنية للإسباني "بابلو بيكاسو" (Pablo Picasso)، رائد المدرسة التكعيبية. وهي لوحة جدارية زيتية (بالأزرق الداكن والأسود والأبيض)، رسمت في باريس(بلد المهجر)سنة 1937على قماش ببعدي 349×776سم. المكان الحالي: متحف الملكة صوفيا (مدريد). وموضوعها تاريخي يعرض معاناة ومأساة ضحايا الحرب ويستهدف التنديد بقصف مدينة (Guernika) الباسكية (شمال أسبايا) أثناء الحرب الأهلية الأسبانية. أما عناصرها، فيعكس تنظيمها شكلا ثلاثيا مركزيا على إطار هرمي متكون من كتل بيضاء متوازنة وأجساد مشوهة (جندي متقطع الأوصال، زهرة، حصان، امرأة...) بزاوية نظر حادة -تكعيبية-مختلفة، قد ترمز إلى الألم والموت والأمل بعد الموت في ليلة القصف.


صورة من "منتدى اللمة الجزائرية"

(https://www.4algeria.com/forum/t/326548/)

 

تبين الصورة مسجدا في قرية صغيرة. ويمكن لطبيعة هندسة المسجد أن تسمح لنا بان نخمن انه مسجدا مشرقيا (الطراز التركي) قرب شاطئ بحيرة وفي سفح جبال. كما يمكن الافتراض أن هذه صورة "فوتوغرافية" تسويقية، في موضوع سياحي.

  2.1-القيام بالتحليل التشكيلي للصورة (كيف تم تقديم الصورة؟)

ما هو التحليل التشكيلي (Analyse formelle) ؟: هو الوصف الموضوعي للعناصر التي تشكل الصورة. أي التحليل الأولي لمكوناتها، وهو يشمل تعريفها، وصفها—ذكر خصائصها-وأحيانا تأويلها الأولي، وذلك من خلال العناصر الآتية:

الشكل (Format): هندسي (مربع، مستطيل...)، الحجم الأصلي للصورة واتجاهها (أفقي-منظر طبيعي-، عمودي).

التأطيرأو تحديد الإطار (Cadrage): للفت الانتباه لعنصر معين من خلال اللقطات التالية (التي تخص تصوير الأشخاص وتحديد حجم عناصرها):

- لقطة إجمالية/ Plan d’ensemble: للوصف العام وتحديد موقع موضوع الصورة،


1: إجمالية

 

- لقطة عامة/ Plangénéral:للسرد، مع تقريب موضوع الصورة أكثر ولفت الانتباه إلى الشخصية أو الموضوع المعني ومحيطه،


2: عامة

 

- لقطةأمريكية(مستوى الفخذ) أو إيطالية (تحت الركبة): للسرد أيضا، مع التركيز أكثر على الموضوع المستهدف،


3: أمريكية،

 

 


4: إيطالية

 

- لقطة متوسطة/Plan Moyen(مستوى المعدة): لتكثيف الحركة والإيماء وجذب انتباه الجمهور،


5: متوسطة

 

 - لقطة مقربة/ Plan rapproché(مستوى الكتف): لإظهار ردود الفعل العاطفية -في حالة تصوير الأشخاص،


6: مقربة

 

- لقطة مكبرة/ Gros plan(مستوى الرأس): ذات قيمة نفسية، عاطفية لإبراز حساسية الشخصية وتحريك مشاعر الجمهور-،


7: مكبرة

 

- لقطة مكبرة جدا: العين(ان)، اليد...-Très gros plan: لعزل إحدى التفاصيل بغية إعطائها قيمة رمزية...

 


8: مكبرة جدا

 

مصدر الصور بتصرف: Sciences Po et OpenClassrooms : 2016/05/25/

مع الإشارة إلى إمكانية استعمال "عدم التأطير" (décadrage)، حيث لا يكون الشخص في المكان المتوقع له أن يكون فيه، أو حيث يضع المؤلف شيئا (أو لا يضع أي شيء) في مكان شيء آخر كنا نتوقع وضعه فيه(25)، وكلاهما بالطبع يختلف عن إطار/سياج (Cadre) الصورة المحدد لها فيزيقيا وعازلها: إطار لوحة فنية، إطار صورة فوتوغرافية، شاشة تلفزيون أو سينما أو حاسوب...

   هذا بالنسبة للصور الخاصة بالأشخاص، أما بالنسبة للصور الأخرى فالاختيار يخضع لمقياس اللقطة (l'échelle du plan) والذي يرتبط بنوعية/طريقة "التركيب" (Composition)(26): ومثالها الصورة الموالية:


Source de l'image: http://www.gratisography.com/ 12/01/2019

 

 • طريقة التركيب (Composition):تخص تنظيم العناصر على مساحة الصورة (فضائها الداخلي)، مع تحديد أهم خطوط بناء الصورة والتي توجه النظر إليها (من اليمن إلى اليسار تبعا للكتابة العربية أو العكس بالنسبة للغات الأوروبية). مع العلم أن الخطوط المائلة تفيد عادة الحركة، والأفقية تعكس الهدوء والاستقرار، والمتقاطعة نقاط القوة، والأشكال الهندسية (مثلث، دائرة...) المفاجأة...وهي تستعمل المجموعات (الأفق، البنية، الخطوط...) المكونة لها وتخضع عادة لقاعدة الأثلاث (تقسيم الصورة إلى تسعة أجزاء متساوية وخاصة في حالة الأشخاص والمناظر الطبيعية)، كما هو موضح في الصور أدناه:

   


الصور مأخوذة من "ويكيبيديا" (موضوع تركيب الصور): 12/01/2019

 

كما يتم تقسيمها عادة إلى ثلاثة أنواع: التركيبة المحورية (axiale) التي تقدم المنتج في محور/خط الرؤية ووسط الرسالة (تستعمل خاصة في الإشهار لمنتج جديد)، والتركيبة المركزة (focalisée) التي تقدم المنتج خارج محور الصورة،والتركيبة التتابعية/ التسلسلية (séquentielle) التي تقول عنها (جولي/ Joly)(27)أنها تقدم في شكل حرف (Z)انطلاقا من أعلى اليسار... (تبعا لاتجاه القراءة في اللغات الأوروبية طبعا).

الفضاء(L’espace): هو ترتيب العناصر في عمق الصورة والتعبير عن الحجم، من خلال تكبير/ توضيح حجم العناصر –للدلالة عن القرب ولفت الانتباه-أو تصغيرها/عدم وضوحها –للدلالة عن البعد-.

الضوء(Lumière)/ الإضاءة(L’éclairage): من أين يأتي؟ (لتحديد الاتجاه)، ما كثافته؟ (لتحديد الشدة)، هل هو طبيعي أم اصطناعي؟، ضوء النهار/ الليل؟، الداخل/ الخارج؟، الشمعة/ المصباح؟ (لتحديد المصدر)، ضوء منتشر (يفصّل الظلال ويعطي بعض النمذجة للأشخاص ويخفف سماتوجوه الأشخاص)، ضوء مباشر/ غير مباشر (نظرة خام على الشخصية) ... لتحديد نوعيته.

الألوان: يعبّر غياب الألوان (أو الأسود والأبيض واللّويْنات الرمادية) عن الشكل الدرامي للأشخاص/ القديم، اللازمني؛ أما وجود الألوان فاستعماله متعدد: -سيادة ألوان دافئة أو حارة (أحمر، برتقالي، أصفر، برتقالي مصفّر أو محمّر...) للتعبير عن الدفء والحرارة لجلب النظر؛ -سيادة ألوان باردة (أزرق، أخضر، بنفسجي، أخضر مزرق...) للتعبير عن البرودة والمسافة؛ كثافة الألوان الزاهية؟ ذات رمزية متعددة: الأبيض (النقاء، النظافة، البراءة)، الأسود (الليل، المحنة/ الاستغاثة، الأناقة...)، الأحمر (الحب، الشغف، الخطر...)، الأزرق (الهدوء/ السكينة، اللانهاية، الصفاء) ... ولكن مع وجوب الحذر عند تأويلها لاختلافها أحيانا باختلاف الثقافات والأزمنة، والأمر نفسه بالنسبة لتأويل دلالات التأطير وزوايا الرؤية... ولكن لأسباب أخرى.


الشكل رقم 1: دائرة تعكس نماذج عن الألوان الدافئة/ الحارة والباردة

 

النص (علاقة النص بالصورة): ما وظيفة النص بالنسبة للصورة؟ هل هو تسميتها التوضيحية (Légende) ماذا يضيف لفهمها؟ ما موقعه في الصورة (أعلى، أسفل، أعلى يمين/ يسار، أسفل يمين/ يسار...)؟ هل يغير من معنى الصورة؟ هل هناك فجوة بين النص والصورة؟ ...

- ما خصائصه الطباعية (Typographie)؟: الحجم، الخط، اللون، مخطوطة أو مطبوعة.

- طبيعة النص: عنوان، حوار ...

- من يكلم من؟ (شخص يكلم نفسه، يتكلم مع متفرج، مع شخص غير مرئي، صوت معلِق...).

- نمط النص: إعلامي، محفز، عبارة عن محاكاة صوتية، لغة أجنبية، فكاهية، استفزازية... ما مستوى لغته؟ ...

- العلاقة بين النص والصورة: هل يعكس النص ما يرى في الصورة؟، هل يتناقض معه؟، هل يزيد من قيمتها أم لا؟ ...

اللمسة(Touche)/ السيمات (Traits): يتعلق الأمر بملاحظة آثار التقنية المستعملة: مناطق كبيرة من الرسم المسطح أو المعجن، ذي لمسات صغيرة وقصيرة (نقطية، على سبيل المثال)، عدم وجود لمسات (رسم كلاسيكي محدث)... إيماءات/ لفتات "ظاهرة" (Gestuelle apparente) توحي عادة برسم عاطفي أكثر، و"غير ظاهرة" تكون نتيجتها أكثر برودة وغير شخصية/ مجهولة. هل مادة الرسم سميكة أم شفافة؟ هل هي عبارة عن رسم في شكل أثر دائري، ظلال مطْمَسة، صورة وصفية، تحزيزات؟ رسم فوتوغرافي (فضي، رقمي، حبيباتي، نقطي...)؟

الزاوية (زاوية الرؤية والتقاط النظر): هي موقع المؤلف من الموضوع (زاوية رؤيته لموضوع صورته). وهو بذلك يشير إلى نوعية علاقته بالموضوع من خلال توظيف الزاوية المناسبة لعرض الفكرة: فزاوية التصوير تعطي جودة الصورة وقوتها: الزاوية العادية/ الوجاهية (العين -وكذا الجمهور- عند نفس المستوى: Vue Frontale) للدلالة على الموضوعية؛ الزاوية الغائصة/الفوقية (العين فوق: En plongée) للإشارة إلى هيمنة الجمهور والتقليل من شأن الموضوع؛ أو التحتية/ المنخفضة (العين تحت/ من الأسفل إلى الأعلى: En contre-plongée) للإشارة إلى جمهور خاضع وإعطاء إحساس من نبل وتفوق وقوة الموضوع؛ أو المائلة (Inclinée) لزيادة حدة بعض الآثار المرغوبة.مع الإشارة إلى أنه يمكن تأويل دلالات هذه الزوايا بطريقة عكسية.

   إن هذه الشبكة التحليلية ليست شاملة (جامعة مانعة) ... فهي عبارة عن مؤشرات وعموميات إرشادية، يمكن الاستفادة منها بتطويرها وتخصيصها تبعا لطبيعة الصورة موضوع التحليل.

 2-وضع الصورة في سياقها (التحليل الموضوعي)

الصورة هي التمثيل المرئي لحدث أو رأي، أو رؤية شخصية حول موضوع ما. وترتبط رؤية أو تفسير المؤلف دائمًا بزمانه، أي بالسياق السياسي والاقتصادي والثقافي لفترة ما. وتتمثل وظيفته (أو وظائفه) أحيانًا في إقناع أو انتقاد أو تمثيل حدث أو شخص. لذلك يجب وضع الصورة في سياقاتها (Mise en contexte) المختلفة (المصدرية، الفنية والمجتمعية) لفهمها.

لكن كيف يمكن القيام بذلك؟

لدراسة السياق، ينصح بملاحظة أربعة عناصر:

• المؤلف: من أنجز الصورة وما هي علاقتها مع تاريخه المهني (ربما الشخصي)؟

• الراعي (الذي كلف بإنجازها): من رعى الصورة؟ فرد؟ وكالة إعلانات؟ صحيفة؟ الحكومة؟ ما هو التوجه السياسي للراعي؟ ...

• السياق الفني والتقني: ما هو السياق الفني (الحركة الفنية على سبيل المثال) أو التقني للصورة؟

• السياق التاريخي والسياسي والاقتصادي والثقافي: في أي عام/ فترة تم إنجاز هذه الصورة: فترة الحرب، الأزمة الاقتصادية، الحرب الباردة؟ ... باختصار، ما الذي تعرفه عن سياق إنشاء الصورة؟

3-التأويل(Interpréter)

بعد التحليلين الظاهري والموضوعي، نحتاج إلى تأويل الصورة وفهمها (إعطاء معنى للصورة). أي نحاول تحديد كيفية عمل الصورة في سياقها والتعبير عن رأينا فيها، من خلال نقدها. والمقصود تأويل الصورة بالذات (الآثار التي تركتها فعليا) وليس نوايا صاحبها فقط، لأن عملية الإبداع معقدة وتشمل أيضا لاشعور (العقل الباطني) صاحبها. إذا كان المعلن ينوي إنشاء صورة لنقل رسالة أو عدة رسائل محددة، يجب أن ندرك أن مشروعه لا ينجح دائمًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن أصحاب الصور عادة ما يعبرون عن آراء أكثر من رغبتهم في مجرد التواصل.

فتحليل الصورة إذن، يعني وضع أنفسنا في مكان المتلقي، وحينها نحتاج للإجابة على الأسئلة التالية:

• ما هي وظيفة (وظائف) هذه الصورة؟

• ما هي الرمزية التي تظهر من الصورة؟

• كيف تتحدث إلينا هذه الصورة؟

للمساعدة في الإجابة ، نحتاج عادة إلى:

• في حالة الإعلان/ الإشهار، على سبيل المثال، تحديد الهدف (من هو المستهدف من هذه الصورة، ولماذا يستهدف هذا الجمهور بهذه الطريقة أو تلك؟). لأن ذلك سيساعد في الحصول على سياقها وفهما.

• البحث عن المعاني الممكنة للتحليل الظاهري، المنجز في المرحلة السابقة.

• البحث عن الصور الأخرى التي قد تساعد المقارنة معها على توضيح معاني الصورة التي يتم تحليلها.

• القيام بالتأويل بالاعتماد على الوصف الدقيق واستخدام الأفعال التالية:

- ترمز الصورة إلى... / تذكرنا بـ ... / تشير إلى .../ توحي لنا بـ...

- تقترح الصورة ...

- تعطي الصورة انطباعًا عن... (الجدية، الجاذبية...)

- تعبر الصورة عن شعور...

 

 

4-خاتمة

يمكن تضمينها عادة ما نظن أن صاحب الصورة أراد التعبير عنه وما عبرت عنه فعليا، وهل عكس بذلك ذاتيته، مع ذكر الأهمية الفنية للصورة مدعمة بآراء المعاصرين من النقاد والمحللين، بالإضافة إلى انطباعات شخصية حصيفة.

رابعا) نموذج شبكة تحليلية للصور الثابتة

لتشخيص ما تم عرضه سابقا، نقترح فيما يلي جدولا توضيحيا يعكس نموذجا عاما لشبكة تحليلية تتضمن مجمل العناصر التي تم عرضها أعلاه:

 


جدول رقم03: نموذجشبكة تحليلية لصورة منظر طبيعي

 

عناصر التحليل

التحليل

 

مقدمة 

تقديم موضوع التحليل وعناصره (الواردة أدناه): الوصف الظاهري، السياق المصدري والفني والمجتمعي، التأويل والانطباعات الذاتية.

1

الوصف الظاهري للصورة (ماذا؟)

 

- تقديم الصورة: تحديد نوع الصورة وصاحبها وموضوعها وتقنية ومادة وظروف إنجازها وشكلها...

- التحليل التشكيلي للصورة: التحليل الأولي للعناصر التالية: الشكل، التأطير، التركيبة، الفضاء، الإضاءة، الألوان، علاقة النص –إن وجد-بالصورة، زاوية الرؤية...

2

السياق (كيف؟)

 

 

 

وضع الصورة في سياقاتها المصدرية، الفنية والمجتمعية:

• التعريف بصاحبها وبمن كلّف بإنجازها –إن وجد-

• التعريف بالسياق الفني والتقني

• التعريف بالسياق التاريخي والسياسي والاقتصادي والثقافي...

3

التأويل والفهم (لماذا؟)

 

التأويل الشخصي للصورة بالذات واستنتاج نوايا صاحبها من خلال ذكر:

• وظيفة (وظائف) الصورة

• رمزية الصورة ودلالاتها التعبيرية

 

خاتمة

ذكر الأهمية الفنية للصورة مع الانطباعات الشخصية والغيرية

 

المصدر: إعداد شخصي مبني على معطيات عناصر الشبكة التحليلية المذكورة سابقا

جدول رقم03:  شبكة تحليلية لصورة المنظر الطبيعي المذكور أعلاه وفق النموذج السابق

 

عناصر التحليل

التحليل

 

مقدمة 

يتمثل موضوع التحليل في صورة ثابتة  غير مرفقة بنص لمنظر طبيعي، سيتم تحليله من خلال الوصف الظاهري للصورة، وذكر سياقها ومحاولة فهمها وتأويلها وذكر انطباعاتنا حولها:

صورة من منتدى اللمّة الجزائرية (https://www.4algeria.com/forum/t/326548/)

1

الوصف الظاهري للصورة (ماذا؟)

 

 

- تبين الصورة مسجدا في قرية صغيرة. نشرت -غير مرفقة بنص- في منتدى "اللمّة" الجزائرية" (قسم الصور والتسلية)(28). ويمكن لطبيعة هندسة المسجد أن تسمح لنا بأن نخمن انه مسجد مشرقي (الطراز التركي) قرب شاطئ بحيرة وفي سفح جبال. كما يمكن الافتراض أن هذه صورة "فوتوغرافية" تسويقية، في موضوع سياحي...

- تعتبر لقطة الصورة لقطة "إجمالية" استخدمت للوصف العام لمنظر طبيعي وتحديد موقعه. أما عناصرها، فيعكس تنظيمها خطوطا مائلة تفيد الحركة والوجهة (اتجاه الجبال ومسار الطرق نحو الماء) وخطوط متقاطعة (عند المسجد) تفيد نقطة قوة مركزية وسط فضاء أخضر (باتجاه الجمهور المسلم المستهدف أساسا)، مع استعمال مجموعات متباينة: أفق غير مكتمل، عناصر بنيوية: مركز وأطراف، خطوط مائلة، أفقية وعمودية... وتركيبتها "محورية" تستجيب لمتطلبات الإشهار عن موقع سياحي "جديد" (في الغالب) وقد يكون "بعيدا/ نائيا" بحكم ترتيب العناصر في عمق الصورة وبفعل استعمال الألوان الباردة، و"مريحا وهادئا" بحكم غلبة اللون الأخضر المتوسط لزرقتي السماء الصافية والماء الراكد وكثرة الفضاءات  (الخضراء) الخالية (من العمران).

أما إضاءة الصورة فهي طبيعية وغير كثيفة، بفعل ضوء النهار المنتشر (يفصّل الظلال لنمذجة عناصر الصورة المحورية: سفح جبل أخضر، مساحات خضراء قليلة العمران، مسجد، شاطئ...).

أما زاوية التقاط الصورة فقد تُوحي بفوقيتها إلى نظرة بانورامية غائصة ومهيمنة لجمهور  مدعو لاكتشاف تفاصيل موضوع الصورة.

 

 

2

السياق (كيف؟)

 

 

 

 

لوضع الصورة في سياقها من خلال تمثيلها المرئي، يمكن القول أن هذا الأخير يشير إلى موضوع التسويق السياحي –خارج المدن الكبرى-بسياقيْه الاقتصادي والثقافي للفترة الحالية. وتتمثل وظيفته الرئيسة في إقناع الجمهور بزيارة البلد -ككل-للتمتع بمناظره الطبيعية -خاصة-ممثلة في الصورة (بعناصرها المحورية المذكورة أعلاه) كنموذج وليس بزيارة موقع معين، فالصورة لم تحدد اسم الموقع السياحي، ولذلك قد تكون من تكليف هيئة حكومية أو اتحاد وكالات السياحة مثلا...

3

التأويل والفهم (لماذا؟)

 

 

من خلال عناصر الوصف الظاهري للصورة وسياق تمثيلها المرئي، يمكن القول أن صاحبها و/ آو راعيها أراد التسويق للسياحة في بلده مستهدفا جمهورا "من البلدان المسلمة" –في الغالب-أو جمهور "استكشافي" يرغب في زيارة أماكن نائية، هادئة و/ أو ذات سياقات مجتمعية مغايرة لواقعه الاعتيادي.

 بالإضافة إلى ذلك، فالصورة توحي إلى كون الجمهور المستهدف -مهما كان مصدره-مدعو إلى زيارة أماكن خارج المدن السياحية الكبرى بغض النظر عن اسم الوجهة المحلية (فالصورة لم تحددها)، ومقابل ذلك، فالصورة ترمز إلى عدة عناصر محورية رمزية تم استعمالها لجذب الجمهور المستهدف: سفح جبل أخضر، مساحات خضراء قليلة العمران، مسجد، وشاطئ... وكلها عناصر توحي لنا بالراحة والاستجمام... مع عدم الاغتراب الروحي بالنسبة للبعض (المسلمين) وتلبية بعض روح الفضول والاستكشاف بالنسبة للبعض الآخر...  

 

خاتمة

 

نظن أن صاحب الصورة و/ أو راعيها أراد التعبير عن وجود وجهات سياحية في بلاده غير تلك التي اشتهر بها في المدن الكبرى، معبرا عن وجود أماكن طبيعية جذابة للجمهور "الآخر" الراغب في الهدوء والسكينة الفيزيقية والروحية، مع تلبية رغباته الاستجمامية والاستكشافية بعيدا عن ضوضاء المدن. وأقدر انه وفق في اختيار المكان المصور بنظرته "البانورامية" لنموذجيته التشكيلية (جبال، مساحات خضراء، مسجد وشاطئ)، إلى حد قد يوحي أن الصورة مركبة ومعدلة معلوماتيا بتقنية الفوتوشوط ... لأنه من الصعب توافر كل العناصر الجذابة بطريقة طبيعية في مكان واحد.

 

المصدر: إعداد شخصي مبني على عناصر الشبكة التحليلية السابقة


خاتمـة

يحتوي أي خطاب بصري تواصلي، كالصور الثابتة، على معاني ظاهرة مباشرة وأخرى ضمنية غير مباشرة.  وهو ما يستدعي دراستها وتحليلها. ولتيسير ذلك اجتهد بعض الدارسين في وضع شبكات تحليلية تعكس هذين المستويين المعنويين في خطوات أو مراحل تطبيقية، تم اعتماد بعضها هنا كمرجعيات للتحليل السيميولوجي للصور الثابتة، بغية نمذجتها سردا تمّفي جدول مبسط ووظيفي قوامه: مقدمة وخاتمة، يتخللهما وصف ظاهري وسياق وتأويل (مرفق بمثال تطبيقي)، نحسب أن منهجيته المرنة والتوفيقية بعناصرها المحورية ستكون مفيدة لتحليل الصور الثابتة، مع الإشارة طبعا إلى أن لكل صورة خصوصيتها وبالتالي انقرائيتها التفصيلية الخاصة.

 الهوامش

1- https://fr.wiktionary.org/wiki/s%C3%A9miologie  &  https://fr.wiktionary.org/wiki/-log%C3%ADa

2- TABUCE, Bernard, Résumé du cours ‘E 12 MCC SÉMIOLOGIE DE L’IMAGE’, année universtaire 2008-2009, p.8. In: http://asl.univ-montp3.fr/L108-09/S1/E12SLMC1/RESUME_COURS_IMAGE.pdf.

3- Ibid., p.9.

4-أما في بعض التراث المتخصص، فقد لا تكون الصورة –حسب "إيكو" (U. Eco) -عبارة عن "نسخ" لشيء بل عبارة عن عملية "تحويل" لشيء، أو "إعادة بناء" له، حسب مجموعة µ (مو) (TABUCE: 2008-2009, 18).

5- و هي معاني مختلفة بالطبع عن ما يعرف بالصورة التي تتكون في أذهان الناس عن المؤسسات أو الديانات أو  بعض الشخصيات... وقد تكون مؤسسة (تعبّر عن واقع) أو مفبركة، وتوصف عادة بالذهنية.

6- JOLY Martine, "Introduction à l'analyse de l'image", Collection 128, Paris, Armand Colin, 2014, 44-45.

7- ACAL DíAZ Inmaculada, Metodologías para el análisis de la imagen fija en los documentos…Revista General de Información y Documentación. Vol. 25-2 (2015) 428.

8- Ibid. p.430.

9- BARTHES Roland, Rhétorique de l'image. In: Communications, 4, 1964, pp.42-43. Recherches sémiologiques. pp. 40-51. Voir : www.persee.fr/doc/comm_0588-8018_1964_num_4_1_1027: 1964, 42-43

10-مع إقراره بسهولة فصل ما هو "لساني" عن ما هو "أيقوني"، وبصعوبة الفصل بين الأيقوني المرمز والأيقوني غير المرمز (TABUCE: 2008-2009, 16-17). وتجدر الإشارة هنا، إلى أنني أتحفظ على لاحظت ترجمة عربية غريبة للصفتين: dénotée/ بالتضميني وconnotée/ بالتعييني (كما وردتا عند "بارث")، ولذلك ذكرت في المتن مترادفات دلالية لكل منهما بالفرنسية والعربية بين قوسين... لأنه كثيرا ما يتبادر لأول وهلة من الظاهر اللفظي لكلمة "تضميني" أنها تشير إلى ما هو ضمني أي مرمّز وغير مباشر (وليس للمتضمن ظاهريا)، ولكلمة "تعييني" إلى ما هو معيّن ومقصود بعينه، أي ظاهر، مباشر وغير مرمز (حرفي: Littéral).

11- JOLY, Martine, Op. Cit. 44-45.

12- GERVEREAU Laurent, Voir, comprendre, analyser les images, Paris, La Découverte, 1994, 192 p.

13- Thiéblemont-Dollet, Sylvie, « Martine JolyL'image et son interprétation », Questions de communication [En ligne], 3 | 2003, mis en ligne le 01 juillet 2003, consulté le 24 novembre 2018. URL: http://journals.openedition.org/questionsdecommunication/7557.

14- JOLY, Martine, Op. Cit. 73-93.

15- https://www.decryptimages.net/grille-d-analyse-des-images, consulté le 12 janvier 2019.

16- PANOFSKY, Erwin, El significado de las artes visuales. Madrid: Alianza. 1998.

17- PINTO MOLINA. María; GARCÍA MARCO, F. Javier; AGUSTÍN LACRUZ, Mª del Carme), Indización y resumen de documentos digitales y multimedia. Técnicas y procedimientos. Gijón (Asturias): Trea. 2002, 105-122.

18-  VALLE GASTAMINZA, Félix del, “Indización y representación de los documentos visuales y audiovisuales”, en José López Yepes Manual de Ciencias de la Documentación. Madrid: Pirámide, 2002, 429-430.

19- Sciences Po et OpenClassrooms, Conseils pour analyser une image (fiche méthodologique), quatrième. Publié le 25 mai 2016 à 14h46 - Mis à jour le 25 mai 2016 à 15h10. In: https://www.lemonde.fr/campus/article/2016/05/25/conseils-pour-analyser-une-image_4926285_4401467.html

20-بوثلجة نجاة وشهيناز زياد: استخدام المنهج السيميولوجيفي البحوث الإعلامية المعاصرة-الصورة الإعلامية الثابتة نموذجا-"، مجلة المعيار، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، الجزائر، العدد35، 407-414.

21-حيث تم عرضها في ثلاثة مراحل توليفية: وصف/ تعيين/ تضمين، مع اعتماد عناصر "جيرفيرو وسولار" الوصفية (التقنية، الأسلوبية، الموضوعية)، وجعل التعيين يشمل كل المستويات التحليلية لـ"جولي" (التشكيلي، الأيقوني، اللساني)! وجعل التضمين بمعنى السياق ويلي التعيين ومن دون أدنى تفكيك له (ص.414) بدلا من تقدّمه وحمْله-تبعا لـ"بارث"-كما مرّ معنا وللمعنى اللغوي المعتمد للكلمتين.

22- CAMPUZANO  RUIZ, Antonio, Tecnologías Audiovisuales y Educación. Una visión desde la práctica. Madrid, España, Ediciones Akal. 1992, Pp. 93- 110. In: http://investigacion.ilce.edu.mx/panel_control/doc/c42lectura2.pdf.

23-بحيث جعل المستوى التقني يشمل مواد تقنية (تتطلب معرفة بتكنولوجيا السمعي البصري: الأجهزة والتقنيات) // والمستوى التشكيلي يشمل الضوء واللون والبنية التركيبية، زاوية الرؤية وملمس الصورة// والمستوى الدلالي يشمل ما هو كائن أو ظاهر من المعاني (بمستوياته الثلاثة: الأولي، الثانوي ومستوى المحتوى)، ما هو مخفي، وما هو كائن لكنه لا يبدو كذلك لأول وهلة؛ بالإضافة طبعا إلى السياق والنتائج الشاملة CAMPUZANO RUIZ، Op. Cit., 94-101)). وهي تبدو في تقديرنا معقدة، غير متوازنة وغامضة أحيانا.

24-حمداوي سعيدة، الخطاب الإشهاري في ضوء المقاربة الحجاجية، مجلة دراسات معاصرة، المركز الجامعي تيسمسيلت، الجزائر، المجلد3، العدد1، 02/01/2019، ص ص. 74-81.

25- TABUCE, Bernard, Op. Cit., p.23.

26- SATORY, S., Comment analyser une image? In : http://www. clg-roquepertuse.ac-aix-marseille.fr/spip/sites/www.clg-roquepertuse/spip/IMG/pdf/Comment_analyser_une_IMAGE_2.pdf. Consulté le 24 janvier 2019.

27- TABUCE, Bernard, Op. Cit. P. 24.

28- https://www.4algeria.com/forum/t/326548/. Consulté le 15 janvier 2019.

@pour_citer_ce_document

فضيل دليو, « شبكة تحليل الصور الثابتة: نمذجة بيداغوجية لبعض المرجعيات السيميولوجية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 21-33,
Date Publication Sur Papier : 2019-12-26,
Date Pulication Electronique : 2019-12-26,
mis a jour le : 02/02/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6237.