دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي العربي وتأثيره على الثقافة السياسيةThe role of social networks in the Arab political movement and its impact on political culture
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°04 Vol 16- 2019

دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي العربي وتأثيره على الثقافة السياسية

The role of social networks in the Arab political movement and its impact on political culture
ص ص 34-48
تاريخ الإرسال: 2018-08-18 تاريخ القبول: 2019-12-18

هناء قيصران
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie
هدفت الورقة إلى معرفة دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي العربي،  وتأثيره على الثقافة السياسية، حيث توصلت الدراسة إلى أن لشبكات التواصل الاجتماعي دورا هاما في الحراك السياسي العربي، وذلك من خلال قدرتها على حشد وتوجيه المتظاهرين، وكسر حاجز الخوف لديهم، حيث أصبحوا على درجة عالية من الاقتدار السياسي، والكفاءة، والفاعلية السياسية، من خلال ما تنشره هذه الشبكات من: معلومات، وأفكار، وتوجهات، وقيم سياسية، ساهمت في إنجاح المرحلة و الانتقال من الركود إلى/ الوعي السياسي، ومن ثقافة الخوف إلى/ ثقافة سياسية مشاركة، يدرك من خلالها الأفراد أهمية مشاركتهم في العملية السياسية، وتجعلهم على دراية، ووعي بحقوقهم، وواجباتهم اتجاه وطنهم، و أكثر ولاء، وانتماء إليه.
الكلمات المفاتيح: شبكات التواصل الاجتماعي، الحراك السياسي العربي، الثقافة السياسية، المشاركة السياسية، المعرفة السياسية، الوعي السياسي، الهوية الوطنية.

Le but de ce travail a pour connaître le rôle des réseaux sociaux dans le mouvement politique arabe et son impact sur la culture politique. L'étude a révélé que les réseaux sociaux jouent un rôle important dans le mouvement politique arabe par sa capacité à mobiliser et guider les manifestants, brisant la barrière de la peur qu'ils ont, où ils sont devenus la un haut degré de professionnalisme politique, l'efficacité et Fiabilité politique, à travers ce qui est publié par ces réseaux d'information, idées, tendances et valeurs politiques, a contribué au succès de la transition de la récession vers la conscience politique et d'une culture de la peur à la participation de la culture politique, Grâce à laquelle les individus reconnaissent l'importance de leur participation au processus politique, et les rendent conscients de leurs droits et leurs devoirs envers leur nation, et les rendent plus fidèles et appartenant à leur patrie.

Mots-clés : réseaux sociaux, mouvement politique arabe, culture politique, participation politique, savoir politique, conscience politique, identité nationale.

The paper aimed at knowing the role of the social networks in the Arab political movement and its impact on the political culture. The study concluded that social networks play an important role in the Arab political movement through their ability to mobilize and guide demonstrators and break the fear barrier. It becomes in high degree of political competence, efficiency and political effectiveness, through the dissemination of these networks of information, ideas and political trends and values, which contributed to the success of the transition from recession to political awareness, and from the culture of fear to a culture of political participation, through which individuals recognize the importance of their participation in the political process, and make them known  and aware of their rights and duties towards their homeland, and make them more loyal and belonging to their homeland.

Keywords: social networking, Arab political mobility, political culture, political participation, political knowledge, political awareness, national identity.

Quelques mots à propos de :  هناء قيصران

جامعة محمد خيضر بسكرةnanoukisrane07@gmail.com

المقدمة

أحدثت شبكات التواصل الاجتماعي تطوراً كبيراً ليس فقط في تاريخ الإعلام، وإنما في  مختلف مجالات الحياة، فبعدما شكلت في بداية الأمر وسيلة مخصصة للتواصل بين المستخدمين في جميع أنحاء العالم، امتد تأثيرها ليشمل جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و لا سيما السياسية، حيث فتحت هذه الشبكات المجال للأفراد، والتجمعات والتنظيمات، لإبداء آرائهم، ومواقفهم في القضايا والموضوعات السياسية التي تهمهم، كما ساعدتهم في أن أمدتهم  بقنوات جديدة للمشاركة في الأنشطة السياسية، الأمر الذي جعل من السياسة شأنا عاما، يمارسه معظم أفراد الشعب عبر هذه المواقع، من خلال إتاحة المجال لتحفيز وتحريك الرأي العام وللتفاعل، وهو ما حدث في المنطقة العربية التي شهدت الحراك السياسي، والذي كان له تأثير في تحقيق ثقافة سياسية جديدة.

لذا من خلال هذا المنطلق نناقش في هذه الورقة الإشكالية التالية: ما دور شبكات التواصل الاجتماعي في دعم الحراك السياسي العربي وتأثيرهما على الثقافة السياسية؟

لتتفرع عن هذه الإشكالية التساؤلات التالية:

-ما مفهوم كل من؛ شبكات التواصل الاجتماعي، والحراك السياسي العربي، والثقافة السياسية؟

-فيما تمثل واقع الثقافة السياسية قبل الحراك السياسي العربي؟

-كيف أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تنشيط الحراك السياسي العربي؟ وهل أثر ذلك على الثقافة السياسية؟

للإجابة عن هذه الإشكالية والتساؤلات الفرعية نتبع العناصر التالية:

المحور الأول: الإطار المفاهيمي للدراسة.

المحور الثاني: واقع الثقافة السياسية قبل الحراك السياسي العربي.

 المحور الثالث: علاقة شبكات التواصل الاجتماعي بالحراك السياسي العربي وتأثيره على الثقافة السياسية.

المحور الأول: الإطار المفاهيمي للدراسة

أولا: ماهية شبكات التواصل الاجتماعي

1.                       تعريف شبكات التواصل الاجتماعي

تعرف موسوعة ويب أوبيديا شبكات التواصل الاجتماعي Social networks بأنها عبارة تستخدم لوصف أي موقع على الشبكة العنكبوتية يتيح لمستخدمه وضع صفحة شخصية عامة معروضة، تتيح إمكانية التواصل بين المستخدمين(1).

كما يعرف (زاهر راضي) شبكات التواصل الاجتماعي أنّها: منظومة من الشبكات الالكترونية التي تسمح للمشترك فيها بإنشاء موقع خاص به، ومن ثم ربطه عن طريق نظام اجتماعي الكتروني مع أعضاء آخرين، لديهم الاهتمامات، والهوايات نفسها (2).

من خلال التعريفين السابقين نستنتج أن شبكات التواصل الاجتماعي تستخدم لوصف المواد المعلوماتية الموجودة على الانترنت، والتي تتيح للمستخدمين الذين لهم الاهتمامات والهوايات نفسها خدمة، فتح، وعرض صفحة شخصية، من أجل التعارف فيما بينهم، على الرغم من أن شبكات التواصل الاجتماعي تتيح فرصة أيضا للتواصل بين المستخدمين الذين لهم اهتمامات، وهوايات مختلفة من أجل الانفتاح أكثر على العالم.

     لذا عرفت شبكات التواصل الاجتماعي على أنها مواقع الكترونية على الشبكة العنكبوتية، تؤسسها وتبرمجها شركات كبرى لجمع المستخدمين، والأصدقاء، لمشاركة الأنشطة، والاهتمامات، وللبحث عن تكوين صداقات وعن اهتمامات وأنشطة لدى أشخاص آخرين(3).

     بمعنى أن شبكات التواصل الاجتماعي هي مجموعة مواقع على شبكة الانترنت، تؤسسها وتصممها شركات وأشخاص، تتيح فرصة التواصل بين الأفراد، لتكوين الصداقات وللبحث عن اهتمامات أو أنشطة أخرى يستفاد منها.

    كما يعرف ( الديلمي ) شبكات التواصل الاجتماعي على أنها شبكات تفاعلية تتيح التواصل لمستخدميها في أي وقت، وفي أي مكان في العالم، تتيح فرصة تبادل الصور والآراء مع إمكانية توطيد العلاقات الاجتماعية بينهم(4).

التعريف الإجرائي: من خلال التعريفات السابقة نستنتج أن شبكات التواصل الاجتماعي هي مواقع على شبكة الانترنت، يتم من خلالها إنشاء صفحة شخصية أو مجموعة تتيح للأفراد فرصة التواصل والتفاعل، وتبادل المعلومات والآراء والمهارات.

2.                       خصائص شبكات التواصل الاجتماعي: لشبكات التواصل الاجتماعي جملة من الخصائص أهمها:

·  الشمولية: حيث تلغي الحواجز الجغرافية والمكانية، وتلغي من خلالها الحدود الدولية، حيث يستطيع الفرد في الشرق التواصل مع الفرد في الغرب، من خلال الشبكة بكل سهولة.

·  التفاعلية: فالفرد في شبكات التواصل الاجتماعي مستقبل وقارئ، مرسل وكاتب ومشارك، فهي تعطي حيزا للمشاركة الفاعلة من المشاهد والقارئ.

·  تعدد الاستعمالات: مواقع التواصل الاجتماعي سهلة ومرنة، ويمكن استخدامها من قبل الطلاب في التعليم، والكتاب للتواصل مع القراء، وأفراد المجتمع للتواصل بينهم.

·  سهولة الاستخدام: فالشبكات الاجتماعية تستخدم بالإضافة للحروف وبساطة اللغة، الرموز والصور التي تسهل للمستخدم نقل فكرته والتفاعل مع الآخرين.

·  اقتصادية في الجهد والوقت والمال: في ظل مجانية الاشتراك والتسجيل فالكل يستطيع امتلاك حيز على شبكة للتواصل الاجتماعي، وليس ذلك حكرا على أصحاب الأموال، أو حكرا على جماعة دون أخرى (5).

   ولكن رغم الخصائص المتعددة التي تتميز بها هذه الشبكات، إلا أنها لا تخلو من السلبيات، التي من بينها انعدام الخصوصية، وإضاعة الوقت، والعزلة عن العالم الواقعي، ونشر الإشاعات، وضعف مصداقية المعلومات التي تنشرها في بعض الأحيان.

3.                       أشكال شبكات التواصل الاجتماعي: والتي من أهمها:

·  الفيسبوكFacebook: هو خدمة على شبكة الانترنت تسمح للأفراد من تكوين ملف شخصي لهم، في إطار نظام يحدده الموقع، يسمح لمستخدميه التواصل مع الآخرين الذين يشتركون معهم في الاتصال، كما تتيح للأفراد خدمة تبادل الآراء مع المستخدمين سواء الموجودين في قائمة الاتصال أو في صفحات ومجوعات يتم إنشاءها في هذا الموقع(6) .

·  تويترTwter: هو شبكة اجتماعية تقدم خدمة تدوين مصغر، بحيث يمكن لمستخدميه إرسال رسالة لا تتعدى 140 حرف، سواء عن طريق تويتر مباشرة، أو عن طريق التطبيقات الخارجية التي يقوم بها المطورون(7).

·  يوتيوبYoutup: هو مكتبة فيديو، يمكن من خلالها مشاهدة الأحداث والبرامج وغيرها من الخدمات، وذلك من خلال البث الشبكي(8).

·  موقع فليكر Flicker: هو موقع لهواة التصوير على الإنترنت، ولمشاركة الصور، وحفظها، وتنظيمها، كما يتيح هذا الموقع لمستخدميه خدمة التعامل للمستخدمين عن طريق تخصيص مساحة للتعليق، كما تتيح أيضا فرصة حفظ الصور، بحيث يستطيع أي متصفح للموقع مشاهدتها، ويمكن لمن يقوم بتحميل الصور أن يجعلها خاصة بحيث لا تتاح فرص الاطلاع عليها إلا لصاحب الحساب، أو لمن يسمح له بذلك(9).

ثانيا: ماهية الحراك السياسي العربي

   قبل التطرق إلى تعريف الحراك السياسي العربي، لابد من توضيح نقطة مهمة، ألا وهي أن الأحداث التي جرت في اغلب الدول العربية نتجت عنها العديد من القراءات والاصطلاحات، حيث أطلق عن هذه الأحداث العديد من المسميات من بينها الربيع العربي، الانتفاضة الشعبية العربية، الحراك الشعبي العربي، وأخيرا الحراك السياسي العربي.

1.                       تعريف الحراك السياسي  

     يشير مفهوم الحراك السياسي Political movement  إلى الحالة السياسية التي تتسم بتزايد التغيير في موازين القوة ونمط توزيع السلطة، وسرعة تواصل الأفكار السياسية وانتشارها وكثافة التواصل فيما بين الأفراد (10).

   من خلال هذا التعريف يتضح لنا أن الحراك السياسي هو مصطلح مرتبط بتغيير نمط توزيع السلطة وبالتالي تغير موازين القوة، باعتبار أن من يملك السلطة يملك القوة.

   كما يُعرّف الحراك السياسي أيضا على انه نشاط أو تفاعل (فردي أو جماعي) داخل الدولة أو خارجها، يهدف به فاعلوه إلى جني ثمار سياسية معينة أو بلوغ أهداف محددة (11).

بمعنى أن الحراك السياسي هو القيام بمختلف النشاطات السياسية سواء من طرف فرد أو جماعة، سواء داخل الدولة أو خارجها، وذلك بهدف الانتقال إلى موقف أو وضع أو رؤية سياسية أخرى، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الانتقال ايجابيا أو للأحسن، فقد يكون الانتقال إلى وضع أسوء مما كان عليه.

       كما يقصد بالحراك السياسي على أنه تأثير مجموعة من الأفراد والجماعات في حركة النظام السياسي (12).

     بمعنى أن الحراك السياسي هو قيام مجموعة من الأفراد والتنظيمات والجماعات بالمظاهرات والاحتجاجات، للتأثير على النظام السياسي، وذلك من أجل تحقيق أهداف معينة، وهو ما حدث في بعض الدول العربية.

ومنه عرف الحراك السياسي العربي Arab political movement على أنه تلك الموجة من المظاهرات، والاحتجاجات والاعتصامات والمسيرات التي أجتاحت عدد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010، مطالبة بإحداث تغييرات إصلاحية شاملة، في المجالات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية(13) .

التعريف الإجرائي: من خلال التعاريف السابقة نستنتج أن الحراك السياسي هو نشاط سياسي يقوم به فرد أو جماعة بهدف تغيير موقف أو رؤية سياسية، كما يمكن أن يهدف إلى تغيير السلطة، أما الحراك السياسي العربي هو حالة من الاحتجاجات والتظاهرات شهدتها المنطقة العربية، والتي جاءت كتعبير عن تطلعات الجماهير المحرومة، هدفها إحداث تغيير في البنى السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.

2.                       أسباب نشوء الحراك السياسي العربي: إن الحراك السياسي الذي شهدته بعض الدول العربية لم يكن وليد لحظة، ولكنها حصيلة تراكمات سياسية واقتصادية، واجتماعية، وثقافية عانت منها الشعوب العربية، والتي دفعت بهم للخروج إلى الساحات والميادين، وتمثلت هذه الأسباب في:

أ‌.  الأسباب السياسية: ومن بينها:

-حالة الطوارئ التي تمنع تنظيم المظاهرات والتي أدت إلى خنق الحياة السياسية.

-القهر السياسي المتراكم للجماهير العربية، نتيجة لقمع متعدد المستويات عانت منه جميع الفئات الاجتماعية، والذي بدأ يقترب من درجة الغليان، بعدما استفحلت إجراءات القمع التي أدارتها المنظومة الأمنية المتحكمة بالقرار السياسي، بحيث باتت هذه المنظومة هي القيادة الفعلية للسلطة.

-انتشار الفساد السياسي في كافة قطاعات الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية، بسبب غياب وتغييب المساءلة وانعدام الشفافية في إدارة الحكم، واعتماد نظام المحسوبية في تولي المناصب العامة.

-غياب الديمقراطية عن مجرى الحياة السياسية العربية، بحيث انعدمت فرص تداول السلطة، وساد نهج التوريث السياسي والتأبيد بالسلطة، وانعدام التواصل والعلاقة بين الحاكم والمحكومين، ووجود طبقة عازلة بين الحكام والشعوب وذلك لتحقيق وحماية مصالحها.

-تراجع الحريات والعدالة في جو يسوده الديكتاتورية والقمع(14).

ب‌.                     الأسباب الاجتماعية: من بين الأسباب الاجتماعية نذكر أهمها:

-السياسات النيو ليبرالية التي انتهجتها الأنظمة العربية، والتي أدت إلى خلل اجتماعي أصاب معظم الشرائح والطبقات الاجتماعية، وهو ما أفرزته موجة واسعة من الحركات الثورية والتظاهرات، حيث ظهر السخط الشعبي من تلك الأنظمة المستبدة.

 -تزايد الفجوات الاجتماعية بسبب تزايد الفقر والجهل الممنهج(15).

ت‌.                     الأسباب الاقتصادية: ومن أهمها:

-ارتفاع معدل البطالة:  إن ارتفاع  معدل البطالة  بين الشباب العربي كان عاملا من عوامل الحراك السياسي الذي شهدته بعض الدول العربية، فكما هو موضح في الجدول رقم 1، كان معدل البطالة حوالي 9 ٪  في مصر قبل الحراك، ليرتفع إلى أكثر من 12 ٪  سنة 2011و 2012، ويمكن إرجاع ذلك إلى النمو الديموغرافي الذي تشهده مصر و هو في تزايد مستمر،  أما بالنسبة لليبيا ارتفع معدل البطالة إلى 14 ٪ مع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008  والتي وصل تأثيرها إلى غاية سنة 2010، أما تونس  كان معدل البطالة  حوالي 13 ٪ في بداية الاضطرابات، لتبلغ نسبة 19 ٪ في عام 2012(16)، وهذه النسب المرتفعة للبطالة يمكن إرجاعها إلى فشل السياسات الاقتصادية التي قامت بها الحكومات العربية للحد من ظاهرة البطالة، التي من شأنها تعزيز المشاعر السلبية بين الشباب  والعصيان والمقاومة والاحتجاج ضد حكوماتهم.


الجدول رقم 1: يوضح معدل البطالة في كل من مصر وليبيا وتونس

 

2000

2007

2008

2009

2010

2011

2012

Egypt

9.0

9.2

8.7

9.4

9.2

12.1

12.3

Libya

13.0

13.7

14.5

17.5

20.7

25.3

19.5

Tunisia

15.7

12.4

12.4

13.3

13.0

13.0

18.9


Source :  Sertan Cinar , Ismet Gocer ,OP CIT , p 41


-ارتفاع الأسعار: في سنة 2007 و2008  شهدت بعض الدول العربية نوبات متنوعة ما يسمى بـ "أحداث شغب الخبز"،  ليتم تسجيل الذروة الثانية في عام 2010 حيث وقعت أعمال الشغب والاحتجاجات في مصر، والمغرب، وتونس، واليمن، التي تزامنت مع ذروة ارتفاع  في أسعار المواد الغذائية، وهو ما يوضحه الشكل رقم 1 توقيت بعض أعمال الشغب ذات الصلة بمؤشر أسعار المواد الغذائية التي حدثت مع بداية سنة 2010، ومن الممكن أن نرى كيف تقاس أسعار المواد الغذائية التي تتطابق بشكل فعال مع معظم حلقات عدم الاستقرار السياسي في البلدان المتخلفة، وبما أن الإنفاق على الغذاء  في البلدان منخفضة  ومتوسطة الدخل، يستوعب نسبة كبيرة من دخل الأسرة، فإن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، يمكن أن يؤدي بلا شك إلى تفاقم الظروف المعيشية، لأكثر الفئات فقرا في المجتمع، ومع ذلك  إذا نظرنا إلى معدلات التضخم في بلدان شمال أفريقيا في السنوات التي سبقت أعمال الشغب في الفترة 2008-2010، فإن العلاقة السببية تبدو أقل وضوحا، حيث كان متوسط معدل التضخم 5 % في الجزائر وليبيا، و13 % في مصر، وحوالي 4 % في تونس، وحوالي 1 % في المغرب، ولم تكن هذه المعدلات مختلفة عن تلك المسجلة خلال السنوات الأولى من الألفية الجديدة، حيث كانت معدلات التضخم في ليبيا والجزائر حوالي 30  %، و25  % في مصر(17).

 

 

الشكل رقم 1: يوضح مؤشر أسعار الغذاء وأعمال الشغب بداية سنة 2010



Source:  Andrea Ansani, Vittorio Daniele, OP CIT, P 7.


3.                       خصائص الحراك السياسي العربي: هناك مجموعة من الخصائص التي تميز الحراك السياسي العربي وتتمثل في:

ü                       استخدام كافة سبل التعبير السلمي المتاح.

ü                       انطلاق حراك من العالم الافتراضي من خلال الفيسبوك، تويتر، اليوتيوب والمدونات، فتم استخدامها في تحديد أماكن المظاهرات ومواعيدها، ونشر هذه المظاهرات في صور وفيديو.

ü                       مشاركة كافة قطاعات المجتمع دون إقصاء أو تميز على أساس العرق أو الدين أو المذهب، وهي حركة يشارك فيها النشطاء من مختلف القوى التي تنشد التغيير، وان اختلفت درجة المشاركة وتعددت وسائلها.

ü                       نجاح كسر حاجز الخوف الذي عانت منه المجتمعات العربية لعقود طويلة.

ü                       بروز دور الشباب وظهورهم طيلة فترة الأحداث كمحرك وعنصر أساسي في هذه التحولات والتحركات.

ü                       الدعم الشعبي والدولي من جميع المنظمات والمحافل للقائمين بهذه التحولات والتحركات(18).

ثالثا: ماهية الثقافة السياسية

1.                       تعريف الثقافة السياسية

      عرف (لوسيان باي Lucian Bay ) الثقافة السياسة Political culture على أنها مجموعة القيم والمعتقدات السياسية السائدة في أي مجتمع، والتي تتميز عن غيره من المجتمعات وتخلق نوعا من الملائمة الاجتماعية لسلوك الأفراد وتعطي للعملية السياسية شكلا ومضمونا بالطريقة نفسها التي تعطيها الثقافة ملائمة للحياة الاجتماعية (19).

     يتضح لنا من خلال تعريف (لوسيان باي) أن الثقافة السياسية هي الأحكام المعيارية، والأفكار، والاتجاهات السياسية السائدة في مجتمع معين، والذي يميزه عن باقي المجتمعات، حيث إنّ هذه الأحكام والأفكار تخلق الانسجام الاجتماعي الذي يعطي للعملية السياسية معنى.

    كما تعرف الثقافة السياسية على أنها مجموعة من المعارف والقيم، والمعتقدات، والآراء، والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة (20).

      وعرف قاموس أكسفورد الثقافة السياسية بأنها الاتجاهات والقيم التي تتصل بعمل نظام سياسي محدد، وتعد بمثابة معرفة متضمنة، ومهارات مكتسبة عن عمل هذا النظام، كما تتضمن اتجاهات ايجابية أو سلبية نحوه، وأيضا أحكاما تقييمية بشأنه(21).

    من خلال التعريف السابق يتضح لنا أن الثقافة السياسية يقصد بها مدى إدراك الأفراد لنظامهم السياسي ورموزه ومؤسساته والأحاسيس التي يحملها اتجاهه واتجاه بلده، وهو ما يتفق مع تعريف (لاري ديموند).

     حيث عرف (لاري ديموند Larry Diamond) الثقافة السياسية على أنها مجموعة معتقدات الناس واتجاهاتهم وأفكارهم ومشاعرهم وتقييماتهم المسبقة إزاء النظام السياسي لبلدهم(22).

    التعريف الإجرائي: من خلال التعاريف السابقة نستنتج التعريف الإجرائي للثقافة السياسية والتي يقصد بها مجموعة من القيم والمعارف والمعتقدات والأنماط السياسية التي تحدد مواقف الأفراد اتجاه السلطة والقضايا والعمليات السياسية، سواء كانت هذه المواقف ايجابية أو سلبية.

2.                       أبعاد الثقافة السياسية

حدد كل من (العواملة والشنيكات) في دراسة لهما عناصر الثقافة السياسية على أنها تتمثل في القيم السياسية، المعرفة السياسية والاتجاهات السياسية.

·  القيم السياسية: هي صفات وتصورات وأحكام يؤمن أو يعتقد بها الأفراد وتكون بمثابة معايير يتخذون من خلالها قراراتهم فيما يتصل بالحياة السياسية، مثل الحرية والمساواة وغيرها، وتمثل إطارا مرجعيا للحكم على الأشياء وتحدد سلوك الأفراد وردود أفعالهم تجاه النشاط السياسي، وتحتل موقعا متقدما في تشكيل شخصية الفرد وتكوينه الثقافي مقارنة بالاتجاهات التي تشكل في مجموعها قيما، وهي نتاج البيئة والمعتقدات والتجربة(23).

·  المعرفة السياسية: هي المعرفة العامة بالمفاهيم والمصطلحات والظواهر والأحداث والاتجاهات والإيديولوجيات السياسية والمواقف وكذلك معرفة شخصيات ذات الدور السياسي في المجتمع سواء كان على المستوى المحلي أو الوطني (24).

·  الاتجاهات السياسية: يشير الاتجاه إلى تنظيم عدد من الاستعدادات بموضوع معين، وهي غالبا ما ترتبط بموقف محدد أو موضوع بالذات، وكذلك يرتبط بحالة من الاستعداد أو التأهب العصبي والنفسي، ولهذا تجد عددها كبيرا مقارنة بالقيم التي يقل عددها، وتكون ذات تأثير توجيهي أو حركي على استجابة الفرد لجميع المواقف التي تستشير هذه الاستجابة (25).

3.                       وظائف الثقافة السياسية: للثقافة السياسية أكثر من وظيفة ودور، نذكر منها ما يلي:

·  التعرف على طبيعة البناءات والنظم السياسية: حيث أن دراسة الثقافة السياسية يساعد على فهم مكونات وعناصر البناء السياسي الذي يوجد في أي مجتمع من المجتمعات(26).

·  تحليل العلاقة بين المواطنين أو الجماهير والسلطة السياسية: حيث تعكس نوع الثقافة السياسية لدى الجماهير مدى توقعات الجماهير من السلطة السياسية، وما ينبغي أن تقوم به السلطة السياسية أو الحكومة في تلبية الحاجات والأهداف السياسية التي تتطلع إليها الجماهير(27).

·  تعد الثقافة السياسية عاملا من عوامل التأثير في الحياة الاجتماعية السياسية، حيث إنها تعطي الفرد القدرة على التصرف في أي موقف، كما تهيئ له أساس التفكير والشعور، وتزوده بما يشبع به حاجاته البيولوجية، فهي تجيب على تساؤلات الفرد بطريقة أو بأخرى، فهي التراث الاجتماعي السياسي الذي يرثه أفراد المجتمع من الأجيال السابقة (28).

·  دراسة عملية المشاركة السياسية وكيفية تحديثها: حيث تعدّ الثقافة السياسية العنصر الأساسي لتطوير عمليات المشاركة السياسية والتنشئة السياسية، ولاسيما أن عملية التحديث الثقافي السياسي تساعد على خلق نوع من الدافعية، والعمل ونمو النشاط الديمقراطي الفعال في الحياة السياسية، وهذا لن يحدث إلا من خلال وجود الوعي السياسي الجماهيري(29).

·  خلق الشخصية القومية: إن عملية الاهتمام بالثقافة السياسية يسهم في تطوير سبل المشاركة السياسية وتطويرها من الثقافة المحدودة أو الضيقة إلى الثقافة بالمشاركة، لأن وجود الثقافة المحدودة أو الضيقة يعكس عموما درجات اللا تجانس الثقافي والسياسي، وتعكس أيضا أنماط اللامبالاة السياسية وعدم المشاركة في صنع القرارات السياسية، وهذا يؤثر بصورة سلبية ظهور الشخصية القومية، التي تظهر نوعية الأداء السياسي والاجتماعي لدى الجماهير أو المواطنين تجاه قضاياهم الوطنية وتحقيق المصالح والأهداف العامة (30).

4.                       أنواع الثقافة السياسية

    هنالك ثلاثة أنواع من الثقافة السياسية وهي الثقافة السياسية المشاركة، والثقافة السياسية التابعة، والمحددة، فحينما تكون اتجاهات المواطنين ايجابية نحو الموضوعات السياسية فإننا نصنف الثقافة السياسية في هذا المجتمع على أنها مشاركة، أما حينما تكون استجابة المواطنين للنسق السياسي سلبية فان الثقافة السياسية تصبح تابعة، ذلك أنهم لا يمارسون أي تأثير في الموضوعات السياسية، وإنما يتأثرون بها فحسب، أما حينما لا يجد الفرد أية علاقة بينه وبين النسق السياسي، وليست عنده معلومات كافية عن، فان الثقافة السياسية في هذه الحالة تصبح ثقافة محدودة(31).

المحور الثاني: واقع الثقافة السياسية قبل الحراك السياسي العربي:

أولا: خصائص الثقافة السياسية العربية

  للثقافة السياسية العربية مجموعة من الخصائص نذكر من بينها:

v                      غياب الشعور بالاقتدار السياسي: حتى تتحقق فاعلية وحيوية العملية الديمقراطية لا بد أن يشعر كل أو غالبية أفراد المجتمع بالقدرة على التأثير في مجريات الحياة السياسية، واغلب الظن إن الإنسان العربي بوجه عام لا يكاد يشعر بإمكانية تغيير مجرى الحياة السياسية عن طريق التأثير في عملية صنع القرارات.

v                      انعدام الاستعداد للمشاركة السياسية: الممارسة الديمقراطية الحقيقية تقتضي مشاركة أغلب المواطنين في صياغة السياسات، والقرارات، واختيار الحكام وأعضاء المؤسسات التمثيلية على الصعيدين؛ المركزي والمحلي، والمشاركة في المناقشات، وتقديم الاقتراحات، والعضوية في الأحزاب السياسية والتنظيمات، وهو ما تشهد بعض الدول العربية غيابه، وان وجد فيكون بصورة شكلية غير حقيقية، نظرا للسلبية السياسية المتفشية في المجتمع العربي.

v                      غياب الثقة السياسية: لا بد للديمقراطية من شعور بالثقة المتبادلة بين المواطن والنظام السياسي، وفيما بين المؤسسات السياسية بعضها ببعض، الذي بدوره يساعد على توفر مناخ للتنافس السياسي الذي يشكل جوهر العملية الديمقراطية، إلا أن هذا الشعور لا يبدو أن له قدما راسخا في الثقافة العربية السياسية، فالشك المتبادل يكتنف العلاقة بين الحكومة والموطنين، وتشوب الريبة العلاقات بين الحركات السياسية،  فعلى الرغم من وجود أحزاب إيديولوجية واطر مؤسسية في عدد من الأقطار العربية، إلا أن الحاكم لا يثق في هذا كله، ويعتمد في شغل المناصب المهمة على أفراد العائلة، أو الطائفة، أو الذين تربطهم و إياه علاقة شخصية أو مصلحية من أي نوع(32).

ثانيا: الثقافة السياسية قبل الحراك السياسي

      واجهت الثقافة السياسية العربية تراجعا في بنيتها قبل الربيع العربي، عندما حلت ثقافة الاستسلام محل ثقافة المقاومة، وثقافة الخوف مكان ثقافة المواجهة، وثقافة اللامبالاة بدلا من ثقافة المشاركة السياسية، بقدر ما ركزت على الولاء المطلق للسلطة السياسية، وتبرير شرعيتها ووجودها، بدلا من الولاء للوطن، كما أفقدت الأنظمة قبل الربيع العربي الفرد ثقته في التعبير عن مصالحه، وبدلا ومن أن توحد الأنظمة العربية شعوبها ومجتمعاتها تمهيدا لتوحيد الأمة العربية بأكملها، سارت تلك الأنظمة في سياسة فرق تميز بين فئات المواطنين داخل مجتمعاتها القطرية، لكي تتصارع شعوبها مع بعضها بدلا من توحيدها ضد التحديات الخارجية التي تواجهها،   ومنه تعدّ الثقافة السياسية قبل الحراك العربي ثقافة سياسية ضيقة، فالمشاركة السياسية كانت في غالبية البلدان العربية، تتصف بالشكلية والموسمية وعدم الفاعلية، إذ أن القرارات السياسية عادة ما تتخذ من قبل النخب الحاكمة، وتترك للجماهير العربية مهمة إضفاء الشرعية الصورية عليها من خلال انتخابات معلومة النتائج سلفا (33).

      وعليه فان الثقافة السياسية العربية قبل الحراك السياسي هي ثقافة سياسية ضيقة هامشية، لا يستطيع فيها الأفراد تقديم أي نوع من التأييد، أو المعارضة اتجاه النظام السياسي، وما يصدره من سياسيات، وقرارات، واللامبالاة بأهمية المشاركة في العملية السياسية، وذلك بسبب ضعف كفاءاتهم وفاعليتهم السياسية.

المحور الثالث: علاقة شبكات التواصل الاجتماعي بالحراك السياسي العربي وتأثيره على الثقافة السياسية

أولا: أسباب بروز دور شبكات التواصل الاجتماعي في ظل أوضاع الحراك السياسي العربي: والتي من بينها:

o إن اعتماد شبكات التواصل الاجتماعي، كوسائل نشر بديلة، جاء كرد فعل للواقع الاجتماعي والسياسي في المنطقة العربية، فالأوضاع غير المستقرة في تلك البيئة، بالإضافة إلى انغلاق الأنظمة العربية، سياسيا وإعلاميا، وسطوتها المفروضة على وسائل الاتصال، والتعبير، والنشر والاستبدادية في الحكم، وخنق الحريات، أفضى إلى البحث عن قنوات جديدة للتعبير عن الذات وإبداء الرأي، بالإضافة إلى ذلك شكلت شبكات التواصل الاجتماعي أماكن لتجمع عدد كبير من المواطنين، وبهدف مشترك ودون تنظيمات سرية في عالم افتراضي.

o إن هذه الشبكات جاءت كرد فعل على السيطرة الكاملة لأجهزة السلطة على الوسائل التقليدية في الإعلام، فلم تترك أية قنوات تقليدية للشباب الحر، فتحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى ملجأ آمن لهم، بالإضافة إلى ذلك فان لجوئهم إلى هذه الشبكات، كان لتوفير درجة من الوعي بقضاياهم السياسية التي كونها يتلقونها من وسائل الإعلام التقليدية والتي كانت تعرضها بدرجات متفاوتة من التعتيم، بل نجدها في اغلب الأحيان تقدم حقائق مزيفة، ومعلومات مصطنعة.

o سرعة تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في الحركات الاجتماعية والسياسية والإعلامية على نحو يفوق تأثير وسائل الإعلام التقليدية.

o التدفق الحر للمعلومات، فقد وفرت تلك الشبكات كمّا هائلا من المعلومات الحديثة، بالصوت وبالصورة، فيما سجلت وسائل الإعلام محدودية في المعلومات التي تخص الاحتجاجات في المناطق العربية(34).

ثانيا: دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي العربي

     لعبت الوسائط الحديثة المتمثلة في الفضاء الرقمي دورا أساسيا في الحراك السياسي الذي شهدته بعض المناطق العربية، حيث ازداد الحراك الرقمي في البلدان التي تتمتع بالأنظمة الاستبدادية حتى أصبح موضوعا مهما، وازداد - لأهميته - انتشار شبكات التواصل الاجتماعي التي توفر للمواطنين مكانا آمنا لاحتجاجات ضد النظم الدكتاتورية، فاستخدام شبكة الانترنت في المجال السياسي يعطي كفاءة في التنظيم الجماهيري والتعبئة السياسية، كما يساعد الناشطين السياسيين على الإعداد، والحشد للاحتجاجات التي سهلت من عملية الاتصال بين المناضلين، وتوفير منصة وإطار جديد للتداول، والرصد، وإحداث التغيير الفعال، فاصطبغت الثورات العربية بالصبغة الرقمية بما يسمى بالحراك السياسي الرقمي، حيث استفادت من شبكات التواصل الاجتماعي في الحشد، وتكريس التغيير، والانتقال من مرحلة سلطوية إلى مرحلة ديمقراطية(35).

فالفيسبوك مثلا تحول إلى أداة سياسية تستخدمها الشعوب للتعبير عن آرائهم وتنظيم المظاهرات، فكان بمثابة موقعا إخباريا، ينقل أولا بأول آخر الأخبار موثقة بالصور، ومقاطع الفيديو، والذي بدوره ساهم في بلورة الرأي العام، الأمر الذي حوّل الموقع من وظيفته الأساسية التواصل الاجتماعي إلى وظيفة التعبئة السياسية، حتى أصبح احد المنابر السياسية الهامة التي تدور فيها الحوارات والمناقشات السياسية، وإطلاق الدعوات للتظاهرات(36).


الشكل رقم2: يوضح معدل النمو في عدد مستخدمي فيسبوك أثناء احتجاجات 2011 مقارنة بسنة 2010

 

المصدر: كلية دبي للإدارة الحكومية، "تقرير الإعلام الاجتماعي العربي حول الإعلام الاجتماعي والحراك المدني: تأثير الفيسبوك وتويتر"، الإصدار الثاني، ماي 2011، ص 5


فمن خلال ما يوضحه الشكل رقم 2 نلاحظ ارتفاع عدد مستخدمي الفيسبوك تزامن مع فترة انطلاق الاحتجاجات في كل من؛ البحرين، ومصر، وليبيا، وعمان، والسعودية وتونس، واليمن، حتى نسب الاستخدام لهذا الموقع سنة 2011 هي مرتفعة مقارنة بسنة 2010، باعتبار أن الاحتجاجات كانت في نهاية سنة 2010 وبداية سنة2011، وهذا ما يدل على وجود علاقة ارتباطيه، لذا لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه موقع الفيسبوك في حشد وتوجيه وتعبئة المتظاهرين للخروج للشارع، ومطالبتهم بحقوقهم.

     أما تويتر - كمحرك بحث قوي لنقل ومتابعة الأحداث فور وقوعها- فلعب دورا في الحراك السياسي العربي، وفي نقل الأخبار والأحداث العاجلة وتطوراتها، فلم يتخيل مؤسسو هذا الموقع أن يستخدم لخدمة نقل أخبار الاحتجاجات، ويصبح مصدر رئيسي للناشطين السياسيين في التعبير عن آرائهم وإرسال الرسائل وتنظيم المظاهرات، فتم استخدامه في الدول الديكتاتورية في دعم الحراك السياسي، وفي تنسيق وتنظيم الأفعال بين الناشطين، والتعامل المباشر مع السياسيين، وفي التغلب على الأجهزة القمعية للنظام الاستبدادي، ولا يقل دور موقع التويتر عن دور موقع اليوتيوب، الذي ظهر كخدمة لمشاركة الفيديوهات الشخصية ووسيلة للترفية، لكن سرعان ما تحول لوسيلة للنقاش السياسي، حيث أتاح للمحتجين مساحات شاسعة لنشر موادهم الخاصة عن الثورة، وفعالياتها التي مكنتهم من كشف حقيقة الأحداث على أرض الواقع، ونقلها إلى المجتمع الدولي، من خلال ملفات الفيديو التي تم التقاطها من الميادين الثورية أيام الاعتصام، و التي  ساهمت في تحريك مشاعر الجماهير والتعبئة واستمرار تشجيع الحشود للنزول، والانضمام إليهم، أما موقع الفليكر لعبت الصورة الرقمية الموثقة لإحداث ثورة يناير المصرية في دفع عدد اكبر من المصريين للتفاعل بشكل ايجابي، فمنذ أن ظهرت الدعوة  إلى الثورة سارع أصحابها بنشر مجموعة كبيرة من الصور توضح فيها بعض اعتداءات الشرطة على المتظاهرين، وتهدف إلى حث الناس على الاشتراك في المظاهرات التي دعوا إليها (37).

    فهناك العديد من الشواهد التي تؤكد أن الثورة المصرية انطلقت من المجتمع الافتراضي إلى المجتمع الواقعي، لان شبكات التواصل الاجتماعي ربما كانت هي كلمة السر التي جعلت ثورة 25 يناير المصرية هي أول ثورة تدار إدارة " لحظية تشاركية " من قبل جماهيرها الواسعة، دون الحاجة إلى قيادة موحدة تديرها، إذ أتاح موقعي الفيسبوك والتويتر للثوار نظاما فوريا لجمع ونقل وتبادل المعلومات ومعالجتها واستخدامها في اتخاذ القرارات، فجعلهم يتفاعلون بسرعة، ويتواصلون بسهولة مع بعضهم البعض، الأمر الذي جعلهم يستغلون انفتاح هذا المجال الجديد في النزول إلى الواقع للمطالبة بالحقوق والإصلاحات، حيث يمارس فيه الكتاب والمواطنون حريتهم في مناقشة القضايا العامة، ومعارضة النظام السياسي الذي ينتمون إليه(38).

     ففي ليبيا استطاع ناشطون على الفيس بوك أن ينقلوا صورة عن الأحداث الإجرامية للنظام الليبي عبر الفيسبوك واليوتيوب وبثها فيما بعد عبر وسائل الإعلام التقليدية، وفي سوريا لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا هاما حيث كانت الملجأ الآمن لكثير من الناشطين في بلد يتم فيها حظر التجمعات والتظاهرات، حيث استطاع المواطن السوري نشر الجرائم وتوثيق المجازر المرتكبة في حق المدنين ونشرها على موقع الفيس بوك وبشكل فيديوهات على اليوتيوب (39).

    فكما هو موضح في شكل رقم3 هناك انخفاض في استخدام موقع اليوتيوب في سوريا خلال الفترة الأولى من الاحتجاجات، وذلك بسبب الحكومة السورية التي قامت بحظر شبكات التواصل الاجتماعي، ليتم رفع هذا الحظر في السابع من شهر فيفري 2011، إذ شهدت حركة استخدام موقع اليوتيوب ارتفاعا كبيرا، حيث كان هذا الموقع ينقل جميع التظاهرات التي يقوم بها الشعب السوري، ونقل الأحداث لكي يجذب اكبر عدد من المتظاهرين، للمطالبة بحقوقهم ولكشف الجرائم المرتكبة ضدهم من طرف حكومتهم، ومنه الاقتراب بصورة أوثق إلى الممارسة السياسية.

 


الشكل رقم 3: يوضح معدل استخدام موقع يوتيوب قبل وبعد رفع الحظر على مواقع الإعلام الاجتماعي في سوريا 

 

 

المصدر: كلية دبي للإدارة الحكومية، "تقرير الإعلام الاجتماعي العربي حول الإعلام الاجتماعي والحراك المدني : تأثير الفيسبوك وتويتر"، مرجع سابق، ص 2 .


فصحيح أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تمثل العامل الأساسي والوحيد للحراك السياسي العربي، لكنها تعد عاملا مهما في تهيئة متطلبات التغير، وفي تنظيم الحراك.

ثالثا: الحراك السياسي الرقمي وتأثيره على الثقافة السياسية

     أثرت الأحداث - التي جرت في الميادين والشوارع العربية  والشعارات التي رفعها المواطنون العرب في نهاية سنة2010 وبداية سنة 2011 -  على الثقافة السياسية العربية الضيقة التي كانت تسود تلك الفترة، حيث ولدت فيما بعد ثقافة جديدة تتناقض مع الثقافة التي كانت سائدة من قبل، حيث أعاد الحراك العربي مصير الأمة العربية إليها - بعد أن خطفت الأنظمة إرادة الشعوب العربية منذ أكثر من نصف قرن وتحكمت بإرادتها - من خلال الشعارات التي رفعتها إلى جدول أعمال جميع الشعوب العربية، في المطالبة بالديمقراطية والحرية والمساواة، كما ساعدت الثورات العربية في دمقرطة السياسية والثقافة، حيث زاد من الوعي والتفتح المعرفي السياسي، وساعدت على إكساب توجهات سياسية جديدة(40).

     فالملاحظ أن هذه الأبعاد (المعرفة والوعي السياسي، القيم السياسية، الاتجاهات السياسية) التي تعرضت للتغيير هي بفعل مجموعة من العوامل من بينها شبكات التواصل الاجتماعي، فصحيح هناك عوامل أخرى ساعدت على نجاح الحراك السياسي، إلا انه لا يمكن الإغفال عن الدور الذي لعبته هذه المواقع.

         حيث تعد شبكات التواصل الاجتماعي مصدرا مهما في تحقيق الثقافة السياسية المشاركة في دول الحراك، باعتبار أن هذه الشبكات كان لها دور أساسي في الحراك السياسي العربي، فقد ساهم المجتمع الافتراضي في دول الحراك في تعزيز الديمقراطية، من خلال نشر الوعي السياسي وتنمية المعرفة السياسية لدى المجتمع العربي وزيادة اهتمامهم بالشؤون السياسية.

وهو ما توصلت إليه الدراسة الذي قام بها كل من الدكتور (محمد سعيد عبد المجيد) والدكتور (ممدوح عبد الواحد الحيطي) بعنوان  " شبكات التواصل الاجتماعي والثقافة السياسية للشباب الجامعي" على عينة من طلاب جامعة كفر الشيخ بمصر، حيث توصلت إلى أن ملامح الثقافة السياسية للشباب في ظل نظام مبارك، كانت تتميز بضعف الوعي السياسي والخوف من المشاركة السياسية  وفقدان الثقة بين الشباب، ورجال السياسة وغير ذلك من أمور، يمكن النظر إليها بوصفها مؤشرات على مدى الإقصاء الذي مارسه نظام مبارك مع فئة الشباب(41) ، لكن سرعان ما أدت هذه الشبكات إلي نهاية ثقافة الخوف السياسي، وظهور ثقافة سياسية جديدة، من أهم مظاهرها:

-                       التأثير الكبير للشبكات التواصل الاجتماعي على المشاركة السياسية للشباب خاصة بعد ثورة 25 يناير، وجاء في مقدمة مظاهر هذا التأثير استخدامها للتوعية بالحقوق، والحريات السياسية، وتوفيرها منبرًا للشباب للتعبير عن واقعهم وهمومهم وآمالهم، ومساعدتها في التعرف على الشخصيات ذات الأدوار السياسية.

-                       التأثير الكبير لشبكات التواصل الاجتماعي في تنمية المعرفة والوعي السياسي للشباب، حيث أصبحت هذه الشبكات مصدرا للحصول على الأخبار والمعلومات السياسية، وأداة لمتابعة مجريات الأحداث السياسية، ووسيلة لنقل الأخبار والتعليمات والصور والفيديوهات بأسرع وقت وأقل التكلفة(42).

     ولا يختلف الأمر بالنسبة للدراسة التي أجراها الباحث (Abdul-Salaam) سنة 2012 وهي بعنوان "أهمية التصفح الالكتروني للصحف اليومية في مصر وبعض الدول العربية" على عينة تكونت من (800) طالب جامعي في كل من مصر وتونس، وليبيا، واليمن بواقع (200) طالب من كل دولة، بهدف معرفة الدور الذي تلعبه شبكات الانترنت في كل من مصر، وتونس، وليبيا، واليمن في دعم حقوق المواطنين لتقرير مصيرهم من خلال ما تبثه من أخبار سياسية، وفتحها طرق جديدة في التواصل الاجتماعي، وألقت هذه الدراسة الضوء على العلاقة بين متابعة الشباب للأخبار التي تظهر على شبكة الانترنت، وبين وعيهم السياسي المتمثل بمختلف الاهتمامات السياسية من نقاشات، ومعرفة، ومشاركة سياسية، وأكدت النتائج أن لما تبثه شبكة الانترنت من أخبار سياسية تأثيرا إيجابيا عليهم، حيث ساهمت في تنمية الوعي السياسي لديهم(43).

من خلال ما سبق نستنتج أن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت في التأثير على البعد المعرفي للثقافة السياسية في دول الحراك السياسي العربي، وذلك من خلال نقل المعلومات والأخبار السياسية التي ساهمت بدورها في تنمية المعرفة والوعي السياسي لديهم، كما أسهمت هذه الشبكات في التأثير على البعد السلوكي للثقافة السياسية في هاته الدول، من خلال؛ مساهمتها في رفع من مستوى مشاركة الأفراد في الحياة السياسية، والعملية السياسية، وبالتالي تحققت أبعاد الثقافة السياسية المشاركة، ومنه أصبح أفراد المجتمع العربي يؤمنون بأنه بمقدورهم أن يؤثروا في السياسيات والقرارات التي تصدرها الأنظمة، حيث أصبحوا على درجة عالية من الاقتدار السياسي والكفاءة والفاعلية السياسية، مما جعلهم يشعرون بأهمية المشاركة السياسية، وساعد هذا  على تعزيز الهوية الوطنية لديهم، و التي أسهمت بدورها في التأثير على البعد الوجداني، حيث ساعدت هذه الشبكات بعد الحراك السياسي على تعزيز قيم المواطنة والانتماء للوطن لدى المجتمع العربي،  لكونها قادرة على التركيز على العوامل التي تساعد في بناء الشخصية الوطنية، التي تصب في صالح الهوية الوطنية الجامعة، وذلك من خلال ما تنشره هذه الشبكات، ساعدت  على تأكيد أهمية قيم  الولاء، والانتماء، والوطنية، والدعوة إلى التمسك بالانتماء للهوية الوطنية.

      وهو ما توصلت أليه احدث نتائج بحث  قام به فريق عمل تقرير الإعلام الاجتماعي العربي خلال عام 2012، الذي أجري استبيان إقليمي على الانترنت في ثمانية بلدان عربية (البحرين و مصر، و الأردن، و الكويت، و لبنان، و عمان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة) لدراسة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديدا التصورات بشأن تأثيرها على الثقافة والمجتمع في المنطقة العربية، حيث سجلت نسبة  85 % في مصر      و83 % في البحرين و80% في كل من الأردن والكويت، ونسبة 78 % في كل من عمان والسعودية، ونسبة 73 % في الإمارات، ونسبة 66 % أجابوا أن شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت في تنمية الإحساس لديهم بالهوية الوطنية، كالاعتزاز بالوطن، والولاء، والانتماء إليه، وهو ما يدل على وجود ثقافة سياسية مشاركة، فالدول التي يسودها هذا النمط نجد مواطنيها يشاركون في الحياة العامة والسياسية، ويتميزون بولائهم وانتماءهم الكبير لبلدهم مما يعزز من الهوية الوطنية لديهم(44).

    لذا قد مكنت شبكات التواصل الاجتماعي الجمهور العربي من إبداء رأيه حول مختلف القضايا السياسية، وانتقادها أو التعليق عليها أو مساندتها، كما يرى العديد من الباحثين ولاسيما المدافعين عن دور هذه الثورة الاتصالية، أن التوسع في القدرة على الاتصال يمكن أن يقود إلى تنشئة سياسية بل وتكيف سياسي أكثر، وأساس هذا التوقع هو أن المواطنين سوف يكونوا أكثر نشاطا في التعبير عن آرائهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تتيح لهم فرصا جديدة لتوصيل رغباتهم، وآرائهم التي توضح توجهاتهم السياسية،  كما أنها تتيح لهم فرصة للمشاركة في العملية السياسية، كما قدمت شبكات التواصل الاجتماعي خدمة كبيرة للشباب العربي، وصنعت واقعا جديدا لم يكن معهودا من قبل من حيث؛ حريته وحجم انتشاره، إذ أنها أدت إلى نشر الوعي الديمقراطي والحرية والعدالة والمساواة (45).

     فلا يمكن إنكار حالة الوعي السياسي التي تولدت نتيجة الحراك السياسي العربي، وتحقيق ثقافة سياسية نقول عنها أنها شبه مشاركة أثناء فترة الحراك، حيث ولدت فيما بعد ثقافة جديدة تتناقض مع الثقافة التي كانت سائدة من قبل، ونهاية مرحلة ثقافة الخوف، إلا أن هذه النتائج لم تدم فترة طويلة، بحيث تراجعت الحريات في تلك الدول، وأصبح مسألة تعزيزها وترسيخ المشاركة السياسة من الأمور الثانوية بالنسبة لهم، حيث إن الحراك السياسي العربي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لم يقض تماما على كل ملامح المجتمع السلطوي التي كانت تتسم به معظم المناطق العربية، لان السلطوية ليست مجرد نظام استبدادي ولكنها ثقافة تغلغلت في المجتمع العربي، وتسببت في الخوف من السلطة وغياب المعارضة، ناهيك عن الثقافة المنغلقة التي لازالت تعاني منها معظم الدول العربية التي تقوم على الانتماء وصلة القرابة والطائفة وعادة ما تظهر هذه الانتماءات في فترة الانتخابات المحلية، وهي ثقافة تعاني من قصور كبير ينتج عنها نظم استبدادية، في مجتمعات أصبحت تقوم على مبدأ الخضوع تنعدم فيها المسؤولية ويتجه الأفراد نحو المشاركة في الأمور التي تؤثر في حياتهم اليومية فقط، وهو ما يوضح تفشي ثقافة سياسية تابعة حيث إن أفراد المجتمع العربي لا يمارسون أي تأثير في الموضوعات السياسية وإنما يتأثرون بها فحسب.

الخاتمة     

من خلال ما سبق نستنتج أن:

    شبكات التواصل الاجتماعي  هي مواقع الكترونية تفاعلية تتيح التواصل  والتعارف لمستخدميها في أي زمان ومكان، وتتيح لهم فرصة تبادل المعلومات والآراء، كما تتيح لمتصفحيها إمكانية مشاركة الملفات والصور وتبادل مقاطع الفيديو، من بين هذه المواقع: "الفيسبوك" "تويتر"  " فليكر"، من خلال؛ إجراء المحادثات الفورية، وإرسال الرسائل،  وموقع"اليوتيوب" من خلال مقاطع الفيديو، وتعد هذه المواقع هامة ورئيسة لكونها أصبحت الوسيلة الأساسية لتبادل المعلومات، والأخبار الفورية في متابعة مسار وتطورات الأحداث، ليمتد تأثيرها ووظائفها لخدمة القضايا السياسية، لاسيما ما حدث في الحراك السياسي العربي، حيث أسهمت في حشد وتعبئة الجماهير سياسيا، وفي كسر حاجز الخوف لدى الشعب العربي، وعملت على فضح الأنظمة الحاكمة، من خلال المعلومات والأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي تنشر عبر هذه الشبكات.

كما شكلت شبكات التواصل الاجتماعي أداة تدريبية للمجتمع العربي على الممارسة السياسية وخلقت وعي سياسي لديهم، وذلك من خلال إتاحة فرصة المشاركة لكل مستخدم لهذه التقنية والتعبير عن رأيه في مختلف القضايا، بكل حرية ودون خوف، الأمر الذي مكنهم من إحداث تغييرات جوهرية في إدراكهم لكل القضايا، كما عززت لديهم أهمية المشاركة السياسية ودعم ثقافة المواطنة من خلال تعزيز انتمائهم الوطني، وتثقيفهم، وتقدريهم لحقوقهم، وواجباتهم في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ومنه يتضح لنا تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على تحقيق الثقافة السياسية في دول الحراك العربي من خلال:

البعد المعرفي: ويتمثل في نقل ومشاركة الأخبار والأحداث والمعلومات السياسية، التي ساعدت على حشد وتعبئة الجماهير للخروج في احتجاجات والمطالبة بتغيير وتعزيز الديمقراطية، والتي بدورها ساعدت على زيادة وتنمية المعرفة والوعي السياسي لديهم بخصوص القضايا السياسية والقدرة على تشكيل آراء نحوها، وبخصوص العمليات السياسية وأهميتها، ومعرفة المواطن بما عليه من واجبات اتجاه وطنه والنظام السياسي، والتزام هذا الأخير بإعطاء المواطن حقوقه.

البعد السلوكي: حيث ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تغيير مواقف واتجاهات جماهير الحراك إزاء قضايا وظواهر سياسية معينة، حيث ساعدت على القضاء على ثقافة الخوف التي كانت تعاني منه الدول العربية قبل الحراك، وساهمت في تحديد مستوى مشاركتهم في الحياة السياسية.

البعد الوجداني: ويتمثل في نقل القيم والمعايير والأفكار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي ساعدت المجتمع العربي على ترسيخ قيم الولاء والانتماء للوطن وللأمة لديهم.

    لكن هذه الثقافة السياسية الجديدة لم تدم طويلا بعد الحراك السياسي العربي، حيث سرعان ما عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه من قبل.

الهوامش

1.  علي عبد الفتاح كنعان، الإعلام والمجتمع، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2014، ص 170.

2.                         عبد العزيز الشريف، الإعلام الالكتروني، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2014، ص 165.

3.  مروى عصام ملاح، الإعلام الالكتروني: الأسس وآفاق المستقبل، دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع، الأردن، 2015، ص 246.

4.                        احمد قاسمي، سليم جداي، تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأمن المجتمعي للدول الخليجية. برلين: المركز الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2019، ص 14.

5. عبد الرحمان بن إبراهيم الشاعر، مواقع التواصل الاجتماعي والسلوك الإنساني، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، 2015، ص 67.

6.                                               Serge Gutuirth , Yves Poullet , Paul De Hert , Data Protection in a Profiled Word . New York: Springer, 2010, p 119.

7. عبد الحليم موسى يعقوب، الإعلام الجديد والجريمة الالكترونية، الدار العالمية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014، ص 13.

8.                                               Adeyink Tella , Social Media Strategies for Dynamic Library Service Development . USA: ALIS, 2015, P 286.

9. علي خليل شقرة، الإعلام الجديد (شبكات التواصل الاجتماعي)، نبلاء ناشرون وموزعون ودار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن،2014، ص 81.

10.                     عبد الرحمان يوسف سلامة، "التجربة التونسية في التحول الديمقراطي بعد ثورة كانون أول 2010 "، رسالة ماجستير (جامعة النجاح الوطنية في نابلس بفلسطين، كلية الدراسات العلية، قسم التخطيط والتنمية السياسية، 2016، رسالة منشورة)، ص 12.

11.                      جيدور حاج بشير، "أثر وسائل التواصل الاجتماعي في عملية التحول الديمقراطي في الدول العربية: دراسة مقارنة"، أطروحة دكتوراه (جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2017، رسالة منشورة)، ص 89.

12.                     علي الزعبي، السياسات التنموية وتحديات الحراك السياسي في العالم العربي: حالة الكويت، سلسلة الإصدارات الخاصة، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، الكويت، العدد 41، ماي 2015، ص 28.

13.                      عبير مجلي أبو دية، "كامل خورشيد مراد، الوظيفة السياسية لمنصات شبكات التواصل الاجتماعي: الحراك السياسي العربي أنموذجا (دراسة ميدانية من وجهة نظر طلبة كلية الإعلام في جامعة الشرق الأوسط"،2017. متحصل عليه من موقع: https://www.academia.edu/35666117،    (01/05/2018)، ص 10.

14.                     أميرة محمد محمد سيد احمد، الإعلام الرقمي والحراك السياسي، دار الكتاب الجامعي، دولة الإمارات العربية المتحدة – الجمهورية اللبنانية، 2015، ص ص 125 – 127.

15.                      المرجع نفسه، ص 126.

16.                                          Sertan Cinar , Ismet Gocer , "The Reasons and Economic and Political Concequences of Arab Spring" , Khazar Journal of Humanities and Social Sciences, University of Turkey , Vol 17 , No 2 , 2014 , P 40 .41 .

17.                                           http://jhss-khazar.org/wp-content/uploads/2014/04/003Arab_Spring_-ismet-sertan_4.pdf (12 / 05 / 2018)

18.                                          Andrea Ansani , Vittorio Daniele ," About a revolution. The economic motivations of the Arab Spring", University Magna Graecia of Catanzaro, International Journal of Development and Conflict, Vol. 3(3), 2012, P 6, 7 .

19.                                          http://www.vittoriodaniele.info/wp-content/uploads/2011/12/ArabSpring.pdf  (12 / 05 / 2018 )

20.                     أميرة محمد محمد سيد احمد، مرجع سابق، ص 123، 124.

21.                     سعد شاكر شلبي، التنمية السياسية ودورها في الاستقرار السياسي في الدول العربية، دار زهران للنشر والتوزيع، الأردن، 2015، ص 91.

22.                     ميلاد مفتاح الحراثي، مبادئ علم السياسة المعاصر: مقدمة في المبادئ والمفاهيم والتفسيرات والموضوعات، دار الكتاب الجامعي، الإمارات العربية، 2018، ص 103.

23.                     سمير العبدلي، ثقافة الديمقراطية في الحياة السياسية لقبائل اليمن (دراسة ميدانية). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008، ص 50.

24.                     احمد سليم البرصان، علم السياسة: المفاهيم والأسس – الدولة – السلوك السياسي – السياسة الدولية، دار زهران للنشر والتوزيع، الأردن، 2014، ص 192.

25.                     عبد الله احمد العوالمة، خالد حامد شنيكات، "درجة وعي طلبة البلقاء التطبيقية بمفهوم الثقافة السياسية وأبعادها "، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة البلقاء بالأردن، المجلد 39، العدد 2، 2012، ص 228.

26.                     أمين مشاقبة، الوجيز في المفاهيم والمصطلحات السياسية، الجامعة الأردنية، عمان، 2015، ص 78.

27.                     عبد الله احمد العوالمة، خالد حامد شنيكات، مرجع سابق، ص 228.

28.                     عبد الله محمد عبد الرحمان، علم الاجتماع السياسي: النشأة التطويرية والاتجاهات الحديثة والمعاصرة، دار النهضة العربية، بيروت، 2001، ص 440.

29.                     المرجع نفسه، ص 440.

30.                     رعد حافظ سالم، مبادئ الثقافة السياسية، زمام ناشرون وموزعون، الأردن، 2012، ص 54

31.                      عبد الله محمد عبد الرحمان، مرجع سابق، ص 441.

32.                     المرجع نفسه، ص 441.

33.                      هشام محمود الأقداحي، السياسة والمجتمع (دراسة في علم اجتماع السياسة) . الإسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة، 2016، ص 317، 318.

34.                     كمال المنوفي، "الثقافة السياسية وأزمة الديمقراطية في الوطن العربي"، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 80، أكتوبر 1985، ص ص 67 – 72.

35.                      أحمد سعيد نوفل، أثر الربيع العربي على الثقافة السياسية، مداخلة مقدمة في المؤتمر فيلاديفيا الدولي السابع عشر: " ثقافة التغيير «، جامعة فيلاديفيا، عمان 6 – 8 / 11 / 2012، متحصل عليه من موقع: http://faculty.yu.edu.jo/ANufal/Lists/Published%20Research/Attachments/2.pdf، ص 5، 6.

36.                     عبد الجبار احمد عبد الله، فراس كوركيس عزيز، "دور شبكات التواصل الاجتماعي في ثورات الربيع العربي"، مجلة العلوم السياسية، جامعة بغداد، العدد 44، ص 213، 214.

37.                      أميرة محمد محمد سيد احمد، مرجع سابق، ص 13، 14

38.                     المرجع نفسه، ص 25.

39.                      المرجع نفسه، ص ص 25 – 35.

40.                     جيهان حسن أمين حسين، مرجع سابق، ص 99، 100.

41.                      سنان صلاح رشيد الصالحي، "دور مواقع التواصل الاجتماعي في السياسة الدولية"، مجلة اتجاهات سياسية، المركز الديمقراطي العربي بألمانيا، العدد الأول، ديسمبر 2017، ص 73.

42.                     احمد سعيد نوفل، مرجع سابق، ص ص 7 – 13.

43.                     محمد سعيد عبد المجيد، ممدوح عبد الواحد الحيطي، شبكات التواصل الاجتماعي والثقافة السياسية للشباب الجامعي: دراسة ميدانية. متحصل عليه من موقع: http://erepository.cu.edu.eg/index.php/ARTS-Conf/article/view/5153 ، (25 / 06 / 2018)، ص 265 - 266 .

44.                     محمد سعيد عبد المجيد، ممدوح عبد الواحد الحيطي، مرجع سابق، ص 270 – 271.

45.                     ملوح السليحات،" انعكاسات ثورات الربيع العربي على الوعي السياسي لطلبة الجامعات الأردنية في إقليم الوسط "، مجلة المنارة للبحوث والدراسات، جامعة آل البيت بالأردن، المجلد 20، العدد 1، 2014.

46.                     كلية دبي للإدارة الحكومية، "تقرير الإعلام الاجتماعي العربي: واقع الإعلام الاجتماعي في العالم العربي: عامان بعد الحراك الشعبي "، ماي 2013، ص5. متحصل عليه من موقع: https://www.mbrsg.ae/home/publications/research-report-research-paper-white-paper/arab-social-media-outlook-2014.aspx?lang=ar-ae . تاريخ الاطلاع: 15 / 01 / 2017.

47.                     عبد الجبار احمد عبد الله، فراس كوركيس عزيز، مرجع سابق، ص ص 220 – 222.

 

@pour_citer_ce_document

هناء قيصران, «دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي العربي وتأثيره على الثقافة السياسية»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 34-48,
Date Publication Sur Papier : 2019-12-26,
Date Pulication Electronique : 2019-12-26,
mis a jour le : 02/02/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6247.