مصطلح علم النقد الأدبي؛ إشكالاته ومرجعياتهThe term literary criticism; its problems and references
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°04 Vol 16- 2019

مصطلح علم النقد الأدبي؛ إشكالاته ومرجعياته

The term literary criticism; its problems and references
ص ص 108-118
تاريخ الإرسال: 2018-10-02 تاريخ القبول: 2019-12-18

زكريا بوشارب
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تهدف هذه المقاربة من خلال أدوات الدرس المصطلحي؛ لتكون قيمة مضافة إلى مشروع دراسة المصطلح النقدي في التراث العربي، بالتركيز على معالجة الإشكالات المصطلحية والمرجعيات المعرفية لمصطلح علم النقد الأدبي، لأن من شأن هذا الإجراء العلمي أن يزيل اللبس والغموض والتشويش الذي لحق كثيراً من المصطلحات النقدية، سعياً لإجلاء رؤية واضحة تقدر الجهود العربية في إرساء دعائم النقدالأدبي،وتأسيس منظومة مصطلحاته.باعتبار أنَّ المصطلح يُعَدُّ مقدمة لفهم العلم الذي ينتمي إليه؛ فالمصطلح هو اللفظ الذي نعبر به عن المفهوم داخل الحقل العلمي، بل أساسالضبط نسق المفاهيم التي تشكل صرحه، كما أنَّه -بتعبير عبد الحفيظ الهاشمي-هو عودة إلى الواقع العلمي الصحيح، وكشف لغطاء الغفلة المعرفية التي شملت كثيراً من الدراسات والبحوث سنين عدداً.

الكلمات المفاتيح: المصطلح؛ النقد؛ الإشكالات؛ المرجعيات.

L'objectif de cette approche est, à travers les outils de la leçon de terminologie, d'ajouter de la valeur au projet d'étude du terme critique dans l'héritage arabe, en s'attaquant aux problèmes de terminologie et aux références cognitives du terme science littéraire, car cette procédure scientifique supprimera la confusion, l'ambiguïté et la confusion qui ont affecté de nombreux termes monétaires. Afin de clarifier la vision des efforts arabes pour établir les fondements de la critique littéraire et la mise en place d'un système de termes. Comme le terme est une introduction à la compréhension de la science à laquelle elle appartient, il est le terme qui exprime le concept dans le champ scientifique, mais essentiellement pour ajuster le schéma des concepts qui composent sa déclaration, et qui - dans l'expression Abdul Hafiz Hashemi - correspond à un retour à la réalité scientifique correct, Connaissance qui a inclus de nombreuses études et nombre d'années de recherche.

Mots-clés : Terme, critique, problèmes, références.

The aim of this paper is to explain the concept of intercultural communication competence, components and barriers that limit communication effectivity within multicultural team, this leads to misunderstandings and conflicts that negatively affect the institution. To manage these conflicts there are several methods that differ from high-context cultures to low-context cultures. Each culture follows a particular method for managing these conflicts within multicultural teams. This study shows the developing of intercultural communication competence by using many measures that led to the positive responses that help to communicate effectively with people from different cultures in multicultural team of work.

Keywords: Term, criticism, problems, references.



Quelques mots à propos de :  زكريا بوشارب

مخبر المثاقفة العربية في الأدب ونقده؛ جامعة محمد لمين دباغين، سطيف2zakariabouchareb02@gmail.com

مقدمة

تُعَدُّ إشكالية المصطلح من أهم إشكاليات المنهج في أيَّة دراسة علمية؛ لأنَّها تمثل الخطوة الأولى في تصور موضوع الدراسة تصوراً صحيحاً، وسبر مداه، وتشكيل مادته، وتشقيق مسائله، فضلاً عن أنَّ المصطلح بفكرته المحدودة، واستعماله الصحيح، يوفر الوقت، ويجنب سوء الفهم. وتعدُّ -كذلك-مسألة العلاقة بين المصطلح والدلالة ذات أهمية في التفكير العلمي؛ فإذا فقد المصطلح حدَّه ووضوحه ودقته، أصاب الدلالة غموض وتعمية واضطراب، وحينما تصاب الدلالة بهذه الأعراض المرضيّة فإنَّ الخطاب الثقافي برمته يصبح خطاباً مفككاً متداخلاً؛(1) فالمصطلح -وفق شروطه الموضوعية- هو جهاز مناعة للمنظومة المعرفية.

ولا تخفى أواصر القربى بين منظومة المصطلحات والخطاب الثقافي؛ لأنَّ توافر الشروط الموضوعية للمصطلح يُعَدُّ دليلاً على وجود عناصر النسق والوضوح والشمولية لأي حقل ثقافي، وقد زعم عمر عتيق أنَّ العلاقة الجدلية بين منظومة المصطلحات والخطاب الثقافي، تشبه إلى حد ما علاقة التناسب والتوافق بين علم الإشارات أو العلامات ومدلولاتها؛(2) إذ إن الإشارة أو العلامة تقتضي تحديداً ووضوحاً ودقة في دلالتها من جهة، وتوافقاً على تلك الدلالة من جهة أخرى، وأي خلل يحدث في شكلها أو أدائها أو دلالتها يفضي إلى انهيار الدور الوظيفي لها، وانقطاع التواصل بين المرسل والمتلقي؛ وذلك لأنَّ "المصطلح هو عقد اتفاق بين الكاتب والقارئ، وشفرة مشتركة تمكن من إقامة اتصال بينهما لا يكتنفه غموض أو لبس"،(3) ولعلَّ فوضى المصطلح هو الداء العضال الذي يتهدد الدراسات الأدبية والنقدية.

وقد عني كثير من الدارسين المعاصرين -أفراداً ومؤسسات- بدراسة المصطلحات العربية التراثية، في العديد من العلوم والفنون، في أفق تغطية مراحل تاريخنا الأدبي والنقدي كلها؛ وهذا مشروع ضخم وطموح، يتطلب تجند العديد من الباحثين لإنجازه،(4) ومن ثم "مازال أمامنا واجب جرد المصطلحات التراثية، وتصنيفها، وتعريفها وتحديد مفاهيمها؛ للإفادة منها فيما يقبل من عملنا المصطلحي"؛(5) لأن التراث يعدّ "مجلي الذات، وخزان الممتلكات"،(6) و"مستودع جميع ما نملك من مصطلحات"؛(7) ذلك أن "تراثنا هو ذاتنا، شئنا أم أبينا اعترفنا به أو أنكرناه[...] هذا التراث؛ له مفاتيح لفهمه. وإننا، حتى الساعة لا نفهمه[...].

والمدخل لكل ذلك، ولما ينبني عليه، هو المصطلحات، ولذلك آثار لا حد لها ولا حصر. أقلّها وأبسطها الإدراك الصحيح لهذه الأمة، ما هو؟ ولشخصيتها العلمية، ما هي؟ [...] لكن الذات الحقيقية لمّا تُعرف حتى الساعة! فلذلك لابد من امتلاك هذه المفاتيح، ولابد من الصبر على امتلاكها"؛ (8) لأن عدم امتلاكها يؤدي إلى نفور كثير من الدارسين من الإقبال على دراسة هذا التراث، بدعوى كثرة مصطلحاته، وصعوبة ضبط مفاهيمها، مع العلم أن "الاهتمام بالمفاهيم المكونة للذات، ينبغي، بل يجب، أن يكون على رأس الأولويات".(9) ومعلوم أن "المجدد إن لم يصدر عن التراث، يظل بعيداً عن الأصالة؛ لأن التجديد قتل القديم درساً".(10)

ويجد الدارس للمصطلح النقدي نفسه مضطراً إلى وضع سؤال مهم حول هوية المصطلح؛ وعلاقة هذه الهوية بالإنتاج النقدي، ويبدو أن تحديد هوية المصطلح النقدي في التراث العربي ينبغي أن تنطلق من أوجه الاتصال بالمجال النقدي من جهة، وفيما يحمله المصطلح من لون الشحنة النقدية التي يعبر عنها من جهة ثانية.(11) وإذا كانت دراسة المصطلحات من وجهة النظر اللغوية الخالصة غاية في ذاتها، فإنَّها من وجهة نظر المشتغلين بالعلوم التي تنتمي إليها تُعَدُّ من باب فرض العين في فهم موضوعات تلك العلوم،(12) فإذا لم يتوفر للعلم مصطلحه الذي يُعَدُّ مفتاحه، فَقَدَ هذا العلم مسوغه وتعطلت وظيفته، ومن هنا كان لابد من تحديد الألفاظ والمفهومات، لأنَّ مثل هذا التحديد هو المنطلق الأول للتفكير العلمي.(13)

ويشكل المصطلح في المنظومة الثقافية علامة تختزل دلالة واضحة ومحددة، وينبغي أن تخلو دلالته من التعدد والتداخل والاضطراب، وأن يرتبط المفهوم بمصطلح واحد. ولا يخفى أن تعدد المصطلح للمفهوم الواحد، أو ازدواجية المفهوم للمصطلح الواحد في أي نسق ثقافي، يهددان النسق المعرفي بين النص والمتلقي؛ إذ إن إشكالية التعدد والازدواجية تفضيان إلى الخلط والتناقض والضبابية في الخطاب التنظيري، وإلى الخطأ في التمثيل والاستنتاج في المستوى التطبيقي؛(14) إذ إن عمليات التواصل هي أنظمة تتكون من علامات تدل على مفاهيم محددة، وأية علامة تشير إلى دلالتين مختلفتين تقود المتلقي إلى اتجاهين مختلفين فيفقد النص أو الخطاب غايته أو رسالته، وكذلك الأمر في المفهوم الذي يشير إلى مصطلحين مختلفين، وذلك لأن المصطلح في أبسط مفاهيمه "هو عقد اتفاق بين الكاتب والقارئ، وشفرة مشتركة"(15) بينهما، تمكنهما من إقامة اتصال لا يكتنفه غموض أو لبس.

01. إشكالية الاختراع المصطلحي والمشاحة في الاصطلاحات

تعدُّ عملية ابتكار المصطلحات الجديدة للمعاني الجديدة؛ أي اختراع أسماء لما لم يكن معروفاً كما فعل المتكلمون والنحويون وأصحاب العروض والحساب؛(16) قضية من أبرز قضايا علم المصطلح، ولا شك في أن جهود النقاد العرب القدامى في وضع وابتكار المصطلحات النقدية الجديدة هي جهود كبيرة؛ ونشير إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي 175ه) واضع علم العروض، وهو علم جديد لم يسبق إليه، إذ وجد الخليل نفسه بحاجة إلى مسميات كثيرة ليدل بها على منظومة علم القوافي؛ فالمصطلحات التي تضمنتها دراسة العروض كلها من وضع الخليل وتلقيبه،(17) فهو الذي سمى الأوزان بأسمائها، ووضع للتفعيلات وأجزائها وعللها وزحافاتها ألقاباً كالقبض، والكف، والخرم، والثلم، والجزء والخبن وغيرها.(18)

وقد كان موقف النقاد القدامى واضحاً من قضية الإبداع المصطلحي؛ (19) إذ قالوا بجواز الاختراع المصطلحي -وهو موقف متأصل لدى العرب-نحتج له بوجوه متعددة؛ أولها تأكيدهم حركية اللغة. ولا ريب أن اشتغال اللغويين بقضية الاصطلاح والتوقيف دافعه الأساسي، وهدفه كذلك، هو حركية اللغة. (20) فلولا تلك الحركية لما استطاعت اللغة مواكبة التطور الحضاري، بل لما كان للتجمع البشري أن يكون. وقد صدق الجاحظ عندما قال: "لولا حاجة الناس إلى المعاني وإلى التعاون والترافد لما احتاجوا إلى الأسماء". (21) من هنا تفرض حركية اللغة مبدأ جواز الاختراع المصطلحي.

ويتأكد تأصيل هذا الجواز من وجه ثانٍ؛ إذ هو سنة لدى كل مستنبط علم جديد، وتُرفع هذه السنة إلى الخليل في اختراعه المصطلحات العروضية؛ "وكما وضع الخليل بن أحمد لأوزان القصيد وقصار الأرجاز ألقاباً لم تكن العرب تتعارف تلك الأعاريض بتلك الألقاب، وتلك الأوزان بتلك الأسماء، كما ذكر الطويل والبسيط والمديد والوافر والكامل وأشباه ذلك، وكما ذكر الأوتاد والأسباب والخرم والزحاف".(22) وعلى هدي هذه السنة جاءت مصطلحات النحويين وأصحاب الحساب والمتكلمين وغيرهم.

أما الوجه الثالث لقيام جواز الاختراع المصطلحي فهو قول القدامى بخصوصية الاستعمال المصطلحي، ذلك أن مستعمل مصطلح ما لعلم من العلوم يجب أن يكون من أهل ذلك العلم؛ "فالمصطلح يتطلب خصوصية تخرجه عن الكلام العادي، ولكن ذلك يوقع الناقد في مشكلة وهي الحد من رواج ذلك المصطلح، إذ لا يقف عليه إلا العلماء في ذلك الباب".(23) وهو أمر نبّه إليه، بصفة عامة، بشر بن المعتمر في صحيفته عندما اشترط أن تكون الألفاظ، من بين ما تكون، على أقدار المستمعين؛ فالخطيب "إن عبّر عن شيء من صناعة الكلام واصفاً أو مجيباً أو سائلاً كان أولى الألفاظ به ألفاظ المتكلمين إذ كانوا لتلك العبارات أفهم، وإلى تلك الألفاظ أميل وإليها أحنُّ وبها أشغف".(24)

ويعدّ موقف قدامة بن جعفر في جواز الاختراع المصطلحي بأنه النواة الحقيقية للخطاب الاصطلاحي النقدي لدى العرب؛ ويتجلى موقفه في موطن فريد من كتابه نقد الشعر، نسوقه في هذا السياق لأهميته: "ومع ما قدَّمته فإني لما كنت آخذاً في استنباط معنى لم يسبق إليه من يضع لمعانيه وفنونه المستنبطة أسماء تدل عليها، احتجت أن أضع لما يظهر من ذلك أسماء اخترعتها، وقد فعلت ذلك. والأسماء لا منازعة فيها إذ كانت علامات. فإن قُنِعَ بما وضعته وإلا فليخترع لها كل من أبى ما وضعته منها ما أحبَّ فليس ينازع في ذلك". (25)

واتفق مع رأي قدامة بن جعفر ما ذهب إليه مؤلف (نقد النثر؛ وعنوانه الحقيقي هو: البرهان في وجوه البيان. وينسب إلى ابن وهب الكاتب) على جواز اختراع الألقاب ووضع الأسماء للمسميات التي لم تقع لسابق وبالتالي لم يوضع لها اسم. ولابد أن نورد النص الكامل لابن وهب على الرغم من طوله لأنه في نظرنا نص تأسيسي في الاصطلاحية عند العرب؛ يقول: "وأما الاختراع فهو ما اخترعت له العرب أسماء مما لم تكن تعرفه. فمما سمَّوه باسم من عندهم كتسميتهم الباب في المساحة باباً، والجريب جريباً، والعشير عشيراً، ومنه ما أعربته وكان أصل اسمه أعجمياً كالقسطاس المأخوذ من لسان الروم، والشطرنج المأخوذة من لسان الفرس، والسجل المأخوذة من لسان الفرس أيضاً، وكل من استخرج علماً أو استنبط شيئاً وأراد أن يضع له اسماً من عنده ويواطئ عليه من يخرجه إليه، فله أن يفعل ذلك. ومن هذا الجنس اخترع النحويون اسم الحال، والزمان، والمصدر، والتمييز، والتبرية. واخترع الخليل العروض، فسمَّى بعض ذلك: الطويل، وبعضه المديد، وبعضه الهزج، وبعضه الرجز. وقد ذكر أرسطاطاليس ذلك وذكر أنه مطلق لكل أحد احتاج إلى تسمية شيء ليعرفه به أن يسميه بما شاء من الأسماء. وهذا الباب مما يشترك العرب وغيرهم فيه وليس مما ينفردون به".(26)

ويمكن أن نضيف نصاً أقدم؛ هو لبشر بن المعتمر ضمن صحيفته؛ وقد نقله الجاحظ في معرض حديثه عن المتكلمين إذ قال: "وهم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن في لغة العرب اسم فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلف وقدوة لكل تابع".(27)

ولحازم القرطاجني رأي في قضية جواز الاختراع المصطلحي؛ يقول في ضروب التركيبات في أوزان الشعر العربي: "ولا تشاح في الألفاظ كما أنه لا حرج على من عدل عما تقتضيه تلك الأسامي في المسميات إذا أراد الإفصاح عن جهات مشابهاتها لما نقلت إليها منه التسمية والتمثيل الصحيح في ذلك"،(28) ويقول عن المطابق: "يسمى تضاد المعنيين تكافؤا ولا تشاح في الاصطلاح".(29)

ووصلت عناية النقاد القدامى بقضية المصطلح وإرسائه إلى غاية الدقة في وضع المصطلحات، حتى أننا نجدهم يؤنبون من يخالف في المصطلحات المتواضع عليها عند السابقين؛ فهذا الآمدي يأخذ على قدامة بن جعفر مخالفته لابن المعتز في وضع بعض مصطلحات الفنون البلاغية، فيقول: "إنه وإن كان اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات، وكانت الألقاب غير محظورة، فإنني لم أكن أحب له أن يخالف من تقدمه، مثل أبي عباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألف فيها، إذ قد سبقوا إلى التلقيب، وكفوه المئونة".(30)

ويشير أحد الباحثين –وهو؛ عبد الغني بارة-إلى مدى الحذر الذي كان يتوخاه الناقد القديم مما قد يحصل إذا خالف أحدهم المتعارف عليه في الاصطلاحات، فتكون الفوضى ويعم الاضطراب. (31) ثم يستدرك قائلاً: "غير أن عيب هذه النظرية قد يكون في حالة غلق باب الاجتهاد في تجديد المصطلح؛ إذ الانغلاق على مجموعة من المصطلحات واستخدامها في كل عصر يجعل من العملية النقدية محدودة الأفق، كما لا يعطي للغة حقها في التعامل مع المستحدث لتفجر طاقاتها وتحتوي الوافد".(32)

إن جواز الاختراع المصطلحي -إذن-أمر متأصل لدى العرب، بديهي لدى مخترع العلم مسلَّم به، فإن تخلصنا من هذا إلى قول ابن المعتز: "ولعل بعض من قصَّر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ستحدثه نفسه وتمنيه مشاركتنا في فضيلته فيسمي فنا من فنون البديع بغير ما سميناه به[...]".(33) لنلاحظ أن هذا الموقف إنما اندرج ضمن ذلك الجواز لاعتبارات تتعلق بمستعملي تلك المصطلحات، أو بسبب الانشغال بالتأسيس للعلم، ولكن هذه الحرية في اختراع المصطلحات ينجم عنها تشويش مصطلحي كبير وإشكالات كثيرة.

02. إشكالية الوضع أو المواضعة

قامت نظرية النظم لدى عبد القاهر الجرجاني على أساس أسبقية المعاني على الألفاظ؛ فقبل أن يكون الاسم كان المسمّى، و"هل كانت الألفاظ إلا من أجل المعاني؟ [...] وأوضاعاً قد وضعت لتدل عليها؟ فكيف يتصوّر أن تسبق المعاني؟ وأن تتقدّمها في تصوّر النفس؟ إن جاز أن تكون أسامي الأشياء قد وضعت قبل أن عرفت الأشياء، وقبل أن كانت".(34) والألفاظ -كما يرى الجرجاني- أوعية للمعاني وتبع لها، "فإذا وجب لمعنى أن يكون أولاً في النفس، وجب للفظ الدال عليه أن يكون مثله أولا في النطق، فأما أن تتصوّر في الألفاظ أن تكون المقصودة قبل المعاني بالنظم والترتيب، وأن يكون الفكر في النظم الذي يتواصفه البلغاء فكراً في نظم الألفاظ، أو أن تحتاج بعد ترتيب المعاني إلى فكر تستأنفه لأن تجيء بالألفاظ على نسقها، فباطل من الظن".(35)

يقول محمد محمد أبا موسى في شرحه لهذه الفكرة: "اللغات كلها مغروسة في النفوس، والذي نحتاج إلى أن نتعلّمه هو السمات والعلامات[...] فإذا تعلّمت مواضعات الألفاظ ومجاري المباني في أي لغة فقد تعلّمت شقّها الثاني"؛(36) لأن الشق الأول مغروس في الطبع، ومكتسب من غير تكلّف.

ومن أدلّة أن المفاهيم سابقة على المصطلحات أن المواضعة المصطلحية لا تكون ولا تتصوّر إلا على معلوم؛ "فمحال أن يوضع اسم أو غير اسم لغير معلوم، ولأن المواضعة كالإشارة".(37) وهذا ما ذهب إليه عبد القاهر الجرجاني؛ وهو يستدل في إثبات سبق المسميّات على الأسماء بقصة تعليم آدم الأسماء في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِ‍ُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣١} [البقرة:31]

وقد شرح الباحث مسعود بودوخة هذه الفكرة وضرب لها مثالاً بعملة الأوراق النقدية؛ (38) فهي ليست بذات قيمة في ذاتها مجرّدة عما ترمز إليه من قيم مادية مرتبطة بها، وهي سابقة عليها، لأن قيمة القطعة النقدية سابقة على سك القطعة في ذاتها.

02. 01. إشكالية وضع مصطلح علم النقد الأدبي

02. 01. 01. تأصيل مصطلح علم النقد الأدبي

يعزى وضع علم النقد الأدبي إلى قدامة بن جعفر، وعلى الرغم من وجود مؤلفات في القرن الثالث الهجري عنيت بنقد الشعر، إلا أن قدامة بن جعفر الذي اطلع حتى على ثقافة اليونان لم يلتفت إلى تلك الجهود العربية؛ لأنه يصرح بأنه لم يجد "أحداً وضع في نقد الشعر وتخليص جيده من رديئه كتاباً"،(39) ويردف قائلاً: "فأما علم جيد الشعر من رديئه فإن الناس يخبطون في ذلك منذ تفقهوا في العلم، فقليلاً ما يصيبون؛ ولما وجدت الأمر على ذلك وتبيّنت أن الكلام في هذا الأمر أخص بالشعر من سائر الأسباب الأخر، وأن الناس قد قصروا في وضع كتاب فيه، رأيت أن أتكلم في ذلك بما يبلغه الوسع"؛(40) فالنقد لدى قدامة (علم) ومجاله تخليص الجيد من الرديء في الشعر، أما سائر ما يتعلق بالشعر من علم العروض والوزن، والقوافي، والغريب، واللغة والمعاني، فليس مما يدخل في باب النقد إلا على نحو عارض، وقد أكثر الناس في التأليف في تلك العلوم وقصَّروا في علم النقد.(41) 

وإذا كان وجود النقد العربي القديم مرتبطاً في مراحله المبكرة بالشعر، وأن هذا الشعر العربي قد حمل في طيّاته بواكير المفاهيم النقدية واصطلاحاتها؛ فإن محمد مندور في كتابه النقد المنهجي عند العرب يرى بأن النقد ليس علماً ولا يمكن أن يكون علماً، وإن وجب أن نأخذ فيه بروح العلم.(42) والمتأمل في التآليف الأولى للمدونة النقدية يجد بأن استعمال مصطلحات من مثل: (أهل العلم، العلم بالشعر، البصر،(43) النظر،(44) الفراسة،(45) المعاينة،(46) المدارسة(47)[...]) كانت سابقة لمصطلح (النقد)، ولعل أسبقها جميعا هو مصطلح أهل الشعر وذلك باعتبار الشعر صناعة؛ ولكل صناعة أهلها كما قال غير واحد من النقاد:

-                       الأصمعي: "يسأل عن كل صناعة أهلها".(48)

-                       ابن سلام الجمحي: "وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات".(49)

-                       القاضي الجرجاني: "ولكل صناعة أهل يرجع إليهم في خصائصها ويستظهر عند اشتباه أحوالها".(50)

-                       الباقلاني: "لكل عمل رجال ولكل صنعة ناس".(51)

-                       وقيل للمفضل (168ه): "لم لا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به. قال: علمي به هو الذي يمنعني من قوله".(52)

إن هذا الإجماع في جوهره إنما هو دعوة صريحة من هؤلاء إلى ضرورة استقلال السلطة النقدية، "وقد اختلفت العلماء بعد في بعض الشعر كما اختلفت في سائر الأشياء، فأما ما اتفقوا عليه فليس لأحد أن يخرج منه".(53) ولذلك ذهب الباحث توفيق الزيدي إلى أن مثل هذه الصرامة قد أدت إلى أن تُكوِّن تلك الأحكام الرصيد المرجعي في التراث النقدي، فإن هي تكرَّرت حيناً، فقد اتخذت أصولها سنداً في المواقف النقدية في أحايين كثيرة.(54)

إن القياس المنطقي في تلك الآراء يفرض مقدمة كبرى هي: (لكل صناعة علم)، ومقدمة صغرى هي: (الشعر صناعة)، فتكون نتيجة القياس هي أن للشعر علماً؛ وفي ذلك يقول ابن سلام: "وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم. والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان، ومن ذلك اللؤلؤ والياقوت، لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره، ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم، لا تعرف جودتها بلون، ولا مس، ولا طراز، ولا صفة، ويعرفه الناقد عند المعاينة".(55)

ولعلَّ صورة الصرَّاف والعالم بالشعر عند خلف الأحمر مهمة إلى حد أنها تمثل في رأينا الصورة الأصل في تبلور النظرية النقدية عند العرب. إذ نقف من مقولة خلف الأحمر على أمرين: (الاستحسان الغُفْلُ والاستحسان الحقيقي)، وهذا الأخير لا يصدر إلا عن العالم بالشعر، لذلك صح التبشير بميلاد سلطة مهمتها إصدار الحكم، ولا تستطيع أن تنافسها في ذلك أيَّة سلطة أخرى، إذ تحميها قوة الإجماع.(56)

ولا شك أن تَولُّد هذه الصورة لدى خلف الأحمر لم يكن مجرد قياس، بقدر ما يدل ذلك على أن الأدب لدى خلف الأحمر إنَّما هو خاضع للتبادل الذي يستدعي سلطة مُراقِبة ومُنظِّمة ومُقيِّمة، ولعلَّ التركيز على شرعية هذه السلطة هو الذي جعل النقاد لا يُولون تسميتها عناية كبرى.(57)

02. 01. 02. استقلالية سلطة النقد الأدبي

جاء في كتب أخبار الشعر العربي عن المفضل الضبي معلقاً على حماد الراوية: "قد سُلِّطَ على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبداً. فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في روايته أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، لا ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم فلا يزال يقول الشعر يُشَبِّهُ به مذهب رجل ويدخله في شعره، ويحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء ولا يتميَّز الصحيح منها إلا عند ناقدٍ، وأين ذلك؟".(58)

ومن الخبر نتبيّن أن النقاد قد تنبَّهوا إلى أن السلطة النقدية لابد أن تكتسب استقلاليتها عن سلطة الرواة واللغويين؛ لذلك ألفينا في التراث النقدي سلسلة من الطعون التي أصابت ظهور هؤلاء، فهذا الصّولي يتعرض للرواة بأنهم "يعلمون تفسير الشعر ولا يعلمون ألفاظه"،(59) "أتراهم يظنون أن من فسَّر غريب قصيدة أو أقام إعرابها، أحسن أن يختار جيِّدها ويعرف الوسط والدُون منها ويميِّز ألفاظها".(60) وللجاحظ موقف يدل على الجرأة الفكرية، إذ تبيَّنت له غايات النحويين ورواة الأشعار والأخبار؛ يقول: "ولم أر غاية النحويين إلا كل شعر فيه إعراب، ولم أر غاية رواة الأشعار إلا كل شعر فيه غريب أو معنى صعب يحتاج إلى الاستخراج. ولم أر غاية رواة الأخبار إلا كل شعر فيه الشاهد والمثل".(61) إن مثل هذه الحدة في الطعون لا تعني القدح في علم الرواة واللغويين، بقدر ما تعني التعبير عن ضرورة استقلال السلطة النقدية عن غيرها.

02. 01. 03. مرجعية مصطلح النقد

(العملة النقدية بين الوجه التجاري والوجه الأدبي)

اقترن لفظ النقد في اللغة العربية في أول عهده بالنقود في معنى الرداءة، ثم ارتحل إلى علم النقد الأدبي محملاً بمعنى الرداءة، ليصطلح على الكلام الرديء. ولعلّ استلهام صورة نقد الدراهم والوصول إلى وظيفة النقد، وهي تمييز الجيد من الرديء، انبثقت عنها التسمية الأولى لعلم الشعر بالنقد، وكانت خلاصة قدامة بن جعفر عندما وضع علماً للشعر أن يقتطع المصطلح التجاري (نقد الدراهم)، ويولِّد بدلا منه مصطلحاً أدبياً (نقد الشعر).(62) وفيما يأتي سنعرض لأهم مصطلحات العملية النقدية التي اتخذت لها من العملة النقدية مرجعاً لها.

أ. مصطلح النقد

إن استقراء المدونة النقدية يقودنا إلى أن ابن سلام الجمحي هو أول من استعمل مصطلح النقد انطلاقاً من استعماله اسم الفاعل (ناقد)، وذلك حين أورد خبر خلف الأحمر -السابق-داعماً به رأيه في أن النقد صناعة؛(63) "ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا تعرف جودتهما بلون ولا طراز ولا وسم ولا صفة. ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بَهْرَجَهَا وزَائِفَهَا وسُتُّوقَهَا ومُفْرَغَهَا".(64) وقد يكون سبب اقتراب ابن سلام الجمحي من مصطلح (النقد)، هو أن مصطلح (ناقد) في عصر ابن سلام هو الرائج في المجال التجاري، فكان الاستعمال مجازياً أدى إلى ارتحال المصطلح من سياق تجاري إلى سياق أدبي، ولكن ذلك لا يدل على أن (النقد) قد استقر واستقل مصطلحاً أدبياً.(65)

إن صاحب المعرفة في ميدان الشعر، إنما هو صرَّاف وعلى اطلاع بأحوال النقد والصيرفة، وبما أن حكمه حاسم ونهائي، فإن القطعة التي يطعن في صحتها محكومة بأن تسحب، آجلاً أو عاجلاً، من التداول النقدي؛(66) وفي ذلك قال رجل ذات يوم لخلف الأحمر: "إذا سمعتُ أنا بالشعر أستحسنُهُ فما أبالي ما قلتَ فيه أنت وأصحابك. قال: إذا أخذتَ درهماً فاستحسنتَهُ فقال لك الصرَّاف: إنه رديء! ينفعك استحسانك إياه؟".(67)

ولكن يحدث أن يكون الصرَّاف ذاته محتالاً لا يعتدُّ به؛ إذ يعمل على دسِّ عملة مزيفة. وهكذا فإن خلف الأحمر، الذي كان يبدو في النص الذي أوردناه سابقاً، حريصاً على سلامة سوق النقد، كان هو وحماد الراوية، من أكبر المحتالين المزيِّفين للقطع الشعرية في الثقافة العربية. ولا شك أن الصرَّاف عندما يكشف عن زيفه، سرعان ما يفضحه أصحاب حرفته، لكن عندما يملأ المزيفون سوق الصيرفة، تتعقد المسألة ويعم الشك كل الصرافين على السواء.(68) وبالتالي ذلك يحط من النظام القيمي في المجال التجاري، كما يحط من النظام القيمي في المجال الأدبي.

ب. مصطلح العيار

إن مصطلح (عيار الشعر) الذي ألفيناه عنوانا لمؤلف ابن طباطبا إنَّما هو من المصطلحات الاقتصادية، وإذا كان مصطلح (نقد) الاقتصادي قد استعمله لأول مرة ابن سلام الجمحي، فإن مصطلح (عيار) ظهر لأول مرة مجازاً لدى الجاحظ في كتاب البيان والتبيين، حين الحديث عن أصحاب الحوليات، إذ كان الشاعر "يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كَرِيتاً[...] فيجعل عقله زماماً على رأيه، ورأيه عياراً على شعره إشفاقاً على أدبه".(69)

يقودنا الجذر اللغوي (ع. ي. ر) إلى دلالات كثيرة، نتوقف عند ما تعلق منها بالمكاييل والموازين: "العِيَارُ هو ما عَايَرْتَ به المكاييل[...] تقول عَايَرْتُ به أي سوَّيته".(70) والتقدير يتم بمقابلة المكيال بما يساويه حِنْطَةً أو غيرها حسب ما هو مقدَّر في البلد الواحد.(71)

وبهذا وضع ابن طباطبا للشعر معيارا لنقده؛ وهو الفهم الثاقب، ثم حدد علتين لحسن الشعر وقبول الفهم إياه؛ هما: الاعتدال، وموافقته لمقتضى الحال.(72)

ويتصل بمصطلح العيار مصطلح اقتصادي آخر هو؛ السَّبك، فالوزن، والسَّبك يشكلان عيار النقود المعتمد، عندها يختم على تلك الدنانير بوضع علامة السلطان على تلك النقود.(73)

ج. مصطلح البهرج

وارتبط العلم بالشعر، كذلك، إلى جانب النقد والصيرفة، بمصطلحات أخرى من المجال التجاري، كالبَهْرَجِ؛(74) وهو مصطلح يؤكد تقاطع الأدبي والتجاري، وحلقة الوصل بين المجالين إنما تكمن في الشكل التبادلي بين طرفين، مع الاحتكام إلى معيار الجودة والرداءة،(75) والدِّرهم البهرج هو الرديء و"المضروب في غير دار السلطان"،(76) وهو ما يدل على زيفه وسقوط قيمته، وإن لم تكن هناك إلا فُوَيْرِقَات بسيطة تميِّزه عن الدِّرهم المضروب في دار السلطان، فإن مثل هذه الفويرقات تخفى على عامة الناس، ولكنها غير خافية على أهل الجهبذة بالدِّينار والدِّرهم؛(77) ممَّا يشرِّع لقيام سلطتهم. وهي الغاية التي جعلت ابن سلام الجمحي يسوق تلك المصطلحات الصيرفية: "ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا تعرف جودتهما بلون ولا طراز ولا وسم ولا صفة. ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بَهْرَجَهَا وزَائِفَهَا وسَتُّوقَهَا ومُفْرَغَهَا".(78)

لقد تساوى السياقان، وتشاكلت حالة الدرهم البهرج مع حالة الكلام البهرج، وذلك دليل على أن النظام الذي يشدُّهما واحد، وهو نظام ينبني على قانون التشابه؛ إذ كما يسعى المحتال إلى إلقاء الشَّبه بين العُملات، فإن صاحب الكلام البهرج يتبع المسلك نفسه.

د. مصطلح الطبع

تبرز لنا الأسباب الدافعة إلى اختيار مادة: (ط. ب. ع) لتشكيل مصطلح (طبع)، وتعود تلك الأسباب، في نظرنا، إلى متصور (الختم) المرتبط بالقيمة، فإن المرجع اللغوي الأساسي إنما هو الطبع؛(79) "الختم على الدنانير والدراهم المتعامل بها بين الناس بطابع حديد ينقش فيه صور أو كلمات مقلوبة ويضرب بها على الدينار أو الدرهم"،(80) وذلك للتمييز قصد التعامل في السوق، ومن خلال تشاكل صورتي النقود/الكلام؛ نتبيّن بأن الكلام الحقيقي الأصيل هو المطبوع، فالكلام والدرهم المطبوعان مقبولان، وما لم يطبع منهما إنما هو مردود ومتكلف وبهرج.

خاتمة

في الأخير؛ تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من النقاد قد وجدوا في مصطلحات العلوم الأخرى دلالات جاهزة، فنقلوها إلى ميدان النقد، فاختلفت مفاهيمها، باختلاف الموضوعات، ولكنها بقيت بصيغتها اللفظية، ودلالتها العامة؛ فقد يكون المصطلح مشاعاً، ولكن قد يختلف مفهومه، تبعاً لاختلاف طبيعة الموضوع، وقد يكون في موضوعات متعددة، ولكن لدى كل موضوع بمعنى خاص.(81) ووحدة المصطلحات وخلو المفاهيم من التداخل والاضطراب يوفران الشروط الموضوعية لتلقي المعرفة، ويضمنان تواصلاً فاعلاً بين النص والمتلقي، ويبشران بنمو الحقل المعرفي وتطوره؛ إذ إن "ثقافة أية أمة من الأمم، تقوض وتفكك بالنظر لعدة أسباب أهمها اضطراب دلالة المصطلح، وتكاثر المصطلحات، وتعارض مفاهيمها، وعدم استقرارها"،(82) وقد يحجم المتلقي الباحث في أحايين كثيرة عن دراسة ظاهرة ما فراراً من تعدد المصطلح، وخلاصاً من المساءلة، وبخاصة في أبحاث الدراسات العليا التي تقتضي دقة وموضوعية وشفافية. ولأجل ذلك؛ تولت هذه الورقة البحثية معالجة أهم إشكالات المصطلح النقدي في التراث العربي.



الهوامش

1.ينظر: عمر عتيق، في قضايا المصطلح النقدي والبلاغي والعروضي والإعلامي، دار جرير للنشر والتوزيع، الأردن، ط:1، 2015م، ص:13.

2.                        ينظر: نفسه، ص:13.

3.سعد مصلوح. الأسلوب. عالم الكتب. القاهرة. ط:3. 1992. ص:30.

4.                        ينظر: محمد أزهري، أسئلة المنهج في دراسة المصطلح البلاغي العربي التراثي (قضايا ونماذج)، أعمال الندوة العلمية الدولية في موضوع: سؤال المصطلح البلاغي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بني ملال، المغرب، يومي: 26/27 أفريل 2016م، مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، العدد:9، 2016م، ص:74.

5.علي القاسمي، لماذا أهمل المصطلح التراثي، مجلة المناظرة، السنة:4، العدد:6، ديسمبر 1993م، ص:39.

6.                        الشاهد البوشيخي، نظرات في المصطلح والمنهج، سلسلة دراسات مصطلحية، رقم:3، مطبعة أنفو-برانت، فاس، المغرب، ط1، 2002م، ص:11.

7.نفسه، ص:56.

8.                        الشاهد البوشيخي، من تقديمه لكتاب: (مصطلح القافية من الأخفش الأوسط إلى حازم القرطاجني)، تأليف: محمد أزهري، منشورات مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، فاس، المغرب، ومعهد الدراسات المصطلحية بفاس، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن، 2010م، ص:2/3.

9.الشاهد البوشيخي، نظرات في المصطلح والمنهج، ص:10.

10.                     أحمد مطلوب، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، الدار العربية للموسوعات، بيروت، لبنان، ط1، 2006م، ص:5.

11.                      ينظر: عبد المالك الشامي، النقد الأدبي في الأندلس بين النظرية والمصطلح، منشورات المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية، منشورات آنفو برانت، المغرب، (د.ط)، (د.ت)، ص:257.

12.                     ينظر: لحسن دحو. كاريزما المصطلح النقدي العربي؛ تأملات في الوعي النقدي وصياغة المفهوم، مجلة أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، عدد:07، 2011م، ص:210.

13.                      محمد عزام. المصطلح النقدي في التراث الأدبي العربي. دار الشرق العربي. لبنان. (د.ط). (د.ت). ص:07.

14.                     ينظر: عمر عتيق، في قضايا المصطلح النقدي والبلاغي والعروضي والإعلامي، ص:125.

15.                      نفسه، ص:125.

16.                     أحمد مطلوب، معجم مصطلحات النقد العربي القديم، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 2001م، 1/19.

17.                      يؤيد ذلك ما رواه المرزباني؛ روى أن الأخفش سأل الخليل: "لم سميت الطويل طويلا؟ قال: لأنه تمت أجزاؤه. قال فالبسيط؟ قال: لأنه انبسط عن مدى الطويل. قال فالمديد؟ قال: لتمدد سباعيه حول خماسيه. قال فالوافر؟ قال: لوفارة الأجزاء وتدا بوتد. قال فالكامل؟ قال: لأن فيه ثلاثين حركة لم تجتمع في غيره. قال فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة. قال فالرمل؟ قال: لأنه يشبه رمل الحصير بضم بعضه إلى بعض[...]". ينظر: نور القبس، 71. نقلاً عن: حسين لفته حافظ، العلاقة بين الذوق والمصطلح النقدي في التراث النقدي العربي القديم، مجلة مركز دراسات الكوفة، المجلد:1، العدد:12، 2009م، ص:38.

18.                     عبقري من البصرة، ص:97. نقلاً عن: حسين لفته حافظ، العلاقة بين الذوق والمصطلح النقدي، ص:38.

19.                      اختصر السيوطي أهم مواقف القدامى -من لغويين وغيرهم- من مسألة الاصطلاح والتوقيف كابن فارس وابن جني وفخر الدين الرازي والغزالي وابن الحاجب. ينظر: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، قرطاج2000، ط1، 1998م، ص:393.

20.                     السيوطي، المزهر، 1/ص:7إلى31. نقلاً عن: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:393.

21.                     أبو عثمان عمرو بن بحر (الجاحظ)، الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1965م، 1/330.

22.                     نفسه، 1/139.

23.                     توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:394.

24.                     الجاحظ، البيان، 1/139.

25.                     قدامة بن جعفر، نقد الشعر، تحقيق: كمال مصطفى، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1978م، ص:23-24.

26.                     ابن وهب، نقد النثر، 73/74. نقلا عن: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:396.

27.                     الجاحظ، البيان، 1/139.

28.                     حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص:252.

29.                     نفسه، ص:48.

30.                     أبو القاسم الحسن بن بشر (الآمدي)، الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار المعارف، القاهرة، ط4، (د.ت)، ص:258.

31.                      ينظر: عبد الغني بارة، إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر (مقاربة حوارية في الأصول المعرفية)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (د.ط)، 2005م، ص:285.

32.                     نفسه، ص:286.

33.                      ابن المعتز، البديع، ص:2-3.

34.                     عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمد رضوان مهنا، مكتبة الإيمان، القاهرة، (د.ط)، (د.ت)، ص:316.

35.                      نفسه، ص:84.

36.                     محمد محمد أبو موسى، مراجعات في أصول الدرس البلاغي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 2005م، ص:160.

37.                      عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص:395.

38.                     مسعود بودوخة، نظرية النظم (أصولها وتطبيقاتها)، البدر الساطع للطباعة والنشر، ط1، 2016م، ص:38.

39.                      قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص:1.

40.                     نفسه، ص:2.

41.                     إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب (نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري)، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة العربية الأولى، الإصدار الخامس 2011م، ص:179.

42.                     سلام أحمد إدريسو، المصطلح الفلسفي في النقد والبلاغة العربيين، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2015م، ص:76.

43.                     إذا نظرنا في مؤلف ابن سلام الجمحي، فإننا نلاحظ أنه يجري لفظ (البصر) في معناه اللغوي: "... من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا تعرفه بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره"، ثم يجري اللفظ في مستواه المصطلحي، وذلك بربطه بالصناعات فيذكر : "البصر بغريب النّخل"، و"البصر بأنواع المتاع"، و"بصر الرقيق". وهذا الاستعمال هو الذي يمكن أن نخص به النقد على أنه (بصر بالشعر)، وإن لم يتواتر ذلك عند ابن سلام الجمحي إلا مرة واحدة: "قلت لعمرو بن معاذ التيمي وكان بصيرا بالشعر: من أشعر الناس؟". ينظر: ابن سلام (الجمحي)، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، ط2، 1974م، ص: 5/6/96.

44.                     استعمل ابن سلام الجمحي مصطلحات مرادفة لمصطلح (البصر بالشعر)، ومن ذلك: الفحص والنظر؛ التي تفيد في الاستعمال النقدي دلالة التأمل، كقوله: "ثم اقتصرنا بعد الفحص والنظر والرواية عمن مضى...". ينظر: ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:49.

45.                     قال ابن سلام الجمحي عن خلف الأحمر بأنه: "كان أفرس الناس ببيت شعر، وأصدقه لسانا". ينظر: ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:60.

46.                     كما قال ابن سلام الجمحي في موضع آخر مستعملا مصطلح المعاينة: "ويقال للرجل والمرأة في القراءة والغناء: إنه لنديُّ الصوت طويل النفس مصيب للحن. ويوصف الآخر بهذه الصفة وبينهما بون بعيد يعرف ذلك العلماء عند المعاينة والاستماع له بلا صفة ينتهى إليها ولا علم يوقف عليه". وكذلك الدينار والدرهم "لا تعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز ولا صفة، ويعرفه الناقد عند المعاينة". ينظر: ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:5/6/7.

47.                     وقال ابن سلام الجمحي أيضا: "إن كثرة المدارسة لَتُعْدِي على العلم به". ينظر: ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:7.

48.                     أبو عثمان عمرو بن بحر (الجاحظ)، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط4، 1975م، 2/100.

49.                     ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:5.

50.                     القاضي علي بن عبد العزيز (الجرجاني)، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د.ط)، 1966م، ص:100.

51.                      الباقلاني، إعجاز القرآن، ص:128.

52.                     ابن رشيق (القيرواني)، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1981م، 1/117.

53.                      ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:4.

54.                     ينظر: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:321.

55.                      الرسالة الواضحة. ص:42. نقلاً عن: فضل ناصر مكوع، نقد النص الأدبي وقضاياه في العصر الجاهلي، دار رسلان، سوريا، ط:1، 2010م، ص:24.

56.                     ينظر: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:321.

57.                      ينظر: نفسه، ص:321.

58.                     الأصفهاني، الأغاني، 6/85. نقلاً عن: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:315.

59.                      أبو بكر محمد بن يحي (الصولي)، أخبار أبي تمام، تحقيق: محمد عبده وخليل محمود عساكر ونظير الإسلام الهندي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط3، 1980م، ص:101.

60.                     نفسه، ص:127.

61.                     الجاحظ، البيان والتبيين، 4/24.

62.                     ينظر: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:336.

63.                     ينظر: نفسه، ص:322.

64.                     ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:5.

65.                     ينظر: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:322.

66.                     ينظر: عبد الفتاح كيليطو، الكتابة والتناسخ، ضمن الأعمال (الجزء الثاني: الماضي حاضرا)، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 2015م، ص:166.

67.                     ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، 1/7.

68.                     ينظر: عبد الفتاح كيليطو، الكتابة والتناسخ، ص:166.

69.                     الجاحظ، البيان والتبيين، 2/9.

70.                     ابن منظور، لسان العرب، مادة: (ع. ي. ر).

71.                      الخوارزمي، مفاتيح العلوم، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1984م، ص:93.

72.                     ينظر: فخر الدين عامر، أسس النقد الأدبي في عيار الشعر، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2000م، ص:52.

73.                      عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد، الدار الذهبية، القاهرة، (د.ط)، 2006م، ص:226.

74.                     قد تبيَّن من المراجعة البحثية للمصطلح أن لفظ (البَهْرَجِ) معرب عن الفارسية، "وقيل هي كلمة هندية أصلها نَبْهَلَهْ، وهو الرديء، فنقلت إلى الفارسية، فقيل نَبْهَرَهْ، ثم عُرِّبت بَهْرَجَ". ينظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة: (ب.ه. ر.ج).

75.                      ينظر: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:309.

76.                     الجواليقي، المعرب، 97. نقلاً عن: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:309.

77.                      ينظر: توفيق الزيدي، جدلية المصطلح والنظرية النقدية، ص:310.

78.                     ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ص:5.

79.                      قد يرى القارئ بأن الطبع باعتباره مصطلحا نقديا، إنما يرجع إلى الطبيعة، طبيعة المرء، وليس الطابع بمعنى الختم، فإننا نرى بأن كلا المعنيين يستقيان من معين واحد؛ فالطبع هو المثال، طبيعة المرء ما اعتاد على الإتيان بمثاله، وطبع الشيء قولبة على مثاله. ينظر: ابن منظور، اللسان، مادة: (ط. ب. ع). "الطبع: المثال".

80.                     ابن خلدون، المقدمة، 261.

81.                     ينظر: أحمد يحي علي الدليمي، المصطلح النقدي عند أسامة بن منقذ في كتاب البديع في نقد الشعر، دار غيداء للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2014م، ص:35.

82.                     عمر عتيق، في قضايا المصطلح النقدي والبلاغي والعروضي والإعلامي، ص:125.


 

@pour_citer_ce_document

زكريا بوشارب, «مصطلح علم النقد الأدبي؛ إشكالاته ومرجعياته»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 108-118,
Date Publication Sur Papier : 2019-12-26,
Date Pulication Electronique : 2019-12-26,
mis a jour le : 26/12/2019,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=6318.