الليبرالية بين المصلحة الفردية والقيم الجماعية من منظور مونتيسكيو كما يراه ليو شتراوسLiberalism between individual interest and collective values from Montesquieu perspective, as Leo Strauss sees it
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N:02 vol 17-2020

الليبرالية بين المصلحة الفردية والقيم الجماعية من منظور مونتيسكيو كما يراه ليو شتراوس

Liberalism between individual interest and collective values from Montesquieu perspective, as Leo Strauss sees it
ص ص 339-350
تاريخ الإرسال: 2019-02-07 تاريخ القبول: 2020-06-08

عبد الفراج نصر الله
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

انتبه "ليو شتراوس" إلى أن أزمة الدولة في تخليها عن فكرة الفضيلة السياسية واستبدالها بالقوانين، لكن الحقيقة تكمن في روح القوانين لا في شكلها وآلية إنفاذها – تطبيقها -، وبالتالي فالفضيلة السياسية التي يقترحها مونتيسكيو ويجد فيها شتراوس ملاذا هي الحل، وهي تعني ضرورة التقيد بالقوانين السياسية، مضافاإليها مسألة نكران الذات،والعمل لمصلحة الجماعة لا المصلحة الفردية، وهنا يقترح "شتراوس"ضرورة العودة إلى الفكر الفلسفي الكلاسيكي، الذي يزاوج بين المسألتين (الفضيلة والقانون) أو لنقل بتعبير العصور الوسطى: قوانين العقل وفكرة التضحية كما هي في الدين المسيحي، فالتمييز هنا لم يعد ممكنا بين الفضيلة والسياسة، من الناحية العملية على الأقل، وهو ممكن فقط لغويا أو بلاغيا، فدعامة الليبرالية هي الحرية،ولكن أيضا العمل ضمن فريق. والهدف النهائي هو مصلحة الجميع عبر تحسين أداء المؤسسات، وهكذا يلتقي الجهد الفردي – القانون الأخلاقي – بالجهد والمصلحة الجماعية – القانون السياسي – فلا يصبح عندئذ أي تعارض بين الفضيلة الأخلاقية والفضيلة السياسية.

الكلمات المفاتيح

: ليو شتراوس، مونتيسكيو، الفضيلة، السياسة، القانون، المصلحة الفردية، المصلحة الجماعية

Léo Strauss considère que la crise de l’Etat moderne est dans l'éloignement  de l'idée de la vertu politique remplacée par les lois. En fait, la vérité est intrinsèque à l'idée de l'esprit des lois et non à la forme et aux procédures de ses applications. Alors Strauss adopte La vertu politique proposée par "Montesquieu" en étant la solution à ce problème puisque la vertu politique signifie la soumission obligatoire aux lois, l'abnégation et l'œuvre pour l'intérêt général, non à l'intérêt individuel. Strauss propose alors le retour à la pensée politique classique; une pensée qui marie (vertu et loi), ou selon les dires du moyen âge: les lois de la raison et l'idée du sacrifice comme elle est dictée par le christianisme. Donc La distinction entre vertu et politique n'est guère possible – au moins sur le plan pratique – elle ne l'est que sur le plan linguistique ou métaphorique puisque le support du libéralisme est la liberté ainsi que le travail en groupe dont l’objectif est l'intérêt général à travers la performance des institutions, c’est là ou se croisent l'effort individuel (loi morale) et l'intérêt général (loi politique). Donc la vertu morale et la vertu politique ne se contredisent pas.

           Mots clé:Leo Strauss, Montesquieu, La vertu, La Politique, La Loi, L'intérêt individuel, L'intérêt général

Leo Strauss noted that the state’s crisis is in abandoning the idea of ​​political virtue and replacing it with laws, but the truth lies in the spirit of the laws and not in their form and the mechanism of their enforcement or their application. Therefore the political virtue that Montesquieu proposes and that Strauss finds a haven is the solution. This political virtue requires submission to the laws, self-denial and work for the collective interest not the individual one. For instance, Strauss suggests the need to return to classical philosophical thought, which combines the two issues (virtue and law) or, in other words, the laws of reason and the idea of ​​sacrifice as it is dictated in the Christian religion. The distinction between virtue and politics is no longer possible, at least at the practical level. Yet, it is only possible at the linguistic or rhetorical levels. The pillar of liberalism is freedom and team work and its ultimate goal is improving the performance of institutions, and, thus, the individual effort (moral law) is intertwined with the collective interest (political law). Therefore, there will be no conflict between moral virtue and political one.

Keywords:Leo Strauss, Montesquieu, Virtue, politic, Law, Individualinterest, General interest

Quelques mots à propos de :  عبد الفراج نصر الله

 جامعة محمد لمين دباغين سطيف2abdelfaradj@hotmail.com
 

الأخلاق والقوانين كمبادئ لقيام الدولة

يدور الحديث في هذه الأسطر حول كيفية تصور إطار لمجال الفكر السياسي ومناقشته، إذ يبدو أن انتقاد لغة الفضيلة يرتبط ارتباطا لا ينفصم عن تطور الأخلاق، التي يسودها نكران الذات، ورفض هذه الوجهة من النظر يصاحبه حتما تقليص فرص حضور الفضيلة المدنية، أي تلك التي يفرضها القانون إلى حدود يستبعد فيها كل منهما الآخر. وهذا يمثل نذيرا بتمزق الفرد بين أخلاقه وقوانين بلاده؛ في هذه المسألة يجد شتراوس مساهمة حاسمة من مونتسيكيو، ومن ناحية أخرى يستعرض الآثار المدمرة للرأي الأول والتي اعتبرها مثيرة للسخرية، ليس من طرفه ولكن من طرف كثير من الفلاسفة، إنها منافية لتاريخ الأفكار السياسية فهي مزورة، وغير متوافقة مع الطبيعة الإنسانية، فحيث لا تلتزم القوانين بالفضيلة تصبح الحياة الفردية والعلاقات الاجتماعية أكثر برودة، فالسعادة لا تعني التخلي عن الفضيلة أو تدميرها لمصلحة القانون، والفرق بينهما ربما كان – حسب شتراوس – في التسمية أو اللغة المستخدمة فقط، فكثيرا ما تتميز لغتنا السياسية برفض غير مسبوق في الإشارة إلى الفضيلة، ولكن في حالة الانسجام التام يتم التوفيق بينهما، فيمتزج الحس الفردي السليم بالحس المدني العالمي. وأن ما يبدو رمزا للتميز في عالم الأخلاق والمدنية، فهو تمييز عفا عنه الزمن، فمن الصعب في شرعية الأسباب التي قدمها منتقدو هذا الرأي، أي الرأي الذي يجعل من الأخلاق كيانا مختلفاكليا عن الأخلاق المدنية. إنه ركيزة الثقافة السياسية ذات المركز المرجعي أو الأبوي أو الاثني أو النخبوي. يبدو أنها تركز على كل ما تسعى مجتمعاتنا التعددية إلى تطهيره، سوف لن يعلق شتراوس على هذا الأمر، وينتقل إلى فحص المشاكل الأخلاقية والسياسية التي أثارها هذا التحول – المزعوم – من الفضيلة نحو القانون، من أجل التركيز وتسليط الضوء على واحدة من الأساليب المفاهيمية التي أدت إلى ظهور هذه الوجهة من النظر، التي عرفت في مجال الفكر السياسي عندما يتعلق الأمر بتقديم تعريف لخصائص المواطن. ما هي خصائص ومتطلبات هذه الفضيلة التي نسعى إلى التهرب منها لمصلحة القانون المدني؟ هل هناك سبب قوي للتفكير في إقصاء الفضيلة التي من شأنها – إذا جاز التعبير – أن تكون مخصصة من أجل الفرد، نفترض أن نقد لغة البناء الأولي للفضيلة كان ولا يزال مرتبطا بوضع مفهوم لا يتبدل لأخلاق لا توجد إلا من خلال نكران الذات، وبالتوازي مع قمعها، أصبحت فضيلة المواطن تقدم نفسها بشكل حصري تقريبا في شكل تضحية– نموذج الأخلاق المسيحية – وهذا هو الدليل الثقافي الذي قد يستمر في أفراد سلالة أو مجتمع بكامله، ولكن هل هذه الأخلاق نقية وبسيطة لكونها متفانية ومتسامحة، أم هي كذلك لأنها تطلب إضفاء الطابع المثالي عليها وعلى الفضيلة المدنية التي قد تتولد عنها في زمن لاحق، وهنا يلاحظ شتراوس – كما ذكرنا – المساهمة البالغة الأهمية لـ "مونتسيكيو".ومن ناحية أخرى سيكون السؤال بخصوص التشكيك في القيمة الاستدلالية لهذا التكوين المفاهيمي، من خلال السؤال عما إذا كان من الممكن حساب المفاهيم الحديثة الرئيسية للأخلاق المدنية. يحاول شتراوس في البداية أن يلقي الضوء على الطابع الهيكلي لفكرة عدم التكافؤ بين الفضيلة والحداثة في الليبرالية المعاصرة والجمهوريات والدول أو المدنيات التاريخية، ثم تسعى إلى تحديد القيمة الكبيرة لمساهمة مونتسيكيو، وبشكل أدق إلى تاريخ الخطابات الحديثة حول الفضيلة المدنية، ومن ثم محاولة السعي إلى تقديم أو إظهار قيمة التضحية بالنسبة إلى الفضيلة، وعدم كفاية الفضيلة في المجتمعات الحديثة، إنها تبدو كما لو كانت فضيلة سياحية ذات سوابق مفاهيمية لم يسبق لها مثيل.1نجد المنظور الجمهوري للإلمام الأرسطي من هانا أرندت2إلى مايكل سانديل3اللذين أصرا على مركزية المثل أو النموذج المدني اليوناني في الفكر السياسي الحديث. وقد سعى هذا التيار إلى تصحيح التفسير الليبرالي واستعادة قيمة اللغة واستمرارها في تشكيل فكرة الفضلة في المدنية الحديثة، وهناك تيار يمكن وصفه بأنه محافظ، يعتبر أنه حتى ولو كانت ثمة مساحة للفضيلة في الحداثة فإن لغة الفضيلة تميل إلى فقدان مضمونها المعياري وتحقيقها وظيفة البلاغة أساسا وحصرا، وإلى هذا النهج ينتمي شتراوس، وألسدايرماكلتاير4، إلا أن الحل مستوحى فيما يبدو حتى بالنسبة إلى هذا الاتجاه من القدماء وهو حل يبدو مناسبا لسوء الاستخدام هذا، أي سوء استخدام اللغة الدالة على الأخلاق والدالة على المدنية.

ولكن قبل ذلك يمكننا الحديث عن تيار ثالث، هو التيار الليبرالي الذي يعرض الليبرالية السياسية كدولة غريبة بشكل أساسي عن الفضيلة، لغة وممارسة، ووفقا لهذا المنظور، فإن تكريس الحرية الفردية والانحراف المصاحب للمنظور القديم في السياسة كان من شأنه أن يلجأ إلى لغة غير ملائمة في الفضيلة، ومن أجل الإقرار على هذه القطيعة ( بين ما هو أخلاقي وما هو قانوني ) قام المؤرخون الليبراليون بإطالة نضال الليبرالية الكلاسيكية لطرح العقلانية السياسية على رأس الهرم، لتبدو العلامة على الامتياز السياسي والمدني الذي يأتي على رأس هرم الأحادية في العصر الحديث كما كان في العصور السابقة.

يريد شتراوس أن يلمح هنا أن هذه التفسيرات المتنافسة تاريخيا حول سر أفكارنا تحتشد وتطبق مخططا مماثلا من الذكاء، ويفرض هذا المخطط توجها مزدوجا تكتسب فيه الفضيلة والحداثة الأصلية معنى فقط من خلال التمايز المتبادل بينهما. ومن المفارقات، إذا كان تقسيمهم لأهمية لغة الفضيلة في الحداثة يتميز بفارق كبير جدا، فإن هؤلاء المؤرخين يتقاسمون ضمنا نفس مفهوم ما هو مواطن فاضل أو ما ينبغي أن يكون عليه المواطن. لمراعاة هذا التقارب المفاجئ إلى حد ما، يمكننا أن نستعين بمقاربة خاطفة بين بوكوك وشتراوس، في نهاية المطاف هذا التحليل سوف يمكننا من إظهار تأثير الفئات التحليلية المستوحاة من الليبرالية التي سعت للتميز عنهم، ووفقا لشتراوس، فإن الانتقادات الحديثة للفلسفة السياسية القديمة لم تسفر عن الاستبعاد الفعلي لمفهوم الفضيلة، بل في تحول عميق لمفهومها، ويشير إلى أن الفضيلة كانت بالنسبة إلى القدماء نهاية النظام السياسي الجيد.5وعلى الرغم من اختلافاتهم، فإن الفلسفات السياسية الحديثة قد أجهضت بهذا المنظور. في ميكيافيللي يجد شتراوس الحجج الرئيسية التي أيدت هذا التمزق، من ضرورة وضع حد لمثالية القدماء، ففلورنسا كانت قد استنتجت أنه يجب علينا بالتالي أن نكف عن الاعتماد على الفضيلة"، ونبدأ بالاستناد إلى الأهداف المتوخاة فعلا"6، وبذلك لم ينتصر ميكيافيللي على خفض معايير العمل الاجتماعي والسياسي، بل كان سيعمل على حفضهاأكثر من ذلك من أجل جعل الواقع الفعلي للمفهوم منسجما وموضحا وفقا لهذا التحقير أو التخفيض في المعايير أكثر احتمالا، وهكذا، وفي ظل عدم وجود القدرة على تحديد الصالح العام من خلال معيار الفضيلة، حيث لم يعد هذا هو النهاية الطبيعية لـ "الإنسان". وكتب شتراوس: «لقد سعينا إلى تعريف الفضيلة من حيث خدمتها ودلالتها على الصالح العام»7، وهو الأمر الذي سوف يكون في خدمة الأهداف التي تسعى إليها الجمعيات الأهلية السياسية (الاستقلال والازدهار والاستقرار وسيادة القانون وما إلى ذلك..)، من وجهة النظر هذه تأتي الفضيلة لتعيين الغرض الذي تهدف إلى تحقيقه بنفسها، وبالتالي مجموع العادات المطلوبة للدفاع عن الحيز المشترك المحدد بطريقة نفعية بحتة. الفضيلة، لا شيء غير الفضيلة المدنية والوطنية والتفاني في المصلحة الجماعية، وهكذا نجد القدماء قد رأوا في ممارسة الفضائل النهائية – غاية قصوى – في الوجود الإنساني والحياة الاجتماعية. أما بالنسبة إلى الحداثةفإن الفضيلة ليست أكثر من أداة رفاه للأفراد. ومن ميكيافيللي دائما يقترح شتراوس أن الفلسفة السياسية تتخلى عن الكثير من مطالبها وطموحاتها العدمية، التي تركز على اهتمام واحد فقط، العثور على الترتيبات المؤسساتية التي تسمح للأفراد الوفاء لمصالحهم دون أن يؤدي ذلك السعي إلى الخصومات أو نشوب الحروب.

إن الهدف هو تحسين فضيلة المؤسسات، فبيت القصيد هنا هو إسقاط الانتقادات الميكيافيلية في الفضاء المفتوح للفلسفة السياسية التي تشارف على النهاية، ومن المؤلم عندئذ خسارة مشاركة الموارد والأحكام المعيارية لمقاومة التبعية للصالح العام، وتبعا لذلك تسند الفضيلة لتحقيق أغراض احترازية أو أخلاقية، وهذا بالنسبة إلى شتراوس هو الاختفاء أو الخسوف التدريجي للغة المعيارية للفضيلة الذي من شأنه –وباختصار- أن يدعم الفلسفة السياسية الحديثة على حساب الفلسفة الكلاسيكية، وهو كذلك إذا استمر من حيث الخطاب ،فإن الإشارة إلى الفضيلة يفقد كل جدوى وكل قيمة ومعنى، ووجوده على عكس ذلك – أي الخطاب الداعم للفضيلة – يستجيب بدرجة أكبر للامتيازات والخدمات الجليلة التي يقدمها النظام الرسمي والبلاغي، من المتطلبات الأخلاقية التي تسمى على النحو الصحيح8، وقد حاول جون غابو كوك في العمل الذي استلهمه على وجه الخصوص من المشروع الرائد الذي قام به هانس بارون9، تصحيح التفسير الليبرالي بأن الحداثة تزامنت مع التوسع التاريخي التدريجي للسوق ،وتطوير المجال القانوني للحماية وحقوق الفرد وحرياته، وبالنسبة لبوكوك، فإن هذا المنظور يعتبر مختزلا أو مجتزأ لأنه يتخلص من التقاليد الجمهورية المستمرة في الحداثة التي سعت إلى إدامة فكرة الصالح العام باعتباره مصلحة مشتركة في مجتمع حر، تدعمه المواطنة النشطة، وهنا نجد العودة مجددا إلى تعميم ميكيافيللي للمدنية القائمة على فكرة أنها ما هي إلا صورة كبيرة لمواطن هو في الأصل حيوان سياسي يشارك غيره في البحث عن رغباته الطبيعية، ولكنه أيضا يحقق فضيلته ويعمل على إيجاد صورة العقلانية للعالم الذي يتطور فيه. ووفقا لبوكون الذي يتحدث من نقطة ثقل هي الجمهوريات الأطلسية (الغربية)، فإنه يمكن للبشر أن يتطوروا في جانبهم الطبيعي، كما في جانب التعبير عن الآراء حتى تلك المتضاربة وهنا يمكن تصور الجمهورية التي تحوي الكل دون إقصاء، أي من خلال مبدأ المشاركة والعيش المشترك10، هذا النوع من المدن أو الجمهوريات الذي أسسه ولو نظريا الآباء المؤسسون من أمثال هارينغتون11،بروني، وميكيافيللي. هذا التصور عن المواطنة يخرج إلى السطح ويعطي الأولوية لفكرة أرسطو في اعتباره الحياة الوحيدة للمواطنين هي أخلاقية، وبالتالي، ومع دمج النشاط الطبيعي إلى السعي نحو امتلاك الفضيلة والعقلانية العالمية، فإن الجمهوريات الحديثة ستكون مختلفة جذريا عن الليبرالية، فوفقا لبوكوك إن لغة الجمهورية هي الفضيلة ولغة الليبرالية هي قانون التجارة والسوق. وبوجه عام لا يبدو من خلال هذا المنظور أي وجه للفضيلة إلا مضادا للقانون وأشكال الحرية بالمعنى الدقيق للكلمة، فلا يمكن وصف التصرفات المدنية التي لا تقصد إضفاء الطابع السياسي على الإنسانية بأنها فاضلة. وباختصار، فإن التوقف عن الإشارة إلى القدماء بصفة أو بروح التجارة والثراء. كذلك تبدو الفضيلة في الجمهورية محكوماعليها بالانحطاط. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تراجع اللغة المتعلقة بالفضيلة المستوحاة من النزعة الإنسانية المدنية تتفق مع بوكوك نفسه، وهو يسعى، في الواقع، إلى تسليط الضوء على مجموعة من المؤلفين الذين طلبوا السعادة في الجمهوريات الحديثة عن طريق مجموعة من الأدوات النظرية للإنسانية المدنية، عن طريق تكييف اللغة الأخلاقية – لغة الفضيلة – مع المجتمع التجاري.

إن اختفاء فكرة المواطنة بالمعنى القديم وتراجع الحياة المدنية، يمكن تعويضهما بطريقة معينة، وذلك من خلال قياس استعداد الشخصية إلى العيش المشترك، وتغليب القيم الجماعية على النزوع الفردي الأناني، نتيجة تضاعف علاقات التبادل. في تطوير هذه الروابط الاجتماعية والتي ستتحول إلى روابط سياسية، والفرد هنا يفقد طابعه الشخصي، ويتحول إلى كائن مدني، فتدخل القوانين لصقل عواطفه ضمن أشكال جديدة من الأخلاق المدنية، تجعل من الممكن أن يسهم هذا الفرد في تعزيز الحرية داخل الجمهورية في عالم أكثر عدائية – كما يبدو – (المقصود هنا الاتجاه المضاد للشيوعية أو الشيوعية المضادة لمبدأ الحرية). وغني عن الذكر هنا أن شتراوس وبوكون لا يشتركان في الحكم نفسه حول قيمة وأهمية لغة الفضيلة في الحداثة، فبينما يصر شتراوس على التآكل التدريجي ولكن القاتل للبعد والنزوع الأخلاقي، فإن بوكون يسعى جاهدا للتأكيد على استمرارها، وإن كان ذلك في أشكال ثانوية أو هامشية أو حتى مغمورة، وبقدر الإمكان، فإن هاذين الكاتبين يشتركان في اعتبار بعض الخصائص التأسيسية للحداثة تلتقي بعقبات لا يمكن تذليلها في سبيل تطوير الفضيلة الأصلية، وبما أن الإشارة إلى القدماء تتلاشى وتصبح أشكالا اجتماعية وسياسية واقتصادية مجددة للعالم الحديث، فإن الأفراد سيصبحون حتما غرباء عن الفضيلة، وفي نهاية المطاف سيكون تاريخ الحداثة هو التراجع الذي لا يمكن تفاديه، والسقوط الذي لا يمكن اجتنابه للمفاهيم الأخلاقية للمواطنة، وعلى الرغم من كون  النوايا الأولية لكل من بوكون وشتراوس هي بناء مجتمع حداثي فاضل، فإنه يمكننا ملاحظة أنهما اعتمدا الافتراضات الأكثر رسوخا في الليبرالية، وهي كون الفضيلة كما الحداثة تتبع مسارات متباينة بطبيعتها، وهذا يدفع من جديد باتجاه النسبية والفردية، وباعتبار هذا التفسير ليس تقليديا، فهو بعيد عن المدنيات التقليدية فإن التفسيرات الشتراوسية للجمهورية الليبرالية تفترض مسبقا تمثيلا مماثلا للفضيلة التي تتميز بمعارضتها الأساسية للحرية الفردية، والقانون والمصلحة الخاصة. لا يبدو- عندئذ – أنه من الممكن حقا أن نتحدث عن الفضيلة إلا إذا كان حديثنا مدعوما بمفهوم مشترك وواحد للعيش المشترك والحياة المنسجمة والتي تستثمر فيها الإرادة البشرية في تحقيق قيمة جوهرية.12

وإذا كانت القيمة الأخلاقية للتصرف تتوقف على تحقيق غرض خارجي – لا شخصي – فإن الحرية مثلا ستجد ضالتها في الفضيلة، وإن الاختلاف بينهما فقط سيكون متعلقا باللغة المستعملة، بينما تقوم الليبرالية الكلاسيكية في نظر المؤرخين الليبراليين المعاصرين بحملة عقلانية سياسية، جردت أخيرا من الخبث في الإشارة إلى الفضيلة، تلك الإشارة التي طالما اتسمت بالقسوة.

ومع ذلك، فإنها تعيد فقط المعادلة التي تفرضها الليبرالية، مع ترك فكرة الفضيلة التي سعت إلى انتقادها على ما هي، وهذا النوع من التفسير يثير قضايا منهجية مختلفة هامة، كالتساؤل مثلا حول الأهمية الاستدلالية لمخطط واضح قائم على أساس افتراض عدم التكافؤ بين الفضيلة والحداثة؟ هل يسمح لنا أن نأخذ بالاعتبار تنوع المفاهيم الحديثة للأخلاق المدنية؟ وهل توفر توجها ملائما لتسليط الضوء على الطرق المختلفة التي تمر عبرها العلاقة بين المواطنين والسلطة وبين المواقف المدنية والأخلاقية والأجهزة السياسية والقانونية منذ ميكيافيللي؟ قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، نود أن نوضح أن الطريق في عرض العلاقة بين الحداثة والفضيلة لها تاريخها الخاص، الذي من المهم أن يلاحظ تطورها بعناية. إنه تاريخ طويل ومعقد، سنأخذ كمبدأ هام الفيلسوف مونتسيكيو بشأن الفضيلة السياسية، سياسته في "روح القوانين"، حيث كرس المحور الأصلي لفكرة الفضيلة التي ظهرت واضحة في تاريخ الفكر السياسي الحديث ابتداء من هذا النهج الذي يقترحه، إنه يركز على مسألتين، ويبالغ في تسليط الضوء عليهما، الأولى التعريف المقترح للفضيلة السياسية، والثانية مسألة أهميتها – أهمية الفضيلة – في الفكر الحداثي.

منذ الوهلة الأولى لـ "روح القوانين"، نجد مونتيسكيو يحذر بأن فهم الكتب أو الأجزاء الأربعة من كتابه يحتاج إلى التعامل مع الفضيلة التي ستتم مناقشتها لا على أنها فضيلة أخلاقية ولا فضيلة مسيحية بل فضيلة سياسية، وهذا هو الداعم الأساسي الذي يحكم الحكومة الجمهورية. ولكن، ما الذي يميز تحديدا هذه الفضيلة التي اقترحها مونتسيكيو؟ هذه الفضيلة تقوم على مبدأ بسيط، هو أن يكون المواطن مستعدا لأن يحب الدولة أكثر من حبه لنفسه"13. ونحن نفهم هنا أن الرجل الطيب، هو القادر والمستعد لتكريس نفسه إلى الخير الذي يتجاوز اهتماماته الخاصة، هذه هي ذات الصفات وأهمها التي يؤسس عليها مونتسيكيو مفهوم الفضيلة، وأول تلك الاختبارات أو التضحيات مبدأ اختيار الديمقراطيات؛ فضيلة السياسي هي نكران الذات، والواقع أن هذا أمر مؤلم جدا، ولكن تعريف هذه الفضيلة، بفكرة إيثار البلاد والقوانين التي تحكمها، هذا الحب يتطلب تفضيلا ثابتا للفائدة العامة على حساب المنفعة الذاتية، ويتطلب جهدا معتبرا ثابتا ومستمرا، فيكون قادرا على إعطاء كل الفضائل. يحدث ذلك في حالات السلم كما في حالات الحرب، حتى ولو تعارض الصالح العام مع مصالحهتعارضا جذريا.

وبالتالي، تنحل وتؤول أنواع الفضائل والأخلاق كلها إلى فضيلة سياسية، فكلما اعتقد الإنسان أن بإمكانه إرضاء مشاعره الخاصة كلما قدم نفسه للعامة، فحكم الناس تحرمهم من جميع الأشياء التي تهدف إليها المشاعر العادية، هذه صورة يتماثل فيها المواطن والقديس، ويكفي أن نلاحظ أنه في أعقاب توصيفه هذا، اعتبر الاندفاع البطولي نحو المصلحة العامة نوعا من التضحية في مجال الفضيلة السياسية، ومن المهم بعد ذلك أن نلاحظ كيف تتم معالجة مشكلة الفضيلة في المجتمعات الحديثة، مع ملاحظة فكرة عدم التكافؤ وعدم التلاقي بين الفضيلة والحداثة. يرى مونتسيكيو أن زيادة التجارة وتعميم الخدمات هي عامل داخل دول تحكمها السياسات اليونانية ولكنها كفيلة بذلك في الجمهوريات الحديثة، فاليوم يجري الحديث فقط عن الصنائع والتجارة والمالية والثروة وحتى الرفاه والتفاخر بذلك كله، ويدخل في ذلك الحديث عن الطموح الذي يستحوذ على العقول، ولكن الجشع يحفز الأفراد على الانسحاب نحو المصلحة الخاصة. فإذا كانت التجارة بيئة خصبة لنماء الفضائل "فهي تجمل وتلطف البربرية". نجد مونتسيكيو يقترح أنه من المهم أن ندرك أن الأفراد يجدون في "التجارة الناعمة" فرصة لتحرير أنفسهم من حالة شاذة مخيفة هي حالة الحرب، ففي كنف التجارة يجد الفرد السلام والود والرضا، والقدرة على إبادة المشاعر السالبة، ومع أن للثراء ثمنه، فهو ألم لا مفر منه وينبغي أن يُدفع14. من المهم أيضا أن نلاحظ المسألة الثانية المتعلقة أيضا بثنائية الفضيلة والحداثة، هي أن روح القوانين تستحضر أشكال الوساطة الأخلاقية والسياسية التي يحتمل أن تحمي المصلحة الخاصة من الانحرافات الممكنة، وأن توافق عند القيام بذلك على المصلحة العامة، وبفضل الشرف الذي يمنحه مبدأ الملكية، تظهر فكرة الهيبة وليس فقط المصلحة السلعية، يتضح من هذا، أن الجميع ينحو نحو الصالح العام. والتفكير في إشباع المصلحة الخاصة في الأنظمة الملكية لا يحمل نفس المعنى، فالرغبة في المجد الحقيقي وإنكار الذات والتضحية بأعز الأشياء، وكل تلك الفضائل البطولية التي نجدها عند القدامى، والتي سمعنا عنها فقط، لسنا في حاجة إليها، وتجري في انجلترا مسألة مماثلة للتقارب غير الطوعي بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة في هذه الأمة، ويشير مونتسيكيو إلى أن للحرية السياسية تأثيرافي حدوث الصراع بين القوى المختلفة للدولة15، ولكن بفضل ترتيب مؤسسي ملائم، لا يستند إلى التصرف في النفس، بل على التصرف في الأمور. فإن معارضة الطموحات والمصالح تجعل من الممكن التصدي لانتهاكات السلطة والحفاظ على الحرية السياسية من خلال استحضار هاتين الطريقتين، لفهم الكيفية التي يسير بها المنطق الجزئي للأعمال الفردية وتشكيل الصالح العام.رجح مونتسيكيو إلى حد كبير أطروحة ازدواجية الحداثة (حضارة التجارة)، في حين لا تزال الحقيقة أن الحداثة ليست مؤهلة تماما لأن تكون أحد المكونات في عملية التحول هذه، من الرذائل الخاصة إلى الفضائل العامة، فإن الفضيلة تظهر بوصفها عاجزة عن القيام بالدور القيادي، الذي اضطلعت به في الجمهوريات القديمة، وينبغي أن نتذكر أنه وبالنسبة إلى مونتسيكيو فإن التحدي الرئيسي للسياسة الحديثة هو "القيام بالأشياء العظيمة بأقل قدر ممكن من الفضيلة"، وباختصار، يتبين أن الفضيلة عاجزة – في هذا السياق – عن أداء الوظيفة المرتبطة بمفهوم "مبدأ الحكم" أي التصرف في قوة سياسية معينة، كقاعدة أخلاقية وعاطفية للحياة.

 أطروحة عدم التناسب بين الحداثة والفضيلة، تكمن خطورتها في الاعتماد على فهم علمي محدود لطبيعة هذه العلاقة، أو إعادة ربطها بالتراث الفلسفي الكلاسيكي لا غير، لذلك يجد شتراوس أنه من الضروري زيادة فحص مشروع مونتسيكيو ومساهمته في التاريخ المفاهيمي للمنظور المزدوج الذي تشكل اعتبارا من هوبز ووصولا إليه بصفة أوضح، والذي شكل منذئذ عنصرا هيكليا أساسيا في الفلسفة السياسية باتجاهاتها التاريخية المختلفة.

من الضروري إذا اتخاذ منظور تاريخي أوسع نطاقا، ولذلك يحاول مونتسيكيو – فيما يلي – بناء العلاقات الأخلاقية القانونية على عنصرين، أو لنقل صلة المشاعر بالمصالح، وقد سلط ألبرت هيرشمان16الضوء على المعالم الرئيسية للتحول المشترك، ويبدو في نظره أن التحليل النهائي للبحث يثبت أن الفضيلة ليست مواتية إلى حد ما للواقع الحديث17. إننا بهذا المعنى، نسير نحو تشكيل النظام الليبرالي، أي في النقطة التي يسلم فيها النبلاء المهام للصناع الرأسماليين، الوضع الذي سوف يغير وجه أوروبا تدريجيا من نموذج التحييد المتبادل للعواطف، إلى نموذج التنظيم المتأصل للعواطف من خلال الاهتمام بمسألة الحرية التي ستلعب دورا حاسما في إحداث هذا التغيير. نجد هنا أن مونتسيكيو من خلال ميكيافيللي، يقترح منظورا تاريخيا للعنصر الثاني من ديلاكوزا (Verità)، وأن بذور هذه الطفرات العميقة، وجدت منذ دعوة فلورنسا إلى متابعة إيفيتوال18.

استرشدت الفلسفة السياسية الحديثة إلى حد كبير، بفكرة تأسيس النظام السياسي على المصادر أو الأسس الأكثر استقرارا، بعد سلسلة من الحروب المدنية التي هزت أوروبا، حتى منتصف القرن السابع عشر، حيث ظهر السلام المدني كهدف رئيس للدولة، وظهرت معه أفضل الأنظمة. بل أكثر الأنظمة السياسية فعالية، ومع ذلك لا يزال البحث المستمر قائما عن أكفأ وأنجع السبل لتحقيق استقرار الدولة، وقد يكون الخلط قد وقع في زحمة البحث، بحيث انصرف إلى ملاحظة التصرف الأخلاقي لمن يفترض فيهم ممارسة مهام الحكم؛ والتي كانت – على ما يبدو – في متناول غالبية الأفراد، وكما قال مونتسيكيو، كان الأمر يتعلق بإيجاد حل سياسي للشرور التي أرهقت كاهل المجتمع بأقل قدر ممكن من الفضيلة. هذه العقلانية السياسية الجديدة، لا يمكن فصلها عن الحدس الأصلي الذي بدأ يتبلور منذ القرن 17، والذي وفقا للمجموعة الاجتماعية والسياسية، لا يعتمد على التصرف الأخلاقي للأفراد الذين يتصفون به، ويمكن بعد ذلك أن يجري التعويض عن الغياب النسبي للفضيلة، بتعديل مؤسساتي جيد. نجد في "ديفيد هيوم" الصيغة النموذجية لهذا الحدس: أفضل العهود للروح العام ليست دائما هي الفضيلة الخاصة، ويمكن للقوانين الجيدة أن تجلب النظام والاستقرار إلى الحكومة، في حين أن الأخلاق والعادات لن تصنع العدالة البشرية، إن الجودة العامة للنظام الاجتماعي والسياسي لا تعتمد على الجودة الأخلاقية للأفراد الذين يحملون تلك القيم، وفي غياب رسالة أخلاقية مستمرة للأفراد، يبدو أن الترتيب المناسب للأفراد داخل المؤسسات وللمؤسسات ذاتها، هو أفضل أداة للسلام والنظام والقدرة على التحكم والاعتدال (الانضباط). وهكذا، فدون المطالبة بالكثير من طرف الحكام للمحكومين، هل يمكن لهذه الأجهزة غير الشخصية أن تحد من الآثار الأكثر ضررا للعواطف البشرية وتكفل حرية الفرد، دون أن تعتمد على عملية التعليم الطويلة والحساسة والمكلفة؟، يتم ذلك من خلال تكريس فكرة فضيلة المؤسسات، وبالتالي يمكن لمجتمع جيد التنظيم يطمح في تجنب فضيلة الأفراد أن يبلغ مستوى الشكل المؤسساتي للدولة وللحكم.

دافع مونتسيكيو عن هذه الفكرة وفهمها جيدا – بوضوح -، فهذا المنظور هو ما يشير إليه شتراوس حين يتحدث عن النموذج الذي يدور حول تحسين فضيلة المؤسسات19، وهذه هي الحال تقريبا مع إيمانويل كانط، الذي يعرب عن قناعته بأن التعليم الكافي للمؤسسات، يمكن أن يحمي الحرية من مصادر الفساد التي تخفيها البشرية، وسوف نتذكر جواب الأخير – كانط – في مشروع سلام دائم،في الاعتراض على أن الميول الأنانية من شأنهاأن تجعلمن غير المحتمل تأسيس وصيانة الدستور الجمهوري، لا بد إذا من الإقرار أو الاعتراف بأن الطوية أو النية الحسنة قد تخفي أحيانا بعضا من النوايا السيئة، وإنكار ذلك سوف لن يساعد في إقامة نظام – دستور – صالح لحكم الناس في مختلف الظروف. الدستور الجمهوري الذي يعتبره كانط الأنسب لحقوق الإنسان. ويبشر الفيلسوف الألماني إلى أنه يكفي التنظيم الجيدللدولة ( مما لا شك إرادة الناس ) لتحويل قوى الناس نحو خدمة بعضهم البعض بطريقة لا يعمل فيها الواحد على التأثير بشكل مدمر لإرادة وإنجازات الآخرين، أو تثبيط عزائمهم، ويقترح كانط أن الجمهورية، ليست في حاجة إلى "شعب من الملائكة" لتكون قادرة على نشر صفاتها الحميدة، فمن خلال التنظيم الجيد لمؤسسات الدولة، يمكن أن تدار أكثر المشاعر ضررا بصفة متبادلة ويتم التحكم فيها عن طريق ضبط حدود الحرية، دون أن تكون مهددة، وهكذا، فحتى مع "شعب من الشياطين" يمكن للجمهورية التصرف وفق نفس النهج، وتحقيق ذات الغايات السياسية والأخلاقية، لأنه في مثل هذا السياق، حتى وإن لم يكن الإنسان طيبا أو فاضلا، فإنه يضبط لأن يكون مواطنا صالحا20،وقد كان المثل الأعلى للتنظيم المؤسساتي، الذي يمكن أن يكفل بشكل أكثر وضوحا وأكثر فعالية، اعتدال الحكومة وفردية المواطنين في صميم تاريخ الفكر السياسي الحديث. ولا شك أنهبإمكان المرء أن يذهب إلى حد القول بأنه في هذا المجال أظهر مفكرو الفكر السياسي الحديث أعظم براعة وأعظم إبداع، ولكن هذا الميل إلى الثناء على فضائل المؤسسة بدلا من فضائل الأفراد، هو فقط أحد جوانب تاريخ الفلسفة السياسية الحديثة، وعلى وجه الخصوص، فإن الطموح بعدم إخفاء صفة الفضيلة على النظام السياسي الذي يحكم المواطن، قد رافقه إعادة تعريف عميق لمفهوم الفضيلة ذاته.

الفضيلة الأخلاقية وقوانين المدينة خصومة حقيقية أم مزعومة؟

 لقدر رأينا أعلاه أن تعريف الفضيلة السياسية التي اقترحها مونتسيكيو، يتميز بتركيز قوي على بعده النخبوي، ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه يمكن للمرء أن يميل إلى التفكير فيه للوهلة الأولى، فإن هذا التوصيف ليس شائعا في تاريخ الفكر السياسي (فصل الفضيلة عن القانون)، ومن المسلم به أن فكرة الخير العام التي ستبقى قائمة على شكل قيم أخلاقية متفوقة على الخير الخاص هو أمرمألوف في الفلسفة السياسية القديمة والحديثة.

ومن ناحية أخرى، فإن الافتراض بأن السعي إلى الأول يعني بالضرورة التضحيةبالثاني يظهر – الاعتراض – في وقت متأخر من تاريخ الأفكار السياسية بشكل عام، وفي التقليد الجمهوري على وجه الخصوص. ففي شيشرون، على سبيل المثال، لا يبدو أن النظام الجيد يعارض بطبيعته العنصر الذي يحظى باهتمام خاص؛ فالصالح العام الذي يوجهه ينتج عن الفرز أو التعديل الأول للمصالح وليس للتضحية بها، وما هو ليس نزوعا يسعى إلى التعبير عن المصلحة الفردية في الصالح العام، ولكن الأمر الذي يقتصر على المصلحة الخاصة، تبقى فيه العلامة على أنه لا يعارض – ضرورة – مصالح الكل. وينطبق الشيء نفسه على مشرعي القرنين السادس عشر والسابع عشر، حين تربط التقاليد والنظم بفكرة الجمهورية الحديثة، ففي ميكيافيللي وبعض من ورثته، لا يبدو عدم الاهتمام معيارا متميزا لتقييم طبيعة مشاركة المواطنين في الجمهورية، وهكذا، وبعيدا عن صدى المذهب الجمهوري المألوف، فإن مفهوم الفضيلة القائمة على التضحية التي يحددها مونتسيكيو في نواح كثيرة، يختلف عن مفهوم أسلافه القدامى الحديثين، بل هو معنى آخر يدفع المرء إلى اكتشاف بذور هذه الفكرة من الفضيلة وربما – وهذا محض افتراض – أن الفضيلة السياسية كما يقترحها مونتسيكيو متشابهة جدا في الروح مع الفضيلة الأخلاقية، بدلا من الاعتراض عليها ورفضها كليا، و"الحب الخالص" الموجود في المسيحية، ولا سيما في فلسفة الإلهام عن أوغسطين التي تأتي في قمة نقد ورفض الفضائل الدنيئة – لا الرذائل – التي اقترحها أخلاقيون في الغالبية العظمى يرفضون القبول بفكرة الفضيلة الواحدة التي تصدر عن شخص واحد وهي موجهة لخدمة الصالح العام؛ وفي أعقاب نقد اوغسطين للفضائل الوثنية سعى أفلاطون إلى تحديد الخيمياء المعقدة من العواطف والرذائل ولا سيما تقدير مصالح الذات التي من شأنها أن تؤدي إلى ما يسمى بالميول في الفضيلة مع صدمة عارمة، سعت جاهدة إلى تسليط الضوء على الأسس غير الأخلاقية في كثير من الأحيان من الأحكام والإجراءات التي تعتبر فاضلة: "ما يحسب من الفضائل في كثير من الأحيان ليس سوى تجمع لا حصر له من الإجراءات والمصالح التي تؤدي إلى الثروة أو إلى تحقيقها، وكيفية التعامل معها".21

بالنسبة إلى هؤلاء – ورثة أوغسطين – لا يملك الرجل الذي ليس لديه موارد أخلاقية كافية أن يقود حياة تسترشد حياة حقيقية، فمن العناية الإلهية لا من العقل البشري يمكنه امتلاك هذا الطموح وهذا الوزن الأخلاقي، فإذا كانت هناك محبة خالصة وخالية من خليط من المشاعر الأخرى، فهي تعبر عن حقيقة ما في النفس دون أن نعلم، بمعنى أن الحب، والاخلاق بشكل عام مكاسب من ثمار النقاء، ولكن تلك العاطفة قد تختفي في الفعل والعكس بالعكس، فبالنسبة إلى هؤلاء لا تمنع الطبيعة الأساسية للإنسان من إنشاء نظام اجتماعي وسياسي عادل ومرغوب فيه ويمكن الحفاظ عليه، وفي غياب القدرة على الطموح بالوسائل الخاصة المتاحة للفرد فإنه يجوز له أن يستخدم حبه استخداما ذكيا إلى القدر الذي يمكن أن تكون له آثار مماثلة للفضيلة الحقيقية.

ومن الواضح، من خلال الاعتراف بالآثار الجيدة للاعتقاد المستنير بالنفس، وبما تحويه، يشارك هؤلاء مباشرة في ظهور النموذج الموصوف أعلاه لتحويل الرذائل الخاصة إلى فضائل عامة. ولكن من المهم التأكيد على أنهم يشاركون أيضا، وبصورة أكثر إلحاحا، في الترويج لصورة متطرفة من الفضيلة ولتجهيز الأجيال اللاحقة بصورة مذهلة في مجال الفكر السياسي في مجال الفلسفة الأخلاقية، ذلك أنالعملية المعقدة المحرجة للأخلاقيين تتم في الواقع على أساس مبدأ التقييم المستنير المجوف، من خلال فكرة معلومة ومعينة عن "الفضيلة الحقيقية" التي تقدم صفات التخلي ونكران الذات والتضحية بالنفس. في انتقاء القيمة الأخلاقية للفضائل الوثنية على أساس أنها تزخر بأفكار عن الغرور والاعتزاز بالنفس، فإن هؤلاء الكتاب يحتفظون بفكرة أوغسطين الأساسية بأن الفضيلة الحقيقية هي الوحيدة في النهاية التي تفوق كل خير، وأنه ليس في متناول الإنسان – لحما ودما – والذي استحوذت عليه الرغبة أن يطال تلك العوامل الكامنة. وعلى نحو متناقض ساهم علماء الأخلاق في ذيوع فكرة أن التصرف الأخلاقي الذي يتجاوز مصالح معينة يمكن اعتباره فضيلة حقيقية22. وهذه الخصائص بالضبط هي التي وردت في التعريف بأن روح القوانين تقترح الفضيلة السياسية في شخصية المواطن الفاضل – الصالح – وهناتظهر لدى مونتسيكيو الرغبة في إعطاء إشارة صريحة إلى إنكار الذات والتضحية، والنتيجة هي تقارب مثير للقلق بين الفضيلة السياسية للمواطن وفضيلة الزاهد الراهب، ومع ذلك، وبعيدا عن اعتبار الراهب المؤشر المرجعي للمواطن الصالح أو تقديم الأعمال الخيرية باعتبارها خاتمة الفضيلة السياسية، وكذا عن مشروع مونتسيكيو حول  المواطن الفاضل ذي الصفات التي تحدها – تقررها بالتعريف -البلاغة، شخصية المواطن البطل الذي كونت نفسيته الكنيسة ضمن الميول المميزة للراهب وأهمها التضحية بالنفس وبالمصالح الذاتية، وتكريس نفسه تماما للمصالح العامة، كان لها آثار مدوية وحاسمة على المدى القصير والبعيد. وسواء أ كانت هذه الصورة تعززها أم تنقدها، فإنها تستخدم كأساس مفاهيمي لتزوير مفهوم النوع المثالي للمواطن الفاضل الذي يرتبط بالعديد من الجمهوريات القديمة. دعونا نتذكر روسو حين يستحضر الملاحم الديثورامبية23للإغريق، فيرى في الإسبرطيين شعبا مثاليا متعلقا بفكرة الدفاع عن مدينته، والذي كانت تحركه عاطفة وحيدة هي الحماس الأبوي، والصورة الناقصة أو الباهتة هي نقيض هذا، أي عندما نتذكر حالة العبيد في تلك الممالك والجمهوريات، حيث لا تحركهم مثل تلك العواطف، فهم مقطوعو الوشائج والصلات بالوطن.

في كلتا الصورتين تبدو مسألة الفرد في الشؤون العامة، وذلك بقدر مرتبته يكون ولاؤهوانخراطه في الشؤون العامة. إن المفهوم الذي قدمه مونتسيكيو للفضيلة السياسية تعني أولئك القادرين على تمثيل الأضاحي في مجال الفكر الفلسفي السياسي، وعلاوة على ذلك، فإن هذا التمثيل ظهر صارما جدا لأنه لمجرد أن يظهر أمام من لا يمثلهم لا يقبلونه بدعوى التميز عنه، فالكل يرى في نفسه تمام الفضيلة والصلاح. ولكن فضيلة الفرد تكون بحسب منزلته، هذا هو الحال. فعلى سبيل المثال، عند ماكسميليان دي روبيسبير24، الذي يعلن بوضوح أنه يريد استبعاد هذا النوع من الفضيلة: «نحن لا ندعي وضع الجمهورية الفرنسية في قالب اسبرتا، نحن لا نريد أن نعطيها مبرر التقشف وفساد الكنيسة»، ومن الواضح أن النقد اللاذع البغيض لفضيلة التضحية لا يمكن أن يمنعها من الاستمرار في إعلان مطالبها الأكثر تميزا.25

تبدأ الهيئة التنفيذية – الحكومة – في فتح ذراعيها أو أحضانها لاستيعاب جميع المشاعر الخاصة، وتحاول أن تصنع من الشغف والانفعال العام مبدأ للصالح العام، فكأن المشاعر الفردية مثل الروافد التي تلتقي جميعها في مصب وادي النهر. وهنا نجد مونتيسكيو مثالا عن المفكرين الذين حاولوا تسليط الضوء على المسألة من خلال جعل الفضيلتين لا تنفصلان، وهذا هو – ربما – إسهامه الرئيس في الفلسفة السياسية، فقبله لم تكن السياسة تعطي إلا القليل للفضيلة، في حين كانت تتلقى منها الأضاحي والقرابين، ولكن مع مؤلف روح القوانين نرى بوضوح كيف أن فكرة عدم كفاية الفضيلة للمجتمعات الحديثة يفرض مسبقا صياغة أولية لمفهوم لا يقبل التنازل، من الأخلاق التي لا توجد إلا في العالم الحقيقي.

ولأن الفضيلة تجبر المواطن – الفرد – على التنازل والتضحية بمصالحه الخاصة من أجل محبة القوانين ووطنه، وهو التصرف المفرط الذي يدفع فيه إنكار الذات إلى حدوده القصوى، يمكنه اعتباره مناخا مؤاتيا ولكنه غير كاف لدعم النظام الاجتماعي والسياسي الجديد.

يظهر مما تتقدم، وعلى المستوى المفاهيمي بالخصوص، أنه كان لمشروع صاحب روح القوانين أثر رائعفي تقديم معلومات وإشارات وتوضيحات حاسمة عن الفكر السياسي اللاحق. وإذا جاز لنا القول، فإننا نعتبر أن جمهوريات شتراوس والليبرالية التاريخية ظلت أسيرة لأفكار مونتسيكيو، فبالنسبة إلى هذه التيارات المختلفة، فإن أطروحة عدم التكافؤ بين الفضيلة والحداثة، حتى ولو تم التعامل معها كالمطلقة والنسبية فإنه يفترض استخدام التمثيل أو التحليل الراديكالي للفضيلة أي تلك المعارضة لمصلحة الفرد، وهو بداية التأسيس لليبيرالية الحديثة التي تنتصر فيها القيم الجماعية والعمل ضمن فريق، ولكن ليس بالمعنى الاشتراكي الشيوعي. ولا شك أن الجهد المعتبر الذي بذله مونتسيكيو هو نقطة البداية في التاريخ السياسي والفكري، ومما لا شك فيه أيضا، أن استمرار التمسك بالفكر التقليدي راجع – بحسب مونتسيكيو – إلى عدم الاهتمام في السياق التاريخي والبلاغي – اللغوي – بنشأة وتطور مفاهيم أساسية كالفضيلة الفردية والفضيلة السياسية، ولو قدر للأفكار التي صاغها مونتسيكيو عن الفضيلة أن تستمر في الوجود حتى اليوم، فإنه دليل على أن الناس لا يزال البعض منهم على الأقل قادرا على أن يضحي بنفسه من أجل طرف آخر (ثان أو ثالث..)، إن الجندي على استعداد للدفاع عن وطنه، وحتى إن لم يتم اعتناق هذه الفكرة صراحة، فإن أحزابا سياسية متطرفة تستخدمها لتعطي حياة وعطرا موضعيا لمفهوم الفضيلة، فأكثر تلك الآداب تتحدث عن إحياء أمجاد الماضي مستعينة بفكرة التضحية ونكران الذات، ولذلك فإنها فضيلة لا تزال تحتفظ بسحرها وجمالها وبقدرتها على التحايل المفاهيمي، وبالتالي فمن الخطأ أن نقلل من قيمتها أو نحد من نطاقها، ولكن علينا فقط أن نؤجل إلى وقت لاحق فحص الأحكام المعيارية التي تنتج عنها، ولكن أيضا تلك التي تقوم عليها.

يبدو لنا – إذًا – في الوقت الراهن أنه من الضروري تسليط الضوء على الإطار الفكري التاريخي والمنهجي الذي أنتج هذه الصورة والذي ضمن استمرارها.

سيكون من الخطأ – في تقديرنا – التساؤل حول تلك الظروف، والتعامل مع المسألة كما لو كانت أمرا واقعا، ومع ذلك فإن هذه التفسيرات تقدم لنا على الأقل ما لا يقل عن عيبين اثنين ينشآن عند العملية التحليلية؛ فمن ناحية، ليس من المؤكد أن الحد من الفضيلة أو محاولة استبعادها أو تخليصها من عنصرها التضحوي أمرا ممكنا، فهذا يشكل أحد عناصرها الجوهرية، فلا فضيلة حقة بلا قدرة أو جهوزية للتضحية، وهو تمثيل غالبا ما يرتبط بالعصور القديمة، وهو يسمح لنا أن نفهم بشكل أفضل الإطار اللغوي الذي نشأت فيه عند اليونان والرومان، ويبدو أن عدم الاحترام في صيغته المتطرفة الفجة الذي تظهر فيه الأخلاق على أنها خالية من عنصر الاهتمام بالآخر، لا يشكل سمة أو علامة مناسبة تراعي تنوع المفاهيم القديمة والحديثة للأخلاق المدنية، فعلاقة الفضيلة بالصالح العام في المعنى الثاني أمر طارئ، وهو بعيد على أن يشير إلى الفضيلة بطبيعتها. إلا إذا كانت الفضيلة المدنية مرتبطة بالتضحية في صورة الجندي المواطن على سبيل المثال، أو في شخصية سقراط في محاورة كريبتون، حين قال بأنه ليس أقل من المغامرة ولا أقل من التضحية. رأينا كيف أن هذا الأمر ضروري وحيوي ولا غنى عنه في نظر شيشرون في الأخلاق المدنية، وعلى هذا النحو، فإن الأمر متروك للناقلين والمترجمين الشفويين والخطباء الذين يفترضون مثل هذه الثنائية في أن يتحملوا عبء الإثبات، وأن يكونوا قادرين فعلا على بيان أن القطيعة بين الفضيلة الفردية والعامة. هي مسألة خطابية لغوية بالأساس، وإلى أن يثبت العكس يبدو أن الشكوك تفرض نفسها، لأنه سيكون من الممكن دائما أن نسأل ما إذا كان إضفاء الطابع المثالي على فضيلة القدامى ليس جزءًا من العملية البلاغية التي سعى حداثيون أن تنأى بنفسها عن الصورة التي أرادها لها الأسلاف.

ومن جهة ثانية، سيكون من الصعب حساب الطبيعة المتعددة الأشكال للمنظور المزدوج الذي يحكم التاريخ الليبرالي والجمهوري، وبالتالي، تبقى الأسس التي تقوم عليها مسألة المواطنة مسيّجة وغير مفهومة، وفي ضوء هذا التدافع بين المفاهيم والأسس يبقى السؤال مطروحا؛ هل تقوم الديمقراطية الليبرالية على مبدأ الفرد أم على مبدأ نكران الذات؟ هل فضائلها نسبية أم مطلقة عالمية؟ يبدو في كل محاولة للحسم أو الإجابة أن صورة الدفاع عن الصالح العام لم ولن يكون معزولا دوما عن التقلص والانحصار إلى حدود التلاقي مع النزعة الفردية والدفاع عنها. وبالتالي فإن العلاقة بين الفضيلة الأخلاقية والفضيلة السياسية، لنقل بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة أخذت تاريخيا منعرجات خطيرة، ولكنها لم تكن أبدا منعرجات حاسمة، فظلتتلك العلاقة بين مد وجذب، تصعد صعدة وتهبط وهدة. وليس لهذا التجاذب من عزاء إلا لكونه تنقيب عن أفضل النظم السياسية الممكنة، وغالبا ما يكون بحثا فقط عن أقل تلك الأنظمة فسادا

قائمة المصادر والمراجع

 

أ/- باللغة العربية

 

  • علي المحمودي. نظرية الحرية في الفلسفة السياسية من منظور هوبز ولوك. دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع. 2004.بيروت. لبنان.
  • لوي ألتوسير. مونتسكيو السياسة والتاريخ. ت. نادر ذكرى. دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت. لبنان .2006.
  • ماكس ويبر. الاخلاق البروتستانتية وروح الراسمالية. ت. محمد علي المقلد. مركز الانماء القومي. بيروت. لبنان.2007
  • مايكل ج.ساندل. الليبرالية وحدود العدالة. ت. محمد هناد. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. لبنان.2009.

 

  • محمد الأحمري. الديمقراطية الجذور وإشكالية التطبيق. الشبكة العربية للابحاث والنشر. 2012.بيروت. لبنان.
  • ميكيافليي: الأمير. ت، د، عبد الرزاق عبيد دار تلانتيقيت للنشر بجاية، الجزائر.
  • هوركهايمر ماكس بدايات فلسفة التاريخ البرجوازية، ت. محمد علي اليوسفي دار الفارابي بيروت لبنان ط2006.
  • ويل كيملشكا. مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة. ت. منير الكشو. دار سيناترا. ط1. 2010.تونس.
  • ياسر قنصوة. الليبرالية إشكالية مفهوم. رؤية للنشر والتوزيع. ط1 2007. القاهرة. مصر.

 

ب/- باللغة الأجنبية

 

  • Leo Strauss, la renaissance du rationalisme politique classique. conférences et essais réunis et présentés par Thomas  L. Pangle. Traduction de l’anglais et postface de Pierre Guglielmina. mrf. édition Gallimard. composition et impression à Saint Amand (cher). le 10 septembre 1993. Paris. France.
  • Leo Strauss, droit naturel et histoire. traduit de l’anglais par Monique Nathan et Éric de Dampierre. Flammarion. 1986. Paris. France.
  • Montesquieu, "Avertissement de l'auteur" de l'esprit des lois, éd. V Goldschmidt, vol.1, Paris, GF Flammarion, 1979.
  • Leo Strauss, Sur une nouvelle interprétation de la philosophie politique de Platon. traduit de l’anglais par Olivier Sedeyn. Edition Allia. 16 rue charlemagne. Paris 4éme. 2004. Paris. France.
  • Kant, Emmanuel, vers la paix perpétuelle, trad. J, F, poirier et F. Proust, Paris, GFF Flammarion, 1991

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش

  • 1. Leo Strauss, la renaissance du rationalisme politique classique. Conférences et essais réunis et présentés par Thomas L. Pangle. Traduction de l’anglais et postface de Pierre Guglielmina. mrf. Édition Gallimard. Composition et impression à Saint Amand (cher). Le 10 septembre 1993. Paris. France. P.29.
  • هانا أرنت Hannat Arendt(1906 - 1975) منظرة سياسية وباحثة يهودية من أصل ألماني، على الرغم من أنه كثيرا ما تم وصفها بالفيلسوفة فإنها كانت دائما ترفض هذا النعت على اعتبار أن الفلسفة تتعاطى مع الإنسان في صيغة المفرد، وبدلا من ذلك وصفت نفسها بالمنظرة السياسية، لأن عملها يركز على كون البشر لا الإنسان الفرد يعيشون على الأرض ويسكنون العالم.
  • مايكل جوستسساندلMichael Justice Sandel(مارس 1953) فيلسوف سياسي أمريكي وأستاذ في جامعة هارفرد، يشتهر على وجه الخصوص بمحاضراته ومؤلفاته حول مفهوم العدالة وحول انتقاداته لكتاب نظرية العدالة لجون رولس.
  • ألسدايرماكلتايرAlasdairMaclutyre(جانفي 1929) فيلسوف وعالم أخلاق أسكتلندي، يعرف بإسهاماته في فلسفة الأخلاق والفلسفة السياسية والاهوت. يعم لحاليا في مركز للأبحاث تابع لجامعة لندن الميتروبوليتانية، كما يشغل منصب أستاذ فخري بقسم الفلسفة في جامعة نوتردام.
  • ميكيافيلي: الأمير. ت، د، عبد الرزاق عبيد، دار تلانتيقيت للنشر، بجاية، الجزائر، ص39.
  • 6. Leo Strauss – Ibid. p35.
  • 7. Leo Strauss, droit naturel et histoire. Traduit de l’anglais par Monique Nathan et Éric de Dampierre. Flammarion. 1986. Paris. France, p33.
  • 8. Leo Strauss. Droit naturel et histoire… p33.
  • هانس بارون Hans Baron(1900 - 1988) هو مؤرخ أمريكو ألماني مختص في الفكر السياسي وفي أدب عصر النهضة الإيطالية. أهم إسهاماته في تأريخ هذه الفترة هو تقديمه مصطلح الإنسانية المدنية، والذي يحدد معظم – إن لم يكن كل – محتويات أو عناصر الجمهورية الكلاسيكية.
  •  هوركهايمر ماكس، بدايات فلسفة التاريخ البروجوازية، ت. محمد علي اليوسفي، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط2006، ص66.
  • 11. جيمس هارنغتونJames Harrington(1611 – 1677) هو فيلسوف انجليزي كان مدافعا عن فكرة الجمهورية، حيث كان لوجهات نظره تأثيرا كبيرا في ظهور الأنظمة البرلمانية أو التمثيلية الحديثة.
  • Leo Strauss, Sur une nouvelle interprétation de la philosophie politique de Platon. Traduit de l’anglais par Olivier Sedeyn. Edition Allia. 16 rue charlemagne. Paris 4éme. 2004. Paris. France, p50.
  • Montesquieu, "Avertissement de l'auteur" de l'esprit des lois, éd. V Goldschmidt, vol.1, Paris, GF Flammarion, 1979, p. 111
  • Montsquieu. Ibid, page. 149
  • Ibid, page. 293
  •  ألبرت أوتوهيرشمان  (1915 - 1912) Albert O.Hirschman: خبير في الاقتصاد السياسي، كانت له إسهامات مبكرة في مجال اقتصاديات التنمية حيث شدد على الحاجة إلى النمو غير المتوازن، وبما أن معظم البلدان النامية تفتقر إلى القدرة على اتخاذ القرارات حول كيفية تعزيز نموها، يجب عليها تشجيع هذا الاتجاه من أجل المساعدة في تحريك الاقتصاد العالمي الذي تعود الفائدة فيه على الجميع.
  • Leo Strauss. Droit naturel et histoire; p. 263
  • . ميكيافيللي – الأمير –، ص13.
  •  Leo Strauss, la renaissance de la philosophie politique – p119.
  • Kant, Emmanuel, vers la paix perpétuelle, trad. J, F, poirier et F. Proust, Paris, GFF Flammarion, 1991, p.104
  • Leo Strauss, la renaissance de la rationalisme politique – p. 151
  • Leo Strauss, droit N – et histoire, P. 266-270.
  • . ديثورامبية: الديثرامب أو الديثراميوس تعني الكورس الترتيلي، وهي فرق إنشادية ترتل قصيدة أو مرثية أو صلاة إنشادية جزء من المسرح الإغريقي، تشمل ترتيلة نظمية دينية تصحبها رقصات غنائية. ويعد الديثرامب رابع أنواع المسرح وهو أحد أنواع المسرح الإغريقي الذي نشأ عن طريق طقوس الإله ديونيسوس (باخوس) الإغريقي، هو ابن الإله زيوس رب أرباب الأوليمبوس وهو الإله الذي كان يتجسد في ثور أسود اللون وكان يقوم بربطه والقيام بطقوسه حوله، وحينما ينتهون من هذه الطقوس يعتقدون أن الإله يتجسد في هذا الثور ويهجمون عليه دفعة واحدة ويلتهمونه حيا وعلى هذا الأساس يصبح الإله جزءا فيهم بعد أكله حسب معتقدهم، ومن هذه الطقوس ظهر هذا النوع من السرح. وقد كان أفراد الجوقة يؤدونها بعد أن يرتدوا جلود العنز Tragosومن هنا فإن التراجيديا قد نشأت من الشعائر التي تجسد طقسيا الصراع الذي كان قائما بين النظام والعدم – ذلك أن كلمة تراجيديا Tragoediaتعني أغنية الماعز لأن الحيوان كان يجسد الإله.
  • . ماكسيميليان دي روبسباير (1758 – 1794) Maximilien de Robespierre: محامٍ وزعيم سياسي فرنسي، أصبح أحد أهم الشخصيات المؤثرة في الثورة الفرنسية، وأحد الوجوه الرئيسية لعهد الإرهاب، الذي ارتبط بالمجازر التي أعقبت الإطاحة بالملك لصالح الجمهورية، لقبه البعض بسفاح الثورة الفرنسية.
  • Leo Strauss. Droit naturel et histoire – p. 275

@pour_citer_ce_document

عبد الفراج نصر الله, «الليبرالية بين المصلحة الفردية والقيم الجماعية من منظور مونتيسكيو كما يراه ليو شتراوس»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 339-350,
Date Publication Sur Papier : 2020-08-19,
Date Pulication Electronique : 2020-08-19,
mis a jour le : 19/08/2020,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7302.