الجيش الروماني في إفريقيا البروقنصلية ونوميديا خلال زيارة الإمبراطور "هادريانوس" لبلاد الـمغرب سنة 128مRoman army in Africa Proconsularis and Numidia during the visit of emperor Hadrian’s to Maghreb in 128 AD
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 18-2021

الجيش الروماني في إفريقيا البروقنصلية ونوميديا خلال زيارة الإمبراطور "هادريانوس" لبلاد الـمغرب سنة 128م

Roman army in Africa Proconsularis and Numidia during the visit of emperor Hadrian’s to Maghreb in 128 AD
ص ص 124-150
تاريخ الإرسال: 2019-02-05 تاريخ القبول: 2020-12-02

أسامة بقار
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

دافع عن الاحتلال الروماني لمقاطعة إفريقيا البروقنصلية-نوميديا جيش مُشكّل من وحدة نظامية ودائمة عُرفت باسم "الفيلق الأوغسطي الثالث" والذي عاضدته مجموعة من الوحدات الـمساعدة. هذا الجيش بفضل الوثائق النقائشية تعرفنا على تركيبته، رجاله، أدوراه وإسهاماته، ومن بين أكثر تلك الوثائق أهمية وشهرة نجد نقيشة الخطاب الـمُوجّه من الإمبراطور "هادريانوس" لمختلف الوحدات خلال زيارته لبلاد الـمغرب في جويلية 128م. هذه النقيشة بقدر ما وضّحت لنا جوانب مختلفة حول هذا الجيش؛ القيادة العليا والضباط، التدريبات والانضباط، فإنها حرمتنا من التعرف على جزئيات أخرى نظرا لتعرضها لكسور بالغة صعّب جمعها وتصويبها ومن أبرزها معرفة وحدات الـمساعدين الـمتواجدة أثناء الزيارة، هذا الجهل زال اليوم نتيجة اكتشاف شهادات عسكرية مؤرخة بسنة الزيارة والتي وضحّت لنا الوضعية العسكرية وزادت من حجم معرفتنا بجيش الـمقاطعة.

الكلمات المفاتيح

 الجيش الروماني، إفريقيا البروقنصلية ونوميديا، زيارة الإمبراطور، 128م، الخطاب، الشهادات العسكرية، الفيلق، الـمساعدون

L’occupation romaine de la province de l’Afrique proconsulaire-la Numidie, été défendue par une armée constituée d’une unité régulière et permanente connue sous le nom de «Legio III Augusta», qui a été soutenue par des unités auxiliaires. Grâce aux documents épigraphiques on a pu connaitre de quoi se composait cette armée « ses hommes, ses rôles et ses apports ». Parmi les documents les plus importants et les plus fameux « l’inscription du discours de l’empereur Hadrien adressée aux troupes de cette armée d’Afrique durant sa visite Africaine en juillet 128 ». Une inscription qui nous a tant éclairé sur nombreux aspects de l’armée : le commandement général et les officiers, les exercices militaires et la discipline. Cependant, nous a privé de connaitre les noms des unités auxiliaires durant la visite à cause d’une fâcheuse cassure qui a emporté avec elle toutes ces informations. Aujourd’hui avec les nouvelles découvertes telles que les diplômes militaires datés du temps de la visite, on a pu enrichir nos connaissances sur l’armée de la province.

Mots clés :l’armée romaine, l’Afrique proconsulaire et la Numidie, visite de l’empereur, 128apr.J.-C, le discours, diplômes militaires, légion, les auxiliaires

The Roman occupation in the province of Africa proconsularis-Numidia was defended by an army consisting of a regular and permanent unit known as the "Legio III Augusta", which was supported by auxiliary units. Thanks to the epigraphic documents, we know what this army was composed of; his men, his roles and his contributions. Among the most important and famous documents is the inscription of the speech of the Emperor Hadrian addressed to the troops of the African army during his visit to the Maghreb in July 128. An inscription that enlightened us so much on many aspects of the army: general command and officers, trainings and disciplines. However we were deprived of knowing the names of the auxiliary units during the visit because of loss of significant parts of the speech. Today, with new discoveries such as military diplomas dated from the year of the visit we have been able to enrich our knowledge of the provincial army.

Key words:Roman army, Africa proconsularis and Numidia, visit of the emperor, 128AD, speech, Military diploma, Legion, The auxiliary units

Quelques mots à propos de :  أسامة بقار

جامعة الجزائر 2o.bagar@univ-biskra.dz

مقدمة

تمثل زيارة الإمبراطور "هادريانوس" (P.A. Hadrianus Augustus) لبلاد الـمغرب سنة 128م حدثا تاريخيا هاما باعتبارها أول زيارة لإمبراطور روماني لأحد أهم وأغنى المقاطعات الرومانية. خلال هذه الزيارة التفتيشيةوقف الإمبراطور علىأوضاع البلاد عن قربولاسيماالوضعية العسكرية والدفاعية التي نالت حصة الأسد في برنامج الزيارة. لذلك، راحالإمبراطور يتفقد مختلف حاميات الجيش ويقف على أساليب وأشكال التدريب العسكري لجيشه الـمُشكّلمن الفيلق الأوغسطي الثالث ووحدات الـمساعدين (Auxilia). إن تعرفناعلى هذه الزيارة مثلما يعود الفضل فيه إلى إشارات مؤلف تاريخ الأباطرة، فإن نقيشة خطابالإمبراطور الـمعروفة بتسمية نقيشة "خطابات هادريانوس" أو "خطابات لامبايزيس" والتينُحتت على قاعدة تمثال "لهادريانوس"مُقام بـمعسكر الـمساعدين بلامبايزيس (Lambaesis) هي مصدرنا الأهم. على أنه، بقدر ما تعد هذه الوثيقة مصدرا هاما في معرفتنا لتركيبةجيش إفريقيا البروقنصلية سنة 128م، فإنمعرفة مضمونها لا يزال لليوم محط قراءات واجتهادات عديدة ومتجددة من قبل الباحثين نظرا للكسور التي تعرضت لها وهو ما خلق تباينا على صعيدفهم الخطاب وضبط مضمونه،ومن أمثلة ذلك مسألة تحديد الوحدات التي زارها وخاطبها الإمبراطور. لكن، منذ اكتشاف شهادات عسكرية في السنوات الأخيرة زال اللبس واتضحت هوية مختلف الوحدات الـمتواجدة بالـمقاطعة أثناء الزيارة، مع استمرار صعوبةتحديد مواقع انتشارها.

لقد حظيت زيارة الإمبراطور "هادريانوس" لبلاد الـمغرب ودراسة نقيشة الخطاب باهتمام بالغ من قبل عديد الباحثين الأوربيين الذين لا يسع الـمجال لذكرهم جميعا في هذا المقال. البداية كانت مع المؤرخ "كانيا" الذي تطرق للـموضوع بإيجاز أين حاول ترجمة أجزاء هامة من الخطاب في عملية كانت محط انتقادات عديدة، في مقابل تجاهله لأهدافالزيارة ومسارها (R. Cagnat, 1912, p-p 146-151). بعد انقطاع بحثي حولالموضوع مردّهتراجع الاهتمام بدراسة التاريخ العسكري لبلاد الـمغرب،صدر للباحث "لوغلي" مقال حول خطابات الإمبراطور "هادريانوس" في "لامبايزيس" أين قدّمقراءة وتحليلللمضمون قادته نحو طرح رؤيته للترجمة الأنسب لهذا الخطاب مع تجنّبه لمناقشةدوافع الزيارة وإشكالية الوحدات المذكورة (M. Le Glay, 1978, p-p 545-558). بعد حوالي عقد نجد الـمؤرخ المختص في التاريخ العسكري الروماني "لوبوهاك" يناقش الـمسألة في مؤلفين له أين وقف على أهداف الزيارة بشكل مختصر مع إبراز تصوره لمختلف الوحدات العسكرية التي تواجدت سنة 128م،وهو ما أوقعه في قراءات خاطئة لعديد الاختصارات النقائشية، وبالتالي لم يوفق في ضبط الـوحدات الـمساعدة للفيلق أثناءتلك الزيارة (Y. le Bohec, 1989-1, p-p 372-373, 1989-2, 220p). في سنة 2003نجد أن الخطاب حظي بدراسة معمقةمن قبل عديد الباحثين الأوربيين تحت إشراف الباحث "لوبوهاك" أين تمتدراسة كل الجوانب التي تستشف منه وعلى رأسها ترجمة الخطاب، ضبط وحدات الجيش أثناء الزيارة، العروض والتدريبات العسكرية مع إهمال قضية دوافع الزيارة ومسارها (Y. le Bohec, 2003, 173p). هذه الدراسة الأخيرة شجعت الباحث العسكري الأمريكي "سبيدل" لإنجاز مؤلف حول الخطاب قدم فيه قراءة مختلفة قليلا عن الدراسة السابقة معرجا لـمختلف الوحدات الـمتواجدة والاستعراضات الـمقدمة (M. Speidel, 2006, 112p). في المقابل، إذا كان الباحثون السابقون قد اهتموا بترجمة الخطاب وتحليل محتواه، فإنّالباحثة الفرنسية "غيدون" قد ناقشت الزيارة في مؤلفها "الرحلة في إفريقيا الرومانية" حيثركزت على تاريخ الرحلة وتحديد مسارها مع تجنبها لتحليلمضمون الخطاب وأبعاده العسكرية (St. Guédon, 2006, p-p 689-699, 2010, 527p)). هذه الدراسات مثلت لنا قاعدةهامة لإنجاز هذا العمل ومع استفادتنا من الشهادات العسكرية الـمكتشفة حديثاأمكننا الوصول إلى معرفة أعمق للزيارة ولهوية وحدات الجيش المتواجدة أثناء الزيارة.

بهذا، فإنّهذه الدراسة تهدفإلى محاولة الوقوف على خط زيارة "هادريانوس" لإفريقيا، جدول أعمالها، تقديم وتحليل خطابات الإمبراطور لمختلف وحداتالجيش،واستنادا عليها وعلى الشهادات العسكريةسنحاول تحديد الوحدات التي كانت متواجدة أثناء الزيارة مع العمل على اقتراحمواقع تواجدها، لنختم الدراسة باستنتاجات عامة. لـمناقشة كل هذه الـمسائل تم اعتماد المحاور الآتية:

أولا: الزيارة ونقيشة الخطابات.

ثانيا: الفيلق الأوغسطي الثالث أثناء الزيارة.

ثالثا: وحدات الـمساعدين أثناء الزيارة.

رابعا: الاستنتاجات العامة (الخاتمة).

أولا: الزيارة ونقيشة الخطابات:

أولا-1-زيارة أو زيارات لبلاد الـمغرب؟:

على الرغـم من أن "أوكتافيوس" (G. Octavius Thurinus) قد برمج زيارة لإفريقيا سنة 36ق.م، إلا أن سلسلة من الشَوادن (عوامل جوية غير مألوفة أو غير عادية) منعته من ذلك، فكانت بذلك إفريقيا وإسبانيا (وربما سردينيا أيضا) الـمقاطعتين الـوحيدتين اللتين لـم تحظيا بزيارة "أوكتافيوس-أغسطس". هذا الغياب لزيارات إمبراطورية لبلاد الـمغرب استـمر لغاية فترة الإمبراطور "هادريانوس" (117-138م) الذي كان أول إمبراطور روماني يزور الـمنطقة (Suétone, 1893, XLVII, 3, St. Guédon, 2006, p 689). إن أي دارس لهذه الزيارة سيصطدم بإشكالية تحديد عدد زياراته لبلاد الـمغرب وتأريخها، فعلى الرغم من إشارات "ديون كاسيوس"، صاحب مؤلف "تاريخ الأباطرة"، حيازتنا لعملات ولعديد النقوش المتعلقة برحلاتالإمبراطور "هادريانوس" لمختلف الـمقاطعات الرومانية،ومن ضمنها زياراته للـمقاطعاتالـمغاربية (إفريقيا البروقنصلية والـموريطانيتين) خلال فترة ما بين 120-135م، فإنناعاجزون عن الفصلفي هذا الموضوع (Dion Cassius, 1845, LXIX, 9-10, Aelius Spartianus, 1844, I-XXV, R. Syme, 1988, p-p 159-170). في الواقع، إذا كان من الـمؤكد أن "هادريانوس" قد زار بلاد الـمغرب سنة 128م (C, VIII, 2532, M. Le Glay, 1978, p-p 545-558)، فإن إشارات أخرى تدفع للاعتقاد بوجود زيارة (أو زيارات) أخرى للـمنطقة خلال الجولة الكبرى التي أجراها "هادريانوس" ما بين 121-125م وهو ما نستشفه من مؤلف تاريخ الأباطرة الذي قدم لنا أول إشارة مُوردا فيها: "قـمع (الإمبراطور) انتفاضـة (حركات) قام بها الـموريون motus Maurorum compressit" (Aelius Spartianus, 1844, XII, 7).فُـهممن العبارةأن "هادريانوس" عبّر من إسبانيا إلى موريطانيا الطنجية أين أمضى بها فصل شتاء سنة 122م (أو 123م) بغية قيادة حملة عسكرية تستهدف إخماد انتفاضة للـموريين (M. Bénabou, 1976, p127, Y. le Bohec, 2003, P 9)، على أنه نظرا لعدم امتلاكنا لأي إشارات أدبية أو وثائق نقائشية تؤكد هذه الزيارة فإنها لا تزال محط غموض كبير.

بعد هذه الإشارة الأولى ذات المؤلف ينقل لنا حدوث عبور آخر لهادريانوس من إيطاليا لإفريقيا أين كتب قائلا: "بعدها عاد إلى روما، ثـم عبر إلى إفريقيا التي أغدقها بالنعـم. لا يوجد ربما أي أمير زار العديد من الـمناطق بهذا القدر من السرعة (الخفة)" (Aelius Spartianus, XIII, 4). إن كان قد فُهم من العبارة أنه زار كل الـمقاطعات الـمغاربية وليس فقط مقاطعة إفريقيا البروقنصلية، فإن الإشكال الذي تطرحه العبارة هو جهلنا بعديد المسائل: ما دوافع الزيارة؟، هل هي زيارة عسكرية (حربية) تستهدف مثلا محاربة الـموريين للـمرة الثانية أو تفقد منشآت دفاعية؟ (H. Mantel, 1968, p-p 226-227)، ما هو تاريخ هذه الزيارة؟ وما الـمقصود بعبارة "أغدقها بالنعم"؟. تساؤلات يصعب الإجابة عنها لافتقادنا للشواهد الأثرية، لكن هذا لم يمنع الباحثين من تفسير عبارة "أغدقها بالنعم" بأنه خلال هذه الزيارة منح عديد الـمدن في مختلف الـمقاطعات الـمغاربية (بالأخص في إفريقيا البروقنصلية) صفة الـمستوطنة والبلدية وربما كذلك منح حقوق بلدية أو لاتينية لـمدن جديدة مع امتيازات أخرى: تخفيضات ضريبية، إنشاءات متعلقة بالألعاب والـمهرجات édilitaire))، لكن، من الممكن أيضا أن الـمؤرخ قصد حصول الـمدن الرومانية الـمغاربية على هذه الـمكاسب خلال فترة حكمه وليس بالضرورة أثناء هذه الزيارة الغير معروفة التاريخ (M. Bénabou, 1976, p 131, J. Gascou, 1972, p-p 115-137, 213-220).

آخر إشارة عن زيارة "هادريانوس" لإفريقيا وردت أيضا عند مؤلف تاريخ الأباطرة حيث جاء فيها: "عند وصوله لإفريقيا سقطت الأمطار بعد خمس سنوات من الجفاف وهو حدث زاد من إعزازه للأفارقة" (Aelius Spartianus, XXII, 14). على الرغم من أن العبارة بدورها لا تسمح لنا من التعرف على تاريخ الزيارة ولا أهدافها ولا الـمنطقة التي لـم تسقط بها الأمطار لـمدة 05سنوات كاملة (124-128م)، فإننا نعتقد أن الـمقصود بها هو زيارة سنة 128م وأن الـمنطقة التي لم تسقط بها الأمطار لـمدة 05سنوات هي الأوراس وجنوبه، وهو الطرح الذي ندعمه بنحت نقوش إهدائية مؤرخة بسنة 128م في "لامبايزيس" كتشكر لآلهة الرياح والإله "يوبيتر" وهو ما يعد مثالا هاما عن تطابق الرواية التاريخية مع الاكتشافات الأثرية (J.-P Laporte, 2016, p-p 130-135).

على ضوء هذه الإشارات الأدبية وبالعودة على الوثائق النقائشية طرح الباحثون عديد التصورات حول عدد زيارات "هادريانوس" لبلاد الـمغرب، ومن أبرزهم الباحث "بيرلي" الذي مال لفرضية أنه زار إفريقيا ثلاث مرات: زيارة قاد فيها حملة عسكرية ضـد الـمور في 121-122م، وأخرى سنة 123م زار فيها مدينة بروقنصلية هي "عين فورنة" (Furtina=Furnos Minus) وزيارة أخيرة سنة 128م (A. R Birley, 1997, p-p 150-152). في حين راح آخرون يستندون على الآثار للقول أنّ "هادريانوس" قام بزيارتين؛ واحدة في حوالي 122-123م أجرى فيها الإمبراطور إعادة تنظيـم للنظام الدفاعي لبلاد الـمغرب عبر تنصيب وحدات عسكرية جديدة، إقامة معسكرات وإنجاز طرقات، لتأتي بعدها زيارة 128م التي هدفت لتفقد ومعاينة حالة التنظيمات الدفاعية والعسكرية (M. Labrousse, 1948, p-p 125-147, L. Leschi, 1949, p-p 225-226). من جهتها استبعدت "غيدون" احتمالية حدوث سفرية 123م ورأت أنه لم يزر بلاد الـمغرب سوى مرتين؛ مـرة سنة 122م لإخماد انتفاضـة الـموريين وهي المذكورة عند مؤلف تاريخ الأباطرة، والثانية سنة 128م وهي الـمقصودة في الـمقطعين الأخيرين لـمؤلف تاريخ الأباطرة ونقوش لامبايزيس (Aelius Spartianus, XIII, 4, XXII, 14, St. Guédon, 2006, p-p 693-694). كل هذه الآراء تجعلنا نميل لفرضية وجود زيارتين؛ زيارة قصيرة خاطفة سنة 122م أو 123م لـموريطانيا الطنجية لقمع انتفاضة المور والتي يمكن أنه استغلها أيضا في التجوال بالنواحي الـمجاورة (الطنجية وربما القيصرية كذلك)، أما الثانية فكانت بلا شك سنة 128م. ولعل غياب النقوش المخلدة يدعم أكثر في نظرنا هذا الطرح، فمن غير الـمعقول أن يزور الإمبراطور بلاد الـمغرب ثلاث مرات ولا يتم تخليد هذه الزيارات بنقوش إهدائية أو معالم تذكارية تليق بالحدث (ينظر الصورة رقـم 01).

أولا-2-خط سير زيارة 128م وخطابها التذكاري:

تركت زيارة الإمبراطور سنة 128م ذكراها التاريخية عبر كونها أول زيارة لإمبراطور روماني، ومن غرائب الصدف أنها كانت فأل خير على الـمنطقة، فبعد خمس سنوات من الجفاف نزلت الأمطار بشكل عجيب تزامنا مع هذه الزيارة. هذا الجفاف الذي ضرب بلا شك الـنواحي الحدودية لإفريقيا البروقنصلية أي الأوراس والصحراء النوميدية الجزائرية هو في نظرنا ليس جفافا بالـمعنى الدقيق للكلمة، بل معناه وجود قلة في سقوط الأمطار خلال الخمس سنوات الأخيرة (Y. le Bohec, 2003, p 10). لقد اتخذت الزيارة طابع دورية تفقدية تفتيشية لوحدات الجيش الـمتواجدة في مختلف حاميات إفريقيا البروقنصلية-نوميديا وبعد انتهاء الزيارة تم تخليدها بإقامة معلم تذكاري نُحتت عليه خطابات الإمبراطور على الفيلق ووحدات الـمساعدين. هذا الـمعلم المعروف اليوم بتسمية "عمود هادريانوس" أو "النصب التذكاري لهادريانوس" تم رفعه في معسكر الـمساعدين بلامبايزيس (M. Janon, 2005, p-p 60-65, M. le Glay, 1978, p-p 545-558, Y. le Bohec, 2002, p-p 158-163, St. Guédon, 2006, p 694). بالإضافة إلى مؤلف تاريخ الأباطرة وخطاب هادريانوس في "لامبايزيس"، فإننا نـمتلك نقيشة أخرى توثق لنا زيارة 128م حيث تتضمن العبارة: "أتى الإمبراطور الـمُؤله "هادريانوس" من صقلية، إفريقيا وموريطانيا" (A.E, 1957, 135)، كما خُلد هذا العبور الإمبراطوري للأراضي الـمغاربية  بمجموعة من العملات مؤرخة بالسنوات الأخيرة من فترة حكم "هادريانوس" حيث تعرض ثلاثة مواضيع أساسية: إفريقيا الـمُجسّدة (الـمُشخصة personnifiée)، موضوع مراسم الاستقبال أو الاستقبال الرسمي (adventus)، "الجيش الـموريطاني exercitus Mauretanicus" (N. Méthy, 1992, p-p 279-284, R. Pera, 1990, p-p 504-507, St. Guédon, 2006, p 695). لهذا، فإنه عبر جمع هذه الإشارات الـمصدرية تم استنتاج أن الإمبراطور خرج من روما وبعد أن عبر على صقلية، رسا في إفريقيا ليتوجه منها لـموريطانيا.

إن الـمسألة الأكثر صعوبة في دراسة هذه الزيارة هو محاولة تحديد خط سيرها وجدول أعمالها في بلاد الـمغرب، وهي صعوبة فتحت شهية الباحثين للبحث وتقديم فرضيات عديدة. ركز هؤلاء الباحثون اهتمامهم في البداية على قراءة وتفكيك نقيشة خطابات الإمبراطور التي أدلى بها أمام مختلف وحدات الجيش الإفريقي في أعقاب المناورات والعروض الـمُقدمة له لـمحاولة معرفة مسار زيارته وهو ما مكّن من التعرف على جزء من خط السير؛ عرفنا أنه في 01جويلية 128م كان "بلامبايزيس" أين التقى فيها بـمشاة وفرسان الفيلق الأوغسطي الثالث (legio III Augusta) والكتيبة الثانية للإسبانيين (cohors II Hispanorum)، ليعرج بعدها لـمعسكر "القصبات" (Gemellae) أين زار "الكتيبة الأولى الـمختلطة للخلقيسيين" (cohors I Chalcidenorum equitata)، في 07جويلية توجه لزراية (Zarai) ببيضاء برج-سطيف-لتفقد كتيبة غير معروفة والتي قد تكون على الأرجح "الكتيبة الفلاويّة الأولى الـمُختلطة" (cohors I Flavia equitata)، أما في 12أو 13جويلية فقد توجه للـمعسكر القاعدي للكتيبة السادسة للكوماجينيين في موقع غير معروف تُرجح "غيدون" أنه قد يكون "عين فوة" (Castellum Phuensium) بالقرب من "قيرطا" (Cirta) وغير بعيد عنه زار الإمبراطور حامية "الجناح الأول للبانونيين" (Ala I Pannoniorum) أين ألقى خطابا على فرسانه نحتفظ بأجزاء معتبرة منه، ليختم الزيارة بتفقد "الكتيبة الفلاويّة الثانية الـمُختلطة للأفارقة" (cohors II Flavia Afrorum equitata) في تاريخ ومكان غير مُحددين (نرجح أنه "شمتو" Simitthus) (P. Romanelli, 1959, p-p 338-339, St. Guédon, 2006, p-p 695-696).

باستثناء نقيشة الخطاب، فإننا لا نـمتلك أي وثيقة أخرى تساعدنا على معرفة خط الزيارة وتواريخها، ما فتح الباب لاجتهادات وفرضيات الباحثين. البداية مع الباحث "دُور" الذي اقترح إعادة تشكيل خط سير الإمبراطور من خلال تتبع نقوش تشير لتحصل مُدن على مكاسب أو تظهر امتنان مواطنيها للإمبراطور عبر تشييد مباني على شرفه وهذا طبعا بالاستناد على عبارة مؤلف تاريخ الأباطرة الذي أورد أنه أغرقها بالنعم (المكاسب) عند زيارته، لذلك افترض أنه في زيارته لإفريقيا نزل في العاصمة "قرطاجة" ومنها توجه إلى الـمدينة الثانية غير البعيدة "أوتيكا" (Utica) (أو ربما العكس)، ليتجه من إحداهما جنوبا إلى أن وصل إلى "تلمين" (Turris Tamalleni)-05كلم على مدينة قبلي في جنوب تونس-، ثم توجه إلى "لامبايزيس"، كما عبر إلى "زراية"، ليصل بوجهته لموريطانيا، ليعود على أعقابه لاستئناف رحلة ساحلية انتهت في "قرطاجة" التي منها أبحر عائدا إلى روما. هذه الجولة دامت حسب رأيه قرابة 06أشهر من شهر مارس إلى نوفمبر (J. Dürr, 1881, 124p). بدوره "ويبر" يختلف مع "دور" في مدة السفرية التي استغرقت حسب رأيه أربعة أشهر ابتداء من شهر أفريل أو ماي ليعود الإمبراطور إلى روما في شهر أوت، مع تقديمه لخط سير مختلف عن سابقه: من قرطاجة توجه إلى "أوتيكا"، "طبرقة"، "سكيكدة" (Rusicade)، "قيرطا"، "زيامة" (Choba)، ثم وصل إلى "سيدي بلعطار" (Quiza)، كما زار شرق موريطانيا القيصرية الـذي أصبح معروفا فيما بعد بموريطانيا السطايفية، أما العودة فبدأها من "سور الغزلان" (Auzia) إلى "لامبايزيس"، "زراية"، "عين فوة"، "تبسة" وفي الأخير "قرطاجة" التي عاد منها لإيطاليا (W. Weber, 1907, p-p 201-204).

من جهته "رومانيلي" بعد أن قارن بين خطي السير الـمُقدمين من الباحثين الـمذكورين مال لأطروحة "ويبر" معتبرا أن الإمبراطور دخل لروما في أواخر شهر أوت ومنها توجه لليونان (أثينا) والشرق، فتصور أنه رسا في "قرطاجة" واستغل الفرصة لزيارة البلدية القريبة "أوتيكا" التي منحها صفة الـمستوطنة، ليميل إلى فرضية أنه بعدها توجه "لتبسة" (Theveste) الذي خلال سيره إليها زار عدة مدن تقع على طريق "قرطاجة-تبسة": هنشير قصبات (Thuburbo Maius)، هنشير الصوار (Abthugni)، "جاما" (Zama Regia)، "مدَيْنَة" (Althiburos) ومن "تبسة" واصل سفره نحو "قفصة" (Capsa) أين يوجد قوس إهدائي لهادريانوس على الأرجح يخلد عبوره عليها ومنها توجه للقصبات. هذه الجولة سمحت له بالوقوف على الخطوط الدفاعية للحدود الرومانية، ليتوجه بعدها إلى "لامبايزيس"، "زراية"، "عين فوة"، أي أن هنالك تركيز على المجال الـممتد من العاصمة الـمدنية "قرطاجة" إلى العاصمة العسكرية "لامبايزيس" (C, VIII, 98, P. Romanelli, 1959, p-p 339-342, J. Gascou, 1972, p-p 115-137). بعد تفقده المجال الإفريقي-النوميدي تقدم الإمبراطور نحو "موريطانيا القيصرية" وربما وصل للطنجية (نستبعد ذلك ونتصور أنه تفقدها في زيارة 122م أو 123م)، أين قد يكون وصل على الأرجح حتى سيدي بلعطار الواقعة على الطريق الـمؤدي لبطيوة (Portus Magnus) وهذا استنادا على وجود قوس بها مُهدى على شرفه مؤرخ بسنة 128م وهو دليل أثري غير حاسم، ليعود حسب "رومانيلي" لقرطاجة ومنها لإيطاليا (C, VIII, 9697, P. Romanelli, 1959, p-p 339-342). أما "بيرلي" فافترض أنه وصل لغاية "بطيوة" ومن مينائها عاد لإيطاليا (Birly, 1997, p 213). في حين فسر "جاسكو" كلمة "الـمكاسب" (beneficia) الـمُشار إليها في مؤلف تاريخ الأباطرة بأنها ليست بالضرورة منح ترقيات قانونية للبلديات والـمستوطنات أثناء زيارته بل قد تعني تشييد طرق، تخفيض ضريبي، إنجاز معالم للشعب على نفقته الخاصة. لكن هذا التصور لا يُمكن أن ينفي في الواقع فرضية أن عديد الـمدن استفادت خلال زيارته من ترقيات قانونية كأوتيكا و"مدَيْنَة" (J. Gascou, 1972, p-p 118-119). في حين "غيدون" خلصت إلى أن الإمبراطور سلك طريق "قرطاجة-تبسة" بشكل مُؤكد تقريبا، ليقوده هذا الطريق نحو خط سير حدودي دون تفاصيل أكثر (St. Guédon, 2006, p 699).

إن كل هذه الآراء تجعلنا نميل لفرضية أنه بعد أن نزل في العاصمة "قرطاجة" توجه لأوتيكا، ليعود ويسلك طريق "قرطاجة-تبسة" أين زار ورقى عديد المدن الواقعة على هذا الطريق، ولما وصل إلى تبسة راح يسلك ذلك الطريق الرابط بين "قابس-حيدرة" (عبورا بتبسة على الأرجح) الـمُقام سنة 14م ما أوصله لمدينة "قفصة" ومنها توجه لتلمين وحصن تيجنسيوم (Castellum Thingensium)، ثم قصد بسرياني (Ad Maiores) التي أقيمت بها معسكر سنة 105م ربط بطريق حدودي عرضي يربط شط الجريد ببسكرة (Vescera)، ما قاده للوصول بزيارته لمعسكر "القصبات" المشيد سنة 126م وربما كذلك لمعسكري "تهودة" (Thabudeos) وبسكرة المقامين ربما في عهد "ترايانوس"، ومنهما توجه شمالا صوب "لامبايزيس" (قد يكون زار "تيمقاد"). ثم بعد أن تفقد كتيبة "زراية" توجه للـمجال القيرطي لزيارة "عين فوة" (وقيرطا) وبقدر ما هو وارد أنه واصل السير نحو موريطانيا القيصرية عبر "جميلة" (Cuicul) وسطيف (Sitifis) وصولا حتى "سيد بلعطار" وبطيوة، فإنه من الوارد كذلك أنه من "قيرطا" توجه لسكيكدة أين أخذ مركبا لزيارة عدة مدن ساحلية إلى أن وصل لسيدي بلعطار وحتى "بطيوة"، ليعود منها مباشرة إلى روما دون العودة لقرطاجة، وهذا في رحلة استغرقت زهاء 04-05أشهر (من أفريل-ماي إلى أوت).

    أولا-3-نقيشة خطاب الزيارة:

بالعودة إلى النقيشة المخلدة للخطابات الـمُلقاة من الإمبراطور "هادريانوس" على مختلف القوات والتي لا تزال محفوظة ليومنا بـمتحف اللوفر، فقد أقيمت على منصة حجرية هائلة نحتت مختلف جوانبها (ينظر الشكل 01والصورة 01). تم العثور عليها في وسط ميدان تدريبات (campus) الفيلق الأوغسطي الثالث بلامبايزيس الـمعروف بتسمية معسكر الـمساعدين (أبعاده 200م×200م) والذي على الأرجح قدم به أفراد الفيلق عروضهم ومناوراتهم للإمبراطور. هذه الـمنصة يعلوها عمود ونقشت عليها نصوص احتفالية بزيارة الإمبراطور ومعها خطاباته، ما يكشف لنا الذهنية الرومانية المحبة للتدوين حيث خلدت قيادة الجيش هذه الزيارة التاريخية بمعلم تاريخي يظل شاهدا على هذا الحدث الهام في تاريخ الفيلق ومعسكرات لامبايزيس. تكون هذا الـمعلم التذكاري من عمود رُفع على منصة=قاعدة تمثال (piédestal) من حجارة كبيرة مُرتبة. عند مستهل هذا المعلم التذكاري نجد أساسات مُؤلفة من درجين بأبعاد 10م من كل جانب وبارتفاع 0,60م والتي تحمل منصة التمثال التي يُقدر ارتفاعها بـ 3,80م. الـمنصة مُشكلة من قاعدة وكتلة حجرية مُكعبة يقدر عرضها بـ 4,50م أين تحتوي كل واجهة منها على بلاطة مستطيلة تلتصق بالأعمدة الجدارية الناتئة (pilastre) في الأركان، على أن نصوص الخطابات لم تُنقش على البلاطات بل على الأعمدة الجدارية الناتئة نظرا لأن البلاطات الأربع نحتت عليها رأسية (عنوان) النقيشة. (ينظر الشكل 01والصورة 01).

 


01.png

02.png

الشكل 01: قاعدة الـمعلم التذكاري لهادريانوس بأعمدتها الأربع وبها 32حيز (حقل) يتضمن الخطاب.

الصورة 01:قاعدة الـمعلم التذكاري لهادريانوس محفوظة في متحف اللوفر.      

الـمرجع: Michael P. Speidel, 2006, P 21

الـمرجع: Yann le Bohec, 2003, P 67                  

 


بخصوص العمود الذي نُصب على الـمنصة فهو يتكون من ثمانية مِدَفّات (tambour)، كل واحدة بارتفاع يتراوح ما بين 1,70-1,80م والتي وضعت على قاعدة من العقيد ارتفاعها 0,90م، كما نجد أن هنالك تاج عمود كورنيثي يعلو المدفات مع ملاحظة وجود تجاويف مثقوبة في مدفات العمود، تم تفسير أن دورها هو تثبيت الزخارف البرونزية، وفي أعلى قمة العمود تم تنصيب تمثال من البرونز للإمبراطور وهو ما يجعل ارتفاعه الاجمالي يصل إلى زهاء 26م وهو ما يجعله بلا شك معلم معتبر ومهيب (ينظر المخطط 01والصورة 02). هذا الـمعلم التذكاري فتح الباب لتساؤلات الباحثين حول دواعي إقامته بمعسكر الـمساعدين وليس في الـمعسكر الكبير، وهو ما فسره "جانو" بكون معسكر الـمساعدين فضاء ذو هيبة، ساحة أسلحة، ميدان مناورة للفيلق أي أرضية مخصصة للتدريبات ولتجميع الجنود، وبالتالي فإن إقامته في هذا الـمكان سيكون له أثر نفسي ومعنوي دائم على الجنود أثناء تدريباتهم وتمارينهم (M. Janon, 2005, p-p 60-63, Y. le Bohec, 2002, p-p 158-163).

كما أشرنا، فقد تم نحت الخطاب على الأعمدة الجدارية الناتئة، على أن طول النص أدى إلى خلق عدم تناسب بين قاعدة التمثال العريضة والعمود. تضمنت تلك الأعمدة الناتئة 32حيز منقوش، تعرفنا على محتوى بعضها وفقدنا الكثير. ففي الواقع، نحن لا نمتلك إلا قرابة ربع برنامج (خطاب) زيارة الإمبراطور. على البلاطات الأربع للمنصة نحتت العبارة الإهدائية الآتية: "إلى الإمبراطور القيصر أغسطس (الـمهيب) ترايانوس هادريانوس، الباسل (الأكثر شجاعة) والأكثر سخاءً. تقدم الفيلق الأوغسطي الثالث بهذا الـمعلم التذكاري بعد أن تم تفقد الجيش"،ليستهل الخطاب بعدها بالديباجة التي جاء فيها: "الإمبراطور القيصر أغسطس ترايانوس هادريانوس، بعد أن شاهد الـمناورات (الاستعراضات) خاطب عزيزه الفيلق الأوغسطي الثالث بالكلمات الـمكتوبة (الـمنحوتة) في الأسفل وهذا خلال قنصلية "توركواتوس" (Torquatus) للمرة الثانية وزميله "ليبو" (Libo) في الفاتح من جويلية"(C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J. M. Berthet, 2003, p 115, B. Campbell, 1994, p 18, M. Speidel, 2006, p,p 7, 21).


04.png

03.png

الصورة 02:رسـم تصوري للـمعلم التذكاري لهادريانوس.

الـمخطط 01: معسكر الـمساعدين وموضع الـمعلم التذكاري لهادريانوس.

الـمرجع: Michel Janon : 2005, P 62

الـمرجع: Yann le Bohec : 2003, P 49

 

 

 


ثانيا-الفيلق الأوغسطي الثالث خلال الزيارة:

على الرغـم من أن نوميديا لـم تصبح مقاطعة مستقلة عن إفريقيا البروقنصلية إلا منذ عهد الإمبراطور "ل. سبتـميوس سويروس" (L. Septimius Severus) وهذا على الأرجـح في سنة 197م، إلا أنها امتلكت خصوصيات الـمقاطعة منذ حوالي 38-39م مع قيام الإمبراطور "كاليغولا" (Caligula) بسحب الصلاحيات العسكرية (قيادة الجيش والحملات العسكرية) من البروقنصل ومنحها للـمفوض الإمبراطوري ذو الصلاحيات البريتورية (legatus Augusti pro praetore)، ما خلق منطقة أو إقليما عسكريا يُمكن أن نطلق عليه تسمية نوميديا الجنوبية أو نوميديا العسكرية يُدير شؤونها هذا الضابط الحاكم (Y. le Bohec, 1989-1, p 348, M. Bénabou, 1972, p-p 129-136, A. Berthier, 1981, p-p 133-135). تكوّن الجيش الروماني الـمُرابط في إفريقيا البروقنصلية ونوميديا خلال زيارة الإمبراطور "هادريانوس" سنة 128م من الفيلق الأوغسطي الثالث والـمساعدين وقد ذكرته لنا النقوش بعدة تسميات هي:

التسـمية اللاتينية

الترجـمة للعربية

Exercitus Africae (C, V, 531)

جيش الإفريقية

Exercitus qui est in Africa (C, XI, 5211, I.R.T, 528)

الـجيش الذي بإفريقيا

Exercitus provinciae Africae (C, VIII, 17891, A.E, 1908, 237)

جيش الـمقاطعة الإفريقية

Legio III Augusta et exercitus Africanus (C, XI, 3718)

الفيلق الأوغسطي الثالث والجيش الإفريقي

Legio III Augusta et auxilia eius (C, VIII, 2637)

الفيلق الأوغسطي الثالث ومساعديه.

Exercitus (Africae ? Numidiae) (C, VIII, 17621)

الـجيش (الإفريقي؟ النوميدي)

 

وُضـع على رأس هذا الجيش كما ذكرنا مفوض إمبراطوري ذو صلاحيات بريتورية والذي هو بمثابة القائد الأعلى للجيش. على أنه قبل تقلده لهذا الـمنصب عليه أن يشغل منصب "البرايتور" (praetor) من قبل وتقلده لمنصب الـمفوض الإمبراطوري يؤهله عادة لتقلد منصب "القنصل العادي" (consul ordinarius) أو "قنصل إكمال الـمدة" (consul suffect). شغل منصب القائد الأعلى للجيش خلال الزيارة الـمفوض الإمبراطوري "ك. فابيوس قاتولّينوس" (Q. Fabius Catullinusما بين 127-129م، فمن يكون؟ (Y. le Bohec, 1989-1, p 120, B. E. Thomasson, 1996, p 145).

ثانيا-1-قيادة الفيلق (الجيش) أثناء الزيارة:

قبل أن تُسند قيادة الجيش الروماني (الفيلق الأوغسطي والثالث والمساعدين) إلى المفوض الإمبراطوري، كان للبروقنصل في البداية يجمع بين الصلاحيات المدنية والعسكرية خلال الفترة الممتدة من استحداث مقاطعة إفريقيا البروقنصلية سنة 27ق.م لغاية حوالي 38-39م أين قرر الإمبراطور "كاليغولا" سحب الصلاحيات العسكرية منه ومنحها لمفوض إمبراطوري من لدنه (تعيينه) (Tacite, 1859, IV, 48, Dion Cassius, 1845, LIX, 20, A. Clément Pallu de Lessert, 1896, p-p 120-121). لكن، على الرغـم من فقدان البروقناصلة للصلاحيات العسكرية فقد احتفظوا بوحدات عسكرية تحت تصرفهم سمحت لنا النقوش من التعرف على:

-كتيبة من الفيلق الأوغسطي الثالث تُرسل بالتناوب كل سنة إلى "قرطاجة" وهو ما تعرفنا عليه بفضل خطاب "هادريانوس" (C, VIII, 2532).

-عُوضت الكتيبة الحضرية الثالثة عشر (cohors XIII urbana) التي تواجدت بإفريقيا (قرطاجة) منذ عهد الأسرة الفلاويّة بالكتيبة الحضرية الأولى (cohors I urbana) في بدايات القرن الثاني وعلى الأرجح في عهد الإمبراطور "هادريانوس" (F. Bérard, 1991, p-p 39-51).

-قبل زيارة الإمبراطور "هادريانوس" لإفريقيا كان للبروقنصل وحدة فرسان تحت تصرفه هي "جناح سيليانا" (ala Siliana) التي استدعيت بعدها لمصر ومنها حُولت للمقاطعات الدّانوبية. ثم بعد أن ساد اعتقاد بأن "الكتيبة الفلاوية الأولى للأفارقة" (cohors I flavia Afrorum) كانت خاضعة لأوامر البروقنصل نجد أن اكتشاف الشهادات العسكرية الثلاث المؤرخة بحوالي 127-129م قد فنّد هذا الطرح وأكد تبعيتها للـمفوض على الأقل خلال زمن الزيارة (A.E, 2002, 1751, 1752=A.E, 2005, 1722, A.E, 2005, 1715=2011, 1807, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 22-23). بهذا، فإنه كان تحت تصرف والي مقاطعة إفريقيا البروقنصلية لسنة 128م (نجهل اسمه) ما يقرب 1000جندي يُوظفون لأغراض مختلفة: حماية المدن الرئيسية بالمقاطعة وعلى رأسها العاصمة قرطاجة، مكافحة الجريمة (دور الشرطة)، حراسة الأملاك الإمبراطورية ويستغلون أحيانا لمهام حربية.

ما تبقى من القوات (الفيلق ووحدات المساعدين) المتواجدة في إفريقيا البروقنصلية-نوميديا وُضعت تحت تصرف المفوض الإمبراطوري ابتداءً من سنوات 38-39م. هذا الضابط السّامي كان يُعين ويُعزل من قبل الإمبراطور فقط وهو ينتمي للفئة السيناتورية ويمتلك نفس الصلاحيات التي يمتلكها البروقنصل باعتباره يدير شؤون مقاطعة (لم تُرسم إلا في عهد الإمبراطور سبتميوس سويروس) يُمكن تسميتها "بنوميديا العسكرية" أو "نوميديا الجنوبية"، والتي شكلت الحزام الدفاعي لمقاطعة إفريقيا البروقنصلية المدنيّة من غارات قبائل الجنوب. تتمثل مهامه في الحرص والسهر على الاستعداد التام لجنوده على القتال بفعالية، لذلك عليه التأكد من التدرب الجيد للجنود عبر المراقبة الدائمة للتدريبات، السهر على فرض الانضباط وتطبيق العدالة، مُراقبة الشؤون المالية وكل ما يتعلق بالسير الحسن للفيلق وقد كانت سلطته تمتد كذلك على المدنيين القاطنين في المجال الذي يديره وتقدر مدة ولايته بسنتين إلى ثلاث سنوات وأحيانا لمدة أطول (Végèce, 1859, II, 59, Y. le Bohec, 1989-1, p 120, R. Cagnat, 1912, p-p 123-127, P. Southern, 2006, p 331).

تولى قيادة الجيش الإفريقي أثناء زيارة الإمبراطور "هادريانوس" لإفريقيا كما أشرنا المفوض الإمبراطوري "ك. فابيوس قاتولّينوس"، فنال بذلك شرف مقابلة الإمبراطور في إطار زيارة رسمية. ورد ذكره في نقيشة الخطاب على شكل: "قاتولّينوس، مفوضي، اللامع (لقب شرفي للفئة السيناتورية)" (Catullinus, legatus meus, clarissimus) و"قاتولّيني، مفوضنا، الرجل الـلامع" (Catullini, leg(ati) mei, c(larissimu) v(ir) (C, VIII, 2532). هذا اللقب (الرجل اللامع) كان "فابيوس" هو أول من ناله في التاريخ الروماني وقد سمّاه (هادريانوس) باسمه وبوظيفته في الخطاب بما لا يقل عن 06مرات (C, VIII, 2532, J. L Voisin, 2003, p 28). ذُكر أيضا في نقيشة إهدائية على شرف الإمبراطور "هادريانوس" (C, VIII, 2533)وفي نقيشتين إهدائيتين نحتتا من قبله كتضرع للآلهة لتنتهي حالة الجفاف التي عاشتها نوميديا لمدة 05سنوات أو بالأحرى احتفالا بمعجزة سقوط الأمطار السّاحيّة وغير المتوقعة تزامنا مع زيارة الإمبراطور؛ واحدة على شرف الإله "يوبيتر الأفضل والأعظم ، سيّد العواصف الإلهية" ،(C, VIII, 2609)والأخرى على شرف "آلهة الرياح "ونتي" (Vents) سيدة عواصف الخير" (C, VIII, 2610)

تقلّد "فابيوس" منصب المفوض الإمبراطوري في شهر جويلية من سنة 127م لغاية خريف سنة 129م على أبعد تقدير (J. L Voisin, 2003, p 27, B.E Thomasson, 1996, p 145)، وهو ما تُؤكده لنا الشهادات العسكرية ونقيشة إهدائية منحوتة على شرف "هادريانوس"،1لهذا نستبعد طرح "لوبوهاك" القائل بأنه تولى قيادة الجيش ما بين 128-129م (Y. le Bohec, 1989-1, p 125)، ولرأي الباحثة "وولف" التي افترضت أنه قد يكون تولى القيادة منذ سنة 126م (Ca. Wolff, 2003, p 54)، وهذا نظرا لتقلد مفوض إمبراطوري غير معروف يُدعى "(...)وريوس" (…)uarius) قيادة الجيش سنة 126وهو ما كشفته لنا نقيشة خلفها في "تيمقاد" (C, VIII, 17845, A.E, 1954, 148). بهذا تولى "فابيوس" قيادة الجيش على الأقل قبل سنة من الزيارة الإمبراطورية ما سمح له بإنجاز أعمال استحقت ثناء ومدح الإمبراطور في عديد الـمناسبات. بعد المنصب الإفريقي وفي سنة 130م نجده قُلد منصب "القنصل العادي"  في روما رفقة "فلاويوس آبر" (M. Flavius Aper) من شهر جانفي إلى أواخر فيفري أو بداية مارس، فكان أول مفوض للجيش الإفريقي يشغل منصب القنصل العادي عكس قادة الجيش الإفريقي السابقين الذين لم يشغلوا سوى منصب "قنصل إكمال المدة"، وجاء هذا بلا شك كمكافأة له على أعماله الهّامة على رأس الجيش الإفريقي (C, VI, 208, 219, 2083=32377, C, XV, 1436, Ca. Wolff, 2003, p-p 53-54, Alison E. Cooley, 2012, p 470).

إذا عدنا إلى البدايات فإننا نجد أنفسنا لا نعرف شيئا عن أصوله ومساره المهني قبل توليه قيادة الجيش، لكن هذا لم يمنع من اجتهاد الباحثين الذين راح بعضهم يقدم احتمال أنه ذو أصول إسبانية بالاستناد على تواتر عشيرة (gens) "الفابيين" (Fabii) في الـفئة السيناتورية لتلك الفترة وهي فرضية تُوصف بالـمقبولة لكنها لا تمتلك الشواهد الحاسمة (B. E Thomasson, 1996, p 145, J. L Voisin, 2003, p 27). في حين، قدم "فوسن" فرضية يعتبرها أقل مخاطرة مفادها أنه ابن "فابيوس بارباروس" (Q. Fabius Barbarus Valerius Magnus Iulianus) الذي شغل منصب الـمفوض الإمبراطوري للجيش الإفريقي لسنة 97م و"قنصل إكمال المدة" لسنة 99م وهو ما نستبعده تماما (J. L Voisin, 2003, p 27, B. E Thomasson, p 139, Alison E. Cooley, 2012, p 467). إن الشيء المحتمل بقوة هو أنه ذو أصول اسبانية وأنه قبل أن يُكلف بقيادة الجيش الإفريقي كمفوض شغل عدة مناصب (ليس بالضرورة كلها) ومهام ابتدائية: العضوية في هيئة العشرون قاضيا (vigintivirat) وبعدها "نقيب الشريط العريض" (tribunus laticlavius) ثم مناصب قضائية: "المفتش المالي" (Quaestor)، "الموظف الـمُكلف بالإدارة الحضرية لروما" (Aedile) أو "مُدافع عن طبقة العامة" (tribunus plebis)، "برايتور" (praetor)، مناصب انتقاليّة "كقيم" (curator) على مصلحة ما في روما وهو ما مكنه من أن يتقلد منصب الـمفوض الإمبراطوري بإفريقيا والذي أهله بدوره لشغل منصب القنصل في روما، ليختم مساره بمهام مختلفة إحداها منصب كهنوتي (Y. le Bohec, 1994, p 41).

بعد مهمة "القنصل العادي" شغل "فابيوس" منصب "قيم الـمبّاني والأماكن العامة" (curator operum publicorum) في روما (C, VI, 31134)، ليتوارى بعدها عن الأنظار لغاية ذكره في البداية من قبل "ديون كاسيوس" حسب "وولف" وهذا في معرض إشارته لشخص تسميته تالفة عاش في عهد "هادريانوس" حيث ذُكر على أنه لم يكن مُدعما لطريقة معاملة ابنه الذي رُمي في النهر (Dion Cassius, 1845, LXIX, 23, Ca. Wolff, 2003, p 54). ثم ذُكر بعدها من قبل الإمبراطور الفيلسوف "ماركوس أوريليوس" في مؤلفه "تأملات" ضمن جماعة قال فيها:"استحضر في ذاكرتك دائما أولئك الذين كانوا يُفرطون في الغضب والشكاة، أولئك الذين بلغوا ذُرى المجد أو النكبة أو العداوة أو أي صنف آخر من الحظ. ثم توقف وفكر: أين كل أولئك الآن؟ دخان ورماد، حكاية رُويت بل حكاية نُسيت. واستحضر في ذهنك أيضا طائفة بأسرها من الأمثلة "فابيوس قاتولينوس" في داره الريفية... وبصفة عامة كل سعي محموم تصحبه الخيلاء" (ماركوس أوريليوس، 2008، الكتاب 12، 27). هذه الفقرة تجعلنا نستنتج أن "قاتولينوس" أمضى نهاية حياته في منزله الريفي ولا نعرف هل يعود هذا لتقاعد إرادي من الحياة السياسية أم  بسبب فقدانه لـمكانته وتعرضه لـنكسة سياسية أوقفت مشواره السياسي ولم تسمح بوصوله لتقلد منصب الحاكم لمقاطعات أخرى (Ca. Wolff, 2003, p 54). في الـمقابل، إذا كانت قطع طابوق مختومة عثر عليها في أرياف روما تشير إلى الاختصار Q.F.Ca.VIIIما فُهم منه "فابيوس قاتولينوس" وبالتالي تأكيد مسألة حيازته لـملكيات بالريف (قرب روما) مثلما أشار لهذا "ماركوس أوريليوس" (C, XV, 1132, Ca. Wolff, 2003, p 54)، فإن عائلة هذا الـمفوض كانت لها كذلك ممتلكات عديدة بنوميديا (A. Clément Pallu de Lessert, 1896, p 349.

البارز والملفت في مسيرة "فابيوس" أنه نال شرف زيارة الإمبراطور لـمقاطعته وجيشه أين حظي بإشادة وثناء من الإمبراطور مبدئيا على الاستعراضات، المناورات والتمارين (exercitatio) الـمُقدمة له، وفعليا على العمل العسكري الـمبذول للتحكم في المجال الإفريقي-النوميدي عبر توزيع الوحدات على مختلف الحاميات وتحقيق توسعات تُرابية هامة وصلت خلالها لضفاف وادي "جدي". لقد أظهرت خطابات "هادريانوس" هذا المفوض في صورة قائد مُنضبط وصارم مع الجنود وحريص على التدرب الجيّد لقواته وهو ما تم استحسانه من الإمبراطور الذي عامله بنوع من الألفة من خلال استخدام ضمير الملكية "meus" الذي يعني "لي" أو "الـمنتمي لي" ومُكافأته بـمنصب "القنصل العادي" (M. Le Glay, 1978, p 555.

ثانيا-2-ضباط وجنود الفيلق أثناء الزيارة:

تكون الفيلق الروماني من قُرابة 5000جندي مُشاة و120فارس (Flavius Josèphe, 1932, III, 6, 2, Y. le Bohec, 1994, p-p 24-25). هذا العدد الهائل يُشرف عليه مجموعة من الضباط السّامين يعملون تحت إمرة ولمساعدة المفوض الإمبراطوري: نقيب الشريط العريض الـمُنتمي للفئة السيناتورية، محافظ الـمعسكر (praefectus castrorum) وهو ضابط فرساني شغل من قبل رتبة قائد مائة ثم رماح أول (primus pilus) ومنها رُقي لهذا لـمنصب، نُقباء الشريط الضيق الخمس (tribuni angusticlavii) الـمنتمين لـفئة الفرسان (equester ordo)، وإلى جانبهم ضباط مأمورين هم: "الرّماح الأول"  و59قائد مائة (centuriones). تحتهم نجد ما تبقى من الجنود حيث مئات منهم هم ذوو رتب ومهام مختلفة يُمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أصناف: "العاملون" (Munifices) وهم الخاضعون للأعمال الـمرهقة (السخرة)، الـمعفيون (immunes) وهم مُستثنون من أداء الأعمال الـمرهقة وكلاهما لا يتحصل إلا على راتب واحد، وأخيرا "الرئيسيون" (prinicipales) الذين بالإضافة لكونهم معفيون فإنهم يتحصلون على رواتب أكبر من زملائهم: بعضهم راتب ونصف (sesquiplicarii)، بعضهم "براتب مُضاعف" (duplicarii) وآخرون على قلتهم ذوو "راتب ثلاث أضعاف " (triplicarii) (Végèce, 1859, II, 7, A. von Domaszewski, 1967, p-p XI-XVI, E. Birley, 1953, 196p, B. Dobson, 1972, p-p 193-207, D. J. Breeze, 1974, p-p 245-292, 1969, p-p 1-11, Y. le Bohec, 1994, p-p 48-49).

عبر تفحص الخطاب فإننا نلاحظ أنه على الرغم من اعتقاد البعض بإمكانية إعادة تشكيل كلمة "النقباء" (tribunii) في نهاية الخطاب الـمُوجه لـمشاة الفيلق (L. Cantarelli, 1898, 58p)، فإنها فرضية مستبعدة اليوم من قبل كل ناشري نص الخطاب. إن خلو الخطاب من ذكرهم يقابله كذلك ندرة النقوش التي تشير للضباط السّامين خلال الزيارة حيث لا نجد سوى ذكر لزهاء ثلاثة نقباء الشريط العريض خدموا قبيل أو بعد الزيارة مباشرة؛ "ماركوس أيـميليوس بابوس" (M. Cutius Priscus Messius Rusticus Aemilius Papus Arrius Proculus Iulius Celsus) الذي خدم في نهاية حكم "ترايانوس" أو بداية حكم "هادريانوس" أي ما بين 115-120م (C, II, 1371, 1283,A.E, 183, 517, C, VI, 40528, M. Corbier, 1974, p-p 189-195, W. Eck, P. Holdr, A. Pangerl, 2010, p 194, Y. le Bohec, 1989-1, p 129) ، "ب. قاسيوس ديكستر" (P. Cassius Dexter, T.f., Cl(audius) Dexter Augus(tanus Alpin)us Bellicius Sollers Metilius (Secund(?)us Rutilianus) الذي خدم بالفيلق في حوالي 121-123م أو ربما في 135-137م (C, III, 12116, R. Bernard, 1989, p 371, 1991, p 71, Y. le Bohec, 1989-1, p 129)، وكذلك "م. والريوس كوادراتوس" (M. Valerius, M.f., Quir., Quadratus) الذي خدم بالفيلق خـلال العقد الرّابع من القرن الثاني (C, VIII, 11811, 27772, 27776, A. Beschaouch, 1969, p-p 202-203, Y. le Bohec, 1989-1, p 129). محافظو الـمعسكرات لم نتعرف سوى على واحد منهم هو "قلوديوس بترونيوس" (Ti. Claudius Petronius Lusitanicus) الذي خدم في عهد "هادريانوس" (A.E, 1942-43, 39). أما نُقباء الشريط الضيق فلم نتعرف كذلك إلا على ضابط واحد يُدعى "ق. قورنليوس مينيقيانوس" (C. Cornelius Minicianus) الذي خدم بالفيلق خلال عهد "هادريانوس" (Pline le Jeune, 1920, VII, 22, III, 9, IV, 11, C, V, 5126, Y. le Bohec, 1989-1, p 138, L. Cheesman, 1914, p 162). من جهة الضباط الـمأمورين فقد تعرفنا على ثلاثة رماحين أوائل؛ "بُنتيوس سابينوس" (T. Pontius, T.f., Pal., Sabinus): (C, X, 5829, B. Dobson, 1955, t°2, p-p 256-259, H. G Pflaum, 1960, t°1, p-p 286-288, Y. le Bohec, 1989-1, p-p 149-150)، "آريوس قلمنس" (C. Arrius, C.f., Cor., Clemens): C, XI, 5646, J. François, 1983, p-p 265-266)، وأخيرا "ممر" (…)s, C.f., Camil., Memor)) الذي خدم على الأرجح سنة 129م (C, VIII, 2533, B. Dobson, 1955, p 353).

إذا كانت النقوش لا تشير لأي قادة مائة خدموا في عهد "هادريانوس" بشكل حاسم، فإن الخطاب أشار لهذه الفئة الهامة من الضباط حيث جُمع كل من "قادة الـمـائة الأوائل"2(primi ordines) وقادة الـمـائة معا في مشهد يعبر عن تقدير الإمبراطور لهم أين خاطبهم قائلا: "الأسلحة... يتراءى لي أني شاهدتكم بعناية. قادة المائة الأوائل وبقية قادة الـمـائة كانوا سريعين ومتحمسين (رشيقين) كعادتهم" (C, VIII, 2532). يمتاز هذا الصنف من الضباط على حد وصف "فيجيتيوس" بأنهم: "نشطين، شديدي القدرة على احتمال الإرهاق، مُحنكين (خبرة 15-20سنة قبل الوصول لهذه الرتبة)، ذو هندام حسن وأسلحة نظيفة، يتوجب عليهم معرفة الرماية بمهارة لكل من الرماح والنبال، إجادة الـمُسايفة، أن يكونوا يقظين، فوريين في تنفيذ الأوامر، صارمين في التدريبات اليومية مع حفاظهم على الانضباط، عليهم الـمشاركة في كل الـمناورات وبالأخص مُراقبة منشأة المعسكر، وصولا لمراقبة إنجاز الجدران (murum)"(Végèce, 1859, I, 25, II, 14, M. Le Glay, 1978, p 547).

بعد قادة الـمـائة خاطب "هادريانوس" فرسان الفيلق الذين يصل عددهم لـ 120فارسا كما أشرنا حيث خاطبهم: "إلى فرسان الفيلق (At equites legionis)؛ التـدريبات العسكرية بطريقة ما لها قوانينها الخاصة، فإذا جئنا لعملية إضافة عنصر أو استبعاده يصبح التدريب سواء أقل إفادة (إثارة للاهتمام) أو أكثر صعوبة. والحال أنه إذا أضفنا-تدريبات-صعبّة فإننا ننزع الرشاقة. لقد قمتم بتنفيذ كل الحركات (العروض) الأكثر صعوبة (عُسرا)؛ أديتم رماية الرماح بالتمّام (بإحكام) على الرغم من أنكم كنتم تلبسون التجفاف ما أفقدكم الرشاقة...سواء كانت جيدة أو العكس فإني أثني على حيويتكم (حماسكم)" (C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J. F Berther, 2003, p-p 115-116, Michael P. Speidel, 2006, p 10).من خلال هذا الخطاب يظهر أن "هادريانوس" نظر إلى حركات الفرسان من شقين: الأول مرتبط بحركات فرسان محنكين، بعضهم شغوف بفنون الفروسية وبعضهم قليل الخبرة في التعامل مع الأحصنة، والثاني لعسكريين سريعي التأثر بالـقتال في ساحة الـمعركة. نلاحظ أن الرشاقة والقوة كانتا مسعيين أراد الإمبراطور أن يصل إليهما الفرسان في تدريباتهم وحركاتهم. يُظهر الخطاب أيضا مدى حرص الإمبراطور على التكوين والتدريب العسكري للفرسان من خلال الدعوة ليكون أكثر طولا وصعوبة بالـمقارنة مع ما يناله الـمشاة، مع اشتراكهما (تدريبات الفرسان والـمشاة) في الـمحصلة وهي الوصول إلى تطوير روح الجماعة، تحسين الأسلوب القتالي والقوة البدنية للعسكري (J. L Voisin, 2003, p 23).

بعدها وجه الإمبراطور أنظاره للـمشاة الفيلقيين الذين كانوا ضمن محاور اهتمامات الخطاب الإمبراطوري أين أكد على ضرورة تحقيق النوعية (الجودة) العسكرية سواء الفردية أو الجماعية وظهر في كلامه كخبير عسكري حيث خاطبهم قائلا: "إلى الـمشاة: العمل (أو الدفاعات) الذي يقوم الآخرون بتوزيعه (بإنجازه) على مدى عدة أيام أنجزتموه للنهاية في يوم واحد، لقد عليّتم (بنيتم) جدارا طويلا تم إنجازه بطريقة شبيهة لتلك الـمُشيدة خصيصا لـمشاتي الجنود (الـمعسكرات الشتوية). في الواقع، إنه قلّما نأخذ وقتا أطول كما ينبغي لبناء جدار من مَدر التربة، هذا الـمدر يُقطع بأبعاد متساوية ليتم حمله ونقله بسهولة، ليُكدّس (يُطرح) بعدها بدون عناء باعتبار أنها (كتل الـمدر) طبيعيا ناعمة ومستوية (منبسطة). قمتم كذلك باستخدام (في البناء) حجارة كبيرة، ثقيلة وغير متساوية لا أحد بـمقدوره لا حملها، لا رفعها، ولا وضعها في مكانها دون أن يَظهر تباينها (تفاوتها) واضحا. كذلك، قمتم بحفر خندق مستقيم في حصى صلبة وحرشة وأنتم من سويتموه (قشطتموه) ليصبح أملس. بعد إقرار (الـموافقة على) عملكم عُدتم (دخلتم) بسرعة إلى الـمعسكر، أخذتم طعامكم وأسلحتكم لتلحقوا (تتبعوا) فريق الفرسان الـمُرسل في مهمة: ثم راح الإمبراطور مُرحبا بهم مع صيحة كبيرة عند عودتهم" (C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J. E Berther, 2003, p-p 115-116, Michael P. Speidel, 2006, p 10).

طالب الإمبراطور في هذا الخطاب من الـمشاة العمل على التكيف والحركيّة الدائمة، ووجّب عليهم الـمعرفة الجيدة لطرق بناء الـمعسكرات مع الـعمل على تجاوز مختلف الصعوبات التي تواجههم ومنها المتعلقة بنوعية التربة. كما ألح على أهمية الاعتناء ببناء جدار (vallum) الـمعسكر باعتباره حامي الـمنشأة الدفاعية وطالبهم بأن يكونوا سريعين، شرسين، مساعدين دائمين لزملائهم وهذا بغية تعزيز روح الجماعة، لنجده في آخر الخطاب يخاطبهم بحميمية وعفوية (J. L Voisin, 2003, p 23).

ثانيا-3-مواقع انتشار الفيلق أثناء الزيارة:

أثناء زيارة الإمبراطور مثلت "لامبايزيس" الـمقر العام لقيادة الفيلق والجيش الروماني بصفة عامة. هذا الـموقع الـمعروف حاليا باسم "تازولت" يقع في الـمُنحدر الشمالي للأوراس على بعد 10كلم شرق "باتنة"، على الطريق الـمؤدية لتيمقاد وخنشلة. بدأ التواجد العسكري بهذا الـموقع سنة 81م مع إنشاء معسكر "تيتوس" (Titus) الواقع في المدينة العلوية للامبايزيس والـمعروف كذلك بتسمية الـمعسكر الشرقي أو معسكر 81م (M. Janon, 2005, p-p 19-20, 32-33). بعده تم تشييد معسكرين آخرين في موقع "لامبايزيس" هما: معسكر الـمساعدين الواقع على بعد 02كلم إلى الجنوب-الغربي من الـمعسكر الكبير والذي قد يكون اتخذ كإقامة للجنود قبل انتقالهم للـمعسكر الكبير في حوالي 115-117محسب "لوبوهاك" (Y. le Bohec, 1989-1, p 362, M. Janon, 1973, p-p 210-211, 2005, p-p 19-20)، على أن الأبحاث الأخيرة تؤرخ انتقال الفيلق من "تبسة" إلى "لامبايزيس" في بدايات حكم "ترايانوس" وليس في أواخر حكمه (X. Dupuis, 1992, p-p 93-98, M. Lenoir, 2011, p-p 193-194). مركز قيادة (principia) الجيش نجده بالمعسكر الكبير أين يوجد صرح ملحوظ بوضوح لا يزال يحافظ على معالمه والذي يُعرف بتسمية "الغروما" (Groma) أو "مبنى القائد" (praetorium) وهو في الواقع مدخل لمركز القيادة الذي شيد على الأرجح في 128-129م بالتزامن مع الزيارة الإمبراطورية (ينظر الصورة 03و04). بهذا أصبح هنالك ثلاث معسكرات في "لامبايزيس" (M. Janon, 2005, p-p 51-60, 2008, p-p 4340-4346, M. Lenoir, 2011, p-p 187-193). بعد "لامبايزيس" نجد تواجد كتيبة للفيلق بقرطاجة تُرسل كل سنة حسب ما أشار إليه خطاب "هادريانوس" وبالتالي فإن قرابة 480جندي كان يعمل بهذه الـمدينة وضواحيها تحت إمرة البروقنصل (N. Duval, S. Lancel, Y. le Bohec, 1984, p-p 33-89).


05.png

06.png

الصورة 03:صورة جوية للـمعسكر الكبير بلامبايزيس.          

الصورة 04:مبنى الغروما: مدخل مبنى القائد   العام للجيش الإفريقي بلامبايزيس.

الـمرجع:https://en.wikipedia.org/wiki/Lambaesis

 


بالعودة إلى الخطاب، فإنه ينقل لنا قليل من الإفادات عن مواقع انتشار الفيلق حيث جاء على لسان "هادريانوس في هذا الصدد: "قاتولينوس، مُفوضي، حريص (شديد الاهتمام) على دعمكم، بالفعل، فإن كل ما قد يضطر لقوله لي قد أخبرني به بنفسه لعذركم (على؟). هنالك كتيبة غائبة (ناقصة) لأنه في كل سنة يتم إرسال واحدة بالتناوب لتكون في خدمة البروقنصل. في الواقع، منذ عامين قمتم بـمنح كتيبة وأربعة رجال من كل وحدة مئوية (centuria) لإكمال تعداد (عدد) رفقائكم في الفيلق الثالث.3حقيقة، إن هنالك مخافر أمامية إضافة لكونها عديدة فإنها مُوزعة (منتشرة) على نحو واسع، ما يجعلها تبقيكم مبعثرين (متباعدين). وبالفعل، فإنه لغاية فترة حكمنا وفي ذاكرتنا، لم تكتفوا بتغيير معسكركم مرتين فحسب (يقصد نقل مقر القيادة من "حيدرة" إلى "تبسة" ثم من "تبسة" إلى "لامبايزيس")، بل إنكم قمتهم بتشييد واحد جديد لكم. لكل هذه العلل، فإني أعذرك (أغفر لك) في حالة توقف الفيلق عن إجراء تدريباته لفترة طويلة، لكن لا يبدو أن شيئا توقف، لذلك لا يوجد أي سبب يجعلك تحتاج إلى عفوي (مغفرتي)" C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J. F Berther, 2003, p 115, Michael P. Speidel, 2006, p 8).

إذن الخطاب يؤكد تواجد أفراد الفيلق في حاميات عديدة ومتباعدة لا يكشفها الخطاب بل الآثار والنقوش، من بينها معسكر "القصبات" (Gemellae) الواقع في الجنوب-الغربي للأوراس بجوار "وادي جدي" (Nigris flumen). هذا الـموقع كان في البداية معسكر مؤقتا منذ سنة 126م أين عسكر به جنود "الكتيبة الأولى للخلقيسيين" (Cohors I Chalcidenorum) بهدف مراقبة تحركات الرحل عبر الوادي المذكور. وبعد أن تأكدت القيادة من أهميته الدفاعية نتصور أنها عززته بقوات من الفيلق ثبت وجودها في سنة 132م أين قامت بعملية إنشاء مقر قيادة الـمعسكر حسب ما تشير إليه عديد النقوش، ما حوله لـمعسكر دائم أقامت به كذلك وحدة فرسان هي "الجناح الأول للبانونيين". لذلك، من المرجح بقوة أن المعسكر وقواته كانت أحد محاور زيارة الإمبراطور (P.Trousset, 1988, p-p 3008-3013, L. Leschi, 1949, p-p 220-226, G. Camps, 1995, p-p 2422-2424). إذا كان من الـمُؤكد وجود مفارز للفيلق في كل من "لامبايزيس"، "قرطاجة" و"القصبات"، فإنه يُمكننا إضافة أربع مواقع من شبه الـمُؤكد وجود جنود الفيلق بها، قد تكون حظيت بدورها بزيارة الإمبراطور وهـي:

1-معسكر "بسرياني" (Ad Maiores) الواقع في الجنوب-الشرقي للأوراس على بعد 05كلم جنوب واحة "نقرين"-أقصى جنوب تبسة- وقد تم اختيار هذا الـموقع نظرا لتحكمه في ممر طبيعي يربط إفريقيا النافعة بالصحراء. تم بناؤه سنة 104أو 105م، في حين اختلف الباحثون في تقدير أبعاده: 130م×80م مع سمك 1م، 116م×76م مع سمك 0,80م، 170م×100م أو 110م وإلى جنب الفيلق تشير قطع آجر مختومة لوجود "الكتيبة الثانية للإسبانيين" به (P. Trousset, 1991, p-p 1478-1480, J. P Laporte, X. Dupuis, 2009, p-p 51-102, R. Cagant, 1912, p-p 570-571, M. Lenoir, 2011, p-p 181-182, Y. le Bohec, 1989-1, p-p 430-432).

 2-في الأوراس كذلك، تواجد الفيلق في مخفر أو محطة (statio) "زوي" (Vazaivi) الواقعة على بعد 110كلم شرق "لامبايزيس" وشرق "خنشلة" بـ 24كلم. بُني بدوره على سهل الـمُنحدر الشمالي للأوراس في عهد الإمبراطور "دوميتيانوس" بعد سنة 84م وتواجد به بالإضافة إلى الفيلق جنود وحدات المساعدين: "الجناح الفلاوي لنوميديا" (Ala Flavia Numidica) الـمعروف كذلك بتسمية "الجناح الفلاوي الأول" (Ala I Flavia) ومفرزة للكتيبة السابعة الـمختلطة للوزيتانيين (cohors VII Lusitanorum equitata): (R. Cagant, 1912, p-p 588-589, Y. le Bohec, 1989-1, p, p 419, 423).

3-غير بعيد عن "زوي" نجد تواجدا فيلقيا في "حمام الصالحين" (Aquae Flavianae) الواقعة على بعد 06-07كلم من "خنشلة" (Mascula) وعلى بعد حوالي 80كلم شرق "لامبايزيس". هذا الـموقع مثل مركزا عسكريا للفيلق منذ سنة 76م وكذلك مزارا للعسكريين نظرا لتوفره على ينابيع المياه الحارة التي لجأ إليها الجنود للتعافي من عديد الأمراض وللاسترخاء البدني. كما مثلت "خنشلة" مركزا عسكريا خدم به جنود الفيلق في عهد "هادريانوس" وجنود عديد الوحدات الـمساعدة: "الكتيبة التوأمية التراقية الثانية" (cohors II Gemella Thracum) و"الكتيبة السابعة الـمختلطة للوزيتانيين" (S. Gsell, H. Graillot, 1894, p-p 30-48, S. Gsell, 1911, f° 28, n° 138, E. Masqueray, 1878, p-p 444-472, 1879, p-p 65-94, R. Cagnat, 1912, p-p 431-432, 589-590, M. le Glay, 1968, p 218).

4-إلى الجنوب-الغربي من الأوراس وإلى شمال شط الجريد نجد موقع "هنشير رڤوبة سعيدة" الذي أقيمت به منشأة عسكرية عرفت بتسمية "حصن تيجنسيوم". هذا الحصن الواقع في نواحي "الـمتلوي" على بعد 40كلم إلى الجنوب الغربي من "قفصة" برز في عهد "دوميتيانوس" حوالي سنة 83م في البداية كتجمع حضري (civitas) لجماعة محلية، ليتحول في عهد الإمبراطور "نيرفا" (Nerva) على الأرجح لقلعة (castellum) وهذا نظرا لموقعه الاستراتيجي الذي يسمح له بالتحكم في معبر يقع بين شط الغرسة والجريد، وله رؤية مجالية واسعة. بهذا الموضع نمتلك نقيشة تشير إلى الـمفوض الإمبراطوري لسنة 97م "ك. فابيوس بارباروس" (Q. Fabius Barbarus). لذلك، فإنه من المرجح بقوة استمرار هذه الـمنشأة العسكرية في الخدمة لغاية زيارة "هادريانوس" وما بعدها (C, VIII, 23166, M. Euzennat, 1971, p-p 229-239, M. Brahmi, 2005, p-p 85-100, Y. le Bohec, 1989-1, p 430).

هذه الـمواقع الـمذكورة تجعلنا نُلاحظ أن الفيلق تواجد بدرجة أكبر في الأوراس والصحراء النوميدية وهذا في إطار نظام دفاعي جديد برز منذ عهد الإمبراطور "ترايانوس" يُمكن تسميته "بالنظام الدفاعي للأوراس والصحراء النوميدية" وهو يستهدف التحكم في مختلف الـممرات والمعابر التي يسلكها الرحل وأنصاف الرحل في هذا المجال، ما يؤدي إلى إحكام السيطرة على إفريقيا النافعة وحماية الداخل البروقنصلي في تونس الحالية والـمجال القيرطي (القسنطيني) الواسع. إذا كانت الـمواقع المذكورة تؤكد لنا تواجد أفراد الفيلق بها في عهد "هادريانوس"، فإننا نـميل للاعتقاد بوجود مراكز أخرى: زراية، ربما كذلك في جبال بوطالب أين شيدت دفاعات خطية، طبنة (Thubanae) وأيضا قرب لوطاية في "مسرفلة" (Mesarfelta)، حمام الصالحين (Ad Piscinam) في/قرب بسكرة، تهودة (Thabudeos)، بادس (Badias) (E. Fentress, 1979, p 113).

ثالثا-وحدات الـمساعدين خـلال الزيارة:

إلى جنب الفيلق كانت هنالك مجموعة من الوحدات الـمعاضدة له والتي تتنوع بين كونها أجنحة فرسان، كتائب مشاة وكتائب مُختلطة. كان يُعول بالأساس في معرفة هذه الوحدات على خطاب "هادريانوس" ما جعل معارفنا عنها غير مكتملة، لكن مع اكتشاف شهادات عسكرية مؤخرا اتضحت لنا هوية هذه الوحدات مع استمرار إشكالية تحديد مواقع تواجدها.

ثالثا-1-الوحدات من خلال الخطاب:

ألقى الإمبراطور خطابات على عديد الوحدات الـمساعدة، لهذا سنحاول في البداية استعراض ما جاء في الخطابات بالترتيب لـمعرفة وحدات الـمساعدين. نجد أن الإمبراطور في البداية خاطب وحدة غير معروفة (الكسور لا تسمح لنا لا من معرفتها ولا من معرفة العديد من التفاصيل الأخرى) تضم في صفوفها فرسان قائلا: "... هنالك قفز...أنا أفهم بأنكم...يُمكن أن يكون...لكن لا...الرمح رُمي بمهارة...بعض.." (C, VIII, 2532, Michael P Speidel, 2006, p 11). هذا الـمقتطف لا يسمح بمعرفة هل الخطاب موجه لجناح فرسان أم لكتيبة مُختلطة. بعدها وفي الـمقطع الموالي نجده يخاطب فرسان مترجلين من على جيادهم حيث قال لهم: "ترجلتم (نزلتم) من الأحصنة بشكل صحيح...أيضا، بسرعة...بالتدريب" (C, VIII, 2532, Michael P Speidel, 2006, p 11). من خلال الـمقطعين يظهر أن الإمبراطور كان يقدم ملاحظاته على استعراضات قدمها له فرسان وحدة مجهولة. ليخاطب بعدها وحدة معروفة عندنا عبر نقوش أخرى مؤرخة بما بعد زيارة "هادريانوس" هـي "الكتيبة الثانية للحماتيين" (cohors II Hamiorum) حيث جاء في الخطاب: "في بداية (calendes) جويلية (iulius)، إلى الكتيبة الثانية للحماتيين: بما أن القلعة تعمل (تشتغل) ضدك...على ميدان التدريب الـمناسب...تم التناجز...حتى أنه قُطع الـماء" (C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J. F Berthet, 2003, p 116, Michael P Speidel, 2006, p 13). هذه الوحدة هي كتيبة مشاة مُجندة من سوريا وبالتحديد من مدينة "حماة"، على أنه قبل هذه الزيارة لم نكن نـمتلك أي نقيشة تشير إليها ما يبعث للاعتقاد بأن تواجدها في إفريقيا بدأ في بدايات القرن الثاني (Y. le Bohec, 1989-2, p-p 82-84).

      بعد ذلك يُشير الخطاب لوحدة بدورها مجهولة تتميز بوجود حملة الأقواس (sagittari) أي رماة السهام في صفوفها حيث خاطبهم قائلا: "لقد فعلتم...وبأيدي ليست متراخية، وبالتالي فإنكم لا تطلقون (السهام) على إشارة (العدو يجري بالفعل إليك)، إنكم بارعون (مثاليون). لقد حاولتم الرماية بتكرار وبشدة بحيث أنه بين مقذوفاتكم العديدة لن يجرأ العدو على رفع رأسه فوق الدرع...على أنكم كنتم بطيئين في إغلاق الصفوف...لذلك يتحتم عليكم الانسحاب بسرعة إذا احتدم القتال...قاتولينوسي (Catullinus meus) (صيغة حميمية اتجاه المفوض) الـمفوض...الـمُترأس (praefectus)؟ (مترأس الوحدة المجهولة)" (C, VIII, 2532, Michael P Speidel, 2006, p 12).

    نجده بعد ذلك يوجه الخطاب إلى جناح فرسان مجهول لم نعرف من اسمه سوى الاختصار "Ala (…) Pa (…….) sin (---)"، وبالتأكيد ليس هو "الجناح الأول للبانونيين" لأن هذا الأخير مذكور في خطاب آخر. قاد هذا الاختصار "لوبوهاك" للاعتقاد بأن هذا الجناح قد يكون وحدة أخرى للبانونيين تحمل تسمية "الجناح الفلاوي للبانونيين" (ala Flavia Pannoniorum) وهو رأي غير دقيق. جاء في الخطاب الـمُوجه لفرسان هذا الجناح المجهول كلمات مقتضبة بلا معنى واضح هي: "دفع الرماح...الـمرامي...مُترأسكم، بتحمس ركب (الحصان) معكم في الـمناورة، إلى جناح "با" (..) سين (---) ...ركوبكم في الحركة الدورانية المزدوجة (cantabricus)-حركة استعراضية متميزة-التي أديتموها بخفة (بسرعة) وبتحمس، ولكي لا يستطيع الخصم مناوئتكم ولا دفعكم إلى...الرجل اللامع، "قاتولينوس"، الـمفوض" (C, VIII, 2532, Michael P Speidel, 2006, p 12, Y. le Bohec, 1989-2, p 33.

بعد تفقده للوحدات غير المعروفة توجه الإمبراطور لتفقد وحدة متواجدة في "زراية" حيث خاطب جنودها قائلا: ""أنا أثني على مقدرتـكم على ترتيب هذا الاستعراض العسكري الذي اتخذ مظهر القتال الحقيقي.  بالنسبة لتدريباتكم فإنها أفضل من (؟) ما يجعلني أستطيع تهنئتكـم. قائدكـم الـمُترأس "قورنليوس" (Cornelius) أدى عمله بشكل مُرض، على أن فرسان العّدو السريع لـم يرضون، فهـم يجرون في كل الاتجاهات وفي حالة من الفوضـى ولن يرضوا حتى والدي "ترايانوس" الـمُؤله ومُلهـمي. لقد عبر الفارس بسرعة مُغطى بدرعه...إذا كان لا يرى إلى أين هو متجه أو لـم يستطع لـجم (إيقاف) حصانه عندما يود ذلك فلن يكون إلا ضـحية مصائد (فخاخ) خفية وخنادق لـم يرها. إذا أردتـم الـهجوم يجب عليكم حشد الصفوف في وسط الـميدان مثلـمـا نواجه العدو، ولا يجب القيام بأي شيء بشكل متهور (متهاون).

في اليوم السابع من جويلية (nonis Iulis) بزراية، إلى الكتيبة؟ (الفلاوية الأولى الـمختلطة (Cohors I Flavia equitata-حسب "وولف"- (C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J.F  Berthet, 2003, p 113, Michael P. Speidel, 2006, p 13).

أثير نقاش بين الباحثين حول هوية الكتيبة التي ألقى الإمبراطور "هادريانوس" خطابا على جنودها في "زراية" حيث دارت الفرضيات حول "الكتيبة الفلاوية الأولى الـمُختلطة" أو "الكتيبة السادسة للـكوماجينيين" (cohors VI Commagenorum) وهذا بالاستناد على وجود نقوش وشواهد قبرية لجنود من هتين الكتيبتين بهذا الـموقع. الـمعروف أن هذه الكتيبة الـمجهولة مكثت في زراية لغاية سنة 202م تاريـخ مغادرتها لوجهة غير مُحددة وهو ما كشفته لنا نقيشة تعريفة زراية التي تُستهل بعبارة: "تعريفة رسـم العبور (الـمكس) وضعت بعد مغادرة الكتيبة" (lex portus discessum coh(ortis) instituta) (C, VIII, 5408, J. France, 2014, p 100). يمكننا أن نلخص الفرضيات الـتي قُدمت حول هوية الكتيبة الـمجهولة في الآراء التالية:

1-يرى "سيشُروس" أن "الكتيبة السادسة للكوماجينيين" عُوضت "بالكتيبة الفلاوية الأولى الـمُختلطة" خلال القرن الثاني، أي أن "هادريانوس" ألقى خطابه على هذه الأخيرة وأنها هـي من ظلت "بزراية" لغاية سنة 202م(C, Cichorius, 1900, col 275).

2-أما "كاركبينو" فلم يحسم في الـمسألة، فرأى أن إحدى الكتيبتين تواجدت في حامية "زراية" (ربـمـا منذ تأسيسها) لغاية سنة 202م (J. Carcopino, 1918, p 13).

3-مال "تروسـي" لطرح أن الوحدة الـمقصودة هـي "الكتيبة الفلاوية الأولى الـمختلطة" وليست "الكتيبة السادسة للكوماجينيين" (P. Trousset, 2002, p 356).

4-في ترجمتها لخطاب "هادريانوس" مالت "كاترين وولف" لكون الكتيبة الـمقصودة هي "الكتيبة الفلاوية الأولى الـمختلطة" (Ca. Wolff, J. F Berthet, 2003, p 116).

إن الـشيء شبه المؤكد هو أن كلا الكتيبتين شُكلتا في عهد الأباطرة الفلاويين وأن تواجدهـما بإفريقيا بدأ منذ عهد هذه الأسرة M. Le Glay, 1968, p 220, n°3, R. Cagnat, 1912, p-p 202-203, S. Gsell, 1893, p 163)، وكلتاهما كانتا متواجدتين بإفريقيا أثناء زيارة الإمبراطور "هادريانوس" سنة 128م (C, VIII, 2532, A.E, 2002, 1751, 1752)، وأن كليهما خدمتا في حامية "زراية" في تواريخ غير محددة، وأنه على الرغم من صعوبة تحديد هوية الكتيبة الـمجهولة في خطاب "هادريانوس"، فإننا نـميل لكونها الكتيبة الفلاوية الأولى الـمختلطة باعتبار أن هنالك مقطعا آخر في الخطاب يشير للكتيبة السادسة للكوماجينيين.

بعد خطابه في "زراية" توجه الإمبراطور لتفقد وحدة معروفة بالنسبة لنا بفضل نقوشها الـمعتبرة في عدة مواقع والتي وتواجدت بإفريقيا منذ عهد الإمبراطور "أغسطس" هـي "الجناح الأول للبانونيين" حيث خاطبهم في معسكرهم غير المحدد قائلا-خطابه ذو تأويلات عديدة-: "في يوم 3؟=ربما 13جويلية؟، إلى الجناح الأول للبانونيين: إن كل شيء قمتم به كان بشكل مُنظم (وفق النظام)، فقد ملئتم ميدان التدريب بدورانكم (مناوراتكم أو  هجماتكم)، لقد قمتم برماية الرماح بشكل لا يخلو من الخفة على الرغم من استخدامكم لرماح نوعا ما قصيرة وقاسية (صلبة). كما أن العديد منكم رموا عنوزهم (رماح صغيرة) بالتمام (ببراعة). في الحال قمتم بامتطاء أحصنتكم برشاقة وبالأمس فعلتم هذا بسرعة (أو "قفزكم هنا من على الأحصنة كان مليء بالحيوية وبالأمس فعلتم ذلك بسرعة"، أو "لقد أظهرتهم قيمتكم، خفتكم هنا، وسرعتكم بالأمس"). إذا كان هنالك شيء ناقص (مفقود) في أدائكم فإني سأخطركم به (أو سأتأسف عليه)، وإذا كان هنالك شيء سيء بوضوح، فإنه يتوجب عليّ الإشارة إليه. لكن طيلة الـمناورات الـمقدمة أرضيتموني (سررتموني بالتساوي) سويّة. قاتولّينوس مفوضي، الرجل الـلامع، يمنح نفس الرعاية للجميع (أو" يظهر دائما في أشغاله بأنه يشرف على مُلكه (وحداته) بكل عناية وحرص" أو "يُظهر نفس الهم والاهتمام بكل الوحدات التي تحت قيادته"). مُترأسكم (قائد الجناح) يظهر بدوره أنه يعتني بكم بشكل واعي (باهتمام بالغ)، لذلك أعطيته (تحصل على) هبة عينية (congiarium) (كنفقة السفر؟). إن الحج=السفر (Viator) الآن يدعوكم للقيام بالقفز في ميادين تدريبات الكوماجينيين" (C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J F Berthet, 2003, p 113, Michael P. Speidel, 2006, p 14, B. Campbell, 1994, p 19).

الـمقطع الأخير للخطاب يُشير إلى الوحدة الـموالية التي عزم الإمبراطور على تفقدها وهي "الكتيبة السادسة للكوماجينيين"، وهي وحدة مُجندة من شعب يقطن في الجنوب-الشرقي للأناضول، بالقرب من "أنطاكيّة" وبدورها تصنف على أنها وحدة مستقدمة من سوريا إلى إفريقيا في تاريخ غير محدد؛ إذا كان هنالك من يعتقد أنها تواجدت بإفريقيا منذ عهد "ترايانوس"، فإنه في الواقع مثلت هذه الإشارة أول ذكر لها حيث خاطب "هادريانوس" فرسانها (ما يعني أنها كتيبة مختلطة) قائلا: "إلى فرسان الكتيبة السادسة للكوماجينيين: إنه من الصعوبة على فرسان مُلحقين بكتيبة مُشاة الحصول على الاستحسان حتى من قبل أنفسهم، وإنه من الأكثر صعوبة أيضا بالنسبة لهم ألا يتعرضوا للإغاظة (الانتقادات) بعد الـمناورة (العرض) الـمقدمة من قبل جناح للفرسان؛ فعلى الرغم من أن مدى (أبعاد) ميدان التدريب مختلف (يُغطون مساحة أكبر من السهل)، عدد رماة الرماح مختلف (أقل عند فرسان الكوماجينيين)، فإن استدارتهم=لفتهم (volte) إلى اليمين كانت كتشكيل متراص (وثيق)، كما نفذوا الـمناورة الكانتابرية (cantabrian) بتلاحم، جمال أحصنتهم وروعة (بريق) أسلحتهم تتماشى (تنسجم) مع مستوى رواتبهم. لكن أنتم على الرغم من الحرارة تمكنتم من تجنب أي ضجر (ملل) بفضل همتكم وعبر تنفيذ كل ما يلزم القيام به بنشاط واجتهاد. علاوة على ذلك، قمتم برمي الحجارة بالـمقاليع وتبارزتم بالرماح الخفيفة (أسلحة الرماية)، وفي كل مناسبة كنتم تمتطون (الأحصنة) بسرعة وتقفزون بها في كل مكان برشاقة. الرعاية الـبارزة لـمُفوضي "قاتولينوس"، الرجل الـلامع، واضحة من خلال أنه لديه رجال مثلكم تحت قيادة؟ (ربما ذكر اسم مُترأس الوحدة)" (C, VIII, 2532, Ca. Wolff, J. F Berthet, 2003, p 116, Michael P. Speidel, 2006, p 15, B. Campbell, 1994, p-p 19-20, P. Midinger, 1933, p 233). في هذا الـمقطع تظهر الوحدة أنها مختلطة، كما يحسن بعض أفرادها استخدام الـمقلاع، وعلى الرغم من أن الإمبراطور لـم يعجب بعروضها بقدر إعجابه بعرض جناح البانونيين، فإنه في الأخير أثنى على عرض فرسانها وتنوع تخصصاتهم الحربية وعلى الـمفوض.

    تشير بعدها شظايا الخطاب إلى وحدات أخرى بإشارات لا تتعدى التسمية: "الكتيبة الفلاويّة الثانية للأفارقة" (Cohors II Flavia Afrorum) وهي وحدة جُند أفرادها من قبيلة تقطن بمقاطعة إفريقيا البروقنصلية، وعلى الرغم من أن اسمها يشير إلى أنها شكلت في عهد الأسرة الفلاوية (69-96م)، فإن نقيشة الخطاب هي أول وثيقة تشير إليها (C, VIII, 2532, Michael P. Speidel, 2006, p 15, M. Euzennat, 1977, p-p 131-135, M. Le Glay, 1968, p 220, n°3, H. de Villefosse, 1899, P CCXIV, n° 42). في شظية أخرى نجد ذكر لوحدة هي "الكتيبة الأولى الـمختلطة للخلقيسيين" (cohors I Chalcidenorum equitata) المجندة من سوريا وبالتحديد من مدينة "خاليقيس" الـمعروفة حاليا بقنسرين (40كلم عن حلب)، وبقدر ما هو وارد وجودها بإفريقيا منذ عهد الإمبراطور "واسباسيانوس"، فإن أول موقع شغله جنودها هو معسكر "القصبات" وهذا في تاريخ يتراوح ما بين 10ديسمبر 125و09ديسمبر 126م، ما يقودنا لافتراض أن الإمبراطور زارها في هذا الموقع  وألقى خطابا على أفرادها (C, VIII, 2532, Michael P. Speidel, 2006, p 16, N. Pollard, 2003, p 123, J. Carcopino, 1925, p 119, M. Lenoir, 2011, p-p 214-215). بهذا، فإن وحدات الـمساعدين التي تعرفنا عليها بوضوح من خلال نقيشة الخطاب هـي ست وحدات: الكتيبة الثانية للحماتيين، الكتيبة الفلاوية الأولى الـمُختلطة، الجناح الأول للبانونيين، الكتيبة السادسة للكوماجينيين، الكتيبة الفلاويّة الثانية للأفارقة، الكتيبة الأولى المختلطة للخلقيسيين.

بالعودة إلى الخطابات الـمُوجهة لهذه الوحدات فإننا نجدها تتضمن تركيز الإمبراطور على مسألة التدريب والتكوين العسكري للوصول إلى الجودة القتالية، فظهر بمظهر الخبير العسكري القادر على تمييز الجيد من السيء والأفضل من الأسوأ، وبقدر ما يوحي لنا الخطاب ضمنيا بحجم الانتشار الواسع لهذه الوحدات على عديد الحاميات، فإنه يكشف لنا الأصول الجغرافية للعديد منها. غالبية العروض والمناورات الـمُقدمة يُلاحظ فيها تركيز الإمبراطور على تفاصيل وجزئيات صغيرة، فهي تمتاز على حد وصفه بالسرعة (celer) والخفة (agiliter)، القوة البدنية والذهنية وبأنها أديت بكل عزم وحيوية، وهو ما دفعه لاعتبار بعضها بالعروض المتصفة بالكمال (ينظر الصورة 05والـمخطط 02). في الـمقابل، يُظهر الخطاب بوضوح منح الإمبراطور الأولوية والأفضلية للفرسان على حساب الـمشاة، سواء من حيث القيمة والكفاءة أو من حيث مضمون التكوين والتدريب، فنجده أعجب لدرجة كبيرة بالجناح الأول للبانونيين حيث مدح أفراده في جوانب عديدة، عكس الكتيبة التي زراها في "زراية" والكتيبة السادسة للكوماجينيين اللتين لم تحظيا عروضهما بإعجاب كبير للإمبراطور حيث انتقد بعض مناوراتهم، معتبرا أنها تفتقد للرشاقة، السرعة والتحكم ويسهل على العدو استغلال أخطائها في هزمهم، ما يجعلنا نعتبر أن فرسان الكتائب كانوا أقل براعة وكفاءة من فرسان الأجنحة.


07.png
الصورة 05:تمثال نصفي للإمبراطور "هادريانوس" محفوظ في متحف الكابيتول بروما

 

08.png الـمخطط 02:نماذج من شكل العروض الـمُقدمة من قبل فرسان الجيش أمام الإمبراطور "هادريانوس".

الـمرجع: Y. le Bohec : discours, 2003, P 77.

 


نستنتج كذلك من هذا الخطاب وجود التخصصية داخل مختلف الوحدات. فكتيبة الكوماجينيين مثلا تضم في صفوفها جنودا بارعين في استخدام: السيف، الرماح الخفيفة، المقاليع وبها كذلك سلاح الفرسان، في حين الكتيبة المجهولة يستخدم أفرادها سلاح القوس بمهارة عالية وهذا يظهر اعتناء الدولة الرومانية بتكوين جيش يضم جنودا متحكمين وبارعين في مختلف الأسلحة الـمستخدمة آنذاك. على العموم لقد خرج الإمبراطور راضيا على عمل الـمفوض وعلى الأداء الاستعراضي لمختلف الوحدات ومدى انسجام أفرادها في تحركاتهم، وكذلك على اعتناءهم بأحصنتهم وأسلحتهم، ما ينقل لنا الاهتمام والعناية التي أولاها الرومان لجيوشهم وللحرص الذي أولاه الـمفوض لعملية التنظيم والتأهيل العسكري لطاقمه بغية خلق جيش قوي ومنظم يدافع عن مصالح روما بالمنطقة، وهو ما تحقق فعليا وما إشادة من الإمبراطور إلا دليل على ذلك (J. L Voisin, 2003, p-p 23-25).

ثالثا-2-الوحدات الـمساعدة أثناء الزيارة من خلال الشهادات العسكرية(diplomata militaria):

    الشهادات العسكرية هي وثائق نقائشية تشهد بأن الـمستفيد منها قد تحصل على تسريح مشرف (honesta missio) من الجيش في نهاية خدمته العسكرية أو عند حصوله على الـمواطنة الرومانية بالنسبة للمساعدين كمكافأة نهاية الخدمة. عادة ما يتم نقشها (كتابتها) على لوحتين صغيرتين من البرونز مطويتين على نفسهما على شكل دبتيك (diptyque). هذه الشهادات التي هي نُسخ مُحررة عن النسخة الأصلية (مرسوم) الصادرة عن الإمبراطور تُمنح بالأخص للأجانب الأحرار (peregrini) الذين خدموا بالجيش الروماني لقرابة 25سنة كوثيقة إثباتية لحصولهم على المواطنة الرومانية التي تخول لهم الاستفادة من امتيازات قضائية وضريبية (كالإعفاء من ضريبة الرأس tributum capitis)، كما تمنح المواطنة للأولاد الطبيعيين لقدماء الجنود المولودين بعد خروجه للتقاعد (طبق هذا منذ 140م).

بعيدا عن المزايا التي تقدمها لصاحبها، فإن الشهادات العسكرية ذات قيمة علمية كبيرة للـباحثين حيث تقدم لنا تاريخ صدور مرسومها، تاريخ تسليم النسخة الـمُحررة (الموثقة) بالأشهر والسنوات مع الإشارة إلى قناصلة (العادين أو قناصلة إكمال المدة) روما خلالها، كما تشير إلى حاكم المقاطعة التي عمل بها والأكثر أهمية بالنسبة لنا تسجيلها لمختلف وحدات الـمساعدين التي عملت بالـمقاطعة خلال أواخر فترة خدمة الـمستفيد، وهذا طبعا بالإضافة إلى معلومات مختلفة حول الـمستفيد: الوحدة التي خدم بها، اسم قائد الوحدة، الرتبة العسكرية للـمستفيد، اسمه، اسم الوالد وأصول الـمستفيد (الوطن، القبيلة أو الـمدينة)، اسم زوجته ووالدها وأصولها وأسماء أبنائه الـمتحصلين على الـمواطنة. لغاية سنة 1989م تاريخ صدور دراسة "لوبوهاك" حول وحدات الـمساعدين لم نكن نمتلك أي شهادة عسكرية تشير إلى الوحدات الـمساعدة بالمقاطعتين، لكن مع بدايات الألفية الثالثة تم اكتشاف ثلاث شهادة عسكرية، فما فحواها؟، وهل أزالت لنا الغموض الذي تضمنه خطاب "هادريانوس" حول هوية وحدات الـمساعدين؟:

-الشهادة الأولى:مؤرخة بأكتوبر-ديسمبر من سنة 127م، تم اكتشافها في نواحي الدانوب السفلي وهي تشير إلى أن الإمبراطور تقلد سلطة مدافعي طبقة العامة للمرة الحادية عشر XI، وهو ما يتوافق مع سنة 127م. كما تشير إلى المفوض "فابيوس قاتولينوس"، ما يؤكد مسألة توليه لقيادة الجيش سنة 127م. الـمستفيد منها يُدعى "فلاويوس" (Flavius) ابن "ستريـ(ساي؟) (Steri(ssae?)، أصوله "داقية" أو "تراقية" وهذا بالعودة إلى أسماء أبنائه: "سبراخرست" (Sprachreste)، "دوقيداوا" (Duccidava)، وبلا شك فإنه بعد انهاءه خدمته عاد لـموطنه، لذلك نعتقد أنه خدم بالجناح الأول للبانونيين. هذه الشهادة تتضمن وحدات تلك السنة الـمُقدرة بجناح وتسعة كتائب (A.E, 2002, 1752=2005, 1722, P. Weiss, 2002, p-p 497-500).

-الشهادة الثانية: تم اكتشافها في آسيا الصغرى، مؤرخة مبدئيا ما بين 126-130م لكونها تشير إلى أن الإمبراطور تقلد سلطة مدافعي طبقة العامة للمرة (XI?)، أي من XIإلى XIII، في حين قائد الجيش المرابط في إفريقيا هو "فابيوس قاتولينوس" ما يجعلنا نؤرخها في النهاية بما بين 127-129م. وعلى الرغم من كونها للأسف شهادة مكسورة لقطع عديدة ما حرمنا من معرفة صاحبها، فإنها سمحت لنا من التعرف على وحدات تلك الفترة الـمُقدرة كذلك بجناح وتسع كتائب(A.E, 2002, 1751, W. Eck, A. Pangerl, 2005, p-p 243-248).

-الشهادة الثالثة: مؤرخة ما بين أكتوبر-ديسمبر 127م، بالإضافة إلى إشارتها بأن الإمبراطور تقلد سلطة مدافعي طبقة العامة للمرة الحادية عشرة وللمفوض "فابيوس قاتولينوس"، فإنها تذكر لنا اسم القنصلين لتلك السنة وهما: "ل. آيميليوس يونقوس" (L. Aemilius Iuncus) و"يوليوس سويروس" (Sex. Iulius Severus). الـمستفيد منها هو جندي يعمل بوحدة غير معروفة تبدأ بالبادئة "الكتيبة II (Cohors II(---) أين كان يتولى قيادتها آنذاك الـمُترأس "لوقيوس آيميليوس" (Lucius Aemilius)، وقد كان له ابن يُدعى "أنطونيوس" (Antonius). بعد أن كانت تقدم لنا هذه الشهادة في البداية مضمون مشابه للشهادتين السابقين تم اكتشاف شظايا جديدة لها أدت ليس فقط لتصيححها بل لتصحيح الشهادتين السابقتين أين كشفت لنا عن وجود جناحين وليس جناح واحد وثمانية كتائب بدل تسعة، ما أدى لاستبعاد الكتيبة الأولى لرماة السهام السوريين (cohors I Syrorum sagittariorum) من قائمة وحدات المساعدين لتلك السنة (A.E, 2005, 1715=2011, 1807, W. Eck, 2011, p-p 263-271).

-التركيب: من خلال الشهادات العسكرية تم تحديد الوحدات الـمساعدة الـمتواجدة بإفريقيا أثناء الزيارة وهـي:

-الأجنحة:"الجناح الأول للبانونيين"، "الجناح الفلاوي الأول" والذي عرف في بعض النقوش بتسمية "الجناح الفلاوي الأول لنوميديا"، وهو جناح نمتلك إشارات عديدة له باعتباره أنه شكل بلا شك في عهد الأسرة الفلاويّة وبعد أن خدم في البداية بإسبانيا وربما في موريطانيا القيصرية انتقل للخدمة في إفريقيا. بهذا تعد هذه الشهادة العسكرية أول إشارة صريحة لتواجده بإفريقيا وهو الأمر الذي يجعلنا نعتقد أنها الوحدة الـمقصودة بالاختصار (Ala (…) Pa (…….) sin (---)في خطاب "هادريانوس" (A.E, 2011, 1807, C, II, 5610, C, VIII, 9657, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 28-33).

-الكتائب: يمكن تمييزها إلى كتائب مشاة خالصة وكتائب مُختلطة، فنجد؛ "الكتيبة الثانية للحماتيين"، "الكتيبة الثانية للإسبانيين"، "الكتيبة الفلاوية الثانية للأفارقة"، "الكتيبة الفلاويّة الأولى الـمُختلطة للأفارقة" التي لـم نتعرف عليها إلا عبر نقيشة واحدة مُكتشفة في "شمتو" مؤرخة بأواخر القرن الثاني. لهذا، فإنه عبر هذه الشهادات اكتشفنا وجودها بإفريقيا خلال الزيارة الإمبراطورية ولعل الأهم في نظرنا هو أن الشهادات تفند أطروحة "لوبوهاك" القائلة بأنها وحدة كانت خاضعة لأوامر البروقنصل، فقائدها من خلال الشهادات هو الـمفوض الإمبراطوري "فابيوس قاتولينوس" على الأقل لغاية سنة 128م (N. Duval, S. Lancel, Y. le Bohec, 1984, p 53, J. M Lassère, 1987, p 180, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 82-85). نجد أيضا الكتيبة الأولى الـمختلطة للخلقيسيين، الكتيبة السادسة الـمختلطة للكوماجينيين، الكتيبة الفلاوية الأولى الـمختلطة التي تُؤرخ أول إشارة لها بأواخر القرن الأول ميلادي، وبعد أن كانت إشارة الخطاب إليها مجرد فرضية للباحثين أصبح تفقدها من الإمبراطور حقيقة أين كانت تعسكر في "زراية" (C, VIII, 18042, Mémoires, 1982, p-p 73-74, 74-78, R. Cagnat, 1912, p 202, G. Wilmans, 1884, p-p 330-344, Y. le Bohec, 1989-2, 79-82)، لنجد في الأخير "الكتيبة السابعة الـمختلطة للوزيتانيين".

    بالعودة إلى قضية "الكتيبة الأولى للسوريين رماة السهام" الـمستبعدة بالاعتماد على الشهادة العسكرية الثالثة، فإننا نسجل استغرابنا لذكرها في الشهادتين الأولى والثانية وإقصاءها في الثالثة، فهل هو خطأ وقع فيه المحرر أين ذكرها في الشهادتين الأولى والثانية ونسيّ تدوينها في الثالثة؟ أم أنه نسيّ الجناح فقط في الشهادتين الأولى والثانية؟. تساؤل من الصعوبة الإجابة عليه، لكن رغم ذلك نرى أنه من الوارد وجودها في إفريقيا أثناء الزيارة، فهذه الكتيبة التي تواجدت في "لوزيتانيا" في أواخر القرن الأول وردت أول إشارة لتواجدها في إفريقيا حوالي 209-211م في "عين العوينية" (Auru) بإقليم تريبوليتانيا (Tripolitania)، على أن هذا لم يمنع الباحث "ماتينغلي" من قبل لافتراض أنها قدمت لإفريقيا في أواسط القرن الثاني. كما أنه بالعودة إلى الخطاب نجد أن الإمبراطور خاطب كتيبة تضم في صفوفها رماة للسهام (حملة الأقواس). لذلك، فإنه بقدر ما هو وارد أن الكتائب الأخرى ذات الأصول السورية تضم رماة للسهام في صفوفها، فإنه وارد أيضا أن الإمبراطور خاطب كتيبة غالبية أفرادها مختصون في هذا السلاح وهي على الأقرب هذه الوحدة السورية (A.E, 1961, 358, 1962, 304, D. Mattingly, 2003, p 140, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 88-90).

ثالثا-3-مواقع انتشار وحدات الـمساعدين:

    تمتد مقاطعة إفريقيا البروقنصلية-نوميديا على منطقة واسعة جغرافيا تمتد من إقليم تريبوليتانيا شرقا إلى الوادي الكبير (Amapsaga) غربا. هذه المجال الواسع تواجد به بالإضافة إلى جنود الفيلق قوات وحدات الـمساعدين. إنه مثلما لا تقدم لنا النقوش معلومات وافية عن مواقع تواجد الفيلق أثناء الزيارة، فإن الـمسألة هي أصعب مع الـمساعدين، ما يجعلنا نعول على الاجتهاد. في النقاط التالية سنحاول تقديم مواقع تواجد كل وحدة من الوحدات الـمذكورة (أنظر الخريطة 01):

         -"الجناح الأول للبانونيين": تواجد في الـمجال القيرطي: "عين فوة"، "عين الكرمة"، "وادي العثمانية"، وربما "تيديس" (Castellum Tidditanorum)وهي وحدة خمسمائية كل أفرادها فرسان (C, VIII, 6308, 6309, A.E, 1930, 132, 133, I.L.Alg, II, 3729, J, P Alquier, 1929, p 95, J. Spaul, 1995, p-p 63-73).

       -"الجناح الفلاوي الأول": تواجد في الأوراس وعلى الأرجح في مخفر "زوي" (ولاية خنشلة) وهي وحدة خمسمائية كل أفرادها فرسان (C, VIII, 17633, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 28-33).

       -"الكتيبة الثانية للحماتيين": تواجدت في الشمال الأوراسي بالقرب من "تبسة" (الماء الأبيض) و"لامبايزيس" وهي وحدة خمسمائية تضم في صفوها حملة الأقواس (C, VIII, 10654, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 82-84).

         -الكتيبة الثانية للإسبانيين: تواجدت في الأوراس: بلامبايزيس ونواحيها، معسكر "بسرياني" وهي كتيبة خمسمائية (C, VIII, 2787, J-P Laporte, X. Dupuis, 2009, p-p 56-57, 9, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 84-85).

        -الكتيبة الفلاويّة الأولى للأفارقة: يصعب افتراض مواقعها، لكن نـميل لكونه في الجنوب التونسي (ربما حصن تيجنسيوم) أو في تريبوليتانيا وهي كتيبة خمسمائية (Y. le Bohec, 1989-2, p-p 22-23).

        -الكتيبة الفلاوية الثانية الـمختلطة للأفارقة: يصعب التكهن، لكننا نـميل لوجودها في الحصن الدفاعي (praesidium)لشمتو، حامية "تهودة" وربما أيضا الجنوب التونسي وتريبوليتانيا وهي كتيبة خمسمائية تضم في صفوفها الفرسان (A.E, 1992, 1821, Y. R. Hadji, 2015, p-p 294-296, M. Khanoussi, 1991, p-p 825-839, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 67-70).

        -"الكتيبة الأولى الـمُختلطة للخلقيسيين": تواجدت في جنوب الأوراس وبالأخص في معسكر "القصبات"، وهي كتيبة خمسمائية مختلطة تواجد بها رماة السهام (A.E, 1950, 58, M. Lenoir, 2011, p-p 214-215, L. Leschi, 1949, p-p 221-223, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 70-73).

          -"الكتيبة السادسة الـمُختلطة للكوماجينيين": الشمال الأوراسي: "عين فوة"، "زراية"، خربة أولاد عريف (Lambiridi)-وادي الشعبة، الصحراء النوميدية (ربما معسكر حمام الصالحين ببسكرة) وهي كتيبة مختلطة خمسمائية بها المقلاعيين والرماحين وربما كذلك رماة السهام (B.C.T.H, 1901, p 314, n°3, J. Carcopino, 1918, p 13, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 73-76).

        -الكتيبة الفلاويّة الأولى الـمُختلطة: بالشمال الأوراسي: زوي، "زراية" وهي كتيبة خمسمائية مختلطة (Mémoires, 1982, p-p 73-78, C.VIII, 2532, 4527, S. Guédon, 2006, p-p 365-696, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 79-82).

        -الكتيبة السابعة الـمُختلطة للوزيتانيين: بالشمال الأوراسي: زوي، خنشلة، لامبايزيس وهي كتيبة خمسمائية مختلطة (C. VIII, 10721, 10733, 2887, 3101, Y. le Bohec, 1989-2, p-p 85-88).

         -الكتيبة الأولى للسوريين رماة السهام: نعتقد تواجدها بالحواف الجنوبية للـمقاطعة؛ تريبوليتانيا والجنوب التونسي وصولا للجنوب النوميدي وهي وحدة خمسمائية تضم حملة الأقواس وربما الفرسان والهجانة في صفوفها (D. Mattingly, 1991, p-p 75-82, E. Demougeot, 1960, p-p 241-243).

رابعا-الاستنتاجات العامة (الخاتمة):

-لن نبالغ إذا قلنا أنه من بين زيارات الإمبراطور "هادريانوس" لـمختلف الـمقاطعات الرومانية، مثلت زيارته لبلاد الـمغرب حدثا فريدا ومتميزا لأنه جمع فيها بين زيارة مُدن حضرية وتفقد الـمنشآت العسكرية الدفاعية مع الوقوف على تدريبات الجنود في مدة تتراوح ما بين 04-06أشهر. خُلدت هذه الزيارة بمعلم تذكاري لا تزال نقيشته ولليوم الوثيقة الوحيدة التي تبقت لنا من خطابات إمبراطورية مُوجهة للجنود، وهي وثيقة أظهرت الإمبراطور في صورة شخصية ذات معرفة عسكرية واسعة، مفكر عسكري حقيقي استفاد من قراءاته ومناقشته لكتاب عسكريين معاصرين له من أمثال "هيجينوس العضادي" (Hyginus Gromaticus) صاحب الـمؤلف الشهير "حول تحصينات الـمعسكر" (de munitionibus castrorum) ومستفيد مما كتبه "ماركوس فيتروويوس" (Marcus Vitruvius) صاحب مؤلف "حول العمارة" (de architectura). كما ظهر كمسؤول صريح وجريء يقدم ملاحظاته بشكل مباشر، متمتع باللباقة العالية التي تظهر من خلال عباراته الحميمية وطريقة تعامله مع طاقم الجيش من أعلى رتبة (الـمفوض) إلى أصغرها (الـمشاة والـفرسان).

-تتضمن خطابات "هادريانوس" معلومات في غاية الأهمية للباحثين، فهي من كشفت لنا بوضوح أن الفيلق غيّر مقره الرئيسي مرتين: من حيدرة لتبسة ومن تبسة إلى لامبايزيس، ووجود كتيبة من الفيلق تحت إمرة البروقنصل تُرسل بالتناوب كل سنة، وأن الفيلق أرسل قبيل الزيارة مفرزة له نحو مقاطعات الشرق، وعبرها ذكرت لأول مرة عدة وحدات للـمساعدين. في الـمقابل، تكشف لنا الخطابات تركيز الإمبراطور على عملية التكوين والتأهيل العسكري لجيشه عبر التدريب العسكري (exercitatio) العالي والنوعي، فنجده يكرر في عديد الـمناسبات كلمات: الرشاقة، الجمال، القوة، روح الجماعة، سرعة التحرك، الانضباط. كما قدم ملاحظات مختلفة بغية تجنب أخطاء قد يقعون فيها أمام العدو. وعلى العموم فقد كان الإمبراطور راضيا على الجيش الإفريقي الذي استطاع فرض الأمن والاستقرار، التحكم في مجال المقاطعة عبر نشر حاميات في مختلف الـممرات والـمواقع الحيوية، وأثنى على كفاءة قادته وضباطه وفرسانه، وهذه الأدوار كان لها بالتأكيد دور في ازدهار الحياة الحضرية والاقتصادية بالـمقاطعة.

-من خلال تأمل خريطة التواجد العسكري أثناء الزيارة نلاحظ وجود مُكثف في السلسلة الأوراسية. في الواقع، إذا كان الأباطرة الفلاويّون هم من دشنوا الـطموح الروماني لضم الأوراس، فإنهم لم يصلوا إلا إلى السهول الشـمـالية للأوراس، ليتمكن الرومان في عهد الأباطرة الأنطونيون من إحكام السيطرة على الأوراس وتوغلوا في الصحراء النوميدية. لهذا، نحن نعتبر أن ما وصل إليه الرومان في عهد "هادريانوس" هو أقصى التوسع الروماني في الجنوب الأوراسي باعتبارهم وصلوا لضفاف وادي جدي وما تحقق من توسعات في عهد الأسرة السويرية يمكن اعتباره غير مجدي بدليل أن الرومان منذ سنة 238م انسحبوا من عديد المواقع المسيطر عليها في أواخر القرن الثاني. هذه السلسلة من الاستحكامات الدفاعية جاءت لفرض السيطرة على الأوراس عبر تنصيبها على الـممرات الجبلية والـمصادر الـمـائية لـمراقبة تحركات الرحل وتنظيمها وهـي عملية عسكرية لعبت دورا هاما في رومنة الـمجال الأوراسي وفي تحقيق السلم الروماني بالمقاطعتين.


10.png

الـخريطة 01:مواقع تواجد وحدات جيش مقاطعتي إفريقيا البروقنصلية ونوميديا أثناء زيارة الإمبراطور.

الـمرجع:Y. le Bohec : les unités auxiliaires, P 194.

 


-عند تأمل أصول وحدات الـمساعدين نلاحظ أن أصولها الجغرافية متنوعة، فهنالك وحدات مُجندة من أوروبا؛ جناح فرسان مستقدم من "بانونيا" (منطقة جغرافية تشمل أجزاء من الدول الآتية: النمسا، المجر، سلوفاكيا، سلوفينيا، كرواتيا، صربيا، البوسنة والهرسك)، يـمتاز فرسانه بكفاءتهم العسكرية وهو ما كشفه لنا الخطاب الإمبراطوري من جهة والاحتفاظ به بإفريقيا منذ عهد "أغسطس" إلى نهاية العهد الإمبراطوري الأعلى. نجد كذلك وحدتين مستقدمتين من ايبيريا هما الكتيبة الثانية للإسبانيين والكتيبة السابعة الـمُختلطة للوزيتانيين. بينما دعمت بلاد الـمغرب الفيلق خلال الزيارة بكتيبتين هما: الكتيبة الفلاوية الأولى للأفارقة والكتيبة الفلاوية الثانية الـمختلطة للأفارقة، وكلاهما مُجندتين من قبيلة "الأفارقة" (Afri) وهي مجموعة بشرية تقطن بالداخل التونسي في الـمنطقة الواقعة بين حوض وادي التين شمالا ووادي مجردة جنوبا، وهو أمر بلا شك يعبر عن نجاح الرومان في تجنيد جزء من السكان الـمحليين في جيشهم لإنجاح مشروعهم التوسعي وفق مبدأ: "أفضل من يساعدك على احتلال أرض ما هم شعبها". هذا النجاح يُضاف لتمكن الرومان من تجنيد وحدات للـمساعدين من قبيلة الـموزولامي القاطنة غير بعيدة عن الأفارقة وكذلك الجيتول. على أن الشيء الـملفت للانتباه هو الحضور السوري الـمعتبر حيث نجد ثلاث أو أربع وحدات هي: الكتيبة الثانية للحماتيين، الكتيبة الأولى الـمُختلطة للخلقيسيين، الكتيبة السادسة الـمُختلطة للكوماجينيين وربما أيضا الكتيبة الأولى للسوريين رماة السهام، والتي يـمتاز أفرادها بأنهم يستخدمون أسلحة مختلفة: مشاة، فرسان (وقد يكون بعضهم هجانة)، يتقنون استعمال الـمقاليع والرماح الخفيفة ورماية السهام. إن اعتماد القيادة علي العنصر السوري يعود على الأقرب لعاملين رئيسيين: إتقانهم دون شعوب أخرى لعديد الأسلحة (رماية السهام، المبارزة بالرماح، استخدام الـمقاليع، بعضهم هجانة)، وكذلك مقدرتهم على تحمل أو بالأحرى التأقلم مع مناخ بلاد الـمغرب الحار نسبيا، لذلك نجد القيادة نشرتهم على حواف صحراء إفريقيا البروقنصلية ونوميديا.

-بعد أن سمحت لنا النقوش والشهادات من التعرف على كل وحدات الجيش الـمتواجدة خلال الزيارة، فمن الهام محاولة تقدير عدد هذا الجيش. البروقنصل كانت تحت إمرته كتيبة حضرية وكتيبة من الفيلق وهو ما يعادل قرابة 1000جندي (بالتدقيق 960جندي). في حين، كان تحت تصرف الـمفوض الإمبراطوري ما تبقى من الفيلق أي حوالي 4640جندي (09كتائب+120فارس) وكل وحدات الـمساعدين التي إن افترضنا أنها تسع وحدات فهذا معناه قرابة 4320جندي وإن كانت عشرة (إن صح وجود الكتيبة الأولى للسوريين رماة السهام) فنكون أمام زهاء 4800جندي، وبالتالي يكون مجموع الجنود الخاضعين لسلطة المفوض زهاء 8960جنديا أو 9440جندي (إذن المجموع الكلي هو 9920 أو 10900). هذا التعداد يُمكننا اعتباره أقصى ما وصل إليه القوات الرومانية بالمقاطعتين باعتباره أنه بعدها بدأ عددها يتناقض، كما نعتبر أنه بقدر ما يظهر لنا أن عدد جنود الفيلق والوحدات الـمساعدة هو متقارب على العموم، فإنه يعطي انطباع بأن العدد الإجمالي للقوات هو متواضع بالـمقارنة مع المجال الواسع للـمقاطعة. هذه القلة العددية عُوضت بالكفاءة القتالية العالية للجنود، التخصصية العسكرية، حسن اختيار مواقع الحاميات، استغلال الجيش في إضعاف روح الـمقاومة عبر استخدام القوة الحربية ضد القبائل المحلية من جهة وتجنيد شباب السكان الـمحليين في الجيش ليكونوا مثالا للنجاح والارتقاء الاجتماعي في الـمجتمع عبر تحصلهم على الـمواطنة الرومانية دون اغفال أهمية الاستعانة بمفارز مقاطعات أخرى لتدعيم جيش المقاطعة الإفريقية ومن مثيل ذلك أنه في عهد "هادريانوس" قدمت لإفريقيا مفرزة من الفيلق التوأمي السابع (legio VII Gemina)المرابط في إسبانيا.

-تعبر هذه الزيارة عن العناية الخاصة التي حظيت بها إفريقيا البروقنصلية-نوميديا من قبل الإمبراطور وبالأخص الجيش الذي تم تفقده من 1إلى غاية 12-13 جويلية 128م أين تمت معاينة مختلف وحداته ومعسكراته المنتشرة بالمقاطعة. إنه بقدر ما قُدمت تصورات عديدة للهدف من الزيارة، فإن الهدف الرئيسي لها كان مراقبة مستوى تدريبات الجنود أين نستنتج أن التحضير والتكوين العسكري للقوات الرومانية تكون من شقين: تمارين فردية، رياضية (السير، القفز، السباق والعدو) وعسكرية (الـمسايفة والرماية بأنواعها). أما البقية فهي تمارين جماعية (الـمناورات والاستعراضات)، وهذا دون إغفال أهمية تحكم الجنود في أعمال الهندسة العسكرية. هذه العملية الـمتكاملة هدف منها الرومان إلى ضمان التفوق التام للجندي الروماني على البرابرة (الأجانب الذين يعيشون خارج الليمس)

-الهوامش

1.تُشير النقيشة C.I.L, VIII, 2533=18043إلى أن "هادريانوس" تقلد سلطة طبقة العامة (potestas tribunicia)للـمرة الثالثة عشر وأنه في قنصليته الثالثة وهو ما يُؤرخ بسنة 129م.

2.                        قادة الـمـائة الأوائل هم قادة الـمـائة الذين يعملون في الكتيبة الأولى للفيلق الـمُكونة من خمسة وحدات مئوية (centuriae) (عكس بقية كتائب الفيلق التي تحتوي على ستة وحدات مئوية)، فيقودون بذلك وحدات بـ 160 جندي عكس بقية الوحدات المئوية للفيلق من الكتيبة IIإلى الكتيبة Xالتي تضم في صفوفها 80 جندي. لهذا فعددهم 04 ضباط، يُضاف لهم "الرماح الأول" الذي بالإضافة إلى قيادته للوحدة الـمئوية الأولى للفيلق فإنه يقود الكتيبة الأولى للفيلق التي تضم قرابة 800 جندي، أنظر Yann le Bohec : l’armée, 1994, P-P 44-46.

3.يقصد الإمبراطور إما الفيلق الثالث القوريني (legio III Cyrenaica) أو الفيلق الثالث الغالي (legio III Gallica) اللذين يُعسكر كلاهما بالـمقاطعات الشرقية. بهذا، فإن الفيلق قدم لأحد هذين الفيلقين أكثر من 700 جندي في نواحي 125-126م وهذا لإخماد انتفاضة معينة، لإنجاز أشغال ما أو ربما كتكملة عددية. ينظر R. Cagnat : l’armée, P 147.

-قائمة المصادر والمراجع

-المصادر

1.-ماركوس أوريليوس، 2008، التأملات، ترجمة عادل مصطفى، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة.

2.-Corpus Inscriptionum Latinarum (C.I.L).

3.-L’ Année Epigraphique (A.E).

4. -Inscriptions of  Roman Tripolitania (I.R.T).

5.-Suétone , 1893, Vie d’Auguste, Tra : M. Cabaret-Dupaty, Garnier Frères, Paris.

6. - Dion Cassius, 1845, Histoire romaine, Tra : Etienne Gros, éd F. Didot, Paris.

7.-Aelius Spartianus, 1844, Histoire Auguste : vie d’Adrien, Tra : Fi. Legeay, Panckoucke, Paris.

8.-Tacite, 1859, Histoires, Tra : J. L. Burnouf, Librairie de L. Hachette, Paris.

9.-Végèce, 1859, traité de l’art militaire, Tra, Victor Devalay, Librairie Militaire, Maritime et Polytechnique, Paris.

10.-Flavius Josèphe, 1932, Guerres des Juifs, Tra : René Harmand, Ernest Leroux, Paris.

11.-Pline le jeune, 1920, Epistulae, Tra : de Sacy et J. Pierrot, Garnier Frères, Paris.

-المراجع

1.-René Cagnat, 1912, l’armée romaine d’Afrique et l’occupation militaire de l’Afrique sous les empereurs, Imperimerie nationale, Leroux.

2. -Marcel le Glay, 1968, Les Flaviens et l'Afrique, Mélange Histoire et Archéologie, t°80, n°1.

3.-Marcel Le Glay, 1978,  Les discours d'Hadrien à Lambèse, XIe Congrès du limes, Szekesfejhervar (1976).

4. -Yann le Bohec, 1989-1, La Troisième Légion Auguste, Centre National de la Recherche Scientifique, Paris.

5.-Yann le Bohec, 1989-2-, les unités auxiliaires de l’armée romaine en Afrique Proconsulaire et Numidie sous le Haut-Empire, CNRS, Paris.

6.-Yann Le Bohec, 2003, Les discours d'Hadrien à l'armée d'Afrique. Exercitatio, De Boccard, Paris.

7.-Yann le Bohec, 2003, Hadrien et l’armée, les discours d’Hadrien à l’armée d’Afrique. Exercitatio, de Boccard, Paris.

8.-Yann Le Bohec, Les discours d'Hadrien en Afrique, Bulletin de la Société Nationale des Antiquaires de France, 2002 (1999).

9.-Yann le Bohec, 2005, Histoire de l’Afrique romaine 146 avant J.-C.-439 après J.-C, Picard, Paris.

10. - Yann le Bohec, 1994, l’armée romaine sous le Haut-Empire, Picard, Paris.

11.-Michael P. Speidel, 2006, emperor Hadrian’s speeches to the African army, Verlag des Römisch-Germanischen Zentralmuseums.

12.-Stéphanie Guédon, 2010, Le voyage dans l’Afrique romaine, Ausonius, Bordeaux.

13.-Stéphanie  Guédon, 2006,  les voyages des empereurs romains en Afrique jusqu’ au IIIe siècle, l’Africa romana, XVI (2004), Rabat.

14.-Ronald Syme, 1988, Journeys of Hadrian, Zeitschrift für Papyrologie und Epigraphik, v° 73.

15-Marcle Bénabou, 1976, La résistance africaine à la romanisation, F. Maspero, Paris.

16.-Hugo Mantel, 1968, The causes of the Bar Kokba revolt, The Jewish Quarterly Review, v° 58, n° 3.

17. -Jacques Gascou, 1972, La politique municipale de l'empire romain en Afrique proconsulaire de Trajan à Septime Sévère, École Française de Rome, Rome.

18.-Jean Pierre Laporte, 2006, Henchir el-Hammam (antique Aquae Flavianae), Aoures, Paris.

19.-Jean Pierre Laporte, 2006, Peuplement et catastrophes naturelles dans l’Afrique du Nord ancienne, dans le peuplement du Maghreb antique et médiéval, université de Sousse, Sousse.

20.-Jean Pierre Laporte, Xavier Dupuis, 2009, De Nigrenses Maiores à Négrine, Antiquité Africaine, v° 45

21.-Anthony. R. Birley, 1997, Hadrian. The Restless Emperor, Psychology Press, London - New York.

22. -Michel Labrousse, 1948, Note sur la chronologie du premier voyage d’Hadrien, Mélanges II, de la Société toulousaine d'Etudes classiques.

23.-Louis Leschi, 1949, Découvertes épigraphiques dans le camp de Gemellae (El-Kasbat, Algérie), Comptes rendus des séances de l'Académie des Inscriptions et Belles-Lettres, v° 93, n° 3.

24.-Michel Janono, 1973, Recherches à Lambèse : I. La ville et les camps. II. Aquae Lambaesitanae, Antiquité Africaine, v° 7.

25.-Michel Janon, 2005, Lambèse, capitale militaire de l’Afrique romaine, éd de la Nerthe, Olliules.

26.-Michel Janon, 2008, Lambèse, Encyclopédie berbère, 28-29 | Kirtēsii – Lutte, Aix-en-Provence.

27.-Nicole Méthy, 1992, La représentation des provinces dans le monnayage romain de l’époque impériale (70-235 après J.-C.), NAC, XXI.

28. -Rossella Pera, 1990, I riferimenti all’Africa nelle emissioni monetali della zecca di Roma, dans L’Africa romana, VIII, Cagliari).

29.-Pietro Romanelli, 1959, Storia delle province romane dell’ Africa, L’Erma Bretschneider, Rome.

30.-Julius Dürr, 1881, Die Reisen des Kaisers Hadrian, C. Gerold’s Sohn, Wien.

31.-Wilhelm Weber, 1907, Untersuchungen zur Geschichte des Kaisers Hadrian, Leipzig, B. G. Teubner, Leipzig.

32.-Catherine Wolff et Jean François, Berthet, 2003, traduction, dans les discours d’Hadrien à l’armée d’Afrique. Exercitatio, de Boccard, Paris.

33-Brian Campbell, 1994, The roman army 31 B.C.-A.D. 337 a sourcebook, Routledge, London.

34.-Marcel Bénabou, 1972, proconsul et légat en Afrique. Le témoignage de Tacite, Antiquité Africaine, v° 6.

35.-André Berthier, 1981, La Numidie, Rome et le Maghreb, Picard, Paris, 1981.

36.-Bengt E. Thomasson, 1996, Fasti Africani. Senatorische und ritterliche Amtsträger in den römischen Provinzen Nordafrikas von Augustus bis Diokletian, P. Aström, Stockholm.

37.-A. Clément Pallu de Lessert, 1896, Fastes des provinces africaines (Proconsulaire, Numidie, Maurétanies) sous la domination romaine, E. Leroux, Paris.

38.-F. Bérard, 1991, Aux origines de la cohorte urbaine de Carthage, Antiquité Africaine, v° 27.

39-C. Cichorius, 1894, 1900, 1901, dans R. E= Pauly-Wissowa, Real-Encyclopädie.

40.-Pat Southern, 2006, the roman army: A social and institutional history, ABC-CLIO, California.

41.-Jean-Louis Voisin, 2003, Au miroir des discours d’Hadrien : hommes et valeurs militaires, dans les discours d’Hadrien à l’armée d’Afrique. Exercitatiode Boccard, Paris.

42-Catherine Wolff, 2003, Q. Fabius Catullinus, légat de la IIIe Auguste, dans les discours d’Hadrien à l’armée d’Afrique. Exercitatio, de Boccard, Paris.

43.-Alison E. Cooley, 2012, The Cambridge Manual of Latin epigraphy, Cambridge university press, Cambridge.

44-A. von Domaszewski, 1967, Rangordnung des römischen Heeres, 2 édit, Böhlau, Köln.

45.- Brian Dobson, 1955, The primipilares of the roman army, Doctoral thesis, Durham university.

46.-Brian Dobson, 1972, Legionary centurion or equestrian officier ? A comparison of pay and prospects, Anc.soc, III.

47.-Eric Birley, 1953, Roman Britain and the roman army, collected papers, Kendal.

48. -David. J. Breeze, 1969, The immunes and principales of the roman army, doctoral thesis, Durham university.

49.-David. J. Breeze : The organisation of the career structure of the immunes and principales of the Roman army, Bonner Jahrbücher, v° 174.

50-Luigi Cantarelli, 1898, Gli scritti latini di Adriano imperatore, Tipografia poliglotta, Roma.

51-Corbier Mireille, 1974, L'aerarium saturni et l'aerarium militare : Administration et prosopographie sénatoriale, École Française de Rome, Rome.

52.-Werner Eck, Paul Holder and Andreas Pangerl, 2010, A Diploma for the Army of Britain in 132 and Hadrian's Return to Rome from the East, ZPE, v° 194.

53.-Rémy Bernard, 1989, L'activité des gouverneurs sénatoriaux dans la province de Cilicie au Haut-Empire, d'après les inscriptions, Mélanges Pierre Lévêque, t° 3: Anthropologie et société, Besançon: Université de Franche-Comté.

54.-Rémy Bernard, 1991, La place de la légion III Augusta dans la carrière des sénateurs affectés dans les provinces romaines d'Asie mineure au Haut-Empire, Antiquité Africaine, v° 27.

55.-Azedine Beschaouch, 1969, Uzappa et le proconsul d'Afrique Sex. Cocceius Anicius Faustus Paulinus, Mélange Ecole Française de Rome, t° 81, n°1

56.-George Leonard Cheesman, 1914, The Auxilia of the roman imperial army, Clarendon press, Oxford.

57.-Hang George Pflaum, 1960, les Carrières procuratoriennes équestres sous le Haut-Empire romain, Librairie orientaliste Paul Geuthner, Paris.

58-J. François, 1983, les curateurs des cités dans l’occident romain : de Trajan à Gallien : études prospographiques, Nouvelles éditions latines, Paris.

59-Xavier Dupuis, 1992, Provincia spelendidissima Numidia, les étapes de l’organisation d’une province de Caligula à Constantin, mémoire de l’Ecole Française de Rome.

60.-Maurice Lenoir, 2011, le camp romain : Proche orient et Afrique du Nord, école française de Rome, Rome.

61-Noel Duval, Serge Lancel et Yann le Bohec, 1984, études sur la garnison de Carthage, B.C.T.H.

62-Pol Trousset, 1991, Besseriani (Ad Majores), in Gabriel Camps (dir.), 10 | Beni Isguen– Bouzeis, Aix-en-Provence.

63-Pol Trousset, 1998, Gemellae, in Gabriel Camps (dir.), 20 | Gauda – Girrei, Aix-en-Provence.

64.-Pol Trousset, 2002, Le tarif de Zaraï : essai sur les circuits commerciaux dans la zone présaharienne, Antiquité Africaine, v° 38- 39.

65-Gabriel Camps, 1995, Djedi, Encyclopédie berbère, 16 | Djalut – Dougga, Aix-en-Provence.

66-Stéphan Gsell, Henri Graillot, 1893, Exploration archéologique dans le département de Constantin (Algérie). Ruines romaines an nord des Monts de Batna (à suivre), Mélange archéologie et Histoire, t°14.

67-Stéphane Gsell, 1893, essai sur le règne de l’empereur Domitien, thèse de doctorat, Université de Paris.

68-Stéphane Gsell, 1911, Atlas archéologie de l’Algérie, Alger.

69-Stéphane Gsell, notes d’Archéologie algérienne, B.C.T.H, v° 19.

70.-Emile Masqueray, 1878, Ruines anciennes de Khenchela (Mascula) à Besseriani (Ad Majores), Revue Africaine, v° XXII

71.-Emile Masqueray, 1879, Ruines anciennes de Khenchela (Mascula) à Besseriani (Ad Majores), Revue Africaine, v° XXIII.

72.-Maurice Euzennat, 1971, Le castellum Thigensium, B.C.T.H.

73.-Maurice Euzennat, 1977, Eqvites secvndae flaviae, Antiquité Africaine, t° 11.

74.-Mondher Brahmi, 2005, Thiges et Castellum Thigensium, géographie historique du Maghreb antique et médiéval : état des lieux et perspectives de recherches, actes du premier colloque international, Université de Sousse.

75-Elizabeth Fentress, 1979, Numidia and roman army. Social, Military and economic, B.A.R, Oxford.

76.-Jérôme France, 2014, Normes douanières et réglementation des échanges. Trois questions simples sur le tarif de Zaraï (Numidie), Antiquité Africaine, v° 50.

77.-Jérôme Carcopino, 1918, les Castella de la plaine de Sétif, Revue Africaube, v° LIX.

78.-Jérôme Carcopino, 1925, La Limes de Numidie et sa garde syriennen Syria, VI, n°2.

79.-Paul Medinger, 1933, l’arc turquois et les archers Parthes à la Bataille de Carrhes, Revue Archéologique.

80-Héron de Villefosse, 1899, B.C.T.H, v° 17.

81-Nigel Pollard, 2000, Soldiers, Cities, and Civilians in Roman Syria, university of Michigan Press,  Michigan.

82.-Werner Eck et Hartmut Wolff (Edd.), 1986, Heer und Integrationspolitik. Die römischen Militärdiplome als historische Quelle, Böhlau, Cologne et Vienne.

83.-Werner Eck, 2002, L'empereur romain chef de l'armée : Le témoignage des diplômes militaires, Cahiers du Centre Gustave Glotz, v° 13.

84.Peter Weiss, 2002, Ausgewählte neue Militärdiplome. Seltene Provinzen (Africa, Mauretania Caesariensis), späte Urkunden für Prätorianer (Caracalla, Philippus), Chiron, v° 32.

85-Werner Eck et Andreas Pangerl, 2005, Neue Konsulndaten in neuen diplomen, ZPE, v° 152.

86-Werner Eck, 2011, Neue Zeugnisse zu zwei bekannten kaiserlichen Bürgerrechtskonstitutionen, ZPE, v° 177.

87-Jean Marie Lassère, 1987, les Afri et l’armée romaine, l’Africa romana, t° 5, Sassari.

88-Centre Jean Palerne, 1982, Mémoires III, Médecins et médecine dans l’antiquité, G. Sabbah, Saint-Etienne.

89-Gustav Wilmanns, 1884, étude sur le camp et la ville de Lambèse, Tra : H. Thédenat, E. Thorin, Paris.

90-David Mattingly, 1991, The constructor of Gasr Duib, Numisius Maximus, Trib.(unus cohortis I Syrorum sagittariorum), Antiquité Africaine, v° 27.

91.-David Mattingly, 2003, Tripolitania, Routledge, Abingdon.

92.-Jeanne et Prosper Alquier, 1929, Le Chettaba et les grottes à inscriptions latines du Chettaba et du Taya, Constantine.

93-John E. H. Spaul, 1995, Ala I Pannoniorum – One or Many? ZPE, 1995, v° 105.

94.-Yacine Rabah Hadji, 2015, l’épitaphe d’un soldat de la cohors II Flavia Afrorum in Badias (Limes de Numidia), ZPE, v° 194.

95-Mustapha Khanoussi, 1991, Nouveaux documents sur la présence militaire dans la colonie julienne augustéenne de Simitthus (Chemtou, Tunisie), C.R.A.I, 135ᵉannée, n° 4.

96-Emilienne Demougeot, 1960, Le chameau et l'Afrique du Nord romaine, Annales. Economies, sociétés, civilisations. 15ᵉannée, n° 2.

@pour_citer_ce_document

أسامة بقار, «الجيش الروماني في إفريقيا البروقنصلية ونوميديا خلال زيارة الإمبراطور "هادريانوس" لبلاد الـمغرب سنة 128م»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 124-150,
Date Publication Sur Papier : 2021-03-07,
Date Pulication Electronique : 2021-03-07,
mis a jour le : 11/04/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=7918.