التعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية في حوض البحر الأبيض المتوسط: الدور الجزائري أنموذجا 1995-2019 Dealing with illegal immigration phenomenon in the Mediterranean: the role of Algeria as a model 1995-2019
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 18-2021

التعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية في حوض البحر الأبيض المتوسط: الدور الجزائري أنموذجا 1995-2019

Dealing with illegal immigration phenomenon in the Mediterranean: the role of Algeria as a model 1995-2019
ص ص 227-244
تاريخ الإرسال: 2019-10-03 تاريخ القبول: 2021-06-08

سمير بن عياش
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

اتخذت ظاهرة الهجرة غير الشرعيةمنحا خطيرا على المستوى الدولي بسب انتشار الحروب الأهلية والاضطهاد الممارس ضد الأفراد والجماعات بسبب الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي، وكانت أحد الأسباب لحركات انتقال كبيرة، لاسيما بعد النزاعات التي خلفها الربيع العربي، فعملية التنقل الأكثر خطورة على حياة وصحة المهاجرين غير النظاميين، شكلت بدورها تهديدا لدول العبور والدول المستقبلة لهم، وتم اتخاذ العديد من الآليات لمعالجة الهجرة غير النظامية على المستوى المتوسطي في ظل احترام الحريات والحقوق الإنسانية، وعملت الجزائر في جوارها الإقليمي (الجوار الإفريقي ـ والأوربي) على تحقيق ذلك، والأرقام تدل على انتشار كبير للأمراض الخطيرة وارتفاع الكثافة السكانية، وتقاطع بعض شبكات تهريب البشر بالتهريب بكل أنواعه، وهناك انعكاسات على تقدير الجهد الفردي، فالشباب يضيع سنوات من حياته للعيش في حلم قد لا يتحقق أو يقوده لحتفه، وأصبحت الظاهرة أكثر تهديدا للاقتصاد والأمن القومي، فالهجرة غير النظامية هي ظاهرة ذات أبعاد عالمية موجودة في الكثير من مناطق العالم ومست الدول المتقدمة منها أو المتخلفة، وأثرت على الأمن والاستقرار وهددت البني الاقتصادية والاجتماعية للدول مثل حالة ضفتي المتوسط، مما يستوجب على الجزائر ودول جوارها الأفارقة وبقية الدول المغاربية، وكذا شركائها الأوربيين لمعالجتها وفق منظور دولي قائم على التعامل مع أسبابها الحقيقية ومن ثم تقديم الآليات بما يخدم جميع الأطراف المعنيين بالظاهرة.

الكلمات المفاتيح: الهجرة غير الشرعية، الجزائر، البحر الأبيض المتوسط، الجوار الإقليمي، الأمن، التنمية

Le phénomène de la migration irrégulière a pris une tournure sérieuse au niveau international en raison de la propagation des guerres civiles et des persécutions contre des individus et des groupes en raison de leur appartenance ethnique, religieuse ou politique, et a été l’une des raisons de grands mouvements, en particulier après les conflits laissés par le Printemps arabe. Le processus de mouvement qui est le plus dangereux pour la vie et la santé des migrants en situation irrégulière a également constitué une menace pour les États de transit et d’accueil. Il y a des répercussions sur l’appréciation des efforts individuels, les jeunes perdent des années de leur vie pour vivre dans un rêve qui ne peut pas être réalisé ou conduit à leur mort, et le phénomène est devenu plus une menace pour l’économie et la sécurité nationale. Pour des pays comme les deux rives de la Méditerranée, l’Algérie et ses pays voisins africains et maghrébins, ainsi que ses partenaires européens, doivent s’y attaquer dans une perspective internationale basée sur leurs causes réelles, puis fournir des mécanismes pour servir toutes les parties impliquées dans le phénomène.

Mots-clés :migration irrégulière, Algérie, Méditerranée, voisinage régional, sécurité, développement

The phenomenon of irregular migration has taken a serious turn at the international level due to the spread of civil wars and persecution against individuals and groups due to ethnic, religious or political affiliation, and has been one of the reasons for large movements, especially after the conflicts left by the Arab Spring. The process of movement that is most dangerous to the lives and health of irregular migrants has also posed a threat to transit and receiving states. There are repercussions on the appreciation of individual efforts, young people waste years of their lives to live in a dream that may not be realized or led to their death, and the phenomenon has become more a threat to the economy and national security. For countries such as the two shores of the Mediterranean, algeria and its Neighbouring Africans and Maghreb countries, as well as its European partners, must address them in accordance with an international perspective based on dealing with their real causes and then provide mechanisms to serve all parties involved in the phenomenon.

Keywords: irregular migration, Algeria, Mediterranean, regional neighborhood, security, development

Quelques mots à propos de :  سمير بن عياش

 جامعة بومرداس،samir.benayache@yahoo.fr

المقدمة

أصبحت الهجرة غير الشرعية إحدى التحديات الأمنية المعاصرة، والتي تثير اهتمام الدول والمنظمات الدولية والباحثين الأكاديميين، وقد عقدت في هذا الشأن الكثير من المؤتمرات الدولية الحكومية، وكذا الندوات العلمية، وأبرمت الاتفاقيات بين الدول للحيلولة دون آثارها السلبية وهدفها في ذلك التصدي لظاهرة الهجرة غير المشروعة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد الحلول الكفيلة بعدم تحولها إلى تهديد الأمن الدولي وتهديد أمن الدول المتضررة منها، وتكمن صعوبة التعامل مع هذه الظاهرة بسبب الطابع الإنساني الذي تحمله،  وكذا تعقيدات ما تخلفه من تداعيات على الأفراد والمجتمعات، وقد ساهمت الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية مثل منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي واتحاد المغرب العربي والدول المعنية والمتضررة من الظاهرة سواء في الضفة الشمالية أو الجنوبي للمتوسط بدورها بالدفع نحو الاهتمام اللائق بهذه الظاهرة، وتوفير الحماية للضحايا في مختلف أصقاع العالم، وإيجاد الحلول العملية لها.

سيتم التركيز على التهديد الذي تشكله الهجرة غير الشرعية خاصة تلك القادمة من دول الساحل الافريقي، فقد ساهمت الظروف المناخية وانتشار البطالة وقلة فرص العمل، وكذا الحروب  وفقدان الأمن والاستقرار بالعديد من المناطق في العالم  في انتشار الهجرة غير الشرعية،  فالظاهرة مرتبطة بعوامل محلية وبشكل الأنظمة السياسية وعدم مسايرة المطالب المجتمعية المختلفة الأبعاد، والإخفاقات التي عرفتها الأنظمة السياسية، وما تلاها من تحول الصراع السياسي إلى عنف  وتطاحن وحروب أهلية، وحولت المواطنين الآمنين في أوطانهم إلى رعايا موزعين على كل أصقاع العالم، مجابهين الموت في رحلاتهم بحثا عن مكان آمن يحفظ كرامتهم.

أهمية البحث، وأهدافه

سيتم ربط الموضوع المتعلق بالمهاجرين بطريقة غير شرعية والمشاكل التي تعترضهم في مسار الهجرة غير الشرعية، والتهديدات التي قد يشكلونها   في طريق الهجرة نحو أوربا مرورا بدول شمال افريقيا، وبحث تداعيات الربيع العربي بخصوص هذا الوضع، حيث أدت الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية لانتشار البطالة والركود الاقتصادي، وفي انطلاق موجة هجرة غير مشهودة، ومع تزايد أعداد المهاجرين يزداد التخوف من التهديدات التي سيشكلونها،

وهذه الورقة تهدف للبحث في تأثير هذه الظاهرة على دول العبور والمقصد، كما سيتم استعراض الحلول الأمنية والتنموية بالتركيز على الحالة الجزائرية وتبيان مدى قدرتها على الحد من الهجرة غير الشرعية.

-المنهج البحثي: تم توظيف المنهج الوصفي التحليلي: بهدف الكشف عن المشكلات التي تعترض المهاجرين، وتبيان الحلول العملية والسياسات الحكومية للتعامل معها وأهمية مخرجات ذلك، كما سيتم توظيف الاقترابات المؤسسية والقانونية والنظمي لفهم وتحليل وتقييم مخرجات البرامج والسياسات المتعلقة بالظاهرة.

وعن الدراسات السابقة للموضوع، فهناك الكثير منها ولكنها تركز على دراسة كل مرحلة من مراحل الهجرة غير الشرعية، ويغلب عليها طابع التجريم، ولا ينظر للمهاجرين كضحايا لبيئة دولية تخدم الشركات المتعددة الجنسيات والعولمة المتوحشة، وكضحايا للحروب والصراعات وللتغير المناخي والاحتباس الحراري، فالأسباب تتعدد ولكن من يدفع الثمن هم المهاجرين بطريقة غير شرعية، ومن هذه الدراسات يمكن ذكر ما يلي:

- كتاب مصطفى عبد العزيز مرسي: حمل عنوان "قضايا المهاجرين العرب في أوروبا"، نشر سنة 2010وتناول قضايا المهاجرين العرب بالدول الأوروبية، كالاندماج، وحماية حقوقهم، ومكاسب وسلبيات الهجرة، عد الكاتب إشكالية الهجرة غير القانونية كإحدى إفرازات الفجوة التنموية بين الشمال والجنوب، والتي قدرت عائداتها بنحو 12مليار يورو سنويا، في حين بلغ عدد ضحايا قوارب الموت بالبحر الأبيض المتوسط خلال الفترة 1989-2002بما بين 8000و10,000شخص سنويا، ويرى الكاتب أن تشديد قوانين الهجرة وتطبيق سياسات انتقائية للمهاجرين خاصة ضد العرب والمسلمين، أديا إلى زيادة الهجرة غير الشرعية.

 - دراسة بوهالي حفيظة ونش عزوز، وتحمل عنوان:» مكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال وسائل الإعلام دراسة تحليلية لجريدة الشروق اليومي أنموذجا خلال سنة 2017«، ونشرت بمجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية في ماي 2018، وخلصت إلى أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي ظاهرة تتحكم فيها العديد من الأسباب والظروف إلا أنها تتطلب مقاربة شاملة من جميع الجوانب منها النفسية والاجتماعية والسياسية والأمنية، بالإضافة إلى مساهمة مؤسسات التنشئة الاجتماعية منها الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام.

- كما أعد المعهدالتونسي للدراسات الإستراتيجيةدراسة حول ظاهرة الهجرة غير الشرعية تتناول بالخصوص تاريخ هذه الظاهرة ومراحلها العملية ووسائلها المستعملة وتحليلا لدوافعها، إلى جانب عرض المؤشّرات والإحصائيات المسجّلة بصفة رسميّة من سنة 2011إلى حدود أكتوبر 2017، وسلطت الدراسة الضوء على البعد الجيو سياسي لهذه الظاهرة وملامح الإستراتيجية لمكافحتها.

- كتاب سليم شنة، مسارات الهجرة في الجزائر المعاصرة: أفارقة جنوب الصحراء وجزائريون نحو المنفى، نشر في سنة 2016بباريس، دار النشر"Karthala"، تمثل الهدف الرئيسي من هذا العمل في محاولة فهم الهجرة بوصفها حراكا اجتماعيا عموما، ومقاربة عمليات الانتقال ذهابا وإيابا وطرق العبور للمهاجرين بدون وثائق في الجزائر خصوصا. بالإضافة للكشف عن التناقضات بين الخطابات الرسمية والواقع الاجتماعي فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية في منطقة المغرب العربي. إلى جانب دراسة تجارب المهاجرين بدون وثائق والتي تسمح بتسليط الضوء على خاصية العالمية التي تتميّز بها هذه الظاهرة، وفي هذا الصدد، تناول الباحث في دراسته جوانب متنوّعة، حيث تطرّق للبناء الإعلامي لظاهرة هجرة المهاجرين بدون وثائق في الجزائر، وذلك من خلال دراسة وتحليل الصور السوسيو – إعلامية لهؤلاء المهاجرين، وتوضيح ارتباطها بمصالح مختلف الفاعلين الاجتماعيين

وهذا البحث سيتجه نحو تبيان المشاكل المعترضة للمهاجرين بصفة غير شرعية، وتبيان كيفية التعامل معهم من طرف مختلف الأطراف والتركيز على السياسات والمؤسسات الجزائرية وتقييم جهودها للحد من هذه الظاهرة والتهديدات التي تشكلها في ظل احترام حقوق الإنسان الذي تكفله القوانين المحلية والدولية.

الإشكالية: ما مدى نجاعة المساهمات الدولية في التعامل مع تهديدات الهجرة غير الشرعية في حوض البحر الأبيض المتوسط؟ وهل الجهود الجزائرية كافية لحل مشاكل الهجرة غير النظامية منها واليها وعبرها؟ وللإجابة على هذه الإشكالية سيكون العمل وفق الخطة التالية:

ـ المحور الأول: الإطار المفاهيمي للهجرة غير الشرعية.

ـ المحور الثاني: واقع الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط:

ـ المحور الثالث: واقع الهجرة غير الشرعية في الجزائر:

ـ المحور الرابع: التكفل الدولي بظاهرة الهجرة غير الشرعية:

-المحور الخامس: المساهمات الجزائرية الخارجية والداخلية للتعامل مع تهديدات   الهجرة غير الشرعية:

-خاتمة

ـ الاستنتاجات.

ـ اقتراحات.

المحور الأول: الإطار المفاهيمي للهجرة غير الشرعية.

سيتم توضيح مفهوم الهجرة ثم الهجرة غير الشرعية، وتطور هذا المفهوم فتصنيف المهاجرين غير الشرعيين، وصولا لتحديد أسباب ظاهرة الهجرة غير الشرعية:

-أولا:مفهوم الهجرة والهجرة غير الشرعية

لكون الهجرة غير الشرعية جزء من الهجرة فسنبدأ من تعريف الهجرة ثم التحول للهجرة غير الشرعية.

1ـ مفهوم الهجرة

ü                       الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص أن: " لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة ، ويحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة" (الأمم المتحدة،، 1948، صفحة 02)

ü                       المنظمة الدولية للهجرة حسبها الهجرة هي:" تحركات أشخاص أو مجموعة من الأشخاص سواء عبر الحدود أو داخل الدولة، وهي تحركات سكانية تشمل أي نوع من تحرك الناس أيا كانت مدته أو تركيبته أو أسبابه، وتشمل هجرة اللاجئين والنازحين والمهاجرين لدوافع اقتصادية، والأشخاص الذين يتنقلون لغايات أخرى، بما فيها لم شمل الأسرة".

(الأمم المتحدة، 2018، صفحة 123)

2ـ مفهوم الهجرة غير الشرعية:

ü                       تطور مفهوم الهجرة غير الشرعية في الأدبيات القانونية، فبعد أن كان يطلق عليها في بداية الأمر "الهجرة غير الموثقة ""Undocumented Migration، تطور المفهوم ليصبح الهجرة غير القانونية أو الشرعية Illegal Migration، وبعد ذلك ارتبط هذا المفهوم بمصطلح الأمن البشري فأخذ يظهر مقرونا بمصطلح:" Human Security Migration and"، ثم أخذ مصطلح الهجرة غير الشرعية يرتبط إلى حد كبير بمفهوم: " الاتجار بالبشر Human Trafficking"، حيث قد تأخذ الهجرة غير الشرعية مفهوماً آخر وهو تهريب المهاجرين.

ü                       منظمة الأمم المتحدةتعرف الهجرة غير الشرعية بأنها: "دخول غير مقنن لفرد من دولة إلى أخرى عن طريق البر أو الجو أو البحر… ولا يحمل هذا الدخول أي شكل من تصاريح الإقامة الدائمة أو المؤقتة، كما تعني عدم احترام المتطلبات الضرورية لعبور حدود الدولة.

(شتيوي، 2014، صفحة 06)

ü                       المفوضة الأوروبيةتعرف للهجرة غير الشرعية بأنها:" ظاهرة متنوعة تشمل أفراد من جنسيات مختلفة يدخلون إقليم الدولة بطريقة غير مشروعة عن طريق البر والبحر والجو بما في ذلك مناطق العبور والمطارات، ويتم عادة بوثائق مزورة أو بمساعدة شبكات الجريمة المنظمة".

ü                       (دخالة، 2014، الصفحات 123-154)

ü                       المنظمة الدولية للهجرةحسبها فإن: "الهجرة غير النظامية هي حركات انتقال تجرى خارج المعايير التنظيمية للبلدان المرسلة وبلدان العبور والبلدان المستقبلة، فهي من منظور بلدان المقصد الدخول أو البقاء أو العمل في البلد دون التصاريح أو الوثائق اللازمة بموجب الهجرة، أما من منظور البلدان المرسلة فالوضع النظامي يظهر مثلا في حالات عبور شخص للحدود الدولية دون جواز سفر أو وثائق سفر صالحة، أو لا يلبي المتطلبات الإدارية لمغادرة البلد، ولكن ثمة ميل إلى حصر استخدام مصطلح "الهجرة غير القانونية" في حالات تهريب  اللاجئين أو الاتجار بالأشخاص."(الأمم المتحدة، 2018، صفحة 122)

       وسمى المهاجرون غير الشرعيين بالحراقة، حيث يلجأ المهاجر بمجرد وصوله إلى أوروبا إلى إحراق أوراق هويته أملاً في الحصول على هوية جديدة في دولة المقصد، (علو، 2009، صفحة 73)

فالملاحظ هو الاختلاف في تحديد المفهوم والتباين بين غير شرعي وغير نظامي أو غير قانوني، أو سري أو ما يعرف ب "الحرقة، وتأخذ أحيانا حالة هجرة قسرية، وكلها تتناول ظاهرة تتعلق بحالات أفراد تركوا أوطانهم لسبب من الأسباب، واتجهوا نحو وجهة أخرى دون احترام الطرق المعتادة لدخول الدول الأجنبية، أو بقوا فيها دون احترام التنظيمات المتعلقة بالبقاء فيها.

3ـ تصنيف المهاجرين غير الشرعيين: يمكن تصنيف المهاجرين إلى فئتين، وذلك تبعًا للأسباب الّتي دفعتهم إلى الهجرة، الأولى"طالب اللّجوء" (Asylum Seeker)والثّانية "المهاجر الاقتصادي" (Economic، Migrant (،  إنّ هذا التّصنيف مهمّ جدًّا بالنسبة  للمهاجرين نحو دول الاتّحاد الاوروبي:

ü                       طالب اللّجوء(Asylum Seeker): تختلف القوانين الّتي تطبّق على "طالب اللّجوء" عن تلك الّتي تطبّق على "المهاجر الاقتصادي"، فضلًا عن أنَّ لطالب اللّجوء حقوقًا تمنحه إيّاها "اتّفاقيّة جنيف الخاصّة بوضع اللّاجئين"، وعرّفت هذه الإتّفاقيّة طالب اللّجوء بأنَّه: "كلّ شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرّره من التّعرض للاضطهاد بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيّته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعيّة معيّنة، أو آرائه السياسيّة، خارج بلد جنسيّته ولا يستطيع، أو لا يرغب، بسبب ذلك الخوف أن يستظلّ بحماية ذلك البلد، أو كلّ شخص لا يملك جنسيّة ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة نتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يرغب، بسبب ذلك الخوف أن يعود إلى ذلك البلد".

ü                        المهاجر الاقتصادي(Economic Migrant):  هو من يترك بلده بهدف تحسين مستوى معيشته أو بهدف التّحصيل العلمي ولا يوجد خطر يهدّد حياته. (مرعب، 2016، الصفحات 79-107)

ثانيا - أسباب الهجرة غير الشرعية: هناك الكثير من الأسباب منها:

1-                       الدوافع الديمغرافية: حيث يعيش حاليا 61% من سكان العالم في آسيا (4.7مليار نسمة)، و17في المائة في أفريقيا (1.3مليار نسمة)، و10في المائة في أوروبا (750مليون نسمة)، و8في المائة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (650مليون نسمة)، وما تبقى من 5في المائة في أمريكا الشمالية (370مليون نسمة) وأوقيانوسيا (43مليون نسمة). وتبقى الصين (1.44مليار نسمة) والهند (1.39مليار نسمة) هما أكبر بلدان العالم، ومعا مع أكثر من 1مليار شخص يمثلان نسبة 19و18في المائة من سكان العالم، على التوالي. ومع حلول 2027، يُتوقع أن تتجاوز الهند الصين لتصبح أكبر بلدان العالم سكانا، في حين يُتوقع أن ينخفض عدد سكان الصين بنسبة 2.2% (أي 31.4مليونا) بين عامي 2019و2050.  

(الأمم المتحدة، 2019)

ويفتح الانتقال الديموغرافي الذي تشهده بعض المجتمعات آفاقا للاستفادة التنموية المستدامة، وهو ما يطلق عليه مصطلح "الهبة الديموغرافية"، وعموده الفقري هو الشباب، وتشير الدراسات القياسية لدول شرقي آسيا إلى أن 50إلى 70% من هذا النمو قد تم بفضل التغيرات المواتيةبارتفاع نمو السكان في سن العمل ، وارتفع فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% سنويا، وانخفضت فيها نسبة السكان الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم إلى 37%، والفرصة التنموية التي يتيحها ازدياد حجم الشباب مرهون باعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية تنطلق من إحداث عملية تنموية مستدامة تؤمن شروط الأمن الإنساني، ذلك أن هشاشة الأمن الإنساني تمثل أحد أبرز مفاعيل رفع وتيرة الهجرة عمومًا وهجرة الشباب خصوصا، وينشأ التوتر بين العرض الديموغرافي المتمثل بزيادة حجم الشباب وعملية التنمية في عدم تلبية تلك العملية لحاجات هذا العدد الكبير من الشباب؛ ليس على مستوى التشغيل فحسب، بل على مستوى الحاجات المواطنية أيضا، في ظل هيمنة النظم التسلطية على عملية التنمية، فلم يكن مفارقة أن تندمج الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مع الحقوق المواطنية السياسية في عمليات التغير الاجتماعي التي شهدها أكثر من بلد عربي منذ(2011)، وما تزال هذه المرحلة مستمرة بكل تعقيداتها، وتمثل مرحلة انتقالية لهذه المجتمعات، وفي هذه المرحلة الانتقالية فإن التوتر بين زيادة العرض الديموغرافي لقوة الشباب في هذه المجتمعات وإخفاقات السياسات التنموية السياسية السائدة في توفير فرص العمل وإطلاق عملية تنموية مستدامة سيبقى مليئا بالتوترات، ما لم يترافق الانتقال الديموغرافي مع انتقال مؤسسي قائم على فهم خيارات التنمية؛ وتُعد الهجرة الفعلية والهجرة الاحتمالية في وقت واحد من أبرز نتائج هذا التوتر.

(المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)

فيمكن ملاحظة عديد تجارب الدول وخاصة العربية، والتي عرفت التطور  الديمغرافي الكبير، ولكن هذا التطور لم يقابله الاهتمام اللازم للشباب والباحثين عن فرص العمل، وكذا الاستماع لانشغالاتهم في إطار مواطنة حقيقية لا يتم فيها اقتصاد المواطنين للمشاركة في الشأن العام، فالمهم ليس فقط العدد الكبير للسكان، بل  المسألة في كيفية استيعاب الزيادة المتواصلة  للشباب في المجتمع وإشراكهم  في عملية تنموية حقيقية تستثمر طاقاتهم، فهم يستفيدون في تحسين وترقية وضعهم الاجتماعي، ومجتمعاتهم تستفيد كذلك، وكذا جعل مساهمتهم فعالة  في الفضاء العمومي، والاهتمام بالمواطنين ليس  في التشغيل وحسب، بل جميع المجالات وبما يمكن من تحقيق التنمية المستدامة للدولة.

2ـ الأسباب الاقتصادية والاجتماعية: تتمثل في انتشار مظاهر البطالة وانخفاض الأجور وتدني مستوى المعيشة للمهاجرين بطريقة غير شرعية في بلدانهم الأصلية، حيث يتميز الدافع الاقتصادي بقدرته الكبيرة على التأثير على قرار الهجرة، كما أن الثقل النسبي للعامل الاقتصادي يحدد من جهته شرعية الهجرة كهجرة دائمة أو مؤقتة، فالنسبة الغالبة من المهاجرين تستقر في بلاد المهجر سواء تمثل ذلك في الهجرة بصورتها المؤقتة أو في صورتها غير الشرعية، كما ترتبط الدوافع الاجتماعية بالدوافع الاقتصادية ارتباطا طرديا، فالبطالة وتدني مستوى المعيشة على الرغم من كونها عوامل اقتصادية إلا أنها ذات انعكاسات  اجتماعية ونفسية لها أثرها على الفرد والمجتمع، (بوهالي و عزوز، 2018، الصفحات 165-179)

وفي الوقت الحالي تقدر الأمم المتحدة بأن ما نسبته 23% من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، (شتيوي، 2014، صفحة 06)فيما تحقق الهجرة غير الشرعية وعمليات تهريب البشر أرباحاً تصل إلى (404) مليار دولار وهو رقم كبير دفع بشبكات المافيا العالمية للعمل في هذا الميدان والتوسع فيه، (عامر، 2019)وأوصت اللجنة العالمية للهجرة الدولية بضرورة تبني مقاربة شاملة ومستديمة للتعامل مع الهجرة غير المشروعة، وأكدت أن الهجرة غير المشروعة هي وليدة الأبعاد الثلاثة والمعروفة ب- Les 3D -وهي التفاوت في التنمية، والنمو الديموغرافي، وضعف الحكم الراشد وحماية حقوق الإنسان. (عواشرية، 2015، الصفحات 139-164)

تساهم مظاهر انتشار البطالة وانعدام الأمل للحصول على مناصب مستقرة، وأحيانا تكون لفترة طويلة دون الوصول لأي حل، وحتى في حال وجود منصب عمل يكون المقابل من حيث الأجر متدنيا وغير كاف  للوصول لمستوى معيشي لائق يحفظ كرامة الفرد وعائلته بدولته الأصلية، فتوفر مثل هذه الظروف يجعل منها دافعا كبيرا لاتخاذ قرار الهجرة غير الشرعية، فالأسباب الاقتصادية لها الأثر الكبير على اتخاذ قرار الهجرة غير النظامية والمجازفة بحياة الإنسان عبر البحر المتوسط في قوارب للموت، كما أن الأفارقة المجازفين بحياتهم فهم قبل الوصول إلى المنطقة المغاربية كمنطقة عبور قد جازفوا بحياتهم عبر الصحراء ومنطقة الساحل المليئة بالتهديدات، ولكن هذه الأسباب ليست الوحيدة .

3ـ الأسباب السياسية والأمنية والبيئية:هناك عوامل سياسية تدفع نحو الهجرة كالطابع الشمولي الذي تتسم به بعض أنظمة الحكم، وانتهاك الحقوق السياسية وعدم احترام حقوق الإنسان، هي كلها ظواهر تم تحديدها على نطاق واسع بأنها مصادر لانعدام الاستقرار السياسي والعنف والتطرف، فضلا على أن بعض البلدان تعاني الفساد البنيوي على المستويات الاقتصادية والسياسية.

(شتيوي، 2014، صفحة 06)

كما أن انتشار التدخل العسكري والحروب وسيادة نظم الديكتاتورية من مسببات الهجرة غير النظامية، فهي تعبير عن السخط على وضعية الحرمان السياسي وفقدان حرية التعبير وغياب حقوق الإنسان واحترام الحريات العامة، والهجرة غير النظامية رغبة للبحث عن ملجآ آمن يحقق لهم الكرامة الإنسانية وحرية التعبير عن الذات، كما أن البيئة القاسية وتهديد الكوارث تشكل عوامل طرد للسكان، وانتشار الجفاف والمجاعات والأوبئة، كما جعلت القوانين الأوربية الصارمة للهجرة النظامية بعض الشباب يسلك الطريق غير القانونية للوصول لأوربا.

(بوهالي و عزوز، 2018، الصفحات 165-179)

وبالإضافة للأسباب السابقة يمكن إدراج تأثير العولمة ووسائل الإعلام والاتصال الحديثة والصراع الدولي على مناطق النفوذ والموارد وغيرها من الأسباب، وكلها تدفع المهاجر بالمجازفة بحياته بهدف البحث عن مكان آخر لحفظ كرامته، قد تكون بعضها أو جلها سببا لها، فالسبب هو اختلال كبير للوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمهاجر، ومعاناته من البطالة أو التشغيل الهش، وعدم توفر فرص عمل حقيقية لفترات طويلة، وقد تكون الأجور والمداخيل متدنية وغير كافية للعيش الكريم، والمناسبة لتوفير السكن وتلبية مطالب الحياة المعاصرة له ولأسرته إن كان له أسرة أو تكوينها في حالة كونه أعزبا، كما أن انتشار الفساد والاستبداد يفقد الأمل للمهاجر في تحسين وضعيته والعيش بكرامة في وطنه، فقد يعاني الظلم والقهر دون حماية قانونية وقضائية، فالغالب في هذه الوضعية  غياب احترام الحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان، وعدم استقلالية العدالة وضعف الاحتكام للقانون، ومن الأسباب عدم الاستقرار السياسي الداخلي والثقة بين الحاكم والمحكوم، وقد تكون الصراعات المسلحة والحروب الأهلية والصراع الطائفي .

المحور الثاني: واقع الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط

تشكل المغرب والجزائر وليبيا بلاد عبور، والمغرب المحطة الرئيسة للتسلل إلى أوروبا نظراً لقربها الجغرافي من إسبانيا، حيث يمكن من طنجة رؤية الساحل الأوروبي بالعين المجردة.

(علو، 2009، صفحة 73)

أولا ـ مسارات الهجرة غير الشرعية بالمتوسط:

من خلال الخريطة التالية سيتم توضيح المسارات التي تتبعها رحلات تهريب المهاجرين عبر البحر المتوسط:

  الخريطة 1: مسارات الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط

المصدر: (Organisation internationale pour les migrations، 2019)

يلاحظ من خلال الخريطة استغلال شبكات تهريب المهاجرين لسواحل الضفة الشمالية للمتوسط القريبة جدا من السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وخاصة في حالات اسبانيا وايطاليا واليونان وقبرص   وانطلاقها من قبل في الحالة الإفريقية من دول الساحل الإفريقي، ومرورها بدول شمال إفريقيا.

     وتعد جزيرة "لا مبيدوزا " الايطالية مركزا مهما لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين القادمين من جنوب المتوسط، حيث شهدت الجزيرة العديد من حوادث الغرق لعشرات المهاجرين غير الشرعيين، ففي أكتوبر 2013غرق على سواحلها حوالي 360شخص. (دخالة، 2014، الصفحات 123-154)

ثانيا –ضحايا الهجرة غير الشرعية بالبحر المتوسط: تتسبب الظاهرة في مأساة تختلف أعداد ضحاياها من عام لآخر:

1ـ إحصائيات وفيات الهجرة غير الشرعية بالبحر المتوسط

   وبخصوص الوفيات أثناء مسار الهجرة غير الشرعية، سيتم مقارنتها مع حالات الوصول إلى السواحل الأوربية حسب البيانات المتوفرة من المصادر ذات الاهتمام بهذا الموضوع، وتظهر من خلال الخريطة التالية:


الخريطة 2: الوفيات والوصول للهجرة نحو أوربا عبر المتوسط.

المصدر:  (لوكان، 2017)

فمن خلال الخريطة يظهر لنا توزيع حالات الوصول وكذا الوفاة للمهاجرين بطريقة غير شرعية عبر البحر الأبيض المتوسط سنة 2016، بكل من قبرص، اليونان، ايطاليا، اسبانيا، والتي تناقص عددها الإجمالي المقدر ب 161010سنة 2017مقارنة بسنة 2016حيث تم تسجيل 363401حالة وصول، أما بالنسبة للوفيات فقدرت ب 2993حالة وهو كبير جدا، ويعبر عن مأساة حقيقية بحوض البحر الأبيض المتوسط.

حيث جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية أنه "نظرا لانعدام عمليات الإنقاذ، تقريبا، خلال النصف الأول من سنة2017، كانت هذه السنة، الأكثر دموية في تاريخ البحر الأبيض المتوسط"، فمنذ ربيع سنة 2016، تراجعت نسبة أعداد المهاجرين المارين عبر حوض المتوسط باتجاه أوروبا، وحافظت على استقرارها مقارنة بسنة 2014، كما ارتفعت عدد الرحلات، وانتهى أغلبها بكارثة مأساوية، وأكدت العديد من الإحصائيات الصادرة في سنة 2015، أنه خلال تلك السنة، ارتفعت أعداد رحلات الموت بشكل كبير عبر حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي الآن ذاته، تزايد عدد القتلى والمفقودين، لكنها تعد أقل دموية مقارنة بسنة 2016، نظرا لعمليات الإنقاذ المكثفة تحت إشراف الأمم المتحدة، ووفقا للأرقام الصادرة، بلغ عدد القتلى والمفقودين في الفترة الممتدة بين شهر يناير وجوان سنة 2015وسنة 2016، قرابة 5000شخص، ويعكس هذا الارتفاع في عدد الوفيات التي تم إحصاؤها خلال سنة 2016، الصعوبات التي تحيط بظروف الرحلات لاجتياز البحر الأبيض المتوسط، ويعزى ذلك أساسا إلى هشاشة القوارب المستعملة في الرحلات، من جانب آخر، عمد المهربون إلى استخدام قوارب مطاطية، في ظل حملات مكافحة التهريب التي تقودها الدول الأوروبية.

(لوكان، 2017)

كما اعتبرت المنظمة الدولية للهجرة، البحر المتوسط، "المنطقة الأكثر دموية في العالم"، مشيرة إلى أنها شهدت غرق نحو 33ألف شخص وهم يحاولون الوصول إلى شواطئ أوروبا منذ عام 2000وحتى نوفمبر 2017، وقالت المنظمة، أن 33761مهاجراً على الأقل جرى الإبلاغ عن وفاتهم أو فقدانهم في البحر المتوسط بين عامي 2000و2017، ونحو 161ألف مهاجرا ولاجئا وصلوا إلى أوروبا بحراً في 2017، 75% منهم إلى إيطاليا، في حين توجه الباقون إلى اليونان وقبرص وإسبانيا، بينما غرق نحو ثلاثة آلاف آخرين، وهذا العدد يفسر حجم المأساة الإنسانية الفعلي، حتى وإن كان العدد القياسي لوفيات المهاجرين بدأ يتراجع في عام 2017، وهذا نتيجة لعوامل كثيرة منها التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وليبيا، ويؤدي إغلاق الطرق الأقصر والأقل خطورة للهجرة غير الشرعية إلى فتح طرق أطول وأكثر خطورة، ما يزيد من احتمال الموت في البحر، وخلص التقرير إلى أن غياب المسارات القانونية لطالبي اللجوء أدى إلى زيادة أعداد الوافدين عن طريق البحر على طول طرق شرق ووسط وغرب البحر الأبيض المتوسط ​​منذ عام 2009. . (الهجرة الدولية"، 2019)

2ـ تراجع المهام البحرية للبحث والإنقاذ وأثرها على زيادة ضحايا الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط:

أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن عدد الضحايا على مسار الهجرة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي ارتفع بأكثر من الضعف في 2018، في ظل تراجع المهام البحرية للبحث والإنقاذ في عام 2018، بلغ معدل الوفيات واحدا من بين كل 14مهاجرا عبروا  طريق البحر الأبيض المتوسط بين ليبيا والاتحاد الأوروبي، وكان المعدل واحدا من بين كل 38في 2017، ومنذ تولي الحكومة الشعبوية الحكم في إيطاليا في جوان 2018وشروعها في إبعاد سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحقوقية، فإن المهاجرين الذين يتم إنقاذهم من البحر كثيرا ما كانوا يجدون أنفسهم محل نزاع بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن الدولة التي يتم السماح بإنزالهم فيها، وذكرت المفوضية أن إجمالي عدد المهاجرين الذين عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا عام 2018بلغ نحو 117ألف شخص، وتوفي في البحر المتوسط 2275على الأقل، مقارنة بـ 172ألف مهاجر عبروا إلى أوروبا عام 2017ووفاة 3139شخصا، وحسب المفوضية، فإن البحر المتوسط شهد موت ستة أشخاص يوميا في المتوسط عام 2018، وبينما ارتفع معدل الوفيات على المسار المركزي، تراجع المعدل قليلا في بقية أنحاء البحر من واحد من بين كل 55إلى واحد من بين كل 51من الواصلين، وبينما تراجع عدد الواصلين إلى إيطاليا بـ80% إلى 23400شخص عام 2018، زاد عدد الواصلين إلى إسبانيا بأكثر من الضعف إلى 65400كما ارتفع إلى اليونان بـ 45% إلى 50500.

 (DW, 2019)

كما حملت منظمة “سي ووتش” للإغاثة والإنقاذ الألمانية في أكتوبر 2018، إيطاليا مسؤولية ارتفاع حالات الغرق بين المهاجرين في البحر المتوسط، وبأن حالات الوفاة بين هؤلاء المهاجرين بلغت في سبتمبر2018نحو 20%، وأن مهاجرا من بين كل خمسة يحاولون عبور المتوسط، يلقى حتفه، ما جعل معدلات الوفاة بينهم قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وأن سياسة إيطاليا الخاصة برفض رسو سفن الإنقاذ غير الإيطالية على سواحلها، كانت سببا في زيادة وفيات المهاجرين بالبحر المتوسط. وأن عملية عبور البحر المتوسط بصورة غير قانونية من ليبيا إلى إيطاليا صارت خطرة على المهاجرين بدرجة غير مسبوقة، وتستند منظمة على أبحاث قام بها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، الذي أثبت بناء على إحصائيات رسمية للأمم المتحدة وتقديرات العاملين بالمعهد ذاته أن معدلات الوفاة خلال الرحلات البحرية من ليبيا إلى إيطاليا وصلت في سبتمبر2018إلى 19%. وكانت هذه النسبة تتراوح خلال الأشهر السابقة ما بين 0.1% إلى 8% كحد أقصى، وفق المصدر ذاته. ويستند المعهد في ذلك إلى أعداد المتوفين والمفقودين مقارنة بمن يصعدون إلى مراكب المهاجرين بصورة غير قانونية من سواحل ليبيا. وتقول بيانات المنظمة الدولية للهجرة إن عدد من لقوا حتفهم خلال 2018  حتى شهر أكتوبر بلغ ألف و777شخصا خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط بصورة غير قانونية، مقارنة بألفين و749العدد الذي سجل عام 2017في الفترة ذاتها.إلا أن العدد الكلي لمن خاضوا رحلة الهجرة خلال العام الماضي كان أعلى بكثير من العدد الكلي للعام الجاري،  (منظمة الاغاثة، 2018)

وهنا يظهر مدى تأثير الأزمة الليبية على تزايد مأساة الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط، ومدى خطورة السياسات المتبعة من طرف الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة، وعدم مراعاتها للبعد الإنساني في التعامل مع هذه المسالة. 

المحور الثالث: واقع الهجرة غير الشرعية في الجزائر:

رغم كل ما تتميز به الجزائر من خصائص للجذب إلا أنها تعد من مراكز انطلاق وعبور موجات الهجرة غير الشرعية نحو أوربا.

أولاـ مكانة الضفة الجنوبية للمتوسط كمصدر للهجرة غير النظامية:    تعتبر منطقة جنوب المتوسط خاصة وإفريقيا بصفة عامة من أهم المناطق المصدرة والمستقبلة للاجئين بسبب الحروب وعدم الاستقرار السياسي الذي تعرفه باقي دول المنطقة، وفي هذا الإطار  تعد منطقة المغرب العربي منطقة عبور للاجئين والمهاجرين القادمين من دول إفريقية أخرى خاصة من منطقة جنوب الصحراء والبحيرات الكبرى، فالمملكة المغربية تعد نقطة عبور رئيسية نحو إسبانيا عبر مضيق جبل طارق وقد سجل ما بين سنة 1997إلى سنة 2001حوالي 3286ضحية غرقت في المضيق والجزائر وتونس وليبيا هي الأخرى مناطق عبور للمهاجرين القادمين من إفريقيا السوداء حيث أصبحت تعرف انتشارا ملفتا للمهاجرين الأفارقة. (دخالة، 2014، الصفحات 123-154)

ثانيا ـ الهجرة غير الشرعية انطلاقا من الجزائر: وتعتبر سنة 2007المأساة الجزائرية بامتياز حيث سجلت بها أكبر عدد رحلات المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة أنه تم انتشال 83جثة أي أكثر من 60%. (بوهالي و عزوز، 2018، الصفحات 165-179)

   احتلت الجزائر المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر إقبالا على الهجرة غير الشرعية الى أوروبا، بمعدل 6٪ من مجموع المهاجرين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا ما بين شهري جويلية وسبتمبر 2017، حسب تقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، ووفقا لذات المصدر فإن معدل الهجرة غير الشرعية للجزائريين نحو أوروبا، يضع الجزائر في المرتبة الخامسة بعد سوريا (15٪)، والمغرب (9٪)، ونيجيريا والعراق (7٪ لكل منهما،)  بالإضافة إلى ذلك، شكل الجزائريون 18٪ من المهاجرين الوافدين إلى إسبانيا في شهر جويلية 2017، و13٪ شهر أوت ليرتفع الرقم إلى 25٪ شهر سبتمبر، أرقام وضعت الجزائر في المركز الثاني من الوافدين إلى إسبانيا، بعد المغرب، حيث كانت السلطات الإسبانية قد سجلت وصول 5،924مهاجرا عن طريق البحر، و1،792برا، خلال صيف 2017، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 90٪ مقارنة بالفترة نفسها عام 2016، بالمقابل تم تسجيل عبور 29،700مهاجرا من مختلف الجنسيات عبر البحر الأبيض المتوسط مرورا لإيطاليا وإسبانيا، خلال الربع الثالث من عام 2017، من بينها 7،800إلى إسبانيا و21،700إلى إيطاليا، فيما وصل عدد المهاجرين غير النظاميين الى هاتين المنطقتين 122،200مهاجرا خلال عام 2017. (الجنسيات، 2019)

ثالثاـ الجزائر من بلد منشأ وعبور للهجرة غير المشروعة إلى مقصد لها:احتلت الجزائر مكانة متنوعة من حيث الهجرة غير المشروعة، فبعد أن عدت بلد منشأ وعبور لها أضحت مقصدًا لها بفعل عوامل متعددة:

1ـ  الجزائر كبلد منشأ وعبور للهجرة غير المشروعة: عرفت الظاهرة انتشارًا واسعًا منذ أواخر القرن الماضي؛ وذلك راجع إلى سياسة غلق الحدود التي اتخذتها أوروبا بمقتضى اتفاقية شنغن1995، وفرض الرقابة من أجل منع تدفق المهاجرين، وكذا تسوية وضعية المهاجرين الذين لا يحملون وثائق،  حيث أثر  هذان الإجراءان على حدة الظاهرة، وقد يتسلل المهاجرون غير الشرعيين إلى البواخر الراسية في المواني، وجاء في إحصاءات مصالح ميناء وهران أن شرطة الحدود تمكنت في الفترة  الممتدة من يناير إلى أكتوبر عام 2008من توقيف300شاب متلبس في محاولة لامتطاء السفن أو في مناطق ممنوعة من الميناء تحسبًا للرحيل متى أتيحت الفرصة.

  ووجد المهاجرون الأفارقة في اتساع الحدود الجزائرية ضالتهم في الدخول برًا إلى الجزائر لينتقلوا بعدها إلى المناطق الغربية الشمالية، حيث يجدون شبكات للتهريب في انتظارهم ليتسللوا إلى المغرب وبعدها إلى السواحل الإسبانية، وأشارت وزارة الداخلية الإسبانية عام 2007إلى أن ما يقارب 56ألف مهاجر غير نظامي داخل التراب الإسباني، في الوقت الذي تم طرد ما يفوق 200ألف مهاجر قبل وصولهم إلى الحدود الإسبانية، وقد يقارب مليونًا ونصف مليون مهاجر غير نظامي قادم من دول المغرب العربي والساحل الإفريقي ، وشهد عام 2009تناميًا لظاهرة الهجرة غير المشروعة بالرغم من تزامنه مع صدور القانون الجديد المجرم للظاهرة، وقد نالت هذه الظاهرة فئات أخرى بعد الشباب كالأطفال والفتيات.

2ـ الجزائر كبلد مقصد للهجرة غير الشرعية:منذ عام 2000وبفعل الغلق المرحلي لحدود بلدان الاتحاد الأوروبي في وجه الهجرة، وكذا عملية انتعاش التنمية التي عرفتها الجزائر لم تعد هذه الأخيرة كبلد منشأ وعبور للهجرة غير الشرعية، وإنما أضحت تشكل بلد مقصد للكثير من المهاجرين الذين جاؤوا للاستقرار، أو لأولئك الذين لم يسعفهم الحظ في الوصول إلى الضفة الأخرى، فاستغلوا اتساع مساحة الدولة للتخفي والاستقرار، ولو مؤقتًا بصفة غير مشروعة منتظرين الفرصة للهجرة، فقد أشار رئيس قسم الشرطة القضائية لقيادة الدرك الوطني إلى أن الجزائر تحولت من بلد عبور إلى بلد استقرار ل 70% من المهاجرين غير النظاميين.  (عواشرية، 2015، الصفحات 139-164)

    وهناك الكثير من المشاكل المترتبة عن تواجد الأجانب في الجزائر بطريقة غير شرعية، فهناك مشاكل صحية وإمكانية استغلالهم من طرف الشبكات الإجرامية، وكذلك إمكانية استغلالهم من قبل أطراف آخرين بطرق غير قانونية، فلابد من حلول عملية تستهدف تسوية وضعية فئة منهم وإدماجها في سوق العمل، والفئة التي يمكن أن يترتب عنها ضرر للمواطنين فمن الأحسن ترحيلها، واحترام كرامة المرحلين ومعاملتهم بطريقة إنسانية. 

المحور الرابع: التكفل الدولي بظاهرة الهجرة غير الشرعية

   سيتم في هذا المحور متابعة الجهود العالمية والدولية للتكفل بظاهرة الهجرة غير الشرعية، من ناحية القانون الدولي والمؤتمرات المختلفة، وكذا الجهود الإقليمية للتعامل مع الهجرة غير الشرعية:

أولاـ قانون الهجرة الدولي: تخضع الهجرة بشقيها القانونية وغير الشرعية مثل بقية الظواهر ذات الأثر الدولي للقانون الدولي.

1-                       مرجعية المعايير والمبادئ الدولية المتعلقة بالهجرة:

-   المراجع الداخلية: تستمد المعايير والمبادئ الدولية المتعلقة بالهجرة مرجعيتها من سيادة الدولة، مثل الحق بالسماح بدخول المهاجرين واحتجازهم وطردهم، وبمكافحة الاتجار بالمهاجرين وتهريبهم، وبحماية الحدود، وبمنح الجنسية، ومن صكوك حقوق الإنسان، ويؤلف هذان العنصران الركيزتين الأساسيتين لقانون الهجرة الدولي.

-    فروع قانون الهجرة الدولي: تتوزع صكوك قانون الهجرة الدولية على عدة فروع من القانون الدولي، كالقانون الدولي لحقوق الإنسان، القانون الدولي الإنساني، قانون العمل الدولي، القانون الدولي للجوء، القانون الدولي الدبلوماسي والقنصلي، القانون الدولي الاقتصادي والقانون الدولي للبحار.

(الأمم المتحدة، 2018)

2-                      حدود حماية القانون الدولي للهجرة: تضمنت الوثيقة الختامية لمؤتمر الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية ضرورة أن يكون المهاجرون الحاليون أو المحتملون في إطار الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، وعلى بينة من مخاطر الهجرة غير القانونية، وقدم الاتفاق العالمي رؤية جامعة للهجرة الدولية للحد من حدوث الهجرة غير النظامية والتقليل من أثرها السلبي من خلال التعاون الدولي. (الأمم المتحدة، 2018، صفحة 12)

ثانياـ المؤتمرات والاتفاقيات والمنظمات لدولية للهجرة غير الشرعية: من بين هذه المؤتمرات والاتفاقيات يمكن ذكر:

  1- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية:اعتمدت وعرضت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 25في الدورة الخامسة والخمسون في 15نوفمبر 2000، الاتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون على منع الجريمة المنظمة عبر الوطنية ومكافحتها بمزيد من الفعالية، وتلزم الدول الأطراف بأن تنفذ الالتزامات الواردة في الاتفاقية على نحو يتفق مع مبدأ المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية للدول ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويلزمها باتخاذ ما يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال الخاصة بالأنشطة الإجرامية للجماعة الإجرامية بشتى الصور.

-2- بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البحر والبر والجو: الصادر بالقرار رقم 25للجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر عام 2000والمكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة غير الوطنية.

  3- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم: الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 158في 18ديسمبر 1990.  

4-  القرار الصادر عن المؤتمر الحادي والثلاثين لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر: الذي عقد في جنيف عام 2011، وتضمن دعوة الدول إلى التشاور مع الجمعيات الوطنية للهلال والصليب الأحمر من أجل ضمان وجود قوانين وإجراءات تمكن الأخيرة من الوصول الفعلي والآمن لجميع المهاجرين دون تمييز،

(بوهالي و عزوز، 2018، الصفحات 165-179).

       كما يضاف لذلك دور المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بالهجرة غير الشرعية نحو أوربا: منظمات الأمم المتحدة مثل: مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (HCR)، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (HCDH)، ومنظمات أخرى مثل: الاتحاد الدولي لمؤسستي الصليب الأحمر والهلال الأحمر FISCR، المنظمة الدولية للهجرة OIM، محطةمعاونة المهاجرين في الخارج، الصليب الأحمر الأوربي، لجنة الإنقاذ الدولي، وغيرها من المنظمات الدولية التي تعمل بصفة جدية للتكفل بتداعيات الهجرة غير الشرعية.

ثالثا ـ الجهود الإقليمية للتعامل مع الهجرة غير الشرعية: وسيتم تناول الجهود المتعلقة بحوض البحر الأبيض المتوسط:

1-    اتفاق خمسة + خمسة:أعلن هذا المسار سنة 1990م، ويضم الدول المغاربية الخمس من جهة، ودول شمال البحر الأبيض المتوسط (فرنسا، إيطاليا، اسبانيا، البرتغال ومالطا) من جهة أخرى، ركز على الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية بفرق أمنية لتعزيز الرقابة على المستويين المغاربي والأوروبي مجهزة بأحدث وسائل الاتصال والمراكب البحرية السريعة حتى يتم رصد الفارين من أوطانهم وملاحقتهم، وقد تم تشديد الحراسة على الحدود الأوربية والإفريقية كخطوة تهدف إلى تحصين القارة الأوروبية من تسلل المهاجرين غير الشرعيين والحد من ظاهرة قوارب الموت.

2-    اتفاق الشراكة الأورو متوسطي (مسار برشلونة 1995م): وتعد الهجرة غير الشرعية من أهم محاور الشراكة، حيث أعلنت أوروبا تعزيز وسائلها الردعية ضد المهاجرين غير الشرعيين، وعمل الاتحاد الأوربي على تقديم الإعانات المادية للدول المصدرة للهجرة قصد تحقيق تنميتها لتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، وقدم الاتحاد الأوروبي مبلغ قدره 4.60مليار أورو للدول المتوسطية كمساعدة مالية للمساهمة في تحمل جزء من تكاليف الانفتاح الاقتصادي عن طريق صندوق الاتحاد في إطار برنامج MEDA1بالنسبة للفترة الممتدة من 1995إلى 1999.

3ـ الاتفاقيات الثنائية:  سعى الاتحاد الأوروبي إلى عقد لقاءات واتفاقيات ثنائية بينه وبين كل دولة من الدول المغاربية، ومحاولة التأثير في سياساتها الداخلية بتضييق الخناق على المهاجرين غير الشرعيين، مثل الاتفاقية المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي لضمان عودة المهاجرين المتواجدين بصورة غير قانونية على الأراضي الأوروبية، وباحترام حقوقهم الإنسانية والتعاون للتخفيف من هذه الظاهرة، كما أبرم الاتحاد الأوربي اتفاقية مع المغرب عالجت مسألة الأشخاص الموجودين بصفة غير قانونية وضمان عودتهم، والتعاون لتخفيف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المغرب، وقامت إيطاليا بعقد اتفاقية مع ليبيا سنة 2000م حول موضوع الهجرة غير الشرعية، وفي عامي 2003و2004م اتسعت الشراكة الإيطالية الليبية لتشمل تمويل إيطالي لبرامج احتجاز وإعادة توطين المهاجرين غير النظاميين إلى ليبيا.   (طعيبة و حجاج، 2016، الصفحات 24-43)

 وعقدت اتفاقية بين ايطاليا والجزائر لتبادل المعلومات حول تدفق الهجرة غير الشرعية وكذا المنظمات الإجرامية التي تساعدها، والكيفيات العملياتية والممرات التي تسلكها، والمساعدة المتبادلة والتعاون في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية. (الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، 2007، صفحة 04)

والملاحظ في هذا الشأن أن الطرف الأوربي تهمه فقط مصالحه، ولا ينظر لهذه الظاهرة من ناحية حقوق الإنسان، أو التعامل مع أزمة تهدد فئة بشرية، بل يركز على القمع وغلق الحدود، ولا يستقبل إلا العقول والطاقات التي يحتاجها في تنميته.

4ـ على مستوى الاتحاد الإفريقي: تم وضع خطة عمل للتعاون في مجال الهجرة غير المشروعة سمي ببرنامج «مواطنو إفريقيا»، ويهدف إلى أن تكون إستراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه إفريقيا تنصب في تمويل التنمية، ورفض الهجرة الانتقائية للكفاءات، بحيث يحقق هذا التعاون التزام الدول الأوروبية تجاه إفريقيا بتحقيق شراكة فعلية قائمة على احترام المصالح المشتركة التالية:

ـ تشجيع التعاون مع مصالح الأمن من أجل ضمان مراقبة أفضل للحدود.

 ـ تشجيع التعاون بين البلدان الإفريقية من أجل مكافحة شبكات استغلال الهجرة غير الشرعية.

 ـ إنشاء قاعدة بيانات حول طبيعة وأهمية وآليات إدارة الهجرة غير المشروعة.

 ـ تشجيع جميع المبادرات التي من شأنها تحسين حال سكان الحدود.

   كما أبرمت الجزائر اتفاقات ثنائية مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا تتعلق بترحيل المهاجرين غير النظاميين، وتدعيم القدرات الجزائرية في مجال التحكم في الهجرات. (عواشرية، 2015، الصفحات 139-164)

5: مظاهر التعاون المغاربي في التخفيف من وطأة الهجرة غير الشرعية

   أثرت الهجرة غير الشرعية على الدول المغاربية، ووضعت الجزائر وليبيا وتونس الإجراءات الصارمة لمكافحتها، والدخول في اتفاقيات تعاون مع أوربا، إلا أنها لم تحقق الأهداف المنظمة وأصبحت عاملا سلبيا أثر على المجتمعات المغاربية، وتأسيسا على ذلك فإن تغير مفهوم الأمن هو ما تعلق بأمن مجموعة من الدول المرتبطة ببعضها البعض مثل دول جنوب غرب المتوسط ، فالأمن في هذه المنطقة مرتبط بتماسك النظام وقدرته على التكيف مع المستجدات الأمنية في بيئته سواء الداخلية أو الخارجية ، وذهب في هذا التوجه "باري بوزان" في استخدامه المجتمع الأمني لتسهيل التحليل الأمني في نطاق الإقليم، حيث اعتبره يتضمن مجموعة من الدول ترتبط منه اهتماماتها الأمنية الأساسية مع بعضها بدرجة وثيقة، بحيث أن أوضاعها الأمنية الوطنية لا يمكن النظر إليها واقعيا بمعزل عن بعضها البعض، فتغير مفهوم  الأمن من شأنه أن يؤثر على تفسير طبيعة العلاقات بين دول غربي المتوسط فيما يخص موضوع الهجرة غير الشرعية،

(الحمروني، 2015، الصفحات 107-108)

فالدول المغاربية مطالبة بالتعامل مع مشاكلها الأمنية والحلول الممكنة لهذه المشاكل بصفة جماعية، ويمكن لها بهذه الطريقة تجاوز أزماتها، والتعامل مع الطرف الأوربي ككتلة موحدة، مما يزيد من قيمته التفاوضية.

لم يلق ملف الهجرة غير الشرعية ذات الاهتمام على المستوى المغاربي مقارنة بالدول الأوروبية، وما يسجل من جهودها في محاربة الهجرة غير الشرعية نذكر اجتماع وزراء داخلية دول اتحاد المغرب العربي في 21أفريل 2013بالرباط، وتناول العديد من المحاور، نذكر منها:

1-الحد من التدفقات غير الشرعية للمهاجرين دون المساس بكرامتهم في إطار مغاربي تنموي ومتوازي.

2-   تكثيف الجهود في إطار المسؤولية المشتركة للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وجرائم الاتجار بالبشر وذلك بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين والمنظمات الدولية المعنية من أجل ضمان معالجة أفضل لتدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد المغاربي التي تحولت إلى بلدان استقرار مع ما يترتب عن ذلك من أعباء مادية ومعنوية بالنسبة لها.

3ـ   بلورة إستراتيجية مغاربية حول الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.  (طعيبة و حجاج، 2016، الصفحات 24-34)

فينبغي تحقيق هذه الأهداف في الأمر الواقع، وليس فقط التصريح لوجود جهود وحدوية، والبحث عن أسباب لتعثر هذه الجهود.

فالانعكاسات الأمنية السلبية للظاهرة مست دول الضفة الشمالية والجنوبية للمتوسط، وعملية التنقل الأكثر خطورة على حياة وصحة المهاجرين غير النظاميين شكلت بدورها تهديدا لدول العبور والدول المستقبلة لهم، فالأرقام تدل على انتشار كبير للأمراض الخطيرة وارتفاع الكثافة السكانية، وتقاطع شبكات تهريب البشر بالتهريب بكل أنواعه، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة، ورغم خطورة الظاهرة إلا أن الآليات التي يتم بها معالجتها تتسم بالانتقائية والحرص على التوجيهات الغربية، فالمصالح الغربية تركز على تهجير الأدمغة للاستفادة منهم وكذا منع وصول كل ما يشكل تهديدا أمنيا لدولها، فرغم الخطابات الغربية في المحافل الدولية لاحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، إلا أن التسيير البوليسي هو الغالب على هذه الظاهرة ويقوض فرص الحد منها.

المحور الخامس: المساهمات الجزائرية الخارجية والداخلية للتعامل مع تهديدات   الهجرة غير الشرعية:

عملت الجزائر على المستويين الداخلي والخارجي للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية:

أولا-ـ المساهمة الجزائرية الخارجية للتعامل مع تهديدات الهجرة غير الشرعية: ويدخل في هذا الإطار تصديقها على الصكوك والمعاهدات الدولية المتعلقة بالهجرة الدولية، وكذا جهودها بالتعاون مع الاتحاد الأوربي ودوله:

1-                       التصديق على الصكوك والمعاهدات الدولية المتعلقة بالهجرة الدولية.   سيتم متابعة التصديق على الصكوك والمعاهدات الدولية المتعلقة بالهجرة الدولية من خلال الجدول التالي:

 



جدول1: تصديق البلدان العربية على الصكوك الدولية المنعلقة بالهجرة الدولية حتى ماي 2017

المصدر: (الأمم المتحدة، 2018، صفحة 143)


ملاحظة:*مع تحفظات، )(s) توقيع، (a)انضمام، (d)خلافة، (r)  تصدي.

  تمت متابعة عمل الجزائر على التصديق على الصكوك والمعاهدات الدولية المتعلقة بالهجرة الدولية من خلال الجدول السابق، فالملاحظ من خلال الجدول أن الجزائر اهتمت بمعظم الصكوك والاتفاقيات الدولية الواردة في هذا الجدول:

    2- تصديق الجزائر على الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة الدولية:يظهر من خلال الجدول:



جدول2: تصديق البلدان العربية على الصكوك الدولية المتعلقة بالهجرة الدولية حتى ماي 2017/02

المصدر: (الأمم المتحدة، 2018، صفحة 143)


تمت متابعة عمل  الجزائر للتصديق على المعاهدات الدولية المتعلقة بالهجرة الدولية من خلال الجدول السابق، وهذا بالمقارنة مع بقية الدول العربية، فالملاحظ أن الجزائر  اهتمت بمعظم الاتفاقيات الدولية الواردة في الجدول مع اختلافات حسب كل حالة، وهذا باستثناء الاتفاقية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية لسنة 1961، وبروتوكول منظمة العمل الدولية المتعلق بالعمل الجبري 2014رقم 29، واتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمال المهاجرين 1975رقم 143، واتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمال المنزليين 2011رقم189.

3ـ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي: وقعت الجزائر على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في 2002وذلك بعد سلسلة من المفاوضات بدأت عام2001، والجوانب التي تنفرد بها اتفاقية الشراكة الأورو جزائرية هي كما يلي:

 ـ التعاون في المجال القضائي والقانوني ومكافحة الإرهاب والرشوة.

ـ دعم المؤسسات الجزائرية لتطبيق القانون وسير العدالة وترسيخ دولة القانون.

 ـ محاربة الجريمة المنظمة ومكافحة تبييض الأموال والمخدرات.

ـ تنقل الأشخاص والتأشيرة ، الهجرة بما فيها الهجرة غير المشروعة وإعادة القبول. (طعيبة و حجاج، 2016، الصفحات 24-43)

    فالطرف الأوربي دوما يفاوض على خدمة مصالحه، ويرغب في إبعاد مشكلة الهجرة غير الشرعية على حدوده.

ثانيا: المساهمة الجزائرية الداخلية للتعامل مع تهديدات   الهجرة غير الشرعية:

   اتخذت الجزائر العديد من التدابير، سواء تعلق الأمر بوضع قوانين أو مؤسسات أو برامج.

1- المستوى القانوني: يتمالتعامل مع المهاجرين بصفة غير شرعية كما يلي:

أـ الأجانب في وضعية الهجرة غير الشرعية: تم تحديث النصوص المتعلقة بوضعية الأجانب في وضعية غير قانونية، حيث حدد القانون رقم 08ـ 11، المؤرخ في 25  يونيو 2008، شروط دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم بها وتنقلهم فيها، وأجاز طرد الأجنبي الذي يدخل إلى الجزائر بصفة غير شرعية، أو يقيم بصفة غير قانونية على الإقليم الجزائري إلى الحدود بقرار صادر عن الوالي المختص إقليميا، إلا في حالة تسوية وضعيته الإدارية، وإحداث مراكز انتظار تخصص لإيواء الرعايا الأجانب الموجودين في وضعية غير قانونية، في انتظار طردهم إلى الحدود أو تحويلهم إلى بلدهم الأصلي، ويمكن وضع الأجنبي في هذه المراكز بناء على قرار الوالي، لمدة أقصاها ثلاثون يوما قابلة للتجديد، في انتظار استيفاء إجراءات طرده إلى الحدود أو ترحيله إلى بلده الأصلي، ويعاقب كل شخص جزائري يأوي أجنبيا ويغفل التصريح به بغرامة قدرها 5000دج. (الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، 2008، الصفحات 03-07)   

ب ـ  تجريم الخروج من التراب الوطني بطريقة غير قانونية:حيث تم تعديل الأمر رقم 66ـ 156، المؤرخ في 08جوان 1966، والمتضمن قانون العقوبات للتعامل مع حالات تهريب المهاجرين، ونص القانون على عقوبة الحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 20000إلى 60000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين ضد كل جزائري أو أجنبي مقيم يغادر الإقليم الوطني بصفة غير شرعية، أثناء اجتيازه أحد مراكز الحدود البرية أو البحرية أو الجوية، وذلك بانتحاله هوية أو باستعماله وثائق مزورة أو أي وسيلة احتيالية أخرى للتخلص من تقديم الوثائق الرسمية اللازمة أو من القيام بالإجراءات التي توجبها القوانين والأنظمة السارية المفعول، وتطبق نفس العقوبة على كل شخص يغادر الإقليم الوطني عبر منافذ أو أماكن غير مراكز الحدود، كما كيف القانون تهريب المهاجرين لكل عمليات تدبير الخروج غير المشروع من التراب الوطني لشخص أو عدة أشخاص من أجل الحصول بصورة مباشرة أو غير مباشرة على منفعة مالية أو أي منفعة أخرى، ويعاقب على تهريب المهاجرين بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة من 300000إلى 500000دج، كما يعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات، وبغرامة مالية من 500000إلى 1000000دج على تهريب المهاجرين مع توفر أحد الظروف التالية:

ـ إذا كان من بين الأشخاص المهربين قاصر.

ـ تعريض حياة أو سلامة المهاجرين المهربين للخطر أو ترجيح تعرضهم له.

ـ معاملة المهاجرين المهربين معاملة لا إنسانية أو مهينة.

كما يعاقب على تهريب المهاجرين بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبغرامة من 1000000إلى 2000000دج إذا ارتكب مع توافر أحد الظروف التالية:

ـ إذا سهلت وظيفة الفاعل ارتكاب الجريمة.

ـ إذا ارتكبت الجريمة من طرف أكثر من شخص.

ـ إذا ارتكبت الجريمة بحمل السلاح أو التهديد باستعماله.

ـ إذا ارتكبت الجريمة من طرف جماعة إجرامية منظمة.   

(الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، 2009، الصفحات 03-09)

    والملاحظ هو الحالات الإنسانية التي تمت مراعاتها للتشديد في العقوبات، والتركيز على حماية القصر وكذلك على حالات معاملة المهاجرين المهربين معاملة لا إنسانية أو مهينة، وإدراجها في  تشديد العقوبة تأكيد على مدى التركيز على الجانب الإنساني في جهود الجزائر للحد من الهجرة غير الشرعية، لكن رغم العقوبات السابقة وحالات التشديد على تهريب المهاجرين التي قد تصل عقوبتها في بعض الحالات إلى 20سنة سجنا وإلى 2000000دج كغرامة، فإنه لم يتم ثني الشباب عن الهجرة غير الشرعية ، فقد سجلت عام 2009  مستويات عالية للهجرة غير الشرعية، وكذلك السنوات التي تلت تطبيق هذه النصوص القانونية،  مما يدل أن هذا الحل لوحده غير كاف للحد من الهجرة غير الشرعية،  لذلك كان الاهتمام أيضا منصبا على بعد آخر مهم ، ألا وهو البعد الاقتصادي بوضع عدة مخططات اقتصادية من بين أهدافها إبعاد الشباب عن التفكير في الهجرة غير الشرعية، وإدماج الشباب ضحايا محاولات الهجرة غير القانونية في الحركة التنموية.

2ـ البعد الاقتصادي والتنموي:ركز الخطاب الرسمي على ضرورة الاهتمام بفئة الشباب، واتبعت الحكومات المتعاقبة إستراتيجية للتنمية المحلية وتوفير فرص  العمل ومكافحة البطالة، تمثلت في إيجاد أكثر من 450000منصب شغل سنويًّا وتخفيض نسبة البطالة إلى أقل من 9بالمائة، وهذا منذ2009، وبالرغم من هذه الجهود وكل الفرص التنموية عبر مخططات الإنعاش الاقتصادي الذي صرف عليه 1200مليار دولار ابتداء من سنة 2001، فإن مستويات الهجرة غير المشروعة ظلت على حالها، وربما يعزى ذلك إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة وفي البرامج التنموية المتاحة والتي تأثرت سلبا بالفساد المستشري بالإدارات العمومية، كما أن فئة كبيرة من فرص التشغيل كان ذا طابع هش مثل عقود ما قبل التشغيل .

3- البعد المؤسسي: جندت الدولة قوات الجيش الوطني الشعبي والدرك الوطني والشرطة، المتمثلة في مجموعة حراس الحدود وحرس السواحل ومصالح شرطة الحدود، حيث تسهر على المداومة في مراقبة الحدود. كما أنشأت المديرية العامة للأمن الوطني الديوان المركزي لمكافحة الهجرة غير المشروعة، وهو جهاز مركزي للقيادة والتنسيق بين مختلف الفرق الجهوية للتحري بصفته مؤسسة للإشراف والتنسيق. كما أنشئت الفرق الجهوية للتحري حول الهجرة غير المشروعة التي من مهامها متابعة شبكات الهجرة غير المشروعة.

4ـ الصعيد التقني: تم تجهيز السواحل الجزائرية بنظام مراقبة متطور : الجهاز المندمج VITMSاستجابة لمطالب كثيرة، بل لضغوط أوروبية، وهذه جملة الحلول التي اتخذتها الجزائر، وإن لم تؤتِ ثمارها في الحد أو التقليل على الأقل من حجم الظاهرة، إلا أنها مع ذلك تعبر عن صدق النوايا لوضع حد لهذه الظاهرة التي باتت تؤرق الجميع،  (عواشرية، 2015، الصفحات 139-164)

فالحلول الأمنية البوليسية لوحدها غير كافية للتحكم في ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فلابد من معالجة أسبابها الحقيقية، وبتوفير فرص العمل وترشيد الحكم، كما يجب مراعاة الظواهر المترتبة عنها ولا سيما تدني قيمة العمل لدى الشباب، فهم يبقون دائما في انتظار تحقيق حلم يراودهم للتنقل للضفة الأخرى من المتوسط للعمل بها، وان لم تتحقق هذه الأمنية فلن يرضى بأي عمل داخل بلده، وبانتشار مثل هذه الأفكار، تصبح الظاهرة كعامل تهديد للاقتصاد الوطني وربما تهديد للأمن الوطني في حالة استغلال هذه الفئة في أمور تهدد الأمن الوطني.

5ـ الجهود العملية لمكافحة الجزائر للهجرة غير النظامية:

أـ التدخلات الأمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية:

      وبحسب إحصائيات قوات البحرية فقد تم توقيف 1568شخصا 1380تم توقيفهم في البحر و180تم إنزالهم في الموانئ مقابل 2016لسنة 2006و355سنة 2005فيما بلغت عدد التدخلات 224تدخلا خلال سنة 2007مقابل 104تدخل سنة 2006و88تدخلا سنة 2008.

 (بوهالي و عزوز، 2018، الصفحات 165-179)

ب ـ ترحيل المهاجرين الأفارقة من الجزائر

   اعتبرت منظمات حقوقية أن استئناف الجزائر ترحيل المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء سيؤدي إلى "عواقب على حياتهم، وجرى ذلك "في الشارع ووسائل المواصلات وأيضا في مواقع العمل والأماكن التي يعيش فيها المهاجرون"، فمئات من المهاجرين القادمين من نيجيريا ومالي وساحل العاج وليبيريا وغينيا اعتقلوا، وتم نقلهم إلى مركز احتجاز في ضواحي الجزائر العاصمة، قبل نقلهم إلى مدينة تمنراست، على بعد حوالي ألفي كيلومتر جنوب العاصمة، ليتم نقلهم إلى الحدود مع النيجر، على بعد 400كيلومتر جنوبا، ويعيش في الجزائر نحو 100ألف مهاجر غير شرعي بحسب تقدير المنظمات غير الحكومية، معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد بينتفي أوت 2017أن عمليات ترحيل مهاجرين أفارقة من جنوب الصحراء "تندرج في إطار إجراءات اتخذتها الحكومة الجزائرية من أجل تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية ما وراء الصحراء لوقف نزوح المهاجرين غير الشرعيين الذي تواجهه الجزائر. (منظمة حقوقية، 2019)

فرغم أن الجزائر تعامل المهاجرين حسب ما تفرضه عليها الاتفاقيات وحسب إمكانياتها، إلا أنها بحاجة للمساهمة بفعالية للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وجهودها بحاجة للتقييم الموضوعي، والتعامل المباشر مع مسببات الظاهرة.

كما عملت الجزائر في جوارها الإقليمي (الجوار الإفريقي ـ والأوربي) على معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فهذه الظاهرة اتخذت منحاً آخر على المستوى الدولي بسب انتشار الحروب الأهلية والاضطهاد الممارس ضد الأفراد والجماعات بسبب الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي، وكانت أحد الأسباب لحركات هجرة قسرية، للانتقال من المناطق غير الآمنة، لاسيما بعد النزاعات التي خلفها الربيع العربي، للتوجه نحو مناطق أخرى أكثر أمنا وتوفيرا لفرص للحياة البشرية اللائقة..

الخاتمة

تناولت الدراسة الهجرة غير الشرعية، وهي ظاهرة تتعلق بأفراد تركوا أوطانهم بالمجازفة بحياتهم وعبور البحر الأبيض المتوسط بهدف البحث عن مكان آخر لحفظ كرامتهم، وتحقيق ما عجزوا عنه في بلدهم الأصلي، ويشهد البحر المتوسط مأساة إنسانية حقيقية  متواصلة حيث يشهد هذا البحر غرق وهلاك آلاف المهاجرين كل سنة، وطال تهديدهاالدول المغاربية وكذا الدول الأوربية، عملت الجزائر والدول المغاربية والأوربية على تنفيذ الإجراءات الصارمة لمكافحتها وهذا تفاديا لاستغلالها من طرف شبكات الجريمة المنظمة، وكذا التخوف من عمل شبكات تهريب البشر مع الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، وقامت الأطراف المتضررة من الظاهرة بالدخول في اتفاقيات تعاون، ورغم كل الجهود إلا أن الظاهرة متواصلة، فنتيجة للحلول وخاصة الأمنية منها فقد تراجعت أعداد المهاجرين غير الشرعيين ولكنها لم تتوقف، فالتحولات السياسية بدول المنشأ والعبور للهجرة غير الشرعية والمعبر بها بدول الطرد، يبقى لها التأثير أيضا على بقاء تداعيات الهجرة غير الشرعية عبر حوض البحر الأبيض المتوسط بسبب بقاء نفس الأسباب التي ساهمت في انتشار الهجرة غير الشرعية.

ـ استنتاجات

·  تساهم الكثير من الأسباب في الدفع بالشباب نحو الهجرة غير الشرعية منها الاقتصادية المتعلقة بغياب فرص العمل، والديمغرافية في العدد الكبير الذي لا تقابله فرص حقيقية للتنمية، وكذا الأمنية بعدم الاستقرار والحروب، والسياسية في عدم الثقة بين الحكام والمحكومين والفساد السياسي المستشري، وغيرها من الأسباب، والتي تختلف حسب المنطقة.

·  البحر الأبيض المتوسط يشهد مأساة حقيقية بسبب قوارب الهجرة غير الشرعية، والتي تتسبب في هلاك الآلاف سنويا، وجميع الأطراف متسببة في هذه المأساة بداية بدول الطرد التي تسببت في هروبهم ودول الجذب التي تتهرب من إنقاذهم.

·  تم التركيز كثيرا على الحلول الأمنية في التعامل مع الهجرة غير الشرعية، سواء من طرف الجزائر أو الأطراف الأخرى التي لها علاقة مباشرة بهذه الظاهرة، والجانب الأمني قد يقلل من الظاهرة ولكن لا يقضي عليها نهائيا، فهناك حاجة ماسة للتعامل مع الظاهرة من جذورها.

·   مراعاة الظواهر المترتبة عن الهجرة غير الشرعية، ولا سيما تدني قيمة العمل لدى الشباب، الذين يبقون في انتظار التنقل للضفة الأخرى من البحر المتوسط للعمل بها، وان لم تتحقق هذه الأمنية فلن يرضوا بأي عمل داخل بلدانهم، وبانتشار مثل هذه الأفكار تصبح الظاهرة كعامل تهديد للاقتصاد الوطني لدولهم

- اقتراحات: سيتمتقديم الاقتراحات التالية:

1. التعامل مع الأسباب الحقيقية للهجرة غير الشرعية بما يسمح من تطويقها والحد منها، وفق ما يقتضيه مبدأ سيادة الدولة على إقليمها، والحق في الانتقال المكفول في المواثيق الدولية والتشريعات الداخلية، وفي إطار الهوية الوطنية، وإيجاد حلول عملية لها وأن لا يتم التركيز فقط على الحلول الأمنية القمعية.

2. تشديد إجراءات عقاب شبكات تهريب البشر المعنية برحلات الهجرة غير الشرعية والتعاون مع الأطراف الخارجية في هذا الشأن.

3. إنشاء مراكز للدراسات ومخابر أكاديمية مهمتها إعداد دراسات حول الهجرة ويتم ترجمة أعمالها من خلال سياسات للدولة.

4ـ الشراكة مع الأطراف الخارجية التي تقدم إضافة فعلية للحد من هذه الظاهرة.

5ـ محاربة الفساد ونشر الحكم الراشد على المستويين المركزي واللامركزي والتحقيق الفعلي لاستقلالية القضاء هي حلول ضرورية للحد من الهجرة غير الشرعية.

6ـ ينبغي تناول انعكاسات الظاهرة على تقدير الجهد الفردي سواء في الجزائر والدول الأخرى، باعتبار الهجرة غير النظامية الحل السريع لكل المشاكل الاجتماعية بالمجازفة للوصول للدول الغربية، فالشباب يضيع سنوات من حياته للعيش في حلم قد لا يتحقق أو يقوده لحتفه

قائمة المراجع

 

DW. (2019).تفاقم عدد ضحايا مسار الهجرة بين ليبيا والاتحاد الأوربي الرابط: https://bit.ly/2TSq06b، تاريخ التصفح:11/03/2019،.

https://bit.ly/3v1GwgV,ت. ا.

الأمم المتحدة. (2018).الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، مراكش بالمغرب، جويلية 2018.

الأمم المتحدة. (2018).الاسكوا، المنظمة الدولية للهجرة، تقرير حالة الهجرة الدولية لعام 2017، طبعة 2018.

الأمم المتحدة. (2019).السكان. تاريخ التصفح:01/09/2020.الرابط: https://bit.ly/3v1GwgV.

الأمم المتحدة،. (1948).الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة 218ألف( د- 3)المؤرخ في 10كانون الأول ديسمبر 1948.

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. (2008).القانون رقم 08ـ 11، المؤرخ في 25يونيو 2008، المتضمن شروط دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم بها وتنقلهم فيها، الجريدة الرسمية، عدد 36، الصادر بتاريخ:02جويلية 2008، المواد:36ـ 38، ص.09.

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. (2009).القانون رقم 09ـ 01، المؤرخ في 25فيفري 2008، يعدل ويتمم الامر رقم 66ـ 156، المؤرخ في 08جوان 1966، والمتضمن قانون العقوبات، الجريدة الرسمية، عدد 15، الصادر بتاريخ:08مارس 2009، المواد:02و06، ص.03و07.

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. (2007).مرسوم رئاسي رقم 07- 374، مؤرخ في 01ديسمبر 2007، يتضمن التصديق على التعاون بين حكومة الجزائر وإيطاليا في مجال محاربة الإرهاب والإجرام المنظم والإبحار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية والهجرة غير الشرعية،. الجريدة الرسمية (الموقع بالجزائر 22نوفمبر 1999، الجريدة الرسمية، العدد77، الصادر بتاريخ:09ديسمبر 2007، المادة:01، ص.04.).

الجنسيات, ا. ا. (2019).الأكثر اقبالا على الهجرة غير الشرعية الى أوروبا، الرابط: https://bit.ly/3v9yCSB، تاريخ التصفح:11/02/ 2019.

الحمروني, ا. و. (2015).الهجرة غير الشرعية في دول غربي المتوسط.الإسكندرية: دار الفكر الجامعي.

المتحدة, ا. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة 218ألف( د- 3)المؤرخ في 10كانون الأول ديسمبر 1948، ص.02.

المتحدة, ا. (2019).السكان،.تاريخ التصفح:01/09/2019.الرابط: https://bit.ly/3v1GwgV.

المتحدة, الأمم. السكان. تاريخ التصفح:01/09/2020.الرابط: https://bit.ly/3v1GwgV.

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. (2017).أعمال المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية، 18 - 20آذار/ مارس 2017بالدوحة، الرابط: https://bit.ly/3pAoVLO.

الهجرة الدولية". (2019).البحر المتوسط "الأكثر دموية في العالم،.الرابط: https://bit.ly/2Tch8HY، تاريخ التصفح:10/04م2019.

بوهالي, ح., & عزوز, ن. (2018,ماي). "مكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال وسائل الإعلام دراسة تحليلية لجريدة الشروق اليومي أنموذجا خلال سنة 2017 ".مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية(42), pp. 165-179.

دخالة, م. (2014,أكتوبر). "واقع الهجرة غير الشرعية في حوض المتوسط، تداعيات وآليات مكافحتها". المجلة الجزائرية للسياسات العامة .

شتيوي, م. ع. (2014).التدابير والإجراءات المصرية لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية،"في . ندوة الهجرة غير الشرعية – الأبعاد الأمنية والإنسانية"، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية – سطات – المملكة المغربية.

طعيبة, أ., & حجاج, م. (2016,جوان). "الهجرة غير الشرعية بين استراتيجيات المواجهة وآليات الحماية". دفاتر السياسة والقانون (15).

عامر, ع. (2019).دور مصر في مكافحة الهجرة غير الشرعية، تاريخ التصفح:11/02/2019.الرابط: https://bit.ly/2T9m6We، تاريخ التصفح:11/02/2019.

علو, أ. (2009,جويلية). "الهجرة غير الشرعية بين تجارة الأوهام، وحلم الثروة، ، العدد 289".مجلة الجيش.

عواشرية, ر. س. (2015,ماي). "نحو رؤية للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير المشروعة(الجزائر نموذجا)". المجلة العربية للدراسات الأمنية , 33(71).

لوكان, ب. (2017).ترجمة وتحرير نون بوست، لماذا قد تكون سنة 2017الأكثر دموية في تاريخ البحر الأبيض المتوسط؟؟. الرابط: https://bit.ly/3zb562cتاريخ التصفح:25/11/2017،.

مرعب, ر. (2016,أكتوبر). "تداعيات الهجرة غير الشرعية على أوربا وأبعادها". مجلة الدفاع الوطني (98).

منظمة الاغاثة. (2018).تفاقم عدد ضحايا مسار الهجرة بين ليبيا والاتحاد الأوربي الرابط: https://bit.ly/2TSq06b، تاريخ التصفح:11/03/2019،.

منظمة حقوقية. (2019).ترحيل الجزائر لمهاجرين سيؤدي إلى عواقب كارثية، الرابط: https://bit.ly/2Ta7CFB، تاريخ التصفح: 11/02/2019.

 Organisation internationale pour les migrations. (2019). migrant routes, Méditerranéen 2016, vu le (15, 03,2019). https://bit.ly/3cs3yHq.

 


 

@pour_citer_ce_document

سمير بن عياش, «التعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية في حوض البحر الأبيض المتوسط: الدور الجزائري أنموذجا 1995-2019 »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 227-244,
Date Publication Sur Papier : 2021-06-30,
Date Pulication Electronique : 2021-06-30,
mis a jour le : 30/06/2021,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8390.