كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد بين مؤيد ومعارض (قراءة نقدية في الآراء)Edward Said’s ”Orientalism”, Acceptance and controversy, A critical reading
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 19-2022

كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد بين مؤيد ومعارض (قراءة نقدية في الآراء)

Edward Said’s ”Orientalism”, Acceptance and controversy, A critical reading
ص ص 61-73

نادية بوحاريش
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

لقد كثرت الدراسات النقدية حول كتاب «الاستشراق» وأغلبها كان بالمدح والإشادة والتنويه بصنيع الناقد «إدوارد سعيد» والإعلاء من قيمته الأدبية والفكرية، نظرا لما أحدثه هذا الكتاب من نقلة نوعية في ميادين مختلفة من البحث والدراسة، وعلى النقيض من هذا فلقد كانت ولا تزال العديد من النقود السلبية والردود والتأويلات المعارضة لأفكاره التي سعت إلى تقزيم الكتاب والحط من قيمته الفكرية والثقافية عن طريق تفنيد طروحاته والرد عليها، وكل ناقد في طرحه هذا يستند إلى خلفيات منهجية، إديولوجية، معرفية...وعليه فإننا نتغيا من مقالنا هذا تسليط الضوء على بعض أهم الآراء التي سعت إلى توجيه النقد إلى «إدوارد سعيد» وكتابه «الاستشراق» بالمدح والقدح، أي عرض بعض الآراء والمواقف المؤيدة والمعارضة له بتقديم قراءة نقدية حول « إدوارد سعيد» وكتابه «الاستشراق» .ولقد كانت منهجيتنا في هذا الطرح هي عملية عرض البيانات وفق منهج جدلي يعمل على تقديم الرأي ثم نقده والرد عليه.

معلومات حول المقال

تاريخ الاستلام 17-02-2020

تاريخ القبول 04-10-2021

 

الكلمات المفتاحية

إدوارد سعيد

 الاستشراق

النقد الثقافي

الجدلية

الإيدولوجيا

 

Des études critiques se sont multipliées autour du livre « l’Orientalisme », dont la plupart visaient à louer le travail du critique Edward Saïd et à exalter sa valeur littéraire et intellectuelle, en raison de la valeur du livre dans divers domaines de recherche et de pensées. Ceci dit, beaucoup de ce qui a été souvent dit n’est que des critiques négatives, de commentaires inexacts et des interprétations farfelues… dans l’absolu, toute critique dans sa proposition est basée sur des arrière-plans méthodologiques, idéologiques, cognitifs … Par conséquent, nous souhaitons que cet article souligne certains des points de vue les plus importants ayant critiqué Edward Saïd et son livre Orientalisme, que cela soit des louanges favorables ou des calomnies défavorables. Notre article se veut une lecture assez exacte et assez fidèle à la pensée d’E Saïd, et notre méthode dans cette présentation se base sur la présentation des données selon une approche dialectique qui fonctionne en présentant une thèse, puis en la critiquant et en y répondant le plus objectivement possible

      Mots clés

Edward Saïd

Orientalisme

critique culturelle

dialectique

idéologie

 

There have been many critical studies on the book “Orientalism”, and most of them were praising the work of the critic “Edward Said” and the elevation of its literary and intellectual value, given the qualitative leap that this book brought about in different fields of research and study. In contrast, many negative criticisms, responses and interpretations opposed his ideas and sought to dwarf the book and degrade its intellectual and cultural value by refuting his proposals, where every critic in his proposition is based on methodological, ideological, and epistemological backgrounds. Therefore, this article seeks to highlight some of the most important views that criticized Edward Said and his book “Orientalism”, whether favorable or unfavorable. It intends to be a fairly accurate reading and fairly faithful to the thought of E Said. The method is based on the presentation of data according to a dialectical approach that works by presenting a view, criticizing it, and then responding to it as objectively as possible.

Keywords

Edward Saïd

Orientalism

cultural criticism

dialectic

ideology

 

Quelques mots à propos de :  نادية بوحاريش

د. نادية بوحاريش   Dr . Nadia Bouharicheجامعة محمد لمين دباغين سطيف2،الجزائر nadia.bouhariche.18@gmail.com

مقدمــــة

يعد الناقد العالمي إدوارد سعيد EdwardSaïd  قامة إبداعية هائلة وشخصية مؤثرة وفاعلة استطاعت ببراعة أفكارها أن تحدث ضجة فكرية عارمة في العديد من المجالات، إنه موسوعة بمعنى الكلمة  لفتت إليها أغلبية الأنظار، حيث اهتم بإدوارد سعيد وبمؤلفاته العديد من الدارسين والباحثين والنقاد، وتهافتوا على دراستها وتحليلها بكل حماس ليصبح الرجل على إثرها مثار نقاش وجدال حادين ،حيث حيكت حوله العديد من الآراء والتعليقات والدراسات النقدية التي انهالت عليه خاصة بعد صدور كتابه «الاستشراق» Orientalism 1978م الذي تعبّدت مختلف القراءات النقدية بصورة طقسية في محراب أفكاره العميقة، التي تنهل من مشارب متعددة وميادين مختلفة، وعلى إثر هذا «حاز إدوارد سعيد على احترام الأوساط الثقافية كما وصفها «ميشيل فوكو» MichelFoucault  التكوين الأكاديمي الصلب الذي ضمن لسعيد بعدا عالميا، فبعد ارتباطه الطويل في المعبد الأكاديمي الأمريكي طوال سنوات عمره، وتمكنه من استيعاب نظرياته انقلب عليه من الداخل، نستطيع وبشيء من المبالغة أن نقول بأن ما أحدثته كتب سعيد في الأوساط الأكاديمية كثورة داخلية شبيهة بثورة «مارتن لوثر» MartinLuther، فكتابه «الاستشراق» الذي رفع صيته إلى مصاف المفكرين العالميين والنقاد الدوليين لا تزال تكتب حوله وعنه الأطروحات في مختلف بلدان العالم، فالرصانة الأدبية والجدة والعمق في الطرح أهلته لأن يكون تحت الأضواء لفترة طويلة»(الغطيس،2012)

ولعل ما شجع هذا الجمهور الكبير من الدارسين والنقاد الباحثين على تبني أفكاره واعتباره مثلا ونموذجا يحتذى أنه كان «متحيزا تحيزا إيجابيا لقضايا العرب والمسلمين، ويظهر هذا من خلال كتابه الاستشراق الذي أصبح عمدة في بابه، تميز عن مثقفي الشرق بكشف زيف الغرب واستغلاله للمعرفة وسيلة للاستعمار، وكان شجاعا بتجاوز عقدة خنوع المثقف وحرصه وتبعيته وتهافته، وخالف نهج مثقفي العرب الذين يلوذون بالصمت خوفا من نفوذ اليهود وخوفا من مواقعهم الوظيفية، بعد صدور كتابه المهم «الاستشراق» وهو الكتاب الذي أخرج مؤلفه للناس من مجرد ناقد إلى أكاديمي ومن ناطق سياسي ذي صوت عالي للمسألة الفلسطينية إلى مفكر عالمي مضاد للاستعمار وثقافته، شق الكتاب للناس دربا جديدا في التعرف على ظاهرة الاستشراق وما يؤسس لها ويلحق بها من ثقافة، وكان لتلامذته دور مهم في تقديمه وتأليف الكتب عنه، فتوفرت نخبة من الدارسين والمحبين وفرت لطروحاته التبويب والتوظيف والانتشار، فكم هي الأفكار والمفكرين الرائعين الذين طوتهم سنوات النسيان لعدم وجود من يرث علمهم وينشره»(الغطيس، 2012).

 غير أن مفكرنا العظيم إدوارد سعيد قد حصل له عكس هذا، فحتى بعد وفاته توالت بل تهاطلت الإصدارات حول منجزه الفكري الضخم والمتنوع، إذ تبنى تلامذته أفكاره وطروحاته ووسعوها، واهتم به النقاد والباحثون دراسة وترجمة وتعليقا، كما نوقشت أفكاره ضمن ملتقيات وحوارات ومحادثات أجريت معه، ولعل كتابه «السلطة والسياسة والثقافة: حوارات مع إدوارد سعيد» خير دليل على ذلك.

إشكالية البحث

يتأسس المقال على الإجابة عن إشكالية محورية وهي: ما هي أهم الآراء النقدية المؤيدة والمعارضة الموجهة لكتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد؟ وما هي حجتهم في ذلك؟

وهذا الطرح يقودنا إلى التساؤل أيضا: هل كانت هذه النقود علمية منهجية في طرحها أم أنها لم تستند إلى المصداقية العلمية والطرح المنهجي؟ وفيما تكمن أهم النتائج التي يمكن التوصل إليها من خلال مقالنا هذا؟

الدراسات السابقة

يعد الناقد «إدوارد سعيد» من بين أهم الشخصيات الفكرية والأدبية التي طغى حضورها على المنجز الأدبي والنقدي، خاصة بعد صدور كتابه «الاستشراق» 1978م، الذي سعى من خلاله إلى تعرية الخطاب الاستشراقي، والكشف عن التمثيلات العرقية والمركزية الغربية التي صاغت هذا الخطاب فالكتاب يعد أعمق وأحدث تحليل للمؤسسات الاستشراقية، ولذلك كانت هناك العديد من الدراسات النقدية التي تناولت هذا المؤلف من بينها: فخري صالح في كتابه: إدوارد سعيد دراسة وترجمات،عز الدين المناصرة: علم التناص المقارن: (نحو منهج عنكبوتي تفاعلي)، كريم بجيت: بين الأدب والنقد والسياسة: قراءة في كتابات إدوارد سعيد، وغيرها من الدراسات.

منهج البحث

بما أن غاية المقال هي عرض الآراء المؤيدة والمعارضة لإدوارد سعيد وكتابه الاستشراق، فإن المنهج المتبع كان جدليا استقصائيا، ومشفوعا بإجراءات نقد النقد لتقييم هذه الآراء.

وسأتناول فيما يلي عرض بعض الآراء بجانبيها المؤيد والمعارض التي سعت إلى تقديم قراءة نقدية حول إدوارد سعيد وكتابه الاستشراق.

-كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد بين مؤيد ومعارض

الرأي المؤيد

يوجد عدد كبير من أتباع ومؤيدي الناقد إدوارد سعيد الذين تبنوا أفكاره وطوروها خاصة كتابه الاستشراق الذي استأنست به العديد من الدراسات واستثمرته لخدمة مشروعها الفكري، لذلك كانت نسبة مقروئية هذا الكتاب عالية جدا، وكيف لا وإدوارد سعيد هو ذلك المفكر الطليعي الذي بهر العقل الأكاديمي بنبوغه الساحر، لقد قام إدوارد سعيد بطرح أفكار كانت مسكوتا عنها وطواها النسيان بسبب ذلك السياج الإيديولوجي المحاصرة به، والخوف الشديد من السلطة والرقابة السياسية.

ومن بين النقاد الذين تبنوا أطروحة المفكر إدوارد سعيد، وتأثروا بها تأثرا عميقا الناقدة السورية «رنا قباني»، حيث تعد واحدة من أنصاره وأتباعه الذين استلهموا أفكاره إلى درجة أن أطروحتها(رسالة الدكتوراه) التي حملت عنوان «أساطير أوروبا عن الشرق لَفِّقْ تَسُدْ» عبرت عن أفكار كان سعيد قد تطرق إليها في كتابه «الاستشراق»، فكلا الأطروحتين تتشابهان في طريقة عرض القضايا، وفي دراسة الشرق والشرقي والحديث عن تلك الصورة النمطية له في ذهنية الغربي.

«إن جملة الاستنتاجات التي توصلت إليها «رنا» (القريبة جدا من الغرب) لم تأت من فراغ، لأنه بعد جملة التداعيات تلك وتراكمها، كرّست هذه الباحثة سنوات طويلة في غرف الكتب والمطبوعات النادرة بمكتبة جامعة «كامبردج» تتملى من روافدها الفيكتورية لتخرج لنا عام 1993برسالة دكتوراه غاية في الأهمية وهي واحدة من أهم الأطروحات التي ظهرت إلى العالم في هذا الموضوع، وتقول «رنا» أن إدوارد هو الذي حملها على القيام بتحقيقاتها تلك، والرجل كما نعلم كان موضع نفور من تلك الجامعة العريقة على اعتبار أن شيئا من السياسة كان يظهر في أدبه وهو أمر يعتبرونه من المحرمات، ونظرا لكونه فلسطينيا، فإن النقمة عليه وعليها كانت أكبر»(طلبي، 2013)

وعليه فإن الناقدة «رنا قباني» قد خاطرت بنفسها من أجل حمل مشعل إدوارد سعيد واقتباس شعلة مضيئة منه، وهذا دليل واضح على شدة مناصرتها لرسالته الإنسانية العادلة، وإيمانها الشديد بنجاعة أفكاره في عالمنا هذا الذي يتخبط في مآسي وجراح كان الغرب هو السبب فيها، فهو بمثابة الجلاد للدول العربية التي تعد الضحية المستهدفة.

وإضافة إلى الناقدة «رنا قباني» كان الناقد «محمد طه» أيضا من بين أنصار إدوارد سعيد، حيث تبنى أطروحته في كتابه الذي حمل عنوان: في الشرق وثلاثة رحالة فيكتوريين: كنجليك وبيرتون وبالجريف سنة 1989وهو «يؤكد في مقدمته بأن معظم الرحالة الفيكتوريين إلى الشرق الأوسط صوّروا الشرقيين من خلال إيديولوجيا الإمبراطورية والتي كانت ملوثة بمشاعر التفوق العرقي الأوروبي، ولقد كان هدفه الرئيسي هو مناقشته كتابات ثلاثة رحالة فيكتوريين قدموا إلى الشرق»(الحجري، 2008)

ولذلك فإنّ أطروحته هذه تغترف الكثير من كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق» لأن الناقد «محمد طه» قام بدراسة الرحالة الغربيين الذين قدموا إلى الشرق بحكم الدراسة العلمية التي تحجج بها المستشرقون غير أنّ نواياهم كانت عكس ذلك [تركزت في خدمة مآرب الإمبراطورية]، وهو الأمر الذي عالجه إدوارد سعيد، كما أنّ الرحالة «بيرتون» الذي درسه محمد طه كان إدوارد سعيد قد تطرق إليه «في الاستشراق» في حديث مفصل عن رحلته وحجته إلى الشرق، وانطلاقا من هذا التأثر الكبير بصنيع الرجل (إدوارد سعيد) يتضح لنا مدى قوة أفكاره على المفكرين اللاحقين بعده.

إنّ مؤيدي الناقد إدوارد سعيد كثيرون ولا يسعنا المجال  لذكرهم كلهم لذلك ركزنا على نموذجين للتوضيح فقط، فكما هو معلوم فجميع من ساهم في إرساء نظرية الخطاب الاستعماري وما بعد الاستعماري هم من أنصار إدوارد سعيد على غرار نظيريه الشهيرين «هومي بابا» HomiBhabhaو«غياتري سبيفاك» GayatriSpivakومن تبعهما مثل: بيل أشكروفت BillAshcroftوجاريث غريفيث GarrettGriffiths، هيلين تيفن HelenTiffin،آنيا لومبا AnyaLomba، جو أمسيل  JoEmsel، جاك مور جلبرت JackMooreGilbert، ليلى غاندي LailaGandhi، فخري صالح، صبحي حديدي، كمال أبو ديب.

وكلهم ساهموا في تشييد صرح النظرية ما بعد الكولونيالية وتطويرها، ودفع سير تقدمها إلى الأمام، مستثمرين في ذلك أفكار المؤسس الأول والفعلي لها وهو«الناقد إدوارد سعيد».

 وبعد عرض هذا الوجه الإيجابي سوف نمر الآن إلى ذكر ذلك الوجه الآخر السلبي الذي عملعلى نقده ومعارضته في طرحه وآرائه بطريقة معاكسة لاستدراكاته وتوقعاته ومقاصده.

الرأي المعارض

-النقد المنهجي والإيديولوجي

لقد أثار كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد زوبعة عارمة من الجدل والنقد والنقض أيضا، حيث كثر نقاده الذين تحاملوا عليه وعارضوه قائلين بأنه وقع في مزالق ومطبات كثيرة  تخص منهجية هذا الكتاب، والخلفية الإديولوجية التي احتكم إليها، وضمن جملة الانتقادات الموجهة إلى المفكر إدوارد سعيد ما يتعلق «بمنهجيته في انتقاد الفكر الاستشراقي ضمن منطقة جغرافية ممتدة بين مصر وفلسطين وهي أمثلة فقيرة على نظريته عن الاستشراق نظرا للفترة القصيرة نسبيا لخضوعها للسيطرة الأوروبية، حيث رأى هؤلاء النقاد أن إدوارد سعيد أهمل مناطق أهم من ذلك مثل الهند عندما كانت تحت السيطرة البريطانية، وأقسام من آسيا التي خضعت للسيطرة الروسية وما كان تركيزه على الشرق الأوسط إلاّ تركيزا منه على أهداف سياسية»(ويكيبيديا)

إنّ هؤلاء النقاد يتهمون إدوارد سعيد بأن غرضه من كتابه الاستشراق الذي عالج قضايا الشرق الأوسط دون غيرها من المناطق الأخرى كان خدمة لأغراض سياسية أراد تحقيقها، وهذا ما وضحه الناقد هيثم غالب الناهي بقوله: «اعتبر الكثير من الغربيين كتاب الاستشراق شيئا مخزيا في العلم الأكاديمي، ومنهم «مكسيم رودنسون» MaximRodinsonو«جاك بيرك» Jack Burke  و«وليام منتغمري واط» WilliamMontangamriwat، ولكن أتعسهم هجوما «برنارد لويس» Bernard Lewis، وقد انضم على هجوم لويس العديد من المستشرقين ومنهم «ألبرت حوراني» AlbertHouraniوروبرت إيروين» Robert Irwinو«إعجاز أحمد» EjazAhmedو«كنعان مكية» CanaanMakiya، إذ وصفوا سعيد بأنه ركز على العنصرية والعداء الذي وجد عند المستشرقين ضد العرب ولم يعط أهمية للمنجزات الإنسانية» (الناهي، 2014)

إن هؤلاء النقاد المعارضين لإدوارد سعيد قد حصروا كتاب «الاستشراق» في زاوية ضيقة ووقفوا في صف المستشرقين ودافعوا عنهم، ومن ألد خصوم إدوارد سعيد الذين شنّوا عليه أبشع الانتقادات والهجومات المستشرق البريطاني الأمريكي برنارد لويس، الذي كان على خلاف حاد معه حول الاستشراق، ولقد كتب العديد من المقالات للرد عليه.

يعد الناقد الهندي إعجاز أحمد من نقاد إدوارد سعيد، ولقد نشر كتابا بالإنجليزية تحت عنوان «في النظرية: الطبقات، القوميات، الآداب» ليتم بعد سنوات ترجمته إلى العربية من طرف المترجم السوري «ثائر ديب» تحت عنوان «الاستشراق وما بعده»، ولقد تضمن الكتاب نقدا لإدوارد سعيد، وكان نقده شديدا يتاخم الغلطة أحيانا كما عبّر الناقد «فيصل دراج»، وكان السبب الدافع وراء هذا النقد كله -حسب دراج- هو «دفاعه عن ماركس والماركسية Marxandmarxism، ذلك أن سعيد جعل ماركس مستشرقا مع غيره من المستشرقين بعد أن جزّأ الماركسية إلى قطع متناثرة يأخذ منها ما يشاء ويرفض ما لا يرغب به إن لم يحوّلها إلى جملة أسماء متراصفة فقيرة المضمون، ولعل هذه الانتقائية بلغة إعجاز أحمد هي التي جعلت سعيد يردد إلى حدود الإسراف المجاني أسماء ماركسيين مثل: ريموند وليامز  RaymondWilliamsوجورج لوكاتش George Locachوأنطونيو غرامشي  AntonioGramsci   كما يرى أن منهجه تعميمي ويعوزه التدقيق ويحتشد بمواد متنافرة». (دراج، 2015)

فمنهج إدوارد سعيد في رأي إعجاز أحمد منهج فوضوي لا تحده أوتقننه أية ضوابط.

من نقاد إدوارد سعيد أيضا المفكر والمناضل الشيوعي «مهدي عامل» الذي أصدر كتابا للرّد عليه وعلى منهجه الذي سلكه في كتابه الاستشراق، ولقد حمل هذا الكتاب عنوان: «هل القلب للشرق والعقل للغرب: ماركس في استشراق إدوارد سعيد» وانطلاقا من العنوان يتضح لنا أن الناقد مهدي عامل قد ولج من باب كارل ماركس KarlMarx، ولا غرابة في ذلك ما دام مهدي عامل مناضل شيوعي ومتبني لأفكار ماركس.

وتبين الباحثة «لميا مغنية» ذلك النقد الذي وجهه مهدي عامل لإدوارد سعيد واصفة إياه بأنه نقد مهم فيما يخص كتابه الاستشراق. ولقد جاء نقدها في أربع صفحات من الكتاب، حيث ارتكزت على علاقة كارل ماركس بالشرق وبالفكر الاستشراقي السعيدي والافتراضات التي يرتكز عليها، إنّ إدوارد سعيد وكما تقرر الباحثة «لميا مغنية» قد «تجاهل الطابع الطبقي للثقافة الغربية وتناولها كأنها الغرب ككل تجاهل معها نقيضها الديالكتيكي الثوري، وبالتالي عزز طابعها الشمولي أكثر وهو ما تطمح إليه هذه الثقافة كثقافة بورجوازية تسعى إلى السيادة المطلقة». (مغنية، 2015)

هكذا يقع إدوارد سعيد في فخ الهيمنة المطلقة لأنه يعزز أكثر -حسب رأي الناقدة- سيادة الفكر المهيمن وتخضع له، وهو بهذا ظل سجينا للفكر الغربي الذي حاول انتقاده في كتابه» الاستشراق».

ومن انتقادات المفكر مهدي عامل أيضا  لإدوارد سعيد: «أنه لم يتردد في رميه بتهمة القومية الشوفينية (...) لقد صاغ عامل سلسلة من التهم لإدوارد سعيد وفكره، وهو ما جعل هذه القراءة قراءة اتهامية ومغرقة في نزعتها الإتهامية، يقول مهدي عامل بأن فكر إدوارد لا عقلاني وضعي، وهو يشل فكر الطبقة البورجوازية الذي يرفض الاختلاف والتناقض، ويقع في قبضة منطلق الفكر الاستشراقي، كما أنه فكر عدمي يضرب بجذوره عند نيتشه وحفيده ميشيل فوكو،  وهو فكر بنيوي يقول بأولوية الصراع الاجتماعي الطبقي، وفكر امبريالي، فإدوارد بنيوي والبنيوية كما ينقل مهدي عامل عن سارتر هي آخر شكل من أشكال الإيديولوجية البورجوازية الإمبريالية، وعلى هذا الأساس فنقد سعيد البنيوي للاستشراق شكل من أشكال الإيديولوجية البورجوازية  الإمبريالية». (مغنية، 2015)

إنّ المفكر مهدي عامل في نقده لفكر إدوارد سعيد ينطلق من خلفيته الماركسية، فلقد صنفه ضمن الطبقة البورجوازية وإيديولوجيتها الإمبريالية بالإضافة إلى اتهامه بالنزعة القومية الشوفينية الضيقة المحدودة الرؤية، وهو ما يتخالف ويتعارض تماما مع منطلقات إدوارد سعيد الإنسانية الرحبة، ودعوته الملحة إلى الفكر الأنسني وإلى التعددية الثقافية والهجنة.

من النقاد الذين عكفوا على دراسة ونقد أطروحة إدوارد سعيد «الاستشراق» كذلك الناقد الشهير «صادق جلال العظم «صاحب كتاب «الاستشراق والاستشراق معكوسا»1981ولقد عمد إلى «معاينة الكتاب من منظور إيديولوجي راسخ ومكين ومجروح في الوقت ذاته، ويبدأ صادق جلال العظم قراءته للاستشراق بعرض موجز لأطروحة الكتاب الأولية ثم يعقبه مباشرة بانتقاد مبدئي يتأسس على خيبة أمل فيما كان ينتظره القارئ من كتاب يؤلف لنقد مؤسسة الاستشراق، كان العظم ينتظر من كتاب سعيد أن يفي بتوقعاته إلاّ أن الكتاب قد كسر أفق انتظاره الذي ينطوي على رؤية مادية تاريخية لتطور المؤسسات والظواهر، يرى العظم أن إدوارد سعيد بدأ تحليله للاستشراق بداية سليمة، ثم ثنى على هذه البداية بتحليل مغلوط ومتراجع، فبدل أن يستخلص النتائج التاريخية والمنطقية المترتبة على هذه الأطروحة استخلاصا صارما ودقيقا ومنتظما كما يأمل القارئ، نجده يفضل اللجوء إلى الصياغات اللغوية البارعة والتوسطات الأدبية اللامعة لتبديد مظاهر الإحراج والتشويش والارتباكات الفكرية التي يمكن أن تصيب تحليلاته بنتيجة هذا النوع من القصور». (كاظم، 2003)

انطلاقا من هذا القول يتضح لنا بأن الناقد صادق جلال العظم لم يجد في كتاب الاستشراق ما يروي عطشه المعرفي، لأنه يحتوي على عدة نقائص وارتباكات.

من المعلوم أن إدوارد سعيد قد سعى إلى كشف نطاق الهيمنة التي انطوت عليها النصوص الاستشراقية والغربية عموما، ومن خلال مسعاه هذا رأى بعض نقاده بأنه قد ساهم في تجسيد النزعة المركزية والاستعلائية، وعليه يجدر بنا طرح السؤال التالي: هل استطاع إدوارد سعيد أن يتحرر من قيود الهيمنة الغربية في كتاباته؟ لأنه ومن خلال طروحاته حولها وحول مختلف ضروب التفوق الغربي ظهر في وجه منتقديه بأنه سعى إلى تكريس هذه الهيمنة وتعزيزها أكثر مما سعى إلى اجتثاثها من أصولها وتشخيص الداء لوصف الدواء؟

وبالرغم من أن إدوارد سعيد عمل على فضح الخطاب الغربي المهيمن إلاّ أن معظم كتبه قد عرفت انتشارا واسعا بحيث لم يتعرض لعراقيل كثيرة في النشر، ولم تفرض عليه الرقابة والمنع والمصادرة مثلما حدث لمفكرين آخرين قبله (مثلا ما حدث مع المفكر المارتينيكي فرانز فانون)،وهذا الأمر يدعو إلى الريبة والشك، وهو ما يفسر في بعض الأحيان على أنه خدمة وفائدة للغرب الذي ازداد قوة وتفوقا من خلال هذا الطرح السعيدي فلقد حصّن الغرب خطابه بواسطته، فتأكيد سعيد على قوة وهيمنة الغرب زاد منها في الوعي الغربي والعالمي عموما، وبمجرد معرفة واستيعاب تلك القدرة الهائلة التي قام بها المستشرقون مثلا: على غرار المستشرقان «إدوارد لين» EdwardLaneو«بيرتن»Burtonازداد اعترافنا بمدى ذكاء وحيلة ودسيسة الغرب للعرب، وربما ازداد الخوف والرهبة منه في أحيان كثيرة، وعليه فإن المفكر إدوارد سعيد وكما عبّر الناقد محسن جاسم الموسوي «وحتى عندما يرتدي جبّة ابن الثقافة العربية الإسلامية والثالثية، فإنه يأتي إلى خطاب الاستشراق بعدة غربية واسعة تمكنه منها ثقافته ونبوغه الأكبر لدرجة يبهت عندها خصمه الصهيوني القوي برنارد لويس، فينظر إلى منازعته في ميدان الانتماء أي المنظور العربي الإسلامي الذي يختص به الأخير»(الموسوي، 2005)

وعليه نقول: ألا يعد هذا الاعتماد الكلي على المناهج الغربية من طرف الناقد إدوارد سعيد في دراساته من باب الاعتراف بهيمنة الآخر وقوته واستحواذه على حياتنا وطرق تفكيرنا؟ وهو ما عبّرت عنه الناقدة «غزلان هاشمي» بقولها:» أليس من الأولى أن نفكر كيف نؤسس نظرة مغايرة تؤمن بحدود المختلف وتحتفي بهويتنا وتفكيرنا المتحرر من قيود الإتباع» (هاشمي،2013)، لأنه  في التبعية ذل وهوان وخاصة عندما تكون هذه التبعية في مواطن الانحسار والتراجع وليست في أسباب التفوق والرفعة، وفي هذا الصدد يقول الناقد إبراهيم سعدي: «لعل عبد الرحمن بن خلدون لم يكن محقا كل الحق حين قال بأن «المغلوب» مولع بتقليد «الغالب» في كل شيء، فها نحن في الجزائر لانتقاد بـــ «الغالب» إلاّ في لغته وزيّه وعوائده، لكن ليس في أسباب قوته وغلبته وعظمته». (سعدي، 2009)

إن أسباب ضعف وانحسار العالم العربي يعود إلى تلك التبعية السلبية للغرب، أي الانقياد وراءه في أمور لا تعود بالفائدة، وكذا الجري واللهثان نحو تقليد عاداته التي لاتمت بصلة لعادات وخصوصيات هذا الوطن، وعليه تجب كسر قيود وأغلال التبعية الغربية، التي يجب أن تقتصر على مظاهر التفوق والتطور الحضاري، وكل عوامل الرقي والازدهار من أجل تشييد حضارة عظيمة على غرار الحضارة الغربية.

نبقى دائما في مجال النقد الموجه إلى المفكر العالمي إدوارد سعيد، حيث يرى الباحثان الأستراليان «بيل أشكروفت» BillAshcroftوبال أهلواليا «BalAhlwalia»من خلال كتابهما «مفارقة الهوية» بأن «عمل سعيد يمثل بصورة مفارقة عمل الناقد الهاوي،إذ أن مجال عمله النقدي يضم كل شيء: النظرية الأدبية والنقد النصي، والتاريخ، وتحليل الخطاب، وعلم الاجتماع ونقد الموسيقى، والأنثربولوجيا»(فخري،2009)

فهاذان الناقدان إذا، ومن وراء قولهما هذا يعتبران اهتمام إدوارد سعيد بكل هذه الحقول المعرفية المتشعبة دليل على تشتته وضياعه في خضم هذا الركام المعرفي الهائل، وهو حسب رأيهما ناقد هاوي قد سقط في سراديب المعرفة.

وقد قام الناقد فخري صالح بالرد عليهما دفاعا عن إدوارد سعيد، وذلك عن طريق تفنيذ صفة الناقد الهاوي متسائلا في ذلك بأنّه لا يمكن لناقد هاو أن ينجز عملا بحثيا مؤثرا مثل كتاب الاستشراق؛ تلك الأطروحة التي نبغ بها الناقد إدوارد سعيد كأول منظر أكاديمي للاستشراق وما بعد الاستعمار، صحيح إن مجال عمل إدوارد سعيد النقدي يضم العديد من المعارف، لكن  السبب الكامن وراء هذا يعود إلى رحابة وموسوعية فكره الفلسفي، وإلى تلك السمة الثقافية ما بعد الحداثية التي تميزها، بالإضافة إلى ثراء الأرضية النظرية لأعماله وتشعبها .

 النقد المعرفي

هناك من النقاد من اتهم إدوارد سعيد بالقصور المعرفي وعدم الإحاطة والإلمام بالعديد من المعارف، معتبرين بذلك كتابه « الاستشراق» كتابا يشوبه الكثير من القصور والهنات المعرفية، ولقد كانت حجتهم في ذلك أنه وقع في خلل معرفي كبير وأنه قد خلط الأمور مع بعضها البعض، مما دفعهم إلى اعتباره كتابا معيبا في الفكر الأكاديمي الغربي حيث «رأى بعض النقاد الأكاديميين بأن إدوارد سعيد لم يميّز في عمله بين أنواع المستشرقين فعلى سبيل المثال لم يميّز بين الشاعر يوهان فولفغانغ فون غوته JohannWolfgangvonGoetheالذي لم يسافر أبدا إلى الشرق، والروائي جوستاف فلوبير GustaveFlaubert  الذي أمضى فترة وجيزة في مصر وكتابات إرنست رينان التي كانت نابعة من أساس عنصري، وبين بعض الأكاديميين مثل إدوارد وليم لين الذي كان متقنا للّغة العربية، ووفقا لهذا النقد فإن إدوارد سعيد قد تجاهل جنسية المستشرقين وخلفياتهم، وجعل صورة نمطية واحدة للمستشرق الأوروبي».(ويكيبيديا)

 إن هذا النقد يبدو نقدا قاسيا نوعا ما في حق إدوارد سعيد، لأنه ينقص من قدراته ومعارفه، فكيف لأديب وناقد موسوعي مثل إدوارد سعيد أن ينقد المستشرقين، ويتعرض للحديث عنهم دون أن يكون ملما وعارفا بتفاصيل حياتهم وطبيعة أعمالهم، وبحقيقة نواياهم الاستشراقية؟

ومن المآخذ الأخرى التي يأخذها الناقد إعجاز أحمد على إدوارد سعيد «شغف هذا الأخير الشديد باستظهار مجموعات من الأسماء الثقافية، مشيرا إلى عدم تجانسها في الأقوال والمواقف كأن يضع سعيد «أنطونيو غرامشي»Gramsciو«جوليان باندا» JulianBandaفي خانة واحدة وعدم التعامل المنسق مع الإنتاج الفكري لهؤلاء الذين يراصف سعيد أسماءهم، ولهذا يظهر عطفه كتاب خيانة المثقفين على دفاتر السجن عملا تعسفيا يثير الفضول». (دراج، 2015)

رغم هذه الانتقادات الموجهة إلى إدوارد سعيد من طرف إعجاز أحمد، إلاّ أن هذا الأخير قد جعل القارئ يعيد التمعن في قراءة سعيد من مختلف الزوايا مما ولّد كثرة الرؤى وتعددها وبالتالي إعادة قراءة سعيد في شكل جديد.

نبقى دائما مع نقد إعجاز أحمد لإدوارد سعيد، حيث يرى بأنه جرى توجيه الانتقاد واللوم إليه بسبب ذلك التعارض القائم في عمله، ولقد «خصص إعجاز أحمد في كتابه «في النظرية: طبقات، شعوب، آداب» فصلا طويلا لنقد سعيد، بادئا بكتاب الاستشراق وصولا لكتاب «بعد السماء الأخيرة»، محاولا أن يضع يده على التعارضات التي تقيم في قلب كتابات إدوارد سعيد، خصوصا فيما يتصل بعلاقة نص سعيد الإشكالية مع عمل فوكو. يكتب إعجاز أحمد؛ بعد أن يحشر سرديات الأدب الأوروبي بدءا من إسخيلوس وصولا إلى إدوارد لين بوصفها جميعا تاريخا لتواطؤ الأدب مع مهمة احتقار الشرق وتهوين شأنه، وبعد أن يطابق بين مشروع التنوير والاستشراق والكولونيالية، يقف سعيد في مواجهة معضلة العثور على نوع من الفعالية التي يمكن أن تنهي هذه العلاقة القائمة منذ عصور بين السرديات الإنسانية الكبرى والمشروع الاستعماري، عند هذه النقطة بالذات نكتشف استعصاء نادرا»(فخري، 2009)

إن الناقد الهندي إعجاز أحمد يحاول أن يبين من خلال نصه هذا بأن إدوارد سعيد قد وقع في تعارضات وتناقضات، لأنه خلط الأمور مع بعضها البعض، فمثلا هو يطابق بين التنوير   Enlightnmentوالاستشراق Orientalismوالكولونيالية Colonialism، ويقوم بعملية حشد وتكديس للأدب الأوروبي الذي رأى بأنه يقوم بمهمة إمبريالية وهذا في رأي إعجاز أحمد غير صحيح كله.

لقد تعرض الباحث «عبد المنعم عجب الفيا» في مقاله المعنون بـــــــــ: «الاستشراق في نقد أطروحة سعيد» إلى إدانة الناقد إدوارد سعيد لأنه حسب رأيه لم يأت بالجديد أبدا، وكل ما قام به أنه عمل على تكرار نفس الاتهامات والإدانات القديمة ضد الاستشراق والمستشرقين، التي اقتبسها من أطروحات المفكر الماركسي المصري «أنور عبد الملك»، لأن هذا الأخير أيضا «اعتبر الاستشراق أداة إمبريالية عملت على تكريس التخلف والتبعية الثقافية للغرب وذلك من خلال مقاله المنشور عام 1963، والذي حمل عنوان الاستشراق في أزمة». (الفيا، 2007)

بناء على ما سبق فإن الناقد عجب الفيا يتهم إدوارد سعيد بالتطفل على آراء الغير الذين سبقوه، وبأن أطروحته ليست جديدة، إذ لم يكن له فضل السبق في طرح قضايا الاستشراق والإمبريالية والتخلف والتبعية الثقافية للغرب، لأن المفكر المصري أنور عبد الملك كان قد سبقه إلى ذلك في ستينيات القرن العشرين أي ما يقارب العقدين من الزمن.

لقد أورد الناقد الأردني «فخري صالح» جملة من الانتقادات التي شنت على المفكر إدوارد سعيد من قبل نقاده ومعارضيه الذين لا يشاطرونه الآراء والتوجيهات، ويختلفون معه في العديد من القضايا التي طرحها غير أن الناقد فخري صالح كان يدافع عن إدوارد سعيد ويفنّد إدعاءاتهم عن طريق الرّد على أقوالهم، وإنصاف إدوارد سعيد حيث قائلا: «لقد تعرضت كتابات إدوارد سعيد للكثير من الانتقاء من جانب بعض المؤيدين لإعلاء المبادئ الفلسطيني- الإسرائيلي وقيل في حينها إن سعيد يعيش بعيدا عن المنطقة ولا يعرف طبيعة تعقيدات الوضع السياسي العربي والفلسطيني، وهو من ثم يتعامل مع الوضع السياسي من وجهة نظر أكاديمية بحثية ذات بعد طوباوي»(فخري، 2009)

إن الناقد إدوارد سعيد يرد على هذه الانتقادات ويدافع عن رأيه وذلك من خلال تبيان مدى عكوفه على قضايا وطنه رغم بُعد المسافات عنه لأن البعد - حسب رأيه- لا يعد حائلا وعائقا دون الانشغال بقضايا الوطن، يقول في هذا الصدد: «سيقول البعض إني أعيش في نيويورك وأكتب منها، وهي التي تبعد عن الشرق الأوسط ما تبعد، وهذا صحيح بالطبع، ولكن ما قد لا يعرفه الكثيرون هو أنني لم أبتعد بفكري وبقلبي عن العالم العربي الذي ولدت وتربيت فيه (...) إنني تحملت نصيبي من الشتات والحرمان وهما السمتان الأساسيتان للقدر الفلسطيني(...)، ولهذا أحاول استخلاص فائدة عامة من محاباة الأقدار هذه، حيث يحدوني الأمل في أن تتيح لي المسافة البعيدة نسبيا أن أتعامل مع هموم الوطن عبرها، منظورا أرحب وحرية أوسع في تقييم مسيرتنا الوطنية، الأمر الذي قد لا يتوفر لأولئك الذين يعيشون في خضم الأحداث المتلاحقة»(فخري، 2009)

انطلاقا من هذا القول يتبين لنا بأن الغربة والبعد في رأي إدوارد سعيد قد أتاحا له رؤية نقدية أوسع واهتماما أكبر، ولعل كتاباته عن المنفى وحرقته، وعن تمثيله لشعبه الفلسطيني والتحدث باسمه في المؤتمرات الدولية دليل صريح وشاهد على قوة اهتماماته بقضايا وطنه وشعبه الفلسطيني المغلوب على أمره.

لقد وصف الخصم اللذوذ لإدوارد سعيد (برنارد لويس) أطروحة كتاب الاستشراق «بأنها زائفة وأن زيفها يصل حدود العبث، وقال أن كتاب الاستشراق يفتقد أي شكل من أشكال المعرفة التي يقدمها الباحثون والمتخصصون في عملهم»(فخري، 2009)

واعتبارا لهذا كان إدوارد سعيد يعمل من خلال كتاباته النقدية إلى الرد على برنارد لويس، وكل محاولاته الساعية إلى الحط من قيمته الفكرية والأكاديمية.

-نقود عامة

يعد الناقد الفلسطيني «عز الدين المناصرة» من بين النقاد الذين قدموا بعض الملاحظات النقدية لإدوارد سعيد فيما يخص كتابه «الاستشراق»، مبينا بأنهذا الأخير قد وقع في مزالق معرفية وأخرى إديولوجية يمكن حصرها فيما يلي:

- «عالج إدوارد سعيد ركاما هائلا من النصوص الاستشراقية المستشهد بها، لكنه أوقع القارئ في التشتت، بسبب الاستطرادات الكثيرة والتكرار، باستثناء التمهيد النظري المتماسك في بداية الكتاب، وهناك تسرع في الفصل الأخير (المرحلة الأخيرة)، يجعله قريبا من اللغة الصحفية.

-باستثناء إشارات سريعة، لم يدرس إدوارد دور الاستشراق في خلق وتطوير الدراسات التوراثية، ربما لأنه ناقد علماني، أوأنه لم يكن يرغب في قراءة مثل ذلك الركام، حتى لا يقع فيما يمكن أن نسميه: (مصيدة الجدل مع التوراة).

-إذا كان ماركس قد وقع تحت تأثير الاستشراق، فإن إدوارد سعيد وقع تحت تأثير ثقافة الحرب الباردة، حين أوحى أن الاستشراق في روسيا وأوروبا الشرقية، يتطابق مع جملة ماركس التي اقتنصها إدوارد سعيد وصاغ حولها تأطيرا نظريا، ربما كان مبالغا فيه، وهناك فارقا طبعا بين ماركس وبين الاستشراق الروسي»(المناصرة، 2006)

وبهذا صاغ الناقد عز الدين المناصرة من خلال هذه الملاحظات والآراء النقدية بعض النقائص والهفوات التي وقع فيها إدوارد سعيد غير أنّ ما ميّز هذا النقد وهذه الآراء هو اتسامها بطابع نقدي تصحيحي للكتاب، بعيدا عن تلك النزعة الهجومية الشرسة التي ترمي إلى الإنقاص من قيمة الكتاب ومن كفاءة مؤلّفه وخبرته.

 تعد الناقدة البريطانية «فاليري كيندي» ValerieKennedyمن النقاد الذين أفردوا قسطا من كتاباتهم النقدية لتناول الناقد «إدوارد سعيد» وكتابه «الاستشراق» بالدراسة النقدية المسائلة من عدة جوانب: معرفية، منهجية، إيديولوجية، وذلك من خلال كتابها الذي حمل عنوان: «إدوارد سعيد: مقدمة نقدية» «والذي يقرأ منجز سعيد في حقل تحليل الخطاب والنظرية النقدية وخطاب ما بعد الاستعمار بعين موضوعية لا تغفل الطبيعة الاستثنائية لكتاباته، لكنها في الوقت نفسه تحاول أن تشير إلى النقص الذي يعتري عمله والتهويمات التي يطلقها ووقوعه أحيانا في شبكة الخطاب الغربي الذي يوجه له نقدا عنيفا سواء في «الاستشراق» أو «الثقافة والإمبريالية» أو كتاباته عن فلسطين والإسلام والإعلام الغربي»(فخري، 2009)

فالبرغم من أن الناقدة «فاليري كنيدي» تطرقت في بداية كتابها -أي في المقدمة- إلى الإشادة بصنيع إدوارد سعيد واعتباره شخصية فريدة في الثقافة الغربية، إلاّ أنها تصفه بأنه شخصية خلافية في هذه الثقافة لأنّها تثير الكثير من الجدل والآراء الحليفة والمعارضة، من المآخذ التي تأخذها كنيدي على سعيد هو إهماله دور المرأة وكتاباتها، أي أنه منحاز ومتعصب لكتابات الرجال فقط،فالتناقض الأهم الدي وقع فيه إدوارد سعيد –حسب رأي كينيدي–«قد يكون في أن سعيد الدي عالج إشكالية التمثيل وألقى بيد غليظة على التشوهات التي شابت الخطاب الإستشراقي الدي صبغته صبغة ذكورية أبوية وهاجم الانتقائية والتشويه اللدين طبعا مقاربة الشرق في أكثر من مجال  هو نفسه سقط في الخطأ الدي يهاجم المستشرقين بسببه، حيث إنه لم يول في هذا العمل أي دور أو وجود أو صوت للجندر «الجنوسة» أو الطبقة، فيما نذر(...)، هو ذاته من قام بإسكات أو استبعاد أو تهميش الصوت الضعيف، الأنثوي في هذا الصدد. كينيدي تذهب أبعد من ذلك، حيث ترى أن سعيد قام بما قام به المستشرقون أنفسهم، إذ عمد إلى شرقنة النساء الشرقيات وكذلك الغربيات، كما قام الغرب بشرقنة الغرب»(كينيدي، 2016)

كما نجد الناقدة  تستغرب المؤلفة إهمال إدوارد سعيد للنساء الفلسطينيات في تأملاته لحياة الفلسطينيين أو عدم تحليله لكتابات الرحالة من النساء الغربيات إلى الشرق مما كان سيغير كثيرا من نظرة الاستشراق للخطاب الاستشراقي الذي لم يكن يتمتع بتلك الطبيعة المتجانسة التي يوحي بها تحليل سعيد وتعيد كينيدي هذا الإهمال إلى تربية إدوارد سعيد في المجتمع الفلسطيني، وعيشه في مجتمع أبوي لا يقيم وزنا كبيرا لحضور النساء ودورهن، فحسب رأي الناقدة «فاليري كينيدي» فإدوارد سعيد وبالرغم من ثقافته الواسعة، وبتواجده في المجتمع الأمريكي - لمدة طويلة - المتفتح والمؤمن بحرية المرأة والمدافع عن مختلف حقوقها، وبالرغم كذلك من سعيه الحثيث إلى مجابهة مختلف خطابات الهيمنة إلا أننا نجده في كتاباته قد عزف عن الاهتمام بقضايا النساء، وبتفعيل دور المرأة وإعطائها المكانة التي تستحقها، ولعل ما يزيد الأمر غرابة هو أن قضية المرأة قضية تقع في صميم النقد الثقافي الذي جاء ليرد الاعتبار للفئات المهمشة ومن بينها النساء وهو ميدان اشتغال الناقد «إدوارد سعيد»، فالناقدة تستغرب كل هذا الإقصاء التعسفي للمرأة، سواء المرأة الفلسطينية  أم الغربية التي جاءت إلى الشرق كرحالة لدراسته، فالتاريخ يشهد على وجود نساء غربيات مستشرقات دافعن عن الشرق (مثلا المستشرقة الألمانية «زيغريد هونكه» SigridHunke)، فالناقدة «كينيدي» ترى بأن إدوارد سعيد لو اهتم بدور المرأة وعزز من مكانتها لاتخذت كتاباته مسارا أفضل وأكثر تجانسا، وترجع الناقدة سبب ذلك الإقصاء إلى تربية «إدوارد سعيد» في المجتمع الفلسطيني البطريركي الذي يُعلي من صوت الرجل في مقابل إقصاء وتهميش دور المرأة.

وتستمر الناقدة «كينيدي» في عرض آرائها النقدية لمؤلف إدوارد سعيد «الاستشراق» حيث تشير في الفصل الأول من كتابها إلى المواضع التي يبدو فيها سعيد إشكاليا غير متجانس، مشقوقا بالكثير من التعارضات وتشن المؤلفة نقدها للاستشراق بسبب استعمال صاحبه لمناهج غير متجانسة، بل إنها في الحقيقة متعارضة في صيغ تحليلها وغاياتها، ومن الأمثلة الدالة على هذه المناهج المتعارضة -حسب رأي فاليري كنيدي- هو مزج إدوارد سعيد بين منهج ميشيل فوكو ومفاهيم أنطونيو غرامشي حيث «تشير الكاتبة إلى عيوب اعترت منهج سعيد بدءا بمسألة التعريف وليس انتهاء بموضوع المنهجية والخلط بين غرامشي وفوكو والإنسانوية الغربية»(كينيدي،2016)

حيث تبدو هذه المناهج والتصورات متعارضة لا تلتقي حول غايات محددة كما أنّها لا تمتلك تصورا مشتركا حول المسائل الأساسية بشأن تعريف السلطة أو مفهوم التمثيل أو صيغ تفاعل القوة والمعرفة.

غير إن تأثيرات فوكو كبيرة جدّا وحاسمة في عمل إدوارد سعيد، وهو الشيء الذي صرّح به نفسه أثناء كتابته للاستشراق، كما صرح به مترجموه أيضا وعدة نقاد آخرين، ولذلك قام نقاد إدوارد سعيد ومعارضوه في عملية نقدهم لمؤلفه الاستشراق من الولوج من هذا الباب، ورأوا بأن عمق هذه التأثيرات الفوكوية قاد إلى العديد من المواقف المتناقضة في عملية تحليله للاستشراق.

إن اختلاط وامتزاج الهويات لدى إدوارد سعيد باعتباره فلسطينيا وأمريكيا في الوقت ذاته كان مثار نقد حاد عليه، فمن هذه الجهة ترى الناقدة «كينيدي» بأنه يوجد تعارض كبير واختلال في الانسجام في شخصيته وذلك من خلال «دوره الاجتماعي وموقعه الأكاديمي؛ إلى كونه داخل الأشياء وخارجها مما يولد تعارضات حادة بين موقفه والموقع الذي يشغله بالنسبة لفلسطين وأمريكا والمؤسسة الأكاديمية والفكر الغربي»(كينيدي، 2016)، غير أن هذه السمة في نظر العديد من النقاد قد أثرت وأغنت منجز إدوارد سعيد وساهمت في توسيع مجال اهتماماته، ولعل غزارة مؤلفاته وتنوعها دليل ملموس على ذلك.

لقد اتجهت الناقدة «سعاد العنري» في أطروحتها التي قامت من خلالها بنقد كتاب «الاستشراق «نفس اتجاه الناقدة «فاليري كنيدي» حيث عملت على الإشادة بعمل إدوارد المميز والشهير، وبعدها قامت بتعداد بعض السلبيات والمآخذ فهو حسب رأيها «عمّم أطروحته على جميع المنتج الاستشراقي متجاهلا نزاهة الاستشراق الروسي الألماني، وهو ما اعتذر عنه في كتابه «تعقيبات على الاستشراق». بالإضافة إلى أنه قد تجاهل كتابات بعض النساء الاستشراقية مثل ليزالوي Lizalwiوكتاب الأقليات مثل الهنود، وكأنه أخذ ما يخدم فكرته فقط بالفهم الإيديولوجي الضيّق، إن سعيد نقد الغرب بمفاهيم غربية وفكر وفلاسفة الغرب، فلم يكن عربيا أصيلا في نقده، وهذا نستطيع الرد عليه بأن الغرب استفاد من التطور المعرفي للعرب وقت النهضة الإسلامية مثل ابن خلدون وابن سينا، فهل سنرد على الغرب بمثل طريقتهم، معرفتنا لها ومعرفتكم لكم»(العنزي، 2015)

وتختم الناقدة «سعاد العنزي» مقالها بالإقرار والاعتراف بأنّ كتاب «الاستشراق» ورغم جملة النقائص والهفوات التي وقع فيها صاحبه، إلاّ أنه يبقى كتابا هاما في طرحه، وأنه يحمل مفاهيم هامة في الخطاب وتمثيل الآخر بشكل إيجابي وسلبي، وله عظيم الأثر في المنتج النقدي والأدبي العالمي.

لقد تطرق الباحث «هلال الحجري» إلى عرض بعض مؤيدي الناقد إدوارد سعيد وهو ما أطلق عليهم اسم السعيديون الذين تبنوا وجهة نظره واقتفوا آثاره فجاءت بذلك أعمالهم الإبداعية متشابهة لعمله في بعض القضايا المطروحة والمعالجة، ومن جهة أخرى تعرض إلى تيار آخر معارض لسعيد ومناقض له وهو ما أطلق عليه اسم اللاسعيديون، الذين قبلوا تحدي نظرية سعيد وعملوا على تفنيذ ما جاء به ومعارضته وإعادة قراءة نصوص المستشرقين الذين قرأهم سعيد وحلل نواياهم الإمبريالية معتبرين بذلك بأنه مخطئ في توجيهه هذا، ولقد جاءت قراءته نمطية تعميمية وضمن هذا التيار نجد الناقدة «كاثرين آن سامبسن»  KathrynAnnSampsonوالتي «زودتنا برؤية مختلفة، حيث أنها تجادل حول البعد الديني لكتابات «ريتشارد بيرتن» الذي بينه سعيد من خلال كتابه بأنه كان يحمل مهمة إمبريالية لتوضح «سامبسن» عكس ما ذهب إليه سعيد، مدعية بأن المستشرق «بيرتن» قد رفض المسيحية ليجد ملاذه في الصوفية الإسلامية كبديلا عنها، وعليه فإن «سامبسن» ومن خلال أطروحتها التي حملت عنوان «الحج الأدبي الرومانسي إلى الشرق 1999تتحدى منهج سعيد في تفسيره للنصوص الاستشراقية، وتجادل بأن الرحالة والمستشرق «بيرتن» وعلى الرغم من تصنيفه دائما في الدراسات النقدية على أنه مغامر استعماري فإن رحلته الشرقية كانت دينية أيضا، وسيرته الذاتية يوجد فيها بعض التفاصيل حول انضمامه إلى طائفة البراهما في الهند وتحوله النهائي إلى الإسلام عبر الصوفية»(الحجري، 2008)

إن الناقدة «سامبسن» من خلال رؤيتها النقدية هذه نلاحظ بأنها تخالف، بل تناقض ما ذهب إليه إدوارد سعيد حول المستشرق «ريتشارد بيرتن» حيث أسقطت عنه تهمة العمالة الإمبريالية، في حين كان سعيد قد بين ذلك وبتحليل دقيق صدق هذه التهمة في كتابه الاستشراق ، ممّا ألحق به العديد من الاتهامات والهجومات العنيفة من قبل المستشرقين الأكاديميين الذين لاموه على عمله هذا المتحامل عليهم، فسلطوا عليه عدة تهم وانتقادات لاذعة، من بينها اتهامه «بضعفه المنهجي ونقص معلوماته وتطرفه الإيديولوجي وإفراطه في النزعة الذاتية، لقد أحدث هذا الكتاب بعض الضجة، وهو يتضمن على هيئة النبرة الجدالية والمماحكات بعض الأفكار المهمة عن العلاقات بين الاستشراق والاستعمار. ولكن نظرا لأن المؤلف غير مطلع بشكل دقيق على إنتاجات كل بلد أوروبي في مجال الاستشراق، ونظرا لأن اطلاعه متفاوت القيمة على هذا الإنتاج، ونظرا لأنه لا يميز بين الأدبيات الاستشراقية المبتذلة أوالصحفية، وبين بحوث العلماء الحقيقيين، فإنه يرتكب أخطاء فاحشة ويقع في ظلم كبير»(حمدان، 2003).

انطلاقا من مختلف هذه الآراء النقدية نستنتج بأن الناقد إدوارد سعيد قد دخل عالم الاستشراق من أبوابه الواسعة بعد أن أصدر كتابه الرائد في هذا المجال «الاستشراق» سنة 1978، والذي بث من خلاله آرائه وأفكاره ووجهات نظره حول مؤسسة الاستشراق وأولئك المستشرقين العنصريين المشرفين عليه، ولقد أثار هذا الكتاب ضجة عارمة ولغطا شديدا في أوساط المستشرقين الذين هاجموه بعنف وحاولوا الدفاع عن أنفسهم ورفض ما قاله عنهم وعن أعمالهم في هذا الميدان، ولم يتوقف هذا النقد عندهم فقط، بل تعداه إلى العالم العربي من طرف بعض المثقفين العرب (صادق جلال العظم مثلا) والذي قال عنه بأنه «كتاب لم يوجه للغرب بل للشرق ليثير الشقاق والعداء بين الأمم وإن ما حدث من سوء فهم الغرب للشرق هو ناتج عن اختلاف الثقافات»(العنزي، 2015)

ونتيجة لكل هذه الآراء المؤيدة والمعارضة استطاع كتاب الاستشراق ومؤلفه أن يشقا دربا جديدا، فلكل هذه الانتقادات وكما عبر الناقد «كريم بجيت» «مرجعيات فلسفية ونظرية يطول الحديث عنها ويلزم رؤيتها كقرارات تكميلية وإغنائية بدلا من محاولات ترمي إلى تقزيم كتاب الاستشراق والنيل من مؤلفه»(بجيت،2007)

استنادا لكل ما قيل وانطلاقا من مختلف هذه الآراء النقدية بشقيها المؤيد والمعارض-وبعد دراستنا لهذه الشخصية الفكرية اللامعة- لا يسعنا إلا أن نقول بأن الناقد إدوارد سعيد يعد قامة فكرية ونقدية هائلة نظرا لما أنجزه من مؤلفات قيمة إبان مسيرة حياته الحافلة، وهو ما عبر عنه الناقد باتريك وليامز (patrickwilliams) بقوله: «في الواقع تعد مجموع آثار الكاتب إدوارد سعيد لافتة للنظر وجديرة بالملاحظة على نحو رائع واستثنائي، هذا الوجه المضخم الذي يلوح من بعيد في الآفاق الفكرية الواسعة، إن إدوارد سعيد أصبح على نحو متزايد معترف به لدى الجمهور على أنه واحد من المفكرين الحاضرين في أواخر القرن العشرين، الكثير من عمل إدوارد سعيد متشابك ومنشغل بالتحليلات في الإنتاجات الفكرية في كل الطرائق والأساليب وفي كافة المواقع المؤسساتية وغير المؤسساتية»(Patrick , 2001)

إن جُل أعمال الناقد إدوارد سعيد جد هامة إلاّ أن كتابه «الاستشراق» يعد أفضلها وأشهرها نظرا لكون مؤلفه سعى من خلاله إلى كشف زيف وعدم مصداقية الأعمال التي أنتجها المستشرقون، وتعريته ونقضه لما تنطوي عليه من مساعي إمبريالية خطيرة، ولعل «مازاد الطين بلة» -كما يُقال- هو أن هؤلاء المستشرقين من الكتاب المشاهير الذين يشهد لهم بعلو المرتبة، وبأحسن المؤلفات، وعليه فإن عمل إدوارد سعيد هو ما عبّرت عنه الناقدة «رنا قباني» بقولها: «وفي محاولتي لنزع هاته القداسة التي أحاطت بهؤلاء الكتاب ولاسيما (بورتون) و(لورانس)، كان لابد أن أسرد للقارئ الغربي البذاءات التي انطوت عليها كتاباتهم ورسائلهم والتي لم تكن تشف عن عقول ثقات من الباحثين والدارسين حسبما صوروا أنفسهم بل كانت تنم منها عقد نفسانية وجنسية ودينية اعتلجت في سرائرهم ووجدوا متنفسا في شرقهم الذي اخترعوه، فلقد تصور القارئ الغربي ولأمد طويل أنهم أنصاف آلهة»(قباني، 1993)

وعليه فإن هذه المهمة التي قام بها إدوارد سعيد لم تكن مهمة سهلة يسيرة، فلقد تكبّد معاناة شديدة جراءها، فاتهم بأنه بروفيسور الإرهاب، وهُدد عدة مرات، إذ «قدم الإعلام الصهيوني والفكر الصهيوني والمتغلغل في المؤسسات الجامعية التي وجهت له أعمال إدوارد سعيد النقدية ضربات قاصمة على أنه الجاني الذي خرج من القمقم العربي لتدمير كل شيء وأنه لابد من إعادته إلى هذا القمقم قبل فوات الأوان»(قاسم، 2000)

لكن ورغم كل هذه الضغوطات والعراقيل والمخاطر واصل إدوارد سعيد دربه الشائك والمحفوف بالمخاطر، وكان سؤاله الجوهري في ذلك هو أن يصدع بالحق أمام السلطة، فهو إذن وكما عبر الناقد H.aramVeeser«شخص قادر على قول الحقيقة للسلطة، فصيح يتمتع بجرأة عجيبة، غاضب من أولئك الذين لا يتمتعون بقوة دنيوية؛ أي الخبيرين بالحياة والناس بدرجة كبيرة، إنه عظيم ومهيب في كونه ناقدا حادا، إنه واحد من الأشخاص الذين مكانهم على رؤوس الأشهاد في طرح الأسئلة المركبة، إنه شخص لا يقدر أن يكون شريكا للحكومة»(Veeser , 2010)

واعتبارا لهذا أصبح الناقد إدوارد سعيد ذلك المفكر الطليعي الذي ساهم في تحرير الإنسان والإنسانية جمعاء من براثن الجمود والتخلف الذي ألحقته القوى الامبريالية الساحقة بالشعوب الضعيفة، ودعوتها إلى النهوض من كبوتها برفع ستار الذل والعبودية عنها، وعليه فبراعة إدوارد سعيد لم تكن تخصصية محدودة في المجالين الأدبي والنقدي فقط، بل كانت واسعة الأفق وشملت جميع ميادين الفكر، والأدب والنقد والثقافة في العموم.

خاتمة

لقد أفضى بنا البحث في نهاية المطاف إلى استنتاج جملة من النتائج نحصرها فيما يلي:

-بالرغم من عمق كتاب «الاستشراق» وانتشاره الواسع إلا أن «إدوارد سعيد» قد تعرض لموجة انتقادات حادة تناولته من عدة جوانب : إيديولوجية، منهجية، معرفية بينت كلها طريقة معينة في تموقع الناقد، لتحدد عموما طبيعة النقد لمنجز «إدوارد سعيد» معارضة أو دعما، ولقد كان أبرز النقاد الماركسيين المتحاملين عليه: الناقد «إعجاز أحمد» والناقد «مهدي عامل» والناقد «صادق جلال العظم» الذين انطلقوا من مذهبهم الإيديولوجي الماركسي، ولعل السبب الدافع وراء نقودهم هذه ما ذهب إليه إدوارد سعيد من اعتبار كارل ماركس-وهو أكبر ثائر ضد الرأسمالية الغربية- استشراقيا، أي أنه كان سائرا في نفس اتجاه النظرة الإمبريالية  بصفة ما، وهذا بعدما أورد مقولته الشهيرة «إنهم عاجزون عن تمثيل أنفسهم ينبغي لهم أن يمثلوا»، وضمنها كتابه «الاستشراق» فماركس حسب تأويل «إدوارد سعيد» يشير للشرقيين، الشيء الذي أثار حفيظة المفكر الشيوعي «مهدي عامل» وحدا به إلى إصدار كتاب للرد عليه وعلى منهجه - وهو أجود ما كتب - أسماه «هل القلب للشرق والعقل للغرب ماركس في استشراق إدوارد سعيد».

أما بالنسبة لقراءة ونقد المفكر العلماني «صادق جلال العظم» فلقد وقعت في استقطاب الإيدولوجيا الماركسية، ورفضت نقد إدوارد سعيد للاستشراق والهيمنة، ووجدت أنه نوع من الاستشراق المعكوس، أي أنه قرأه في زحمة الخطابات الإيديولوجية، والأمر نفسه بالنسبة للناقد الهندي «إعجاز أحمد».

أما النقد المنهجي الموجه إلى «إدوارد سعيد» وكتابه» الاستشراق» فلقد كانت حجة أصحابه في ذلك هي اعتبار منهج «إدوارد سعيد» تعميميا يعوزه القصور والدقة.

في حين تمثل الخلل المعرفي الذي وقع فيه «إدوارد سعيد» في خلطه لكثير من الأمور، وعدم التعامل المنسق في الإنتاج الفكري للعديد من الأسماء الثقافية التي ضمنها كتابه «الاستشراق».

وختاما نقول : إن الدعوة إلى تحقيق قراءة نقدية متجددة وواعية لكتابات «إدوارد سعيد» لا تزال أمرا مطلوبا وضروريا، وهذا راجع أولا إلى ثراء الأرضية النظرية لأعماله الشيء الذي يرشحها لتفريخ كثير من الأفكار والاستقطابات الفكرية، ويرشحها لقراءات متتالية لا تستنفذ هذا الثراء الكامن، وثانيا إلى عملية إساءة القراءة والتشويه الإيديولوجي والسياسي الذي وقع فيه عدد من المثقفين العرب الذين قرؤوا منجز «إدوارد سعيد» من منطلق تموقعاتهم الخاصة، الشيء الذي يخرج النقد من دائرة العلمية والموضوعية والحياد، وبالتالي إنه من الضروري إعادة قراءة هذا المنجز بشكل أقل حدة أي قراءة نقدية تفكيكية مثل التي قام بها هو في قرائته للاستشراق.

المراجع

المناصرة، عز الدين. 2006، علم التناص المقارن (نحو منهج عنكبوتي تفاعلي)، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان – الأردن. 

الموسوي، محسن جاسم. 2005، النظرية والنقد الثقافي (الكتابة العربية في عالم متغير واقعها، سياقاتها وبناها الشعورية)، دار الفارس للنشر والتوزيع، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان. 

فخري، صالح. 2009، إدوارد سعيد دراسة وترجمات، الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر، منشورات الاختلاف، بيروت. 

 سعدي، إبراهيم. 2009، الوطن العربي نظرات في الثقافة والمجتمع، منشورات البرزخ، الجزائر. 

5- قاسم، محمود. 2000، من كتاب موسوعة أدباء نهاية القرن العشرين، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة.  

 قباني، رنا. 1993، أساطير أوروبا عن الشرق، لفّق تَسٌدْ، ترجمة: قباني، صباح، دار كلاس للدراسات والترجمة والنشر (ب.د.ب).   

كينيدي، فاليري. 2016، إدوارد سعيد مقدمة نقدية، ترجمة:تاج هاشم، ناهد، المركز القومي للترجمة، القاهرة.

المجلات العلمية

 بجيت، كريم. 2007،» بين الأدب والنقد والسياسة قراءة في كتابات إدوارد سعيد»، مجلة بصمات، العدد (2).

طلبي، محمد حسين. 2013، «الصهيونية تكمن دائما وراء الأكمة كتاب رنا قباني «رسالة إلى الغرب» يحمل في طياته رسائل للشرق»، مجلة دبي الثقافية، العدد (92).

الحجري، هلال. 2008،» أدب الرحلات والاستشراق.. البحث عن منهج»، مجلة نزوى، العدد (55).

الناهي، هيثم غالب. 2014، « إدوارد سعيد مابين استشراق الاستشراق وما بعد الاستشراق»، مجلة المستقبل العربي، العدد (426).

الرسائل الجامعية

 الغطيس، نضال محمد علي. 2012، « إدوارد سعيد كنموذج في خدمة القضية الفلسطينية»، (رسالة غير منشورة)،بحث مقدم استكمالا لمتطلبات دبلوم دراسات اللاجئين، أكاديمية دراسات اللاجئين، لندن.

الندوات والمواقع الإلكترونية

إدوارد سعيد من ويكيبيديا الموسوعة الحرة، الموقع:

Org/wikipercentage25A5percentage15D8percentage25AF%25D9%2588%2...

العنزي، سعاد. 2014، استشراق إدوارد سعيد ماله وما عليه،

www.matenalarab.com2014/03/blog.post4930html

 الفيا، عبد المنعم عجب. 2007، الاستشراق: في نقد أطروحة إدوارد سعيد،

http://sudanessonline.com/cgi.bin/sdb/2bb.cgi1.3FSeq%3DMSg%26board

 حمدان، عبد الحميد صالح. 2003، إدوارد سعيد وعالم الاستشراق، قضايا وآراء،

http://www.ahram.org/archire/2003/10/12/opingHTM2003

هاشمي، غزلان. 2013، ما بعد الكولونيالية من المركز إلى الهامش، موقع مسارب،

http://masareb.com/?p=4642

دراج، فيصل. 2010، إدوارد سعيد في مرآة إعجاز أحمد.

http://www.arab48.com%3Fmod%3darticles%26Id%3D25146

 مغنية، لمياء. 2015، الاستشراق في تأويل إدوارد سعيد ونقد مهدي عامل،

http://al.mashour.org/nade38885

كاظم، نادر. 2003، «إدوارد سعيد و»الاستشراق» والتلقي العربي»، ندوة فكرية بعنوان (إدوارد سعيد داخل المكان)، كلية الآداب، جامعة البحرين.

المراجع باللّغة الأجنبية

Veesr , H. Arm. 2010, Edward Said The Charisma Of Criticism,  By Rautledge 270 Madison, New york.

Williams, Patrick. 2001.  Nothing in the post?-Said and the problem of post- colonial intellectuals,New york.

@pour_citer_ce_document

نادية بوحاريش, «كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد بين مؤيد ومعارض (قراءة نقدية في الآراء)»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 61-73,
Date Publication Sur Papier : 2022-12-05,
Date Pulication Electronique : 2022-12-05,
mis a jour le : 05/12/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8971.