نحو الطبقات القالبي والخطاب الشّعري؛ قصيدة في سرنديب للبارودي أنموذجا «المستوى البلاغي وطبقاته» Module layered grammar and poetic discourse, the case of In Serendib written by Barudi, “rhetoric level and its three layers” La grammaire modulaire et le discours poétique : le poème Ceylan d’al-Barudi comme modèle «Le niveau rhétorique et ses trois composantes»
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 19-2022

نحو الطبقات القالبي والخطاب الشّعري؛ قصيدة في سرنديب للبارودي أنموذجا «المستوى البلاغي وطبقاته»
La grammaire modulaire et le discours poétique : le poème Ceylan d’al-Barudi comme modèle «Le niveau rhétorique et ses trois composantes»
Module layered grammar and poetic discourse, the case of In Serendib written by Barudi, “rhetoric level and its three layers”
ص ص 74-86

خيرة لعرق
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يجمع نحو الطّبقات القالبي  بين ثلاثة مستويات: المستوى البلاغي، المستوى العلاقي(التّداولي)، المستوى التّمثيلي(الدّلالي)، والمستوى البنيوي.

تسعى الدّراسة إلى استنطاق قصيدة محمود سامي البارودي «في سرنديب» بآليات ومعاول الوظيفية، من خلال نموذج مستعمل اللّغة في نحو الطّبقات القالبي، بالتّركيز على المستوى البلاغي. ويضمُّ هذا الأخير ثلاث طبقات: تبحث الطّبقة الأولى عن ذات المتكلّم في نصّه والسّمات الأساسية التي تُؤشِّر له، أمّا الطّبقة الثّانية المُتمثّلة في طبقة نمط الخطاب، فتنظُر في الغرض المُتوخّى من خلال الآلية المُشغّلة في النّص، في حين تتجلّى الطّبقة الثّالثة؛ طبقة أسلوب الخطاب في عدّة وظائف، جسّد من خلالها الشّاعر أفكاره ونقل تجاربه في إطار زمكاني معيّن.

معلومات حول المقال

تاريخ الاستلام 22-03-2020

تاريخ القبول 15-05-2022

 

الكلمات المفتاحية

وظيفة

خطاب

طبقة

المستوى البلاغي

البارودي

Dans la grammaire modulaire, il existe plusieurs niveaux, qui sont : le niveau rhétorique, le niveau pragmatique, le niveau sémantique ainsi que le niveau structural.

La présente étude a pour but d’étudier profondément le poème écrit par Baroudi en recourant à des mécanismes fonctionnels selon le modèle de l’utilisateur de la langue . Il est à noter qu’on va concentrer sur le niveau rhétorique qui englobe, à son tour, trois.

La première couche, appelée couche du centre déictique, cherche à identifier l’âme de l’orateur dans le texte ainsi que les traits principaux qui l’identifient. La couche du type du discours s’intéresse à l’objectif visé à partir du mécanisme adopté dans le texte, alors que la troisième couche « la couche du style du discours » joue plusieurs rôles aidant le poète à concrétiser ses expériences dans un cadre spatiotemporel particulier.

      Mots clés

fonction

discours

couche

niveau rhétorique

 

Module layered grammar involves many levels: rhetoric level, pragmatic level, semantic level and structural level. Thus, the research aims at studying deeply the poem In Serendib written by Barudi using functional mechanisms through the language used model . this study will focus on the rhetoric level which includes three layers: Deictic center layer, discourse type layer and discourse style layer.

The first layer, called Deictic center layer, looks for the speaker’s soul in the text, in addition to main features that define him. Type discourse layer is interesting in the goal that the speaker aims through the mechanism he adopts in the text. The third layer “style discourse layer” plays many roles helping the poet in achieving experiences in a  given spatiotemporal frame.

Keywords

function

discourse

layer

rhetoric level

 

Quelques mots à propos de :  خيرة لعرق

د. خيرة لعرق      Dr . Khiayra Laragجامعة محمد لمين دباغين  سطيف2 ،الجزائر manba3alwafa213@gmail.com

مقدمة

تمكّنتْ نظرية النّحو الوظيفي من تطوير جهازها الواصف، بإدخال جملة من التّعديلات، جعلتها تتجاوز نموذج نحو الجملة إلى نحو النّص ثم نحو الخطاب. «فقد أفرزت النّظرية منذ نشأتها وخلال تطورها مجموعة من النّماذج هي: النّموذج النّواة(ما قبل المعيار)(دك 1978)، ونموذج المعيار(دك 1997)، ثم نموذج «النّحو الوظيفي المتنامي» (ماكنزي1998)، يليه «نحو الطّبقات القالبي» (المتوكل 2003)، ثم «نحو الخطاب الوظيفي» (هنخفلد وماكنزي 2008)، وأخيرا «نحو الخطاب الوظيفي الموسّع» (المتوكل 2011).(أحمد المتوكل،2012م).

يسعى نحو الطّبقات القالبي إلى تعميق مكوّنات القدرة التّواصلية (الملكة اللّغوية، الملكة المنطقية، الملكة المعرفية، الملكة الإدراكية والملكة الاجتماعية والملكة الشّعرية) وتوسيع طبقاتها، حيث يجمع بين ثلاثة مستويات هي: المستوى البلاغي، المستوى العلاقي(التّداولي) ، المستوى التّمثيلي(الدّلالي)، والمستوى البنيوي (مقام تحقق السّمات المُمثّل لها في المستويات الثّلاثة). وسيتم التّركيز في هذا المقال على المستوى البلاغيّ بطبقاته الثّلاث من خلال قصيدة «في سرنديب» لمحمود سامي البارودي.

شعر البارودي(1838م-1904م) هو حياته، فكلّ قصيدة في ديوانه صورة لحالة نفسيّة من حالات هذا الشّاعر الملهم، والدّيوان في مجموعه صورة للعصر الذي عاش فيه، وللبيئة التي أحاطتْ به، حيث كتب في الحكمة والحنين والحبّ..(البارودي، 1940م). ظهر البارودي في زمن كان فيه الشّعر يُعاني التّكلّف والمعنى الهزيل(حنّا الفاخوري، 2005م)، فبعثَ الشّعر العربي خلقًا جديدًا(الديوان، 1940م)، ومن يَطَّلِعُ على كتابه «مختارات أدبية» يَشْهدُ بحسن ذوقِه، ودقّةِ اختياره، وتأنّقه في اختيار غذاءِ عقلِه، كما يَشْهدُ بكثرةِ محفوظِه، فهو يَمتَلِكُ ناصيةَ اللّغةِ، يتصرَّفُ فيها تصرُّف العليمِ الخبيرِ بأسرارها(عمر الدسوقي، 1994م، ).

ولد البارودي في القاهرة، من أسرة جركسية ذات نسب وجاه، وتسمية البارودي نسبة إلى «إيتان البارود» بمديرية البحيرة. تيتّم صغيرا وهو في السابعة من عمره. تلقى دروسه الأولى في البيت حتى بلغ الثّانية عشر. ثم التحق بالمدرسة الحربية، تخرج منها سنة 1854م. سافر إلى القسطنطينية، ثم إلى انجلترا وفرنسا ودرس نظام جيشهما. عاد إلى بلاده تولى قيادة كتيبة من الفرسان، واشترك في الحروب العثمانية التي جرت بين بني عثمان ورجال البلقان وأبلى فيها بلاءً حسنًا، ولمّا شبّت الثّورة العرابية كان من خائضي غمارها.(حنا الفاخوري، 2005م، وعمر الدسوقي، 1994م). الشّاعر رائدٌ من روادِ حركةِ النّهضة في الوطن العربي، وزعيم مدرسة البعث والإحياء، التي أعادتْ للشّعر العربي بريقهُ ورونقهُ، بعدما كان غارقًا في التّقليد والتّكلّف والصّنعة المَقِيتَة.

تُركِّز الدّراسة على المستوى البلاغي بطبقاته الثّلاث. يضمُّ هذا الأخير: السِّمات الخطابية الأساسية؛ تلك التي تُؤشِّر للمركز الإشاري، وما يُنسَج بين المُتخاطبين من علاقات وزمان ومكان التّخاطب، والنّمط الذي ينتمي إليه الخطاب (أدبي، علمي، إشهاري، ديني، قانوني، سردي، حجاجي..)، بالإضافة إلى الأسلوب المُتّخذ (رومانسي، إنشائي، تقريري، رسمي، مهذب..).(نعيمة الزّهري، 2014م)، وهي كالآتي:

المستوى البلاغي في نحو الطّبقات القالبي

طبقة المركز الإشاري

المُنطلَق في هذه الطّبقة هو البحث عن ذات المتكلّم في نصّه، وقد تمّ التّأشير الصّريح له من قِبَل الشّاعر، دون التّأشير للمُخاطب في عمومه (القارئ) إلاّ نادرًا، فالقصيدة حافلة بالمُؤشِّرات(تعبيرات تُحيل إلى مكوِّنات السّياق الاتصالي(يُستقى تفسيرها منه)، وهي المُتكلّم والمُتلقي وزمن المنطوق، ومكانه... (فان دايك، 2001م)). التي ترمزُ إلى حضور المُتكلّم؛ ذلك أنّنا بصدد خطابٍ ذاتي؛ أيْ وصف وليس محاورة (نعيمة الزهري،2014م)،وقد تَحقَّقتْ من خلال تكرار المُؤشّرين الضّميرين البارزَيْن المتمثِّليْن في «ياء المخاطب» و«تاء المتكلّم»، نذكر أمثلة لذلك قول الشاعر: (نَفْسِي، تَلُمْنِي، ظَنِّي، أَصْبَحْتُ، «أَبِيتُ، لَاقَيْتُ..). وبالتّالي طغيان الجانب الذّاتي على القصيدة، فالشّاعر هو الشّخصية الفاعلة في النّص،و«المركز الإشاري»؛(المركز الإشاري: مجموع العناصر المُؤشِّرة إلى المُتكلِّم والمخاطب ومكان التّخاطب وزمانه)(أحمد المتوكل، 2009م. ومحمد الحسين مليطان، 2014م)) له؛ يصفُ مشاعره وإحساسه بالظُّلم ويفتخر بنفسه كذلك، ذلك أنّه عاش الأحداث وآلامها، فلا أحد يستطيع أن يتحدّث عن الذّات وآلامها وأشواقها ويفتخر بها أكثر من الذّات نفسها، بخاصة وأنّها عاشتْ التّجربة، فلها القدرة على وصف كلّ الأحداث وبدقّة.

رغم التّأشير الصّريح لذات المتكلّم وحديثه عن نفسه وما مرّ به، لكن كانت قضيتُه الأساسية هي طرحُ قضايا وحقائق عن عصره وتخليدها للعبرة، ومنه خروج الشّاعر من الحديث عن الذّات إلى استخدامه للعموم بالمُكَوِّن؛(المكوّن: هو جزء من أجزاء الجهاز الواصف داخل نظرية لسانية معيّنة؛ عنصر مستقل عن العناصر الأخرى بمبادئه وقواعده، ويتعالق مع تلك العناصر فيكون إمّا دخلًا أو خرجًا لها(محمد الحسين مليطان،2014م))(لِلْمَرْءِ) وضمير المُخاطَب المنفصل(أَنْتُمْ) في قوله:  

لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ   

                                                  فِي ظُلْمَةِ الشِّكِ لَمْ تَعْلَقْ بِهِ النُّوَبُ.

(البسيط)

فَيَا سُرَاةَ الْحِمَى مَا بَالُ نُصْرَتِكُمْ    

ضَاقَتْ عَلَيَّ؟ وَأَنْتُمْ سَادَةٌ نُجُبُ.

(محمود سامي البارودي،  1940م)

أمّا بالنّسبة لزمان ومكان التّخاطب، فبعد سلسلة من أعمال الكفاح والنّضال ضدّ فساد الحكم وضدّ الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882م، نُفِيَ الشّاعر مع زملائه زعماء الثّورة العرابية إلى جزيرة «سرنديب» (سيلان)، أقام بها سبعة عشر عامًا وبعض عام. أقاموا جميعًا في «كولومبو» سبعة أعوام، بعدها نُقِل الشّاعر إلى «كندى» حيث قضى عشرة أعوام(الديوان، 1940يُعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه، وفي منفاه وطوال تلك الفترة قال قصائده الخالدة، التي من بينها القصيدة موضوع الدّراسة، حيث سكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ورثى فيها من مات من أهله وأحبابِه وأصدقائِه، وتَذَكُّر أيام شبابه وما آل إليه حاله.(عمر الدسوقي، 1994م). فهو زمنٌ مرتبطٌ بالأحداثِ التي وقعتْ للشّاعر.

يُسيطِرُ على القصيدة زمنان: الحاضر والماضي، يرتبطُ الأول بحادثةِ المنفى وواقعه المُزري، أمّا الزّمن الماضي فيمكن تقسيمه إلى زمنين؛أحدهما ماضٍ قريب تُمثلهُ سنواتُ الظّلمِ والقهر التي نتجَ عنها نفيُه، وآخر ماض بعيد يرتدُّ إلى سنواتِ عزِّه ومَجدِه.

ما يُلاحظ على زمنِ القصيدةِ هو ذلك «التّداخل الكبير جدّا بين الزّمنين الماضي والحاضر، فهما متشابكان لدرجة يَصعُب فيها الفصلُ بينهما، يرجع السّبب إلى أنّ القصيدة جاءتْ بضمير المُتكلِّم الذي جعل منها حركة استرجاعية عائمة في الماضي.»(وردة معلم، 2015م).

إنّ كلّ حدثٍ في هذا الوجود مرتبط بزمن ومكان طبيعيين. فالمكان هو الحيّز الجغرافي المادي الذي تَجرِي فيه كلّ الأحداث، هذه الأخيرة مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بزمن ما.

يُوجدُ في القصيدة زمن ومكان آخرين غيرهما مرتبطيْنِ بالكاتب؛  فأمّا الزّمن، فزمنٌ داخليٌّ متعلّقٌ بنفسيّة الشّاعر وحالته الشّعورية، هذا الزّمن زمنٌ نصيٌّ يُحيلُ على دلالتين؛ دلالة سلبيّة؛ تظهرُ من خلال «المبيت» في قوله: «وَلَا بَاتَ قَلْبٌ فِي الْحَشَا يَجِبُ»، «أَبِيتُ فِي غُرْبَةٍ لَا النَّفْسُ رَاضِيَةٌ بِهَا»، فالمَبيتُ يُحيلنا على اللّيل(زمن)، هذا الأخير له دلالة السّكينة والاستقرار، لكنّ توظيف الشّاعر له يُوحي بالمعاناة والهموم والآهات، فبدَا مريرًا مُحمّلًا بالأوجاع والحُرْقة والأنين.

هناك دلالةٌ زمنيةٌ أخرى تظهرُ من خلال رؤيةِ الشّاعر الإيجابية، وهو ما اختتم به القصيدة في قوله: «فَسَوْفَ تَصْفُو اللَّيَالِي بَعْدَ كُدْرَتِهَا» وهي نظرةٌ متفائلةٌ ومشرقة لغدٍ أفضل. فالشّاعر برؤيته هاته  يقول: إنّه مهما طالَ الزّمن وكان الوضع غائما مُتكدِّرا، فجزاءه لا محالةَ صفاءٌ لأيامه، وأنّ الأمور مصيرها للتّغيير إلى الأفضل مهما بعُد ذلك وتأخّر.

يُمثّل المكانُ عنصرًا مُهِمًا في فضاءِ القصيدة، ومَركَزًا تدور حولَه كلّ الأحداثِ، والمتمثّل في منفاه «سرنديب»، في قوله:

أَبِيتُ فِي غُرْبَةٍ، لاَ النَّفْسُ رَاضِيَة          

        بِهَا وَلاَ الْمُلْتَقَى مِنْ شِيعَتِي كَثَبُ.

لِي عِنْدَ سَاكِنِهَا عَهْدٌ شَقِيتُ بِهِ          

       وَالْعَهْدُ مَا لَمْ يَصُنْهُ الْوِدُّ مُنْقَضِبُ.

مَنَازِلٌ كُلَّمَا لاَحَتْ مَخَايِلُهَا 

فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ مِنِّي هَاجَنِي طَرَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م).

يُعدّ العنوانُ عتبةً للوُلوجِ إلى عالم القصيدة، والعنوانُ «في سرنديب» يَحمِلُ طاقة وشُحنَة دلالية كامنة، تتجلّى في ذلك المكان المادي الذي لا روحَ فيه ولا قيمة له، مكانٌ للعقابِ المُستبدِّ الظّالمِ، عنوانٌ لكلّ شعور بشع، وبالتّالي ارتبط المكان في الأبيات بذاكرةِ الشّاعر وماضيه الأليم، ومُثوّر ذلك كلِّه شُعوره بالوحدة والقهر، وكذا البُعد عن الدّيار(مصر) وحنينه إليها. فالشّاعر يرفض ويمقتُ هذه البيئة، كيف لا وهي منفاه القسري. يعيش فيها بحرقة الظُّلم والضّيق، فيبدو المكان وكأنّه وحش إلتهم بقسوة أجمل سنوات عمره وأيامه.

أمّا بالنّسبة للزّمن والمكان الخارجيين للقصيدة وفق هذا النّمط الشّعري الخطابي فهو مُمتَدٌّ؛ ذلك أنّها(القصيدة) صالحة لكلّ زمان ومكان، نسج من خلالها الشّاعر علاقات حوارية بينه وبين المخاطبين عبر الزّمن وفي كلّ مكان، وأكبر دليل تناولها بيننا إلى اليوم بالدّرس والتّحليل.

طبقة نمط الخطاب

من حيث المجال(الموضوع)

إنّ تنميط القصيدة ـ موضوع التّحليل ـ يكون بالنّظر إلى الغرض التّخاطبي المُتوخى، فالقصيدة التي يحتويها الجزء الأول من الدّيوان، فيعمومهاتنتمي، في مجال الخطاب، إلى الشّعر السّياسي التّحرُّري، الهادف إلى بعث الرّوح الوطنية، لأجل الوقوف في وجه الظّالمين الطّغاة، والنّهوض بالدّين والوطن، وقد دعت إليه ظروف الاحتلال للبلاد العربية، وظهور موجة الحركات التّحررية في الوطن العربي، والظّروف السّياسية، بخاصة ظاهرة نفي الشّعراء. كما أنّها(القصيدة) تنتمي إلى فئة الخطاب الأدبي الذي يتميّز بسمتين أساسيتين اثنتين هما:

السّمة الأولى: حضور المتكلم في نصّه حضورا قويّا وصريحا: تمّ الحديث عنه في طبقة المركز الإشاري. أمّا السّمة الثانية، فسيتمُّ الّتفصيل فيها من خلال ما اقترحه الباحث أحمد المتوكل في كتبه التي ألفها في السنوات(1995م)، (1996م)، (1998م)، (2001م)، (2003م) بخصوص إضافة قالب إبداعي «أو القالب التَّخْيِيلي كما أسماه البوشيخي»(عز الدين البوشيخي،2012م). إلى قوالب نموذج مستعمل اللغة الطبيعية، تكمن وظيفته في رصد المَلَكَة الإبداعية التي تُسعِف في إنتاج وفهم الخطاب الفنّي بوجه عام. التّفصيل فيها في الطبقة الموالية؛ طبقة أسلوب الخطاب.

من حيث الآلية المشغلة

تُنمَّطُ القصيدة بالنّظر إلى الآلية المُشغَّلة في خانة الخطاب الوصفي الفنّي، فالوصف في القصيدة عند «البارودي» تناول جانبين؛ جانبا معنويا تَمثّل في وصفه لأحاسيسه ومشاعره وهو الغالب على القصيدة، وآخر ماديًا من وصف للمبيت والأشخاص والدّيار والأحداث ووصف الحقائق بأسلوب فخم وجزل.

من حيث الوجه

يتمثّل الوجهفي موقف المتكلِّم من فحوى القضية سواء أكان هذا الموقف رأيا شخصيا في صدق القضية أم الإشارة إلى المرجع المعتمد في الحكم على صدقها. (محمد الحسين مليطان، 2014م).

تُصنّف القصيدة من حيث الوجه ضمن لائحة الخطابات الذّاتية، وتُنْعَتُ كذلك لأنّها تصدر عن المتكلّم بِعَدِّه كائنًا حيًّا يُوشِّح خِطابَه بألوان من الانفعالات، ويُضِّمنُه مواقفه ووجهات نظره.(نعيمة الزهري، 2014م).

اللاّفت للانتباه في القصيدة مزاوجة الشّاعر في أبياته بين الجمل المثبتة والمنفية، والتي تُحدّد موقفه من ورود فحوى ما يُخبر به، ممّا يعني أنّنا بصدد النّفي بعدّه وجهًا معرفيًا. ومن الوسائل الصّورية المُسخرة للتّعبير عن ذلك الأدوات «لا»، «لم»، «ما»، «ليس»، والتي تَجسّدتْ من خلال المواقف والحكم والعبر والقيم والعظات..(نعيمة الزهري،2014م)،التي تَعُجُّ بها القصيدة منها:

-الظُّلم، نذكر مثالا لذلك:

لَمْ أَقْتَرِفْ زَلَّةً تَقْضِي عَلَيَّ بِمَا          

        أَصْبَحْتُ فِيهِ، فَمَاذَا الْوَيْلُ وَالْحَرَبُ؟

أَبِيتُ فِي غُرْبَةٍ لَا النَّفْسُ رَاضِيَةٌ       

بِهَا، وَلَا الْمُلْتَقَى مِنْ شِيعَتِي كَثَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م).

يتحدّث الشاعر هنا بأسى عن الظُّلم الذي تعرّض له وسُلِّط عليه، وعن قلّة الصّديق ونُدرة الوفاء(شوقي ضيف)، كما كان لتكرار مُؤشِّرات النّفي دور في الدّفاع عن نفسه، وإيصال مشاعره خاصة في لحظات تفجُّعه لفقدان زوجته وأولاده ووالدته، فقد أصبح وحيدًا في تلك الحياة؛ حياة الغربة والنّفي، فساءت حاله وتحطّمتْ نفسُه حتى قال:

فَلاَ رَفِيقٌ تَسُرُّ النَّفْسَ طَلْعَتُهُ     

وَلاَ صَدِيقٌ يَرَى مَا بِي فَيَكْتَئِبُ

 (محمود سامي البارودي، 1940م).

كما تحدّث عنالخمول: وقد ورد في قوله: (وَلَا يُشِيدُ بِذِكْرِ الْخَامِلِ النَّشَبُ).

القيم السابقة الذِّكر كلّها قيمٌ سلبية نَفَر منها هو، ويَنفُر منها كلّ طبعٍ وذوقٍ سليم، وهي معانٍ يستنكرها الإسلام. فالبارودي من خلال هذا الوجه المعرفي «النّفي» الغالب على القصيدة «ينفي عن نفسه فكرة طمعه في الملك، مُحاولًا أن يَرُدّ  ثورته إلى طَمَعٍ في أن يسود العدل حكم مصر، وأنّه انساق إلى ذلك بباعثٍ من الدّين الحنيف الذي يأمر أتباعه أن ينصحوا للنّاس والحكام بإتباع المعروف والانتهاء عن كلّ مُنْكَر، مُؤكِّدا أنّه ثار لدينه ووطنه.»(شوقي ضيف، 2006).

كما نجد الوجه الذّاتي الإيجابي للنّفي والمتمثّل في: الرِّفعة والسّمُو:

لَا يَخْفَضُ الْبُؤْسُ نَفْسًا وَهْيَ عَالِيَة      

              وَلَا يُشِيدُ بِذِكْرِ الْخَامِلِ النَّشَبُ.

أَثْرَيْتُ مَجْدًا، فَلَمْ أَعْبَأْ بِمَا سَلَبَتْ    

أَيْدِي الْحَوَادِثِ مِنِّي، فَهْوَ مُكْتَسَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940).

يشدو «البارودي» بالقيم والمبادئ السّامية، و»يستهين بما صُودِر من أملاكه، ويقول: إنّه إن كان قد تعرَّى من المال والسّلطان فإنّه يكتسِي بأعماله وأمجاده ما قدّم لوطنه من خدمات، ويفعمه الرّجاء في أنّ ما صار إليه من النّفي ستنحسر عنه بلواه»(شوقي ضيف، 2006)، والشّاعر هنا استغنى بالمجد والعزّ والشّرف، لذا لم يهتم بما سلبته الحوادث، فهو شيء عارضٌ يمكن استعادته واكتسابه.

الشّجاعة المَشُوبة بالاتزان والرّزانة:

إِنِّي امْرُؤٌ لَا يَرُدُّ الْخَوْفُ بَادِرَتِي          

وَلَا يَحِيفُ عَلَى أَخْلاَقِيَ الْغَضَبُ

وَمَا أُبَالِي وَنَفْسِي غَيْرُ خَاطِئَةٍ               

 إِذَا تَخَرَّصَ أَقْوَامٌ وإِنْ كَذَبُوا

(محمود سامي البارودي، 1940م).

الشّاعر هنا لا يُبالي لما تعرّض له؛ «ذلك أنّه نهض بأمور الوطن حين كان صولجان الحكم بيده، ووقف مع أمته في مِحنَتِها، فلم يغدر ولم يخن ابتغاء متاعٍ زائل..»(شوقي ضيف، 2006).

الوجه الذّاتي المُؤكِّد للقيمة الإيجابية المثبتة، المتمثلة في الصّبر والاحتساب، في قوله:

مَلَكْتُ حِلْمِي، فَلَمْ أَنْطِقْ بِمُنْدِيَةٍ 

    وَصُنْتُ عِرْضِي، فَلَمْ تَعْلَقْ بِهِ الرِّيَبُ

فلَاَ يَظُنُّ بِي الْحُسَّادُ مَنْدَمَةً              

فَإِنَّنِي صَابِرٌ فِي اللهِ مُحْتَسِبُ.

(محمود سامي البارودي، 1940م).

يُوحي البيتان بأنّ البارودي ورغم كلّ ما مرّ به غيرُ نادمٍ على ما قدّم من تضحيات في سبيل دينه ووطنه، معتزًّا بنفسه في كلّ ذلك، مقاومًا للمحنة بروحٍ قويّةٍ وصلبة.   

يتّضح من خلال ما تقدّم أنّ المعاني المبثوثة في القصيدة جاءت تعبيرًا عن الصّمود أمام الظُّلم والصّبر على الشّدائد، فهو يُعطي القدوة لغيره من خلال ثقته بالله أولًا وبنفسه ثانيًا بانجلاء السّواد وصفاء اللّيالي، وهو ما وقع له بالفعل قبل وفاته.

انبرى الشّاعر في القصيدة للدّفاع عن مواقفه التي أدّت به إلى كارثة النّفي، مُستخدِما في ذلك الوجه المعرفي المُتمثِّل في النّفي الذي ورد بكثرة، وليرُدَّ كلّ» الاتهامات التي وُجِّهتْ إليه.

طبقة أسلوب الخطاب

إنّ الشّاعر في تَمثُّلِه لتجربته يحتاج إلى وسيلة ليُجسِّد بها أفكاره، ويتَّضِح فيها أسلوبه الذي يُجسّد عواطفه وآلامه وأحاسيسه. جاء أسلوب القصيدة مزيجا بين الأسلوب الخبري المناسب لتقرير الحقائق، والأسلوب الإنشائي الحافل بالإيحاء والتّلميح. تجسَّدتْ هذه الطّبقة في ثلاث وظائف هي كالآتي:

الوظيفة الفكرية والنفسية

تتمثل في «الحكمة» و«الفخر والاعتزاز» بالإضافة إلى الوصف.

إنّ الشّاعر عند توظيفه للحكمة في القصيدة لم يكن ناقلًا لقوالب جاهزة، بل ابتكرها في صيغ وتراكيب مَنْهلُها الأوّل تجربتُه مع الحياة ودقّة تأمُّله فيها، بالإضافة إلى منبتِه الإسلامي. كما أنّ هذه التّعابير لم يبثّها دفعة واحدة بل كانت مُتفرّقة، بحيث شكّلت تماسكًا وتلاحُمًا متوازنًا على مستوى النّص من خلال أدائها لوظيفة الرّبط بين أجزائه. بذلك يكون الشّاعر قد استغل الحكمة استغلالًا مميّزًا أصبحتْ دلالتُه أقوى وأعمق وأكمل.

أمّا من النّاحية الوظيفية فعندما نُمعِن النّظر جيّدا يتبيّن لنا أنّ هذا التّوزيع لأبيات الحكمة لم يكن عبثًا، بل كان لغاية تمثّلت في كوْن الشّاعر عندما تضيقُ به الحياة يلجأ إلى الحكمة ليُعبِّر عن تماسُكه الفكري والنّفسي، نذكر مثالًا لذلك قوله في البيت الأول من أبيات الحكمة:

لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ       

فِي ظُلْمَةِ الشَّكِّ لَمْ تَعْلَقْ بِهِ النُّوَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م)

يحتل البيت المرتبة الرّابعة في القصيدة؛ فبعدما تثاقل قلب الشّاعر من حمل الأشواق والحنين، وتثاقلت نفسه من الحسرة الحزن، وصار يبكي ويشكي؛ يُلقي بهذه الحكمة، والتي مفادها: لو استعان بعقله لاستطاع أن يتغلّب على المحن، فالشّاعر يتكلّم بالمطلق، والهدف من وراء ذلك هو التّأثير في المتلقي بالنُّصح والإرشاد وإلى المشاركة الوجدانية. يُقدّم نتاج تجربته؛ بالتفكير في العواقب قبل الإقدام على أيّ خطوة في الحياة. أمّا البيت الثاني فقد احتل المرتبة الرابعة عشر في قوله:

لاَ يَخْفَضُ الْبُؤْسُ نَفْسًا وَهِيَ عَالِيَةٌ                   

وَلاَ يُشِيدُ بِذِكْرِ الْخَامِلِ النَّشَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م).

استفتح الشّاعر البيت بمؤشر النّفي الحرفي «لا» ، حيث جاء النّفي بها قاطِعًا أبديًّا، وقد نفت المحمول الفعلي المضارع «يخفض» لتفيد الاستمرارية، وتقرير لحقيقة هي أنّ النّفس السّامية لا يُثنِي عزيمتها شيء على مرّ الزّمن مهما توالت الخيبات مادامت بهمَّة عالية، لا الضرّ ولا الشِّدّة ولا الحاجة. ثم يذكر بالمقابل النّفس الخاملة التي لا ينفعها مال ولا عقار ولا سلطان.

أتى الشّاعر بهذه الحكمة بعدما أفرغ شحن الحزن والألم، وبعد أن امتلأت نفسه الأبية عزًّا وفخرًا، وهاته المرّة أتى بالحكمة ليدعم بها عزّه وفخره بنفسه وأخلاقه، وبأنّهما ليسا من فراغ، بل مصدرهما علوُّ نفسه وهمتها. يقول في هاته الحكمة: إنّه على أيّ إنسان مهما مرّ بفترات صعبة وحرجة في حياته، فلا يجب أن يُضعفَه ذلك بل يزيده عزيمة وإرادة، فالشدّة تزيد من قوته وعلوّه. ليختم الشاعر قصيدته بقوله:

فَإِنْ يَكُنْ سَاءَنِي دَهْرِي وَغَادَرَنِي          

          فِي غُرْبَةٍ لَيْسَ لِي فِيهَا أَخٌ حَدِبُ.

فَسَوْفَ تَصْفُو اللَّيَالِي بَعْدَ كُدْرَتِهَا               

وَكُلُّ دَوْرٍ إِذَا مَا تَمَّ يَنْقَلِبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م)

إنّ اختتام القصيدة يُشكّل دلالة خاصة وعميقة، ذلك أنّها تُمثِّل خلاصة تجربة الشّاعر، وهي خلاصة لها قيمة تؤكّد لنا أنّه قد تَغلَّب على محنته بقوّة الإيمان وصبره. ونصيحة يبثُّ من خلالها الأمل لكلّ من هو في محنة، فمهما طال اللّيل لابد أن تلوحَ خيوط الفجر ويظهر الفرج.

كما نلحظ ظاهرة الفخر والاعتزاز بشكل ملفت للانتباه، حيث  يعتز الشّاعر بما بَنى من مجدٍ وما وصل إليه من مكانة، فرغم كلّ العواصف التي واجهته كان له إيمانٌ قويٌّ بانتصار الحق على الباطل وإن طال، وذلك في الأبيات (الثالث عشر) و(الخامس عشر) و(السادس عشر) و(السابع عشر) في قوله:

أَثْرَيْتُ مَجْدًا فَلَمْ أَعْبَأْ بِمَا سَلَبَتْ       

         أَيْدِي الْحَوَادِثِ مِنِّي، فَهْوَ مُكْتَسَبُ. 

إِنِّي اِمْرُؤٌ لاَ يَرُدُّ الْخَوْفُ بَادِرَتِي               

            وَلاَ يَحِيفُ عَلَى أَخْلاَقِيَ الْغَضَبُ. 

مَلَكْتُ حِلْمِي فَلَمْ أَنْطِقْ بِمُنْدِيَةٍ        

      وَصُنْتُ عِرْضِي، فَلَمْ تَعْلَقْ بِهِ الرِّيَبُ. 

وَمَا أُبَالِي وَنَفْسِي غَيْرُ خَاطِئَةٍ                

 إِذَا تَخَرَّصَ أَقْوَامٌ وَإنْ كَذَبُوا

(محمود سامي البارودي، 1940م )

يفتخر الشّاعر هنا بنفسه وبآماله في الحياة، «فماضيه ذو عز وشرف كثير، ذلك إنّ أسرته كانت ذات جاه ونسب تنتمي إلى حكام مصر والمماليك، وكان محبوبا من الشّعب، تولى الوزارة ومجلس النُّواب، وترقّى في المناصب العسكرية والإدارية. قيل إنّه صُودِرت أمواله وشُطِب اسمه من السّجل العسكري، لكنّه لم يكترث بما نزعته الأحداث منه بالقوّة والقهر فهي خارجة عن إرادته، فحبّ الشّعب له وسمعته الطيِّبة تُغنيه عن كلّ ما هو مادي، وأنّ كلّ ما ضاع منه سيعوضه.( مقدمة الديوان،  قدم له: محمد حسين هيكل). وهاته الثّقة تدل على روح مشبّعة بالإيمان مليئة بالأمل.

أمّا بالنّسبة «للوصف» فقد وظّفه الشّاعر تصويرًا للحالة الشُّعورية وتعبيرًا عن مكنونات النّفس وما يختلجها من مشاعر وحنين للأهل والوطن والدّيار، قصد التّأثير في المتلقي، نذكر منها الأبيات (الخامس عشر) و(السادس عشر) و(السابع عشر) و(السابع والعشرون) و(الثامن والعشرون) في قوله:

مَنَازِلُ كُلَّمَا لاَحَتْ مَخَايِلُهَا               

       فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ مِنِّي هَاجَنِي طَرَبُ. 

لِي عِنْدَ سَاكِنِهَا عَهْدٌ شَقِيتُ بِهِ         

          وَالْعَهْدُ مَا لَمْ يَصُنْهُ الْوِدُّ مُنْقَضِبُ. 

وَعَادَ ظًنِّي عَلِيلاً بَعْدَ صِحَتِهِ

وَالظَنُّ يَبْعُدُ أَحْيَانًا وَيَقْتَرِبُ

(محمود سامي البارودي، 1940)

يصف الشّاعر خيبة ظنّه بمن وثق بهم؛ حيث كان له عند سكان الدّيار موثقا شقي به، بسبب توانيهم في المحافظة عليه، وعدم المبادرة لنصرته وإعانته، هذا الموثق ينقطع إذا لم يصنه الودُّ، فاعتل ظنُّ الشّاعر وضعف بعد صحته، والظنُّ يَبعُد أحيانا عن التّحقُق فيعلّ ويضعف، ويقترب أحيانا فيَصحُّ ويَقوى. ثم يأتي الوصف لتقرير حقيقة في قوله:

لِكُلِّ دَمْعٍ جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ سَبَبُ            

وَكَيْفَ يَمْلِكُ دَمْعَ الْعَيْنِ مُكْتَئِبُ؟

(محمود سامي البارودي، 1940م).

يصف الشّاعر في هذا البيت «الدّمع» في عمومه مستخدما السَّوْر «كلّ»(السّور: مخصص من مخصصات الحدّ تتحقق في شكل مفردات من قبيل السّور الكلّي(كلّ، جميع..)، أو السّور البعضي (بعض..)(محمد الحسين مليطان، 2014م))، في قوله: (لِكُلِ دَمْعٍ جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ سَبَبُ)، حتى يقرّ حقيقة هي أنّ العين عندما تذرف دمعها يكون لسبب معيّن ومُحدّد، ربما حزنًا وألمًا، وقد يكون مرضًا، مُعلِّلا ذلك في البيت الذي يليه والمُتمثل في مكابدة الأشواق، فدموع المكتئب تسيل رغما عن إرادته، بحيث لا يستطيع حبسها من شدّة ما يعتري قلبه من حزنٍ وألم.

الوظيفة الإبداعية

تجلّت في الصّور الشّعرية(التّخييلية) وألوان البديع والدّور الذي أدّته في القصيدة.

يُقصد بالخطاب «الإبداعي» نمطًا خطابيًا خاصًّا، يشمل أساسا ما يُسمى «الخطاب الأدبي»، وهو خطاب تُسخَّر له ملكة تُشكِّل أحد مكونات القدرة التّواصلية ما يُسمى «الملكة الشعرية»، وهي تلك الملكة التي تُمكِّن فئةَ المبدعين بصفة خاصة من إنتاج الأثر الفنِّي، وقد اقترح «أحمد المتوكل» إفرادَ قالبٍ خاصٍ بها؛ أيْ القالب الشِّعري، يحوي المبادئ والقواعد ويتفاعل مع القوالب الأخرى؛ ليصف الآثار الفنّية ويُفسِّرها»(يحي بعيطيش،2004م). يقول البوشيخي: «ثمّة تراكيب تستدعي وجود طاقة تَخيُّلِيَة لإنتاجها أو تأويلها، من هذه التّراكيب البنيات المجازية، والبنيات الاستعارية، والبنيات الكنائية. تستدعي هذه البنيات؛ البنيات الرّمزية عموما أن يكون مُستعمل اللّغة الطبيعية مُجهزًا بطاقة تُمكِّنُه من مجاوزة الفهم الحرفي.»(عز الدين البوشيخي،2012م). وقد صِيغتْ القصيدة صياغة أدبية شعرية تتسم بالجزالة والإيجاز، تتخلّل أسلوبها صورٌ شعريّة، ويتوشَّحُها ألوان من البديع. وفيما يأتي تفصيل فيها:

البعد الفنّي للبنيات الشّعرية/التّخييلية

يقوم التّحليل البلاغي الجمالي للصّور على النّظر في العوامل التي تُشكل جمالياتها، بوصفها أحد المكونات التي تُسهِم في أسلبة الخطاب، وتمدّنا البلاغة عَبْر تاريخها الطّويل بجملةٍ من هذه العوامل، التي تُظهر الاستثمار الوظيفي الجمالي للصّور في الخطاب الأدبي عمومًا والشّعري خصوصًا(محمد مشبال،  وآخرون، 2014م)، يقول يحي بعيطيش: «إنّ نظرية النّحو الوظيفي تَستجِيبُ لعبقرية النّحو العربي من الدّاخل لا من الخارج، وتُدرِج في نموذجها الثّاني الخاص بالنّص قالبَ الوظيفة الشّعرية، الذي يضطلع بتحليل الآثار الفنّية وتفسيرها.»(يحي بعيطيش،  2004م). وفيما يأتي تحليل لبعض النّماذج ممثلة في التّشخيص(التّشخيص: هو «إبراز الجماد أو المجرّد من الحياة، من خلال الصّورة، بشكلِ كائنٍ مميّز بالشّعور والحركة والحياة، وهذا النّهج كثير الشيوع في الشّعر(..).  (جبور عبد النور، 1984م) والصّور البلاغية التي لا تخلو من هذا الأخير.

إنّ خرق قيود التّوارد(الانتقاء في الحقل اللّساني عامة) له ما يبرّره فنِّيًا، ذلك أنّ الخرق النّاجم عن عدمِ التّناسبِ اللّغوي/المعرفي بين العناصر المُتواردة في وحدة خطابية معيّنة، يُزجِي إلى التّشخيص، الذي يُشكِّل بمعيّة الصّور البلاغية علامة مُميّزة للوصف الأدبي.(نعيمة الزهري وأحمد، 2014م، ).

من عبارات التّشخيص الواردة في القصيدة: (لَا يَتْرُكُ الْحُبُّ قَلْبِي مِنْ لَوَاعِجِهِ) ـ(وَعَادَ ظَنِّي عَلِيلًا بَعْدَ صِحَّتِهِ) ـ(أَيْدِي الْحَوَادِثِ) ـ (لكِنَّهُ غَرَضٌ لِلدَّهْرِ يَرْشُقُهُ).

نَجَمَ التّشخيص في المثال الأول عن خرقِ سِمةِ (حيّ) التي يشترطها المحمول(يَتْرُكُ) في موضوعه «المنفذ»(الْحُبُّ)، والمتقبِّل (قَلْبِي). ومن تَجلِياتِه تصويرُ الشّاعر لحُرقة الفؤاد من الحبّ وآلامه؛ تمسّكا ومكوثًا ولهيبًا، كأنّه شخص سيطر عليه بالكامل، فهو فاقد التّحكم فيه.وفي هذه الصّورة إيحاء بعدم قدرته على مقاومة هذا الشّعور. 

أمّا في المثال الثاني فيتمثل التّشخيص في نسبة المحمول(عَادَ) إلى شيءٍ معنوي تمثل في(الظَّنِ)، بمعنى أنّ الخَرْق مسّ سِمةَ (العودة) التي هي من سماتِ الحيّ، والتي يَشترطُها المحمول في موضوعه «المنفذ». وبالتالي أعطى الشّاعر (الظنّ) صفة من صفات البَشَر، والمُتمثِّل في العودة إليه عليلًا؛ إبرازا لمشاعر الحسرة والخيبة والتوجُّع، بعدما اجتاحته روح الأمل بالعودة ورفقائه إلى الوطن.

في حين جاء التَّشخيص في المثال الثالث بخرق سمة (أَيْدِي) التي تُعبِّر عن (حيّ)، ونسبته إلى شيءٍ معنوي(الْحَوَادِثِ). وهو مناسب للتّعبير عن الظُّلم والجُور.

كما نجد في المثال الرابعاستعارة المكنية مُشكَّلَة مع التّشخيص،يقول الشّاعر:

لَكِنَّهُ غَرَضٌ لِلدَّهْرِ يَرْشُقُهُ  

بِأَسْهُمٍ مَا لَهَا رِيشٌ وَلاَ عَتَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م).

الدّهر شيءٌ معنويٌّ نُحسُّ به ولا نُدركه، لكنّ الشّاعر بثَّ فيه الحياة، ومنحه صفات الأشخاص، والغاية من ذلك هو توضيحُ كيفيةِ وَقع المحنِ عليه، فتبدو لنا من خلال الوصف، وهي تَنْهَال على الشّاعر، كالسّهام على من تستهدفه.

تتميّز الصّورة بالحركة المتوالية الشّديدة، وهذا ما أفضى به الفعل «يَرْشُقُهُ». وبهذا يكون الشّاعر قد صاغ المحن المتوالية عليه في صورة حسِّية ملموسة، فتبدو وكأنّها سهامٌ حقيقية.

لكنّ الشّاعر لا يشتكي ولا يتذمّر من الدّهر في حدّ ذاته، وإنّما تجلَّى توظيفه له في ظُلم الظَّالمين وقهرهم، من خلال سيطرتهم على الشّعوب والاستبداد بها، فظلم الحكام ينهال عليهم كالسّهام، هذه الأخيرة لا تشبه السّهام المعروفة؛ ذلك أنّها لا ريش لها ولا أوتار؛ وهي سهام معنوية أوجعته، وتركتْ آثارها النّفسية المستديمة عليه،

تكمن قوّة الصّورة في أنّها وضّحتْ إحساس الشّاعر بالظّلم المتوالي عليه وعلى شعبه، بطريقة فنّية مجسّدة، مُشكَّلَة أمام القارئ، بحيث أثَّرَتْ فيه وكأنّه يُشاهدُها حقيقة.

ومنه يمكن القول: إنّ التّشخيص في القصيدة أدّى دورًا مُهِمًّا تمثّل في التّصوير، بإضفاء خصائص وسمات إنسانية على الجماد والأمور المعنوية؛ لإيصال أفكاره، وكذا من خلال الإيحاء والتّخييل، بإثارة الخيال في ذهن المتلقي حتى يعيش معه مشاعره وأحاسيسه.

أمّا بالنّسبة للصّور البلاغية فسيتم تحليل نماذج من الصّور المجازية:

-التّشبيه البليغ، في قول الشاعر:

فَيَا أَخَا الْعَذْلِ لاَ تَعْجَلْ بِلاَئِمَةٍ  

عَلَيَّ، فَالْحُبُّ سُلْطَانٌ لَهُ الْغَلَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م)

ترتكز الصّورة التّخييلية المتمثلة في التّشبيه البليغ على عنصرين أساسيين هما المشبه(الْحُبُّ) والمشبه به(سُلْطَانٌ)، عبّر الشّاعر فيها عن عالمه الدّاخلي الوجداني بعبارة مُوجزة، عمِد فيها إلى تشخيص حالته الشّعورية وهو في منفاه.

هذا الحبّ الذي يتسلّل إلى قلوبنا في أسما معانيه وأزكى أحاسيسه، ثم يتوغّل. ذاك الشّعور النّبيل الذي إذا سيطر تملَّكنا سُلطانُه، فنُذعِن ونرضخ له بإرادتنا. يفرض نفسه علينا، ولن نستطيع أن نُفلِتَ منه أبدا.

أراد الشّاعر من خلال هذه الصّورة إيصال المعنى وبَثِّهِ في ذهن المتلقي، وجعل وقعه في نفسه قويًا، فهو يعاني، ذلك أنّ صورة الحبّ في هذا البيت آلمته وعذّبته بالبُعد، ليطلب من لائمه أن لا يتعجّل باللّوم، وأن يجد له الأعذار في هذا الشّعور الذي تملّكه وسيطر عليه.

-نماذج من الاستعارة:

سيتم تحليل نماذج من الاستعارة، لغنى القصيدة بهذا اللّون من الصّور.

أَبِيتُ فِي غُرْبَةٍ لاَ النَّفْسُ رَاضِيَةٌ  

بِهَا، وَلاَ الْمُلْتَقَى مِنْ شِيعَتِي كَثَبُ

 (محمود سامي البارودي، 1940)

تجلّت الصّورة الفنّية في الاستعارة المكنية، في قول الشاعر (أَبِيتُ فِي غُرْبَةٍ)، حيث جسّد الغُربة التي هي شيءٌ معنويٌّ حسِّي على أنّها مَسْكَن للمبيت.

المبيت هو السّكينة، هو الاستقرار، هو الرّاحة والطمأنينة، فيه يخلعُ الإنسان متاعبه وهمومه؛ لِمَا في جوّه من أُنسٍ ورحمةٍ وتفاؤل وأمل، فهو جوّ يُوحي بالاحتواء والدِّفء، ففيه الاستقرار الرّوحي والجسدي والنّفسي. فالمُكوِّن(أَبِيتُ) مُحَمَّل بالمعاني والدّلالات الجميلة، ولكن عندما يَذكُر الشّاعر أنّه يبيت في غربة، فإنّ مشاعرنا تتوزّع بين الإيجابية والسّلبية، بين مكوننيْن متناقضين (أَبِيتُ، غُرْبَة)، تُوحي بأنّ الغربة صارت بيتًا جبريًّا للشّاعر، فهو غير راضٍ بها، ونفسه تتنكّر لكلّ ذلك وبشدّة، وما تصويره هذا إلاّ توضيحا لضِيقه وقلقه النّفسي، بخاصة وأنّ هذه الغربة فُرضَتْ عليه، وبهذا التّجسيد يفقد البيتُ كلّ الدّلالات التي كان يَحملُها، ويصطبغ بمعانٍ أخرى سلبية، فأضحى المبيتُ مُوحشًا كئيبًا، وكلّ هذا دلالة على وحدته وألمه الدّائم في المنفى.

لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ 

فِي ظُلْمَةِ الشَّكِّ لَمْ تَعْلَقْ بِهِ النُّوَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940)

جاء أسلوب الشّرط في البيت في قول الشّاعر: (لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ فِي ظُلْمَةِ الشَّكِّ) بالمُؤشِّر الحرفي «لو» وهو حرف امتناع لوجود؛ فتعلّق المحن والمصائب بالإنسان عند الشّك يُسبِّبُ المهالك، بخاصة إذا لم يستخدم حكمةَ عقله، وَرَدَ جوابُه مضارعًا بقوله: (لَمْ تَعْلَقْ بِهِ النُّوَبُ)، قصد أداء وظيفة حجاجية غايتها التّوعية وتنوير العقول بالاقناع. ذلك أنّ حياته وما مرّ به في المنفى أكبر دليل للعيان.

أَكسَب الشّاعر العقل المعنوي صفة حسيّة، فغدا مُجسَّما أمامنا، نُدركه بحاسّة البصر. وفي مَنْحِه إيّاه هذه الصّفة، صفة «الإضاءة» عبر هذا التّجسيم، أضحتْ الصّورة تعبيرًا عن حاجة الشّاعر لهذا العقل تعبيرًا ملموسًا، نَلمسُه نحن كمتلقين في دور الإضاءة التي تقضِي على الظّلام، فإذا أشرقتْ الشّمس بشعاعها المُضيء حوّلت هذه الظلمة إلى نُور. والشّاعر برسمه لهذه الصّورة البصرية يهدف إلى التّعبير عن حاجته الكبيرة للمعرفة والحكمة التي مَحلُّها العقل، والتي إن استغلّها المرءُ تَغلّب على مِحنَتِه، فالعقل حامل للمعرفة، والشّمس حاملة للإضاءة، وبوجود ضيائها ينتفي وجود الظلام، وباستعمال الإنسان لعقله يخرج من حيرته وشكِّه ومِحنَته.

الشّاعر يعيش حالة من المعاناة، حالة من الحيرة والألم، ولتجسيد ما يُحسُّ به في داخله لجأ إلى الاستعارة المكنية، شكّلها في صورة حسّية بصرية وهي الظُلمة،والظلام إن انتشر لن يتمكّن الشّخص من الإبصار والاهتداء، حتى وإن كان يُبصِر فلن يَهتدِي إلى سبيل، ليُصبح تائهًا حائرًا.

في هذه الظلمة تتفاقمُ حيرةُ الشّاعر، وتتفاقم معها مصائبُه وهمومُه. وتشخيصا لتلك النّوائب، أصبغ عليها صفة الكائن الحيّ، فتبدو لنا أكثر تأثيرًا. وفي مَنحِه لها هذه الصّفة تُصبح المصائب والنّوائب تتحرّك وتتعلّق بالمرء، لصيقةً به، حاملًا إيّاها دون إرادة منه بحملٍ ثقيلٍ في ظلام دامس.

كلّ هذا لأنّه لم يستغل حكمة عقله، والعقل لا يضيء؛ لأنّه معنوي، غير أنّ الشّاعر يهدف من خلال تجسيمه في تلك الصّورة؛ لإبراز الدّور الفعال الذي يقوم به عقل الإنسان، خاصة في المِحن.

فَإِنْ يَكُنْ سَاءَنِي دَهْرِي وَغَادَرَنِي     

          فِي غُرْبَةٍ لَيْسَ لِي فِيهَا أَخٌ حَدِبٌ.

فَسَوْفَ تَصْفُو اللَّيَالِي بَعْدَ كُدْرَتِهَا           

وَكُلُّ دَوْرٍ إِذَا مَا تَمَّ يَنْقَلِبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م).

في البيتين يبلغ إحساس الشّاعر بالغربة والوحدة أَوُجَّهُ، لكن هذا الإحساس هذَّبهُ الإيمان وصقله العقل، إحساس رجلٍ جرّب الحياة وعرف خباياها وأسرارها، عرف أنّ أيامها تتلوّن بألوان، ترتدي الزّاهي منها، كما ترتدي الدّاكن المُعتّم، تطول وتطول ولكنّها لا تدوم.

هنا ساهم الشّاعر بخياله وعاطفته ووعيه في تشكيل هذه الصّورة؛ صورة الأيام القاسية التي عانى فيها الظّلم والحرمان.. حيث اجتمعت كلّ الهموم والأحزان على قلبه، ممّا جعل الأيام ثقيلة على وجدانه ثِقَل ما يشعر به. وقد تجسد بأسلوب الاستعارة؛ في شكل صديقٍ، صديق تركه في غربته، في وحدةٍ قاسيةٍ مُوحشة، فحذف المشبه به ورمز إليه بلازمة من لوازمه «الإساءة» و«المغادرة».

في أنسنته للدّهر أضحتْ؛ صورة أيّامه القاسية مُجسّدة في ألم الصّديق الذي غادر وخذل أصدقاءه، لأنّ خذلان الصّديق أشدّ مرارة على النّفس. هذا المشهد المُثير الحافل بالحركة أفضى به المحمولان الفعليان: «ساءني» و«غادرني»، وهو ينمُّ عن عمق إحساس الشّاعر بثقل الأيام المُتعِبة. مُستعيرًا من الجوّ الكدرة والسّواد، ليمنحها كيانا حسيّا، فتغدو مُجسَّدة أمامنا مُكدّرة داكنة اللّون، وقد خصّ اللّيالي بالذِّكر لأنّ الهموم والأحزان فيها أشدُّ وأعمق.

وظّف الشّاعر الصّورة البصرية الحسِّية توضيحًا لمعنى آمن به وصدّقه، هو يقينه بزوال تلك الأيام وعودة صفائها، مثل الجوّ الذي لا تبقى كُدرتُه.

يتّضح أنّ البارودي من خلال هذه الصّور المُحلّقة في سماء الخيال، كان يُحاكي مشاعره وآلامه التي انعكست في بصره على الطبيعة من حوله، وكأنّما تمثل فيها نفس الآلام ونفس المشاعر.(شوقي ضيف، 2006).

والبارودي لم يتقن تصوير المشاهد الحسّية وحدها، بل أتقن تصوير المشاهد النّفسية أيضا، ولعل أكبر مشهد نفسي عاشه هو مشهد الموصوف في القصيدة؛ مشهد غربته «في سرنديب»  وحنينه إلى وطنه وأهله وصحبه.

ألوان البديع

نلحظ أنّ الأبيات مُرصّعة ببعض المحسنات البديعية التي تُفتّقُ بها الأسماع، منها: التّقابل والتّصريع، التّضمين والاقتباس. فالقارئ للقصيدة يلحظ وجود نوعين من الموسيقى الدّاخلية:

-الموسيقى الأولى: تتمثّل في التّقابل من خلال «الطِّباق» و«المقابلة».

فبالنّسبة للطِّباق  فقد جمع الشّاعر بين الضدّين في إطار البيت الواحد، حيث وظَّفَه بشكلٍ كبيرٍ ومُلفت للانتباه؛ ذلك أنّ الشّاعر في صراعٍ بين واقعين؛ واقع مُزْرٍ يتعايش معه، وآخر يتمنَّى أن يتحقّق في قابل الأيام، نذكر منها الثّنائيات: (يَأْتِي، يَجْتَنِبُ)، (غُرْبَة، مُلْتَقَى)، (تَصْفُو، كُدْرَة)، (سَلَبَتْ، مُكْتَسَبُ)، (يَبْعُدُ، يَقْتَرِبُ).. وهو ما يُسمى في البلاغة العربية بطباق الإيجاب، وقد جاء لتشخيص التّوتر تارة، ولخلق حالةٍ من التّوازن النّفسي ببثِّ الأملِ في داخلِه تارةً أخرى. «وتظهر جمالية التّضاد في أسلوب الشّاعر في «استعماله له بما يُناسِب موضوعاته، دون أن يشعر القارئ فيها بالتكلّف، ولم يكن توظيفه لمجرّد الزِّينة بل لحاجة المعاني إليه؛ حتى يُسهم في تأكيدها وتقريرها بصورة أقوى وأمكن في النّفوس، وذلك من خلال تتابع المُتضادات، وظهر ذلك بأنسبِ الطَّرائق لأدائِها، فأعطى كلامه حيوية وخفّف من جفافِ الفكر»(أسماء حمبلي، 2016م-2017م)، ومنه فالطِّباق وُظِّف بطريقةٍ مناسبةٍ وملائمة لسياق الخطاب الشِّعري، فزاد المعنى وضوحًا وقوّةً وتأكيدًا، بُغيَة تقريبه من ذهن السّامع والتّأثير فيه.

أمّا بالنّسبة للتّقابل المتمثّل في المقابلة فقد جاء مرّة واحدة في القصيدة، في قول الشاعر:

لاَ يَخْفَضُ الْبُؤْسُ نَفْسًا وَهْيَ عَالِيَةٌ     

وَلاَ يُشِيدُ بِذِكْرِ الْخَامِلِ النَّشَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م).

في البيت مقابلة معنوية بين وَضعيْن متناقضين؛ وضعيّة العلوِّ والسُّموّ، ووضعيّة الدُنُوِّ والمَذلَّة. وقد جاءت إثارةً لانتباه المتلقي من خلال النّفي القاطع، وتحفيزًا لذهنه ليَتقبَّل فكرة الرّقي ويَدْحَض عنه الخمول والكسل. «فالمتقابِلات يحتاج كلٌّ منها إلى الآخر للتّأثيرِ والإثباتِ؛ ذلك أنّ المعنى قد لا يتَّضِح أحيانًا إلاّ بإيرادِ نقيضِه»(مثنى كاظم صادق، 2015م). وتكمن جمالية هذا اللّون البديعي في أنّه يُركِّز المعنى ويُؤكِّدُه، ويزيد التّعبير قوّةً وإيحاءً وتأثيرًا.

-الموسيقى الثّانية، فتمثّلتْ في براعةِ الاستهلال في مطلعِ القصيدة من خلال توظيف (التّصريع) الذي يُعدُّ مظهرًا تقليديًّا اعتمده الشّاعر، «حيث يُحدثُ مع الوزن والقافية دفقة موسيقية واضحة، جاذبة للقارئ، وقد كان القدماء يحرصون عليه إظهارًا للمقدرة اللّغوية»(جمعة محمد محمود شيخ روحه، 2007م)، وقد أظهر البارودي المقدرة نفسها في مطلع هذه القصيدة، في قوله:

لِكُلِّ دَمْعٍ جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ سَبَبُ   

وَكِيْفَ يَمْلِكُ دَمْعَ الْعَيْنِ مُكْتَئِبُ؟

(محمود سامي البارودي، 1940). 

من خلال المُكوِّنيْن (سَبَبُ) و(مُكْتَئِبُ)،أضفى الشّاعر على البيت جرسًا موسيقيًّا، ونغمًا عذبًا يطربُ له السّامع، ويشدُّ انتباهه.

وظّف الشّاعر التّضمين البديعي بشكلٍ لافتٍ للانتباه، «والذي يُقصد به أخذ شاعر من شاعر آخر بيتًا أو دونه وتضمينه في شعره»(ابن المعتز، عبد الله، البديع، 1979م،  أحمد حسن حامد، 2001م)، وتأثُّر الشّاعر بالقدامى في أساليبهم ومعانيهم واضحٌ جدّا في القصيدة، وفي ذلك يقول محمود الزيات: «تقصص البارودي شعر ابن المعتزّ وأبي نواس والرضي والطغرائي وأمثالهم من الفحول، فارتسم شعرهم على لوح قلبه، وانتشق في صفحة ذهنه؛ وصادف ذلك منه شعرًا فيّاضًا وذوقًا سليمًا، فاستخرج من مجموع تلك الأساليب أسلوبه الرّائق الفخم، ولذلك تحسّ وأنت تقرأ قصيدة من نظمه أنّ أرواح أولئك الفحول تَحُومُ حول روحه، وتُحلّق فوق أبياته»(ابن المعتز، عبد الله، البديع، 1979م،   أحمد حسن حامد، 2001م)، من أمثلته في القصيدة نورد النّماذج الآتية:

إِنِّي اِمْرُؤٌ لاَ يَرُدُّ الْخَوْفُ بَادِرَتِي   

وَلاَ يَحِيفُ عَلَى أَخْلاَقِيَ الْغَضَبُ

(محمود سامي البارودي،  1940م).

الشّاعر هنا يفتخر بنفسه، وهي عادة الشّعراء الجاهليين، مُتأثرا «بعنترة بن شدّاد» وهو يفتخر بشجاعته ومروءته ونسبه، في قوله:

إِنِّي اِمْرُؤٌ مِنْ خَيْرِ عَبْسٍ مَنْصِبًا     

 شَطْرِي، وَأَحْمِي سَائِرِي بِالْمُنْصَلِ

(الخطيب التبريزي، 1992م).

-النموذج الثاني:

لَوْلاَ مُكَابَدَةُ الْأَشْوَاقِ مَادَمَعَتْ   

عَيْنٌ وَلاَ بَاتَ قَلْبٌ فِي الْحَشَا يَجِبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م).

البارودي في هذا البيت مُتأثّر ب»امرؤ القيس» في البيت التّاسع من معلقته، في قوله: 

ففَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً              

                       عَلَى النَّحْرِ حَتَى بَلَّ دَمْعِي مَحْمَلِي

(الزّوزني، 2015).

-النموذج الثالث:

فَيَا أَخَا الْعَذْلِ لاَ تَعْجَلْ بِلاَئِمَة

عَلَيَّ، فَالْحُبُّ سُلْطَانٌ لَهُ الْغَلَبُ

(محمود سامي البارودي، 1940م)

يظهر لنا أنّ الشاعر متأثر ب»عمرو بن كلثوم» في البيت الثالث والعشرين (23) من معلقته، في قوله:

أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا 

وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرُكَ الْيَقِينَا

.(الزوزني، 2015).

ومنه «أخذ البارودي لغة القدماء وأودعها معانيه الخاصة به والتي تُعبّر عن العصر»(جمعة محمد محمود شيخ روحه، 2007م)، ويبرز التّضمين في القصيدة من خلال حرص الشّاعر على توظيف اللّفظ(المكوّن) العربي الأصيل والأساليب الجزلة والفخمة والمعاني العميقة الرّائقة، وهذا يوحي بثقافة الشّاعر الواسعة وكثرة اطلاعه ومحفوظه.

كما نجدالاقتباس،في قوله:

هَا إِنَّهَا فِرْيَةٌ قَدْ كَانَ بَاءَ بِهَا  

فِي ثَوْبِ يُوسُفَ مِنْ قَبْلِي دَمٌ كَذِبُ

(محمود سامي البارودي،1940).

جاء المحسن البديعي لتحسين وتزيين الألفاظ والمعاني في البيت، وهو اقتباس إشاري/جزئي، حيث أخذ الشّاعر من القرآن الكريم ما يُشير إلى الآية مع الالتزام ببعض ألفاظها(دم كذب، يوسف..)(عبد الهادي الفكيكي، 1996م).

فالشّاعر هنا متأثِّر بالقصص القرآني في قوله تعالى: «وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ١٨»(يوسف ا???? لاية 18). مُوظِّفًا ألفاظ القرآن الكريم ومعناها في مضامينه الشّعرية، وقد اقتبس من الآية الكريمة «قَصْدًا للاستعانة على تأكيدِ المعنى المقصود»(ابن الأثير، ضياء الدين، 1962م)، ذلك أنّهم اختلقوا عليه الكذب مثلما اختلقه من قبلُ إخوةُ يوسفَ؛ «حيث رجعوا لأبيهم بقميصِ سيدنا يوسف وهو مُلطَّخٌ بدمٍ كذِبٍ، فإذْ ألهاهم الحقد الفائر على سبك الكذبة، ودسِّ المكيدةِ.»(سيّد قطب،  1994م)، فمِثْلَما افترى إخوة يوسف على أخيهم الكذب، افتُرِيَ على الشّاعر بأنّه أوّل من أشعلَ نارَ الفتنة بين «الخديوي السّعيد» والثُّوار، وأنّه حين حاربَ في معركة «أحمد عرابي» كان من أجل نفسه؛ لتحقيق مصالح خاصة، فطموحه، في نظرهم، كان أن يحكم مصر، ولكنّه نفى كلّ ذلك وبقوة في شعره. ليؤدي الاقتباس وظيفة التّنبيه والاستنكار.

تكمن جمالية الاقتباس عند الشّاعر في ذلك التّداخل بين الصّورتيْن: الأولى مواجهته لهم بالافتراءِ عليه، مثلما واجهَ يعقوب ـ عليه السلام ـ كذبَ أبنائِه بالكيْدِ لأخيهم، أمّا الثّانية فتتمثّل في التَّجمُّل بالصّبرِ والتّجلُّدِ به اقتداءً بسيدنا يعقوب، حيث كان «صابرًا مُتحمِّلًا، لا يجزع ولا يفزع ولا يشكُو، مُستعينًا بالله على ما يُلفقونَه من حيل وأكاذيب»(سيّد قطب، 1994م) ، وبالتّالي يمكن القول: إنّ فلسفة البارودي فلسفة دينية رافضة للظّلم والطّغيان، صابرة على قضاء الله وقدره، لتكون النّهاية مُشرقة بكلّ ما تحمله من رضا إزاء الصّبر وعناء التّحمل.

خاتمـة

من خلال تحليل الخطاب الشّعري وفق آليات المستوى البلاغي يمكن الخروج بالنّتائج الآتية:

-كشف لنا الشّاعر في قصيدته «في سرنديب» شعوره وحالته المزرية وهو في المنفى، ليسرد لنا بطريقة الاسترجاع كلّ الأحداث الأليمة وأشكال الظُّلم والاضطهاد الذي تعرض لها هو وشعبُه.

-الغنى البلاغي للنّص، والذي من تجلياته حضور المُنتِج محمود سامي البارودي في نصِّه حضورًا قويًّا وفعّالًا.

إنّ حرص الشّاعر على بثِّ الحكمة في بناء نصِّه الشّعري يَكشفُ لنا جانبًا مُهمًّا في تكوين شخصيَّته؛ ذلك أنّ الحكمةَ تُنبئ عن رصيدٍ ثقافيٍّ كبيرٍ لقائلها، فهي لا تَنبُع إلاّ ممّن خَبِر الحياة وجرَّبَها.

-أثبت المستوى البلاغي من خلال آلياته نجاعته في وصف النّص الشّعري وصفًا فنِّيًا (إبداعيا)، من خلال ترصيع النّص بالصّور البيانية والمحسنات البديعية، فالصّور الشّعرية في القصيدة صورٌ عميقةٌ عمقَ تجربته، وعمق آلامه وأحزانه، لا مبالغةَ فيها ولا تزييف، حيث استقاها الشّاعر من إحساسه بواقعه المؤلم، فمن الملاحظة العميقة لها نُدرك أنّ الصُّور التي وظَّفها كلّها مستمدة من الواقعِ المحسوسِ، مثل: الشّمس، الجو، الإنسان وصفاته المادية.. والهدف منها هو إيصال تجربتِه للنّاس بشكلٍ حسيٍّ ملموس.

-تعدّدت البنيات الشّعرية في القصيدة حيث اتخذ الشّاعر من الصّور المجازية المشوبة بالتّشخيص وسيلة لرسم صور شعرية مختلفة، فالشّاعر في تَمثُّله لتجربته يحتاج إلى وسيلة ليُجسِّد بها أفكاره وعواطفه وآلامه وأحاسيسه، والصّور الفنّية/الشّعرية هي الوسيلة الجوهرية لنقل تجربتِه.

-من خلال التّحليل اتّضح أنّ الشّاعر وظّف الصّور الشّعرية المعروفة توظيفًا مُتنوِّعًا، والمميّز في ذلك أنّ هذا التّصوير ذو طابع حسيّ مادي، يجسّد للقارئ/ المتلقي تلك الصّور ويقرّبها له؛ أداء لوظيفة تعبيرية غايتها الإيحاء والتّأثير لإيصال مكامن هاته النّفس وما يختلجها من مشاعر.  أما بالنّسبة لألوان البديع فقد وردت بنسب قليلة جدًّا وذلك لنزوع الشاعر إلى تصوير الواقع كما هو في بساطة وسلاسة وقوّة، دون اعتماد على محسنات اللّفظ البديعية إلّا ما جاء عفويًا ودون إغراب في الخيال.

المراجع

كتب

أحمد المتوكل، مسائل النحو العربي في قضايا نحو الخطاب الوظيفي، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2009م.

أحمدالمتوكل،قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية: بنية الخطاب من الجملة إلى النص،دار الأمان للنشر والتوزيع،الرباط.

أحمدالمتوكلاللسانياتالوظيفيةالمقارنة: دراسةفيالنمطوالتطور،الدارالعربيةللعلومناشروندار الأمان ، الرباط-  منشورات الاختلاف، ط1، 1433هـ /2012م.

أحمدحسنحامد،التضمينفياللغةالعربية: بحثفيالبلاغةوالنحو،الدارالعربيةللعلومودارالشروقللنشروالتوزيع،فلسطين،ط1،1422هــ2001م

تونأ. فاندايك،علمالنص: مدخلمتداخلالتخصصات،ترجمةوتعليق: سعيدحسنالبحيري،ط1،2001م،دارالقاهرةللكتابـمصر

جبورعبدالنور،المعجمالأدبي،كانونالثاني(يناير)،دارالعلمالملايين،بيروت،1984م.

جمعةمحمدمحمودشيخروحه،الصّورةالفنيّةفيمختاراتالبارودي(ملامحهاوتطورها)،دارالكتبوالوثائقالقومية،كفرالدوار: مكتبةبستانالمعرفةـطباعةونشروتوزيعالكتب،ط1،2007م.

أبوعبداللهالحسينبنأحمدالزوزني،شرحالمعلقاتالسبع،ضبطنصوصهوعلقعليهحواشيهوقدّملأعلامه: عمرفاروقالطبّع.

الخطيبالتبريزي،شرحديوانعنترة،قدّملهووضعهوامشه: مجيدطرَد،دارالكتابالعربي،بيروتـلبنان،ط1،1412هــ1992م.

حنّا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي، دار الجيل، بيروت، لبنان، دط، (1426ه، 2005م)

سيّدقطب،فيظلالالقرآن،المجلدالرابع،ج22،دارالشروق،ط22،1994م.

شوقيضيف،الباروديرائدالشعرالحديث،،ط4،دارالمعارف،القاهرة.

ابنالأثير،ضياءالدين،المثلالسائرفيأدبالكاتبوالشاعر،تحقيق: أحمدالحوفىوبدويطبانه،ج3،ط1،دارنهضةمصرللطبعوالنشر،القاهرةـمصر،1962م.

عبدالهاديالفكيكي،الاقتباسمنالقرآنفيالشعرالعربي،ط1،1996م،دارالنميرللنشروالتوزيع،سورياـدمشق.

عبداللهبنالمعتز،البديع،  نشرهتراتشقوفسكي،ط2،بغداد،مكتبةالمثنى،1979م.

عزالدينالبوشيخي،التواصل اللغوي: مقاربة لسانية وظيفية، نحو نموذج لمستعملي اللغات الطبيعية، بيروت ـ لبنان، ط1، 2012م.

عمر الدسوقي، في الأدب الحديث، دار الفكر، ط7، 1994م

مثنىكاظمصادق،أسلوبيةالحجاجالتداوليوالبلاغيتنظيروتطبيقعلىسورمكية،دارالأمانـالرباط،منشوراتضفاف،ط1،1436هــ2015م

محمدالحسينمليطان،نظريةالنّحوالوظيفي: الأسسوالنماذجوالمفاهيم،ط11453هــ2014م،،دارالأمانـالرباط،منشوراتضفافـمنشوراتالأختلاف

محمود سامي البارودي، ديوان البارودي، قصيدة  في سرنديب،ج1،ضبطه وصححه وشرحه: محمد شفيق معروف، شاركه في تحقيقه: علي الجارم، دط، دار الكتب المصرية،(1359ه،1940م).

نعيمة الزهري، تحليل الخطاب في نظرية النحو الوظيفي، دار الأمان، الرباط، 2014م

مقالات

وردة معلم، بناء الزمن في رواية «عابر سرير» لأحلام مستغانمي، مجلة التواصل الأدبي، العدد الخامس، ديسمبر 2015م، جامعة باجي مختارـ عنابة، الجزائر.

يحي بعيطيش، الوظائف التداولية في رواية ريح الجنوب، مجلة علامات، ج51، م13، محرم2425هـ، مارس2004م

 أطروحةأورسالةجامعية

أسماء حمبلي، بلاغة الخطاب في كليلة ودمنة لابن المقفع ـ مقاربة تداولية ـ (أطروحة دكتوراه)، 2016م ـ 2017م.بحثمدرجضمنكتاب محمد مشبال، بلاغة صور الأسلوب وآفاق تحليل الخطاب، وآخرون، ضمن كتاب: البلاغة والخطاب، إعداد وتنسيق: محمد مشبال، ط1، دار الأمان الرباط ـ منشورات ضفاف، منشورات الاختلاف، الرباط والجزائر،1435هـ ـ 2014م.       

@pour_citer_ce_document

خيرة لعرق, «نحو الطبقات القالبي والخطاب الشّعري؛ قصيدة في سرنديب للبارودي أنموذجا «المستوى البلاغي وطبقاته» »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 74-86,
Date Publication Sur Papier : 2022-12-05,
Date Pulication Electronique : 2022-12-05,
mis a jour le : 05/12/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=8983.