مقوّمات المقاربة الجزائرية في التصدّي للإرهاب وانعكاساتها إقليميا ودولياThe Components of the Algerian Approach to Confronting Terrorism and its Regional and International Repercussions Les composantes de l’approche algérienne de la lutte contre le terrorisme et ses répercussions régionales et internationales
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 19-2022

مقوّمات المقاربة الجزائرية في التصدّي للإرهاب وانعكاساتها إقليميا ودوليا
Les composantes de l’approche algérienne de la lutte contre le terrorisme et ses répercussions régionales et internationales
The Components of the Algerian Approach to Confronting Terrorism and its Regional and International Repercussions
ص ص 179-195

نورالدين سعدون / العيفة سالمي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تعتبر المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب إحدى التجارب الناجحة والرائدة والتي يمكن اعتمادها كأنموذج يحتذى به في مكافحة ظاهرة العنف، أين تقوم هذه المقاربة على شقيين متضادين يعتمد الأول على مقاربة أمنية بحتة تتمحور حول تشديد الخناق على الظاهرة من خلال تجفيف منابع التمويل للجماعات الإرهابية كتجريم تقديم الفدية للإرهابيين والذي اعتمدته هيئة الأمم المتحدة كقانون، كما اعتمدت كذلك على أسلوب الدفاع الذاتي المبني على تجنيد العنصر البشري من نفس المناطق التي شهدت نشاطا للجماعات، كقوات الدفاع الذاتي والحرس البلدي اعتمادا على فكرة الإنسان ابن بيئته، أما الشق الثاني والمتمثل في المقاربة الإنسانية فتعتمد أساسا على تبني قوانين إنسانية متدرجة بدءا بقانون الرحمة ثم الوئام المدني ويليه أخيرا المصالحة الوطنية، وقد أثبتت هذه المقاربة نجاحها ولقيت أعجابا دوليا واهتماما إقليميا وأبدت الكثير من الدول التي تعاني من نفس الظاهرة رغبتها في الاستفادة من هذه التجربة التي تم اعتمادها أكاديميا في عديد المخابر الأمنية والجامعية

معلومات حول المقال

تاريخ الاستلام 28-04-2020

تاريخ القبول 12-10-2021

 

الكلمات المفتاحية

مكافحة الارهاب

المقاربة الأمنية

المقاربة الانسانية

المصالحة الوطنية

L’approche algérienne de la lutte contre le terrorisme est l’une des expériences réussies et pionnières qui peuvent être adoptées comme modèle de lutte contre le phénomène de la violence. Lorsque cette approche prend en charge le conflit deux parties opposées, elle est fondée sur une approche purement sécuritaire axée sur le resserrement de l’emprise sur le phénomène en assèchent les sources de financement des groupes terroristes, la criminalisation de la rançon aux terroristes (adoptée par les Nations Unies en tant que loi). Elle se base aussi sur la méthode d’autodéfense par le recrutement d’éléments humains des mêmes zones témoins de l’activité des groupes (Forces de défense, gardes municipaux). Le deuxième aspect de l’approche est humanitaire, il dépend principalement de l’adoption de lois humanitaires progressistes, à commencer par la Loi de la Miséricorde puis de l’Entente Civile, suivies de la Réconciliation Nationale, couronnée de succès et suscitant l’attention internationale et  régionale et l’intérêt de nombreux pays souffrant du même phénomène. 

      Mots clés

Lutte contre le terrorisme

approche sécuritaire

approche humanitaire

réconciliation nationale

The Algerian approach to combating terrorism is one of the successful and pioneering experiences that can be adopted as a model in combating the phenomenon of violence, where this approach is based on two opposing sides, the first is based on a purely security approach focused on tightening the stranglehold on the phenomenon by drying up the sources of funding for terrorist groups, such as the criminalization of ransom to terrorists, which was adopted by the United Nations as a law, as well as based on the method of self-defence based on the recruitment of the human element from the same areas that have witnessed the activity of groups, such as the Self-Defence Forces and municipal guards. on the idea of man bin of his environment. The second aspect of the humanitarian approach depends mainly on the adoption of progressive humanitarian laws, starting with the Law of Mercy and then civil harmony, followed by national reconciliation, which has proved successful and has received international admiration and regional attention and many countries suffering from the same phenomenon have expressed their desire to benefit from this experience, which has been adopted academically in many security and university laboratories.

Keywords

Counter-terrorism

security approach

humanitarian approach

national reconciliation

Quelques mots à propos de :  نورالدين سعدون

نورالدين سعدون[1]  Noureddine Saadoune جامعة محمد لمين دباغين سطيف2،الجزائرsnoureddine37@gmail.com
[1] المؤلف المراسل 

Quelques mots à propos de :  العيفة سالمي

د. العيفة سالمي  Dr . Elaifa Salmi جامعة الجزائر3،الجزائرAyoubsalemhamed@gmail.com

مقدمة

شهد العالم بداية الألفية الثالثة موجة من الهجمات الإرهابية غير المسبوقة وتعاظم خطر هذه الجماعات بصورة لم تكن معروفة من قبل، وأخذت هذه الظاهرة تستفحل بشكل غير مألوف ودخلت العمليات الإرهابية بعدما كانت عشوائية وتلقائية ومحدودة مرحلة جديدة من التنظيم والتحديد الدقيق للأهداف، بناء على استراتيجية محكمة التنظيم وزادت من حدة تلك العمليات، موازاة مع انصهار الحدود الإقليمية بين الدول والقارات، خضوعا وانسجاما  لظاهرة العولمة وما حملته من تطور مذهل في تكنولوجيا الإعلام والاتصال التي جعلت العالم قرية صغيرة، غير أن هذه التكنولوجيا ساعدت وساهمت بطريقة غير مباشرة في عولمة ظاهرة الإرهاب أين أصبحت هذه الأخيرة تضرب في جميع أنحاء العالم ولا يقف في طرقها حاجز، مستغلة التكنولوجيا المتوفرة والحدود المفتوحة.

وعانت عديد الدول من هذه الظاهرة وكلفتها الكثير من الخسائر المادية والبشرية، وأصبحت تشكل بالنسبة لها عائقا ومعرقلا للانطلاق الاقتصادي والتنمية المستدامة، فكما قيل فإن التنمية لا تتحقق إلا بالاستقرار السياسي والاستتباب الأمني، فهذه الثنائية المتلازمة تعلم الجماعات الإرهابية أنها الورقة التي تستفز بها الأنظمة السياسية، وترهق بها صناع القرار، فعملت دوما على جعل تلك الأنظمة لا تنعم بالاستقرار والسكينة، لكي تضعف اقتصاداتها وتدخلها في فوضى عارمة وثورات جارفة، تعشش فيها الأمراض الاجتماعية التي تعتاش عليها تلك الجماعات، وتزدهر

 ويزداد نشاطها بعد  انهيار كيانات الدول، التي تخلخل ميزان تماسك مجتمعاتها، والجزائر من بين الدول التي عاشت هذا التخلخل وضاقت مرارة العمليات الإرهابية، وعانت طويلا ولعشرية كاملة من خسائر مادية وبشرية جراء موجة عنف شديدة عصفت بكيانها، فقررت وتحت ضغط الضرورة أن تبحث عن الحلول اللازمة لوضع حد لهذه الكارثة والتصدي لهذه المعضلة التي نخرت الاقتصاد ونشرت الرعب في ربوع البلاد، فكان لزاما البحث عن السبل الملائمة والمقاربات الصالحة لحالة الجزائرية، ومن رحم التجربة الميدانية والخبرة العملية تيقنت أن الحل العسكري الاستئصالي وحده غير كافٍ، وأن أولئك الذين قرروا حمل السلاح ومواجهة النظام ما هم في الأخير إلا أبناء وطن واحد جرتهم مجموعة من الأسباب والظروف وأوقعتهم فئة ضالة من تجار الدين في مغالطة جسيمة، استدرجتهم إلى مجازفة غير محمودة العواقب، فكان لابد على أبناء الوطن الواحد الجلوس إلى طاولة المفاوضات وأن يقبل كل طرف بتقديم تنازلات خدمة للمصالح الوطنية العليا وحقنا لدماء الأبرياء. فَوُلدتْ المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب من رحم المأساة ولقيت قبولا من جميع الأطراف، واستطاعت الجزائر أن تخرج من أزمتها وتتجاوز محنتها بفضل تضافر جهود أبنائها فكانت سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية هي الحل الأمثل لتجاوز الأزمة والتصدي للظهارة المرعبة والعودة إلى ميثاق السلم، وانطلاق عجلة التنمية من جديد وطي صفحة الألم إلى الأبد. وقد بُنيتْ المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب على شقين متضادين؛ ينطلق الشق الأول من مقاربة أمنية تعمل على المواجهة العسكرية وتجفيف منابع التمويل للجماعات الإرهابية وينطلق الشق الثاني لمكافحة الإرهاب من مقاربة إنسانية سلمية، بنيت على المفاوضات المباشرة والتدرج في سن قوانين العفو والمصالحة والاتفاق حول إلقاء العناصر المسلحة للسلاح، مقابل العفو وتوقيف الملاحقات الأمنية، فأسهمت هذه الطريقة في القضاء على الظاهرة وعودة جل العناصر المسلحة إلى الاندماج في الحياة المدنية والطبيعية. وسنحاول من خلال هذا المقال تقديم أهم المراحل التي مرت بها المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب وكيف تمكنت الجزائر من بسط الأمن والاستقرار على جميع ربوع الوطن وكيف تمكنت من التسويق لهذه المقاربة دوليا وكيف نالت هذه التجربة إعجابا دوليا وقاريا جعلت معظم الدول تشيد بها وتسعى الاستفادة من خبرتها ميدانيا وأكاديميا.

الإشكالية البحثية

تنطلق هذه الدراسة من الإشكالية البحثية التالية: هل استطاعت الجزائر من خلال تبنيها لإستراتيجية أمنية عسكرية وإنسانية تصالحية في إطار مكافحة ظاهرة الإرهاب من تحقيق السلم والاستقرار؟

وهل فعلا التجربة الجزائرية في مكافحة ظاهرة الإرهاب تجربة رائدة يمكن أن تحذوها دول العالم للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة؟

الفرضيات

وبناء على هذه الإشكالية البحثية يمكن صياغة فرضيات الدراسة كما يلي:

- لانتشار وانفجار ظاهرة الإرهاب في الجزائر أسباب ومبررات واقعية.

-عملية مكافحة الإرهاب في الجزائر مرت بمقاربتين متضادتين.

-نجاح المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب جعلها نموذجا يحتذى به إقليميا ودوليا.

منهجية الدراسة

اعتمد الباحث في تحليله للموضوع على مناهج البحث   التالية:

المنهج الوصفي التحليلي

 الاستعانة بالمنهج الوصفي التحليلي كمنهج رئيس في الدراسات الإنسانية والذي من خلاله نفكك الظاهرة المدروسة ونقف على أهم عناصرها ومتغيراتها، كما أن المنهج الوصفي يتميز بطريقته الواقعية في التعامل مع مشكلة، وتفسير جميع الظروف المحيطة بها.

المقاربة القانوني

نستعمل المقاربة القانونية من خلال الاستعانة بالقوانين والوثائق الحكومية التي عادة ما تصدر في شكل رسمي والتي يوظفها الباحث في دعم حججه المنطقية حول موضوع البحث.

أهداف البحث

تهدف هذه الورقة البحثية إلى المساهمة والتعريف بالتجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب من خلال تشريح وتشخيص وتفسير أسباب استفحال الظاهرة وسبل مكافحتها، للاستفادة من التجارب الرائدة في الميدان.

ماهية الإرهاب

لطالما اختلفت وجهات النظر حول مصطلح الإرهاب من حيث المضمون والدوافع وحتى الجوانب القانونية لهذه الظاهرة، واختلاطها مع ما يشابهها من الظواهر الأخرى خاصة حركات التحرر الوطني، لذا وجب علينا تقديم تعريف الظاهرة وفق بيئتين مختلفين لكي نقترب من التعريف الصحيح، دون التوغل والاستغراق في الجوانب النظرية التي ربما تحيد بنا عن موضوع البحث، وحتى نزيل الغموض واللبس الذي يكتنفه، والتركيز على دراسة الظاهرة دراسة السياسية[1]  تعريف الإرهاب لغة

أتت كلمة الإرهاب من رَهبَ، رُهبًا ورهبةً، ولقد أقر المجمع اللغوي كلمة الإرهاب ككلمة حديثة في اللغة العربية أساسها «رهب» بمعنى خاف، وأرهب فلانا بمعنى خوفه وفزعه، والإرهابيون وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية (ب ا م، 2009)[2].

ويتفق ما تقدم مع اصطلاح الإرهاب Terreur في اللغات الأجنبية القديمة كاليونانية واللاتينية إذ يعبر عن حركة من الجسد تفزع الغير   Manifestation du corps وانتقل هذا المعنى إلى اللغات الأجنبية الحديثة، وعلى سبيل المثال نجد أنه في اللغة الإنجليزية كلمة إرهاب معناها Terrorism المشتقة من كلمة Terror أي الرعب. (هاني السباعي، 2001)[3].

  يعرف قاموس إسكفورد كلمة الإرهاب « بأنها استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية» (المرجع نفسه).   

وفي اللغة الفرنسية نجد أن قاموس روبير عرف الإرهاب بأنه «الاستعمال المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي مثل الاستيلاء أو المحافظة أو ممارسة السلطة، وبصفة خاصة هو مجموعة من أعمال العنف (اعتداءات فردية أو جماعية أو تدمير) تنفذها منظمة سياسية للتأثير على السكان وخلق مناخ بانعدام الأمن»(المرجع نفسه).   

 كما يعني الإرهاب أيضا محاولة الجماعات والأفراد فرض أفكار أو مواقف أو مذاهب بالقوة لأنها تعتبر نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر، ومن هنا يأتي أسلوب الفرض والإرغام.

تعريف الارهاب اصطلاحا

حظي مصطلح الإرهاب باهتمام كبير من قبل الباحثين والمفكرين في مختلف الاختصاصات لما له من أبعاد سياسية ونفسية واجتماعية، ولذا نجد أن معاني هذا المفهوم متنوعة ومتعددة، ولعل مَردُ هذا الاختلاف يعود بطبيعة الحال إلى الجهة التي يصدر عنها الخوف والرعب، ودلالاته لا تبعد عن مفهومها اللغوي، وسنحاول تقديم بعض التعاريف الاصطلاحية عند المفكرين العرب والأجانب باعتبار الجدل الواسع حول ماهية هذا المصطلح.

دلالة المصطلح عند المفكرين العرب

عرف الدكتور حسنين عبيد؛ الإرهاب بأنه «الأفعال الإجرامية الموجهة ضد الدولة والتي يتمثل غرضها أو طبيعتها في إشاعة الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الأشخاص، أو من عامة الشعب وتتسم الأعمال الإرهابية بالتخويف المقترن بالعنف، مثل أعمال التفجير وتدمير المنشآت العامة وتحطيم السكك الحديدية والقناطر وتسميم مياه الشرب ونشر الأمراض المعدية والقتل الجماعي»(عبد السلام بوهوش، عبد المجيد الشفيق-،2004).

وعرفه شريف بسيوني بقوله «الإرهاب هو استراتيجية عنف محرم دوليا، تحفزها بواعث عقائدية، وتتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين، لتحقيق الوصول إلى السلطة، أو القيام بداعية لمطلب أو لمظلمة، بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها، أو نيابة عن دولة من الدول»(بوهوش، الشفيق، 2004).

ويرى الدكتور محمد فتحي عيد أن هذا التعريف الذي قدمه الدكتور بسيوني هو أقرب التعريفات على الواقع العملي.

 دلالة المصطلح عند المفكرين الغربيين

اختلف هذا الفقه وتضاربت آراؤه في هذا الصدد باختلاف المعايير التي يعتمدها أصحابها لتحديد مفهوم العمل الإرهابي، وهو ما يمكن أن نعزوه إلى كون كل باحث يحمل أولويات معينة وأفكار مسبقة، تسيطر على ذهنه في تحديد مدلول فكرة الإرهاب. غير أننا مضطرون لاستعراض تعريفين اثنين للفقه الغربي حول تصوره للظاهرة، أين تركز معظم التعاريف على الجانب الإيديولوجي

فقد عرف Eric David الإرهاب بأنه « عمل عنف إيديولوجي، يرتبط بأهداف سياسية»(فاضل علي، 2005)[4] واعتمد   Soldana في تحديده لمفهوم الإرهاب على أعمال العنف السياسي، حيث يعرف الجريمة الإرهابية بأنها «كل جناية أو جنحة سياسية يترتب عنها الخوف العام»(المرجع نفسه)

وينحاز إلى هذا الاتجاه معظم الكتاب والسياسيين في الغرب، حيث عرف Lesrer، وهو أحد كبار المسؤولين الأمريكيين المكلفين بدراسة موضوع الإرهاب، بأنه « النشاط الإجرامي المتسم بالعنف الذي يهدف إلى التخويف من أجل تحقيق أهداف سياسية»(المرجع نفسه).                     

ومن خلال استعراضنا لهذه اللمحة المختصرة من التعريفات حول ظاهرة الإرهاب يتوجب علينا الانتقال مباشرة إلى استقراء أسباب ظهوره في الجزائر

الإرهاب في الجزائر

أسبابه

الأسباب السياسية

تبنت الجزائر نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات فلسفة حكم جديدة تخلت إثرها على النظام الاشتراكي وسياسة الحزب الواحد، وقررت الانتقال إلى النظام الديمقراطي والنظام المفتوح والسماح بتشكيل أحزاب سياسية على الساحة الوطنية، بعد هيمنة حزب جبهة التحرير الوطني على مقاليد الحكم منذ اندلاع الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في الفاتح من نوفمبر 1954 أين  التفت آنذاك الكثير من القوى السياسية على هذا الحزب وقيادته لتوحيد الرؤى حول مشروع الحرية والاستقلال وبعد هيمنة وسيطرة على المشهد السياسي إلى ما يقرب عن أربعين عاما وبعد الفشل الذريع للفلسفة الاشتراكية ونموذج الحكم المغلق، الذي تلته تراجع رهيب في لأسعار المحروقات التي كانت بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الجزائري، وبعد موجات التخلي عن الاشتراكية في العالم الذي شهدته معظم دول شرق أوربا، وبالتحديد سنة 1989 تم الاستفتاء على الدستور الجديد الذي يقرُّ إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي (دستور 1996، المادة 22) كبداية للانتقال إلى نظام جديد، تتنافس فيه مختلف القوي السياسية للوصول إلى الحكم، بكل حرية ونزاهة.

فتحت هذه الخطوة الجريئة الباب أمام العديد من الحركات الإسلامية التي كانت تنشط في الظل، لتعلن عن مشروعها السياسي الذي هو القبول بالديمقراطية والاحتكام إلى الصندوق وإرجاء المشروع السري إلى حين السيطرة على مقاليد الحكم، فأنشأت تلك القوى أحزابا سياسية ذات مدلولات أيديولوجية، وركبت موجة الديمقراطية وظهر خطاب راديكالي يسوق للناس الحل الأمثل وسبيل النجاة والخروج من الأزمة تحت شعار الإسلام هو الحل، وبالفعل فقد اكتسحت هذه المجموعات الدينية المشهد في أول انتخابات حرة ونزيهة جرت في الجزائر، أين فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت تحمل مشروعا راديكاليا كبيرا، بأغلبية المقاعد في البرلمان وبسطت سيطرتها على معظم بلديات الجزائر ولم يتبقَّ سوى الوصل إلى كرسي الرئاسة، وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة أدركت السلطات في الجزائر أن الوضع يؤول إلى سيطرة الإسلامين على الحكم، وأن الخطر أصبح ماثلا خاصة وقادة الحزب يتوعدون بالمحاسبة والمساءلة للطغمة الحاكمة بناء على تصريحات البعض منهم كأمثال عباسي مدني وعلى بلحاج صاحب التصريح الشهير لوسائل الإعلام يوم الانتخاب حيث قال  «اليوم عرس الديمقراطية ومأتمها» تلميحا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية عند الوصول إلى الحكم والتخلي عن الديمقراطية التي هي من مذاهب الغرب الكافر.

أدرك قادة الجيش وبعض القوى الوطنية أن الأوضاع بدأت تخرج عن سيطرتهم وأن الخطر أصبح يهدد كيان الدولة ومؤسساتها، أما على الساحة الدولية فقد أبدت معظم دول الضفة الشمالية من المتوسط وبالتحديد فرنسا تخوفا من تكرار التجربة الإيرانية في المنطقة، فأوعزت للسلطة في الجزائر إلى ضرورة قطع الطريق أمام هذا المارد قبل أن يسيطر على زمام الحكم ويستلم مقاليد السلطة، والنتيجة معروفة سلفا، فكان أن تدخل الجيش وأوقف التجربة الوليدة وأجبر رئيس الجمهورية على الاستقالة وحل البرلمان، ووجد أولئك الذين علقوا أمالهم على تغيير نظام الحكم عن طريق صندوق الانتخاب أن أحلامهم ذهبت أدراج الرياح، فقرروا اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعبير عن عدم رضاهم للوضع الجديد وكانت ردت فعل السلطات في الجزائر أن قامت بمجموعة من الإجراءات القمعية وهي:

-إلغاء المسار الانتخابي وقد أشرنا إلى هذه النقطة سابقا

-حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ

-الزج بقيادات الحزب في السجون

-الملاحقات الأمنية للمنخرطين والمناضلين في الحزب

-مصادرة المقرات الحزبية والممتلكات المنقولة والأرصدة المالية  للحزب المُنْحل

-حل كل الجرائد والمجلات التابعة للحزب

-إجبار رئيس الجمهورية على الاستقالة وحل البرلمان

-إعلان حالة طوارئ طويلة الأمد

كل هذه الخطوات الجريئة كانت بمثابة الإرهاصات الأولى لانطلاق موجة عنف عارمة أتت على الأخضر واليابس.

 الأسباب الاجتماعية اقتصادية

تعتبر نهاية الثمانينيات بداية لأزمة اقتصادية حقيقة لاحت في الأفق، خاصة وأن الاقتصاد الجزائري اقتصاد ريعي مبني على النفط الذي لا تتجاوز فيه المداخيل خارج هذا القطاع الحيوي ما نسبته 10 %، وشهدت تلك الفترة اختفاء للمواد الأساسية في الأسواق وصعود رهيب في الأسعار وارتفاع كبير في معدل البطالة الذي وصل إلى أكثر من 20% من عدد السكان، الذي يمثل منه الشباب ما نسبته 70 % وتراجعت الطبقة الوسطى التي هي معيار تماسك الجبهة الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات (الكنز وأخرون، 1989). وأصبحت معظم الشرائح المجتمعية كالمعلمين والأطباء والأسلاك الأمنية والصحية وعمال المصانع والتجار تعاني من الفقر والعوز، وتدحرجت هذه الفئة الضامنة للاستقرار إلى الطبقة الدني وهي الطبقة الفقيرة، وانتشرت أزمة السكن والاكتظاظ في المدن وهاجر المواطن الريفي إلى المدن وبرزت البيوت القصديرية ونمت على حافة المدن نمو الفطر، واستشرت البطالة في الريف أكثر منها في المدينة بسبب موجة الجفاف التي ضربت شمال إفريقيا في تلك الفترة. كل هذه العوامل المتراكمة والمعقدة جعلت الوضع لا يحتمل والبحث عن البديل أمرا محتوما والعضب الشعبي في تزايد، فكانت انتفاضة أكتوبر سنة 1988 كشرارة لانطلاق موجة عنف وثورة على الوضع المزرى الذي آلت إليه البلاد، وقد أطلق عليها تسمية؛ ثورة الخبز وهي في الحقيقة تسمية تعبر عن وضع اقتصادي متردي، إضافة إلى تراكم الدين الخارجي واقتراب آجال التسديد الذي زاد من تعقيد الوضع وقلل من هامش المناورة بالنسبة لصانع القرار الذي لم يجد الأموال الكافية للتخفيف من التهاب الجبهة الاجتماعية والأوضاع تتجه نحو الأسوأ لامحالة، فكانت هذه الأوضاع من بين الأسباب التي شجعت على انتشار العنف والإرهاب، واجتمعت الأسباب الاجتماعية والاقتصادية وأُضيفتْ إليها الأسباب السياسية لتزيد الطينة بلة وتأجج الأوضاع أكثر فكان الانفجار محتوما. 

الأسباب الأيديولوجية والخارجية

الجميع يعلم أن الحزب السياسي الذي اكتسح الانتخابات في الجزائر كان حزبا ذا توجه إسلامي عروبي يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وفي الحقيقة أن نشاط الحركات الإسلامية في الجزائر كان قبل الاستقلال، أين نشطت الكثير من الجماعات الإسلامية السرية والمنضوية تحت لواء العديد من التنظيمات الدولية كجماعة الإخوان المسلمين العالمية والجماعات السلفية وجماعات ذات التوجه الإسلامي الوطني (سعود، 2012). التي لا تنتمي إلى تيارات خارجية وقد سبق لبعض هذه الجماعات أن قامت بأعمال تخريبية ضد منشآت ومؤسسات الدولة، وهاجمت مراكز الشرطة وقامت بمجموعة من عمليات اغتيال لأفراد الشرطة في السبعينيات، وكثيرا ما كانت توجه انتقاداتها لنظام الحكم الاشتراكي واتهامه بالكفر والإلحاد، غير أن النظام السياسي في تلك المرحلة بسط هيمنته على الوضع وكثيرا ما كان يزج بعناصر من تلك الجماعات في السجون، ويراقب تحركات رجال الدين والدعاة، غير أن ما كان يعرف بالصحوة وانتشار الأفكار الوافدة من المشرق والتي ترى أن الإسلام هو الحل للمشاكل(عمارة، 2005) التي يتخبط فيها المسلمون عبر العالم وأن تطبيق الشريعة والتخلي عن القوانيين الوضعية هو الحل المثالي لمشاكل المسلمين، أثرت هذه الأفكار الوافدة تأثيرا  رهيبا، صحبتها موجة تدين واسعة في صفوف الشباب خاصة الجامعيين منهم وبرزت العديد من التنظيمات الطلابية المنتمية إلى التنظيمات الإسلامية العالمية، وانتشر الزي الإسلامي في الشوارع بصورة ملفتة للنظر وأطلق الشباب لحاهم ولبست النساء البرقع واتسعت حلقات العلم في المساجد(رمضاني، 2004) وعلت الأصوات في المنابر بضرورة تطبيق الشريعة ورفع شعار الإسلام هو الحل، وألهبت مشاعر الجماهير بالخطب الحماسية المشحونة عاطفيا وكان شعار حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ عبارة « لا إله إلا الله عليها نحيا وعليها نموت وعليها نلقى الله» شعار عاطفي بما للكلمة من معنى، وبالفعل فقد جرَّ هذا الشعار العديد من الشباب المراهق إلى الخروج على نظام الحكم والقيام بأعمال تخريبية وارتكاب الكثير من المجازر.

أزمة حزب جبهة التحرير الوطني

وباجتماع العوامل السياسية والاجتماعية والدينية مع وضع اقتصادي هش ونظام سياسي يعاني من صراع داخلي في أعلى هرم السلطة بين مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني آن ذاك ، وبين الأمين العام للحزب ورئيس الجمهورية من جهة أخرى، أين سعى الرجلان إلى إجراء إصلاحات معمقة في نظام الحكم من خلال إحداث تغيير راديكالي في مكانة جبهة التحرير الوطني داخل النظام السياسي الجزائري، وذلك بإلغاء احتكار الجبهة للمجال السياسي وقد أَنهتْ تلك الإصلاحات وصاية الجبهة على المنظمات الجماهيرية، وألغت العمل بالمادة (120) من قانون الحزب    (بلعور،2000)  وحَدَّتْ من تدخل الحزب في شؤون الدولة، وأريد من الاصلاحات أن تُحوِّيل الحزب إلى جبهة تضم مختلف الحساسيات والتوجهات،  وقد أكد ذلك السيد عبد الحميد مهري  الأمين العام للحزب بقوله : « إن إعادة تجديد موارد جبهة التحرير الوطني يهدف إلى إخراج صيغة حزب الذي هو بطبيعته مفهوم ضيق من الناحية النظرية، واستبداله بصيغة الجبهة التي تهدف إلى تجميع كل طاقات البلاد مادامت هذه الطاقات تجتمع حول أهـداف وقواسم مشتركة «(بلعور، 2000) غير أنه سرعان ما تم الالتفاف حول تلك المبادرة من خلال حملة مضادة قادها أعضاء من داخل اللجنة المركزية للحزب بقيادة عبد القادر حجار، أُسقطَ على إثرها الأمين العام، وتَلتهُ استقالة رئيس الجمهورية، وكان هذا الصراع المضاف إلى الأسباب الآنفة الذكر واحد من العوامل الخفية التي أدت إلى دخول الجزائر وللأسف في دوامة عنف كبيرة خلفت الكثير من الضحايا الذين قدر عددهم بريع مليون ضحية، وآلاف المفقودين وملايير الدولارات من الخسائر المادية جراء عمليات التخريب المتواصلة وصدمات نفسية مست شرائح لا يستهان بها من المجتمع وانتكست التجربة الديمقراطية الوليدة.

العمليات الإرهابية ومخلفتها

عرفت الجزائر ولمدة عشرة سنوات كاملة مخلفات رهيبة لظاهرة الإرهاب، مست جميع فئات الشعب الجزائري دون استثناء لشباب وشيوخ وحتى النساء والأطفال لم يسلموا من ويلاته، ناهيك عن العدد المروع من القتلى والجرحى، كما خلفت الظاهرة ضحايا من نوع آخر، وهم أولئك الذين يعانون في صمت حاملين ذكريات الدم والخراب والموت التي خلفتها موجة العنف تلك،(سليماني، 2004)[5]، وقدرت تكلفة ما عرف في ما بعد؛ بالمأساة الوطنية ما يلي (لحياني،2009)[6]

عدد الضحايا قدر بـ ربع مليون قتيل.

6 146 من المفقودين.

20 مليار دولار خسائر.

انتكاسة للتجربة الديمقراطية الوليدة والعودة إلى المربع الأول.

تراجع رهيب في ميدان الحريات الشخصية وحرية التعبير.

أما النتائج المزمنة والتي لاتزال تبعاتها إلى حين كتابة هذه الأسطر هي؛ الصدمات النفسية والاضطرابات التي أثرت تأثيرا بليغا في نفسية معظم المواطنين الذين عايشوا المأساة وكانوا جزءا منها،  أين اختل توازنهم النفسي نتيجة الخبرات السيئة التي مروا بها ومعايشتهم للإرهاب بشكل مباشر، من خلال معاينتهم لاعتداءات المسلحة ورؤيتهم  مناظر الموت وأشلاء الضحايا الملطخة بالدماء في يومياتهم، وعلى أجهزة التلفزيون، أو فقدانهم لأحد أحبتهم أو أصدقائهم نتيجة حوادث صدمية، وتختلف أعراض الصدمة النفسية ،من فئة إلى أخرى، ولكن أكثرها ظهورا هي الاكتئاب والقلق والتي تعرف بالصدمة سيكوسوماتية (ب ا م ،2011)[7] ، وقد أكدت دراسات عديدة عن ضحايا الإرهاب في الجزائر أن مجمل هؤلاء الأشخاص بحاجة لتكفل نفسي، قد يمتد لأشهر وربما لسنوات، ومن أكثر الضحايا مواجهة للإرهاب في الجزائر هم أفراد الجيش باعتبارهم القوة المسلحة القادرة على الرد المسلح من خلال عمليات التمشيط المستمرة التي كانت تلك القوات تقوم بها على مستوى الجبال والأوكار التي كانت الجماعات الإرهابية تتخذها مقرا لها.

أمام التزايد المطرد لتلك العمليات، والارتفاع الكبير لعدد الضحايا والخسائر المادية الجسيمة، كان على صانع القرار في الجزائر أن يجد الحلول المناسبة لهذه المعضلة الكبيرة والأزمة الحادة وكان لابد من وقف عملية سفك دماء الجزائريين، بإيجاد حل واقعي للأزمة الأمنية يحفظ لجميع الأطراف حقهم في العيش بسلام، فكان لزما أن يعلو صوت الحكمة والعقل ويبعث الأمل من جديد على يد وطنين آمنوا أن الحل لن يأتي من خارج الجزائر، وقرر بعض الرجال المخلصين أن يتقدموا بمبادرات واقتراحات لحل الأزمة أملا في إيقاف مسلسل الدم الذي روع المدنيين، فكانت البداية مع اقتراح مقاربة لحل الأزمة تقوم على شقين متضادين يعملان معا دون توقف؛ يعمل الشق الأول على مقاربة أمنية بحتة وحرب لا هوادة فيها لاستئصال الظاهرة من جزورها، والشق الثاني يقوم على مبادرة ومقاربة إنسانية تعطي الأمل لمراجعة النفس واستدراك الوضع قبل فوات الأوان، بفتح باب الأمل للعودة لأولئك المغرر بهم إلى الحياة المدنية والطبيعية والاندماج في المجتمع والعيش حياة طبيعية، ومن هنا بزغ  بصيص الأمل من جديد فكانت المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب تتمحور حول مقاربة الأمنية تصادمية ومقاربة إنسانية تصالحية.

المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب

سعت الجزائر خلال تطبيقها للمقاربة مكافحة الارهاب إلى الحصول على الدعم اللوجستي والعسكري في معركتها ضد الجماعات المسلحة، غير أنها اصطدمت بحصار وحظر دولي على استوراد الاسلحة بحجة أن النظام السياسي في الجزائر على وشك الانهيار، ومنه ربما تأخذ تلك الأسلحة وجهة أخرى، أي انها سوف تسقط في يد الارهابين، ولم تتمكن من شراء مستلزماتها من الأسلحة خلال تلك الفترة، باستثناء دولة واحد وهي دولة المجر التي كانت الجزائر تقتني منها بعض الأسلحة الخفيفة، غير أن الوضع تغير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أين تلقت الجزائر دعما كبيرا من الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال ترخيص حصول الجزائر على المناظر الليلية، وتقديم معلومات استخباراتية عن تحرك الجماعات في الصحراء الكبرى(غريب، 2017 )[8]، مع دعم مالي لمكافحة الظاهرة. 

المقاربة الأمنية

كما سبق وأن أشرنا فإن المواجهة بين الدولة والجماعات الإرهابية كانت الحل العملي والمحتوم الذي سلكته الدولة الجزائرية لاستعادة زمام المبادرة من الجماعات الإرهابية، حيث كانت هذه الأخيرة تتمتع بقوة كبيرة في بدايتها واستطاعت أن تفرض سيطرتها على معظم المناطق في البلاد، وتكبد الدولة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات العامة، أين بدأت تنحوا نحو التنظيم والتسليح الجيد مع معنويات مرتفعة يدفعها الوازع الديني والشعور بالظلم، وتخمرت فكرة استرجاع الحق المهضوم، فكان على الدولة انتهاج استراتيجية جديدة في مواجهة هذه العقيدة الصلبة والخطيرة جدا، والمهددة لكيان الدولة بالانهيار، فاعتمد النظام السياسي الجزائري في مقاربته الأمنية المباشرة والميدانية على خمسة أجهزة عسكرية منها ثلاث فصائل نظامية واثنتين شعبية مساندة وداعمة لها، وفي الحقيقة هاتان الفصيلتان الشعبيتان كانتا هي الفيصل في المعركة ضد الإرهاب مع اعتماد خطة أمنية ثانية تقوم على مبدأ تجفيف المنابع.

 الأجهزة الأمنية النظامية

-الجيش: لم يسبق للجيش الجزائري أن خاض حربا كهذه الحرب التي خاضها ضد الجماعات الإرهابية التي كلفته الكثير من الضحايا والمعطوبين جراء حرب العصابات التي كان يخوضها (سعود، 2017)، غير أنه خرج منها قويا واكتسب خبرة ميدانية جعلته يحتل مراتب متقدمة في ترتيب جيوش العالم، أين أوكلت له مهمة حماية المؤسسات الحكومية والمواقع الاستراتيجية، وملاحقة الجماعات الإرهابية في الجبال وتشديد الخناق عليها وتدمير مخابئ الإرهابيين ومخازن السلاح والمستشفيات الميدانية للجماعات المسلحة، وتمشيط الجبال والمناطق الساخنة، ووضع الكمائن الليلية ومحاصرة الجماعات المكتشفة وعزلها، وقد أوكلت مهمة محاربة الجماعات الارهابية للقوات البرية بشكل أساسي مع فِرق النخبة أو ما يعرف بالقوات الخاصة وكذلك القوات الجوية والتي عادة ما تكلف بمهمة تدمير مواقع الإرهابيين وتحيينهم.

-جهاز الدرك الوطني: من بين أهم الأجهزة التي يتشكل منها الجيش الجزائري، يعتبر همزة وصل بين الجيش والشعب في المناطق الريفية.(ب ا م،2017)[9]، حيث يشكل البديل عن الشرطة في المناطق غير الحضرية، يتواجد هذا الجهاز على مستوى جميع بلديات الجزائر، يضطلع بمهمة تجنيد المدنيين الذين بلغوا سن الخدمة العسكرية ويشرف على قوات الدفاع الذاتي والحرس البلدي المستحدثين أثناء الأزمة الأمنية، ويعمل على كذلك على جمع المعلومات الاستخباراتية في المناطق المعزولة ويساعد جهاز العدالة في مكافحة الجريمة باعتباره جهازا يتمتع بالضبطية القضائية.

-جهاز الشرطة: أوكلت للشرطة الجزائرية مهمة جد معقدة تمثلت في حرب المدن والشوارع، وقد كلفت هذه الحرب الجهاز خسائر وتضحيات جسيمة نظرا لصعوبة مهمة التعرف على العناصر الإرهابية وسط الجماهير الكبيرة في المدن وداخل الأحياء القصديرية الفقيرة، كما أوكلت له مهمة نزع الألغام والمتفجرات، التي قام الإرهابيون بزرعها في الساحات العامة وأمام المنشآت الحيوية، وفي الحقيقة قدم هذا الجهاز بجميع فصائله دورا بطوليا في القضاء على الظاهرة في المدن الجزائرية. (وزارةالداخليةالجزائرية،2018)[10].

الأجهزة الأمنية شبه النظامية

-قوات الدفاع الذاتي

المطلع على جغرافيا الجزائر يجد أنها جد صعبة، تتشكل من تضاريس وجبال وعرة وغابات كثيفة صعبت كثيرا من مهمة قوات الجيش، الذي عادة ما كان يتكون من عناصر ليس لها معرفة بالبيئة التي تقاتل فيها ،حيث يكون فيه عامل الأرض عامل مساعد للجماعات الإرهابية، لمعرفتها بتضاريس المناطق التي تنشط فيها، وكما هو معروف فالإنسان ابن بيئته أي أنه يتأقلم مع البيئة التي ولد فيها،  فلعبت الجغرافيا دورا مساعدا للعناصر الإرهابية للمناورة أكثر والأخذ بزمام المبادرة في كثير من الأحيان، أدركت السلطات في الجزائر أنه لابد من التغلب على عامل الجغرافيا والتغلب على نقطة الضعف هذه، من خلال تطبيق نفس الاستراتيجية التي استعملها الاستعمار الفرنسي في الجزائر إبان الثورة التحريرية، التي تتمحور حول تجنيد عناصر لها معرفة بالمناطق التي تنشط بها الجماعات الإرهابية، فكانت خطة تجنيد قوات الدفاع الذاتي هي الخطة الأنجع والأصلح لمثل هذه الظروف، وبالفعل تم تجنيد هذه القوات الجديد التي يطلق عليها أحيانا تسمية الدفاع الذاتي أو المليشيات. (بام، 2017)[11](Les patriotes)  وكانت تتشكل من قدماء المحاربين الذين شاركوا في حرب الاستقلال وأبناء قدماء المحاربين والأشخاص الذين يريدون الانضمام طوعية لهذا الجهاز بقصد حماية ممتلكاتهم في المناطق الريفية من نهب الجماعات الإرهابية، وقد أثبتت هذه التجربة نجاحها واستطاعت الدولة في الجزائر بفضل هذه العناصر تضييق الخناق على الجماعات المسلحة، وقللت من هامش المناورة لديها، وبعد نجاح التجربة قررت الدولة تعزيز هذه الخطوة باستحداث جهاز آخر أكثر تنظيما وبلباس عسكري موحد.

- الحرس البلدي

بعد نجاح قوات الدفاع الذاتي في مهامها ولو بصورة جزئية، صدر مرسوم تنفيذي يقر إنشاء جهاز الحرس البلدي (المرسوم التنفيذي رقم: 56/265،1996 المادة 01.) فرغم التوجيهات التي قدمها صندوق النقد الدولي للجزائر بتحديد عدد الأفراد المنتمين إلى هذا الفصيل الجديد، استطاعت الجزائر التنصل من قرارات صندوق النقد الدولي من خلال التحايل في تمويل الحرس البلدي تحت غطاء الصندوق المشترك للجماعات المحلية، الذي كان يغطي نفقات جهاز الحرس البلدي، وأوكلت مهمة تسيير على هذا الجهاز لوزارة الدفاع الوطني وتحت إشراف فرق الدرك الوطني (المرسوم التنفيذي رقم: 56/265، 1996 ،المادة 01.) وقد ساعد هذا الفصيل وبصورة فعالة في القضاء على الجماعات الإرهابية بمساعدة قوات الجيش والدرك، من خلال استغلال عامل الأرض الذي سبق وأن أشرنا إليه، وتحت ظرف الضرورة كان معظم أفراد هذا الفصيل ذوي مستوى تعليمي متواضع وكان لا يشترط في الانضمام إلى هذا الجهاز المستوى الدراسي المقبول كالجيش والشرطة، ورغم نقطة الضعف هذه لعب هذا الجهاز دورا محوريا وفعالا في مكافحة الظاهرة وقد قدم أفراده تضحيات كبيرة وتم حل الجهاز بعد استتباب الأمن في الجزائر نهاية 2015.

ومع تجنيد الدولة في الجزائر لهذه القوات التي تشكلت كما سبق ذكره، من قوات نظامية وشبه نظامية، برز تحدي جديد تمثل في معرفة كيفية تمويل تلك الجماعات والطرق التي تنتهجها في دعمها اللوجيستي.

تمويل العناصر الارهابية خلال مرحلة التسعينيات

لابد من الإشارة إلى كيفية تمويل هذه العناصر الإرهابية وتبيان كيف أن تمويلها كان داخليا وخارجيا غير أن التمويل الخارجي في تلك الفترة لم يكن بالصورة نفسها التي يتم فيها تمويل الجماعات الارهابية في زمن العولمة، والذي استغلت فيه الجماعات الارهابية المعاصرة لخدمة أغراض وأجندات أجنبية.

- التمويل الداخلي

وقبل التعريج على سياسة الجزائر في تجفيف منابع التمويل للجماعات الارهابية، لابد لنا من الإشارة إلى كيفية تمويل هذه العناصر داخليا، فالتقارير الأمنية الصادرة عن السلطات الجزائرية، تؤكد أن الجماعات الارهابية اعتمدت في تمويلها على مصادر مختلفة ومتنوعة والتي منها الأموال النقدية والعينية التي يقدمها الأشخاص المتعاطفون مع تلك الجماعات، وكذلك الجمعيات الأهلية ذات التوجهات الراديكالية غير المعلنة، والتمويل عن طريق الفدية.

 (مصطفى، 2018)[12] الذي سوف نأتي على ذكر الدور الذي لعبته الجزائر لاستصدار قرار من مجلس الأمن لمنعه عن تلك الجماعات، والسطو على البنوك وخزائن الشركات الكبرى، واستفزاز رجال الأعمال وتهديدهم، وفي الواقع تأخذ عملية التمويل مراحل وإجراءات منها (جماوي، 2017):

-مرحلة الإيداع

  خلال هذه المرحلة يقوم ممولو الإرهاب بضخ الأموال في النظام المصرفي، من خلال إدخالها في حسابات أو عن طريق شراء أسهم أو سندات، كما يمكن شراء العقارات أو المشاركة في مشاريع استثمارية حقيقية أو وهمية، ثم تتم عملية بيع تلك الأسهم أو العقارات، وبعدها يتم نقل تلك الأموال إلى الخارج حدود الدولة.

- مرحلة التغطية

بعد دخول الأموال إلى النظام يتم تحويلها إلى مؤسسات مالية أخرى للتعتيم على مصادرها، وقد يتم تحويلها إلى مؤسسات في أماكن آمنة، وتعتبر هذه المرحلة الأصعب اكتشافا من قبل الأجهزة الأمنية ويتم فيها استخدام الأوراق المالية وشيكات المصارف والأسهم والسندات.

-  مرحلة التمويل

وهي المحطة الأخيرة في الرحلة التي تقطعها الأموال وصولا إلى أيدي الجماعات الإرهابية حيث يتم نقل هذه الأموال عن طريق الحدود وبصفة عينية أو عن طريق تجزئتها إلى مبالغ صغيرة، غير أنه وبمجرد أن تكتسب تلك الأموال الصفة الشرعية والقانونية (حسين، 2018) حتى يسهل إيصالها للجماعات الإرهابية بطرق بسيطة كحملها في حقائب أو إخفائها في السيارات والشاحنات، هذا دون أن نغفل على التمويل الخارجي الذي عادة ما ترعاه دولة معينة تتقاطع مصالحها مع مصالح تلك الجماعات.

التمويل الخارجي

إضافة إلى الدعم المعنوي والتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر والتعاطف والمساندة اللذَّينِ أبداهما العديد من رجال الدين؛ كأمثال أبو قتادة الفلسطيني وسلمان العودة السعودي وكثير من مشايخ المشرق العربي، الذين أعلنوا دعمهم السافر للجماعات الإرهابية، برز التمويل الخارجي بصورتين ؛ مباشرة والأخرى غير مباشرة، فالتمويل غير المباشر كان من خلال فرض حصار على تَورِيدْ السلاح للجزائر بحجة وقوعه في يد الجماعات الإرهابية، أما الصورة المباشرة فتمثلت في إيواء والتغاضي عن بعض العناصر الإرهابية الناشطة من قبل بعض الدول خاصة على الحدود الجزائرية، لأسباب سياسية وخلافات قديمة، وكان تمويلا غير معلن لكنه موجود ،كما تم فرض التأشيرة على دخول الجزائريين إلى أراضي تلك الدول، مما جعل الجزائر تقوم بمجوعة من الإجراءات  كإغلاق حدودها البرّية ، كما تلقت كذلك تلك الجماعات دعما من طرف دولة  معينة وبصورة مباشرة  كالتمويل الذي قدمته دولة إيران، وذلك لأسباب أيديولوجيا سياسية،  أين كشف رئيس الحكومة الأسبق، سيد أحمد غزالي، أن نظام الملالي في إيران موّل ودعم الإرهاب خلال العشرية السوداء في الجزائر سنوات التسعينات، وهو ما دفع بالرئيس الراحل، محمد بوضياف، إلى قطع العلاقات الثنائية مع هذا النظام خلال تلك الفترة (عساس،2017)[13]، مؤكدا أن النظام الإيراني أيد الجماعات الارهابية، ماليا وسياسيا واقتصاديا.

وأكد رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق أن ما توصلت إليه الجزائر بشأن تمويل النظام الإيراني للجماعات الإرهابية في الجزائر ليست تحليلات سياسية أو شكوك، بل نتاج معلومات استخباراتية مؤكدة (عساس، 2017)[14]، كُشفتْ فيها العديد من الحقائق عن تورط إيران في التمويل الخارجي للجماعات الإرهابية في الجزائر.

غير أن السلطات الجزائرية انتهجت استراتيجية محكمة في تتبع وقطع مصادر التمويل سواء المادية أو المعنوية، الداخلية أو الخارجية لغلق جميع المنافذ التي تستعملها تلك الجماعات. 

جفيف منابع التمويل

تعتبر الأجهزة الأمنية الخمسة الجيش والدرك والشرطة وقوات الدفاع الذاتي والحرس البلدي القوات التي كانت تضطلع بمهمة مكافحة الإرهاب بصورة ميدانية مباشرة وعلى خطوط التماس، كما أنه تم الاستعانة بمقاربة أمنية أخرى لا تقل أهمية من الأولى، تتمحور حول تجفيف مصادر التمويل الداخلية والخارجية والدعم اللوجيستي، هذه العملية تقوم على مجموعة من التدابير وهي كما يلي:

- مراقبة البنوك وحركة الأموال

تعتبر مراقبة حركة الأموال وتداولها من بين المهام التي تتطلب معرفة وخبرة في الميدان المالي والنقدي، من خلال معرفة آليات وتشريعات حركة رؤوس الأموال والقطاع المصرفي، أين قررت السلطات في الجزائر تفعيل القوانين واللوائح التنظيمية للقطاع المالي والمصرفي لتسهيل عملية مراقبة ومعرفة حركة الاموال، (تقرير وزراة الداخلية الجزائرية، 2010) غير أن هذه العملية عرفت صعوبة بالغة، خاصة وأن حركة رؤوس الأموال كانت تخضع للسوق الموازي أكثر من خضوعها للسوق الرسمي، ومعظم المواطنين الجزائريين لا يدخرون أموالهم في البنوك، لذلك كثيرا ما كانت عملية المراقبة صعبة وتتطلب مجهودا كبيرا، ومع ذلك أصدرت السلطات  في الجزائر القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ومكافحته، فجاء قانون (05/01) مؤيدا لهذه الشروط والإجراءات (وزارة العدل الجزائرية، 2005، القانون رقم/05/01) ، من خلال  اشترط عملية الّتوطين المصرفي لكلّ عملية دفع، تتجاوز قيمتها مبلغا يتم تحديد قيمته عن طريق التنظيم  المتعّلق بالّنقد والقرض،كما يفرض هذا القانون على البنوك والمؤسسات المالية والمؤسسات المشابهة الأخرى، الاستعلام والتأكد من هوية عملائها وعناوينهم والّتبليغ عن كلّ عملية مشبوهة وذلك إلى خلية معالجة الاستعلام المالي.

-  نزع الأسلحة الخفيفة: منذ الموجة الأولى للعنف والتحاق أعداد لا يستهان بها من الأفراد المغرر بهم بالجبال، رأت الدولة في الجزائر أنه من الضروري قطع الطريق أمام هؤلاء، قبل تنظيم أنفسهم وتجميع الأسلحة، فأصدرت الأجهزة الأمنية تعليمات بمصادرة الأسلحة الخفيفة الموجودة عند المواطنين، وبخصوص سكان الأرياف والمتاخمين للمناطق الجبلية، مع العلم أن المصادرة كانت مؤقتة وليست نهائية،  إلى حين استتباب الأمن والسكينة وبالفعل فقد وفت السلطات بوعودها، وأرجعت جل الأسلحة المصادرة لأصحابها، خاصة تلك المستعملة للصيد والتي تحمل أرقاما تسلسلية.

-منع استغلال الرموز الوطنية في للدعاية والنشاطات السياسية: أجرت السلطات في الجزائر مجموعة من التعديلات خاصة تلك المتعلقة بالقوانين العضوية والانتخابية، ونقصد هنا بالتعديلات تلك التي جاء بها دستور 1996 الذي منع صراحة استغلال الرموز الوطنية المتمثلة في الإسلام العروبة الأمازيغية والوحدة الترابية للدعاية الحزبية، واستثارة مشاعر الجماهير(دستور 1996، المادة 48)، مما أجبر الكثير من الأحزاب والجمعيات إلى تغيير قوانينها الداخلية، وجعلها تتماشى والوضع الجديد، كما منعت الأحزاب من تمويل الجمعيات المدنية وبالعكس منعت كذلك الجمعيات من تمويل الأحزاب، وقد اعتبر البعض هذه الخطوة انتكاسة وتراجع للحريات والنشاط الحزبي الذي تمت محاصرته ومنعه من موارد مالية مهمة، غير أن الدولة في الجزائر رأت في ذلك حماية وتحكما في مصادر التمويل، التي ربما تذهب إلى الجماعات الإرهابية دون التمكن من اكتشافها.

-قانون تجريم دفع الفدية للإرهابيين: بعدما تمكنت الجزائر من القضاء على جل الجماعات الإرهابية الناشطة في الشمال الجزائري، غيرت تلك المجموعات الارهابية من استراتيجيتها في المواجهة والقتال، حيث توجهت تلك الجماعات التي رفضت التفاوض مع السلطة والدخول في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية إلى الجنوب الكبير،  واختارت النشاط تحت لواء التنظيمات العالمية كتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام، وحيث الصحراء المترامية الأطراف والبيئة القاسية وتجارة المخدرات والتهريب واختطاف الرهائن خاصة الرعاية الأجانب، الذين عادة ما يشكلون ضغوطا على حكوماتهم أين تضطر تلك الحكومات إلى دفع الفدية لتجنب إعدامهم بصورة دراماتيكية،  وأمام شاشات التلفزة، فكثيرا ما كانت تثير الرأي العام في تلك الدول، وأيقنت الجزائر أن دفع الفدية لا يزيد تلك الجماعات إلا قوة وتمردا خاصة وأنها أضحت تعتاش على هذه العمليات الاستفزازية ، وبذلت الجزائر مجهودا مضنيا لإقناع الأطراف الدولية  للعدول عن تقديم الفدية، وعدم الخضوع للاستفزاز وإن كان الثمن حياة الضحايا الأن دفع الفدية ما هو إلا تشجيع للجماعات للقيام بعمليات أخرى، وبالفعل فقد لاقت مجهوداتها ترحيبا إقليميا ودوليا إذ تمكنت من إقناع مجلس الأمن للأمم المتحدة في ديسمبر 2009 بتبني القرارين 1904 الذي يكمل القرار 1373 ، المتعلق بمكافحة مصادر تمويل الإرهاب والقرار 1267 ، المتعلق بتمويل نشاطات الجماعات الإرهابية، وكذا إقناع الاتحاد الإفريقي في يوليو 2009 بتبني القرار 652 ، الذي يدين دفع الفدية للجماعات الإرهابية ويطالب المجتمع الدولي بتجريمها، كما صادق مجلس الأمن يوم 27 يناير 2014 ، على مذكرة الجزائر حول الممارسات الحسنة في مجال الوقاية من الاختطافات من أجل طلب الفدية للجماعات الإرهابية، والقضاء على المزايا المنجزة عن ذلك، ودعت المديرية التنفيذية لمجلس مكافحة الإرهاب إلى أخذ مذكرة الجزائر بعين الاعتبار، وهو ما عُدَّ انتصارا دبلوماسيا للجزائر، كما بدأت الجزائر بالتحرك في فضائها الإقليمي (الساحل)  باعتباره يمثل عمقها الاستراتيجي. 

وفي الأخير نستطيع القول أن المواجهة المباشرة والدفع والاستعانة بالأجهزة الأمنية الخمسة: الجيش، الدرك، الشرطة، الدفاع الذاتي، الحرس البلدي، والمواجهة غير المباشرة كتجفيف منابع التمويل من خلال مراقبة حركة الأموال ومصادرة الأسلحة الخفيفة ومنع استغلال الرموز الوطنية في الدعاية الحزبية، وتجريم دفع الفدية للإرهابين، جعلت المقاربة الأمنية جد فعالة غير أنها غير كافية، قررتعلى إثرها الجزائر اعتماد المقاربة الإنسانية كاستراتيجية مكملة لتحقيق السلم، والمصالحة ودمج أولئك الذين يريدون الدخول في هذا الميثاق الجديد، فكانت المقاربة الإنسانية الشق الآخر من استراتيجية مكافحة الإرهاب.

المقاربة الإنسانية

كما سبق وأن أشرنا دخلت قوات الأمن بأسلاكها الخمسة في مواجهة دامية مع الجماعات الإرهابية، وكانت الخسائر فادحة من الطرفين ارتقت إلى مستوى حرب أهلية، فكان لزاما البحث عن حل آخر ربما يقلل من حدة الصدام ويحقن دماء الجزائريين، فجاءت المبادرات متدرجة ومتتالية للتخفيف من وطأة الأزمة وموازنة بين حفظ حقوق الضحايا والتجاوز عن أخطاء العناصر المغرر بها، فمرت المقاربة الإنسانية لمكافحة الارهاب في الجزائر بعدة مراحل وهي:

- قانون الرحمة

جاء هذا القانون بعد تولي الجنرال المتقاعد السيد ليمين زروال الحكم سنة 1995 م، أين قرر أجراء مفاوضات مباشرة مع الجماعات الإرهابية، أصدر خلالها قانون الرحمة، (محمد، 2006)[15] الذي يعطي الأفراد المنتمين إلى الجماعات المسلحة بعض التخفيفات في الأحكام الصادرة ضدهم مع استثناء أولئك الذين ارتكبوا جرائم كبيرة كالتفجير في الأماكن العمومية وارتكاب المجازر الجماعية غير أن هذا القانون لم يلقَ استجابة كبيرة، لأن معظم أفراد الجماعات المعتدلة للعناصر المسلحة كالجيش الإسلامي للإنقاذ والجماعة الإسلامية كانت تبحث عن تسوية شاملة كشرط لتسليم السلاح، فاضطرت الدولة إلى تقديم مبادرة أخرى جاءت كتكملة لقانون الرحمة وبادرة حسن نية.

الوئام المدني

بعد استقالة الرئيس اليمين زروال إثر أزمة حادة بينه وبين الجيش وإعلانه عن انتخابات مسبقة سنة 1999، وقدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم ، سار على نهج سلفه وحاول إدخال تعديلات على قانون الرحمة وجعله أكثر ملاءمة واستجابة لمطالب الجماعات، التي أبدت رغبة في التفاوض مع النظام السياسي الجزائري، فأصدر مرسوما رئاسيا يلغي القانون السابق ويعوضه بقانون جديد، تحت مسمى قانون الوئام المدني الذي ألغى السجن المؤبد والإعدام وعرض على الاستفتاء الشعبي، أين تمت الموافقة عليه بالأغلبية الساحقة وكانت من نتائجه تخلي معظم الجماعات المسلحة عن نشاطها ودمج عناصرها وفق بنود ومواد قانون الوئام المدني،(رئاسة الجمهورية، الأمر رقم 06/01 ، 2006 ، المادة.01.) وعلى مراحل وشروط معينة حسب تقديرات السلطات المتخصصة في متابعة تنفيذ قانون الوئام، حيث سمحت للكثير من الأفراد المنتمين إلى تلك الجماعات بالاندماج في الحياة المدنية، وتحت شروط معقولة تلغى تدريجيا بالتقادم حتى العودة الكاملة للحقوق المدنية والسياسية، تلته عملية أخرى أكثر شمولا وسعت من دائرة السلم والمصالحة، فكانت المصالحة الوطنية (الأمر رقم 06/01 المادة 07). كآخر مرحلة من مراحل المقاربة الإنسانية.

 

 المصالحة الوطنية

يمكن القول أن المصالحة الوطنية هي تتمة وتكملة لمسار الوئام المدني، وطي نهائي لملف العشرية السوداء بما تحمله من جراح ومآسي، لكن البعض يرى في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي تم عرضه هو الآخر على الاستفتاء الشعبي سنة 2004 أنه جاء لحماية العناصر الأمنية من الملاحقات الدولية،  لظهور أصوات تتهم الجيش بارتكاب جرائم حرب في حق المدنيين خاصة في المناطق المعزولة، إضافة إلى ملف المفقودين الذي شكل إحراجا حقيقيا للسلطة جعلها تقرر تقديم تعويضات لأهالي المفقودين وتصنيفهم ضمن ضحايا المأساة الوطنية (الأمر رقم 06/01 المادة09) ، وللعم فإن الجزائر لم تصادق على بروتكول حماية الاختفاء القصري للأشخاص إلا بعد سنة 2006 وقد أشرف على هذا التوقيع وزير الخارجية الراحل أحمد بجاوي، وكانت المصالحة الوطنية بمثابة الصفحة الأخيرة في كتاب مسلسل العنف الذي مرت به الجزائر ولعشرية كاملة.

الاستعانة بعلماء الشريعة

 إضافة إلى قانون الرحمة وميثاق السلم والمصالحة الوطنية لم تدخر الجزائر جهدا في التخلص من هذه الآفة بشتى الطرق والوسائل المتاحة،  وبما أن أولئك المغرر بهم قد خرجوا عن النظام لأسباب دينية، وبأفكار راديكالية،  فكان لزاما اللجوء إلى علماء الشريعة ذوي السمعة الكبيرة،  لتوضيح الخطأ الذي وقع فيه أولئك الشباب المتحمس والمندفع،  وكان أن استعانت الدولة بفتاوى هيئة كبار العلماء في الحجاز؛ كابن باز  وبن عثيمين والعلامة المحدث نصر الدين الألباني(أنظر شريط مسجل لحوار الألباني للجهاديين في الجزائر)[16] أين وجه هؤلاء العلماء رسائل مباشرة إلى الشباب المرابط في الجبال، للعودة إلى جادة الصواب والاندماج في المجتمع وأصدر هؤلاء العلماء فتاوى كثيرة تحرم الخروج على الحاكم المسلم مهما كانت الأسباب، حتى يظهر الكفر البواح، كما لعب التيار السلفي العلمي دورا بارزا في التصدي للجماعات المطرفة فكريا وإقناع معظم المتأثرين بفكرها بالعدول عن تلك الأفكار التي تبيح الخروج عن الحاكم، وأثبت الدراسات مؤخرا أن نسبة المنخرطين من الجزائريين في تنظيم الدولة الإسلامية يعد على رؤوس الأصابع، وأرجع المهتمون بشؤون الجماعات الإسلامية الأسباب إلى هيمنة السلفية العلمية على المشهد الفكري في الجزائر، جعل نسبة الشباب المهاجر للقتال مع داعش قليلا.

 التعويضات المالية لضحايا المأساة الوطنية

يعتبر نظام التعويضات في الجزائر من الأنظمة الأكبر في العالم بدءا بالمنح المقدمة لقدماء المحاربين، يليه التعويضات المقدمة في التسعينيات للعمال المسرحين من مختلف الشركات، ثم يليه التعويضات والمنح المقدمة لأفراد الحرس البلدي المسرحين بعد حل الجهاز، كذلك التعويضات والمنح المقدمة لمعطوبي الجيش والشرطة، والتعويضات المقدمة كذلك للمدنيين المجندين أثناء فترة العشرية السوداء، والذين دعمت بهم فصائل الجيش، يليه التعويضات المقدمة لأهالي المفقودين، وأخيرا التعويضات المقدمة كمساعدة للعناصر التي تخلت عن السلاح لتسهيل عملية اندماجهم في الحياة المدنية.

الإدماج الاجتماعي للعناصر الإرهابية

كان لابد من تنظيم عملية عودة العناصر المسلحة وترتيب ظروف الاندماجي التدريجي، من خلال إنشاء معسكرات ما يعرف بالإرجاء، والتأكد من نية هذه العناصر في العودة إلى الحياة المدنية فكانت عملية الإرجاء تمر بمراحل عديدة وحسب موقع الفرد في الجماعات المسلحة والجرائم المرتكبة، وكانت العناصر التي تثبت تعاونا مع قوات الأمن وتساهم وتساعد في تقديم معلومات استخباراتية تستفيد من إلغاء مدة الإرجاء (الأمر رقم 06/01 /2006 المادة 07)، كما تم التخفيف من وطأة القبضة الأمنية والسماح للمتدينين بتطويل لحاهم  ولبس النساء للبرقع، مع حرية تامة في ممارسة الشعائر الدينية دون مضايقة، ومن هنا أثبتت المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب قدرتها على حل الأزمة الأمنية، وبنجاحها حققت نتائج مهمة داخليا وخارجيا.

انعكاسات المقاربتين (الأمنية، الانسانية) وتقييم نجاحهما داخليا وخارجيا

داخليا

أصبحت الجزائر في طليعة البلدان الأكثر أمنا وأنموذجا في ترسيخ قيم التسامح والعيش معا، فلاشك أن هذه المقاربة ستظل تشكل العلامة  الأبرز في تاريخ الجزائر المعاصرة، سواء تلك التي يدونها المؤرخون، أو تلك التي يكتبها الساسة والمفكرون، فبفضل هذه المقاربة انتقلت البلاد من مرحلة الاقتتال إلى مرحلة الأمن والاستقرار، مكرسة لقيم السلم والمصالحة، وهو ما كانت له انعكاساته الإيجابية على واقع التنمية التي قفزت بالبلاد من حالة الانهيار والركود الاقتصادي إلى وضع خطوات على طريق التنمية وإعادة الإعمار، وعودة الفارين من ويلات الحرب إلى ديارهم وممتلكاتهم، ورفعت حالة الطوارئ وعم الاستقرار ربوع الجزائر. (ب ام، 2004)[17] فالمقاربة في النهاية، استطاعت حماية المصلحة الوطنية، وكرست ثقافة التسامح المؤسس على أن المجتمع محكوم عليه بحماية نفسه من الانهيار، وأن الدولة القوية وحدها القادرة على فرض سلطة القانون، وتحقيق الاستقرار.

لقدْ كسبتِ الجزائر بفضل هذه المقاربة المزدوجة رهان التعايش،  وفوّتت الفرصة على الاستئصاليين ودعاة المواجهة سواء من داخل النظام أو من طرف متشددي تلك الجماعات، وشكّل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية جدارا متينا سقطت عندهُ كل محاولات تدويل الأزمة، موازاة مع اكتساب الجيش الوطني الشعبي للخبرة والصلابة في التصدّي للجماعات الإرهابية على كامل إقليمنا الجغرافيّ، وشكلت المقاربة الانسانية قوّة لحماية حدودنا الثقافيّة وهويتنا الوطنية، كما حافظت على مؤسسات الدولة وعلى الوحدة الوطنية، إذ أن ثمار المصالحة لم تقتصر على استتباب الأمن والسلم، ولكن تجاوزتها لإرساء دعائم الدولة المدنية بكل المقاييس، وهو الأمر الذي انعكس على سمعة الجزائر ومكانتها،  ما جعلها تصبح أنموذجا لتسوية الأزمات الأمنية سلميا دون عنف ودون تدخل أجنبي، في مشروع استراتيجي حافظ على الوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي.

خارجيا

الدور الإقليمي والمجهودات المبذولة دوليا

منذ بروز الظاهرة الإرهابية كتهديد أمني والجزائر في مسعى دؤوب لتعبئة الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة، التي عاثت واستفحلت طيلة عقد من الزمن في المجتمع والشعب الجزائري، ولم تلق الجزائر آذانا صاغية لمعظم لنداءاتها إلا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أدرك العالم ما كانت تحذر منه الجزائر من خطر استفحال هذه الآفة، وفي أولى الجهود الدبلوماسية للجزائر على المستويين الإقليمي والدولي فقد استطاعت الجزائر أن تحقق من خلال طرح مقاربتها ما يلي:

-أثمرت مساعي الجزائر بتوقيع اتفاقية حول التعاون العربي لمكافحة الإرهاب تم المصادقة عليها خلال الدورة الرابعة عشر لمجلس وزراء الداخلية العرب بتاريخ 22 أبريل 1998 ودخلت حيز التنفيذ شهر مايو1999.(الخميس،2007)[18]

-على المستوى الإفريقي استطاعت الجزائر إعادة إحياء مشروع اتفاقية مكافحة الإرهاب التي لقيت ترحيبا من طرف اللجنة المركزية للوقاية وفض النزاعات على مستوى منظمة الوحدة الإفريقية، صادق على المشروع مجلس وزراء العدل للدول الإفريقية بالإجماع وحمل اسم «الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب»(الخميس، 2000)[19] 

- التنسيق الأمني والعمالياتي الجزائري الأمريكي في إطار مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء سنة 2005 في المقابل رفضت استضافت قاعدة أفريكوم (Africom).(الخميس،2007)[20].

- سعت إلى إقناع المجتمع الدولي بضرورة إيجاد تعريف موحد للإرهاب، لتحديد العدو المشترك وبلورة استراتيجية شاملة (كروشي، وحنية، 2016)، وتعزيز وحدة الصف في مكافحة هذه الظاهرة، كما طالبت الجزائر عبر مختلف المحافل الدولية المجتمع الدولي بضرورة التمييز وعدم الخلط بين ما أصطلح على تسميته الإرهاب وحركات التحرر، لكنها واجهت صعوبات جمة، حيث أن كل دولة تتصرف وتفسر هذه الظاهرة وفقا لمصالحها الذاتية

-ومن تجربتها الميدانية كانت الجزائر من الدول السباقة إلى إيجاد قانون دولي يجرم الفدية التي تعتبر من أهم ما يمول العمل الإرهابي وينمي من نشاطاته (كروشي، وحنية، 2016).

-كما بادرت الجزائر كذلك  بجملة من الاستراتيجيات على المستوى الإقليمي، حيث عملت على دعم مساعي التنمية على المستوى الاقليمي، من خلال المطالبة  بتوفير شروط التنمية المستدامة والعدالة واحترام كرامة الإنسان،  والتأكيد على مشاركة أكثر إنصافا للعالم النامي حتى يعم الاستقرار والأمن المجتمع الدولي، ولأن الجزائر تدرك تمام الإدراك أنه من بين الأسباب الرئيسية انتشار الإرهاب وتطور نشاطاته، هو غياب التنمية ، أصرت دوما على التذكير في المحافل الدولية على ضرورة  مساعدة دول القارة الأفريقية لتحقيق التنمية وتخفيض مديونيتها.

-كما حرصت على منع التدخلات الأجنبية في المنطقة بحجة مكافحة الإرهاب، فالجزائر حاولت في ظل مجهوداتها الدبلوماسية والعسكرية على المستوى الإفريقي، التأكيد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول لخطورته على الأمن القومي في المناطق الساخنة في أفريقيا، (كروشي، وحنية، 2016). التي تقلل من فرص نجاح وفاعلية استراتيجية مكافحة الإرهاب، سواء بطريقة مباشرة كالتدخلات العسكرية أو في صيغة التعاون الإقليمي.

اكتساب ثقة المجتمع الدولي

سعت الكثير من الدولة التي مرت إلى تبني التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب من خلال الاطلاع عن كثب على مضامين قانوني الوئام المدني وميثاق السلم والمصالحة الوطنية، اللذان يمثلان الشق الإنساني لمقاربة مكافحة الإرهاب، والتي عرفت نجاحا منقطع النظير، فكانت المقاربة الجزائرية الأنموذج الذي أثار إعجاب الكثير من الهيئات الحكومية والمؤسسات الرسمية والمخابر الأمنية. وبتسارع الأحداث في هذا الاتجاه أيقنت الكثير من الحكومات أن التصدي والوقوف في وجه هذا النوع الجديد من الحروب غير التقليدية يتطلب تكاثف الجهود وتنسيق العمل من أجل التخفيف من وطأة هذه الظاهرة وتحيينها أن أمكن. وطلبت العديد من الهيئات الحكومية وغير الحكومية من الجزائر طرح مقاربتها لمكافحة ظاهرة الإرهاب للاستفادة منها دوليا وإقليميا، وتصنيفها مرجعا دوليا مهما، حسب ما صرح به عدد من الخبراء الامنيين والدبلوماسيين الدوليين المشاركين في عديد الورشات الدولية حول مكافحة ظاهرة، آخرها الذي انعقد بالجزائر والموسوم بـ «دور الديمقراطية في الوقاية من التطرف العنيف والإرهاب ومكافحته»لذي نظم بالعاصمة الجزائرية يوم 07أيلول/سبتمبر 2016. (وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، 2018)[21]  بمشاركة من عديد الدول والهيئات على غرار الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ووحدة التنسيق والاتصال لدول الساحل الإفريقي، والمركز الإفريقي للبحث والدراسة حول الإرهاب، وكذا المركز الكندي للوقاية من التطرف المؤدي إلى العنف، بالإضافة إلى جامعيين وخبراء أمنيين جزائريين.

كما أبدت كذلك معظم الدول الإفريقية جنوب الصحراء الرغبة في الاستفادة من المقاربة الجزائرية بشقيها الأمني والإنساني، من خلال إرسال بعثات لتكوين عناصر الشرطة والجيش في الأكاديميات الجزائرية للتدرب على مواجهة موجات التمرد والمظاهرات والعمليات الارهابية في المدن، أين أصبحت أكاديميات الجيش والشرطة بمثابة قبلة معظم الدول العربية والإفريقية، لما تقدمه هذه الأخيرة من تكوين عالي في مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة، أين استطاعت الجزائر من خلال  تجربتها الرائدة في مكافحة الإرهاب التسويق لصورة نمطية جيدة أكدتها معظم الهيئات والمؤسسات الدولية كمركز ديل كارنيجي الذي اعتبر أن التجربة الجزائرية لمكافحة التطرف نموذج يحتذى به. (مركـز كــارنيجي، 2019)[22].

خاتمة

يتضح من خلال هذه التجربة الأليمة، أن التصدي للظاهرة ليس بالأمر الهين والسهل وأن العملية تتطلب شجاعة وتضحيات، وسعي حثيث لتقريب وجهات النظر بين أبناء الوطن الواحد وإعلاء مصلحة الوطن فوق الاعتبارات الأخرى، حتى لو سالت دماء ودمرت منشآت، وأدركت الجزائر أن الحل الشامل لمعضلة الإرهاب واستأصل الظاهرة من جذورها لن يكون بالحسم العسكري البحت والإقصاء التام للخصوم، بل لابد من طرق جَميع الأبواب وجعل السلم والمصالحة الهدف المنشود، فليس مُهمًا الانتصار على الخصم وتدميره كليا في نظرية صفرية، بقدر ما يهم حفظ الدماء وصون الأعراض، لأن طرفي الصراع في الأخير هم جزائريون والرابح في هذه الحرب خاسر لامحالة، لذا جاءت المقاربة الجزائرية لحل الأزمة الأمنية معتدلة في طرحها تجمع بين الحزم والجد في التصدي للعنف والتطرف بشجاعة ومسؤولية، مقابل ترك باب الأمل ومراجعة الذات مفتوحا من جهة أخرى، فاستطاعت أن تحقق المبتغى والهدف الأسمى المتمثل في استرجاع الأمن والسكينة، والانطلاق في مسار التنمية والتشييد،  فكان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي زكاه الشعب الجزائري بأغلبيته الساحقة، العقد الذي أبرمه الجزائريون فيما بينهم ودون تدخل لأي أطراف خارجية، وكانت هذه المقاربة السمة البارزة والميزة التي أعادت للجزائر قوتها وهيبتها، دون استعانة وتأثير من قوى خارجية  ربما حالت دون تحقيق المطلوب، فالوقوف على أسباب الظاهرة ومراجعة ومعرفة حيثياتها، كثيرا ما ساعد على تشخيصها تشخيصا دقيقا، جعل وضع الحلول يتسم بالعقلانية والرشاد، وهذا بالفعل ما تضمنته المقاربة الجزائرية في معالجتها للظاهرة، حيث زاوجت بين  الشقين؛ الأمني والإنساني، وربما غلّبت الشق الإنساني على الحل العسكري الأمني من خلال الرَّويةُ والتريث في كثير من الأحيان، جنبت البلاد حرب عصابات ربما كانت ستطول وتتطور، خاصة وأن الظروف الدولية فيما بعد أصبحت أكثر ملائمة لاحتضان الظاهرة، بسبب ما طرأ من تغيير في بنية البيئة الدولية، أين تراجعت سلطة الدولة أمام رياح العولمة، وجعلت الحدود الاقليمية هشة يسهل اختراقها من الجماعات الارهابية التي تضرب بقوة وحسم، والتي كما هو معلوم استطاعت أن حول  الكثير من الدول إلى دول فاشلة بما للمصطلح من معنى.



[1]URL: https://maraje3.com

 

[2]URL: https://maraje3.com

 

[3]URL: https://www.ilmway.com

 

[4]URL: http://www.ahewar.org

 

[5]URL: https://www.alaraby.co.uk/society

 

[6]URL: https://www.alaraby.co.uk/politics

 

[7]URL: https://annabaa.org

 

[8]URL: https://www.washingtoninstitute

 

[9]URL: https://www.maghre

 

[10]URL: https://www.interieur.gov

 

[11]URL: https://www.maghrebvoices

 

[12]URL: https://www.hafryat

 

[13]URL: https://www.ennaharonline

 

[14]URL: https://www.ennaharonline

 

[15]URL: https://www.alittihad.ae/article

 

[16]URL: https://youtu.be/uNYr

 

[17]URL: https://www.annasronline.com

 

[18]URL: https://www.europarabct.com

 

[19]URL: https://www.europarabct

 

[20]URL: https://www.europarabct.com

 

[21]URL: http://www.mae.gov.dz/

 

[22]URL : https://www.radioalger

 

المراجع

الكتب

 الكنز علي وآخرون،1989، المجتمع والدولة في الوطن العربي، مكتبة مدبولي، القاهرة.

الرمضاني عبد المالك بن أحمد بن المبارك،2004. مدارك النظر في السياسة، ط7، جسر السويس، القاهرة.

 سعود طاهر،2012. الحركات الاسلامية في الجزائر، ط1، دار المسبار للدراسات والبحوث، دبي.

عمارة محمد،2005، الاسلام هو الحل، لماذا وكيف، ط2، القاهرة: دار الشرق، القاهرة.

عبد السلام بوهوش، عبد المجيد الشفيق، 2004، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي-مطبعة الكرامة- الرباط.

صادق علي حسين،2018، الهياكل المالية للتنظيمات الإرهابية، ط1، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت.

المقالات

جماوي الشريف،2017، آليات تجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية مجلة آفاق علمية، دورية نصف شهرية، المركز الجامعي تمنراست، الجزائر، العدد: الثالث عشر.

سايح بوسماحة،2017، الاستراتيجية الجزائرية لتجريم دفع الفدية- الدوافع الأمنية والسياسية مجلة سياسة عالمية المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، العدد 1  ردمد 2507.

 فريدة كروشي، وحنية قاوي،2016، دور الجزائر الدولي والإقليمي في مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية من مدخل تجريم دفع الفدية مجلة دفاتر سياسية، العدد 16.

 طاهر سعود،2017، أدوار الجيش في مراحل الانتقال في الجزائر. مجلة سياسات عربية، كانون الثاني، العدد 24.

 أطروحة أو رسالة جامعية

باسط سميرة،2014، الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة الإرهاب 2014 -1999، مذكرة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة الجزائر3، الجزائر.

الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية

الجمهورية الجزائرية، المجلس الدستوري، دستور 1996، الجريدة الرسمية، العدد 76، المؤرخ في 20رجب 1417 الموافق لـ الأول من ديسمبر 1996   المادة 42.

الجمهورية الجزائرية، رئاسة الحكومة، المرسوم التنفيذي رقم: 56/265، المتضمن إنشاء سلك الحرس البلدي، الجريدة الرسمية، العدد 47 المؤرخ في 18 ربيع الأول عام 1417الموافق لـ 3 أغشت 1996 المادة الأولى.

الجمهورية الجزائرية، رئاسة الحكومة، المرسوم التنفيذي رقم: 56/265، المتضمن إنشاء سلك الحرس البلدي، الجريدة الرسمية، العدد 47 المؤرخ في 18 ربيع الأول عام 1417الموافق لـ 3 أغشت 1996، المادة 21.

الجمهورية الجزائرية، رئاسة الجمهورية، الأمر رقم 06/01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الجريدة الرسمية، العدد 11، المؤرخ في 28 محرم عام 1427 الموافق لـ 27 فبراير 2006 المادة الأولى.

الجمهورية الجزائرية، رئاسة الجمهورية، الأمر رقم 06/01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الجريدة الرسمية، العدد 11، المؤرخ في 28 محرم عام 1427 الموافق لـ 27 فبراير 2006 المادة. 7

الجمهورية الجزائرية، رئاسة الجمهورية، الأمر رقم 06/01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الجريدة الرسمية، العدد 11، المؤرخ في 28 محرم عام 1427 الموافق لـ 27 فبراير 2006 المادة.09.

الجمهورية الجزائرية، وزارة العدل، القانون رقم (05/01) المتعلق بتبيض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، الجريدة الرسمية، ط1، رقم الإيداع: 576/ 2005.   

التقارير

وزارة الداخلية، 2010، تقرير التقييم المشترك مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ديسمبر، الجزائر.

وزارة الداخلية، إشادة بالتضحيات الجسام وتأكيد على ضرورة الالتفاف للحفاظ على مكتسبات الأمن والاستقرار. الموقع الرسمي لوزارة الداخلية الجزائرية.

@pour_citer_ce_document

نورالدين سعدون / العيفة سالمي, «مقوّمات المقاربة الجزائرية في التصدّي للإرهاب وانعكاساتها إقليميا ودوليا»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 179-195,
Date Publication Sur Papier : 2022-12-06,
Date Pulication Electronique : 2022-12-06,
mis a jour le : 06/12/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9072.