تفعيل دور هيئة التحكيم في تسوية النزاعات الأسرية في الفقه الإسلامي والتشريعين الجزائري والإماراتيActivating the role of the arbitration committee in settling family disputes in Islamic jurisprudence and the Algerian and Emirati legislationsActivation du rôle du tribunal arbitral dans le règlement des différends familiaux dans la jurisprudence islamique et la législation algérienne et émiratie
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 19-2022

تفعيل دور هيئة التحكيم في تسوية النزاعات الأسرية في الفقه الإسلامي والتشريعين الجزائري والإماراتي
Activation du rôle du tribunal arbitral dans le règlement des différends familiaux dans la jurisprudence islamique et la législation algérienne et émiratie
Activating the role of the arbitration committee in settling family disputes in Islamic jurisprudence and the Algerian and Emirati legislations
ص ص 235-248

فيروز بن شنوف / أحمد شامي
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يعدّ التحكيم من أهم الوسائل البديلة لفض النزاعات، والذي أصبح يؤدّي دوراً ملموساً على المستويين الوطني والدولي؛ وهذا ما دعا المهتمين في الدول العربية والإسلامية إلى البحث في إمكانية توظيف هذه الوسيلة لحل المشاكل العالقة في محاكم قضايا شؤون الأسرة، فمنهم من يرى ضرورة حل هذه المشاكل بطرق ودية بدل اللجوء إلى المحكمة، ولهذا اعتبر التحكيم من بين الوسائل البديلة الفعالة المعتمد عليها في إنهاء هذا النوع من النزاعات. ورغم التنصيص عليه كوسيلة بديلة لفض المنازعات الأسرية من طرف المشرع الجزائري سواء في قانون الأسرة، أو قانون الإجراءات المدنية والإدارية، إلا أنه لم يفعّل على أرض الواقع، بخلاف المشرع الإماراتي الذي فعّل دور الحكمين في الإصلاح بين الزوجين في الدعاوى المتعلقة بالتفريق للشقاق ودفع الضرر من خلال أحكام المواد من 118 إلى 121 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي. ولهذا، سأتناول في هذه الدراسة دور هيئة التحكيم في تسوية المنازعات الأسرية في الفقه الإسلامي والتشريعين الجزائري والاماراتي، وقد اعتمدت في هذه الورقة المنهجين التحليلي والمقارن بتحليلنا للنصوص القانونية، ومقارنة ذلك بأحكام الفقه الإسلامي.

معلومات حول المقال

تاريخ الاستلام 07-12-2019

تاريخ القبول 15-06-2021

 

الكلمات المفتاحية

وسائل بديلة

 هيئة التحكيم

 أقارب الزوجين

 التوفيق

 نزاعات أسرية ا

L’arbitrage est considéré comme l’un des plus importants moyens alternatifs de résolution des litiges، qui est devenu un rôle tangible aux niveaux national et international. C’est pourquoi les pays arabes et islamiques ont décidé d’envisager la possibilité de recourir à ce moyen pour résoudre les problèmes en suspens dans les affaires de droit de la famille. L’arbitrage était considéré comme l’un des moyens alternatifs les plus efficaces et les plus fiables de mettre fin à ce type de différend. Malgré le recours à l’arbitrage comme moyen alternatif de résolution des conflits familiaux par le législateur algérien، que ce soit dans le Code de la famille ou dans le Code de procédure civile et administrative، il ne l’a pas fait sur le terrain، contrairement au législateur émirien qui a activé le rôle des deux dirigeants dans la réforme des époux dans des affaires liées à la division du désaccord et au paiement des dommages Par les dispositions des articles 118 à 121 de la loi sur le statut personnel des Émirats arabes unis. À partir de là، j’aborderai dans cette étude le rôle du tribunal arbitral dans le règlement des litiges familiaux dans la jurisprudence islamique et les législations algérienne et émiratie. Dans cet article، j’ai adopté les approches analytiques et comparatives par notre analyse des textes juridiques، et la comparaison cela avec les dispositions de la jurisprudence islamique. 

      Mots clés

moyens alternatifs

 tribunal arbitral

 parents des époux

 conciliation

 conflits familiauxs 

Arbitration is one of the most important alternative means for settling disputes at both national and international levels. This prompted interested people in Arab and Islamic countries to search for a way to employ this method in solving outstanding problems in the family affairs courts. Some of them see the need to solve these problems amicably instead of resorting to the court, which makes of arbitration an effective alternative means to end this type of dispute. Although arbitration was stipulated as an alternative means for settling family disputes by the Algerian legislator, whether in the Family Code, or the Civil and Administrative Procedures Code, it has not been activated. Unlike the UAE legislator who activated the role of two arbitrators in the reform between spouses in cases related to division of discord and payment of damage through the provisions of Articles 118 to 121 of the UAE Personal Status Law. In this regard, I will address in this study the role of the arbitral tribunal in settling family disputes in Islamic jurisprudence and in the Algerian and UAE’s legislations. I have adopted the analytical and comparative approaches in the analysis of legal texts, and comparing it with the provisions of Islamic jurisprudence.

Keywords

Alternative means

arbitral tribunal

 spouses’ relatives

 conciliation

 Family disputes

 

 

Quelques mots à propos de :  فيروز بن شنوف

د. فيروز بن شنوف[1]  Dr. Fayrouz Benchannoufجامعة تسمسيلت،الجزائرfayrouzben@hotmail.com
[1] المؤلف المراسل 

Quelques mots à propos de :  أحمد شامي

أ.د. أحمد شامي  Pr. Ahmed Chamiجامعة تيارت،الجزائرahmedchami04@hotmail.fr

تمهيد

إنّ التحكيم من أهمّ الوسائل البديلة في الأحوال الشخصية، ومن الأساليب الأصلية في الشريعة الإسلامية وفي الأنظمة القانونية المتقدّمة (قزي، 2019- 2020)، لهذا نجد المشرّع الجزائري يكرّس التحكيم كوسيلة للإصلاح بين الزوجين في حال تفاقم الخصام بينهما ما لم يثبت الضرر طبقا لأحكام المادة 56 من الأمر رقم 05-02 والتي نصت على أنّ: «إذا اشتد الخصام بين الزوجين ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما. يعيّن القاضي الحكمين، حكماً من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة، وعلى هذين الحكمين أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين» (قانون الأسرة رقم 84-11، 1984). وهو أيضا ما أكدته المادة 446 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها:«إذا لم يثبت أي ضرر أثناء الخصومة، جاز للقاضي أن يعين حكمين اثنين لمحاولة الصلح بينهما حسب مقتضيات قانون الأسرة»(قانون الإجراءات المدنية الإدارية رقم 08-09، 2008).

بالمقابل نجد أنّ موقف المشرّع الإماراتي من خلال أحكام المواد من 118 إلى غاية 121  من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005، لا يختلف كثيرا عن نظيره الجزائري، حيث تنص المادة 118 على أنه:«إذا لم يثبت الضرر، واستمر الشقاق بين الزوجين، وتعذر على لجنة التوجيه الأسري والقاضي الإصلاح بينهما، عين القاضي بحكم حكمين من أهليهما إن أمكن بعد أن يكلف كلا من الزوجين تسمية حكم من أهله قدر الإمكان في الجلسة التالية على الأكثر، وإلا فيمن يتوسم فيه الخبرة والقدرة على الإصلاح إذا تقاعس أحد الزوجين عن تسمية حكمه، أو تخلف عن حضور هذه الجلسة، ويكون هذا الحكم غير قابل للطعن فيه».

كما تستوجب ذات المادة أن يشتمل حكم تعيين الحكمين على تاريخ بدء المهمة وانتهائها، على أن لايجاوز ذلك مدّة تسعين يوماً، ويجوز مدّها بقرار من المحكمة، وتعلن المحكمة الحكمين والخصوم بحكم تعيين الحكمين وعليها تحليف كل من الحكمين اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانة»(قانون الأحوال الشخصية الإتحاد الإماراتي رقم 28، 2005).

وما تجدر الإشارة إليه في القانون الجزائري هو أنّه وبالرغم من وجود الإطار القانوني لآلية التحكيم إلا أنّها لم تجسّد على أرض الواقع لفضّ النزاعات بين الزوجين.

وعليه نطرح الإشكالية الآتية: إلى أي مدى يمكن أن تساهم آلية التحكيم في تسوية النزاعات الأسرية في ظلّ الصعوبات التي قد تعترضها؟ وما مدى إمكانية تطبيقها وتفعيلها داخل المجتمعين الجزائري والإماراتي على المستويين القانوني والواقعي؟

ومن أجل الإجابة عن الإشكالية السابقة اتبعت المنهجين التحليلي والمقارن، وذلك بتحليلي للنصوص القانونية الواردة في قانون الأسرة الجزائري وقانون الإجراءات المدنية والإدارية، وكذا بتحليل نصوص قانون الأحوال الشخصية الإماراتي.

كما اتبعت المنهج المقارن، وذلك بالمقارنة بين التشريعين الجزائري والإماراتي وأحكام الفقه الإسلامي كلما دعت الضرورة إلى ذلك.

وقد كان تقسيم خطة الدراسة على النحو الآتي:

المطلب الأول: ماهية التحكيم في الفقه الإسلامي والتشريعين الجزائري والإماراتي.

المطلب الثاني: إجراءات تفعيل هيئة التحكيم في فضّ النزاعات الأسرية في الفقه الإسلامي.

المطلب الثالث: إجراءات تفعيل هيئة التحكيم في فضّ النزاعات الأسرية في التشريعين الجزائري والإماراتي.

ماهية التحكيم في الفقه الإسلامي والتشريعين الجزائري الإماراتي

سأتناول في هذا المطلب مفهوم التحكيم في الفرع الأول، ثم بعد ذلك سأتطرق إلى الطبيعة الفقهية والقانونية للتحكيم في الفرع الثاني، وفي الأخير سأتكلم عن شروط المحكّم.

مفهوم التحكيم

سأتناول في هذا الفرع تعريف التحكيم أولا، ثم نبين بعد ذلك مشروعيته.

تعريف التحكيم

وهنا سأتكلم عن التعريف اللغوي، ثم بعد ذلك سأتطرق إلى التعريف الاصطلاحي.

 من الناحية اللغوية

عرّف التحكيم بأنه مصدر حكّم، يقال حكّمه في الأمر تحكيما، أي أمره أن يحكم فاحتكم وتحكم، يعني جاز فيه حكمه، واستحكم فلان في مال فلان، إذا جاز فيه حكمه. وحكّمت الرجل؛ أي فوضت الحكم إليه، ويقال: حكمته إلى حاكم؛ أي خاصمته إليه، ودعوته لحكمه. ومن اختاره الطرفان للتحاكم إليه يسمى حكما، أو محكّما، أو حاكما، ويسمّى أطراف النزاع المحكم فيه، محتكما أو محكما بكسر الكاف وتشديدها (البستاني) (إبراهيم وزملاؤه، 1973). كما يفيد المنع أيضا، تقول: أحكمت فلانا أي منعته، وبه سمي الحاكم لأنه يمنع الظلم (منظور، 2000).

كما يطلق الحكم على من يختار للفصل بين المتنازعين. كما في قوله تعالى: (وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا ٣٥ ) (سورة النساء، الآية 35).

ويتبين من التعريف اللّغوي أنّ التّحكيم يفيد تفويض الأمر للغير، وكذلك رفع الأمر للحاكم للفصل في المنازعات بين المتخاصمين.

  اصطلاحا

عرّف ابن نجيم التحكيم بأنه: «تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما برضاهما» (نجيم، 1997)، أما المالكية فيرون بأنّ التحكيم هو: «تولية الخصمين حكما يرتضيانه ليحكم بينهما» (فرحون، 1986)، أما صاحب الحاوي الكبير فعرّفه:«إذا حكّم خصمان رجلا من الرعية ليقضي بينهما فيما تنازعاه في بلد فيه قاض أو ليس فيه قاض جاز» (البصري، 1994)، أما ابن قدامة فعرفه بأنه: «وإذا تحاكم رجلان إلى رجل حكماه بينهما ورضياه وكان ممن يصلح  للقضاء فحكم بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما» (قدامة، 1405ه). لهذا، فإنه لا ضرر إذا قلنا إنّ التحكيم في الفقه الإسلامي هو «عقد تولية وتقليد من طرفي الخصومة إلى طرف ثالث ليفصل فيما تنازعا فيه».

أما الشيخ مصطفى الزرقاء فعرّفه بأنّه: «عقد بين طرفين متنازعين يجعلان فيه برضاهما شخصا آخر حكما بينهما للفصل في خصوماتهما بدلا من القاضي» (الزرقا، 1967- 1968).

من هنا، فيجب أن يشتمل التحكيم العناصر الآتية:

-الاتفاق بين الخصمين على حسم النزاع بينهما بطريق التحكيم لا عن طريق القضاء.

-طرفا التحكيم: فالطرف الأول هما الخصمان ولو تعددوا، والطرف الثاني المحكم أو هيئة التحكيم يعين باتفاق الخصمين ويحسم النزاع.

- محل التحكيم وهو فض النزاع القائم بين الخصمين.

وعرفته مجلة الأحكام العدلية في مادتها 1790 بقولها: «التحكيم هو عبارة عن اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما، لفصل خصومتهما ودعواهما»(مجلة الأحكام العدلية).

أما بالنسبة للمشرّع الجزائري فلم يعرف التحكيم، وإنما عرّف اتفاق التحكيم، أو شرط التحكيم من خلال أحكام المادتين 1006 و1007 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث نصّت المادة 1006 على أنه: «يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها»، أما المادة 1007 فتكلمت عن شرط التحكيم الذي هو اتفاق يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 أعلاه لعرض النزاعات التي قد تثار بشأن هذا العقد على التحكيم.

أما بالنسبة للمشرع الإماراتي فقد عرّف التحكيم من خلال أحكام المادة الأولى فقرتها الأولى من قانون رقم 06 لسنة 2018 على أنه: «وسيلة ينظمها القانون يتمّ من خلالها الفصل بحكم ملزم في نزاع بين طرفين أو أكثر بواسطة هيئة التحكيم بناء على اتفاق التحكيم»(القانون الاتحادي رقم 06 لسنة 2018 بشأن التحكيم ، 2018).

أما بالنسبة للتحكيم في المنازعات الأسرية فهو -حسب البعض- (محروق، 2014-2015) وسيلة يلجأ إليه قاضي شؤون الأسرة في حالة إذا لم يتمكن من إيجاد الحل بالصلح بين الزوجين، مخول لأقارب كل من الزوجين، أي من أهل الزوج وأهل الزوجة حسب ما هو مقرر في نص المادة 56 من قانون الأسرة.

وعليه، يمكنني القول بأنّ التحكيم بين الزوجين يعني تولية الزوجين المتنازعين رجلين من أهلهما للإصلاح بينهما والفصل في خصومتهما.

مشروعية التحكيم

ثبتت مشروعية التحكيم في كتاب الله، وفي السنة النبوية، وإجماع صحابة ومن الأثر.

-من الكتاب: إنّ الأدلة في القرآن الكريم على مشروعية التحكيم متعددة سواء بصفة عامة أو بصفة خاصة في المنازعات الأسرية.

- قوله تعالى:« وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا ٣٥» (سورة النساء، الآية 35).     

إنّ العناية الإلهية بالأسرة تتجسّد لنا في هذه الآية الكريمة، فقد شرع الله التحكيم عند الخوف من وجود الشقاق بين الزوجين؛ وذلك لمحاولة إنقاذ كيان الأسرة، وبالتالي المحافظة على المجتمع؛ لأنّ الأسرة هي نواة المجتمع الذي لا يستقيم إلا باستقرار ها.

وجه الدلالة: يقول القرطبي  في هذه الآية الكريمة : «إنّ هذه الآية دليل على إثبات التحكيم في حالة الشقاق بين الزوجين» (القرطبي، 2006).

لهذا، فإن الآية صريحة تدل على مشروعية التحكيم في حالة وجود الشقاق بين الزوجين، فهي الوسيلة الأنجع لعلاج الصدع الذي يهدد كيان الأسرة، ولما جاز التحكيم في حق الزوجين، دلّ ذلك على جواز التحكيم في سائر الخصومات والدعاوى (الحنفي، 1978). فكان الحُكم من الحكمين بمنزلة حُكم القاضي المقلد (الكاساني، 1984) .

-قوله تعالى: «سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٤٢» (سورة المائدة، الآية 42.).       

وجه الدلالة: لقد أعطى الله سبحانه وتعالى الخيار لنبيه صلى الله عليه وسلم في التحكيم لأهل الكتاب إذا ما جاءوا محتكمين إليه، فله أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم، وليس في الإعراض ضرراً عليه، وهذا دليل على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين في حال تحاكم أهل الكتاب إلينا، وأن هذا التحاكم هو تحاكم إلى الكتاب، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم في حكمه على الزانيين بإقامة الحد قد أخذ بما جاء بالتوراة أي أنه لم يحكم بعلمه (الطبري، 1968).  

-من السنة: ثبتت مشروعية التحكيم من السنة النبوية، وذلك لما أخرجه النسائي: عن شريح بن هانئ عن أبيه هانئ: أنه لمّا وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه سَمِعهُم وهم يكنون هَانِئًا أبا الحَكمِ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنّ الله هو الحَكمُ وإليه الحُكمُ، فلِمَ تُكَنَّى أبَا الحكمِ؟» قال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني فَحَكَمْتُ بينهم، فرضى عني كلا الفرقين، فقال صلى الله عليه وسلمما أحسن من هذا. فما لك من الولد؟» قال: لي شُريح وعبد اللهِ وَمُسْلِمٌ، قال:« فمن أكبرهم؟» قال: شريح، قال:«فأنت أبو شريح ودَعَا لَهُ وَلِوَلَدِه» (النسائي). (معبود)  

وجه الدلالة: في الحديث دلالة على مشروعية التحكيم ولزوم العمل به شرعاً في حالة قبول الأطراف له، وذلك لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر ما كان بفعله أبو شريح من التحكيم بين الناس كما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهر استحسانه وإعجابه لفعل أبي شريح ولم ينهه عنه، وهذا يعدّ من ضمن السنة التقريرية وهي سنة متبعة. أما ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغيير كنية أبي الحكم إلى أبي شريح لم يكن نهيا عن التحكيم «وإنما كره له ذلك حتى لا يشارك الله في صفة من صفاته فالحكم صفة من صفات الله تعالى لا يشاركه أحد»(هجرية، 1979).      

-من الإجماع: لقد ثبت منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم أنهم كان يرجعون إلى التحكيم كوسيلة لفضّ النزاعات، وفي هذا يقول السرخسي: «والصحابة مجمعون على جواز التحكيم» (السرخسي).         

كما يقول الشربيني: «ولو  حكّم خصمان رجلاً غير قاض (في غير حد الله) من مال أو غيره جاز مطلقا على التفاصيل الآتية بشرط أهلية القضاء، ولا يشترط عدم القاضي لأنه وقع لجمع من كبار الصحابة ولم ينكره أحد، قال  الماوردي: فكان إجماعا» (الشربيني، 1377ه).

-من الأثر: ما وقع في عهد الصحابة رضي الله عنهم فالعديد من منازعات في وقائع مختلفة قضيت بالتحكيم، والتي سنذكر بعضا منها على سبيل الدلالة فيما يتعلق بالتحكيم في الشقاق بين الزوجين.

ما رواه الشعبي: أنّ امرأة نشزت على زوجها فاختصما إلى شريح، فقال: ابعثوا حكماً من أهلها، وحكما من أهله، فنظر الحكمان في أمرها فرأيا أن يفرقا بينهما، فكره الرجل، فقال شريح: فَفِيمَ كَانَ اليوم؟ وأجاز قول الحكمين (الطبري، 1968).   

ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عبيدة السلماني أنّ رجلا وامرأة أتيا علياً مع كل واحد منهما فِئَامٌ من الناس فقال علي رضي الله عنها: ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، فبعثوا حكمين ثم قال علي رضي الله عنه للحكمين: هل تدريان ما عليكما من الحق؟ عليكما من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله علي وليا فقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال علي كذبت حتى ترضى بما رضيت به (قدامة، المغني والشرح الكبير).  وحكموا في الكثير من الوقائع. وهذه كلها أدلة قاطعة على مشروعية التحكيم.     

يروى أنّ عقيلا تزوج فاطمة بنت عتبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان، فبعث حكماً من أهله عبد الله بن عباس وحكماً من أهلها معاوية، فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما، وقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف، فلما بلغا الباب كانا قد غلقا الباب واصطلحا (الهمام) (الدسوقي) (النووي) (البهوتي، 1982).

أما بالنسبة لأقوال الفقهاء في التحكيم على وجه العموم، باعتبار أنّ التحكيم بين الزوجين فرع من الفروع التي يفعّل فيها التحكيم، فيرى جهمور الفقهاء أنّ التحكيم جائز، وفي هذا يقول السرخسي من الحنفية: «الأصل في جواز التحكيم قوله تعالى:( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ...)، والصحابة رضي الله عنهم كانوا مجمعين على جواز التحكم. أما المالكية فيقول صاحب منح الجليل: «تحكيم الخصمين غيرهما جائز كما يجوز أن يستفتيا فقيها يعملان بفتواه في قضيتها» (السرخسي) (عليش، 1409ه، 1989م).

أما الشافعية فقال الشربيني إنّه لو حكّم خصمان رجلاً في غير حدِّ من حدود الله تعالى جاز مطلقاً بشرط أهلية القضاء، كما يرى الإمام النووي أنّ جمهور الفقهاء يجيزون التحكيم، ونقل الإمام الغزالي أنه يشترط في أمور أخرى، ومنها: عدم وجود قاض بالبلد، وقيل - عند الشافعية- يختص بمال دون قصاص، نكاح ونحوها... أما الحنابلة فقال البهوتي: «وإن تحاكم شخصان إلى رجل للقضاء بينهما فحكم نفذ حكمه في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها حتى مع وجود قاض» (النووي، روضة الطالبين) (البهوتي، كشاف القناع، 1982  ).

وخلاصة القول إنّ جمهور فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية الحنابلة، يجيزون التحكيم في الشقاق بين الزوجين.

 

الطبيعة الفقهية والقانونية للتحكيم

وهنا سأتطرق إلى الطبيعة الفقهية أولا، ثم بعد ذلك سأتناول الطبيعة القانونية. 

الطبيعة الفقهية للتحكيم

من خلال التعريفات السالفة الذكر يتضح لنا من عبارات الفقهاء في اعتبار التحكيم بين طرفي الخصومة، وإحالته لطرف ثالث ليفصل فيما تنازعا عليه، أي أنها تولية خاصة في نزاع محدد. وهذه العبارات أثارت الجدل حول طبيعة التحكيم في الفقه الإسلامي حيث انقسمت الآراء إلى ثلاثة آراء وهي:

-الرأي الأول: ذهب جمهور الفقهاء إلى ترجيح الطبيعة القضائية للتحكيم، وحجتهم في ذلك أنّ المُحكم بمنزلة القاضي المولّى، وحكمه بمنزلة حكم القاضي في التنفيذ، وأنّ حكم المحكم لا ينقض إلا بما ينقض به حكم القاضي، وقد اشترطوا في المحكم ما يشترط في القاضي من صفات (السرخسي).       

-الرأي الثاني: وهنا يرى بعض المالكية إلى اعتبار المحكم وكيلاً بحيث «تتفق الوكالة مع التحكيم في أنّ كلاً منهما من العقود الجائزة غير اللازمة، وأنّ كلاً منهما يقوم على الرضا، ويعتبران نوعاً من الولاية. ففي الوكالة لا يملك الوكيل مباشرة عمله إلا بإذن الموكل ورضاه، وفي حدود ما وكل به وفي النطاق الذي رسم له، وفي التحكيم لا تنعقد له هذه الولاية إلا برضا المحتكمين عليه»(الصاوي؛ الأسطل، 1998) .     

-الرأي الثالث: يذهب بعض فقهاء الحنفية إلى إضفاء طابع مستقل على التحكيم بحيث أعطوه طبيعة مختلطة، فقالوا إنّ المحكم يشبه القاضي في عمله باستقلال عن إرادة الخصوم حتى ولو كانوا هم الذين اختاروه، ويشبه عمل الوكيل من جهة أخرى في كون إرادة الخصوم هي المنشأة لسلطة المحكم (الجصاص).

والراجح عندي هو الرأي الذي يمنح للمحكم طابعا مستقلّا ومختلطا، لا هو قاضي ولا هو وكيل، حيث يشبه المحكم القاضي باستقلاله عن إرادة الخصوم حتى وإن كانوا هم الذين اختاروه، كما يشبه عمل الوكيل باعتبار إرادة الخصوم هي التي أنشأت سلطة المحكم.

الطبيعة القانونية للتحكيم

إنّ الغاية من اللجوء إلى التحكيم هو الوصول إلى حكم يقضي بفض النزاع بين الأطراف، لهذا احتدم الخلاف بين فقهاء القانون حول الطبيعة القانونية لحكم التحكيم إلى عدّة الآراء.

فهناك من يرى بأنّ التحكيم ذو طبيعة قضائية، وأنّ حكم التحكيم يشابه تماما حكم القضائي، وذلك لأنّ المحكم يؤدّي العدالة في إطار سيادة الدولة وبتفويض منه، وهذه العدالة تتحقق من خلال التنظيم القضائي التي تتولى الدولة تنظيمه، أو من خلال القضاء الخاص المتمثل في نظام التحكيم الذي تقرّه الدولة لهذا النوع من القضاء، كما أنّ إجراءات التحكيم مشابه تماما للحكم القضائي سواء من حيث حجية حكم التحكيم أو طرق الطعن فيه أو كيفية تنفيذه، وأنّ هيئة التحكيم لا تعمل بإرادة الخصوم وحدها مما يجعل الصفة القضائية هي التي تغلب على حكم التحكيم (إبراهيم ا.، 1997).

وهناك من يرى بأنّه ذو طبيعة تعاقدية، وأنّ التحكيم يدخل ضمن المعاملات الخاصة للأفراد التي تستند إلى مصدر عقدي، فالتحكيم ليس قضاء كما هو الحال في القضاء، بل هو عقد رضائي ملزم للجانبين، لهذا يعدّ حكم التحكيم  عنصرا تبعيّا في عملية التحكيم لأنّ اتفاق التحكيم يستغرق عملية التحكيم برمتها بحيث يعدّ مبدأً لتفسير كافة مراحلها حتى صدور قرار من هيئة التحكيم ويكون هذا القرار ملزما لطرفي النزاع، فحكم التحكيم طبقا لهذه الطبيعة التعاقدية يستمد سلطته وحجيته من اتفاق التحكيم الذي يلتزم فيه الطرفان بالخضوع لهذا الحكم.

بينما يرى بعضهم أنّه نظام مختلط يبدأ باتفاق وينقضي بقضاء حكم التحكيم، فالطبيعة العقدية تجد أساسها في اتفاق الأطراف باللجوء إلى التحكيم، والطبيعة القضائية تجد أساسها في الفصل في هذا النزاع طبقا لإجراءات قضائية يصدر بناء عليها حكم المحكم.       

وهناك من يرى بأنّ التحكيم نظام ذو طبيعة خاصة، ويجب أن ينظر إليه نظرة مستلقة ولا يمكن تفسيره في ضوء المبادئ التقليدية لمحاولة ربطه بالعقد أو بالحكم القضائي الصادر عن السلطة القضائية (عمر، 2003؛ داود، 2008).

والراحج عندي هو أنّ التحكيم ذو طبيعة خاصة، وذلك لأنّ الطبيعة تقتضي ألّا يفسّر بفكرة العقد أو بفكرة الحكم القضائي أو بالفكرتين معا، إذ يجب تفسيره بالطبيعة الخاصة به، نطرا لما له من خصائص تميزه عن العقد والحكم القضائي، وهذا ما جعل المشرع الجزائري يدرجه ضمن الوسائل البديلة في فض النزاعات.

شروط المحكم

اتفق الفقهاء على الشروط التي يجب توفرها في المحكم المتمثلة في الإسلام والعدالة والحرية والأهلية، والأمانة والتقوى والاهتداء للمقصود لما بعث إليه. كما اتفقوا على عدم اشتراط الاجتهاد (نجيم، مالك، الماوردي). أما بالنسبة لشرط الذكورة فقد اختلف الفقهاء في ذلك، حيث يرى جمهور الفقهاء(المالكية والشافعية والحنابلة) بوجوب الذكورة مطلقا، وفي هذا يقول الإمام مالك:» ليست المرأة من الحُكام» (مالك، الماوردي؛ البهوتي، 1982).   

أما الحنفية فلا يشترطون في المحكم الذكورة، فيجوز تحكيم المرأة، لأنّها من أهل الشهادات في الجملة إلا أنها لا تقضي بالحدود والقصاص، لأنها لا شهادة لها في ذلك وأهلية القضاء تدور مع الشهادة (الزيعلي؛ الكاساني، بدائع الصنائع).        

إجراءات تفعيل هيئة التحكيم في فضّ النزاعات الأسرية في الفقه الإسلامي

سأتطرق في هذا المطلب إلى إجراءات تفعيل هيئة التحكيم في الفقه الإسلامي في الفرع الأول، ثم أبين بعد ذلك سلطة الحكمين في التفريق في الفرع الثاني.

إجراءات تفعيل هيئة التحكيم في الفقه الإسلامي

الأصل في الحكمين أن يرسلا برضى الزوجين، ولا يجبران عليه، وذلك لأنّ العصمة في يد الزوج والمال حقّ للزوجة، لهذا فإنّ مُهمتهما التوفيق بين الزوجين وإصلاح ذات البين، ومعرفة أسباب الخلاف والوقوف على ما يشكو كلّ منهما اتجاه الزوج الآخر، وذلك مصداقا لقوله تعالى: «وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا ٣٥» (النساء الاية 35) لهذا فإنّ المقصد الأصلي للتحكيم هو التوفيق والإصلاح بين الزوجين وليس التفريق بينهما.      

لهذا فقد اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في تفعيل هيئة التحكيم بين الزوجين إلى رأيين ما بين وجوبه واستحبابه:

الرأي الأول: هو رأي جمهور فقهاء المالكية والشافعية والذي ذهب إلى وجوبه على القاضي عند حصول الحال التي يبعث فيها الحكمان (المواق؛ العربي؛ النووي، روضة الطالبين)، وفي هذا يقول ابن العربي: «إن على الحاكم بعث الحكمين إذا علم بالشقاق بين الزوجين حتى لو لم يترافعا  إليه؛ لأنّ ما يضيع من حقوق الله أثناء ما ينتظر رفعهما إليه لا جبر له» (العربي). واستدل أصحاب هذا الرأي بقوله تعالى:«وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا ٣٥» (النساء الاية 35) .

الرأي الثاني: وهو رأي الذي يقول باستحباب الاستعانة بالحكمين، وهذا ما قال به الروياني (الذهبي، 1045ه) من الشافعية، وذكره الإمام النووي في روضة الطالبين: « قال: البغوي: عليه بعثهما، وظاهره الوجوب، وحجته الآية. وقال الروياني: يستحب» (النووي، روضة الطالبين).

والراجح عندي هو قول جمهور الفقهاء الذي يرى بوجوب الاستعانة بالحكمين من طرف القاضي، وذلك لأّن الخطاب في الآية الكريمة يفيد الوجوب، وهو الراجح عند جمهور الأصوليين (السرخسي، أصول السرخسي).

بالإضافة إلى ذلك فإنّ الخطاب في هذه الآية موجه إلى الحكام والقضاة، وهي هذا يقول الرملي: «فإن اشتد الشقاق أي الخلاف بعث القاضي وجوبا... وهو من الفروض العامة على القاضي» (الرملي، 1984).

سلطة الحكمين في التفريق

إذا نزل الزوجان عند غرض الحكمين، وتصالحا فيما بينهما فقد تحقّق بهذا مقصد الحكمين وغرض الشارع من قبل، عندها يأتمناهما على بعضهما البعض، ويتركانهما على ذلك، أما إذا فشلا في مهمتهما فهل لهما أن يفرّقا أم أنهما لا يملكان ذلك إلا بتوكيل من الزوجين؟ للإجابة عن هذا السؤال نستعرض أقوال الفقهاء في مدى سلطة الحكمين في التفريق، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:

الرأي الأول: على الحكمين أن يسعيا في الإصلاح بين الزوجين، فإن قدرا على ذلك عملا به، وإن عجزا يجوز لهما أن يفرّقا دون توكيل من الزوجين أو أمر من القاضي، وممن قال بهذا القول عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية من الصحابة رضوان الله عليهم، ومن التابعين النخعي والشعبي؛ وبه قال مالك: «وذلك أحسن ما سمعت من أهل العلم أنّ الحكمين يجوز قولهما بين الرجل وامرأته في الفرقة والاجتماع»(الباجي)؛ ورواية عن الشافعية (الشيرازي)، ورواية عن أحمد (قدامة، المغني).

وفي هذا يقول ابن الحاجب (ابن الحاجب المالكي : هو أبو عثمان بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب المصري الدمشقي ثم الإسكندري كان أبوه حاجبا للملك عز الدين الصالحي،(توفي 646 هـ/ 1044م).): «وعليهما أن يصلحا، فإن لم يقدرا، فإن كان المسيء الزوج فرّقا بينهما، وإن كانت الزوجة ائتمناه عليها، أو خالعا له بنظرهما وإن كانت منهما خالعا له لما يخفّ في نظرهما» (ميارة، 2000).

واستدل أصحاب هذا القول بالكتاب والسنة ومن المأثور والمعقول.

-من الكتاب: قول الله تعالى:«وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا ٣٥» (النساء الاية 35) ؛ وفي هذا يقول ابن كثير: سماهما حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه، وهذا ظاهر الآية (كثير، 1400ه). لهذا أصحاب هذا الرأي بأنّ التفريق بين الزوجين في مثل هذه الحالة يتفق وروح القرآن ومقتضى نصوصه، وما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 - من السنة: عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» (الموطأ؛ البهيقي؛ البيهقي).

 - من الآثار: روى الإمام مالك أنه بلغه أنّ عليّا ابن أبي طالب قال في الحكمين: إنّ إليهما الفرقة بينهما والاجتماع (الباجي، المنتقى شرح موطأ مالك).

 - من المعقول: إنّ التفريق لدى القاضي ثبت بالشرع في عدة حالات، في العيوب والإيلاء...، فالقاضي إذ يبعث الحكمين إنما يستمدان سلطتهما منه لأنه يملك التفريق، فإذا فرقا كان نيابة عنه (قدامة، المغني).

الرأي الثاني: لا يجوز لهما التفريق لكون الحكمين وكيلين عن الزوجين ولا يجوز لهما التفريق إلا بوكالة من الزوجين، لأنّ الطلاق إلى الزوج وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز إلا بإذنهما. فمهمتهما الإصلاح فحسب، وبه قال الحنفية والشافعية في رواية لهم، وفي رواية ثانية لأحمد (أحمد، 2013- 2014).

وفي هذا يقول الجصاص: «قال أصحابنا ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضا الزوجين، لأنّ الحاكم لا يملك ذلك فكيف يملكه الحكمان، والحكمان وكيلان لهما (الجصاص، أحكام القرآن؛ الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي؛ المغني)، وقال ابن حزم: «وليس لهما أن يفرقا بين الزوجين لا بخلع ولا بغيره» (حزم).

واستدلّ أصحاب هذا الرأي بنفس الآية التي استدل بها أصحاب الرأي الأول. قال الشافعي: في وجه الاستدلال بالآية: وذلك أنّ الله عز وجل إنما ذكر أنّهما إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ولم يذكر تفريقا (الشافعي، 1381ه).

لهذا فإنّ المقصد الأساسي من بعث الحكمين هو إعادة الصفاء والوفاق بين الزوجين فإن عجزا عن تحقيق ذلك فمن المصلحة ألّا يتركاهما على ذلك من الخصام لما فيه من فساد بيِّن يعود عليهما وعلى أولادهما بالضرر البالغ، فمن الأحسن أن تُحل هذه الرابطة عسى أن يهيّء الله لكل منهما من تستقر معه نفسه وتطمئن إليه، وذلك لقوله تعالى: «وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا ١٣٠» (سورة النساء، الآية 130.).     

وبعد عرض آراء الفقهاء في مدى سلطة الحكمين في التفريق يتضح لي بأنّ الراجح هو الرأي الثاني الذي لا يجيز للحكمين التفريق، وذلك لكونهما يعدّان مساعدين للقاضي، وليس هما القاضي نفسه الذي له السلطة التفريق.

 

إجراءات تعيين وتفعيل هيئة التحكيم في فضّ المنازعات الأسرية في التشريعين الجزائري والإماراتي 

سأتطرق في هذا المطلب لدور المحكمة في تعيين الحكمين في التشريعين الجزائري والإماراتي، ثم بعد ذلك سأتكلم عن تفعيل دور الحكمين في الإصلاح بين الزوجين.

دور المحكمة في تعيين الحكمين في التشريعين الجزائري والاماراتي 

لا يمكن تصور أن يُعرض النزاع على الحكمين إلا باتفاق طرفي النزاع اتفاقاً واضحاً على اللجوء إليه، فتوافق إرادة الطرفين هو أساس التحكيم ومصدر سلطة المحكمين.

وعقد الزواج شأنه شأن باقي العقود، يترتب عليه التزامات على الطرفين، لهذا فالمتصور أن تخضع المنازعات المتعلقة به للتحكيم، وإن كان له طابع خاص نظراً لطبيعة العقد المرتبطة به، وحيث إنّ التحكيم جائز شرعاً وقانوناً في المنازعات الأسرية. فإذا عجزت المحكمة عن الصلح وهو المطلوب في كل دعاوى الطلاق والتطليق، فهي مُلزمة على انتداب الحكمين، وذلك لاتخاذ إجراءات التحكيم في الدعوى بين الزوجين، وهذا ما نصت عليه أحكام المادة 56 من قانون الأسرة رقم 84 -11 المعدل والمتمم بموجب الأمر 05 -02 بقولها: «إذا اشتد الخصام بين الزوجين ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما. يعين القاضي الحكمين، حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة، وعلى هذين الحكمين أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين».

ومن استقراء نص هذه المادة يتبين لي أنّ المشرع الجزائري لم يوضح بشكل دقيق كيفية تعيين الحكمين، وما إذا كانت إجراءات التحكيم يجب أن تكون بعد محاولات إجراءات الصلح أو أثناءها إلى غير ذلك من الإشكاليات.  

إلا أنّه قد تدارك ذلك من خلال نص المادة 446 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والذي ورد فيه:» إذا لم يثبت أي ضرر أثناء الخصومة جاز للقاضي أن يعين حكمين اثنين لمحاولة الصلح بينهما حسب مقتضيات قانون الأسرة».

فالملاحظ هنا أنه يجوز للقاضي الاستعانة بالحكمين أثناء سير الخصومة، وذلك عند اتساع هوة الخصام والشقاق بينهما ما لم يثبت عن ذلك ضرر أثناء الخصومة (أحمد، 2013- 2014).  

لهذا، فإذا توفر شرط تفاقم الخصام وشرط العجز عن إثبات الضرر، فإنه يجب على القاضي قبل النظر في موضوع الدعوى ومباشرة الفصل فيها أن يعمل على إصلاح ذات البين، وذلك بتعيين حكمين، وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها بتاريخ 25/12/1989 بقولها: «من المقرر قانونا أنه لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي، وعند نشوز أحد الزوجين يحكم القاضي بالطلاق، وإذا اشتد الخصام بين الزوجين وعجزت الزوجة عن إثبات الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما. ومن ثم، فإنّ القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد خطئا في تطبيق القانون.

ولما كان ثابتا -في قضية الحال- أن المجلس القضائي لما قضى بالطلاق دون مراعاة أحكام المواد التالية: 39، 55، 56 من قانون الأسرة يكون بقضائه كما فعل خالف القانون وتجاوز اختصاصه. ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه» (العليا، 1989).   

أما بالنسبة لتعيين الحكمين فالمحكمة تُعينهما سواء من تلقاء نفسها تطبيقا للقانون أو بناءً على طلب الزوجين، وهنا يجب مراعاة قرابتهما من الزوجين، إضافة إلى تأثيرهما عليهما، وقدرة كل منهما على حل النزاع المطروح (أحمد، 2013- 2014).     

أما بالنسبة للمشرع الإماراتي فقد نصّت المادة 118 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي رقم 28 لسنة 2005 على أنه: «إذا لم يثبت الضرر، واستمر الشقاق بين الزوجين، وتعذر على لجنة التوجيه الأسري والقاضي الإصلاح بينهما، عين القاضي بحكم حكمين من أهليهما إن أمكن بعد أن يكلف كلا من الزوجين تسمية حكم من أهله قدر الإمكان في الجلسة التالية على الأكثر، وإلا فيمن يتوسم فيه الخبرة والقدرة على الإصلاح إذا تقاعس أحد الزوجين عن تسمية حكمه، أو تخلف عن حضور هذه الجلسة، ويكون هذا الحكم غير قابل للطعن فيه.

ويجب أن يشمل حكم تعيين حكمين على تاريخ بدء المهمة وانتهائها، على ألا تجاوز مدة تسعين يوماً، ويجوز مدّها بقرار من المحكمة، وتعلن المحكمة الحكمين والخصوم بحكم تعيين الحكمين وعليها تحليف كلّ من الحكمين اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانة».

فالملاحظ من خلال أحكام هذه المادة أنه في حالة استمرار الشقاق بين الزوجين، وفي حالة عدم استطاعة كل منهما إثبات الضرر، وبعد اليأس من الإصلاح بينهما من قبل القاضي و لجنة التوجيه الأسري، المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 16 من القانون رقم 28 لسنة 2005 (حيث نصت المادة 16 في فقرتها الأولى من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005 بقولها: «لا تقبل الدعوى أمام المحكمة في مسائل الأحوال الشخصية، إلا بعد عرضها على لجنة التوجيه الأسري، ويستثنى من ذلك مسائل الوصية والإرث وما في حكمها، والدعاوى المستعجلة والوقتية).

لهذا، فإنّ المشرع الإماراتي أجاز للقاضي أن يأمر الزوجين باختيار حكمين من أهليهما قبل انعقاد الجلسة اللاحقة على الأكثر، أما في حالة عدم اختيار من أحد الزوجين للمحكم الذي يمثله، فهنا يقوم القاضي بإصدار حكم غير قابل للطعن بتعين مُحكم. كما يشمل هذا الحكم تاريخ بدء وانتهاء مهمة الحكمين في مدة لا تتجاوز 90 يوما من تاريخ تعيينهما. كما يُلزم القاضي الحكمين بأداء اليمين من أجل القيام بمهامهما بنزاهة وعدالة وأمانة، وذلك بعد تبليغهما وتبليغ الخصوم بحكم تعيين الحكمين من طرف المحكمة.

لكن الملاحظ هنا أنّ المشرع الإماراتي لا يجيز الاستعانة بالحكمين إلا في حالة التطليق للضرر والشقاق، بخلاف المشرع الجزائري الذي يجيز الاستعانة بالحكمين في جميع دعاوى الطلاق. سواء كان طلاقا بإرادة الزوج أو الزوجة أو بإرادتيهما معا، أو في حالة التفريق القضائي وذلك طبقا لأحكام المادة 56 من قانون الأسرة.  

 تفعيل دور الحكمين في الإصلاح بين الزوجين

إنّ مهمة الحكمين محددة من قبل المحكمة، وتنحصر بتقصيّ أسباب الخلاف والوقوف على حقيقته ومعرفة الطرف المتضرّر المظلوم، والطرف المتسبّب في الضرر، ويتدارس الحكمان الحلول الممكنة ويصلحان بينهما إن رَأَيَا الخير والمصلحة في ذلك، لتعود الحياة الزوجية إلى الطبيعي، وتزول أسباب الخلاف والشقاق بتذكير كل منهما بواجبه تجاه الآخر، وتنبيهه إلى موضع الخطأ الذي ينبغي اجتنابه. وهنا يجب أن يستخدم الحكمان وجاهتهما، وقوة شخصيتهما في التأثير على موقف الزوجين عليهما بشتى السبل لرفع الشقاق بينهما، وهذا ما نصت عليه أحكام المادة 447 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي نصت على أن: «يطلع الحكمان القاضي بما يعترضهما من إشكالات أثناء تنفيذ المهمة».

فإذا توصل الحكمان اللذان كانت مهمتهما التوفيقية والإصلاحية إلى إيجاد حلّ للنزاع، فعليهما أن يقدما تقريرا مفصلاً إلى القاضي الذي عينهما في أجل لا يتعدى الشهرين، ويتضمن هذا التقرير النتائج والاقتراحات التي توصلا إليها لحسم الخلاف، وهو ما أكدت عليه المادة 448 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها: «إذا تم الصلح من طرف الحكمين، يثبت ذلك في محضر، يصادق عليه القاضي بموجب أمر غير قابل لأي طعن».

بالإضافة إلى ذلك فإنّ سُلطة الحكمين لا تتعدى أن تكون مُجرد تكليف بمهمة، فإذا فشلا في ذلك، فإنّ للقاضي إنهاء مهامهما تلقائيا، ويعيد القضية إلى الجلسة وبالتالي استمرار الخصومة، بعد أن يطُلع الحكمان القاضي بما يعترضهما من إشكالات أثناء تنفيذ المهمة طبقا لأحكام المادة 449 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها: «يجوز للقاضي إنهاء مهام الحكمين تلقائيا، إذا تبينت له صعوبة تنفيذ المهمة، وفي هذه الحالة، يعيد القضية إلى الجلسة وتستمر الخصومة».

أما بالنسبة لرقابة المحكمة العليا على قاضي شؤون الأسرة فيما يخص اللجوء إلى اجراءات التحكيم، فتتحدد حسب الطبيعة القانونية للتحكيم، لكون التحكيم إجراءً من إجراءات التحقيق التي يقوم بها القاضي للفصل في النزاع، شأنه شأن باقي الأدلة الخاصة بإجراءات التحقيق، فالأدلة لها جانب موضوعي -أي قواعد موضوعية تحكم الأدلة نفسها-، وجانب إجرائي أي قواعد إجرائية تحكم كيفية تطبيق الأدلة (أما فيما يخص الجانب الموضوعي للتحكيم، فهي قاعدة تحكم مبدأ التحكيم نفسه، المتمثلة في قاعدة وجوب تعيين الحكمين عند انعدام الصلح، وعدم إثبات الضرر، أو تكرار الدعوى، وهو ما أكدته أحكام المادة 56 من قانون الأسرة والمادة 446 من قانون الإجراءات المدنية والإداري).      

لهذا، ففي حالة خرق قاضي شؤون الأسرة لإجراءات التحكيم، كأن يقوم القاضي بتعيين الحكمين دون تحلفيهما اليمين القانونية، أو يقوم بتعين حكمين من غير أهل الزوجين، مع وجود حكمين من الأهل تتوافر فيهم الشروط القانونية للقيام بمهمة التحكيم، فإغفال القاضي الموضوع لإجراءات التعيين أو شروط المحكمين يعتبر إغفال قاعدة جوهرية في الإجراءات تؤدي إلى نقض الحكم أمام المحكمة العليا (تقية، 2011).

أما من الناحية العملية يتضح أنّ مهمة الحكمين في التشريع الجزائري مازالت معطلة فيما يخص قضايا الطلاق والتطليق، وذلك لعدم تفعيلها من طرف المحكمة على أرض الواقع. وذلك راجع لسببين هما:

-أن أغلب الحكمين -من عائلة الزوجين- ليس لهما تكوين ثقافي من شأنه أن يجعلهما قادرين على تحرير تقرير، يحددان فيه مسؤولية كل زوج في سبب الشقاق، كما يتهربان من تحمل المسؤولية في إعادة محاولات الصلح، مع العلم أنّ القاضي ليس له أية سلطة لإرغامهما على القيام بما كلفهما به مما يدفعه إلى استبدالهما.

-إنّ الزوجين يمتنعان في بعض الأحيان عن إشراك أقاربهما في حل مشاكلهما، مما يتعذر معه على القاضي تعيين أحد أقاربهما كحكمين، فيلجأ القاضي إلى استدعاء أبويهما اللذين يذكيان النزاع بدلا من مساعدة القاضي في تفعيل الإصلاح بين الزوجين (أحمد، 2013- 2014).

أما بالنسبة للمشرع الإماراتي وبعد تعيين الحكمين للقيام بإجراءات الصلح بين الزوجين، فهما مطالبان بتقصي الحقائق، والتعرف على أسباب الشقاق ودوافعه، وبعد الإخلاص لله عز وجل في العمل سرّا وعلانية، وذلك بالحكمة واللياقة وحسن القول والإقناع قصد الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين. فالحكمان يعقدان مع الزوجين عدة جلسات للصلح بينهما، وذلك بتذكيرهما أنّ الإقدام على الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، وللحكمين استخدام جميع الوسائل القانونية لمعرفة أسباب الشقاق، ثم بعد ذلك يجتمعان للتشاور وتقرير ما يجب القيام به سالكين أيسر السبل لإصلاح ذات البين.

أما في حالة تعذر أحد الزوجين عن حضور جلسة التحكيم سواء في الجلسة المحددة أو في الجلسات اللاحقة، فذلك لا يؤثر على عمل الحكمين، وهو ما أكدته أحكام المادة 119 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي بقولها: «على الحكمين تقصي أسباب الشقاق وبذل الجهد للإصلاح بين الزوجين، ولا يؤثر في سير عمل الحكمين، امتناع أحد الزوجين عن حضور جلسة التحكيم متى تم إعلانه بالجلسة المحددة، أو الجلسات اللاحقة، إن حصل انقطاع بينهما».

في حالة تعذر الإصلاح بين الزوجين، وتبين للحكمين أنّ الإساءة كلها من جانب الزوج، والزوجة هي طالبة التفريق أو أنهما معا يُريدان فك الرابطة الزوجية، يقرر الحكمان التفريق بينهما بطلقة بائنة دون مساس بشيء من حقوق الزوجية المترتبة على الزواج والطلاق. وذلك طبقا لأحكام المادة 120 في فقرتها الأولى من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي رقم 28 لسنة 2005 بقولها: «إذا عجز الحكمان عن الإصلاح: فإن كانت الإساءة كلها من جانب الزوج، والزوجة هي طالبة التفريق، أو كان كلّ منهما طالبا، قرّر الحكمان التفريق بطلقة بائنة دون مساس بشيء من حقوق الزوجية المترتبة على الزواج والطلاق».

أما إذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة قررا الحكمان التفريق بينهما مقابل بدل مناسب تدفعه الزوجة لزوجها تعويضا عن الضرر الذي أصابه. وذلك طبقا لأحكام المادة 120 في فقرتها الثانية من نفس القانون.

أما إذا كانت الإساءة مشتركة قررا الحكمان التفريق بين الزوجين دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة لكل واحد منها للآخر.

أما في حالة عدم معرفة الحكمين من المسيء من الزوجين، فإذا كان الزوج هو طالب التفريق اقترح الحكام رفض دعواه، وإن كانت الزوجة هي طالبة التفريق أو كان كلا الطرفين طالبا التفريق قرر الحكمان التطليق بينهما دون مقابل، وذلك طبقا لأحكام المادة 120 في فقرتها الأخيرة من نفس القانون.    

وعليه، فالحكمان هنا مُلزمان بتقديم قرارِ مفصل ومعلل يبينان به أسباب الخلاف والمتسبب فيه أو المسؤول عن الشقاق، ويقترحان على القاضي الحلول التي يريانها مناسبة لحلّ النزاع القائم بين الزوجين. ومدى إساءة كل من الزوجين أو أحدهما إلى الآخر. وهو ما أكدته المادة 121 في فقرتها الأولى من القانون نفسه.

وهنا يحكم القاضي بمقتضى حُكم الحكمين إن اتفقا فيما بينهما، أما في حالة الاختلاف بين الحكمين عين القاضي المختص غيرهما، أو ضمّ إليهما حَكَماً ثالثا مرجحا لأحد الرأيين، مع ضرورة تأدية اليمين سواء للمحكمين الجدد، أو المحكم الثالث، وذلك طبقا لأحكام المادة 121 في فقرتها الثانية من نفس القانون.

وفي الأخير يتوجب على قاضي الأحوال الشخصية الإماراتي أن يحكم بما قررا به الحكمان إذا كان قرارهما موافقا لأحكام القانون، أما إذا كان خلاف ذلك قام بتعديله طبقا لأحكام المادة 121 في فقرتها الأخيرة.

وبصدد سلطة الحكمين في التفريق بين الزوجين، نجد أنّ المشرع الجزائري-  على عكس نظيره الإماراتي - وحسب أحكام المادة 448 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد خوّل لهما مهمة الإصلاح بين الزوجين دون تفريق بينهما، حيت نصت المادة بقولها: «إذا تمّ الصلح من طرف الحكمين، يثبت ذلك في محضر، يصادق عليه القاضي بموجب أمر غير قابل لأي طعن»، وهو ما أكدته  المادة 449 من القانون نفسه التي تجيز للقاضي إنهاء مهام الحكمين، متى تبين له صعوبة تنفيذ المهمة (الصلح بين الزوجين) وفي هذه الحالة تعاد القضية إلى الجلسة وتستمر الخصومة.

كما أنّه من الناحية العملية يتضح لنا أنّ المشرع الإماراتي بخلاف المشرع الجزائري، قد قام بتفعيل مهمة الحكمين في إصلاح ذات البين بين الزوجين، وذلك من خلال أحكام النظام رقم 08 لسنة 2006 المتعلق بشأن المحكمين في دعاوى الأحوال الشخصية بإمارة دبي (الجريدة الرسمية لإمارة دبي، 2006).

خاتمة

يعدّ التحكيم آلية من الآليات الهامة والأساسية في حفظ وتعهد شؤون الأسرة والدفاع عن مصالحها، وقد كان من باب أولى ألا تكون مهمة هاته الهيئة استشارية بالنسبة للقاضي، وأن تتعدى ذلك بأن يكون لها دور كبير وجوهريّ في فضّ النزاعات والخلافات، والدفاع عن مصالح الأسرة بروح من المسؤولية والنزاهة. وكذا تخفيف الضغط على القضاء، وذلك باعتبار التحكيم وسيلة من الوسائل البديلة لفضّ النزاعات الأسرية. وقد خلصت هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات:

-نتائج

1-المحكم له طابع مستقلّ ومختلط، لا هو قاضي ولا هو وكيل، لهذا فهو يشبه القاضي باستقلاله عن إرادة الخصوم حتى وإن كانوا هم الذين اختاروه، كما يشبه عمل الوكيل باعتبار إرادة الخصوم هي التي أنشأت سلطة المحكم.

2 -إنّ نجاح التحكيم كوسيلة بديلة لتسوية النزاعات الأسرية رهين بمدى استعداد هيئة التحكيم في تقريب وجهات النظر والتوفيق بين الزوجين، بالإضافة إلى استعداد الأطراف المتنازعة في التصالح.

3-إنّ مهمة الحكمين تدور حول بذل مساعي التوفيق وتقريب وجهات النظر بين الزوجين من أجل إصلاح ذات البين.

-التوصيات

1-نلتمس من المشرع الجزائري النص على إلزام قاضي شؤون الأسرة باللجوء لإجراءات التحكيم مثلما فعل بالنسبة لإجراءات الصلح بين الزوجين طبقا المادتين 49 من قانون الأسرة والمادة 439 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

2-ضرورة تفعيل دور الحكمين في التوفيق بين الزوجين في التشريع الجزائري.

3-ضرورة التنصيص على أنّ قرار الحكمين يعدّ سندا تنفيذيا يجوز الاحتجاج به. كما هو في محضر الصلح بين الزوجين.

المراجع

ابن الحاجب المالكي : هو أبو عثمان بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب المصري الدمشقي ثم الإسكندري كان أبوه حاجبا للملك عز الدين الصالحي،( توفي 646 هـ/ 1044م).

أما فيما يخص الجانب الموضوعي للتحكيم، فهي قاعدة تحكم مبدأ التحكيم نفسه، المتمثلة في قاعدة وجوب تعيين الحكمين عند انعدام الصلح، وعدم إثبات الضرر، أو تكرار الدعوى، وهو ما أكدته أحكام المادة 56 من قانون الأسرة والمادة 446 من قانون الإجراءات المدنية والإداري.

إبراهيم، ا. أ. (1997). التحكيم الدولي الخاص. القاهرة، جمهورية مصر العربية: دار النهضة العربية.

إبراهيم، أ. وزملاؤه. (1973). المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية. مصر: دار المعارف.

أحمد، ش. (2013- 2014). السلطة التقديرية لقاضي شؤون الأسرة - دراسة مقارنة بين أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية -. تلمسان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر.

الأسطل، ا. (1998). التحكيم في الشريعة الاسلامية. القاهرة، مصر: دار النهضة العربية.

الباجي. المنتقى شرح موطأ مالك. القاهرة، مصر: دار الكتاب الإسلامي.

البستاني، ع. ا. الوافي: معجم وسيط اللغة العربية. مكتبة لبنان.

البصري، ا. (1994). الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وهو شرح مختصر المازني. بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية.

البهوتي. (1982). كشاف القناع. القاهرة: دار الفكر العربي.

البهوتي.  شرح منتهى الإرادات.

البهيقي.  كتاب الصلح، باب لا ضرر ولا ضرار.

الجريدة الرسمية لإمارة دبي في 08 ذي الحجة 1427 هــ، الموافق 28/ 12/ 2006، العدد 317، السنة الأربعون.

الجصاص. أحكام القرآن. طبعة دار الريان للتراث المطبعة البهية.

الحنفي، ا. ح. (1978). شرح أدب القاضي. بغداد: الدار العربية للطباعة.

الدسوقي . حاشية الدسوقي. طبعة دار إحياء الكتب العربية.

الذهبي، ا. أ. (1045ه). سير أعمال النبلاء. بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة.

الرملي. (1984). نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. بيروت، لبنان: دار الفكر.

الزرقا، م. أ. (1967- 1968). المدخل الفقهي العام «الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد». دمشق، لبنان: مطبعة الألف باء الأدبي.

الزيعلي. تبيين الحقائق.

السرخسي.. أصول السرخسي. بيروت، لبنان: دار المعرفة.

السرخسي. المبسوط. بيروت، لبنان: دار المعرفة.

الشافعي. (1381ه). الأم. (ا. م. الأزهرية، مطبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة.

الشربيني. (1377ه). مغني المحتاج. مطبعة مصطفى الحلبي.

الشيرازي.. المهذب في فقه الإمام الشافعي. بيروت، لبنان: دار الفكر.

الشيرازي. المهذب في فقه الإمام الشافعي.

الصاوي. الشرح الصغير.

الطبري. (1968). جامع البيان عن تأويل آيات القرآن. القاهرة، مصر: مطبعة مصطفى الحلبي.

العربي، ا. أحكام القرآن.

العليا، ا. (1989، 12 25). المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية. المجلة القضائية.

القانون الاتحادي رقم 06 لسنة 2018 بشأن التحكيم . (2018، 05 03).

القرطبي. (2006). الجامع لأحكام القرآن. بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة.

الكاساني. (1984). بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. (ا. ز. يوسف، مطبعة الإمام.

الكاساني. بدائع الصنائع.

الماوردي. الحاوي الكبير.

المواق. التاج والاكليل لمختصر خليل.

الموطأ، ر. ا. الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق، .

النسائي، ا. ا. سنن النسائي.

النووي. روضة الطالبين. (ا. ا. والنشر، بيروت، لبنان: مطبعة الجمالية.

النووي. روضة الطالبين. (ا. ا. والنشر، بيروت، لبنان: مطبعة الجمالية.

الهمام، ا. شرح فتح القدير. بيروت، لبنان: دار الفكر.

تقية، ع. ا. (2011). قضايا شؤون الأسرة من منظور الفقه والتشريع والقضاء. الجزائر.

حزم، ا. المحلي . بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية.

حيث نصت المادة 16 في فقرتها الأولى من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005 بقولها:» لا تقبل الدعوى أمام المحكمة في مسائل الأحوال الشخصية، إلا بعد عرضها على لجنة التوجيه الأسري، ويستثنى من ذلك مسائل الوصية والإرث وما في حكمها، والدعاوى المستعجلة والوقتية.

داود، أ. ف. (2008). الطبيعة القانونية لحكم التحكيم وآثاره وطرق الطعن به دراسة مقارنة. نابلس، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين.

عبد العالي قزي. (2019-2020). الصلح والوساطة في الأحوال الشخصية «دراسة فقهية قانونية مقارنة». جامعة الوادي، الجزائر.

عليش. (1409ه، 1989م). منح الجليل شرح على مختصر خليل. بيروت، لبنان: دار الفكر.

عمر، ا. م. (2003). الطبيعة القانونية لنظام التحكيم. القاهرة، جمهورية مصر العربية: دار المطبوعات الجامعية.

فرحون، ا. (1986). تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام. الأزهرية، مصر: مكتبة الكليات.

قانون الإجراءات المدنية الإدارية رقم 08- 09. (2008، 02 25). الجريدة الرسمية العدد 21.

قانون الأحوال الشخصية الإتحاد الإماراتي رقم 28. (2005، 11 19). الجريدة الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة العدد 439.

قانون الأسرة رقم 84- 11. (1984، 06 09). الجريدة الرسمية . Consulté le 02 27، 2005

قدامة، ا. (1405ه). المغني. بيروت، لبنان: دار الفكر.

قدامة، ا. المغني والشرح الكبير.

كثير، ا. (1400ه). تفسير ابن كثير. دمشق، سوريا: دار النمير.

مجلة الأحكام العدلية. كراتشي، تركيا: دار النشر نور محمد كارخانه تجارت الكتب.

محروق، ك. (2014- 2015). الحماية القانونية للأسرة ما بين ضوابط النصوص واجتهادات القضاء. قسنطينة، كلية الحقوق جامعة الإخوة منتوري، الجزائر.

معبود، ع. سنن أبي داود الامام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث بن اسحاق الأذري السجستاني المعروف بابي داود.

منظور، ا. (2000). لسان العرب. بيروت، لبنان: دار صادر.

ميارة. (2000). شرح ميارة على التحفة الأحكام. بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية.

نجيم، ا. البحر الرائق شرح كنز الدقائق. بيروت، لبنان: دار المعرفة للنشر والطباعة.

هجرية،، ا. ا. (1979). النهاية في غريب الحديث والأثر. (ت. ط. الطناح، بيروت: المكتبة العلمية.

@pour_citer_ce_document

فيروز بن شنوف / أحمد شامي, «تفعيل دور هيئة التحكيم في تسوية النزاعات الأسرية في الفقه الإسلامي والتشريعين الجزائري والإماراتي»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 235-248,
Date Publication Sur Papier : 2022-12-07,
Date Pulication Electronique : 2022-12-07,
mis a jour le : 07/12/2022,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9112.