نظرية العدوى وفق المنهج التجريبي عند الأطباء المسلمين القدامىThe theory of infection according to the experimental method of the ancient muslim doctorsLa théorie de l’infection selon la méthode expérimentale utilisée par des anciens médecins musulmans
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 20-2023

نظرية العدوى وفق المنهج التجريبي عند الأطباء المسلمين القدامى
La théorie de l’infection selon la méthode expérimentale utilisée par des anciens médecins musulmans
The theory of infection according to the experimental method of the ancient muslim doctors

تاريخ الاستلام 2020-05-03 تاريخ القبول 19-02-2023

خالد خواني
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يهدف المقال إلى إبراز دور الأطباء المسلمين خلال العصور الوسطى في توضيح نظرية العدوى مستخدمين المنهج التجريبي وأدواته كالملاحظة للحد من انتشار العدوى، فسن هؤلاء الأطباء إجراءات وقائية في التعامل مع المصابين بالأمراض المعدية للحد من انتشارها، أو ما اصطلح عليه بإجراءات الحجر الصحي. اتبعت مدن الشمال الإيطالي إجراءات الحجر الصحي خلال الطاعون عام 1450م، واستنادا للحقائق التاريخية تبيّن أن أوربا استفادت من النهضة العلمية في الأندلس والعواصم الإسلامية، فزاوجت بين القديم المجرد وهو إرثها الخاص (الفلسفة اليونانية) والجديد العملي وهو ما نقلته عن الحضارة الإسلامية

L’article vise à mettre en évidence le rôle des médecins musulmans au Moyen Âge dans l’explication de la théorie de l’infection en utilisant la méthode expérimentale et ses outils, tels que l’observation pour limiter la propagation de l’infection. Ces médecins ont adopté des mesures préventives pour traiter les personnes atteintes de maladies infectieuses afin de limiter sa propagation ou ce qu’on l’appele les procédures de quarantaine. Pendant la peste de 1450, les villes du nord d’’Italie ont suivi les mesures de quarantaine, selon les faits historiques, il a été constaté que l’Europe a bénéficié de la renaissance scientifique en Andalousie et des capitales islamiques et s’est mariée entre l’ancien abstrait de son propre héritage (philosophie grecque) et de celui expérimenté qui a été rapportée par la civilisation islamique

The article aims to highlight the role of Muslim doctors in the Middle Ages in explaining the theory of infection using the experimental method and its tools such as observation to limit the spread of infection. These doctors have taken preventative measures to treat people with infectious diseases in order to limit their spread or what are considered quarantine procedures.  During the plague of 1450, the cities of northern Italy followed quarantine measures, according to historical facts, it has been found that Europe has benefited from the scientific renaissance in Andalusia and Islamic capitals and it has married between the ancient abstract of its own heritage (Greek philosophy) and that experienced which has been brought back by Islamic civilization

Quelques mots à propos de :  خالد خواني

 Dr. Khaled Khouaniجامعة تلمسان، الجزائرkhaledkhouani@gmail.com

مقدمة

عرفت المجتمعات القديمة الأوبئة التي حصدت أرواح الملايين من البشر على مدى التاريخ الذي امتد لستة قرون. انتقلت الأوبئة نتيجة لحركة البشر السلمية كالتجارة أو العدوانية مثل الغزو الاستعماري لإفريقيا والأمريكيتين، أو حركة الانتقال القهري لعبيد إفريقيا، فقد انتقلت الأوبئة إلى أماكن وشعوب جديدة لم تكن موجودة فيها من قبل، مثل الأمريكيتين (اختلاط السكان الأصليين بالغزاة الأوربيين) وبين الأوروبيين الغزاة والأفارقة المستعمرِين، ولكن يكمن الاختلاف في نمط الاستجابة والتعامل مع الوباء في هذه المجتمعات.

تعامل علم الأوبئة مع حركة انتقال الكائنات الحية، والتي في الأساس هي نوعين:

النوع الأول: مسببة لهذه الأوبئة وهي كائنات صغيرة جدا (مجهرية) غير محسوسة وغير منظورة.

النوع الثاني: كائنات محسوسة ومرئية تحتل حيزا من المكان، وهم البشر ضحايا الكائنات الأولى.

والتساؤلات المطروحة هي: لماذا طُبقت إجراءات الحجر الصحي في الشمال الإيطالي منذ عام 1450م، والتي تبعتها المدن الأوروبية الأخرى بعد ذلك قبل اكتشاف الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبات) المسببة للأمراض من طرف «روبرت كوخRobert Koch[1]» سنة 1894، أي بأكثر من أربعة قرون؟ ولماذا أنشأت المدن الإيطالية أبنية مخصصة للأمراض المعدية، حيث أقيمت أول بناية من هذا النوع في «جنوا Genoa» الإيطالية بعد طاعون 1499-1501م، ثم لماذا أمر «برنارد فيسكونتي Bernard Visconti» حاكم «ميلانو Milano» بعزل إحدى المدن المصابة بالطاعون عام 1374م بالكامل، مع العلم أن الأطباء في هذا الوقت كانوا يجهلون طريقة انتقال الوباء؟ وعلى الجانب الآخر، لماذا لم يطبق العالم الإسلامي إجراءات الحجر الصحي ضد الطاعون رغم معرفة الطب الإسلامي بالنظرية العامة للعدوى، أي أن الأمراض المعدية تنتقل من شخص إلى آخر؟ ولماذا لم تنشأ معازل خاصة في العالم الإسلامي منذ القرن الرابع عشر خاصة لمرضى الجذام، مثل التي أقامها الأوروبيون، وتركهم يعيشون بطريقة عادية مع الأصحاء على الرغم من تعريف «أبي بكر الرازي 849-925 م» في كتابه «الحاوي» الجذام بطريقة تفصيلية، وذكره أنه من الأمراض المعدية؟

تهدف الدراسة إلى محاولة الإجابة على هذه التساؤلات من خلال الرجوع إلى الحقائق التاريخية التي تبيّن مدى مساهمة الأطباء المسلمين القدامى في توضيح كيفية التعامل مع الأمراض المعدية، والتي قد تتحوّل إلى أوبئة، وبالتالي الإجراءات الواجب اتخاذها لمقاومتها، أو ما اصطلح عليه بنظرية العدوى.

تكمن أهمية هذا البحث في تسليط الضوء على كيفية تعامل المجتمعات الأوروبية والإسلامية خلال العصور الوسطى مع الأوبئة التي أصيبت بها.

المفاهيم المرتبطة بالدراسة

المنهج

يتفق جل المختصين على أن المنهج هو الطريقة المتبعة، حيث يعرفه «عبد الرحمن بدوي» على أنه الطريق المؤدي على الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة مجموعة من القواعد العامة، تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة. (مروان، 2000) كما يعرفه «موريس أنجرس»: بأنه مجموعة منظمة من العمليات تسعى لبلوغ هدف. (موريس، 2004)

أما المنهج العلمي فهو فن التنظيم الصحيح لسلسلة الأفكار المتعددة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون جاهلين بها، أو للبرهنة عليها للآخرين حين نكون عارفين بها. كما أنه مجموعة من القواعد، والأنظمة العامة التي يتم وضعها من أجل الوصول إلى حقائق مقبولة حول الظواهر موضوع الاهتمام من قبل الباحثين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية. (عبيدات وآخرون، 9199)

تكمن أهمية المنهج العلمي في كونه الوسيلة المناسبة لزيادة معارفنا وقدراتنا في دراسة الظواهر المختلفة والمعقّدة عامة وفق قواعد عملية وتطبيقية مضبوطة.

التجربة

هي ملاحظة مقصودة تحت ظروف محكومة، يقوم بها الباحث لاختبار الفروض والحصول على العلاقات السببية. (Beveridge, 1947)

يقول كلود برنارد (1813-1878) Claude Bernard وهو عالم فرنسي طبيعي مؤسس المدرسية العلمية التجريبية: إذا جاءت لفظة «التجربة» مفردة في اللغة الفرنسية كان معناها بوجه عام مجرد المعرفة المكتسبة من تجارب الحياة أي «الخبرة»، وهذا الذي نعنيه أن فلانا اكتسب «تجربة» وأنه «ذو تجربة»، ثم أطلق اسم التجارب من بعد ذلك على الوقائع التي تكسبنا معرفة الأشياء معرفة تجريبية. (رجاء، 2000)

تعرف التجربة على أنها سؤال يوجه إلى الواقع، أو هي حوار بين الباحث والواقع الميداني، فالتجربة أداة لصنع ملاحظات مضبوطة للكشف عن ظاهرة ما أو تفسيرها، تتوخى الكشف عن العلاقة بين نوعين من العوامل، بداية بالعامل السببي، وانتهاءاً بالنتيجة، أو المتغير التابع، أو أنها تثبت وجود هذه العلاقة وتبرهن عليها فهي وسيلة للإثبات. (رجاء، 2000)، فالتجريب هو ملاحظة تحت ظروف محكمة، أي شرط التجريب التحكم وممارسة الإرادة في عملية البحث أو ما يصطلح عليه بالتجربة المضبوطة. (حسن، 1982)

المنهج التجريبي

يقوم على التجريب المحدود زماناً ومكاناً وموضوعاً، والمقصود المخطط له، فالتجريب كان يسميه العلماء المسلمون «التدبير»، وكانوا يعتمدون عليه أساساً في علم الكيمياء، وعرفت لديهم التجربة بأنها واقعة عرضية وحدث تلقائي اتفاقي.

أخذ العرب بالدليل التجريبي إلى جانب الدليل الاستنتاجي، ولم يقم فيه اعتراف على مبدأ التجربة والاختبار في عصر النهضة الأوربية بالضبط في العصر الذي عاش «وليام جيلبرت (1544-1603) William Gilbert» و«جاليليو جاليلي (1564-1642) Galileo Galilei»، و«وليم هارفي (1578-1657) William Harvey» و«يوهانز كبلر (1571-1630) Johannes Kepler» الذين كانوا يؤمنون بالتجربة لكنها تجربة افتراضية، وكان إنتاجهم رياضياً لا عملياً. (رجاء، 2000)

يعتمد المنهج التجريبي على الملاحظة وهي المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، كما هي جهد وتتبع حسي وعقلي يقوم به الباحث للظاهرة (تتطلب الصبر)، بهدف الكشف عن بعض الحقائق التي يمكن استخدامها لاستنباط معرفة جديدة، وقد تكون الملاحظة تلقائية، أي بمحض الصدفة التي لا دخل للباحث في استثارتها، وقد تكون الملاحظة مستثارة فعالة أي يقوم بها الباحث عمداً، وبتدبير مبني على فكرة سابقة عن طبيعة الظاهرة. (رجاء، 2000)

النظرية

جاء في لسان العرب لابن منظور «قيل النظر طلب علم عن علم» وهي ترتيب أمور معلومة على وجه يؤدي إلى استعلام ما ليس بمعلوم. (منال، 2012) أما المعجم الفلسفي «لالاند» فيعرفها على أنها إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ، وانطلقت هذه الفكرة إلى اعتبار أن النظرية بناء فرضي استنباطي يعكس رؤية العالم حول قضية متنازع حولها كما أنها تقابل المعرفة الجزئية على ان النظرية تركيب كلي يسعى إلى تفسير عدد من الظواهر، ويسلم بها كفرضية تحتمل التصديق أو التكذيب. (بسام، 2011)

من الناحية الاصطلاحية يعرفها «موريس أنجرس» على أنها إقرار حقيقي لوجود علاقة ما بين متغيرات محققة إمبريقياً (بالتجرية). (موريس، 2006)

تعمل النظرية على جعل الحقائق منطقية ومصاغة في سياق منظم ومرتب، فهي تقوم على تفسيرات حقيقية فيما يخص الأحداث، الوقائع والظواهر، أما وظيفتها فهي تعميم التفسيرات المعطاة للأحداث والظواهر، لأنه من دون وجود النظرية تظل العلاقات بين الظواهر مبهمة، فبالتالي تعتمد النظرية الدقة في الطرح بعيدا عن العشوائية، لذلك يقوم البحث العلمي في ظل وجود نظرية وفي غيابه فهو أعمى. (لارامي، 2009)

العدوى

مصطلح العدوى يعني اجتياح بعض الكائنات الغير محسوسة والغير منظورة (مجهرية) لخلايا الجسم الحية وتقوم بتدميرها، فينتج عنه المرض الذي يكتشفه الطبيب من خلال معاينة دقيقة للأعراض التي يشكو منها المريض، وقد تكون العدوى خفيفة نتيجة تصدي مناعة الجسم لها.

يعرف القاموس الطبي الصغير العدوى على أنها: «مجموع التغيرات التي تطرأ على الجسم نتيجة نفاذ إحدى الجراثيم إليه، ومهما كان نوع هذه الجرثومة».(Entreprise nationale du livre, 1989)

تتفاوت درجة خطورة العدوى حسب أنواعها، فمنها الحادة التي تبدأ بالظهور سريعاً خلال بضعة أيام، والأقل حدة التي يستغرق ظهورها أسابيع، والعدوى المزمنة التي تدوم عدة شهور أو حتى عدة أعوام. (Champault & Sordelet, 1998) وللتذكير قد تتحول العدوى إلى وباء إذا اتسع نطاقها، وتسبب عدد كبير من الوفيات إذا لم تتخذ إجراءات وتدابير صحية سليمة للحد من انتشارها.

أشهر العلماء المسلمين في العصور الوسطى الذين

     أسسوا لنظرية العدوى

أبو بكر بن زكريا الرازي (849-925م) وآخرون

ولد الرازي بالقرب من أصفهان، ألف كتابه «الحاوي» في جميع فروع الطب في ثلاثة وعشرين جزءاً، ومن الشواهد على تأثير الرازي في أوربا الممثلة في إعادة طبع أعماله المترجمة حوالي أربعين مرة فيما بين عام 1498-1866م.

خصص الرازي أجزاء من مؤلفه «الحاوي» للأمراض المعدية كالجرب والسل والجذام، كما له كتاب منفصل على شكل رسالة عن «الحصبة والجدري» الذي توالت طباعته مرات عديدة حتى القرن التاسع عشر.

أسس الرازي مستشفى قام بتجارب فيه، حيث قسم مرضاه إلى مجموعتين لتجنب انتشار المرض، وقد مكن ذلك من إنشاء الحجر الصحي الذي اعتنقه الغرب بشغف. (جون، 2006)

كما ألف ابن سينا (980-1037م) الذي ولد ببخارى كتابه «القانون» الذي يعد موسوعة في الطب بأجزائه الخمسة، حيث يحتوي على فصول عن الحميات. وقد كان كتابا «الحاوي» للرازي و»القانون» لابن سينا ضمن مقررات الدراسات الطبية في أوربا حتى القرن التاسع عشر.

عرفت مدن الأندلس العديد من مشاهير الطب بفروعه المختلفة، منهم على سبيل المثال أبو القاسم الزهراوي (936-1012م) الذي يعد كبير المتخصصين في علم الجراحة، وله كتاب مهم بعنوان «التصريف لمن عجز عن التأليف» في ثلاثين جزء في الجراحة بأقسامها المختلفة. كما نذكر «مروان بن زهر» (1090-1160م) الذي تميّزت مؤلفاته بالذهنية النقدية لآراء جالينوس[2](Galênos) أشهر الأطباء اليونانيين. (محمد، 1995).

ابن الخطيب (1313-1379م)

وهو رجل الدولة الأندلسي والمؤرخ والطبيب الذي ولد بغرناطة وتوفي بمدينة فاس، تكمن أهمية أعماله في تناوله للأمراض المعدية والوبائية. استخدم «ابن الخطيب» مفهوم الوباء نتيجة للعدوى، حيث أتيحت له فرص عديدة لمتابعة الأمراض المعدية مثل الجذري والكوليرا والطاعون. (هوارد، 2004)

وصف ابن الخطيب للطاعون: عاصر ابن الخطيب الطاعون الكبير الذي وقع في أوربا سنة 1348م حيث قدم وصفا دقيقا عنه. (جان، 2002)، ومن ضمن الفقرات التي تناول فيها العدوى بالوصف نستدل بهذه الفقرة الآتية:

«فإن قيل كيف نسلم بدعوى العدوى، وقد رد الشرع بنفي ذلك، قلنا: لقد ثبت وجود العدوى بالتجربة والاستقراء والحس والمشاهدة والأخبار المتواردة، هذه هي مواد البرهان. ثم إنه غير خفي على من نظر في هذا الأمر أن من يخالط المصاب بهذا المرض يهلك، ويسلم من لا يخالطه. كذلك فإن المرض يقع في الدار أو المحلة من ثوب أو آنية، فالقرط يتلف من علقه بأذنه ويبيد البيت بأسره. ومن البيت ينتقل المرض إلى المباشرين ثم إلى جيرانهم وأقاربهم وزائريهم حتى يتسع الخرق. وأما مدن السواحل فلا تسلم أيضاً إن جاءها المرض عبر البحر عن طريق وافد من مدينة شاع عنها خبر الوباء ...» (زيغريد، 1992)

يتضح من خلال الفقرة التي ذكرها ابن الخطيب أن العدوى تنتقل من شخص إلى آخر عند مخالطة الشخص السليم للشخص المريض، كما أن العدوى تنتقل عن طريق المتعلقات الشخصية للمريض مثل الحلق أو القرط في الأذن، أو ثوب المريض وملابسه، أو الأواني التي يأكل ويشرب فيها. ليس هذا فحسب، بل إن ابن الخطيب يضع أسس علم الأوبئة الحديث عندما يقول إن العدوى تنتقل من المنزل الذي تقع فيه العدوى إلى المنازل المجاورة وإلى الأقارب والزوار حتى يعم الوباء أو المنطقة بأسرها. كما يذكر ابن الخطيب كيف تنتقل العدوى بين المدن الساحلية عن طريق السفن.

وبذلك فالشخص المريض يعدي، كما أن متعلقاته وملابسه تعد مصدراً للعدوى، كذلك فإن العدوى تنتقل من منزل إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، ومن بلد موبوء إلى بلد آخر. ووفق هذه المعطيات يعني أن مقاومة الأمراض المعدية تستلزم عدة إجراءات للحد من انتشارها وهي:

-عزل المريض وعدم زيارته.

-عزل المنطقة المصابة.

-رقابة السفن القادمة من البلاد المصابة.

وهي نفسها إجراءات الحجر الصحي التي طبقتها المدن الإيطالية عام 1450م.(شلدون، 2010)

وصف ابن الخطمية لمسببات العدوى

ويضيف الطبيب العربي الأندلسي «ابن الخطمية» أن إفرازات المريض ومنها البصاق يمكن أن يعدي الشخص السليم قائلاً: «إن نتائج تجاربي الطويلة تشير إلى أن من خالط أحد المصابين بمرض سار، أو لبس من ثيابه ابتلي مباشرة بالداء، ووقع فريسة عوارضه نفسها، وإذا بصق العليل الأول دماً بصق الثاني أيضاً... وإذا كان للأول دمل صار للثاني أيضاً. (زيغريد، 1992)

من خلال ما ذكره «ابن الخطيب» و«ابن الخطمية» من انتقال العدوى إلى الشخص السليم بطرق متعددة، وهذا يعني أن نظرية العدوى كانت متداولة ومعروفة بين الأطباء العرب والمسلمين مند القرن العاشر الميلادي، أي كانوا على دراية تامة بالأمراض المعدية والوبائيات، وطرق مقاومتها مثل الحجر الصحي وعزل المرضى في المستشفيات، حدث هذا قبل سقوط القسطنطينية بأربعة قرون ونصف، وهي فترة العصر الذهبي للنهضة العلمية للعالم الإسلامي.

يذكر ابن الخطيب في رسالته المنطقية عن العدوى: «لقد ثبت وجود العدوى بالتجربة والاستقراء والحس والمشاهدة، وهي قواعد البرهان عنده. فالاعتماد على التجربة كان المنهج الذي اتبعه ابن الخطمية في البرهنة على وجود العدوى في قوله: «إن نتائج تجاربي الطويلة تشير إلى من خالط أحد المصابين ...» كما اعتمد الرازي المنهج التجريبي في مستشفاه حيث قسم المرضى إلى مجموعتين لتجنب انتشار المرض.

أصول المنهج التجريبي العربي ومقوماته الفكرية

تقوم قواعد البرهان كما بلورها ابن الخطيب في رسائله حول نظرية العدوى على التجربة والاستقراء والحس والمشاهدة، وبذلك فإن نموذج المنهج التجريبي في العلوم العربية يناقض نموذج الفكر اليوناني الذي يقوم على العقل الخالص والأفكار المجردة والمثل العقلية كما وضحها أفلاطون في نظرية «المثل». كما أن تلك القواعد تتعارض من جهة أخرى مع ترتيب الموجودات في هذا العالم حسب قربها أو بعدها من العقل، فهناك السامي من هذه الموجودات الذي يستحق النظر والاعتبار، كما ان هناك المتدني والحقير والدنس والذي لا يستحق النظر والملاحظة، عكس نموذج المنهج التجريبي العربي الإسلامي الذي ينظر لجميع الموجودات بعين المساواة أي تستحق كلها النظر والمشاهدة والاعتبار دون تمييز.

جاءت المقومات الفكرية لقواعد المنهج التجريبي العربي من الأصول القرآنية والدين الإسلامي في نظرتها للطبيعة والأسلوب المعرفي لإدراك الإنسان لهذه الطبيعة. حيث ألغى القرآن الكريم الانفصال بين الله والإنسان من جهة، وبين الإنسان والمخلوقات الأخرى، فالكل خلق الله، فكل مخلوق أو موجود يعد دليلا أو علامة على وجود الله، لذلك فكل مخلوق يستحق الملاحظة والاعتبار لعلاقة الكل بالخالق على درجة متساوية، فليس هناك ما هو أعلى في المرتبة وما هو أدنى وأقل في المرتبة والمكانة. يؤكد القرآن الكريم حضور الله الخالق في كل مخلوقاته، فالعقيدة الإسلامية تأمرنا بالنظر والتفكر في كل المخلوقات سواء كائنات حية كبيرة أو صغيرة برية أو بحرية حيوانية او نباتية، وحتى الجماد من أرض وسماء وجبال وأنهار كلها خلائق شاهدة على عظمة الخالق الواجب ملاحظتها والتفكر فيها. فالتفكر في الموجودات المرئية والمحسوسة يوصلنا للتي لا نراها ولا نحس بها (الكائنات المجهرية). (Ibrahim, 2003)

يؤكد القرآن الكريم في الكثير من الآيات على:

-وجود النظام والجمال والتناغم في الطبيعة.

-دعوة الإنسان إلى النظر والتأمل كمسؤولية أخلاقية اتجاه الخالق من أجل إدراك وجوده في كل شيء.

-النظر والتأمل يتمان بواسطة الحواس كالسمع والبصر والعقل، وذلك لإدراك المحسوسات والظواهر التي تحيط به. (شلدون، 2010)

كما أن الإنسان مكلف بالاستدلال على عظمة الخالق وإدراك نظامه الكوني عن طريق النظر والمشاهدة والاعتبار، وهو نموذج معرفي جديد يعارض نموذج أفلاطون القائم على الأفكار المجردة وتأمل عالم المثل، وهذه كلها مبادئ وقواعد ومقومات فكرية أسست لاعتماد المنهج التجريبي لدى العلماء العرب المسلمين.

كما ساهمت السنة النبوية الممثلة في الأحاديث النبوية الصحيحة التي تناولت كيفية مقاومة الأمراض المعدية في توجيه الفكر الوقائي لدى الأطباء المسلمين للحد من انتشار الأمراض المعدية، كالحديث الوارد ذكره في صحيح البخاري الآتي:

حدثنا «حفص بن عمر» حدثنا «شعبة» قال: أخبرني «حبيب بن أبي ثابت» قال: سمعت «إبراهيم بن سعد» قال: سمعت «أسامة بن زيد» يحدث «سعدا» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، فقلت أنت سمعته يحدث «سعدا» ولا ينكره قال: نعم». الحديث رقم 5396.

وقَوْل أهل اللغة والأطباء: (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ) أَيْ مِمَّا يَصِحُّ عَلَى شَرْطِهِ. وَالطَّاعُونُ على وَزْنِ «فَاعُولٍ» مِنَ الطَّعْنِ، عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَوَضَعُوهُ دَالًا عَلَى الْمَوْتِ الْعَامِّ كَالْوَبَاءِ، وَيُقَالُ طُعِنَ فَهُوَ مَطْعُونٌ وَطَعِينٌ إِذَا أَصَابَهُ الطَّاعُونُ، وَإِذَا أَصَابَهُ الطَّعْنُ بِالرُّمْحِ فَهُوَ مَطْعُونٌ، هَذَا كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ، وَقَالَ الْخَلِيل: الطَّاعُونُ الْوَبَاءُ. وَقَالَ صَاحِبُ «النِّهَايَةِ»: الطَّاعُونُ الْمَرَضُ الْعَامُّ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ، وَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةُ وَالْأَبْدَانُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: «الطَّاعُونُ الْوَجْهُ الْغَالِبُ الَّذِي يُطْفِئُ الرُّوحَ كَالذَّبْحَةِ»، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مُصَابِهِ وَسُرْعَةِ قَتْلِهِ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِي: «هُوَ مَرَضٌ يَعُمُّ الْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ فِي جِهَةِ مِنَ الْجِهَاتِ، بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاضِ النَّاسِ، وَيَكُونُ مَرَضُهُمْ وَاحِدًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ فَتَكُونُ الْأَمْرَاضُ مُخْتَلِفَةً». وَقَالَ الدَّاوُدِيّ: «الطَّاعُونُ حَبَّةٌ تَخْرُجُ مِنَ الْأَرْقَاعِ وَفِي كُلِّ طَيٍّ مِنَ الْجَسَدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الوباء». وَقَالَ عِيَاضٌ: «أَصْلُ الطَّاعُونِ الْقُرُوحُ الْخَارِجَةُ فِي الْجَسَدِ، وَالْوَبَاءُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ، فَسُمِّيَتْ طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الْهَلَاكِ، وَإِلَّا فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا». قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ وَبَاءَ الشَّامِ الَّذِي وَقَعَ فِي عَمَوَاسَ إِنَّمَا كَانَ طَاعُونًا، وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّاعُونَ وَخْزُ الْجِنِّ.  وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ:ِ «الطَّاعُونُ غُدَّةٌ تَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ وَالْآبَاطِ، وَقَدْ تَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَحَيْثُ شَاءَ اللَّهُ». وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «الرَّوْضَةِ»: قِيلَ: الطَّاعُونُ انْصِبَابُ الدَّمِ إِلَى عُضْوٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: «هُوَ هَيَجَانُ الدَّمِ وَانْتِفَاخُهُ». قَالَ الْمُتَوَلِّي: «وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْجُذَامِ، مَنْ أَصَابَهُ تَآكلَتْ أَعْضَاؤُهُ وَتَسَاقَطَ لَحْمُهُ». وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: «هُوَ انْتِفَاخُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مِنَ الدَّمِ مَعَ الْحُمَّى أَوِ انْصِبَابُ الدَّمِ إِلَى بَعْضِ الْأَطْرَافِ، يَنْتَفِخُ وَيَحْمَرُّ، وَقَدْ يَذْهَبُ ذَلِكَ الْعُضْوُ». وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي تَهْذِيبِهِ : «هُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا، يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ، وَيَسْوَدُّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً شَدِيدةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدُرَّةٍ، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ وَقَيْءٌ، وَيَخْرُجُ غَالِبًا فِي الْمَرَاقِّ وَالْآبَاطِ، وَقَدْ يَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ». وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَطِبَّاءِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا: «الطَّاعُونُ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا يَحْدُثُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّخْوَةِ وَالْمَغَابِنِ مِنَ الْبَدَنِ، وَأَغْلَبُ مَا تَكُونُ تَحْتَ الْإِبْطِ أَوْ خَلْفَ الْأُذُنِ أَوْ عِنْدَ الْأَرْنَبَةِ». قَالَ: «وَسَبَبُهُ دَمٌ رَدِيءٌ مَائِلٌ إِلَى الْعُفُونَةِ وَالْفَسَادِ يَسْتَحِيلُ إِلَى جَوْهَرٍ سُمِّيٍّ يُفْسِدُ الْعُضْوَ وَيُغَيِّرُ مَا يَلِيهِ وَيُؤَدِّي إِلَى الْقَلْبِ كَيْفِيَّةً رَدِيئَةً  فَيُحْدِثُ الْقَيْءَ وَالْغَثَيَانَ وَالْغَشْيَ وَالْخَفَقَانَ، وَهُوَ لِرَدَاءَتِهِ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْضَاءِ إِلَّا مَا كَانَ أَضْعَفَ بِالطَّبْعِ، وَأَرْدَؤُهُ مَا يَقَعُ فِي الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَالْأَسْوَدُ مِنْهُ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُ، وَأَسْلَمُهُ الْأَحْمَرُ ثُمَّ الْأَصْفَرُ. وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ الْوَبَاءِ فِي الْبِلَادِ الْوَبِئَةِ».(ابن حجر، 1372)

الإجراءات الصحية المتبعة في مدن الشمال

     الإيطالي والعوامل المؤسسة لها

وفي نمط استجابة المجتمعات الأوروبية القديمة للأوبئة، فقد طورت مجموعة من النظم والإجراءات للتعامل مع هذه الكائنات الحية بنوعيها. فبعد كارثة الطاعون الأولى في أوربا سنة 1347م، وبعد مرور حوالي مائة عام طبقت إجراءات وقائية للحد من انتشاره، وبالضبط سنة 1450 م اعتمدت مدن الشمال الإيطالي إجراءات صحية للتصدي لوباء الطاعون عام 1450م، وطبقت الحجر الصحي بإجراءاته الخمسة، وهي:

-تحديد انتقال البشر باستخدام الحجر الصحي؛

-دفن إجباري للموتى بالطاعون في حفر خاصة وتغطيتها بالجير الحي، والتخلص من متعلقاتهم الشخصية؛

-عزل المرضى بالطاعون في مستشفيات الأمراض المعدية؛

-فرض ضرائب من قبل الوحدات المحلية لتقديم خدمات صحية؛

-تقديم المعونة للذين تضررت حياتهم نتيجة الوباء. (شلدون، 2010)

ومن التفسيرات التي قدمت وأسست لظهور واتباع إجراءات الحجر الصحي بمدن الشمال الإيطالي قبل غيرها، يذكر «ستانز»  Stenz عاملان مهمان، وهما:

-الوضع التاريخي لنظام المدنية (نظام الدولة في شمال إيطاليا).

-الجانب الفكري والثقافي لنظام المدينة القائم على الصبغة التجارية، والذي هو سائد في الشمال الإيطالي شأنه شأن المدن الأخرى التي ظهرت في العصور الوسطى الإقطاعية، والذي يعتمد أساساً على قوة الإدارة المحلية بجانب السلطة السياسية لأمراء الأسر الحاكمة.(Stenz, 1970)

هذه المدن كان لها استقلالها الذاتي (لها سلطة قضائية، لها جيشها، لها عملتها، ولها علمها الخاص)، وفي هذه الحالة فظهور أوبئة مثل الطاعون يهدد التوازن الديموغرافي لهذه المدن، التي أوكل لها مراقبة هذه الأوبئة من خلال وضع قوانين وسن تشريعات للحد من انتشارها.

ولكن هذا التفسير يبقى غير مقنع علميا، فهل تخترع إن صح القول المجتمعات نظام حجر صحي بإجراءاته الخمس لمقاومة الطاعون، وأطباؤها مازالوا يجهلون الكائنات الحية المسببة للطاعون؟ ودون معرفة العلاقة بين مرض الإنسان والبراغيث والفئران في نقل العدوى؟ فلكل إجراء متخذ مقدمات منطقية.

ولكن من بين التبريرات التي قدمها Stenz. S :M تحت مسمى «اختراع مقاومة المرض»، سقوط القسطنطينية سنة 1453م أمام الجيوش العثمانية فترة السلطان محمد الفاتح، وهجرة العديد من العلماء والمفكرين إلى المدن الإيطالية، وهو ما أدى إلى ظهور حركة إحيائية معتبرة الصحة العامة شأناً عاماً من قبل النخب الحاكمة، وهو ما برر التدخل في حياة الناس العاديين وهم الأغلبية، وبالتالي نشأة «فكرة النظام» بسن إجراءات قهرية من السلطة الحاكمة على الأكثرية من الطبقات الدنيا، والتي من بينها الالتزام بإجراءات الحجر الصحي في البيئة التي ينتشر فيها الطاعون.

ولكن الطريقة الفجائية التي تناولها Stenz. S :M بربطه بين سقوط القسطنطينية والحركة الإحيائية، وبالتالي ابتكار إجراءات الحجر الصحي لا سند لها أمام الحقائق التاريخية، ومنها :

-أن خضوع الطبقات الدنيا للطبقة الحاكمة كان سائدا في كل أوربا الإقطاعية قبل سقوط القسطنطينية.

-بعض المدن الإيطالية مثل «ميلانو Milan « و»فلورنسا Florence» طبقت إجراءات الحجر الصحي سنة 1450 أي قبل سقوط القسطنطينية بثلاث سنوات، كما أن عزل المدن المصابة بالطاعون تم سنة 1374 م أي قبل سقوط القسطنطينية بستة وسبعين عاماً.

-في المجتمعات الأوروبية قبل عصر النهضة لم تكن بيزنطة أثناء سقوط القسطنطينية في أحسن اوضاعها السياسية والاقتصادية، ولم تكن مدينة القسطنطينية مركزاً من مراكز العلم أو الطب تضاهي به قرطبة أو طليطلة أو القاهرة أو بغداد ودمشق.

واستنادا إلى الحقائق التاريخية، فقد شكّل فتح الأندلس سنة 92هـ/711م نشأة نهضة علمية، وأفكارا فلسفية كبرى كان مركزها في قرطبة، غرناطة، اشبيلية، طليطلة ومرسية..، وقد استمرت هذه النهضة حتى بعد سقوط غرناطة عام 1492م. كما استمر نشاط تلك المراكز العلمية والثقافية لمدة ثمانية قرون بلا قيود على كل من يرغب من الأوروبيين سواء عن طريق الترجمة من اللغة العربية أو النقل أو حتى الزيارة، والتلمذة على يد العلماء والفلاسفة والمفكرين الأندلسيين. سمحت طول فترة النهضة العلمية بالأندلس للأوروبيين بفهم هذه العلوم والأفكار ويستوعبونها، ثم يضيفوا عليها بعد ذلك على مدى ثمانية قرون. (شلدون، 2010)

كما يعتبر طريق صقلية منفذ آخر لانتشار العلوم والثقافة العربية، فقبل غزو النورمان (قبائل جاءت من النرويج والسويد) لإنجلترا في موقعة «هاستنجر» سنة 1066م كانوا قد غزوا جزيرة صقلية سنة 1060م التي كانت في أيدي العرب، وأسسوا فيها مملكة ضمت جنوب إيطاليا. وقد ظهرت في مملكة النورمان بصقلية وجنوب إيطاليا مراكز علمية وثقافية كبرى مثل «باليرمو» بصقلية و«سالرنو» على خليج نابولي. وبفضل تشجيع ملوك النورمان ضمت هذه المراكز العلمية والثقافية علماء من المسلمين واللاتين والبيزنطيين الذين عملوا معاً في جميع فروع العلم، خاصة في مجال الطب.

أما الطريق الثالث الذي أتاح للأوروبيين التعرف على العلم والثقافة الإسلامية هو الحروب الصليبية التي شنها الأوروبيون على الدولة الإسلامية في سبع حملات امتدت بين عامي 1096-1291م، ونتيجة لهذا أسس الصليبيون ممالك استقروا فيها لمدة طويلة من الزمن مثل مملكة «بيت المقدس» وأنطاكيا وطرابلس، مما سمح بانتقال المعارف والعلوم والفنون الإسلامية من مراكزها القريبة مثل القاهرة ودمشق وبغداد، كما أن المدن التي استولى عليها الصليبيون كانت هي نفسها مراكز علمية وثقافية سواء في العصر الإسلامي أو العصور السابقة. (شلدون، 2010)

فبالتالي هذه الحقائق التاريخية تثبت أن النظرية العامة للعدوى وإجراءات الحجر الصحي وكيفية التعامل مع الأمراض المعدية هي من إنجازات الطب العربي الإسلامي، التي عرفتها أوربا عن طريق اتصالها بالمراكز العلمية والثقافية العربية عن طريق الطرق الثلاثة السالفة الذكر.

أسباب غياب المنهج التجريبي عند الأطباء

     الأوروبيين القدامى

تمثل الأفلاطونية نموذجا معرفياً يقوم بالأساس على الحط من قيمة الملاحظة والتجربة والخبرة الحسية، لصالح الإعلاء من قيمة العقل والأفكار المجردة، وتقوم الأفلاطونية في مفهومها للوجود أساساً على الترتيب الهرمي أي تدرج مراتب الموجودات هبوطاً إلى العالم المادي، حيث الإنسان أسمى المخلوقات، أما الحيوانات بأنواعها فهي مخلوقات دنسة وفي مرتبة دنيا بالنسبة للإنسان.

يرى أفلوطين أن سلسلة الموجودات ترتب في أعلاها العقل ثم النفس ثم المادة في أدنى الترتيب، والتي تتصف بالاضطراب وهي مصدر الشرور وهي الأصل الذي تتكون منه الأشياء في عالم المادة، أي العالم المحسوس وعالم الظواهر، يوجد في أعلى الترتيب الإنسان تالياً لترتيب الملائكة، ثم سائر المخلوقات كالحيوانات التي تندرج وصولا إلى الزواحف والقوارض والحشرات والهوام، ثم عالم الجماد كالبحار والنهار، وهنا نلاحظ أدنى المخلوقات في العالم المادي مثل الفئران والزواحف التي تتصف بصفة النجاسة والقذارة. (فؤاد، 1970)

ويرى أفلاطون (347-430 ق.م) أن تنظيم المدينة (الدولة) يجب أن يكون على غرار تنظيم الأجزاء الثلاثة التي يتكون منها الإنسان الممثلة في الرأس الذي يحتوي على العقل والقدرة على التفكير، ثم الجزء الوسط وهو الصدر الذي يمثل القوة الغضبية، ثم الجزء الأسفل الذي يمثل القوى الغريزية، وعلى هذا المثال يجيء تنظيم المجتمع الذي يتكوّن من طبقة الحكام الذين يمثلون الحكومة (الطبقة العليا بمثابة العقل عند الإنسان)، وطبقة الجنود الذين يدافعون عن الدولة، ثم الطبقة العاملة من التجار والصناع والزراع الذين يقومون بدور المنتج للدولة.

فالعقل والفكر هما الفضيلتان لدى الإنسان وفي الدولة، أما العمل والإنتاج من خلال الجهد العضلي فهو من الأشياء الدنيا. وطبقاً لهذا يذكر أفلاطون «أن هناك ثلاثة فنون فيما يتعلق بأي شيء: فن استخدامه، فن صنعه وفن محاكاته»(أفلاطون، د.ت). أي هناك من يستخدم الكرسي، وهناك من يقوم برسم الكرسي أي محاكاته وهو الفنان، وهناك من يقوم بصنع الكرسي وهو النجار، ويذكر أفلاطون «لا بد إذن أن يكون من يستخدم الأشياء هو أكثر الناس خبرة. (فؤاد، 2012)

وحسب «شلدون واتس» يرى أفلاطون أن صاحب المعرفة العلمية الحقة عن الشيء، ليس الذي يصنعه، بل الذي يستعمله، وهو وحده صاحب العلم الصحيح، والذي يجب أن يعطي علمه للصانع الذي يحصل بذلك على الفكرة السليمة. فهذا الرأي يعكس الوضع السائد في الدولة اليونانية آنذاك، حيث أن المجتمع قائم على ملكية العبيد، فلم يكن يسمح للعبد وهو الصانع للأشياء أن يكون أعلى علماً من السيد الذي يستعمل هذه الأشياء فإنه يعبر عن موقف معرفي قوامه الإعلاء من قيمة العقل والأفكار المجردة على حساب الخبرة العملية القائمة على المحسوسات، وهو موقف فكري ساد الحضارة اليونانية بأسرها. (شلدون، 2010)

ثقوم أفكار أفلاطون وأفلوطين (الأفلاطونية المحدثة) على الترتيب الهرمي، ففي الأفلاطونية هناك ترتيب حسب درجة المعرفة قوامه العقل في الدرجة الأولى وفي أدناه الخبرة الحسية والتجربة، وفي الأفلوطينية هناك ترتيب قوامه مراتب الوجود حيث الإنسان أسمى المخلوقات وفي أدناه الحيوانات وعالم الجماد، هاتان الفكرتان اللتان اختلطتا بعقائد الكنيسة الكاثوليكية كانتا من أهم العقبات أمام إدراك المنهج الجديد في مجال الأوبئة ومقاومتها.

عرف المنهج التجريبي جدل شديد وصراع عنيف بين العلماء والمفكرين الأوروبيين والكنيسة الكاثوليكية، ووقفت محاكم التفتيش بالمرصاد لكل من جاهر بأي عقيدة مخالفة لقواعد الكنيسة، واتهمته بالزندقة، فلم يكن المنهج التجريبي هو الذي أثار الكنيسة ضد هؤلاء العلماء والفلاسفة بل المبادئ والعقائد التي بني عليها، ككون الإله هو الكائن في المخلوقات والمكوّن لعناصرها، وهو القادر على الحركة والتغيير من خلال قوة ذاتية ثابتة ومؤثرة، يمكن إخضاعها لقوانين حسابية ورياضية معروفة. (زيغريد، 2007)

كذلك، اعتبار الإله محرك كل الأكوان أصبح موضوعاً للمعرفة لكل البشر من خلال معرفة قوانين هذا الكون، وهي قوانين شاملة وكلية وليست حكرا لرجال الكنيسة فقط، فبالتالي وفق هذه العقائد الجديدة أحست الكنيسة بخطر يهدد عقائدها فأصدرت أحكاما بالإعدام على عدة علماء كإعدام العالم «أمالريس» سنة 1210م حرقاً مع ثلاثة عشر من المفكرين المؤيدين لهذه العقائد. (زيغريد، 2007)

كان الأسلوب التجريبي العربي الإسلامي منتشراً ومؤتياً ثماره في جميع أرجاء أوربا في وقت «روجر بيكون» (1214-1294م). (جون، 2006) ولقد أثرت العلوم العربية الإسلامية التجريبية في نمو أوربا وازدهارها، وكان بمثابة الوقود الفائق الأثر بعد عام 1100م،أي منذ منتصف القرن الثاني عشر على شكل موجات متتالية من الرياح القادمة مع طلاب العلم العائدين من دراستهم بالجامعات الإسلامية، أو من خلال الترجمات الوافدة من مدن «طليطلة» و«سالرنو» و«بالرمو» بصقلية، وعبر جيوش الحروب الصليبية العائدين من الأراضي المقدسة، الذين أحضروا معهم كل المدهشات التي أنجزتها تلك الحضارة الغالية والفائقة والمرتكزة على عناصر التحضر، وعلى مهارات بارعة وخلاقة ومعارف عميقة. (زيغريد، 2007)

تذكر المراجع المنصفة أن الطب العربي هو الذي وضع قواعد مقاومة الأوبئة وابتكر الحجر الصحي، وهي المفاهيم التي انتقلت إلى مدن الشمال الإيطالي، ففي عام 1382م وبعد انتشار وباء الطاعون للمرة الثانية في هذا القرن نشر «شاليه دي فيناريو» وهو أستاذ بجامعة مونبيليه الذي كان المتتبع لكل معارف الأندلس كتاباً عن الطاعون، قال فيه بانتشار الوباء عن طريق العدوى فقط، ونفى التأثير الذي زعموه للنجوم وغيرها. (زيغريد، 1992)

انتقل مفهوم العدوى إلى الأطباء في الجامعات الأوروبية التي وثقت في منهج الطب العربي، وذكر «شاليه دي فيناريو» جانبا من الفكر الجديد لهؤلاء التجريبيين واستخدامهم للملاحظة في تفسير الوباء، وبوجود علاقة محتملة بين ازدحام الناس في الاحتفالات الدينية وانتشار الطاعون، فبالتالي شكلوا قوة الضغط الجديدة في الاستشارات الطبية للمجالس الصحية في مدن الشمال الإيطالي، والتي استعانت بهم هذه المجالس لوضع الإجراءات لمقاومة الطاعون، وهم الذين أصبحوا يحظون بالتأييد من قبل الكاردينال «جاستدالي» الذي صب غضبه على الأطباء الجامعيين من أتباع طب جالينوس القديم، الذي يرى أن المرض يحدث إما نتيجة للهواء الفاسد أو الأبخرة العفنة أو نتيجة لحركة النجوم في السماء، وأتباع طب أبو قراط[3] الذين يعتمدون نظريته التي تسمى بنظرية الأخلاط[4]. كما كان المعتقد الشائع عند الإغريق أن المرض يحدث نتيجة دخول أرواح شريرة في الجسم، وعليه يجب أن تخرج هذه الأرواح إما بعملية إحداث ثقب في الجمجمة أو بعملية الحجامة أو الفصد. إلا أن هذه الأخيرة تطورت وفق نظرية الأخلاط والأمزجة[5].

لم تكتف المجالس الصحية باستشارة التجريبيين الجدد، بل استعانت مباشرة واستقدمت الخبراء والأطباء المسلمين لوضع إجراءات مقاومة الطاعون موضع التنفيذ، «عندئذ اتخذت السلطات تدابير وقائية ضد العدوى في طاعون عام 1382م خاصة في المدن الإيطالية وعلى رأسها البندقية التي جمعت خبرة عظيمة من جراء احتكاكها بالعرب، واستعان المسئولون فيها بأطباء عرب قاموا بالإشراف على أعمال الاعتناء بالصحة والنظافة» (زيغريد، 1992).

أسباب عدم اعتماد إجراءات الحجر الصحي في

     العالم الإسلامي خارج الأندلس

عرف الأطباء المسلمون النظرية العامة للعدوى عن طريق المنهج التجريبي كما بين ذلك «ابن الخطيب» و«ابن الخطمية» مع العلم أنهم لم يعرفوا طبيعة تلك الكائنات الحية التي تسبب هذه العدوى لأنها غير محسوسة وغير مرئية لصغرها الشديد، وتعاملوا مع تهديداتها بإجراءات المقاومة، كونها أشياء ممكنة ومتوقعة الحدوث، أي تعاملوا مع حركة العدوى الخفية، والملفت في الأمر أن أوربا تعاملت أيضاً مع مسببات العدوى وحركتها بنفس الأسلوب والطريقة التي تعامل بها الطب الإسلامي. فمثلا مرض الطاعون ظاهر ومعروف من حيث الأعراض، أما سببه أو دورة حياة المرض وأين يختبئ بعد انتهاء الوباء فقد ظل مجهولا عند الأطباء.

والتساؤل المطروح هو عن ظهور إجراءات مقاومة الأوبئة في مدن الأندلس ولم تعرف انتشاراً في مدن العالم الإسلامي الأخرى، ولم تستمر ضمن إجراءات الطب الوقائي العربي بينما أخذت بها مدن الشمال الإيطالي ثم انتشرت في أوربا حيث ظل الأوروبيون يطبقون إجراءات الحجر الصحي منذ عام 1450م إلى فترة اكتشاف جرثومة الطاعون عام 1894م أي لمدة أكثر من أربعة قرون.

يمكن القول بأن المنهج الفرضي الاستنباطي، وكذلك نموذج ابن الهيثم في حركة الأجسام متناهية الصغر (غير محسوسة) لم يُقدر له الانتشار في كل العالم الإسلامي، كما انتشر المنهج التجريبي الذي اكتملت صياغته الفلسفية في نظرية «الجوهر الفرد» التي تقول «فما هو غير محسوس فهو غير موجود» أي معدوم، والتي وجدت القبول من العلماء والفقهاء، بعد ما أصبحت المكوّن الأساسي لعلم الكلام الإسلامي. (شلدون، 2010)

تفترض نظرية العدوى أو إجراءات مقاومة الوباء التي أخذ بها الطب الإسلامي وجود مسببات للعدوى، وبذلك فهي تفترض وجود ما لم يكن محسوساً أو منظوراً بالمشاهد التجريبية وهو الافتراض الذي اصطدم بمبادئ نظرية «الجوهر الفرد» وهو ما أدى إلى عدم قبول إجراءات الحجر الصحي في مقاومة الأوبئة ثم تجاهلها بمرور الزمن. وهناك عامل آخر يمكن ذكره وهو العامل الأخلاقي والديني، حيث يحرم الدين الإسلامي امتهان جثة المتوفى بدفن المتوفين جراء الوباء في حفر، فلا بد من تكريمها وتغسيلها قبل دفنها، وبالتالي في هذه الحقبة الزمنية كان هناك خلاف بين الأطباء والفقهاء في هذه المسألة. (شلدون، 2010) 

خاتمة

من خلال رسالة ابن الخطيب العلمية، ومؤلفات كل من ابن الخطمية والرازي تَبيّن أن الطب الإسلامي كان هو المبتكر الرئيسي للنظرية العامة للعدوى ولعلم الأوبئة بمعناه الحديث وفق قواعد المنهج التجريبي القائم على التجربة العلمية والحس والمشاهدة أي الملاحظة العلمية، فهم الذين وضعوا أصوله ومبادئه، كما وضعوا قواعد مقاومة الأمراض الوبائية واختراع الحجر الصحي وإجراءاته، وهي المفاهيم التي انتقلت إلى مدن الشمال الإيطالي في تطبيقها لإجراءات الحجر الصحي الخمسة وفق الحقائق التاريخية وتسلسلها ثم انتشرت إلى كافة أوربا، حيث أن الفكر الأوروبي تعامل مع الكائنات غير المحسوسة كأنها موجودة باعتماده إجراءات الحجر الصحي رغم جهل الطب الأوروبي والمجالس الصحية بهذه الكائنات الحية الدقيقة ودورة حياة المرض في البراغيث وعلاقة ذلك بالفئران، وتفسير ذلك يمكن القول بأن أوربا استفادت من المنهج التجريبي وانجازاته في العلوم العربية الإسلامية واستفادت من تراثها القديم في المعرفة، فلم تنبذ التراث اليوناني كله بل زاوجت بين القديم وهو إرثها الخاص (الفلسفة اليونانية) والجديد وهو ما نقلته عن الحضارة الإسلامية، ومن هنا جاءت قدرتها على اعتبار الكيانات القائمة على الأفكار المجردة والفروض العلمية والتعامل معها كإمكانية لها صفة الوجود



[1]روبرت كوخ‏ (11 ديسمبر 1843 ـ 27 مايو 1910) طبيب ألماني وعالم أحياء دقيقة. يُعرف باكتشافه للعوامل المسببة للأمراض المعدية القاتلة

 

[2]جالينوس: عاش في الفترة ما بين 130 و200م، ولد في برقاموم (تدعى الآن بيرقاما في تركيا)، بدأ دراسة الطب في الرابعة عشرة من عمره، فهو طبيب وكاتب يوناني درس في اليونان وآسيا الصغرى والإسكندرية. ينسب إليه حوالي 500 مؤلف معظمها في الطب والفلسفة، وبقي منها ثلاثة وثمانون مؤلف. أقام جالينوس الطب على أساس يوافق نظريات التي تقوم على أن كل شيء مخلوق لهدف معلوم.

 

[3] أبقراط: ولد بجزيرة قوص (Cos) سنة 460 ق.م، أقام الطب على أساس علمي وفصله عن الخرافات والغيبيات. ترجمت كتبه إلى عدّة لغات، ونقل العرب أغلبها إلى العربية وأضافوا عليها تفسيرات كثيرة. استحدث قسما في مجال ممارسة مهنة الطب يحمل إسمه (محمد شفيق، 1995، ص7).

 

[4] نظرية الأخلاط: هي إحدى المبادئ العامة للطب عند الإغريق نقلها العرب عنهم قديما. رأى الأطباء القدامى أن أكبر عملية تحدث في الجسم هي تحويل الغداء إلى مواد حيوية مغذية للأعضاء. تبدأ العملية بهضم الطعام في المعدة والأمعاء، فتصعد بالأبخرة إلى الأعلى ويهبط الباقي إلى الأسفل، فما يصلح للامتصاص ينتقل إلى الكبد فتحوله إلى (الدم) ويتحول جزء منه إلى (الصفراء)، وينتقل جزء آخر إلى الطحال فتتكون منه (السوداء). أما الذي يذهب إلى المعدة والرئة فيتحول إلى بلغم (ضياء الدين ابن البيطار، 1993، ص35-36).

 

[5] الأمزجة: لقد عرّف القدماء المزاج بالكيفية التي تكون عليها الأشياء من حيث الحرارة، البرودة والرطوبة كما أنهم قسموا الأمزجة إلى تسعة أقسام: قسم واحد مستو ويعرف بالمزاج المعتدل وأمّا الأقسام الأخرى فهي مستوية تعرف بالمزاجات الخارجة عن الاعتدال والتوازن، ومنها أربعة مفردة (حار، بارد، رطب، يابس) وأربعة مركبة (حار يابس، حار رطب، بارد يابس، بارد رطب). يعود تقسيم الأمزجة إلى تسعة وفق نظرية قديمة التي تقول بأن كل ما في الكون إنما يتكون من عناصر أربعة، فالنار حارة يابسة، والهواء حار رطب، والماء بارد رطب، والأرض باردة يابسة (ضياء الدين ابن البيطار، 1993، ص35-36)

 

المراجع

ابن حجر العسقلاني. (1372م). فتح الباري شرح صحيح البخاري. ط 1/ ج10. القاهرة: المطبعة السلفية.

بسام عبد الرحمن المشاقبة. (2011). نظريات الإعلام. الأردن: دار أسامة للنشر والتوزيع.

جان شارل سورنيا. (2002). تاريخ الطب. الكويت: عالم المعرفة.

جون هوبسون. (2006). الجذور الشرقية للحضارة العربية. القاهرة: دار الشروق.

هوارد تيرنر. (2004). العلوم عند المسلمين. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.

زيغريد هونكه. (1992). شمس العرب تسطع على الغرب. بيروت: دار الجيل.

زيغريد هونكه. (2007). العقيدة والعلم. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.

حسن الساعاتي. (1982). تصميم البحوث الاجتماعية. بيروت: دار النهضة العربية.

لارامي وفالي. (2009). البحث العلمي في الاتصال. ط2. تر: ميلود سفاري وآخرون. الجزائر: مخبر علم الاجتماع الاتصال للبحث والترجمة.

منال هلال مزاهرة. (2012). نظريات الاتصال. الأردن: دار المسيرة.

محمد شفيق غربال. (1995). الموسوعة العربية الميسّرة. ج1. مصر: دار الجيل.

موريس أنجرس. (2006). منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية. تر: بوزيد صحراوي وآخرون. الجزائر: دار القصبة للنشر.

موريس أنجرس. (2004). منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية-تدريبات عملية. تر: سعيد سبعون وآخرون. الجزائر: دار القصبة للنشر.

مروان عبد المجيد إبراهيم. (2000). أسس البحث العلمي لإعداد الرسائل العلمية. ط1. الأردن: مؤسسة الورق.

عبيدات محمد وآخرون. (1999). منهجية البحث العلمي. ط2. عمان: دار وائل للنشر والتوزيع.

فؤاد زكريا. (2012). جمهورية أفلاطون. القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر.

فؤاد زكريا. (1970). التساعية الرابعة لأفلوطين. القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر.

رجاء وحيد دويدري. (2000). البحث العلمي-أساسياته النظرية وممارسته العلمية. ط1. بيروت: دار الفكر المعاصر.

 

شلدون واتس. (2010). الأوبئة والتاريخ المرض والقوة والإمبريالية. تر: أحمد محمود عبد الجواد. القاهرة: المركز القومي للترجمة.

ضياء الدين أبي محمد عبد الله ابن البيطار. (1993). تحفة ابن البيطار في العلاج بالأعشاب والنباتات. ط2. تحقيق أبي مصعب البدري. الجزائر: دار الهدى.

Beveridge. I. B. (1947). The art of scientific investigation. New York: Herper and Bros.

Champault. G & Sordelet. S. (1998). Linfirmière et les infections nasocomiales. Paris: Masson éditeur cedex.

Entreprise nationale du livre. (1989). Petit Larousse de la médecine. Paris: Librairie Larousse 75298 cedex.

Ibrahim uzdeemir. (2003). Toward an unerstanding of environmental ethie from prespective in islam and ecology. Boston: Havard university.

Stenz. S.M . (1970). The constitution of the islamic city (in the islamic city : Hourani A.H & Stern S.M. Bruno casirer). UK: Oxford.

@pour_citer_ce_document

خالد خواني, «La théorie de l’infection selon la méthode expérimentale utilisée par des anciens médecins musulmans »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2023-06-26,
Date Pulication Electronique : 2023-06-26,
mis a jour le : 26/06/2023,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9408.