المرأة والحرب بالمغرب الأوسط الزياني: دراسة في ألوان الضرر المعنوي «الخصاص الجنسي أنموذجا» woman and war in the middle MaghrebianZayani country: a study about moral damages “Sexualneeds as a corpus”
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 20-2023

المرأة والحرب بالمغرب الأوسط الزياني: دراسة في ألوان الضرر المعنوي «الخصاص الجنسي أنموذجا»

woman and war in the middle MaghrebianZayani country: a study about moral damages “Sexualneeds as a corpus”
ص ص 249-263
تاريخ الاستلام 2021-07-01 تاريخ القبول 10-04-2023

البشير بوقاعدة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تتطلّع هذه الورقة البحثية إلى الكشف عن خفايا الألم المعنوي -وبشكل مركّز ضرر الخصاص الجنسي أو الحاجة الجنسية-  الذي يطال المرأة-الزوجة بالمغرب الأوسط في العهد الزياني خلال فترات الإزم الناجمة عن تناسل مظاهر الصراع العسكري وتتالي فترات الحرب وتتابع معاركها إن استغرقت مسافات زمنية واسعة، واتسعت حدود دائرة مخلفاتها السيئة على النسيج المجتمعي أو عاشت مجرياتها مدة زمنية طويلة. ذلك أنّ تنامي مظاهر الاضطراب العسكري، وانشغال الجند الأزواج عن محيطهم الأسري فترات طويلة، وابتعادهم عن وسطهم العائلي شهورا عديدة أو سنينا متكررة بسبب أداء وظيفتهم الحربية أو انشغالا بها، وانقطاع أخبارهم عن أهليهم وذويهم مدة معتبرة، سيُسهم في مضاعفة حجم الضرر الذي ترمي به الحرب على أكتاف المرأة، وبالأخصّ ما تعلّق بسد رمقها الجنسي ومطلبها الغريزي-الفطري. وبالإضافة إلى حجم الضرر الذي تفرزه الحرب بشتى أثقالها على مختلف مناحي حياة المرأة الزيانية الاجتماعية كغيرها من عناصر المجتمع، يفرض عليها واقع غياب زوجها ضمّ أعباء المسؤولية الاجتماعية التي هي من اختصاص الزوج إلى صفّ مهامها الاجتماعية كزوجة من قبيل: أمور النفقة وتزويج بناتها فتتّسع حدود دائرة المسؤوليات وتتضاعف الأعباء، حتى أنّ بعض الزوجات اللواتي انقطعت أخبار أزواجهن عنهن وطالت مدة الغياب انشغالا بالحرب وتبعاتها، استنجدن بسلطة القضاء لتطليق أنفسهن تلافيا للضرر الذي طالهن في ظل ذلك الغياب، بل منهن من لاذت بحل الطلاق من زوجها قبل التأكد من موته كإجراء استعجالي-احترازي لتأمين نفسها من الوقوع بين مخالب الفساد الأخلاقي وتلافي النظرة الاجتماعية المشينة لوضعها في غياب بعلها، كما إنّ منهن من لجأت للاشتراط على زوجها ضمن عقد النكاح بأن لا يغيب عنها غيبة طويلة ولا قريبة

Cette recherche étudie la douleur morale notamment le besoin sexuel qui touche la femme zianide au Maghreb central à cause de la mentalité nerveuse qui  due au conflit militaire ainsi que la guerre et l’absence prolongée des soldats mariés à cause de leurs obligations, ce qui entraine la souffrance de la femme zianide notamment sur le plan sexuel, car elle a besoin de satisfaire ses désirs sexuels. En plus, la lourde responsabilité sociale prise sur son propre compte. C’est pourquoi la femme zianide a pris des précautions au cas où l’époux  serait absent longtemps pour qu’elle ne fasse pas de relations sexuelles illégales

This research paper seeks to reveal the hidden pains of the middle Maghrebian woman in the Zayniera. There were wars and conflicts in this era; which results in many damages and problems among which, woman psychological problems; particularly that of sexual needs, and the woman was still receiving such pains as long the war lasted. It was due to the unstability within military foces that lead married soldiers to stay away from their families for so long, and this affected their wives negatively, because they used to fulfill the irsexual needs. In addition to this damage that is left on the Zayani’s woman, there is another burden she would bear; itis in case of the obsence of her hasband, she became responsibile for feeding, financing and marrying her daughter

Quelques mots à propos de :  البشير بوقاعدة

 Dr. Bachir Bougaada  جامعة  محمد لمين دباغين سطيف2، الجزائرb.bougaada@univ-setif2.dz

مقدمة

في الوقت الذي لم تسلم المرأة الزيانية كغيرها من العناصر المجتمعية تحت وطأة الصراع العسكري الذي اتسمت به الساحة السياسية في مغرب العصر الوسيط في ظل تصادم طموحات قادة الدول زمنئذ وتعارض مآربهم، من الويلات التي تفرزها الحرب بكل صنوفها على عناصر المجتمع في شتى مناحي الحياة، رأينا أن نخضع واقع المرأة الزيانية زمن الحرب لاهتمامنا البحثي، لنحدّد طبيعة المعاناة التي عايشتها والضرر الذي تكبّدته.

وسينصبّ جهدنا في جسم هذه الدراسة على معالجة إشكالية حجم الضرر الاجتماعي-النفسي الذي طال المرأة-الزوجة بالمغرب الأوسط الزياني حين انشغل عنها زوجها مدّة زمنية معتبرة لسبب الحرب، لاسيّما ما تعلّق بالأثر السلبي الذي يُخلِّفه هجرانه الاضطراري مدّة طويلة لفراش الزوجية على حياتها الغريزية-الجنسية، أو ما يُصطلح عليه بالخصاص الجنسي والاضطراب على مستوى بعض الحاجات البيولوجية والغريزية.

وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تميط اللثام عن جانب من جوانب المعاناة التي ترزح المرأة تحت سقفها إبان فترة الحرب، فمن المعلوم: أنّ مطلب النفس الغريزي الجنسي -الذي هو فطري في التركيبة الجسمية والنفسية للكائن البشري- يُصرَف شرعا على كاهل الوصال المشروع بين الزوجين، بيد أنّ تعطيل المسار الطبيعي لتلك الوظيفة البيولوجية وتكرار الانقطاع المطول لفترات اللقاء البيولوجي والوصال الجنسي بين الزوجين الناجم عن انشغال الزوج عن حليلته مسافة زمنية معتبرة، من شأنه أن يُعمِّق من جرح معاناة الزوجة زمن الحرب؛ حين ينضمّ حجم الضرر المتلون الذي طال حياتها الاجتماعية إلى صفّ ضرر الاضطراب الذي عصف باستقرارها النفسي بما يُفضي إليه من نمو لهواجس الخوف والقلق على حياة علاقتها الزوجية سيّما إذا تناسلت فترات غربته عن فراشهما الزوجي، وطالت فترة الحرب.

كما تهدف الدراسة إلى بيان مستويات الضرر الذي تُفرزه الحرب خصوصا إذا طال أمدها وتنامت حدّة مخلّفاتها على حياة الساكنة المغرب أوسطية في العهد الزياني سيّما على شريحة النساء، باعتبارها أحد المسببات الفاعلة في تخصيب أرضية المعاناة التي ألـمّت بحياة المرأة، ووسّعت من حدود دائرة الأعباء التي تحمّلتها تحت سقفها وفي طليعتها ضرر الخصاص الجنسي الذي عايشته وتحمّلت ضرره.  

انعكاسات الحروب طويلة الأمد على حياة

     الجند الأزواج

دعنا نثير بداية إشكالية تاريخية، تتعلّق بنظرة الفرد المغربي في العصر الوسيط بشكل عام والمغرب أوسطي بشكل أخصّ إلى ظاهرة الحرب التي اصطبغ بها المشهد السياسي والعسكري المغربي في الفترة المذكورة، وطبيعة إسهامه في تغذية فصولها، ومستويات الإقدام على الدعم المادي والمعنوي أو الإحجام عنه، الذي كشف عنه سلوكه في الغالب في معاركها. إذ لا يخالجنا شك، في أنّ الإسهام المجتمعي المغربي في الحقل الحربي في الفترة الوسيطة، تباينت أوجهه وتعدّدت، واحتكمت لغايتها وامتثلت؛ فالظاهرة الحربية التي ألقت بأعبائها على كاهله، فرضت عليه نمطا من التنظيم أو التقسيم للأدوار الحربية، ودفعته إلى إبداء رؤى متباينة في ناحية الدعم، كما قادته إلى اتخاذ موقف متباين تجاه السلطة، وردود فعل متلونة مع القيادة العسكرية، وذلك بطبيعة الحال في مساعٍ لاستيعاب نتائج الحرب واحتوائها، والحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي، وتحصيل الوقاية المستديمة على المدى القريب أو البعيد.

إنّ الظرفية المضطربةالتي عاشتها المجتمعات المغربية في العصر الوسيط، والتي أسهمت في استفحال ظاهرة الحرب وتنامي كم نشوبها بقيادة سلطوية أو قبلية أو انتزائية-تمردية، ساهمت في سيادة روح الاستعداد المستديم لدى الفرد المغربي لاستقبال نشاطها، وتأقلمه -إلى حدّ ما- مع ظرفيتها، ودفعته إلى حسم وجهة نظره تجاه واقعها من حيث مادة الدعم والمعونة، حتى باتت فئة مجتمعية عريضة تنظر إليها باعتبارها الآلية الأنجع لفرض الأمن وردّ الظلم (تيتاو حميد، 2010). كما أنّ تعدّد أوجه الحرب ونشوبها بصفة دورية، أدّى إلى حضورها حتى في بنية الدولة المغربية؛ فلا يكاد يخلو أيّ جهد لتأسيس كيان سياسي على أرض المغرب من نهج سبيل الحرب لتقويض دعائم الكيان القائم، كما لا تكاد تخلو مساحة حكم سياسي وعهد إدارة دولة مغربية على طول امتداده من ضروب الحرب والصراع على اختلاف أوجهه، وأطرافه، ومسبباته ومخلفاته، كما هو منبثّ بين ثنايا المادة المصدرية. ولا يمكن تجاهل الدور الحيوي الذي لعبته الحرب في قيام تلك الكيانات، وكانت ترسانة الأسلحة أو الجيش بمثابة الجهاز الأساس في نشأتها، وللجيش الدور الحاسم في بنائها وتطورها، والحفاظ على استمراريتها (ابن خلدون عبد الرحمن، 2000).

ثمّ إنّه من الأهمية بمكان، الإشارة إلى ما أورده ابن خلدون بما يخدم طارحتنا هذه، حين أطلعنا على أهمية الجند والسلاح في حفظ الدولة، وتأمين بساطها، وبلوغ قوتها، واستمرار حياتها، وذلك إلى جانب المكانة المرموقة التي يحتلها القلم هو الآخر وأربابه في إعانة صاحب الملك في تدبير أموره، وسياسة شؤون رعيته. كما كشف هذا المؤرخ حقيقة الدور الـمُضطلع به من طرفهما وطبيعته، ومستويات حاجة صاحب الملك إليهما بحسب المرحلة من عمر الدولة؛ ذلك أنّ الحاجة إلى السيف أو السلاح تكون في أول الأمر أكثر من غيره، لأنّه في مسعى التمهيد، وهي المرحلة -على حدّ تعبيره- التي يعدّ القلم خلالها خادما فقط، ومُنفِّذا للحكم السلطاني، في الوقت الذي يعتبر السيف شريكا في المعونة، وهو ذات الأمر في آخر عمر الدولة (ابن خلدون عبد الرحمن، 2000، ابن أبي زرع، 1972).

وعلى اعتبار -في ضوء ما يراه صاحب دراسة «الحرب والمجتمع» ويزكيه- فإنّ لأصحاب السلاح في الغالب واسع الجاه، وأنّ الكلمة كانت لأهل السيف حتى في المرحلة التي يعتبرها ابن خلدون مرحلة القلم وسلطته وفترة جبروته، لم يخفِ الفرد المغربي مدى تجاوبه مع أي طارئ أو نفير حرب، ولم يغفل عن ديمومة الاستعداد المادي والمعنوي من حيث إنتاج الرجال حاملي السلاح والقادرين على حسن استخدامه، وسلوك الادخار الغذائي (ابن عذاري، 1983، ابن فضل الله العمري، 1986)، وحسن التعاون مع السلطة القائمة، لتجاوز الظرفية الحربية تلافيا لسوء تبعاتها المحتملة على النسيج الاجتماعي (تيتاو، 2010).

ثمّ إنّ من الأمور التي تشدّ اهتمام الباحث في تاريخ الحرب بالمغرب الأوسط في الفترة الوسيطة بشكل عام والزيانية على وجه الخصوص، ومخلّفاتها على الفرد المرابط في سبيلها؛ ذلك المحارب الذي يعدّ بمثابة مادة الحطب التي تتغذى بها نار الحرب تلبية لمطامح قادتها، وتنفيذا لمشاريعهم السياسية أو العسكرية أو في خضم جهودهم التأمينية الوقائية: ما تعلّق بالـمُدد الزمنية الشاسعة التي يقضيها الجنود في ميادين الحرب وحصاراتها بعيدا عن أهليهم وذويهم، يحترقون بنار الشوق إلى عائلاتهم، إلى صفّ ما يكابدونه من أتعاب الحرب ومتطلباتها.

فاستنادً إلى الجرد الذي قمنا به لمساحة معتبرة من حوادث الصراع وصنوف الحرب التي مثّلت المشهد العسكري في محطات زمنية متباينة من التاريخ المغرب أوسطي على مدار الحقبة الزيانية، تطالعنا الإحصاءات الرقمية على أنّ الجندي الزياني كان يقضي في العديد من حوادث فصول الحرب ومعاركها فترات زمنية معتبرة، يمتشق السلاح، ويمتطي الخيل أو يرابط في حروب الحصار دفاعا أو هجوما.

فمن الناحية الخارجية:

-الحرب مع المرينيين: حيث كانت نار الحرب على الجهة الغربية لا تكاد تخمد ضدّ المرينيين؛ فقد تمكن بنو مرين من الاستيلاء على مدينة تلمسان نحو عشر مرات خلال العهد الزياني، ومن أبرز تلك الصدامات العسكرية: 646ه /1248م، 647ه/1249م، 651ه /1253م، 695ه/1296م، 696ه/1297م، 697ه /1298م، 698ه /1299م.

-الصراع على الجبهة الشرقية مع الحفصيين: لم يكن الجندي الزياني يقاتل على جبهة واحد بل تعدّدت الجبهات، شرقا وغربا، فضلا عن الجبهة الداخلية، فإلى جانب استنزاف القتال على الجبهة الغربية ضد السلطة المرينية في إطار الصراع التوسعي بين القيادتين، كان للصراع المفتوح على الجهة الشرقية بين الزيانيين وبني حفص مكانته هو الآخر في إشغال الجندي بتغذية فصول ذلك الصراع، والغياب عن أسرته لسببه، والمشاهد الكاشفة له متعدد، وقد أشرنا إلى بعضها في متن هذه الدراسة حسب مناسبته لذلك .

أمّا على المستوى الداخلي: فإنه وإلى جانب الجهد والانشغال بالمظاهر الصراع الخارجي، خاض الجندي الزياني حروبا عديدة تجسيدا لمساعي القيادة السياسية لضبط الأمن، وملامسة الاستقرار الداخلي، وكبح جماح الطموح الانتزائي-التمرّدي على غرار ما شهدته سنوات: 773ه، 776ه، 777ه. كما لم تهدأ الجبهة الشرقية مع بني حفص ولم يسدها الهدوء والتفاهم والوئام في أغلب مراحل حياة حكم الدولتين، حتى قيل: أنّ تاريخ بني زيان في مجمله حرب تتخلله فترات سلم (فيلالي عبد العزيز،2002). وكثافة عدد الحملات العسكرية تلتهم أعمار الجنود المحاربين، وتهلك خلقا عظيما، وتُفني أعدادً كثيرة من عناصر المجتمع، وتُشرّد البعض في أقاليم مترامية بمجالات المغرب وخارجها (ابن خلدون، 2000)، ناهيك عن التهام مساحة زمنية عريضة من أعمارهم خارج ديارهم وبعيدا عن أسرهم وزوجاتهم. وإذا كان من الطبيعي الأخذ في الحسبان ما تعلّق بالمسافات الزمنية التي يقضيها الجندي في عمليات التدريب، وكذا مرحلة الاستعداد للحرب بعدما تدق نفيرها القيادة الزيانية إذا ما بلغ أسماعها نبأ مخططات الخصوم الهجومية على مجالات دولتهم وممتلكاتها (ابن خلدون، 2000، الناصري السلاوي، 1954)، فإنّ ذلك سيوسّع بشكل كبير من مدة انشغال الجندي بأمور الحرب، ويشغله عن أسرته، وعن ممارسة وظائفه الاجتماعية-الأسرية بشكل منتظم، ويعجز في نفس الوقت عن الحفاظ على استقراره النفسي؛ لأنّ ذلك النشاط يطوي بدوره مدة زمنية معتبرة، تُضاف إلى مسافة المدة التي تستنزفها الحرب من أعمارهم وأوقاتهم.

أثقال الحرب على حياة المرأة، الحاجة إلى

     سد الرمق الجنسي

بالإضافة إلى حجم التبعات السيئة التي رمت بأثقالها الحرب على عاتق المرأة في المغرب الأوسط الزياني، من فقدانها لزوجها بشكل نهائي، أو أسره مؤقتا وسجنه، ساهم الغياب الفاحش للجندي-الزوج عن حليلته أو زوجته في توسيع دائرة الصعاب التي تتحمّلها تحت سقف الحرب، وتنامي حجم الضرر الذي يطال حياتها الاجتماعية؛ حيث اصطبغت حياتها بألوان من الألم والجراح التي لا يضمّدها إلاّ حضور زوجها وعودته إلى فراش الزوجية، وانخراطه في الوسط العائلي بشكل منتظم، وبالأخص ما تعلّق بما عانته من خصاص جنسي أو فقر في تغذية حاجاتها في التواصل الجنسي المشروع مع زوجها. حيث يصطدم المتتبع للمادة المصدرية في مضمار دراستنا هذه بإشارات كثيفة تفصح عن اتساع مساحة الـمدة الزمنية التي تقضيها المرأة في غربة عن زوجها-الجندي المنشغل عنها في ميادين الحرب وفصولها. ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يخفى علينا ما تكابده المرأة الزوجة تحت سقف تلك الغربة والتغيبات المتكررة والمتنامية من ضرر الخصاص الجنسي، وما ينتابها من شوق إلى زوجها وإلى فراش الزوجية. فبناءً على الرصيد الذي احتفظت به المدونات الفقهية ونصوص النوازل بشأن القضايا الاجتماعية المطروحة أمام القضاة للنظر فيها والفصل في مسائلها، نُلامس صوّرا كاشفة لحجم الضرر الذي طال المرأة، والخصاص الجنسي الذي عايشته حين غاب عنها زوجها غيبة طويلة في الحرب أو للحج والتجارة ونحوها.

فبخصوص انشغال الجند عن واجبهم الأسري، وغيابهم عن فراش الزوجية، وما يعانيه كل منهما من ضرر الخصاص الجنسي، وحتى لا نتيه عن مقصدنا الرئيس على كاهل هذه الورقة البحثية، نستنجد بسبيل الاقتصار على نماذج من فصول الحرب دون غيرها. ففي خضم الحصار المريني لتلمسان سنة 670 للهجرة، انشغل جنود بني زيان ورجالها بحرب المرينيين زهاء سنة من الزمن؛ حيث استمرت الحرب من الفاتح من صفر من السنة المذكورة إلى غرة محرم من السنة الموالية، قبع خلالها المجتمع الزياني تحت سقف ألوان من الضرر، وتكبّدت المرأة قسطا معتبرا من صنوف المعاناة والألم الاجتماعي والنفسي (ابن خلدون، 2000، ابن أبي زرع، 1972). كما انشغل جنود بني زيان وأهل المغرب الأوسط في حرب المرينيين مدة تسعة أشهر ضمن نشاطهم الدفاعي عن المدينة التلمسانية والمجال المغرب أوسطي بداية من ذي الحجة من عام 679 للهجرة، واستمروا إلى غاية شهر رمضان من السنة الموالية (680ه) (ابن خلدون، 2000). وكان البلاء عظيما والمحنة التي عاشتها الساكنة التلمسانية أشدّ وأنكى خلال الأعوام التي قضتها تحت سلطان الحصار المريني لتلمسان الزيانية؛ وهو الحصار الطويل الذي طوى مسافة زمنية هائلة لامست مدة ثماني سنوات (ابن خلدون، 2000،  ابن الخطيب، 1980). ولنا أن نتصور حجم الانعكاسات السلبية التي خلّفها هذا الحصار على حياة المحارب الزياني؛ وهو منشغل على مدار ما يقارب العقد من الزمن يُرابط مدافعا عن المدينة، ويكابد قساوة الجوع والعطش أمام التضييق الرهيب من طرف المرينيين المحاصرين للمدينة، ولا يذوق الراحة لا الجسمية ولا النفسية، يترقب الاقتحام في كل حين، ويتشوّف مصيرا مجهولا أمام العجز عن إرغام العدو على رفع الحصار.

وعليه، فالجندي المغربي في العصر الوسيط وزوجته كانا يتحمّلان عبئا ثقيلا زمن الحرب إذا ما تناسلت فصولها وتعدّدت أوجهها، ولم تفتر مظاهر الاضطراب والصراع العسكري، ويتكبّد كل منهما ضررا نفسيا ويعاني خصاصا جنسيا خلال فتراتها. ولعلّ اصطحاب القيادة العسكرية الزيانية للنساء في بعض حروبها ليحمل جانبا من الدلالة على مدى وعيها بمسؤولية تضميد الجرح الذي يعانيه الجندي الزياني المتزوّج زمن الحرب، ومدى إيلائها العناية بتلبية مطلبه الغريزي أو سدّ رمقه الجنسي وقضاء وطره حين سمحت له باصطحاب زوجته، بالإضافة -طبعا- لاستثمار خدماتهن في التشجيع وشحن الهمم، وبعث مادة الحماس في قلوب المحاربين (ابن خلدون، 2000). وبالرغم من أنّ المصادر التي طرقت التاريخ الحربي الزياني لم تطلعنا بما يكفي عن حجم ذلك الحضور النسائي في خرجات الجيش لساحات الحرب وميادينها لأي غرض من الأغراض التي ألمحنا إليها النظر؛ بما يجعل مسألة الجزم بأنّ هذا السلوك كان حاجة ملحاحة وشائعا أو سلوك عام في الفترة المخصصة للدراسة أمرا في غاية الصعوبة، ولا يمكن الفصل في شأنه بسهولةّ ذلك أنّه يحتمل أنّ ذلك الخروج كان استثنائيا، ومع ذلك نعتقد بأنّ هذا الشاهد يسمح لنا بالاستئناس به في ظل ذلك الشح الإخباري. مع التنبيه إلى أنّ هذا الاستشهاد قد يعد قاصرا في غياب الشواهد الداعمة.

 وفي هذا الصدد، تضمّنت المادة النوازلية مادة تكشف مدى حاجة الجندي لزوجته أثناء انشغاله لمدّة طويلة في ميادين الحرب، فقد أورد صاحب المعيار نازلة فحواها: أنّ رجلا يودّ التوجه مع الجند لمحاربة العدو ويرغب في اصطحاب زوجته «لاحتياجه إليها في بعض ضرورياته» (الونشريسي أحمد، 1981)؛ حيث عرض سؤاله على أهل الاختصاص ليستبين رأي الشرع في صنيع الاصطحاب زمن الحرب. ولا يغيب عنّا، أنّ من بين مضامين تلك الضروريات حاجة الزوج لزوجته لسد حاجة الرمق الجنسي وتغذية مطلب النفس الغريزي. ونحسب أنّ إقدام الزوج على هذا الاصطحاب لزوجته يوحي بحجم الحاجة الملحّة إلى الزوجة في فترة الغياب، إذ على الرغم من كونه يعي أنّها مغامرة غير مضمونة العواقب؛ ذلك أنّ أمن المرأة تحت سقف الظرف الحربي ومناخ الاضطراب وجو الصراع العسكري غير مضمون، وسلامتها ليست أكيدة، ومع ذلك يجازف الزوج في اصطحابها (الونشريسي، 1981).

ثمّ، ألا يوحي لنا ما تردّد في نصوص النوازل الفقهية التي احتواها التراث الفقهي ببلاد الغرب الإسلامي من مسائل فقهية نازلة تختص بمشاكل النزاع بين الزوجين، من قبيل: الاختلاف بينهما حول سفر الزوج حين لا ترضى الزوجة بخروج زوجها، ويُغضبها تمسّكه برغبة الخروج، وما يفضي إليه من تعقيد للروابط الأسرية وتفكيك لأوصالها، بأنّ الزوجة كانت تعاني من فرط غياب الزوج، وتكرار خروجه؟، وإلّا فإنّنا لا نعتقد أنّها كانت ستلجأ إلى الاشتراط عليه عدم الخروج إلا لضرورة قصوى. ولقد تضمّن مصنف المعيار قضايا نازلة ومسائل تخصّ المشاكل الأسرية كفيلة بتقوية طارحتنا هذه وفقه كنهها (الونشريسي، 1981، راجع في هذا الشأن: الباجي أبي الوليد، 1914، ابن قدامة، 1417ه/1997م، 1986،  القرطبي، 2006، ابن العديم الحلبي، 1984، الخلال، 1990).

كما أنّ ما تعجّ به المدونات الفقهية ومصنفات النوازل من مادة تفصح عن مسائل طلب الطلاق من زوجات غاب أزواجهن عنهن مدة طويلة بسبب الحرب ومفرزاتها، ورفضهن النفقة من أهل أزواجهن على أولادهن عوضا عن أزواجهم، ورغبتهن من جهة أخرى في الزواج كمخرج من الواقع المتأزم الذي يرزحن تحت وطأته، لتحمل من الدلالات بما نحسبه يسد رمقنا لبيان حجم الخصاص الجنسي الذي كانت النسوة تعانين من ضرره، كيف لا، وهي تحمل من هواجس الخوف من الضياع أو الوقوع في الحرام أو الخيانة تحت تأثير الخصاص الجنسي (الونشريسي، 1981). وذلك على اعتبار أنّ الرغبة في الزواج تفي بالغرض بكل مناحيه، سواء ما تعلّق بأمور النفقة أو السهر على شؤون الأسرة وتلبية مطالبها وسد حاجاتها، بالإضافة إلى تحصيل الحاجات الغريزية-العاطفية أو المتعة الجنسية، وبالأخصّ حين نقف على نسوة فقدن أزواجهن وطلبن الطلاق، ويرفضن في ذات الوقت معيلا للأسرة بديلا عن الزوج من طرف أهله وهنّ لهن أولاد من ذوي القدرة على تحمل المسؤولية العائلية ومصادر دخل تسدّ حاجات الأسرة المادية. ففي ذلك ما يوحي بالخصاص الجنسي؛ ذلك أنّ النقص أو الفراغ يظل يتعلّق بشكل مركّز على ذلك الذي يختصّ بالجوانب الغريزية-الجنسية (الونشريسي، 1981). أمّا نساء أخريات فقد انتهكن أحكام الشرع سعيا منهن لتلافي انتهاكها؛ حيث وقعن في الحرام من حيث كنّ يرغبن في توخّيه، وذلك حين تعدّين على الشرع تلافيا للوقوع في الفاحشة. وذلك على نسق ما أفصحت عنه النازلة التي وقفنا عليها في مصنف «المعيار» للونشريسي؛ والمتعلقة بالمرأة التي توفي عنها زوجها وهي حامل، فتزوجت بآخر قبل أن تضع حملها، وحين سُئلت عن سبب صنيعها المعارض للشرع، علّلت صنيعها بخوفها على نفسها من العربي الذي طلبها للزواج (الونشريسي، 1981).

ثمّ إن من القرائن التي نرى أنّها تُقوِّي من مصداقية ما نطرحه للبحث، ما تعلّق بالحادثة الـمُفصحة عن بعض خفايا أسباب رفع الحصار المريني الطويل على تلمسان العبدوادية؛ حيث تكشف المادة المصدرية أنّه إلى جانب تذمّر الجند من غيابهم الطويل عن أسرهم بسبب طول مدّة الحصار، تذمّروا أيضا من ضرر الخصاص الجنسي الذي عايشوه خلال المدة الطويلة وهم يرابطون على حصار تلمسان دون أن يظفروا باقتحام المدينة ولا استسلام المشرفين عليها، حيث يضع ابن أبي زرع بين أيدينا نصّا، مفاده: أنّه لـمّا توفي السلطان يوسف بن يعقوب وهو ملازم لحصار تلمسان، وقد استعصى عليه اقتحامها، آثر خليفته على عرش بني مرين السلطان أبو ثابت أن يستشير أشياخ بني مرين والعرب ورؤساء الناس في أمر حصار تلمسان بين الإقامة على حصارها والاستمرار عليه أو رفعه وإخلاء سبيل المدينة وساكنتها، فأشار الجميع بالرحيل عنها والانصراف نحو العاصمة المرينية فاس لرفع الضرر النفسي الذي يعانيه الجند (ابن أبي زرع، 1972). وهو ما يكشف حجم الأضرار التي تخلّفها الحرب على الحياة الزوجية، سيّما الضرر النفسي-الجنسي، وأنّ الدافع الجنسي قد شكّل أحد العوامل التي أذكت حدّة التذمّر لدى الجنود المحاصِرين لتلمسان الذين قضوا عديد السنوات منشغلين بأمور الحرب وأعبائها، وفي غربة عن وسطهم العائلي وفراش الزوجية.

في ذات المضمار، نشير إلى ما طرح من مسائل في ناحية الوصال الجنسي بين الزوجين، ومستويات حاجة الزوجة لزوجها الجنسية في حال غيابه، ومقدار المدة التي تقدر المرأة أن تصبرها في غيابه، ومن ذلك: المسألة التي أوردها النفزاوي في «روضه» عن المرأة التي سئلت من قبل رجل عن مقدار ما يمكن للمرأة أن تصبر على زوجها، فقالت: «المرأة الحسيبة الخيرة تصبر على النكاح ستة أشهر، والمرأة التي ليس لها أصل ولا عرض، ولو صابت ما قام لها الرجل عن صدرها» (النفزاوي محمد، 1999، تيتاو، 2010). فإذا ما أخذنا في الحسبان: أنّ العديد من فصول الحرب، وخاصة حرب الحصار التي ضيّقت الخناق على المجتمع التلمساني لمسافات زمنية شاسعة، شأن الحصار الطويل الذي سلف ذكره أو حصارها سنة 735ه الذي دام زهاء 30 شهرا (ابن أبي زرع، 1972)، نلمس حجم الخصاص الذي عانى منه الزوجين زمن الحرب ومستوى الضرر الذي تكبّداه (ابن أبي زرع، 1972). إذ لا نعتقد أنّ ذلك الظرف الحربي العصيب الذي تخبّط بين نسيجه عناصر المجتمع، ناهيك عن الانشغال بوظيفة المدافعة عن المدينة وصدّ الخصم الـمُحاصِر، يمكن أن يشكّل أرضية تشجّع على نمو رغبة الوصال الجنسي بين الزوجين أو تحفّز على الإقدام عليه من طرف كل منهما.

ولعلّ ما سجّلته نصوص المسائل الاجتماعية-الفقهية النازلة، من صور لجوء بعض الأزواج -وعن رضى منهم- لمنح زوجاتهم بعض الصلاحيات التي هي في الأصل من اختصاصهم في حال غيابهم عن الوسط العائلي وشغور منصبهم المؤقت كصاحب العصمة الزوجية وربّ أسرة ومدير لشؤونها؛ ومن ذلك منحهم سلطة تطليق أنفسهن أو تخييرهن في ذلك حين يُقْدمون على الخروج للحرب أو التجارة أو الحج ولا يعرفون كم يقضون من مدة خارج بيوتهم أو يجهلون زمن عودتهم إلى أهليهم وذويهم، ليحمل-في الحقيقة- دلالة واضحة وشواهد ناصعة عن مدى شعور الأزواج بالمسؤولية، وحجم تفريطهم في حقوق الزوجية والتي منها -دون شكّ- جانب الغريزة الجنسية التي هي فطرية في التركيب البيولوجي للكائن البشري. وممّا يزكي هذا أيضا، أنّ البعض من الزوجات كنّ يتزوّجن بعد خروج أزواجهن، ومن ذلك النازلة التي أوردها صاحب المعيار؛ والتي تتعلّق بامرأة خرج زوجها للحج وخيّرها في أمر تطليق نفسها بعد غيابه، فاختارت الطلاق، وتزوّجت غيره (الونشريسي، 1981). 

تصلّب شرايين الرغبة الجنسية وانكماش مصادر

          امدادها

من الطبيعي أنّ الحياة بشتى مناحيها تحت أي سقف مضطرب كواقع الحرب وألوان الصراع العسكري، لا سيما إن كان مشهدا مستديما لا يفتر إلا في أحيان محدودة، لن تسير وفق مجاريها الطبيعية، وإنّما تخضع لظرفية استثنائية تتحكم هذه الأخيرة في نظامها، وتوجهه الوجهة التي تسمح بالتأقلم والتعايش مع الظرف الطارئ، وتعين على تجاوز مخلفاته بسلام، ومن ذلك ما تعلّق بحياة المرأة الاجتماعية، وبشكل أدّق بالجانب العاطفي والجنسي-الغريزي.

بالرجوع إلى المادة المصدرية الكفيلة برّي مسامات الطارحة التي نسعى نحوها على عاتق هذا المبحث، نأخذ ظرفية حرب الحصار الذي نسج سياجه الجيش المريني على تلمسان العبدوادية، كمثال حي وناطق بشكل فصيح بحجم المعاناة التي تكبّدتها الساكنة التلمسانية بشكل عام والمرأة-الزوجة بشكل أخصّ خلال مسافته الزمنية العريضة بين سنتي 698ه/ 1298م و706ه/ 1306م (الوزان الفاسي، 1983). فالواقع الحربي الذي عايشته الأسرة الزيانية في خضم هذا الحصار الطويل، تكشف واقع التذمّر الشديد نظير شدّة الوقع الذي تنسجه مفرزاته على عناصرها في شتى مناحي الحياة لا سيّما على نفسية المرأة. كما أثرّ ذلك الواقع سلبا على سلامة العلاقة العاطفية وصحتها واستقرارها؛ فجوّ ذلك الاضطراب، دونما مواربة يبعد تفكير الزوجة بصورة ملحوظة عن الشعور برغبة الوصال الجنسي وممارسة المتعة الجنسية المشروعة، ويجمّد مادة الجاذبية نحو الزوج والشعور بلذة اللقاء الشرعي والتواصل الجنسي. فالإرهاق الذي تفرزه الحرب على مستوى الشعور والمخيال، بالإضافة إلى حجم الأتعاب اليومية، وحالات الترقّب للمصير المجهول الذي ستفرزه الحرب وتنذر به، وهواجس الخوف المتناسلة والمتنامية، مادة كفيلة بإشعار المرأة الزوجة أو الزوج بتخمة عالية الجرعة عن الحاجة لقضاء الوطر والاتصال الجنسي، وعامل مساعد على الشعور بالخمول الجنسي والعزوف عن التقرب من فراش الزوجية لحاجة تتعدّى النوم أو تتجاوزه.

إنّه ومع الإشارات المتكررة من لدن أصحاب التصنيف المصدري بشعور الساكنة التلمسانية بنوع من القنوط من جلاء ضباب الحصار عن سماء تلمسان والمجال المغرب أوسطي، بعدما عانقت مدته الزمنية ثماني سنوات أو قيل تزيد، والجيوش المرينية لا تزال ترابط عند أسوار المدينة، وتشيّد عرش حياة حضارية خارج تلك الأسوار؛ ببناء مدينة المنصورة وإقامة الأسواق والمساجد والماريستانات (ابن أبي زرع، 1972، ابن خلدون، 2000)، بما يوحي باستمرار الحصار وموت فكرة رفعه في أذهان القائمين عليه، تنجلي أمامنا صورة واضحة عن حجم الضرر والمعاناة الاجتماعية-النفسية التي رزحت تحت سقفها المرأة المغرب أوسطية في العهد الزياني (ابن أبي زرع، 1972، ابن خلدون، 2000).

إنّ هذه الظرفية الحربية التي ميّزت الساحة السياسية والعسكرية بالبلاد المغرب أوسطية على امتداد الحكم الزياني، ساهمت بمسافاتها الزمنية العالية، وتتالي صنوفها ومعاركها، في تشكّل نسيج من الهواجس في ذهن الساكنة، وتنامي شبح الخوف من تهديدات الحرب وسوء مفرزاتها، بما لا يُبقي مجالا للريب، أنّ حجم الضرر النفسي لم تنقطع سوء تبعاته على المجتمع الزياني بشكل عام والمرأة-الزوجة بصورة أدق حتى في الأيام التي تضع الحرب أوزارها؛ ذلك أنّها تتوقع أن تنفخ مطامح القيادات السياسية والعسكرية في رمادها فتشتعل من جديد، وتأتي على الأخضر واليابس كما يقال.

 وإذا لم نغفل باقي ألوان التبعات السيئة التي تُلقي بأثقالها الحرب في الساحة الاجتماعية، شأن ما يتبعها من تفشي الأمراض والأوبئة والمجاعات، كالمجاعة التي عصفت بالمغرب الأوسط بشكل عام وتلمسان بشكل خاص 706ه/ 1306م، أين كابدت الساكنة من محن نقص الأقوات، ومرارة الجوع، وشدّة البلاء، أو ما عايشته من ضرر أيام المجاعة التي قبلها خلال سنوات (630ه/ 1232م، 635ه/ 1237م، و693ه/ 1293م)، وغيرها من سنين المجاعات التي ألـمّت بالمجال الزياني؛ والتي غالبا ما تَتْبع سنوات الحرب وفصولها المتناسلة (ابن خلدون يحيى، 1904، بلعربي خالد، 2013). ولا نشكّ قيد أنملة، أنّ هذا الظرف المعيشي العصيب غالبا ما يفتك بالقوى الجنسية والفاعلية الغريزية، ويساهم في إخماد نارها، وإضعاف عوامل توقدها، فتموت الرغبة الجنسية ولو إلى حين. وهو ما نعتقد أنّه يُعمّق من حجم الضرر النفسي-الجنسي. ولو أخذنا في الحسبان الأثر البالغ الخطورة على الحياة الاجتماعية والنفسية-الجنسية الذي يُلقي بكلكله مرض الوباء على العائلة الزيانية، فإنّ مشهد المعاناة يزداد وضوحا، وصوّره تبدو ناصعة. ونحسب الطاعون الأسود الذي شهده المغرب الإسلامي ومنه الأوسط خلال منتصف القرن 8ه/14م؛والذي أضاف ثقل أتعابه إلى صف مظاهر الفقر والحرمان وسوء التغذية التي أنجبتها المجاعة ومخلفات الحرب، يعدّ مشهدا بارزا يكشف بسوء تبعاته على الساكنة المغربية حجم الضرر على العلاقة الزوجية-الجنسية إذا ما فتك بأحد الزوجين أو كليهما ذلك المرض، وأضرّ بأفراد عائلتهما (ابن مريم محمد، 1908، نقادي، 2010).

هذا، ونحسب أنّ ما ترمي به الحرب من أثقال سيئة على كاهل ساكنة الأرياف والقرى من أضرار اقتصادية واجتماعية وبيئية، وما تعانيه مجتمعاتها من فقر وخصاص اقتصادي زمن المجاعات، وغلاء الأسعار، وانكماش الإنتاج، وقبض الناس أيديهم عن الفلح ومختلف الحرف بسبب تعسف الحرب وجبروتها، وما تفرضه على تلك الساكنة من أمر الهجرة القسرية، وما تبسطه من عوامل الطرد السكاني عن الأراضي التي يقطنونها بحثا عن الكلأ والطعام والعيش الآمن من شأنه أن يضاعف من مستويات الضرر النفسي-الجنسي عند الزوجين. ولا نتصور تقلّب العائلة الزيانية الريفية في المجالات من مكان لآخر تنشد الأمن، وتسعى لتحصيل قوتها بعيدا عن حياة الضنك، ظرف يسمح بالشعور برغبة في الوصال بين الزوجين من طرفيهما، ومناخ يبعث على بقاء حياة الغريزة الجنسية في مستوياتها الطبيعية، أو حتى في أضعف حالاتها، بل نقول: أنّه يكاد يُميتها أو يجعلها آخر الاهتمامات ومطالب النفس البعيدة المنال. وحتى وإن تحركت تلك الغريزة في جسم أحد الزوجين ونفسيهما، فإنّها لن تكون على نسق طبيعي ومستواها البيولوجي السليم، وإنّما تقود لوصال يقضي الوطر تخفيفا لحجم الضرر لا أكثر.

قبل أن نغادر هذه المحطة البحثية، لا تفوتنا الإشارة بعد أن خصّصا البحث في إشكالية انكماش الرغبة في تحصيل المتعة الجنسية عند المرأة-الزوجة، بأن نضيف إلى صفّه: أنّ ما يقال عن المرأة يصدق كذلك على الرجل، بل قد يزيد عليها الرجل معاناةً؛ كون الواقع المعيشي المضطرب بكل صوره ومناحيه من شأنه أن يرمي بسوء أثقاله ليطال حتى المساس بالقدرة الجنسية عند الرجل، حيث بالإضافة إلى إشعاره بضعف الرغبة في اللقاء الجنسي، يُضعف عنده مادة الاستمتاع عند حدوث الوصال الجنسي، ومع أنّه قد يكون من الطرفين (الزوج والزوجة)، إلاّ أنّ حدّته تكون عند الرجل أكثر من المرأة؛ على اعتبار أنّ الرجل هو الأكثر عرضة للإرهاق في خضم الحرب نظير المسؤولية الدفاعية أو الهجومية الملقاة على كاهله، وكذا لكون مستويات الراحة النفسية والجسدية ينبغي أن تكون في أعلى درجاتها حتى يبلي بلاء حسنا في خضم العملية التمتعية الجنسية، وإلا فإن مجرياتها لن تسير في المجرى الطبيعي من حيث المتعة أو المدة والتجاوب، ولن يكون الإشباع الجنسي بصورة كافية من الطرفين. ولعلّ ممّا يقوي هذا الطرح ويرفع من مصداقيته ما أوردته المادة المصدرية من أخبار القيادات العسكرية التي أصبحت تشترط على الجندي الذي يخرج ضمن جيوشها في حروبها أن لا يكون ممن بنى بناءً ولم يكمله، أو رجلا تزوج امرأة ولم يدخل بها (المالقي، 1984، مارمول كربخال، 1984).

غياب الزوج وانقطاعه عن وسطه العائلي

 أسهمت الحرب في مغرب العصر الوسيط باستفحال نشاطها وتضخّم تأثيراتها السلبية على حياة المرأة المغربية كما سلف ذكره في تعميق جرح معاناة الزوجة، حين كانت الحرب كثيرا ما تحصد أرواح الأزواج، وتُغيّبهم أحيانا بلا رجعة إلى محيطهم الأسري وفضائهم العائلي. وفي هذا الصدد، جادت علينا نصوص النازلة بمادة كاشفة لمظاهر معاناة المرأة التي فقدت زوجها، أو غاب عنها غيبة طويلة لا تدري حياة زوجها من وفاته، ومن ذلك النازلة التي وقفنا عليها في معيار الونشريسي، والتي عالجها ضمن باب: «تُزوج البنت التي غاب أبوها إذا خيف عليها الفساد»، والتي تمحورت حول: التساؤل بشأن من غاب أبوه هاربا خوفا على نفسه من القتل عمدا وعدوانا، وبقيت ابنته في قرية أو مدينة لا تستطيع الوصول إليه ولا يقدر هو على الاجتماع بها، فهل يصح نكاحها إذا خيف عليها الفساد»؛ أي الخوف من «الزنى أو تضيع أو يصعب إعلام الأب في تحقيق إذنه إمّا بتعذر العدول أو المسافرين أو تعذر الطريق أو إهمال الأب أو إهمال أهل الموضع القيام بالواجب». فكان الجواب بناءً على سيادة ظرفية الخوف بتزويجها (الونشريسي، 1981). وممّا يمكن أن نضيفه إلى صفّ هذا:

- تنامي حجم أعباء المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق الزوجة كالنفقة والتزويج في ظل الغياب الطويل للزوج.

- المجهود الفقهي الكاشف عن إجابات لمسائل فقهية عارضة في الوسط المجتمعي تتعلّق بالحماية الاجتماعية للمرأة، وتأمين علاقتها الأسرية. ويندرج ضمن هذا ما تضمّنته نوازل معيار الونشريسي بخصوص بيان موقف الشرع من إشكاليات غياب الزوج عن وسطه العائلي، وقضية الإنفاق على الأسرة في حال غيابه، وحماية المرأة من الضرر المتوقع.

ولا بأس في هذا السياق، من المرور -في عجل- على نماذج تكشف جانبا من ذلك الواقع الاجتماعي الذي أفرزه غياب الزوج عن محيطه العائلي، والذي تجلّى بشكل ناصع على ضوء ما احتفظت به مدونات فقه النوازل، وما استعرضه علماء وفقهاء الغرب الإسلامي الوسيط من فتاوى مُطبِّبة لجروح اجتماعية متلونة وأزمات عائلية معقدة، وكاشفة لطبيعة العلاج الشرعي لما استشكل من قضايا المرأة في الحقل الاجتماعي، وما من شأنه أن يحفظ حقها على الزوج وواجبه تجاهها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أفادنا الونشريسي في معياره بمجموعة من النوازل تفي -إلى حدّ ما- بتغذية طارحتنا هذه، ومن ذلك ما فصّل فيه تحت عنوان: «من غاب عن زوجته قبل الدخول بها». حيث بيّن موقف الشريعة من واقع غياب الزوج عن زوجته قبل الدخول بها تحت أي غرض، إذا ما أرادت الزوجة القطع عليه، وأثبتت ما يجب إثباته، «فهل يزاد في الإثبات كونها مطيقة للوطء، وكونها دعته للدخول...؟» (الونشريسي، 1981). إذ تكشف هذه النازلة عن حجم المخاوف التي تعْلق في أذهان النسوة في ظل الظروف السياسية والاجتماعية السائدة، ومستويات مادة القلق الذي ينتابها حين يغادر زوجها وسطه العائلي، وطبيعة الضرر الذي يطالها في غيابه، وما تتحمّله من معاناة خلاله. بالإضافة إلى ما اختصّ بحالات اليأس التي تسيطر على الزوجات اللواتي غاب عنهن أزواجهن لـمُدد طوال، واستعصى عليهن الوقوف على خبرهم؛ ففقدن الأمل في عودتهم. ممّا ضاعف من حجم الضرر الذي تتخبّط بين أمشاجه، وأصبحن يتخبّطن في مشاكل اجتماعية معقدة؛ حيث منهن من رغبت في الزواج، وتزوجت، وبعد مدة عاد زوجها، فازدادت وطأة الضرر حدّة على كاهلها في ظل ما ينجم عن ذلك من مشاكل اختلاط الأنساب، والنكاح الفاسد، والخيانة الزوجية، والتعدّي على قدسية العلاقة الزوجية، والمساس بالأعراض وتدنيس الشرف، حتى وإن كان ذلك عن غير قصد، وإنما مؤسس على الظن، ومسعى رفع الضرر الاجتماعي والنفسي-الغريزي عن الزوجة. ونحسب أن ما جاد به علينا صاحب المعيار من نوازل كفيل بالزيادة في البيان والبرهنة؛ حيث تفضّل علينا برصيد منه: «من تزوج امرأة وبعد مدة قدم زوجها الأول»، «من تزوج امرأة فإذا بها في عصمة رجل آخر»، «امرأة تدعي أنّ لها زوجا غائبا غيبة انقطاع، وتطلب من القاضي تزويجها»، «من غاب عن ابنة له غيبة بعيدة وسن ابنته نحو العشرين عاما، فأرادت التزوج من ابن خالها» (الونشريسي، 1981).

انعكاسات الخصاص الجنسي على حياة الزوجة

إلى جانب كون الغياب المتواصل للزوج عن حليلته في أداء مهامه الحربية أحد أسباب الحرمان الجنسي الذي تألّم منه الزوجين زمن الحرب وتحت سقف مفرزاتها، ساهم ضرر الخصاص الجنسي بالنسبة إليهما هو الآخر في مضاعفة الواقع المتأزم الذي تتخبّط ضمنه المرأة الزيانية على وجه الخصوص، وهو ما تكشف عنه المحطات البحثية الموالية:

التفكك الأسري

من الطبيعي أنّ انشغال الزوج بأمور الحرب وشؤونها مسافة زمنية معتبرة له من الانعكاسات السلبية الملحوظة على علاقته الزوجية ورباطه الأسري. فالجندي الذي في حالة انقطاع شبه دائم عن أهله وذويه لا يُعقل أن يقوم بواجبه الاجتماعي ومسؤوليته الزوجية على أحسن وجه وكما ينشده الشرع ويدعو إليه، وإنّما سيشوب وظيفته الأسرية كمدير أسرة نوع من التفريط، تتفاوت حدّته بحسب مدة الغياب ومسافة الانشغال الزمنية؛ حيث قد تغلب كفة الوظيفة العسكرية في ميزان واجباته كزوج وأب على كفة الوظيفة الاجتماعية.

ومن ثمّ، ما كان مسار العلاقة الزوجية ليسلم من فخّ المشاكل الأسرية، والمعضلات الاجتماعية، ويصطدم قطارها بالعوائق والمشكلات. وما حالات التذمّر التي اصطبغ بها سلوك الجندي على إثر مُقامه فترة طويلة في ميادين الحرب ومعسكرات الحصار، إلا دليلا واضحا على خوفٍ مشروعٍ على مصير علاقته الزوجية، وأمنه الأسري وسلامة عائلته (ابن أبي زرع، 1972، بوتشيش ابراهيم، 1997). ولـمّا كان ذلك الغياب واقع اضطراري تفرضه المسؤولية العسكرية والواجب نحو السلطة، فقد كان لغيابه المتنامي وانشغاله عن أسرته المتناسل ضلع واسع في إنتاج نسيج من العواصف الاجتماعية، والتي كانت في البعض من الأحيان هوجاء بلغت حدّ تدمير بنيان العلاقة الزوجية؛ حين وضع الطلاق أو الخلع حدّا لحياتها، وقاد إلى تفكك الأسرة وحدوث الانفصال بين الزوجين. بالإضافة إلى إسهامه في اتساع دائرة الخلاف والتضارب بين الزوجين، أو أقلّ الأضرار أن يجد الزوج صعوبة في الاندماج مع أسرته عند عودته من ميادين الحرب بعدما قضى مسافة جد شاسعة غائبا عن وسطها.

إنّ من الملامح الراسمة لمساحة ولو ضيّقة من مظاهر ذلك التفكك الأسري الذي تخبّطت بين أظهره الأسرة المغربية، ما نطقت بواقعه المسائل الاجتماعية المتعدّدة النازلة، ومن ذلك: ما كشفت عنه من واقع اقدام الزوجة المغربية على فرض شروطها في عقد النكاح؛ حيث تشترط الفتاة المخطوبة على خاطبها أو زوجها في عقد قرانها ألاّ يغيب عنها غيبة قريبة ولا بعيدة، طائعا أو مكرها، قبل البناء أو بعده أزيد من ستة أشهر (الونشريسي، 1981، ابن مرزوق محمد، 2008)، أو ما أوردته من صور لجوء البعض من الزوجات إلى القاضي لفسخ عقد الزواج احتجاجا على غياب أزواجهن المفرط للحج أو التجارة أو الحرب، وبالأخصّ حين لا تدري الزوجة حياة زوجها من مماته (الونشريسي، 1981، غزالي محمد، 2013).

 إنّ هذه السلوكات والمواقف الصادرة من الزوجة؛ هي تعبير صادق عن حجم مخاوفها على مستقبل علاقتها الزوجية، كما تعدّ مادة كفيلة بكشف جانب من واقع الخصاص الذي واجهته الزوجات المغربيات من فرط الغياب المتكرّر والمتواصل للأزواج عن ديارهم وزوجاتهم فترة طويلة. وهو الطرح الذي تشدّ من عضده نوازل الونشريسي التي تتضمّن مسائل تخصّ العلاقة الزوجية، والتبعات التي تجرّها الحرب بمفرزاتها على نسيجها وما ترمي به من مضاعفات على عرشها بما قد يتمادى إلى درجة وضع حدّ لحياة تلك العلاقة وإنهائها بالطلاق أو الخلع. ومن ذلك: ما ساقه وعالجه ضمن باب: «من خطب يتيمة واتفقوا على الزواج بعدد معلوم وتغيب ولم يقع بينهم إشهاد» (الونشريسي، 1981). أو ضمن فصل:»من فُقد في هزيمة بأرض الحرب منذ عام ولم تتحقق حياته من مماته» (الونشريسي، 1981)؛ حيث تناول تحت سقفه عدّة قضايا نازلة تتعلّق بما طرحه نساؤهم من شكاوى بين يدي القضاء، يطلبن من القاضي رفع الأمر، وبيان رأي الشرع، والقول الفصل في معضلاتهن. كما أورد نوازل أخرى ذات صله بما ذكرنا، ضمن مادة باب وسمه بـ: «من تزوج رابعة في دار الحرب وطلقها، انتظر خمس سنين» (الونشريسي، 1981)، والتي من ضمنها: أنّ أمّ العز بنت سعيد البجائي التي غاب عنها زوجها محمد بن علي الحسن، اشترطت ألا يغيب عنها زوجها «أزيد من ستة أشهر، فإن غاب عنها أزيد من ذلك فقد جعل أمرها بيدها بطلقة واحدة مملكة، وصدَّقها في دعوى المغيب والمنقضي من الأجل تصديقا مطلقا دون بيّنة تلزمها في ذلك ولا مشورة قاض ولا سواه عدا يمينها في الجامع الأعظم على صحة دعواها، ولها التأوُّم عليه ما أحبت والتربص ما شاءت لا يقطع لتوُّمها شرطها» (الونشريسي، 1981). حيث تُطلعنا مدونة فقه النازلة على مسائل عدة طُرحت في قضايا المرأة، وما تعلّق بطبيعة الضرر الذي كان يطالها بين أظهر المجتمع المغربي الوسيط، بما يكشف تعدّد المعضلات التي عصفت بالعلاقة الزوجية، واتساع حدود دائرة قضايا المرأة المطروحة على القضاء وأهل الفتوى، ومن ذلك: «ما تُطلق به المرأة من الضرر»، «امرأة غاب زوجها مدة طويلة فتزوجت دون طلاق ثم قدم الزوج الأول»، «رجل رهنت عنده جارية رومية فأولدها»، «تُزوج البنت التي غاب أبوها إذا خيف عليها الفساد»، و «الأجل المضروب للزوج المفقود»(الونشريسي، 1981).

ويستوقفنا جواب الزوجة التي أقدمت على الزواج في غيبة الزوج وحين رجع وجد لها زوجا غيره؛ ذلك أنّ الزوجة علّلت زواجها بظنّها أنّ زوجها الأول قد مات ولن يرجع ولم تستيقن أمره وتتأكّد من حاله، كما أنّها وافقت زوجها الأول في دعواه ولم تنكر مقولته، وشهدت أنّ الثاني تزوّجها دون أن يطلقها الأول، بما يوحي لنا أنّها كانت تخشى على نفسها البقاء دون زواج؛ والبقاء في عصمة رجل غائب لا يبدّد حجم المخاوف على نفسها، ولا يفي بالغرض. وأنّها كانت على وعي بحجم الضرر الاجتماعي والنفسي-الغزيزي الذي ستتخبّط بين نسيجه إن ظلّت دون بعل.

وما كان الأمر في البعض من حالات زواج المرأة بعد انقطاع خبر زوجها عنها يتوقف عند ذلك الحدّ، وإنّما كان يتجاوزه إلى تراكم المشاكل الاجتماعية التي تخبّطت بين نسيجها المرأة المغربية في الفترة الوسيطة إذا ما أنهت علاقتها الزوجية بالطلاق ظنّا منها أنّه مات؛ ذلك أنّ عودة بعض الأزواج ممن وجد زوجته قد تطلقت منه بسلطة القضاء وتزوّجت من غيره، كان يُسهم في تعقيد الأمر حين يدخل الزوج في صراع مع زوجته المطلقة وزوجها الجديد (الونشريسي، 1981). واللافت للانتباه في هذا السياق، أن البعض من الزوجات كن يدعين أنّهن فقدن أزواجهن في الحرب وهن لم يتيقنّ أن أزواجهن فعلا ماتوا أو انقطعوا عنهن انقطاعا كليا (الونشريسي، 1981 ). بما يدفعنا للاعتقاد: أنّ الخصاص الجنسي يمكن أن يكون عاملا مؤثرا ضمن نسيج الدوافع التي جعلت الزوجة تتسرّع في البعض من الأحيان للبحث عن شريك حياة بديل عن الأول، والتحايل بادعاء أنّه انقطع بشكل نهائي، واللجوء إلى الزواج من آخر.

ولا يمكن أن يخفى علينا ما يترتّب عن بناء علاقة زوجية جديدة تقوم على الظنّ بأنّ الزوج الغائب مفقود بشكل قطعي أم لا، إذا ما تمّ تشييد عرشها على غير هدى شرعي أو نظر فقهي، وليس بواسطة النظر القضائي.وليس ببعيد عن مرمانا البحثي هذا، أورد الونشريسي نازلة تتعلّق بمن عاد من سفر ووجد مولودا فنفاه عنه ولم يتهم زوجته بالزنا (الونشريسي، 1981). فهذه القضية الأسرية تفصح عن مشاكل اجتماعية معقدة من قبيل: اختلاط الأنساب، والخيانة الزوجية.

التأثير السلبي على معدلات الخصوبة

من المتاعب الاجتماعية التي تفرزها الحرب على حياة المرأة المغربية في مجال العلاقة الزوجية، ما يترتّب عنها من تأثير سلبي على معدلات الخصوبة حين تنكمش وتتقلّص معدلاتها، ومن تنظيم قسري للنسل، وتباعد إجباري للولادات وليس عن رغبة من طرف الزوجين أو أحدهما. فهذا التباعد في الولادات الناجم عن انشغال الجند عن أسرهم بسبب الوظيفة الحربية التي يضطلعون بها حتى وإن كان لا يمثّل إلاّ نسبة ضعيفة أو محدودة من نسبة تقلّص معدلات الخصوبة، فإنّه حين يُضاف إليه ما تُسهم فيه الحرب بمفرزاتها السيئة على معدلات الخصوبة في ظلّ ما تخلّفه من حصائد في الأرواح، وانتشار للأمراض واستفحال للأوبئة والمجاعات، تتضاعف نسبة التأثير السلبي على معدل الخصوبه والتقهقر في نسبة النمو السكاني والزيادة الطبيعية.

ولعلّ خير كاشف لهذا الواقع هي حروب الحصار التي عايشتها الساكنة الزيانية لاسيّما ضدّ الجار المريني دفاعا وهجوما، أين عايشت المرأة الزيانية من ويلات الحرب مآسٍ عديدة، فقد حصدت الحرب أرواح زهاء 120 ألفا، تعاون على زهقها الجوع والقتل بالسلاح (الونشريسي، 1981) خلال حصار تلمسان الطويل. بما يوحي بحجم التعطيل الكبير لمسار النمو الطبيعي للزيادة السكانية، والتقلّص الملحوظ لمعدلات الخصوبة.

ولا يفوتنا في هذا الصدد، التنبيه إلى أنّ هذا الرقم «120 ألف ضحية» رقم خيالي، واشكالية تسترعي التدقيق، وفحص حقيقة هذا العدد، الذي نعتقد أنّه مبالغ فيه إلى حد التخمة كما يقال. وهي في الحقيقة مسألة استوقفت العديد من الباحثين لدراستها وتحقيقها، ومنهم: الباحث: «بوالعراس خميسي»، خاصة في مقاله: «التراث العسكري الاسلامي بين تقليدية الطرح ورهانات القراءة الجديدة»، وكتابه: «النخب العسكرية بالغرب الاسلامي قراءة في التنظير والاحتراف». وعليه، فحتى وإن كان العدد الصحيح أقل من المذكور بكثير، فإنه ومع ذلك يفي بغرض الاستدلال على حجم التبعات على حياة الفرد الزياني تحت وطأة ويلات الحرب وتبعاتها.

الاستنجاد بالمحظور (من التذمر إلى التمرّد)

ساهمت الحرب بشتى أثقالها ومفرزاتها وسوء تبعاتها في فرض سلوكات اجتماعية مشينة على العناصر المجتمعية، ودفعتهم للسير في دروب لا أخلاقية ما كانوا يرضون سلوكها إلا مضطرين، وسلوكات لا طاقة لهم بعواقبها إلاّ مكرهين؛ ذلك أنّها ممارسات تخالف طبعهم الفطري السليم، وتتعارض مع نصوص الشرع الإسلامي ومع عاداتهم وتقاليدهم. فقد قادتهم الحرب بمخلّفاتها السيئة -ولو بطريقة غير مباشرة- للوقوع فريسة للمحظور وبين أنياب فخ الرذيلة والفاحشة، ومن هذه المآزق الاجتماعية التي أسهمت في إنتاج وبائها الحرب وساعدت على استشراء طاعونها: ما سقطت في مستنقعه بعض نسوة المغرب الأوسط الزياني بين مخالب جرم الخيانة الزوجية، ومظاهر الفاحشة ومهالك الشرف والعرض، كزنا المحارم والشذوذ الجنسي ومظاهر الاغتصاب والتعدي على الحرمات وإنسانية المرأة وشرفها (الونشريسي، 1981).

بل لقد بلغ الأمر، أنّ من العبيد بتلمسان من تجرّأ على نساء أسيادهم ومارس الفاحشة معهن، ممّا كلّفهم قطع أعضائهم التناسلية جزاءً على صنيعهم(بشاري لطيفة، 2012، فيلالي، 2002 ج1). ولا يمكن أن تفوتنا الإشارة إلى طبيعة الأسباب التي ساهمت في بناء عرش ذلك التطاول وتلك الجرأة؛ إذ لا نعتقد أنّه كان اعتداءً في كل أحيانه من طرف العبيد على شرف الأسياد غصبا وإكراها لهن على الامتثال لرغباتهم الجنسية الشنيعة والمحرمة، ومكرا منهم لإيقاعهن في فخّها، ومراودتهن عليها وجرّهن إلى أوكارها بالمكر والخديعة، وإنّما لا نستبعد مساهمة عوامل أخرى في إقدامهم على ممارسة هذه الجريمة الجنسية في حق المرأة فضلا عن الأسياد؛ ونقصد بذلك أن تكون للمرأة يد في حدوث هذا الفعل والجرم الأخلاقي والفاحشة الشنيعة؛ بأن تكون المبادرة ربما أحيانا من المرأة والطلب منها، فتجرّ فريستها إلى وكر الجريمة الجنسية، وحين يزول حجاب السيادة من بين عيني العبد وينكسر حاجز خشية العبد سيّدته، تنمو في نفسه مادة التطاول على حرمة السيد والتمادي في انتهاك شرفه. كما يقودنا هذا الطرح إلى التساؤل حول طبيعة الدوافع التي أسهمت في ركوب الزوجة سفينة الخيانة الزوجية، وإقدامها على انتهاك حرمة الشرع، بما يدفعنا للمغامرة حين نعتقد: أنّ الخصاص الجنسي ربّما يكون أحد العوامل الـمُساهمة في دفعها إلى ذلك، وإرغامها أمامه لخيانة زوجها مع عبيدها سواء تحت سقف الحرب أو دونه. ولا نستثني أن تكون ظاهرة المساحقة أو مخالطة المرأة للمرأة التي تفشّت هي الأخرى في بعض قصور تلمسان الزيانية (فيلالي، 2002 )، من نتائج الخصاص الذي عانته المرأة الزيانية أمام مجموعة العوامل المتشابكة التي خصّبت الأرضية لتنامي حجم ذلك الضرر النفسي في الوسط الاجتماعي للمغرب الأوسط في الفترة مدار الدرس، وإن كان ليس العامل الرئيس فقد يكون له حضورا ضمن نسيج الأسباب ولو حضورا محتشما، وذلك طبعا ليس قرينا بفترة الحرب فحسب.

 ومن الجرائم الجنسية التي وقفنا عليها، والتي احتفظت لنا نصوص النازلة بصورٍ عنها، ما تعلّق بزنا المحارم، فقد وضع بين أيدينا الونشريسي في معياره صورة بشعة تخصّ امرأة تعرّضت لولدها وهو سكران حتى وطئها فحملت منه وأتت من حملها منه بجارية وأخفت ذلك عن ابنها» (الونشريسي، 1981). ومن الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح وتتبادر إلى الذهن: بما يمكن يا ترى أن يُعلَّل هذا السلوك الإجرامي والفاحشة الشنيعة؟ كيف سمحت الأم لنفسها أن تقترف مثل هذا الجرم مع ابنها؟ وبما يمكن تفسير استغلالها لظرف كونه سكران؟ أكانت تعاني خصاصا جنسيا؟ أم أنّه شذوذ جنسي؟ أم له تعليل وتفسير آخر؟

إنّ صياغة إجابات وافية تسد رمق الباحث عن توصيف دقيق وأجوبة مقنعة ليس من السهولة بمكان ملامسته في ظل غياب المادة التاريخية الكفيلة بتغطية العجز الخبري الذي تعاني منه هكذا مواضيع ومسائل وإشكالات تتعلّق بالفترة المغربية الوسيطة، وبالأخصّ حين اقتصرت الإجابات التي تضمّنتها المدونة الفقهية على إيراد التفاصيل الوافية بالأحكام الشرعية الكفيلة بمعالجة مثل هذه النوازل والمسائل الفقهية، وكشف وجهة نظر الشرع تجاه مقترفيها أو من وقع فيها، وطبيعة العقاب الذي يستحقه، ونمط الحد الذي يتناغم وجريمته، وسكوتها -وهو طبعا ليس من اختصاصهم- عن تشريح الحالة، وبيان أسبابها، والظرفية التي ساعدت على تفشي أنماط من الجريمة الأخلاقية والممارسة الجنسية الفظيعة (كزنا المحارم)، ومخلفاتها السيئة على النسيج المجتمعي. ومع ذلك، تظلّ الإشارة إلى تفشي مظاهر لا أخلاقية خطيرة في المجتمع الإسلامي المغربي الوسيط، تتطلّب من الباحث توسيع حدود دائرة المادة المصدرية لبيان مخلفات هذه الجرائم الجنسية على المجتمع وتداعياتها على عناصره، والبحثٍ في أسبابها وعوامل انتشارها، وهو ما نأمل أن نضطلع ببيانه في دراسات أخرى، ونُفرد له عناية مركّزة في بحث منفصل.

ومع ذلك، قد نجازف، فنلقي قسطا من المسؤولية على تفشي مثل هكذا مظاهر لا أخلاقية في المجتمع المغربي الوسيط على عاتق الحرب ومخلّفاتها السيئة؛ فالحملات العسكرية التي كان الجندي المغرب أوسطي يُدير مجرياتها ويخوض معاركها ضمن مجال زمني عريض يجمع عدة شهور تحت جناحه في أحيان ويطوي السنين بين ثناياه في أحيان أخرى، وتتابع ذلك حال وتوالي مظاهره ومشاهده في غالب الفترات، قد أفرزت انعكاسات جدّ خطيرة على حياة الجندي الزوجية، واستقراره الاجتماعي، وأمنه العائلي وحياته الأسرية، حيث تمادى حجم الضرر ومستوى الخطر ليطال شرف الزوج الجندي وكرامته وعرضه؛ حين قاد غيابه الطويل زوجته إلى الارتماء في حضن الفاحشة، والاستنجاد بالمحظور استجابة لمطالبها الجنسية التي أجّج نارها بُعْده عنها وأضرمها غيابه الكبير عن فراشهما الزوجي (تيتاو، 2010).

كما أنّ من العادات الذميمة التي انتشرت في المجتمع المغربي في العصر الوسيط بشكل عام ومنه الأوسط الزياني بصورة مخصوصة: فاحشة الدعارة وألوان الفساد الأخلاقي كالمساحقة واللواط والشذوذ الجنسي، سواء في المدن أو الأرياف وسواء في فترات الحرب أو في غيرها، وكانت البساتين والأجنة من بين أوكارها ومواطنها (حميدي مليكة، 2002). حيث أورد أهل التصنيف المصدري: أنه انتشرت في حاضرة تلمسان وبوادي المغرب الأوسط في الفترة الزيانية نتيجة عدة عوامل اجتماعية وسياسية مظاهر لا أخلاقية، حتى أن هناك من نساء العامة من اتخذن من ممارسة الرذيلة مهنة للتكسب من خلال ممارسة العاهرات مهنة البغاء سواء في بيوت زبائنهن أو في بيوت خصصت للدعارة، وانتشر الزنا في أوساط العبيد حتى على نساء أسيادهم (عبد الشكور نبيلة، 2008).

ولا نجد حرجا في الإشارة إلى ما أورده الونشريسي في معياره من نوازل تندرج في خانة ارتماء بعض النسوة في مستنقع الرذيلة عن طريق الإقبال على أوكار الدعارة، وممارسة البغي لتصريف أزمتهن، حيث تحدّث بشأن وجود مواضع للفساد ببلاد المغرب، شأن ما يوجد في بلاد هوارة وجبل مهروقا بالقرب من القيروان على مسيرة مرحلة منها؛ والذي كان مسرحا لحوادث كثيرة من فرار النساء من أزواجهن إلى الحاضرة القيروان. كما سُجّلت مظاهر شبيهة بمجالات المغرب الأوسط. هذا وأفادنا الونشريسي في معياره بمادة كاشفة لحال نسوة فاسدات كنّ يتخذن أخذانا عزاب، فيهربن من أسرهن معهن إلى جبل مجاور (الونشريسي، 1981، فيلالي، 2002 ).

خاتمـة

في ضوء هذه الدراسة، تجلّى لنا بشكل واضح مدى تضخّم الثقل الذي تتحمّله المرأة تحت وطأة الحرب، ومستويات الضرر الكبير الذي تعانيه من الناحية النفسية. وكان مما تمّ تسجيله من نقاط تُضمّ إلى صفّ ما نطقنا به:

- رمت الحرب بقسط عريض من مخلفاتها على كاهل المرأة، فإلى جانب الغياب المفرط لزوجها عن محيطه العائلي وتفريطه في واجباته الأسرية بشكل ملحوظ وعن غير قصد وانقطاعه عن فراش الزوجية لمسافات زمنية معتبرة يُؤدي وظيفته الحربية، تعمّق جرح معاناتها أكثر حين لجأت الزوجة لحلول ظرفية كتطليق نفسها، وسد رمقها الجنسي بطرق غير شرعية.

- أسهم الخصاص الجنسي ومطلب سد الرمق الغريزي-الجنسي في زعزعة الاستقرار الأسري وتضعضع العلاقة الزوجية، كما شكّل أحد أسباب العصف بالرباط الزواجي، وتفكيك التماسك الأسري وخلخلة الروابط الاجتماعية.

- يتطلّب الوقوف على مادة خبرية كاشفة لحجم معاناة المرأة في جانبها النفسي-الجنسي، توسيع حدود دائرة المادة المصدرية، والاستنجاد بالمصادر الغميسة، وكانت المدونة الفقهية والتراث النوازلي في طليعة النص المصدري الكاشف لجانب من خفايا تلك المعاناة، وخبايا مخلفاتها على حياة المرأة الاجتماعية والنفسية.

- في الوقت الذي يضفي التلميح إلى طبيعة الخطاب السلطوي-الفقهي في معالجة المسألة، والتخفيف من وطأتها، أهمية بالغة في دراسة هذه الاشكالية، إلا أنّ افتقارنا لنصوص وشواهد تجلِّي ذلك الموقف، حال دون ذلك. وقد اكتفى الخطاب الفقهي بتسجيل مشاهد عن ذلك؛ وليس بغرض التدوين وإنما في سياقات عرضية ضمن المسائل التي عرضت للتطبيب الفقهي في الغالب، وليس لتسجيل حجم التجاوزات والمعاناة التي كابدتها المرأة في ظل ذلك الواقع الاستثنائي.

أمّا ممّا نراه جدير بالتوصية به؛ فهو ضرورة تضافر الجهد بين الباحثين المتخصصين في التاريخ والعلوم الشرعية وعلم الاجتماع لدراسة مثل هكذا مواضيع بالتنسيق فيما بينهم؛ ذلك أنّ موضوعا كهذا يُشكّل حقلا بحثيا مشتركا، يسمح لكل متخصص من التخصصات الثلاثة بتقديم الإضافة العلمية في مجال اختصاصه لإخراج العمل في صورة أكثرة دقة وأهمية.

المراجع

ابن الأزرق،1429ه/ 2008م، بدائع السلك في طبائع الملك، ج1، تح، علي سامي النجار، دار السلام للطباعة والتوزيع والترجمة، القاهرة، مصر.

ابن الأحمر، 1987م، أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن، تح، محمد رضوان، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت.

ابن أبي زرع، 1972، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، المنصور للطباعة، الرباط.

ابن أبي زرع، 1972، الذخيرة السنية في أخبار الدولة المرينية، دار المنصور للطباعة والنشر، المغرب.

ابن خلدون يحيى، 1904، بغية الرواد في ذكر ملوك بني عبد الواد، بيير فونطانا الشرفية، الجزائر.

ابن خلدون عبد الرحمن، 1421هـ/2000م، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ضبطه، خليل شحادة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

ابن الخطيب، 1980، ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب، تح، محمد عنان، مكتبة الخانجي، القاهرة.

ابن عذاري المراكشي، 1983، البيان المغرب في أخبار الأندلـس والمغرب، ج3، تح، ليـﭭـي بروﭬنسال، دار الثقافة، بيروت، ط3.

ابن غازي المكناسي، الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون، مطبعة الأمنية، الرباط.

ابن قدامة، (1417ه/ 1997م)، المغنى، تح، عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح الحلو، ج2، ط3، دار علم الكتب، الرياض.

ابن رضوان، الشهب اللامعة في السياسة النافعة، تح، علي سامي النشار، دار الثقافة، المغرب، 1984م.

ابن مريم، 1336 ه/1908م، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، المطبعة الثعالبية، الجزائر.

ابن مرزوق، 2008، المناقب المرزوقية، تح، سلوى الزاهري، النجاح الجديدة، المغرب.

ابن هذيل، عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

أبو حمو موسى الزياني، 1861، واسطة السلوك في سياسة الملوك، المطبعة التونسية، تونس.

الباجي أبي الوليد سليمان، 1332ه/1914م، كتاب المنتقى، ط2، دار الكتاب العربي، القاهرة.

الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار، تح، إحسان عباس، ط3، مطابع هيدلبرغ، بيروت.

الخلال أحمد، 1410ه/1990م، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تح، مشهور حسن سلمان وهشام السقا، ط1، المكتب الاسلامي دار عمار، تونس.

العمري، 1986، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ج4، المركز الإسلامي للبحوث، بيروت، 1986م.

القرطبي محمد، (1427هـ/2006م)، الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان، تح، عبد الله المحسن التركي ومحمد رضوان عرقسوسي، ج4، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

النفزاوي،1999، روض العاطر في نزهة الخاطر، مطبعة أحمد بن الحاج الأزرق، طبعة حجرية.

الوزان الفاسي،1983، وصف إفريقيا، ج1،  ط2، دار الغرب الإسلامي، لبنان.

 الونشريسي، 1401ه/ 1981م، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، إخراج، محمد حجي وآخرون، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.

أبو مصطفى كمال السيد، 1986، جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعلمية في المغرب الإسلامي من خلال نوازل وفتاوى المعيار المعرب للونشريسي، مركز الإسكندرية للكتاب، مصر.

الديالمي عبد الصمد، 1431ه/ 2010م، المعرفة والجنس من الحداثة إلى التراث، ط1، مطبعة النجاح الجديدة.

الناصري السلاوي، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، المغرب، 1954، ج3.

بشاري لطيفة، علاقة بني عبد الواد ببني مرين بين القرنين 7-10ه، مجلة أفكار وأفاق،ع3، جامعة الجزائر2،  2012.

بلعربي خالد،2013، آثار المجاعات والأوبئة على تراجع الحرف والصناعات بالمغرب الأوسط، مجلة مخبر البحوث الاجتماعية والتاريخية، العدد4، الجزائر.

بلعربي خالد ومحمد ناصري، الحرب والإنسان بالمغرب الأوسط خلال العهد الزياني: الأسر أنموذجا، المجلة الجزائرية للبحوث والدراسات التاريخية، مج4،ع8، الجزائر.

بوتشيش ابراهيم القادري، مباحث في التاريخ الاجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين، دار الطليعة للطباعة، بيروت، 1997.

تيتاو حميد، الحرب والمجتمع بالمغرب خلال العصر المريني، منشورات عكاظ، المغرب، 2010.

حساني مختار، 1985، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للدولة الزيانية 633-962ه/ 1235-1554م، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر.

حميدي مليكة، 1423ه/2002م، المرأة المغربية في عهد المرابطين 448-541ه/ 1056-1146م، رسالة ماجستير، قسم التاريخ، جامعة الجزائر، الجزائر.

عبد الشكور نبيلة، 2008، إسهام المرأة المغربية في حضارة المغرب الإسلامي منذ النصف الثاني من القرن السادس إلى نهاية التاسع للهجرة الثاني عشر- الخامس عشر الميلاديين، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر، الجزائر.

غزالي محمد، 2014، الأثر الاجتماعي لقضايا الخلع والطلاق في بلاد المغرب الإسلامي من خلال كتاب المعيار للونشريسي، مجلة عصور الجديدة، العدد 11-12، وهران، الجزائر.

فيلالي عبد العزيز، تلمسان في العهد الزياني (دراسة سياسية، عمرانية، اجتماعية ثقافية)، ج1، موفم للنشر والتوزيع، الجزائر.

مارمول كاربخال،1989م، إفريقيا، تر، محمد حجي وآخرون، ج2، دار نشر المعرفة، المغرب.

مزدور سمية، 2009، المجاعات والأوبئة في المغرب الأوسط (588-927هـ/ 1192- 1520م)، رسالة ماجستير، جامعة منتوري، قسنطينة، الجزائر.

نقادي محمد، 2010، إسهامات الإمام الآبلي في الحياة الفكرية للمغرب الكبير، أطروحة دكتوراه، جامعة تلمسان، الجزائر.

@pour_citer_ce_document

البشير بوقاعدة, «المرأة والحرب بالمغرب الأوسط الزياني: دراسة في ألوان الضرر المعنوي «الخصاص الجنسي أنموذجا» »

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 249-263,
Date Publication Sur Papier : 2023-06-26,
Date Pulication Electronique : 2023-06-26,
mis a jour le : 26/06/2023,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9468.