العدول الصوتي في الفاصلة القرآنية من خلال تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، سورة الضحى أنموذجاThe phonetic transposition in the Qur’anic comma through the interpretation of altahrirwaltanwir by Sheikh Al-Taher bin Ashour ; Surat Al-Duha as amodelLa transposition phonétiquedans la virgule coranique à travers la sourate Al-Duha
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 20-2023

العدول الصوتي في الفاصلة القرآنية من خلال تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، سورة الضحى أنموذجا
La transposition phonétiquedans la virgule coranique à travers la sourate Al-Duha
The phonetic transposition in the Qur’anic comma through the interpretation of altahrirwaltanwir by Sheikh Al-Taher bin Ashour ; Surat Al-Duha as amodel
ص ص 145-158
تاريخ الاستلام 2022-08-19 تاريخ القبول 26-09-2023

العياشي عطوي / سفيان بوعنينبة
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يتناول هذا البحث بالدراسة ظاهرة العدول الصوتي في الفاصلة القرآنية من خلال سورة الضحى، واستئناسا بتفسير التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور - رحمة الله عليه، تهدف هذه الدراسة إلى إبراز القيمة الجمالية لهذه الظاهرة وارتباطها بالمعاني حيث تؤديها على أكمل وجه، وأمتع طريقة مما يؤكد أن العدول عن الأصل ضرب من الأساليب اللغوية التي تزيد الكلام جمالا والمعنى جلالا لتجعله مؤثرا في المتلقي ومفيدا. اخترنا لهذه الدراسة منهج الوصف، واستعنا بأسلوب التحليل، والتوجيه. علنا نبلغ بكل ذلك الهدف المنشود منه

Cette étude estbasée sur l’interprétation de altahrirwaltanwir par le cheikh Al-Taher bin Ashour – que Dieu lui fasse miséricorde - du phénomène de transposition phonétiquedans la virgule coranique à travers la sourate Al-Duha. Cetteétude vise à mettre en évidence la valeur esthétique de ce phénomène et sa relation avec les significations dans la mesure où ill’exécute de la manière la plus complète et la plus agréable possible, confirmant que l’abandon de l’original est un type de méthode linguistique qui augmente la beauté de la parole et de la signification afin de rendre il efficace et utile dans le destinataire. Nous avons choisi l’approche descriptive pour cette étude, et nous avons utilisé la méthode d’analyse et d’orientation pour atteindre notre objectif

This study is based on the interpretation of altahrirwaltanwir by Sheikh Al-Taher bin Ashour—may God have mercy on him—of the phenomenon of phonetic transposition in the Qur’anic comma through Surat Al-Duha. This study aims to highlight the aesthetic value of this phenomenon and its relationship with meanings as it performs it to the fullest and most enjoyable extent possible, confirming that abandoning the original is a type of linguistic method that increases speech and meaning beauty in order to make it effective and useful in the recipient. We chose the descriptive approach for this study, and we used the method of analysis and guidance to achieve our goal

Quelques mots à propos de :  العياشي عطوي

[1] El Ayachi Attoui مخبر التراث الأدبي الجزائري الرسمي والهامشي جامعة 20 أوت 1955 سكيكدة،  الجزائر e.attoui@univ-skikda.dz
[1]المؤلفالمراسل

Quelques mots à propos de :  سفيان بوعنينبة

Dr. Sofiane Bouaninba مخبر التراث الأدبي الجزائري الرسمي والهامشي جامعة 20 أوت 1955 سكيكدة،  الجزائر chehd07032011@gmail.com

مقدمة

اللغة العربية لغة الجمال والجلال، وفي كل شيء منها: سواء في أصواتها وأجراسها، أو في ألفاظها وعباراتها، أو في صورها وأخيلتها، أو في معانيها ودلالاتها، أو في أساليبها وطرق تعبيرها؛ إنها لغة أخاذة جذابة، قوية التأثير، وهي فوق ذلك لغة القرآن الكريم ترتبط به ارتباطا عضويا لا تنفك عنه، اختارها على سائر اللغات لتكون وسيلته للتعبير عما نزل به من وحي، ولتبيين ما جاء به من تشريع؛ فكانت له خير وسيلة؛ إذ عبّرت فأجادت وأبانت، وأفصحت فأفادت. كان شرفها كوسيلة من شرف ما يحمله قرآنها من غاية؛ إذ أن كل فعل علمي تجاه هذا القرآن ولا يزال لا يمكنه أن يتجاوز اللغة العربية، ولا يتم له النجاح دون أن تكون هذه اللغة هي وسيلته في البحث. وكان من أعظم وأشهر التفاسير في العصر الحديث تفسير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد في تفسير الكتاب المجيد،» المختصر في قولهم «التحرير والتنوير»؛ بذل فيه الشيخ «الطاهر بن عاشور»- رحمه الله- غاية جهده، وأبان عن نفاسة علمه وعقله، اعتمد فيه على وجوه الإعجاز، وجمال البلاغة العربية، وأساليب استعمالها، وقدرتها الإبداعية على تصوير المعاني وتمثيلها؛ كما حرص على تبيان أغراض السور والفوائد التي ترتجى منها، والعبر التي تنتهي إليها، وعلى وجوه الترابط والتناسق بين آياتها، مما يجعله بحق وهو بحجمه الكبير؛ إذا أضيف إليه مضمونه الجاد، وأسلوبه البديع المشوق محيطا مترامي الأطراف، وبحرا واسع الأرجاء، يحتاج الخائض في لجّه لقوة سفينته وسلامتها من الأعطال والأعطاب، ولصلابة مجدافه وقدرته على المناورة وتخطي الصعاب. وإلا باء سعيه بالخوار، وآل قصده إلى البوار. ومن الظواهر اللغوية الصارخة فيها: الظاهرة الصوتية المتأصلة فيها، الفريدة في بابها: تساويا وتقسيما وتوازيا، تجانسا وتناسبا، ومن أساليبها أسلوب العدول والالتفات، والتي زادها القرآن الكريم بهما وبغيرهما رونقا وبهاء، وسموّا واهتداء إلى أن بلغ بها مبلغ الإعجاز. ومن الظواهر الصوتية اللافتة لانتباه قارئ القرآن الكريم: صوت الفاصلة بجماله الرائق، والعدول فيه من فاصلة إلى أخرى بإدهاشه الخاطف، وتناغمه مع المعاني والأغراض. مما جعل كل ذلك حالة خاصة لا تحدث، ولا ينبغي لها أن تحدث إلا في القرآن الكريم كلام الله باللغة العربية. كانت هذه الحالة أقصد الفاصلة والعدول فيها دافعا لنا في هذا المقال للبحث والدراسة استجلاء لقيمتها الفنية والمعنوية، وإظهارا لقدرتها التأثيرية، وتثمينا للإفادات التي تكمن فيها. قدمت بحثي هذا من خلال مرحلتين الأولى كانت نظرية: دارت حول الصوت في اللغة العربية تعريفا وأهميّة، والفاصلة منه، وأقوال العلماء العرب قدمائهم ومحدثيهم فيها، وتفريقهم بينها وبين قوافي الشعر وأسجاعه، ومحاولاتهم تحديدها، وظاهرة العدول فيها. أما المرحلة الثانية فإجرائيّة: حاولت فيها إسقاط كلّ ما تمّ تناوله في المرحلة الأولى على سورة الضحى مدونة هذا البحث، وذلك من خلال عرض فواصلها، محلّلا حروفها حرفا حرفا معتمدا على مخارج الحروف وصفاتها بعد أن حددت كلماتها، محاولا ربط ذلك بالمعاني الدالة عليها كما وجدتها في تفسير «التحرير والتنوير» وغيره من التفاسير، محاولا الوقوف على رأي الشيخ الطاهر بن عاشور إزاء الفاصلة القرآنية في هذه السورة. والإجابة عن هذه التساؤلات: ما مدى اهتمام القرآن الكريم بالظاهرة الصوتية؟ إلى أي حد اتخذها وسيلة تعبيرية عن مضامينه؟ ما مظهر العدول الصوتي في الفاصلة على مستوى سورة الضحى؟ وما وجوه تأديته لمعاني السورة والإيحاء بها؟ إلى أي مدى كانت طريقة القرآن الكريم في ذلك فريدة تسترعي الألباب، وتشهّي الأذواق؟ وإلى أيّ حد كانت سورة الضحى أنموذجا مثاليا لهذه الظاهرة؟ ما موقعها من تفسير التحرير والتنوير لهذه السورة؟

التجليات النظرية للمفاهيم

الأصوات في أعرافنا المفاهيمية

اللغة العربية لغة موسيقية في طبيعتها: تأمل قول «عمرو بن كلثوم» في معلقته يفتخر بقومه ويناويء أعداءه:

أَنَّـا المُطْعِمُـوْنَ إِذَا قَدَرْنَــا                     وَأَنَّـا المُهْلِكُـوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَــا

وَأَنَّـا المَانِعُـوْنَ لِمَـا أَرَدْنَـا                         وَأَنَّـا النَّـازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَـا

وَأَنَّـا التَـارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَـا                 وأَنَّـا الآخِـذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَـا

وَأَنَّـا العَاصِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا                وَأَنَّـا العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا

 (ابن كلثوم، 1996)

فليس ألذ وأجمل، وأنسب وأجل في التعبير عن عزة القوم في مقارعة الأعداء بالكلمة رديفة السلاح من هذا الإيقاع الذي التزمه الشاعر في أبياته، عبر تنميط لنغمات جاءت متكررة متتابعة سريعة، قائمة على ضمير الجماعة المؤكد ب «أنّ» وصيغة اسم الفاعل مع الجماعة، وأسلوب الشرط القائم على «إذا» والجملة الفعلية في كل شطر من شطري البيت؛ وكأنّ الشاعر بها يعيش بين أظهرنا وليس وراءها بقرون ألفت أذنه سماع الطلقات النارية التي تنبعث من أفواه الرشاشات والبنادق لا قرع الرماح والسيوف.

وانظر إلى قول «الخنساء» في أخيها صخر:

حَمّـالُ ألويةٍ هبّاط أوديةٍ شهّادُ أنْديةٍ للجيش جرّارُ

نحّارُ راغيةٍ مِلجاء طاغيةٍ فكّاكُ عانيةٍ لِلعظم جبّارُ!

(الخنساء، 2004)

لعلّها ترانيم ساحرة آسرة دالة على شخصية مثالية تقدمها «الخنساء» عن أخيها المكابد المجاهد، الجامع لصفات القوة وصفات الإنسانية معا، تظهر الصفات الأولى عبر سلسلة من صيغ المبالغة؛ حتى إذا استهلكت أنفاسنا أثناء القراءة وأصبنا بالعياء -نحن طبعا لا صخر- جاء الاستحقاق الذي حق به صخر «للجيش جرار» متنفسا لنا، يخفف عنّا وطأة الحمل والجهد المبذول في أعضائنا الصوتية، إلا أن جهد صخر يفوق بكثير جهدنا، معبّرة عن مكابدته ومجالدته في سبيل المعالي. وتظهر الثانية من خلال النمط التعبيري نفسه حيث لا يزال يكابد ويجالد إلا أنه في هذه المرّة من أجل إشاعة الروح الإنسانية من خلال أعمال الخير التي يسديها لغيره من الناس. ولا شك أنّنا مصابون بما أصابنا في البيت الأول.

وانظر إلى هذا البيت الذي قالته «الزباء بنت عمرو» وقد اكتشفت الخديعة المحبوكة ضّدها، والمكيدة الأكيدة التي دبّرها أعدؤها؛ بأنّ هذه الجمال لا تحمل تجارة موعودة بل هي حرب لابدّ أنها بها موءودة.

ما للجمال مشيها وئيدا أ جندلاً يحملن أم حديدا

 (الهمداني، 1980)

إنّنا نجد أنفسنا مرغمين على قراءة البيت بتثاقل؛ ولا شك في أن ذلك يعّبر عن تثاقل مشي الجمال. فلو جاز لنا أن نعثر على إنسان يقرأ العربية ولا يفهمها لقال أنّ هناك شيئا يمكن أن يوصف بالبطء والتثاقل؛ وهكذا قد نقترب من معنى الكلام من خلال صوته وموسيقاه. وحكى «سيبويه» عن العرب: «أنّهم إذا ما ترنموا فإنهم يلحقون الألف والواو والياء، ما يُنون، وما لا يُنون، لأنّهم أرادوا مدّ الصوت». (سيبويه ع.، الكتاب، 1988) وكلّ هذا جعل «عباس محمود العقاد» يردّ ذلك «إلى أسباب خاصة لم تتكرر في غير البيئة العربية الأولى، أهمها سببان: هما الغناء المفرد، وبناء اللغة نفسها على الأوزان.» (العقاد، 2013)

ونجد القرآن الكريم يرتّب أدوات تعرّف الإنسان على الكون والحياة؛ فيأتي السمع في المرتبة الأولى قال تعالى: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسُۡٔولٗا ٣٦﴾ (الاسراء:  36)وماذا نسمع؟ إننا نسمع أصواتا. وهذا ما يؤشر على أنّ المراحل الأولى من تعليم اللغة لابدّ أن تهتم بالجوانب الصوتية، وآلتها السمع؛ فإذا تقدّم المتعلم شيئا أصبح في حاجة إلى المرئيات وآلتها البصر، وإذا تقدّم إلى مستوى أعلى من التعليم أصبح في حاجة إلى المعاني والأفكار أكثر عن طريق آلة الفؤاد أو العقل. فماذا زادت علوم التربية في العصر الحديث على هذا القبيل مما أشار إليه القرآن الكريم ولو لم يكن مقصودا في ذاته؟

وقد اعتنى القرآن الكريم بالجانب الصوتي من اللغة عناية فائقة، وممّا يثير الانتباه في هذا الشأن الظاهرة الصوتية المتميزة الغالبة والبارزة في قصار السور خاصة، وإذا كان ترتيب السور توقيفيا، وجاءت هذه القصار في القسم الأخير من الكتاب المجيد؛ فلا شك أن هناك حكمة ماضية وغاية واضحة من ذلك الترتيب وذلك الاهتمام ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ السور الطوال تعتبر كليّات البناء وهيكله وأقصد بناء الإسلام، وجاءت السور القصار مكملة للبناء محسّنة له، ولذلك أُلبست ثوبا جماليا ماتعا تستلذّه الأسماع، وتستريح له الأنفس، وتميل إليه القلوب؛ طُرّز هذا الثوب بألوان من الإيقاعات الموسيقية الفريدة في بابها. وأزعم حسب ما تكوّن لديّ من فهم رغم تواضعه من خلال تلك الروافد التي تسنى لي أن أرفد منها، وتلك المنابع التي حظيت أن أنهل منها. أن ليس هناك أعذب ولا أحلى، ولا أصفى ولا أجنى، ولا أشدّ إعمالا في العقل والنفس من عمل تلك الأنغام الناتجة عن أصوات قراءة القرآن تجويدا وترتيلا، وقدرتها على تمثيل المعنى، ونحن نعرف اتصالها الوثيق بعلم الأصوات العربي، واتصالها الدقيق بما يُسمّى بعلم التجويد والترتيل ممّا توّصل إليه علماؤنا الأجلّاء في درسهم اللغوي حول اللغة العربية بمستوياتها المختلفة المحقق لما يعرف في عالم الأدب بجلاله وجماله بالفائدة والمتعة.

وقد روى أبو هريرة عنِ النبي أنّه قال: «ما أَذِنَ الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن» [حديث صحيح متّفق عليه]، أنت ترى أنّ الإسلام بقرآنه الكريم ولغة قرآنه العربية، وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم له اهتمام بالغ وعناية فائقة بالأصوات والترانيم. إنّ الأصوات الموسيقية الشجية التي نسمعها أثناء ترتيل القرآن الكريم وتجويده واجد فيها المحزون والمكلوم بغيته في استلذاذ التعبير عن حالته، فإنّ غليظ الطبع قاسي القلب واجد من النغمات القرآنية ما يهذب تلك الطباع المغمورة نفسُه في أوحالها، وتلك الضباع المتوحشة الموثوق قلبُه بقيودها. وإنّ أسير الحيرة ضائع القصد لواجد في القرآن الكريم نفحات موسيقية تهدئ من مزاج الشؤم الذي هو سالبُه قوته وإرادته، وتزيل عن رؤيته غشاوة الضلال فيهتدي إلى الحق وسبل الرشاد. انظر إن شئت إلى مشاعر الوحشة وأشجان الغربة التي تغمر دواخلك وتطمي سرائرك بغمر من تلك المشاعر وأنت تستمع إلى الشيخ «عبد الباسط»- رحمه الله -وهو يرتل سورة يوسف، وأقول وأنت تستمع إلى صوته وقد مُزج بأصوات العربية وبالمعاني التي يريد القرآن الكريم تبليغها، سوقا للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المراد. (ابن جني، 1952) وعلى كل فهل معاني الحروف إلا صداها في النفس؟ (عباس، 1998) وهكذا ترتبط أصوات اللغة بأغراض المتكلم ومقاصده الكلامية؛ فتعبر عن معانيه وحالاته النفسية.

كان أوّل عمل في تقعيد اللغة العربية قام به «أبو الأسود الدؤلي» هو تشكيل القرآن الكريم؛ فقد قال لكاتبه: «إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، فإن رأيتني ضممت فمي، فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين.» (الأنباري، 1985) وهكذا تكون المشكلة -في القصة المعروفة - مشكلة إعرابية بامتياز ويكون الصوت العامل الأول في حلها بامتياز أيضا.

اهتم العلماء بعده مباشرة بالجانب الصوتي أولا فهذا «الخليل بن أحمد» يبني معجمه العين بناء صوتيا ويسميه العين، ويخترع أوزان الشعر العربي بوضعه لعلم العروض. كذلك كان اهتمام العلماء من بعده.

قيمة الدرس الصوتي العربي القديم

يقول «إبراهيم أنيس»: «ولقد كان للقدماء من علماء العربية بحوث في الأصوات اللغوية شهد المحدثون الأوروبيين أنّها جليلة القدر بالنسبة إلى عصورهم، وقد أرادوا بها خدمة اللغة العربية والنطق العربي، ولا سيما في الترتيل القرآني، ولقرب هؤلاء العلماء من عصور النهضة العربية، واتصالهم بفصحاء العرب كانوا مرهفي الحسّ، دقيقي الملاحظة، فوصفوا لنا الصوت العربي وصفاً أثار دهشة المستشرقين وإعجابهم.» (أنيس، 1975). فها هو الانجليزي «فيرث» يقول: «إن علم الأصوات قد نما وشبّ في خدمة لغتين مقدستين هما السنسكريتية والعربية. «(مختار، 1982).

التعريف بالصوت

الصوت في اللغة

ورد في لسان العرب: «وقد صات يصوت، وأصات وصوت به: كله نادى، ودعا من صائت أي صائح والصوت والصيت: الذكر والجرس (ابن منظور م.، 1414). وفي القرآن عن طرق  إغواء الشيطان يقول تعالى:﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ...﴾(الإسراء: 64).

الصوت في الاصطلاح

هو «عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلا حتّى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً، وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها» (ابن جني، 2000). من خلال هذا التعريف يبين «ابن جني» طبيعة الصوت، والوسط الذي يتحرك فيه، ومخارجه، وما ينتج عنه عندها من حروف؛ حيث يجعله عرضا كبقية الأعراض لها وجود وزوال، يخرج مع النفس في رحلته من القفص الصدري حيث الرئتان إلى الفم في استطالة واتصال عبر الجهاز النطقي للإنسان؛ إذ تعترض حركته وجريانه الحلق، الفم، الشفتان ... عبر مقاطع، وخلال ما يحدث له عندها من عمليات ميكانيكية: اعتراضا، وضغطا، واحتكاكا؛ تتشكل الحروف، يتميز بها الصوت المنطوق الذي يصدره الإنسان عن غيره من الأصوات، وباختلاف تلك المقاطع تختلف أجراس الحروف؛ فتتنوع ويتميز بعضها عن بعض. وعلم الأصوات له صلة بالموسيقى يقول «ابن جني» أيضا: «ولكن هذا القبيل من هذا العلم؛ أعني (علم الأصوات) والحروف، له تعلق ومشاركة للموسيقي لما فيه من صنعة الأصوات والنغم»»(ابن جني، 2000)، وهذا الربط بين الأصوات والموسيقى يوكد لنا الجانب الجمالي التأثيري للأصوات التي ننطقها؛ فما نستعذبه ونستلذه مما يصدر عن الضرب على أوتار آلة موسيقية قد لا يختلف عنه التأثير الجميل الذي تحدثه فينا الأصوات اللغوية في جمل أو نصوص ننتجها، أو نقرأها.

ومن تعاريف المعاصرين: «الصوت ظاهرة طبيعية ندرك أثرها دون أن ندرك كنهها، وكل صوت مسموع يستلزم وجود جسم يهتز وأن الهواء هو الناقل لتلك الاهتزازات، في أي وسط كان حيث يصل إلى الأذن». (أنيس، 1975) والملاحظ من خلال هذا التعريف ورغم تأثر صاحبه بالدراسات الصوتية الغربية الحديثة مع ما صاحبها من تطورات علمية وتكنولوجية؛ فإنه لا يبتعد كثيرا عن تعريف «ابن جني»؛ فطبيعة الصوت واحدة، وطريقة خروجه واحدة، سواء من حيث الجهاز النطقي، أو الوسط الذي ينتقل فيه، أو العوامل المؤثرة فيه خلال جريانه، أو من حيث مبتدأه ومنتهاه، وهكذا.

الفاصلة

الفاصلة في اللغة

هي «الفصل أي البون ما بين الشيئين. والفصل من الجسد: موضع المفصل، وبين كل فصلين وصل، والحاجز بين الشيئين أي فصل بينهما وفصلت الشيء أي قطعته، وفي القضاء الفصل بين الحق والباطل. والفاصلة: الخرزة التي تفصل بين الخرزتين في النظام، وقد فصل النظم. وعقد مفصل أي جعل بين كل لؤلؤتين خرزة والتفصيل التبيين  َ...» (ابن منظور م.، 1414). وورد في التنزيل الحكيم: ﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ١﴾ (هود: 1)، وقوله سبحانه: ﴿كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٣﴾ (فصلت: 3).

الفاصلة في الاصطلاح

هي «كلمة آخر الآية كقافية الشعر وسجعة النثر، وتعني توافق أواخر الآية في حرف الروي أو في الوزن مما يقتضيه المعنى وتستريح إليه النفوس». (الحسناوي، 2000). لقد اخترنا هذا التعريف لأنه في نظرنا أكمل التعاريف التي عُرّفت بها الفاصلة؛ ففيه تحديد لها بتشبيهها بقافية الشعر وسجعة النثر، وفي توافق أواخرها، وفي وظيفتها الدلالية بتأثيرها والموسيقي وخدمته للمعنى. ومع ذلك فنحن نتحفظ على استعمال بعض المصطلحات المتصلة بالشعر كمصطلحي الروي والوزن؛ فرغم دورهما في إثراء التعريف إلا أن استعمالهما يتعارض مع تنزيه الله سبحانه وتعالى لكلامه بأن يكون من الشعر، أو كلام البشر عامة. كان من الأنسب لو وظف صاحب التعريف منطوق الحرف الأخير، والإيقاع ...

تحديد الفاصلة

ويمكن تحديد الفاصلة بالاعتماد على الأقوال التالية يقول “الزركشي”: “الفاصلة هي الكلمة في آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع”. (الزركشي، 2006) ويحددها “الطاهر بن عاشور” في “الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها وتتكرر في السورة تكرراً يُؤْذِن بأن تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم في آيات كثيرة متماثلة” (ابن عاشور م.، 1984). ويبدو لنا سبب تحرج العلماء من مقاربة الفاصلة بالقوافي والأسجاع من خلال ما ذهب إليه “السيوطي” “أنه لا يجوز تسمية الفواصل القرآنية قوافي إجماعاً؛ لأن الله تعالى لما سلب عن القرآن اسم الشعر، وجب سلب القافية عنه أيضاً؛ لأنها منه وخاصة به، فكما يمتنع استعمال القافية في القرآن، يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر؛ لأنها صفة لكتاب الله تعالى فلا تتعداه”. (السيوطي، 2008). والفاصلة ميزة صوتية معنوية يتميز بها القرآن الكريم عن كلام العرب شعرا ونثرا قال “الطاهر بن عاشور” في تفسير الآيتين 69،70 من سورة يس: “وما بني عليه أسلوب القرآن من تساوي الفواصل، لا يجعلها موازية للقوافي، كما يعلمه أهل الصناعة منهم، وكل من زاول مبادئ القافية”. (ابن عاشور ا.، 1984) ولذلك كانت بابا مستقلا خاصا به يقول “مصطفى مسلم”: “لكل آية مقطع تنتهي به هو الفاصلة، وليست الفاصلة قافية شعر ولا حرف سجع وإنما هي شاهد قرآني لا يوجد إلا فيه، ولا يعتدل في غيره” (مسلم، 1441)؛ وهذا النفور والتحرج من المقاربة بين موسيقى القرآن الكريم وموسيقى الشعر أو النثر ناتج عن استجابتهم لقوله تعالى:﴿وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ ٤١﴾ (الحاقة: 41). وأن “فواصل القرآن تابعة للمعاني وأما الأسجاع فالمعاني تابعةٌ لها” (أبو زهرة، 1998) كما يقول “الرماني”؛ وعليه فالفاصلة نغمة جديدة جاء بها القرآن الكريم لم تألف أذن العربي سماعها؛ فما سمعته هو سجع في نثر أو وزن وقافية في شعر؛ جاءت تمثل لوحات فنية موسيقية ريّقة شيّقة لا نجد لها مثيلا في كلام البشر شعره ونثره. ويتّضح مما سبق أن المعول في تحديدها يعود إلى تذوق الإيقاع الموسيقي للمقطع الأخير من الفاصلة والذي اجتمعت الآراء على أنه يمثل الكلمة الأخيرة منها.

 

تعريف العدول

في اللغة

قال «ابن فارس»: العين واللام أصلان صحيحان، لكنهما متقابلان كالمتضادين، أحدهما: يدلّ على: استواء والآخر: يدل على اعوجاج. (ابن فارس، 1979).

وفي اصطلاح القدماء

نجده عند “سيبويه” اتساعا (سيبويه ع.، 1988) وعند “ابن جني” عدولا وانحرافا وخروجا عن الأصل (ابن جني، 1952) وربط “الجرجاني” بينه أي بين العدول والمجاز، وجعله بمعنى دلالة اللفظ على معاني أخرى والتوسع فيها في حديثه عن المعنى ومعنى المعنى (الجرجاني، 1992) وهكذا عند غير هؤلاء من القدماء؛ والملاحظ أن القدماء قد يتفقون في التسمية وقد يختلفون، كما أنهم يختلفون في ربطه بظاهرة لغوية أو بلاغية ما، مما أكسب هذا المصطلح غنى وثراء.

وفي اصطلاح المعاصرين

نجد “تمام حسان “يعرفه بقوله: “العدول هو الخروج عن أصل أو مخالفة القاعدة، وهو من موارد التأنق اللفظي في الأسلوب” (حسان، 1993)وعند “عبد الحميد الهنداوي”: “هو مَيلٌ عن النظام أو الأصل اللُّغوي” (الهنداوي، 2008). ومن اللافت في هذا المجال أن ما يكون اليوم عدولا عن الأصل والقاعدة قد يكتسب مع كثرة الاستعمال قدرا من الاطراد قد يرقى به على رتبة الأصل الذي يقاس عليها (حسان، 1993). فكم من قاعدة نحوية كانت عدولا عن الأصل وأصبحت أصلا، وكم من تعبير مجازي ومع كثرة الاستعمال أصبح في عرف الناس حقيقة.

قيمته الجمالية

تبدو قيمته الجمالية من خلال قول «الجرجاني» عنه أنه «باب كثير الفوائد جم المحاسن، واسع التصرف، بعيد الغاية « (الجرجاني، 1992) وعليه فهو يثري المعاني، ويوقظ الأفهام، ويحرك المشاعر، ويثير المتع الفنية واللذائذ الجمالية. وما كان هذا أمره لا يمكن وصفه بالخروج عن الأصل أو خرق القاعدة وغيرها من الأوصاف والمسميات. إلا إذا كانت له صلة وثيقة بالأصل وكان فرعا عن القاعدة واستثناء. وانطلاقا من كل ذلك فالعدول لا يعني الشذوذ عن الصواب في اللغة بل هو اتساع في التعبير وابداع يهدف إلى دفع المتلقي وإثارته، وتحريك وجدانه وأخيلته وعقله، وهذه هي الغاية من الفن على العموم.

وقفة مع مصطلح الخرق وبعض ما سمي به العدول

إن الله عندما تحدث عن خلق الخيل والبغال والحمير بيّن لنا العلّة من خلقها فقال:﴿وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٨﴾ (النحل: 8)؛ فجعل الركوب ضرورة، وجعل الجمال مما قد يبدو لنا كمالية رديفا لتلك الضرورة؛ ولذلك كان هذا الأخير مكملا للأول بل قد لا تصلح الحياة إلا بهما معا، والجمال كما يكون ماديا يكون أيضا معنويا يخص الأخلاق والقيم؛ وكذلك العدول اللغوي بالنسبة إلى أصله؛ فهو فرع منه مكمل، واستثناء مفيد. ثم إنه ومن المعروف أن المصطلح العلمي في جوهره هو مظهر حضاري، ومنه أيضا هو مظهر أخلاقي؛ ولذلك تبدو لنا بعض التسميات مع الأسف في هذا المجال نشازا؛ حيث لا تصلح لوصف شيء متصل بالقرآن خاصة. إن مصطلح الخرق مثلا حسب ما يظهر لي لا يصلح استعماله في تسمية ما له صلة بالدين والخلق والتربية لأنه يبدو نابيا يخدش المثل والقيم، ومدعاة للجرأة على قيمنا وأعرافنا نظرا للصورة المفهومية المتعلقة به، والعالقة في أذهان الناس حول هكذا تسميات؛ فمما ورد من معاني خرق: خرق الثوب مثلا شقه، والخرقة المزقة منه، ... وخرقوا له أو خرقوا حسب قراءة نافع أي افتعلوا ذلك كذبا. وخرقت الأرض أي جبتها، وخرق الأرض يخرقها قطعها (ابن منظور م.، 1414). ومن استعمالات القرآن الكريم لمادة خرق قوله: ﴿فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيًۡٔا إِمۡرٗا ٧١﴾ الكهف 71 وقوله:﴿وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا ٣٧﴾ (الإسراء: 37).وقوله: ﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ١٠٠﴾ (الأنعام: 100). انظر فداحة هذه المعاني التي تجتمع في إحداث الأذى المادي عموما بالشيء المخروق؛ كيف يصلح أن نعبر بهذه التسمية عن القرآن الكريم ومتعلقاته؟

و- العدول في الفواصل: «ويتم بأن يُلتزم نمط صوتي ما خلال فواصل عدة ثم يعدل عنه إلى نمط آخر، وهو العدول

الداخلي الذي يظهر عندما تخرج وحدة لغوية عن ذلك النمط». (فضل، 1998)

 

الفواصل وعلاقتها بالمعنى

القرآن الكريم معجز في معانيه كما هو معجز في أساليبه؛ فكل عنصر لغوي أو تعبيري فيه له علاقة بالمعنى؛ إفادة وتأثيرا والكلام الصحيح إنما يقوم على أشياء ثلاثة: «لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورابط لهما... (الخطابي، 1976)؛ وقد قال «ابن جني» بتصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني. (ابن جني،  1952) ومن خلال تعاملنا مع تفسير التحرير والتنوير تبين لنا بكل وضوح اتجاهه الوظيفي في التحليل اللغوي؛ فاللغة عنده بكل مستوياتها وعاء يحمل المعاني ويهدف إليها، إلا أن تعامله مع الفاصلة لم يكن بتلك الدرجة من الوضوح كما لمسناه في غيرها من الأساليب فهو في الغالب يعلل كيفيات ورودها بقوله لرعاية الفاصلة، ووجدناه في كلامه عن تأثيرها في المعنى يكتفي بأحكام نظرية؛ فهو يجعلها «مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْفَصَاحَةِ» (ابن عاشور م.، 1984) ونراه في موضع آخر يركز على تأثيرها الصوتي في النفوس، ويربط ذلك بعنصر الإعجاز؛ فيقول « وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفَوَاصِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْإِعْجَازِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مُحَسِّنَاتِ الْكَلَامِ وَهِيَ مِنْ جَانِبِ فَصَاحَةِ الْكَلَامِ، فَمِنَ الْغَرَضِ الْبَلَاغِيِّ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْفَوَاصِلِ لِتَقَعَ فِي الْأَسْمَاعِ فَتَتَأَثَّرَ نُفُوسُ السَّامِعِينَ بِمَحَاسِنِ ذَلِكَ التَّمَاثُلِ، كَمَا تَتَأَثَّرُ بِالْقَوَافِي فِي الشِّعْرِ وَبِالْأَسْجَاعِ فِي الْكَلَامِ الْمَسْجُوعِ» (ابن عاشور م.، 1984). ولعلّه يقصد أنّ وظيفتها اللغوية تكمن في تأثيرها الموسيقى على النفوس والذي ينعكس على المعنى تلقّيا وفهما وتمثّلا. وتأسيسا على ذلك فإنّ التأثير بالكلام لا يتحقق إلا بتضافر المعنى مع المبنى، اللهم إلا إذا كان من كلام المجانين أو السكارى السادرين. ولذلك تجدنا نحلل الفواصل في هذه السورة انطلاقا من نظرة الشيخ الطاهر بن عاشور إليها وانطلاقا من تفسيره لآيات السورة.

التجليات التطبيقية

نص السورة

﴿وَٱلضُّحَىٰ ١  وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ ٢  مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ٣  وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ ٤ وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ ٥  أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فََٔاوَىٰ ٦ وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ ٧  وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ ٨  فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ ٩ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ ١٠  وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ ١١﴾.

التعريف بسورة الضحى

نزلت بمكة بالاتفاق (ابن عاشور م.، 1984) تتناول الموضوعات العقائدية والأخلاقية شأنها في ذلك شأن القرآن المكي عامة. ومما ورد في سبب نزولها روى الترمذي عن ابن عيينة عن الأسود عن جنذب البجلي قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فدميت إصبعه فقال: قل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيتقال فأبطأ عليه جبريل فقال المشركون قد ودع محمد فأنزل الله تعالى﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ٣﴾ (الضحى: 3) وقال حديث حسن صحيح (ابن عاشور م.، 1984)؛ ولطمأنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأكيد وقوف الله إلى جانبه نزلت هذه السورة.

موضوعها

تناولت السورة المعاني التالية: القسم بالضحى والليل، والله لا يقسم إلا بالعظيم، ثم نفي توديعه لنبيه وتخليه عنه، وبعد ذلك نجد تأكيدا له على أفضلية الأخرة على الدنيا، وتأكيده له بإغداق إعطائه عليه، وإغراقه في نعمته التامة، ثم تذكيره بحالة يتمه وفضله عليه بإيوائه والتكفل به، وحالة فقره بإغنائه وسد حاجاته، وحالة ضلاله بهدايته وتسديد خطاه، ثم نهيه عن قهر اليتيم ونهر الفقير، وأمره بذكر نعم الله وأفضاله عليه، وإشاعتها بين الناس.

الفاصلة القرآنية فيها

على اعتبار الفاصلة هي الكلمات الأخيرة حسب رأي من ذكرناهم سابقا. حددها “سيد قطب” في ذلك الإيقاع المتشابه الحاصل في آخر الآيات مثل: حكيم، مبين، مريب ... (قطب، 1972) وعليه أيضا يمكننا تحديدها هنا في: “ضحى” “سجى”، “قلى”، “أولى” “ترضى”، “هدى”، “أغنى “في الآيات الثمانية الأولى تنتهي بألف مقصورة. وفي الآيتين التاسعة والعاشرة ب “راء” ساكنة “تقهر” و”تنهر”. وفي الآية الأخيرة ب حرف “الثاء” في “حدّث”. والعدول في سورة الضحى من نوع العدول الداخلي حيث تنفصل وحدة لغوية ذات انتشار محدود عن القاعدة المسيطرة على النص (فضل، 1998) وبناء عليه فقد جاءت الفاصلة في هذه السورة متنوعة على ثلاثة أنحاء: فاصلة مسيطرة، فاصلة منفصلة، وفاصلة «فريدة» (البدوي، 2005).

تحليل أصوات الفاصلة

روي عن ابن جني أنه سئل: لو أن العرب قالوا: “دخل” مكان “خرج “، وقالوا: “خرج” مكان “دخل” هل تقبلها؟ فقال لا أقبلها فقيل له ولماذا؟ فقال لأن لفظة دخل تتحرك أصواتها من الخارج إلى الداخل، بينما لفظة خرج تتحرك أصواتها من الداخل إلى الخارج؛ انظر كيف تكون دلالة الأصوات منطقية؟ (مكي، 2012) حسب مخارجها. ففي الفاصلة المسيطرة تنتهي الفواصل في الآيات الثمانية بالألف في صورة ياء، منها ما كان أصلها واوا «كالضحى وسجى» جاءت كذلك لرعاية تناسبها مع أغلب الكلمات الأخرى المختومة بالألف والتي في أكثرها منقلبة عن ياء؛ لأن الألف تجري فيها الإمالة (ابن عاشور م.، 1984)؛ فجاءت كذلك لتناسبها؛ وهي من الحروف المدية، الجوفية، الهوائية، العلية (سيبويه ع.، 1988)جعلتها تلك الصفات تناسب الحالة النفسية الشعورية للرسول صلى الله عليه وسلم من جهة، وإرادة الله سبحانه وتعالى في طمأنته واسترضائه من جهة أخرى؛ «الألف» من الحروف اللينة التي يندفع الهواء عند نطقها من أبعد مخرج وهو الجوف، (الصحاري، 1999) ثم الحلق فالفم دون حاجز يمنعها؛ فهي بمديتها (المقروش، 2001) توحي بالبحبوحة والسعة في ألطاف الله عليه، وبصفة الجوفية تدل على عمق الجرح الذي ألم به صلى الله عليه وسلم، وصفة الهوائية تجعلها منفتحة حرة في انطلاقها لا يحدها حد، ولا تقف عند سد، ولا عجب في ذلك فالله سبحانه وتعالى حينما جعل الإنسان يصبر على الطعام لأيام جعل في مقدور الناس تملكه، وعندما جعله يصبر على الماء لمدة تقل عن مدة صبره على الطعام جعل بعضهم فقط يستطيعون تملكه، وعندما كانت مدة صبر الإنسان على الهواء لدقائق جعله عصيا تماما عن تملك وتصرف البشر؛ كذلك الشأن هنا نجد تحرر ألطاف الله نحو نبيه صلى الله عليه وسلم من القيود والحدود، وتكمن دلالة عليتها أي الألف في رقتها وضعفها واستجابتها للمد، ومطاوعتها للتأقلم مع التغيرات التي تحدث في الصيغ اللفظية أسماء وأفعالا مما يناسب أجواء الألم وأجواء ملاطفة الوكيل للمكلوم المتألم الموكول عليه، ومناسبة لقدرة هذا الأخير التفاعل مع جميع الحالات وتقلباتها. وعلى الجملة فإن في هذا الإيقاع نشعر بالهدوء والراحة تساوقا مع الجو الشعوري للسورة عامة. يستهل الله

سبحانه وتعالى تطمينه وتأمينه لرسوله صلى الله عليه وسلم بالقسم حيث يقسم بالضدين الضحى مع إشراق الوحي لهداية الناس، والليل وظلام الانقطاع الساجي الآيل إلى السكون والهدوء بعد أن كان وقت حركته صلى الله عليه وسلم بقيام الليل وتلاوة القرآن الكريم، يزعج بهما الصمت المطبق على آذان الكفار والمشركين عن سماع أصوات الحق والرشاد (ابن عاشور م.، 1984)،والضحى هو بداية النهار فيه تجدد وتمدد، وحركة وضجة نلمسها من خلال حرف «الضاد «الذي هو حرف مجهور (المكي، 1996) يتصف بالفخامة والضخامة امتلاء واستطالة (عباس، 1998) وحرف «الحاء» المهموس الرخو فيه بحة (المكي، 1996)يصدر عند خروجه صوتا يشبه الحفيف. يسمعنا صوتا غنائيا؛ لأنه يعد أغنى الأصوات عاطفة وأكثرها حرارة، وأقدرها على التعبير عن خلجات القلب ورعشاته. (المكي، 1996) وهما يناسبان التعبير عن الإحساس بمتعة الضحى الذي هو أطول فترات النهار، بما فيه من عذوبة ووإشراق، وامتداد وانبعاث. وفي «سجى» نجد السين وهو حرف مهموس (المكي، 1996)يناسب سكون الليل ورهبته. وتليه الجيم وهي حرف قوي لجهره وشدته، (المكي، 1996، صفحة 176) ومعناه في اللغة العربية (الجمل الهائج) وهو حرف انفجاري احتكاكي (المكي، 1996) مما يفيد صفة الليل الأخرى وهي الثقل الذي يحس به المهموم المكروب؛ ولعل «أمرؤ القيس» رأى في ليله المثقل بالهموم الذي أبى أن يتحلحل أو يتزحزح عنه صورة الجمل الضخم الذي طغى عليه فانسحق تحت وطأته؛ فقال مخاطبا له يترجاه أن يؤول عنه ويزول.

فقلت له لما تمطى بصلبه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

(القيس، 2014)

فليل الشاعر هنا كما ترى طويل، وطويل جدا، وثقيل جدا جدا، ألقى بكل ثقله عليه مما سبب له الشعور بالضيق والانسحاق وهو يكابد وطأته. «قلى» «القاف» للقلقلة (المكي، 1996)من الحروف الشديدة الانفجارية (عباس، 1998) فيه اضطراب يعبر بتلك الصفات عن الآثار النفسية للترك عندما يترك الكفيل مكفوله، و»اللام» هو حرف مجهور متوسط الشدة يخرج بالتصاق اللسان بسقف الحنك ثم ينفك عنه لينفلت النفس خارج الفم (عباس، 1998)؛ وهذا يناسب فعل الترك والتخلية بعد تكفل ورعاية، وما فيه من انحراف (سيبويه ع.، 1988) يعبر عن عدول واقع في علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بربه عن حالتها الطبيعية حسب مزاعم الكفار، مع العلم أن معنى «قلى» عند «الطاهر بن عاشور» تفيد البغض الشديد، وأن انقطاع الوحي عنه صلى الله عليه وسلم كان تخفيفا عنه، وارتياضا له لتحمل أعباء الدعوة. (ابن عاشور م.، 1984) «أولى» الهمزة حرف جوفي شديد يعبر عن الحضور والشهادة، فيه بروز (عباس، 1998) ومفاجأة حيث يخرج بانطباق الوتران انطباقا تاما؛ فينحبس الهواء عندهما لحظة ثم ينفرجان فجأة؛ فيندفع إلى الخارج محدثا صوتها. (أنيس، 1975) تعبر بتلك الصفات عن عالم المحسوسات في الدنيا الآيلة إلى الزوال المفاجئ. «الواو» حرف جوفي لين فيه تعبير عن الانفعالات (عباس، 1998) حيث يندفع به الهواء عند مخرجه إلى الأمام (عباس، 1998) خارج الفم لعله بذلك يعبر عن معنى لفظ الدنيا ورفضها. بعد أن هوى من الشفة في الفم حتى ينقطع عند مخرج الألف؛ (المبرد، 1991) ولعله بذلك الرجوع يعبر عن تمسك الأنسان بالدنيا، والحرص على البقاء فيها، ولكن هيهات هيهات أن يتحقق له ذلك؛ وقد رأى الشيخ «الطاهر بن عاشور» في ذلك إيماء بأن «الآخرة» هي هذه المرة التي يعود فيها اتصال الوحي بعد انقطاعه، و«الأولى» بفترة انفصاله بعد اتصاله (ابن عاشور م.، 1984). و «اللام» هو حرف مجهور متوسط الشدة يخرج بالتصاق اللسان بسقف الحنك ثم ينفك عنه لينفلت النفس خارج الفم-كما ذكر سابقا-؛ فيه أيضا كما في حرف الواو تعبير عن ضرورة ترك الدنيا والزهد فيها، إضافة لما في اللام من انحراف تعبير عن أن هذه الأولى عدول عن الأصل الذي هو الآخرة. وإذا اعتبرنا فهم الشيخ «الطاهر بن عاشور» تعبّر اللام بانحرافها عن أن انقطاع الوحي عنه صلى الله عليه وسلم خلاف الأصل، «ترضى» التاء فيها حرف مهموس شديد (المكي، 1996) انفجاري؛ رغم ذلك فهو ذو صوت متماسك مرن طري (عباس، 1998). و»الراء» حرف مجهور قوي، وللتكرير (المكي، 1996)الذي فيه فهو متوسط بين الشدة والرخاوة. و»الضاد» سبقت الإشارة إلى صفاته؛ وتلك الحروف مع الألف المقصورة طبعا تلائم سياق العطاء الرباني الواسع غير المحدود لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وما فيه من رغد ولين يسترضيه فيستكين إليه. «أوى» الهمزة هنا حرف جوفي شديد يعبر عن الحضور والشهادة، فيها بروز ومفاجأة -كما رأينا سابقا - «الواو» حرف جوفي لين فيه تعبير عن انفعال يدعم الهمزة المفيدة للمفاجأة. يندفع الهواء عند مخرجه إلى الأمام خارج الفم ومع معاني الألف المقصورة يعبر كل ذلك عن عناية الله سبحانه وتعالى بنبيه الكريم؛ فالإيواء بخصائص الحروف المكونة له فيه اتساع يحقق التخلص من آثار اليتم مع ما في «الواو» بمخرجها زيادة على ذلك من ضم ولم للشفتين مع احتساب ما فيها من رجوع للنفس معها إلى داخل الفم، إضافة إلى ما تتمتع به من لين يلائم كل ذلك فعل الإيواء والتكفل.» هدى» حرف «الهاء» حرف مهموس رخو (المكي، 1996) فيه اهتزاز واضطراب يعبر عن الآهات والعذابات النفسية في أصله، ولكنه في هذا المقام مع «الدال» والألف المقصورة تقل حركته الاهتزازية وطبيعته الاضطرابية، حيث يلفظ مخففا مرققا (المكي، 1996) يعبر بذلك عن حالة إنسانية سمحة، ينطلق الإنسان من خلالها عبر سبيل رحب على حافتيه إشارات مرورية تسدد رحلته وتوجه قصده نحو النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، إنه سبيل الهدى. «الدال» حرف مجهور شديد (عباس، 1998) يلائم حالات الظهور والوضوح، والجد والصرامة كحالة الاهتداء، ولابد للهداية من منارات وإمارات تدل على احداثيات المسار الصحيح نحو السداد. «أغنى» الهمزة حرف مجهور تخرج من أقصى الحلق مهتوتة مضغوطة (الفراهيدي، 1981) مرت بنا صفاته ودلالته. “الغين “ حرف مجهور، متوسط الشدة، صوته الرنان الاهتزازي في التجويف الأنفي يجعله أقدر على التعبير عن مشاعر الألم والخشوع، وإذا لفظ مخففا مرققا أوحي بالأناقة والرقة والاستكانة (الفراهيدي، 1981) وهو في هذا المقام بهذه الأخيرة يلائم أجواء الإغناء وشعور المغنى بالسعادة والاطمئنان، “والغنى” هنا غناءان أعظمهما غنى الإيمان، فقد أغنى الله قلبه صلى الله عليه وسلم بالإيمان عن الاهتمام بأعراض الدنيا الزائفة الزائلة، وغنى المال بتسخيره مال خديجة له للتجارة فيه» (ابن عاشور م.، 1984). والألف المقصورة زيادة على ذلك فيها إمالة والإمالة هي «استقرار الصوت وتنازل للإيقاع وفي ذلك شبه ترجيع للصوت وحذو صداه (مغدير، 2016) تلك الفواصل بتلك الإمالة من شأنها أن تشيع جوا من الرقة والليونة مع رهبة وخشوع؛ لقد كنا صغارا وكنا نتقلب بين ثنايا الجبال وأعطافها، بين قممها وسفوحها، وقد أكون مرات منفردا وأصدر أصواتا مرتفعة متعمدا فيتردد صوتي في أنحائها راجعا صداه إليّ ليغمرني إحساس برهبة شديدة وكأنّني أخاطب مخلوقا عظيما مجهولا أشعر أنه يحيط بي من كل الجهات، وبمرور الوقت ومع توسع مداركي المعرفية عرفت أن هذا الإحساس صاحب الإنسان منذ القدم وهو يواجه صدى الأصوات، إلا أن صدى الألف هنا وترجيعه بالإمالة في حضرة رب العالمين وبين يديه يشعرني بما شعر به النبي صلى الله عليه وسلم من اطمئنان وسكينة. وفي الإمالة أيضا إيحاء بالعدول والميل عن حال إلى حال: ضحى ليل، الآخرة الأولى، اليتم الإيواء، الضلال الهدى، العيلة الغنى. فكانت هذه الظاهرة الصوتية خير دليل على تقلبات أحواله صلى الله عليه وسلم وفي كل مرة يجد ربه حاضرا فيأخذ بيده ويغير حاله إلى الأحسن؛ فاليوم كذلك عليه ألا يخاف ولا يخشى، عليه ألا يستسلم لسخافات الكفار وأباطيلهم. والملاحظ أيضا أن الله سبحانه وتعالى هنا يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ومن أبرز وأبسط المؤشرات اللفظية على الخطاب كما نعرف ضمائر المخاطب «كالكاف» مثلا وحضورها في هذا المقام وسياق السورة ضروري وأكيد إلا أن الخطاب القرآني حذفها في أماكن تستدعي وجودها «قلاك، أواك، أغناك، هداك.. «لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ ضَمَائِرِ الْخطاب قبلهَا، وحذفها إِيجَازٌ، وَفِيهِ رِعَايَةٌ على الفواصل». (ابن عاشور م.، تفسير التحرير والتنوير، 1984). وإن رده بعضهم إلى تحقيق إيقاع الفاصلة الهادئ المطمئن بتناغم الكلمات المنتهية بالألف المقصورة فيما بينها، وبعضهم ذهب إلى ربط ذلك بمقام الإيناس وذلك بالانصراف عن تخصيص تلك النعم به صلى الله عليه وسلم تلطفا معه بجعلها غير خاصة به بل تهم جميع الناس (بنت الشاطيء، 1990). وقد زاد الحذف هنا المعنى قوة ودقة وجمالا، ولا عجب فهو أي الحذف «شجاعة العربية، وهو سمتها لأنه يحقق لها الإيجاز؛ فلقد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة، وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه...» (ابن جني، 1952). و”هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر شبيه بالسحر؛ فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة». (الجرجاني، 1992). وخلال هذه الآيات وردت الفاصلة اسمية مرتين: الضحى والأولى؛ ولا شك أن الاسمية تدل على ثبات الشيء على حاله، وفعلية ست مرات؛ والفعلية تدل على التحول والتجدد؛ تبدأ الفاصلة بالاسم «ضحى» إرادة في ثبات حاله من الانبعاث والإشراق، ومن الانكشاف والوضوح، والعذوبة والإمتاع، وعدلت الفاصلة عنه إلى الفعل «سجى» بغية جعل الليل لا يثبت على حالة السكون والظلام، وله أن يتحول إلى حالات أخرى فهو أيضا وقت الرهبة والخوف، ووقت الهموم والغموم ... وتستمر الفاصلة فعلية تفيد التجدد والتحول حيث الفعل «قلى» المنفي، ثم تعدل عن الفعلية إلى الاسمية في «الأولى» لأن الدنيا تبقى قارة على طبيعة كونها عالم الشهادة ودار الفناء. بعد ذلك تأتي الفاصلة أفعالا في «ترضى، آوى، هدى، أغنى» لتدل على التجدد والتغير من حال إلى أخرى. ليحدث العدول عن كل ذلك كلية في الفاصلة المنفصلة عن الأصل في الفاصلتين «تقهر وتنهر»، والقهر والنهر سلوكان تعامليان مع صنفين من الضعفاء هما: اليتامى والسائلين، والنهي عنهما تقتضيه تلك النعم التي أفاضت بها رحمة الله على نبيه، وتفيض بها على كل الخلق، جاءت الفاصلة تقهر للنهي عن قهر اليتيم، ونلاحظ أنها تتكون من «تاء» المضارعة بصوتها الذي يشبه صوت ضرب رأس الأصبع على الكف (عباس، 1998) تناسب بصوتها الانفجاري المعاملة السيئة التي يُعامل بها اليتيم، يليها حرف «القاف» وهو بقلقلته يناسب حالة الاضطراب التي تحدث في حياته عندما تُساء معاملته، ف «الهاء» بعمقها وهوائيتها تناسب مقتضيات القهر من آهات وألام، وبعدها حرف «الراء» وهو حرف مكرر (ابن جني، 2000) أي راءات متوالية يعبر أيضا عن اضطراب حالة اليتيم بسبب ذلك القهر. «تنهر» تنسجم مع تقهر في الحروف المكونة لهما مما يسمى في النثر بالجناس الناقص؛ إذ تختلفان في الحرفين القاف والنون فقط. لماذا جاءت القاف مع «تقهر» لليتيم و «النون» مع تنهر للسائل؟ مع العلم «أن كل فونيم هو مقابل استبدالي لآخر وعليه فكل حرف أو حركة في اللغة العربية يمكن أن يكون مقابلا استبداليا» (مجاهد، 1985) يولد معاني جديدة؛ وقد مثل ابن جني لذلك ب «خضم وقضم» فوجود الخاء في خضم جعل الفعل يدل على أكل الرطب بينما القاف في قضم يدل على أكل اليابس؛ ففي الأول ليونة وفي الثاني شدة (ابن جني، الخصائص، 1952)؛ لعل ذلك يعود إلى أن القهر وهو “الغلبة والإذلال” (ابن عاشور م.، 1984) يسبب الاضطراب المادي للمقهور، أما النهر وهو “الزجر بالقول” (ابن عاشور م.، 1984)؛ فيسبب الألم النفسي المعنوي للمنهور، وكانت الإساءة لليتيم مادية بدلالة قلقلة القاف؛ لأن منع اليتيم عن ماله هي غلبة وقهر لأنه قاصر، ولأنه في الغالب يكون القاهر من الأقارب؛ فمن أولى بالضعيف من الأقارب في مساعدته والتخفيف عنه؟ وزيادة على ذلك هيهات أن تلملم شؤونه، وتجبر كسوره عندما يكبر. وكانت الإساءة إلى السائل معنوية بدلالة النون المعبرة عن الأنين لأن السائل قد يكون راشدا ومن عامة الناس؛ فلا يشعر بما يشعر به اليتيم من غبن، وما يعيشه من انكسار. للآيتين علاقة بالآيات السابقة هي علاقة قائمة على ما يعرف في البلاغة باللف والنشر « أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيما فَـَٔاوَىٰ” تقابل “ فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَر”، واختلف المفسرون حول “ وَوَجَدَكَ ضَآلّا فَهَدَىٰ» المقابلة ل « وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ”. فحسب بعضهم تكون “السائل” بمعنى السائل عن مسائل طريق الهدية والرشاد، أو التي تقابل «وَوَجَدَكَ عَآئِلا فَأَغۡنَىٰ” فتكون “السائل” هنا بمعنى سائل المعروف، ويكون بالتالي اللف والنشر من النوع المشوش (ابن عاشور م.، 1984)؛ ولعل فائدة هذا التشويش بما فيه من إغراب وإدهاش يحركان المتلقي ويدفعانه؛ تكمن في جعلنا نعتبر السائل سائل العلم والهداية وسائل المعروف والكفاف في آن، وكل سائل؛ ويعضّد هذا الفهم «أل «التعريف المفيدة للجنس (ابن عاشور م.، 1984) وذلك لقيمة الأمرين وخطورتهما في حياتنا؛ فهما في الخطورة سيان. ليأتي العدول في الفاصلة المنفردة «حدّث» فحرف «الحاء» -وقد سبق الحديث عن صفاته- يلائم التعبير عن الاستمتاع بتحديث الناس عما أصابك مما تحبه، والتخفيف مما يؤلمك وتبغضه، بالإضافة إلى المتعة التي تحصل للناس في المجالسة والمؤانسة فيما بينهم حول شؤونهم. و «الدال» حرف مجهور شديد يلائم حالات الظهور والوضوح، وكذا حالات الجد والصرامة؛ وكل تلك الصفات تلائم الغرض من «حدّث» فليتسامع الناس إذن بتلك النعم عساها تكون لهم طريقا إلى الإيمان بالله، أما «الثّاء» فهي حرف مهموس ضعيف (المكي، 1996) يخرج بإحداث اللسان لانفراج بين الأسنان العلوية والسفلية، ثم يتراجع إلى الوراء شيئا ما ليسمح للهواء بالمرور بشكل مبعثر في رقة وطراوة (عباس، 1998)؛ ولذلك فهو من حروف التفشي عند بعضهم (المرعشي، 2008)، والتفشي هو كثرة انتشار خروج الريح بين اللسان والحنك وانبساطه ... (المكي، 1996). إذن انظر كيف عبرت هنا من خلال تلك الخصائص عن تحديث الناس بنعم الله من نشر وإشاعة لتلك الأخبار، وما في ذلك أيضا من رقة وطراوة تناسب آداب المجالسة والحوار، زد على ذلك أن لفظة «حدّث» من معانيها الجدة، ولعلهم أطلقوا اسم الحديث على الكلام لما فيه من طرافة؛ وهذا أيضا قد يبرر اختيار الفاصلة «حدّث» دون «خبّر» بغية في أن يكون الكلام مشحونا بأجواء الحوار والمؤانسة، والحسن والطرافة. والإقناع والإمتاع. وصوتيا لم يوظف الخطاب القرآني «خبّر» كفاصلة لعلة الترقيق الواجبة في «الراء» وهو عيب -إن حدث- من عيوب القافية في الشعر ويسمى بسناد التوجيه (قدوري، 2007)، وإذا كانت «وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ” تقابل “ وَوَجَدَكَ ضَآلّا فَهَدَىٰ» كان في اللف والنشر تشويشا أيضا فائدته أن تكون نعم الله التي نشكره ونحمده عليها عامة، معنوية ومادية، ظاهرة وباطنة (ابن عاشور م.، 1984).ومن العدول أيضا في فاصلة هذه السورة هو العدول عن الفاصلة المتقاربة (الحسناوي م.، الفاصلة القرآنية، 2000) في «سجى وقلى» وفي المتجانسة أو المتماثلة (الحسناوي م.، الفاصلة القرآنية، 2000) «تقهر وتنهر» إلى الفاصلة المنفردة النادرة (الحسناوي م.، 2000) «حدّث» ومع إيماننا الراسخ في أنه ما من أمر متصل بالقرآن الكريم في معانيه ولغته إلا وله داعي يستدعيه، وفارض يفرض وجوده ويقتضيه. ولعلنا نكون على صواب إذا أرجعنا التقارب الحاصل بين الفاصلة سجى، والفاصلة قلى إلى وجهين أولهما: التقارب بين سكون الليل بإقامة الرسول صلى الله عليه وسلم الليل يتلو القرآن الكريم لما كان القرآن يتنزل عليه، وبين نفي الله لترك نبيه صلى الله عليه وسلم والتخلي عنه، وما فيه من شعوره باطمئنان ودَعَة. وثانيهما التقارب بين رهبة الليل وما يتعلق به مما يعكّر صفو الإنسان وهدوء مزاجه، وبين العواقب النفسية والاجتماعية لمزاعم الكفار والمشركين بقلاه. إلى التماثل أو الانسجام الحاصل بين الفاصلتين «تقهر وتنهر» وهو مما يسمى في الشعر بلزوم ما لا يلزم والذي يتحقق في النثر بتساوي أجزاء الفواصل. (ابن الأثير، 1420ه) وأحسنه ما كان عفويا. وهذا التماثل يرجع إلى التجانس المادي والمعنوي الموجود بين الحالة الاجتماعية لليتيم، والحالة الاجتماعية للسائل. أما العدول عن ذينك النوعين إلى الفاصلة المنفردة النادرة (الحسناوي م.، 2000)”حدّث” فبالإضافة إلى ما سقناه سابقا فله هنا إيحاء خاص يتمثل في فرادة وندارة الأمر بتحديث الناس عن نعم الله عليه صلى الله عليه وسلم؛ مع ما فيه من حساسيه شديدة وخطورة دقيقة من حيث كونه مدعاة إلى الرياء والافتخار المنهي عنه بل المحذّر منه في الإسلام من جهة، ومن حيث كونه سبيلا من سبل الإيمان بالله من جهة أخرى؛ وفي هذا المقام أحسبه يرجع إلي وجاهتين اثنتين الأولى: أن الرخصة فيه خاصة به صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم عن الرياء، ولا يُخاف منه عليه. (ابن عاشور م.، 1984) الطاهر والوجاهة الثانية هي: أن يكون تحديث الناس عن أفضال الله عاما يهم جميع المسلمين لأنهم مطالبون باتباع نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ وفي هذه الأخيرة يكون محفوفا بمخاطر الرياء والمفاخرة، وتأثير ذلك على مطلب الإخلاص لله في جميع الأعمال؛ فالإخلاص هو مناط سداد الأعمال وقبولها ونجاحها؛ وينضاف إلى ذلك ما قد يسببه من كسر لخواطر من لم ينل النعم المتحدث عنها (ابن عاشور م.، 1984)؛ وفرادة الأمر في الوجاهة الثانية هي القدرة على التمييز بين ما يكون في سبيل الله وما يكون في غير سبيله ؛حيث قلما نجد إنسانا يستطيع التخلص من حظوظه الشخصية، بل قد يصعب عليه في كثير من الأحيان التمييز حتى فيما بينه وبين نفسه بين حالة إخلاصه وصدقه في عمل يعمله، وحالة إرضائه لنزوات نفسه ورغائبها فيه؛ فكم من شخص ادّعى الإخلاص في عمل أو عبادة بل أوهمته نفسه أنه كذلك، ولكنه في الحقيقة كان مرائيا للناس ملبيا لنداء في نفسه؛ أثرة لحظوظه الشخصية في منفعة يُصيبها، أو مصلحة يبتغيها؛ ففي بعض المواقف يجد أحدنا نفسه يقيم الدنيا ولا يقعدها يزعم أنه يفعل ذلك نصرة للدين، وإذا هداه الله إلى مراجعة نفسه، وراح يفتش في سرائره بقلب منيب وعين بصيرة يجد أنه في الحقيقة انتصر لشخصه، وكذلك الأمر بالنسبة للمفارقة بين متطلبات عصرنا من إعلان الأعمال عن طريق النشر المردوف بالصورة، وقيمته في نشر الوعي والخير غير خافية على أحد، وبين ما يُبتغى فيها من شهرة ونجومية قد يغطي على تحقيق الأهداف المرجوة منها. وهذا ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر أمته منه إذ يقول: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر«قالوا:يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء ...» [ أخرجه أحمد، وصححه الألباني ] وفي دقته وخفائه على النفس يقدمه صلى الله عليه وسلم في صورة خيالية بديعة بقوله :إن «أخوف ما أخاف على أمتي الرياء والشهوة الخفية التي هي أخفى من دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي الليلة الظلماء» [ أخرجه ابن ماجه والحاكم ].هذا وقد جاءت في الآيات الأولى الفواصل حرة متحركة لتناسب أجواء الاتساع والامتداد، وفي النوعين الآخرين مقيدة لتناسب عواطف ومواقف الجزم والحسم. كما جاءت متنوعة رحنا ننتقل من خلالها بين إيقاع وإيقاع، ونغمة ونغمة أخرى تختلف عن سابقتها وعن لاحقتها مما جدد نشاطنا الذهني وأيقظه. كما تنوع حرفها الأخير حيث انتهت فواصل آيات المجموعة الأولى بحرف ضعيف لين، وانتهت المجموعة الثانية بحرف قوي لتعود في الأخير إلى الرخاوة والهمس، لتناسب في كل ضرب مقتضى الحال والموقف.

خاتمة

وفي الأخير يمكننا حوصلة ما بحثناه في هذا المقال بتقديم أهم النتائج التي توصلنا إليها، والتي رأينا أن تكون على النحو التالي:

-كانت عناية القرآن الكريم بالمستوى الصوتي كغيره من المستويات اللغوية عناية فائقة، والصوت ظاهرة لصيقة باللغة العربية، كان زينة لسانها، ولباس حروفها وكلماتها، ومدار معانيها، وكان من أبرز أشكاله ما أصطلح على تسميته بالفاصلة، إذ شغلت حيزا لا بأس به من جهود المنشغلين بالشأن القرآني في القديم والحديث، والمتخصصين في جميع فروع العلوم المتصلة بهذا القرآن، وفي سبيل ذلك الاهتمام توسل هذا القرآن وسائل شتى، واتخذ أساليب عدة منها أسلوب العدول، وكان له في ذلك ميزة حقق بها إعجازه اللغوي والمعنوي معا وفي الآن نفسه.

-وقد اعتنى الشيخ «الطاهر بن عاشور» بهذا الشأن القرآني أي الفاصلة وأسلوب العدول فيها في سورة الضحى عناية واضحة إلا أنها تكاد تكون شكلية صوتية محضة، وكان تعليله لهذا الأسلوب غالبا لا يعدو إرجاعه إلى رعي الفاصلة مثله مثل الكثير من العلماء. وكانت رغبتنا لو تجاوز ذلك إلى تبيين الأثر المعنوي والنفسي الذي يحدثه هذا الأسلوب في المتلقي إيقاظا وتحريكا، تنبيها ودفعا، وهو أمر لا تخفى رغائبه، ولا ترد فوائده؛ ذلك أن كل ما في القرآن الكريم جاء لغاية وقصد، وكان في ذلك أبعد ما يكون عن الصدفة والاعتباط.

في هذه الفاصلة تحققت الغاية الدلالية والغاية الجمالية في آن؛ فالقرآن الكريم عامة يهتم بالجرس كما يهتم بالمعنى، والجرس فيه يأتي دوما في خدمة المعنى.

-واللافت في هذا المقام هو طغيان العدول بمختلف وجوهه في هذه السورة كما يظهر من خلال التحليل، فيها رتعت ألوان غير قليلة منه، وفي أجوائها سرحت حتى وجدت من المناسب جدا جدا أن أسميها سورة العدول بلا منازع. وجاء فوق ذلك ملائما لمضمونها، مواتيا لجوها الشعوري، موائما للحالات النفسية والاجتماعية والدينية التي تزدان بها السورة، يعبر عن ذلك التغيير الحاصل في أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأحسن، وحال كل من يؤمن بالله ويتوكل عليه تبعا لذلك

 


الإمالة هي البطح أو الاضجاع واللي، انظر لسان العرب وهي في الاصطلاح «عدول بالألف عن استوائه وجنوح به عن الياء» ابن يعيش: شرح المفصل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، عام 2001، ج 9، ص:53.

 

المراجع

القرآن الكريم

إبراهيم أنيس. (1975). الأصوات اللغوية (الإصدار 5). مصر: مكتبة الأنجلو المصرية.

ابن أحمد الخليل الفراهيدي. (1981). العين (المجلد 1). بغداد.

أبو الحسين أحمد ابن فارس. (1979). مقاييس اللغة (الإصدار 4). دار الفكر.

أبو العباس المبرد. (1991). المقتضب (الإصدار 3، المجلد 1).

أبو الفتح عثمان ابن جني. (1952). الخصائص (الإصدار 2). بيروت: دار الهدى.

أبو الفتح عثمان ابن جني. (2000). سر صناعة الإعراب (الإصدار 1). بيروت: دار الكتب العلمية.

أبو عبد الله بدر الدين الزركشي. (2006). البرهان في علوم القرآن (المجلد 1). مصر: دار الحديث.

أحمد البدوي. (2005). من بلاغة القرآن. نهضة مصر.

أحمد عمر مختار. (1982). البحث اللغوي (الإصدار 4). القاهرة: عالم الكتب.

الخطابي. (1976). بيان إعجاز القرآن (الإصدار 3). دار المعارف.

الخنساء. (2004). ديوان الخنساء (الإصدار 1). بيروت: دار المعرفة.

الطاهر ابن عاشور. (1984). تفسير التحرير والتنوير (المجلد 23). الدار التونسية للنشر.

المرعشي. (2008). جهد زاد المقل (المجلد 2). (سالم، قدوري،الحمد، المحرر) دار عمار.

المشري المختار المقروش. (2001). كيف تقرأ القرآن الكريم برواية ورش الإمام القالون عن نافع المدني. فاليتا.

المقدسي أبو شامة. (بلا تاريخ). إبراز المعاني من حرز الأماني. بيروت: دار الكتب العلمية.

أمرؤ القيس. (2014). الديوان. القاهرة: دار المعارف.

بن أبي طالب القيسي المكي. (1996). الرعاية (الإصدار 3). دار عمار.

بن عقيل الهمداني. (1980). شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (الإصدار 20، المجلد 1). دار التراث.

تمام حسان. (1993). البيان في روائع القرآن. القاهرة: عالم الكتب.

تمام حسان. (بلا تاريخ). البيان في روائع القرآن (الإصدار 1). القاهرة: عالم الكتب.

جلال الدين السيوطي. (2008). الإتقان في علوم القرآن (الإصدار 1).

حسان تمام. (1993). البيان في روائع القرآن. القاهرة: عالم الكتب.

حسن عباس. (1998). خصائص الحروف العربية ومعانيها (المجلد 1). دمشق، سوريا : منشورات اتحاد الكتاب العرب.

درار مكي. (2012). ملامح الدلالة الصوتية في المستويات اللسنيات. الجزائر: دار أم الكتاب.

سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري. (1999). الابانة في اللغة العربية (الإصدار 1). عمان: وزارة الراث القومي سلطنة عمان.

سيد قطب. (1972). في ظلال القرآن (الإصدار 1). دار الشروق.

صلاح فضل. (1998). علم الأسلوب مبادئه (الإصدار 1). القاهرة: دار الشروق.

ضياء الدين ابن الأثير. (1420ه). المثل السائر في أدب الكتاب والشاعر (المجلد 1). بيروت: المكتبة العصرية للطباعة والنشر.

عائشة، عبد الرحمان، بنت الشاطيء. (1990). التفسير البياني للقرآن الكريم (الإصدار 1). القاهرة: دار المعارف.

عباس محمود العقاد. (2013). اللغة الشاعرة. مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.

عبد الحميد الهنداوي. (2008). الإعجاز الصرفي في القرآن الكريم. بيروت: المكتبة العصرية.

عبد القادر الجرجاني. (1992). دلائل الإعجاز. القاهرة: مطبعة المدني.

عبد القادر مغدير. (2016). لمسات قرآنية. الجزائر: دار الخلدونية.

عبد الكريم مجاهد. (1985). الدلالة اللغوية عند العرب. الأردن: دار الضياء عمان.

علي أبو المكارم. (1973). أصول التفكير النحوي. بيروت: منشورات الجامعة الليبية دار الثقافة، مطابع دار القلم.

عمرو ابن كلثوم. (1996). الديوان. بيروت: دار الكتاب العربي.

عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه. (1988). الكتاب (الإصدار 3، المجلد 1). القاهرة: مكتبة الخانجي.

عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه. (بلا تاريخ). الكتاب (الإصدار 1). بيروت: دار الجيل.

عمرو بن عثمان سيبويه. (1988). الكتاب (المجلد الثالثة). القاهرة: الخانجي.

غانم الحمد قدوري. (2007). الدراسات الصوتية عند علماء التجويد (الإصدار 2). عمان: دار عمار.

كمال الدين الأنباري. (1985). نزهة الألباب في طبقات الأدباء (الإصدار 3). الزرقاء، الأردن: مكتبة المنار.

محمد أبو زهرة. (1998). المعجزة الكبرى القرآن الكريم (الإصدار 1). دار الفكر العربي.

محمد الحسناوي. (2000). الفاصلة في القرىآن (الإصدار 2). عمان: دار عمار.

محمد الطاهر ابن عاشور. (1984). تفسير التحرير والتنوير (المجلد 30). تونس: الدار التونسية للنشر.

محمد بن مكرم أبو الفضل جمال الدين ابن منظور. (1414). لسان العرب (الإصدار 3، المجلد 2). بيروت: دار صادر.

محمد بن مكرم أبو الفضل جمال الدين ابن منظور. (1414). لسان العرب (الإصدار 3، المجلد 11). بيروت: دار صادر.

محمد بن مكرم جمال الدين ابن منظور. (1414). لسان العرب (المجلد 10). بيروت: دار صادر.

مصطفى صادق الرافعي. (1952). إعجاز القرآن والبلاغة النبوية. القاهرة: مطبعة الاستقامة.

مصطفى مسلم. (1441). مباحث في إعجاز القرآن الكريم (الإصدار 6). الرياض: دار مسلم الرياض

@pour_citer_ce_document

العياشي عطوي / سفيان بوعنينبة, «العدول الصوتي في الفاصلة القرآنية من خلال تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، سورة الضحى أنموذجا»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 145-158,
Date Publication Sur Papier : 2024-01-24,
Date Pulication Electronique : 2024-01-24,
mis a jour le : 24/01/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9686.