حرف (لو) الشرطية الامتناعية بين الوظيفة النحوية وتطبيقات الأصوليينThe letter (if) the abstinent conditional between the grammatical function and the applications of the Islamic jurisprudenceLa lettre (lo) est le conditionnel d’abstention entre la fonction grammaticale et les applications les spécialistes en jurisprudence islamique
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 20-2023

حرف (لو) الشرطية الامتناعية بين الوظيفة النحوية وتطبيقات الأصوليين
La lettre (lo) est le conditionnel d’abstention entre la fonction grammaticale et les applications les spécialistes en jurisprudence islamique
The letter (if) the abstinent conditional between the grammatical function and the applications of the Islamic jurisprudence

تاريخ الاستلام 2020-02-28 تاريخ القبول 22-10-2023

  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL

تهدف هذه الدراسة لرؤية علمية توضح آليات الدرس الأصولي، وتركز على كيفية تفعيل أدوات الدرس اللغوي في مجال استنباط الأحكام؛ لتكون قيمة مضافة في ضوء مقاربة تداولية؛ حيث يتناول الأصوليون حروف معان في دراساتهم تحت عنوان ‹›تفسير حروف تشتد حاجة الفقهاء إلى معرفتها››، ذكروا ضمنها حروفا خصّوها بالدراسة والتطبيق وفق استعمالاتها وتداولها في المجموعة اللغوية، ونستعرض نحن هنا حرف الشرط الامتناعي (لو) ؛ محاولين تأصيلها في الدرس الأصولي، وطرق توظيفها، وكيف تسهم في تحرير المعنى، واستنباط الحكم المتعلق بالمكلّفين؟

Cette étude vise à avoir une vision scientifique qui explique les mécanismes du cours de jurisprudence islamique et se concentre sur la façon d’appliquer les outils du cours linguistique, dans le domaine de la déduction des jugements, d’un point de vue pragmatique, Les spécialistes de la jurisprudence islamique ont utilisé un certain nombre de conjonctions dans leurs études sous le titre : Explication des conjonctions que les spécialistes des langues doivent connaître. Ils ont étudié certaines conjonctions et les ont appliquées en fonction de leurs utilisations dans le groupe linguistique. Dans cette étude, nous essayons de mettre en évidence la lettre conditionnelle impossible en arabe «لو» (law) (si), et tenterons de l’expliquer dans le cours de langue, ses usages, comment elle contribue au sens, et en déduire les jugements liés aux personnes majeures

This study aims to have a scientific vision that explains the mechanisms of the Islamic jurisprudence course and focuses on how to apply the tools of the linguistic course, in the field of deducting judgments, from a pragmatic standpoint, Islamic Jurisprudence scholars used a number of conjunctions in their studies under the title: Explanation of the conjunctions that language scholars need to know. They studied some conjunctions and applied them according to their uses in the linguistic group. In this study, we attempt to highlight the impossible conditional letter in Arabic« لو» (law) (IF), and try to explain it in the language course, its uses, how it contributes to the meaning, and deduce the judgments related to adult people

مقدمة

اعتنى الأصوليون بالمباحث اللغوية ضرورة عنايتهم باستنباط الأحكام الشرعية؛ فكانت الحاجة إليها لاتصالها بالنص الشرعي؛ من الكتاب والسنة؛ بعدّ هذين الدليلين واردين بلسان العرب؛ فقد عدّوها من الضرورات التي يمكن أن يتصدر بها الأصولي علم أصول الفقه، وجعلوها على ثلاثة مباحث كما في علم النحو مبحث الاسم، ومبحث الفعل، ومبحث الحرف.

والكلام عندهم لا يكون مفيدا حتى يشتمل كما يقول الغزالي: «على اسمين أسند أحدهما إلى الآخر؛ نحو: زيد أخوك،  والله ربك، واسم أسند إلى فعل نحو: ضرب زيد، وقام عمرو، وأمّا الاسم والحرف كقولك: زيد مِنْ  وعمرو في؛ فلا يفيد حتى تقول: زيد من مضر وعمرو في الدار، وكذلك قولك: ضرب وقام لا يفيد حتى يتخلله اسم وكذلك مِن وقد وفي›› (الغزالي، 2012) ؛ فمن كلام الغزالي نستنتج؛ أنّ كل لفظ موضوع في اللغة لا يفيد معنى حتى يقع في نطاق الإسناد؛ فالإسناد هو المحدد لدلالة اللّفظ المستعمل فيه ولا يكون مفيدا حتي يتصل به غيره.

وعلى تقسيمات الأصوليين للمباحث اللغوية نجد ضمن دراستهم حروف المعاني التي تناولوها ضمن مباحث تحت عنوان: «تفسير حروف تشتد حاجة الفقهاء إلى معرفتها›› (الأسنوي، الزركشي، و الرازي)؛ فقد ذكروا ضمنها حروف معان خصّوها بالدراسة والتطبيق وفق استعمالاتها، ونستعرض نحن هنا حروف الشرط بالخصوص حرف (لو) الامتناعية بالبحث محاولين تأصيلها في الدرس الأصولي، وطرق توظيفها، وكيف تسهم في تحرير المعنى، واستنباط الحكم المتعلق بالمكلفين؟

وردت أدلة الشرع بلسان عربي مبين؛ واتخذ الأصوليون من استعمالاته وطريقة كلام أهله طرقا في استنباط الحكم في مباحث الألفاظ وترسيخ قواعد العلم في المباحث اللغوية؛ فقد عالج الأصوليون هذه المباحث تحت عنوان طرق استنباط الأحكام من الأدلة اللغوية.

تعريف الحرف

لغة

الحرف في اللغة «معناه الطرف ومنتهى الشيء» (الجوهري وتحقيق: عطار، 1982).

الحرف في الاصطلاح

«هو ما دلّ على معنى في غيره، أو هو المعنى على معنى حاصل في غيره؛ أي باعتبار متعلقه لا باعتباره في نفسه›› (التهانوي، 1996)؛ وبهذا المفهوم يكون الحرف ناقص الدلالة، منعدم الفائدة حتى ينضم إلى غيره؛ فهو غير مستقل بالمفهوميّة، و «اعتبار المفهومية أن يكون دالا على معنى كائن في غير ما دلّ؛ أي في الكلمة لا في نفسه وحاصله أنّه لا يدل بنفسه، أما اعتبار الاستقلالية أن يدل على معنى في غيره لا في نفسه؛ بمعنى أنه غير تام بنفسه. وحاصل هذا أن تمام المعنى في الحرف لا يكون إلا إذا انضم شيء إليه؛ فيكون مرجع ذلك عدم الاستقلالية بالمفهومية›› (التهانوي، 1996)؛ وعلى هذا الأساس؛ فإنّ الحرف في استعماله واجب اتصاله بغيره، أو تحديد ما يتعلق به تقييدا له؛ بحكم مستقل يفيد في تحديد ما يتعلق به وما تتم به فائدته؛ «فذكر المتعلق اللاحق باللفظ يفيد في تحصيل معناه في الذهن؛ إذ لا يمكن إدراك الحرف إلا بإدراك متعلقه؛ فهو آلة لملاحظته؛ فعدم استقلال الحرف بالمفهومية إنّما لقصور ونقصان في معناه›› (التهانوي، 1996)؛ فالإسناد بلفظ آخر والتعلق به يجبر معنى اللفظ ويضفي عليه الإفادة؛ فيصير ثابت المعنى في غيره.

أقسام الحروف

تنقسم الحروف إلى قسمين بحسب الوضع وبحسب الاستعمال:

-فبحسب الوضع هي الحروف الموضوعة في اللغة التي تتشكل منها الكلمات.

-وبحسب الاستعمال هي الحروف المستعملة في اللغة التي تتشكل منها المعاني؛ وقد اصطلح على القسم الأول بحروف المباني والقسم الثاني بحروف المعاني.

حروف المباني

هي «حروف تتركب منها الكلمات؛ سميت بذلك لبناء الكلمة منها›› (طويلة ، 2000)، وهي حروف الهجاء المعروفة في اللغة، وقد «تزاد في الكلمة ويجعل المجموع دالا على المعنى المقصود؛ وهي ألف التثنية واو الجمع وياء التثنية وتاء التأنيث وألف الاثنين» (سعيد).

حروف المعاني

هي القسم الثاني من أقسام الحروف وسميت بذلك لأنها «توصل معاني الأفعال إلى الأسماء؛ إذ لو لم يكن وجود (مِنْ) في قولك: خرجت من البصرة أو خرجت إلى البصرة؛ لم يفهم ابتداء الخروج؛ ولا غايته» (سعيد)؛فحروف المعاني ذات وظيفة تبين الغاية من الفعل أو ابتداء الفعل، أو هيئة وقوع الفعل؛ فهي لو وردت في بناء الجملة تميزت عن حروف المباني؛ لأن لها معان وضعت لها›› (الزحيلي، 1986)، وتدخل حروف المعاني على الكلمات فتغيّر من علامات إعرابها وقد لا تغيّر (الغزالي، 1980):

حروف تغيّر المعاني مثل قولك: لعلّ زيدا منطلق.

حروف لا تُغيّر المعاني- مثل قوله تعالى:﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ ١٦٩﴾ (آل عمران: 169).

حروف تغيّر الإعراب دون المعنى: مثل قولك: إنّ زيدا منطلق.

أقسام حروف المعاني

تقسم حروف المعاني إلى ثلاثة أقسام  (الزحيلي، 1986):

-مالا يكون إلا حرفا: مثل: (مِن إلى حتى في الباء اللام وواو القسم وتائه).

-ما يكون حرفا واسما: مثل على، عن، الكاف، منذ مذ.

-ما يكون حرفا يجر ما بعده وقد ينصبه بالفعلية: مثل خلا، حشا، عدا. أما كوننهما حرفا فواضح، وأمّا كنونها اسما فمثاله (السكاكي، 2014):

مثال على: قول الشاعر:

غدت من عليه بعدما تم ظمؤها                                           

 تصل وعن قيض بزيراء مجهل

 (العقيلي)

ومثال عن : قولك جلست من عن يمينهن، ومثال الكاف: قول الشاعر: يضحكن عن كالبرد المنهمن وأما (مذ ومنذ) فيكونان اسمين إذا رفعا ما بعدهما مثل: مذ يوم الخميس ومنذ يوم الخميس (الزحيلي، 1986)

وظيفة حروف المعاني

قد خص الأصوليون حروف المعاني دون حروف المباني بالدراسة لاهتمامهم بالمعنى دون المبنى، فوقعت فيه موقعا ذات أهمية باعتبارها تسهم في ربط الأفعال والأسماء والجمل بعضها ببعض؛ فكانت ذات وظيفية دلالية تساعد على استنباط المعنى من خلال إدراك ما تؤديه من وظيفة في النص أو الجملة؛ فلا يختلف اثنان على أنّ علم أصول الفقه جل مباحثه لغوية؛ لارتباطها بالأدلة الشرعية؛ التي هي الكتاب والسنة؛ وهذه الأخيرة (الأدلة الشرعية) الّتي مادتها الألفاظ اللغوية التابعة في استعمالاتها لاستعمال العرب وطرق تعبيرهم وأساليبهم؛ ‹›ذلك أنّ الشريعة عربية وإذا كانت عربية فلا يفهمها حق الفهم إلاّ من فهم اللّغة العربية حق الفهم›› (الشاطبي، 1997)؛ ففهم الشريعة متوقف على فهم أدلتها المستمدة من القرآن والسنة وعرف العرب في طريقة كلامهم، فلا يمكن، كما يقول الشافعي: «من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها، ومن عَلمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على مَنْ جَهَل لسانها» (الشافعي، 2008)؛ ففهم أدلة الشرع متوقف على فهم طرق التركيب اللغوي ومعرفة مواضع الحروف، يقول السيوطي: «معرفة ذلك من المهمات المطلوبة؛ لاختلاف مواقعها وبهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها، مثالها قوله تعالى: ﴿۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢٤﴾ (سبأ: 24)، فاستعملت (على) في جانب الحق  واستعملت (في) في جانب الضلال؛ لأنّ صاحب الحق كأنّه مستعل يصرف نظره كيف شاء، وصاحب الباطل كأنّه منغمس في ظلام منخفض لا يدري أين يتوجّه (السيوطي).

وكما أنّ حروف المعاني تغيّر الإعراب والمعنى وكذلك الحكم المستنبط؛ كما قال القرافي: «الحكم يتبع الإعراب›› (القرافي، 2004)  فوجب على الأصولي معرفة ما يؤثر في الإعراب لتأثير الإعراب في الحكم المستنبط.

وكذلك معرفة حروف المعاني يفيد في معرفة مقاصد المتكلمين؛ لأنّها تابعة للاستعمال؛ والاستعمال هو «اطلاق اللفظ وإرادة المعنى» (ابن النجار)،فالمتكلم عند استعماله لهذا الحرف أو اللفظ فإنما يستعمله تعبيرا عن قصد منه في إرادة معناه، وعلى السامع أن يدرك أنّ استعمال هذا الحرف في هذا الموضع إنّما كان عن إرادة كذلك وقصد معناه عند استعماله.

وكذلك من وظائف الحروف التعليق؛ فمعلوم بداهة أو باستقراء كلام العرب أنّ الكلمات أو الجمل تتعالق فيما بينها بالحروف، فالتعليق يسهم في الاتساق والانسجام بين الألفاظ والجمل؛ ليكون المضمون، الذي هو الوحدة الكلامية، قائما بالتعليق؛ «فيحصل مضمون جملة بحصول مضمون أخرى» (سعيد) فالحرف في هذه الحالة ذو وظيفة تربط المعنى الأول المتضمن في الجملة بالمعنى الثاني اللاحق؛ وقد يفصل بينهما مما يؤدي إلى إلحاق المعاني بعضها ببعض، أو فصلها عن بعض. وكذلك تعليق الحكم اللاحق بالحكم السابق الناتج عن الكلام السابق بالكلام اللاحق. ووظيفة التعليق أيضا تجعل الحرف وسيطا بين مسمى اللفظ الأول ومسمى اللفظ الثاني؛ وأنّ المسميين متقابلان على أنّ ما ينسب إلى كل واحد منها منسوب إلى الآخر (الحباشة ، 2009)، والحروف في عمل التعليق تأتي على ثلاثة أصناف:

-حروف مساعدة للفعل: هذا الصنف من الحروف «يساعد الفعل على التعدي: مثل حروف الجر؛ التي يتعدى بواسطتها الفعل إلى مفعوله فينصبه ... فهي لا توقع النصب بذاتها ولكن بمساعدة منها» (الحباشة ، 2009).

-حروف ناقلة للحركة الإعرابية: مثل حروف العطف والاستئناف والحال فمثلها يقع متعلقا بالاسم فتجري حركة الاسم السابق على الاسم اللاحق «مثل: حركة المعطوف تجري على حركة المعطوف عليه نفسها» (الحباشة ، 2009)، ووظيفة هذا القسم أيضا «في إضافة قسم أول إلى قسم ثان ففي حالة العطف يكون المعطوف من جنس المعطوف عليه ليكونا متعادلين من حيث القيمة التركيبية؛ فمثلا الاستئناف يتم من خلال وصل جملة بأخرى؛ مما يوحي بوجود تناسب ضروري بين قسمي العطف  أو الاستئناف.» (الحباشة ، 2009)

-حروف ذات وظيفية معنوية ودلالية:«مثل هذه الحروف تأتي في بداية الكلام؛ فتفيد النفي أو الشرط  أو الاستفهام أو الجزاء» (الحباشة ، 2009) ويشمل هذا الصنف النواسخ مثل إنّ وأخواتها فتحدث فيه سمة إعرابية تدل على قوتها عند دخولها على عنصري الإسناد في الجملة وبعضها يقتصر على التحرير المعنوي في تنشئة معان جديدة بمجرد دخولها على الجملة. (الحباشة ، 2009).

حروف المعاني عند الأصوليين

تناول الأصوليون حروف المعاني بالدارسة تحت عنوان: حروف معان تشتد حاجة الفقهاء إلى معرفتها؛ كما عند الأسنوي في التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، وكما عند الرازي في المحصول (الأسنوي، ، 1981)، (الرازي)، يقول الزركشي: «إنّما احتاج الأصولي إليها، لأنها من جملة كلام العرب؛ وتختلف الأحكام الفقهية بسب اختلاف معانيها، ولأنّ الطريقة الفقهية مفتقرة إلى علم الأدب مؤسسة على أصول كلام العرب» (الزركشي، 1992).

ومن حروف المعاني عند الأصوليين حرف (لو) الذي هو من حرف شرط امتناعي؛ تناولها الأصوليون بالدراسة والبحث وربطوا استنباط الحكم من استعمالاتها إذا وردت في كلام المكلَّفين.

وقبل التعريف بهذا الحرف نعرّف الشرط عند النحاة وعند الأصوليين ثم نعرف (لو) واستعمالاتها عند الفريقين.

الشرط

تعريف الشرط

لغة

«الشرط لغة إلزام الشيء والتزامه في البيع، والجمع شروط» (ابن منظور).

اصطلاحا

عند النحاة: «يقصد النحاة بكلمة الشرط في استعمالاتهم تعليق وقوع أمر وحصوله على أمر آخر» (ابن يعيش).

وعرّفه أبو العباس المبرّد بقوله: «الشرط وقوع الشيء لوقوع غيره» (المبرد أ.، 1994).

وعرفه ابن مالك: «هو التعليق بين جملتين والحكم بسببية أولاهما ومسببية الثانية» (ابن مالك، 1990).

وقال التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ملخصا مفهوم الشرط عند النحاة: «أنّ المفهوم من كتب النحاة؛ أنّ الشرط هو اللفظ الذي دخلت عليه أداة الشرط؛ يدل عليه قولهم : كلمة المجازاة تدخل على الفعلين لسببية الفعل الأول ومسببية الفعل الثاني، وتسمى الجملة الأولى شرطا والثانية جزاء» (التهانوي، 1996)؛ وهذا ما نجده في كتاب سيبويه، لما مثل لأسلوب المجازاة بقوله: فما كان من الجزاء بـ (إذما) قول العباس بن مرداس (سيبويه):

إِذْمَا أَتَيْتَ عَلَى الرَّسُولِ فَقُلْ لَهُ

حَقًا عَلَيْكَ إِذَا اطمَأنَّ المَجْلِسُ.

فما يفهم من قول سيبويه أنّ (إذما) إذا دخلت على الجملة تجعل الجملة الأولى معلقة عليها جملة لاحقة بها؛ فتكون الأولى شرطا للثانية؛ وهو ما يفهم من البيت (الشاهد) : أنّ الشطر الثاني معلق على الشطر الأول؛ وهو إبلاغ الرسول: «حقا عليك إذا اطمأن المجلس»، متوقف على اتيانه أو الذهاب إليه. وهذا المفهوم نجده في تعريف الجزاء اصطلاحا: «أنّه جملة علقت على جملة أخرى مسماة بالشرط؛ وكلم المجازاة عندهم هي كلمات تدل على كون إحدى الجملتين جزاء للأخرى؛ فالمجازاة بمعنى الشرط، والجزاء كــ : إن ولو وإذا ومتى ونحوها» (التهانوي، 1996)؛ وقد استعمل الأخفش هذا المصطلح أيضا حيث قال: فأما قوله تعالى: ﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ٤٠﴾ (البقرة: 40)؛ فإنّما جزم الآخر لأنه جواب الأمر؛ وجواب الأمر مجزوم مثل جواب ما بعد حروف المجازاة؛ كأنه تفسير «إن تفعلوا أوف بعهدكم» (الأخفش).

وممن عرّف الشرط بالمصطلح المعروف حاليا نجد:

أبو العباس المبرد: إذ يقول: «الشرط وقوع الشيء لوقوع غيره» (المبرد أ.).

ونجد أيضا ابن مالك: يعرفه بأنه: «التعليق بين جملتين والحكم بسببية أولاهما ومسببية الثانية» (ابن مالك، 1990).

و كما نقل التهانوي عن حاشية الفوائد الضيائية «أنّ الشرط في الاصطلاح هو ‹›تعليق حصول مضمون جملة بحصول أخرى، وحروف الشرط هي الحروف الدالة على التعليق» (التهانوي، 1996).

وما يستفاد من تعريف المبرد أنّ الأول مرتبط بالثاني وأنّ الثاني أيضا مرتبط بالأول، والوقوع هنا المراد به الحدوث والتحقق في الواقع؛ فوقوع شيء هو جواب الشرط، لوقوع آخر فعل الشرط» ووقوع شيء لوقوع آخر يدل ضمنا على وجود علاقة بين الواقعتين؛ أي تحقق الشيئين واقعا.

أما ابن مالك في تعريفه السابق في قوله:(هو التعليق) أي : الربط بين جملتين، ونفي وقوع الثاني إن علم أن الأول لم يقع أصلا، وكذلك العكس؛ نفي وقوع الأول إذا علم أنّ الثاني لم يقع؛ ذلك أنّ الأول سبب في الثاني، وأن الثاني مرتبط به. وما نستنتجه أيضا أنّ:

الحكم بسببية أولاهما ومسببية الثانية؛ أي الحكم واقع على الجملتين إذا عرف السبب والمسبب.

والحكم يكون إمّا سلبا وإمّا إيجابا؛ ولا يكون الحكم إلا إذا كان التعليق واقعا، ولا يكون واقعا إذا انتفى التعليق بينهما.

الحكم بسببية الأول ومسببية الثاني؛ هو الإبقاء على مضمون الجملة الأولى ومضمون الجملة الثانية بقاء ثابتا، وانعدامهمتى انتفى السبب أو انعدم الشرط؛ مثلا لو قلنا:

لو قام زيد لقام عمرو.

فإنّ الجملتين (قام عمرو) و(قام زيد)، متعلقتان ببعضهما بعضا؛ فالسامع لهتين الجملتين لايوجب القيام لزيد ولا يوجب القيام لعمرو؛ لأنّ وقوع الفعل (قام) الأول منتف إخبارا، وأنّ الفعل الثاني (قام) منتف أيضا؛ أي غير واقع؛ لأنّه متعلق بوقوع الأول ضرورة؛ ولأنّهما متحدان شرطا مختلفان واقعا؛ أي إذا عرف أن الثاني له سبب غير سبب الأول. فلذلك نوجب الوقوع للفعل الثاني من جهة سببيته المعروفة أو المعلومة أو المفترضة عقلا أو واقعا، وهذا ما ستراه في الأمثلة اللاحقة.

فالحكم خاص من حيث تعلق الأول بالثاني، ومطلق من حيث تبدل الأسباب لاحتمال وقوع الثاني. لكن في مطلق الأحوال يعمل بالمنطوق مالم تدل إشارة فيه على احتمال وجود أسباب لوقوع الثاني.

إنّ الحكم على جملتين تعلق مضمون الأولى بمضمون الثانية متعلقٌ بالأسباب المذكورة في مضمون الكلام، والمشار إليها المفهومة واقعا أو عقلا أو عرفا؛ لأنّ وجوب الأخذ بالمذكور في الجملة أولى من الأخذ بالمفهوم ظنا، ووجوب الحكم بالسبب المذكور أولى من الحكم بالسبب الذي يقتضيه الثاني. إذن فالحكم متعلق وثابت بخطاب المتكلم وما ثبت من مضمون جملته لا بما يقتضيه الفعل الثاني من أسباب تجعل الحكم واقعا لاحتمال وقوع أسباب أخرى توجب وقوعه.

ولو أردنا شرح هذا تداوليا وفق استعمالات هذه العبارات، وما يتبادر إلى أذهان السامعين والمتعارف عليه بينهم وبين المتكلمين ومستعملي اللغة؛ أنّ إطلاق الحكم سلبا أو إيجابا يكون بما ثبت في مضمون الجملتين المتعلقتين ببعضها في وقوع فعل الأولى، ووقوع فعل الثانية؛ وهو المتبادر إلى الذهن، والمتبادر أولى من المفهوم وأولى من الاقتضاء، ومع إدراك أنّ ما نسب في الجملة الأولى واقع، أو غير واقع بناء على ما يورده المتكلمون لا بناء على ما تحتمله الأشياء في علاقاتها مع بعضها وفي تحققها الفعلي في سياقاتها المختلفة، وأنّ مضمون الجملتين في تحققه الفعلي متعلق بالأسباب المذكورة لا بالأسباب المحتملة، وعدم ثبوت الحكم أو انتفائه في مضمون الجملتين أي بالمذكور فيهما هو عدم استلزام الأسباب الأخرى لمضمون الجملة الثانية، وعدم الاستلزام ينفي وقوع فعلها أو وقوع مضمونها لارتباط المضمون بالسبب المذكور دون غيره.

وكون السبب شرطا للحكم على الواقعتين؛ فالحكم متوقف على سببية الأولى ومسببية الثانية؛ مما يجعل هذا الحكم مطابقا لمضمون الجملتين؛ فهو يدور مع سببية الأولى ومسببية الثانية وجودا وعدما، وكأنّ الحكم على مضمون الجملتين في تعلقهما مع بعضهما هو الأثر الذي يحدثه وقوع فعليهما من مضمون الجملتين؛ فالأثر الواقع من الجملة الأولى مثبت للجملة الثانية؛ وكأنّ الجملة الأولى أصل والثانية فرع عليها. والحكم الثابت أو المثبت للأصل ثابت ومثبت للفرع؛ أي الحكم المثبت لفعل الشرط مثبت لفعل جوابه سببا ومسببا.

وما نستخلصه أيضا من تعريف ابن مالك السابق للشرط؛ أنّه تعدٍّ للحكم الثابت في فعل الشرط إلى فعل الجواب؛ لتعلق الأول بالثاني، أو هو التعليق بين جملتين بحسب ما تقرر في مضمونهما، لا بحسب ما تقرر من سببية الأول ومسببية الثاني؛ عقلا أو واقعا أو عرفا.

الوظيفة النحوية لـــحرف «لو»: لو حرفمن حروف المعاني يتحدد معناها في الجملة حسب الاستعمال وحسب ما تدل عليه في أصل استعمالها. ومن استعمالاتها ما يأتي:

حرف من حروف الشرط: قال الرماني: «(لو) حرف من حروف الشرط غير الجازمة؛ وهي في معناها امتناع الشيء لامتناع غيره» (الرماني، 2015).

وكما عرفها سيبويه في كتابه بقوله: «هي لما كان سيقع لوقوع غيره›› (سيبويه)، مثال ذلك قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١٨٨﴾ (الأعراف:188)، فما يستفاد من عبارة سيبويه في تعريف (لو): على أنها لما كان سيقع لوقوع غيره ما يأتي:

فقوله: (لما كان سيقع): أي أنّه لم يقع أصلا، لعدم وقوع غيره، فالفعل الثاني منتفي الوقوع وثابت على حاله؛ لعدم وقوع الفعل الأول، أي لثبوت الفعل الأول؛ فـــ (لو) هنا تفيد صفة الثبوت على الحال الأصلية.

التعليق: أنّ وقوع الفعل الثاني متعلق بوقوع غيره؛ وسببية الأول سبب في الثاني.

اللزوم: أي أن الفعل الثاني (فعل الجواب) يستلزم لوقوعه وقوع الفعل الأول (الشرط)؛ فحكم الثاني متعلق بحكم الأول؛ وهو بعبارة أخرى امتناع الحدوث أو الوقوع؛ لأنّه يستلزم حدوث الفعل الأول؛ وهو وقوع أو حدوث لا ينفك عن وقوع الأول، فالأول مستلزم والثاني لازم.

ودلالتهما على الشرط كما وضحه ابن يعيش؛ أنّ الشرط والجزاء لا يصحان إلّا بالأفعال؛ أما الشرط فلأنه علة وسبب لوجود الثاني، والأسباب لا تكون جوامد، إنّما تكون بالأعراض والأفعال›› (ابن يعيش، 2002).

وعبارة جمهور النحاة هي امتناع  لامتناع، أي عدم وقوع الفعل الثاني لعدم وقوع الفعل الأول؛ وفي المثال السابق في قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١٨٨﴾ (الأعراف: 188)، أن الرسول امتنع عن الاستكثار من الخير لامتناع علمه بالغيب؛ فالاستكثار من الخير غير واقع؛ لأنّ العلم بالغيب لم يقع أصلاً. ومنه قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ ١٥٩﴾ (آل عمران: 159)؛ أي إنّ امتناع الفظاظة منع وقوع انفضاض الصحابة من حوله؛ فعدم وقوع الأول لزم عدم وقوع الثاني؛ وكأنّ وقوع الثاني مشروط بوقوع الأول.

وقد رد بعض النحاة هذا القول أو هذا الوصف الواقع في دلالة (لو) إذا استعملت في جملة للشرط:›› وهذه  عبارة ظاهرها أنها غير صحيحة. لأنها تقضي كون جواب (لو) ممتنعا غير ثابت دائما وذلك غير لازم، لأنّ جوابها قد يكون ثابتا في مواضع (المرادي)، ومثّل على ذلك المرادي بأمثلة منها: قولهم : (لو ترك العبد سؤال ربّه لأعطاه)، فترك السؤال محكوم بعدم حصوله، والعطاء محكوم بحصوله على كل حال.، والمعنى أنّ عطاءه حاصل مع ترك السؤال، فكيف مع السؤال؟ (المرادي)، ومفاد المثال الذي ضربه المرادي هو أنّ امتناع السؤال من العبد لم يمنع وقوع العطاء من ربّه؛ أي أنّ عدم وقوع الأول لم يمنع وقوع الثاني، فالثاني واقع حتى وإن لم يقع الأول، ويخلص بعد ذلك المرادي بعد ضرب أمثلة يدحض بها مطلق قول النحاة أنّ (لو) هي امتناع لامتناع- إلى أنّ (لو)  هي حرف تعليق فعل بفعل فيما مضى. فيلزم من تقدير حصول شرطها حصول جوابها ويلزم كون شرطها محكوما بامتناعه، إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك، فتصير حرف وجوب لوجوب وتخرج عن كونها للتعليق في الماضي. وأمّا جوابها فلا يلزم كونه ممتنعا على كل تقدير، لأنّه قد يكون ثابتا مع امتناع الشرط كما تقدم، ولكن الأكثر يكون ممتنعا» (المرادي). وفي الأخير خلص المرادي بعد هذا إلى أنّ (لو) تدل على أمريين: (المرادي):

امتناع شرطها.

كونه مستلزما لجوابها ولا تدل على امتناع الجواب في نفس الأمر نفسه ولا ثبوته، ومثّل المرادي على ما خلص إليه بـــ:  لو قام زيد لقام عمرو؛ فقيام زيد منتف في الماضي؛ أي غير واقع أصلا، وأنّ وقوعه يترتب عليه قيام عمرو شرطا، وثبوت القيام ثابت بقيام عمرو، وأن ليس لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له. ولكن الأكثر كون الأول والثاني غير واقعين. وهو مطلق ما تأتي عليه (لو) في اللغة؛ أن امتناع جوابها تابع لامتناع شرطها وثابت به، وثبوت الأول ثابت بثبوت الثاني، وهو ما خلص إليه ابن مالك كما ذكر المرادي» (المرادي):

-حرف شرط يقتضي نفي ما يلزم لثبوته ثبوت غيره.

-حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه.

-حرف يدل على امتناع تال، يلزم لثبوته ثبوت تاليه.

وما ذهب إليه بعض النحاة كما ذكر المرادي أنّ (لو) لها أربعة أحوال (المرادي):

-حرف امتناع لامتناع: وذلك إذا دخلت على موجبين نحو: لو قام زيد لقام عمرو.

-حرف وجوب لوجوب: وذلك إذا دخلت على منفيين نحو: لو لم يقم زيد لم يقم عمرو. 

-حرف وجوب لامتناع: وذلك إذا دخلت على موجب وبعده منفي نحو: لو قام زيد لم يقم عمرو.

-حرف امتناع لوجوب إذا دخلت على منفي بعده موجب نحو: لو لم يقم زيد قام عمرو.

وما قاله الشلوبين: أنها موضوعة للدلالة على لزوم جوابها الشرطي رده عليه المرادي أنها تقضي بالإضافة إلى اللزوم لشرطها امتناع شرطها أيضا وهذا ما استنتجناه من عبارة سيبويه كما ذكر المرادي (المرادي).

وقد ذكر ابن هشام أنّ (لو)  الامتناعية التي في المثال الآتي «لو جاءني لأكرمته» أنها تأتي للدلالة على ثلاثة أمور (الانصاري):

الشرط: وهي تعني عقد السببية والمسببية بين جملتين بعدها؛ أي أن وقوع الأول (فعل شرط) يكون سببا في وقوع الثاني (جواب الشرط) وانتفاء وقوع الأول ينفي بالضرورة وقوع الثاني.

الشرط المقيد بالزمن الماضي: وهو الفارق بينها وبين إن الشرطية؛ التي تدل على الشرط في الزمن المستقبل، ويتضح ذلك بالمثال الآتي:

-إن جئتني غدا أكرمتك.

-لو جئتني أمس أكرمتك.

ففي الجملة (أ) أن الشرط المتضمن في الفعل بعد (إن) دال على ما يستقبل من الزمن، والجملة (ب) الشرط المتضمن في الفعل بعد (لو) يفيد ما مضى من الزمن. فمن الخطأ أن تقول إن جئتني أمس أكرمتك ومن الخطأ أيضا قولك لو جئتني إذا أكرمتك.

الامتناع:أي امتناع وقوع الفعل الأول الذي يتبعه امتناع وقوع الفعل الثاني. وقد اختلف النحاة في إفادتها الامتناع حسب ما ذكره ابن هشام على ثلاثة أقوال (الانصاري):

أنها لا تفيده بوجه: وأنها تدل على التعليق في الماضي، ولا تدل على امتناع الشرط، ولا على امتناع الجواب، وهي بذلك تثبت دلالتها على التعليق في الماضي كما دلت إن على التعليق في المستقبل ولم تدل بالاجتماع على امتناع ولا ثبوت. (الانصاري)، ورد ابن هشام على هذا القول بأنّ ذلك (الامتناع) مفهوم منها لفظا ومعنى؛ وذلك أنّك تعقب كلامك باستدراك تبرهن به على عدم وقوع فعلك، فمثلا:

-لو جاءني أكرمته

-لو جاءني أكرمته، لكنّه لم يجىء.

تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعا (الانصاري): ورده ابن هشام بأنه «أنّ كل شيء امتنع تثبت نقيضه، فإذا امتنع (ما قام) تثبت (قام) وبالعكس، ويستدل ابن هشام بالآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ ١١١﴾ (الأنعام: 111)، وعلى هذا ليزم بقول من قال: امتناع الشرط وامتناع الجواب معا في الآية الكريمة ثبوت إيمانهم مع عدم نزول الملائكة وتكليم الموتى لهم وبحشر كل شيء عليهم، وفي الآية الثانية قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٢٧﴾ (لقمان: 27)،فنفاد الكلمات مع عدم كون كل ما في الأرض من شجرة أقلام تكتب الكلمات، وكون البحر الأعظم بمنزلة الدواة وكون السبعة الأبحر مملوءة مدادا، وهي تمد ذلك البحر ويلزم في الأمر ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف، وكل ذلك عكس المراد (الانصاري).

وما أميل إليه هو ما ذهب إليه المرادي في قوله السابق: «فيلزم من تقدير حصول شرطها حصول جوابها ويلزم كون شرطها محكوما بامتناعه، إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك» (المرادي).  وعلى هذا فبيانه في مثل هذه الأمثلة أنها لا تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعا؛ بل تفيد افتراض وقوع الشرط مع امتناع الجواب، ومفاده في الآية الكريمة التي استدل بها ابن هشام في قوله تعالى: ﴿۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ ١١١﴾ (الأنعام: 111)؛ أنه لو فرضنا أنّ الملائكة نزلت وفرضنا أنها لم تنزل؛ فإنّ إيمانهم منتف سواء نزلت الملائكة أم لم تنزل، وسواء كلمهم الموتى أم لم يكلموهم، وسواء حشر كل شيء عليهم أم لم يحشر، فالفعل الأول سواء وقع أم لم يقع فالثاني ثابت على حاله. فهي تفيد في هذه الحالة افتراض وقوع وافتراض امتناع الشرط معا مع ثبوت امتناع الجواب. وفي قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٢٧﴾ (لقمان:27)، أنّ الشرط وهو وجود ما في الأرض من أشجار وهي أقلام، وافتراض البحر مدادا وسبعة أبحر من بعده يمدونه بالمداد؛ فإنّ النفاد منتف عن كلام الله جلّ وعلا؛ ففي هذا المثال افتراض وجود مع ثبوت، أي افتراض الوجود مع بقاء جواب الشرط ثابتا، فإنّ جواب الشرط وهو عدم النفاد واقع لا محالة؛ فتكون (لو) في هذه الحالة دالة على افتراض وقوع الشرط مع نفي الوقوع أو الامتناع، ومفاده في الآية الكريمة هو افتراض وجود البحر والأبحر السبعة مدادا مع نفي النفاد عن كلمات الله وهو نفي امتناع جواب الشرط.

أما المثال الثالث الذي ضربه ابن هشام: وهو الأثر المتداول في أنّ عمر ابن الخطاب قال لصهيب: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصيه». فمفاده هو:

- افتراض وقوع الخوف، لو خاف الله لم يعصه.

-افتراض عدم وقوع الخوف، لو لم يخف الله لم يعصه.

-امتناع الخوف أدى الى امتناع الطاعة.

-امتناع الخوف ولو وقع أدى إلى امتناع المعصية ولم تقع.

وفي هذا المثال أو الأمثلة السابقة سنرى عند الأصوليين كيف فصلوا في دلالة (لو) على الامتناع أو عدم الامتناع أو الامتناع والوقوع معا.

أنها تفيد امتناع الشرط خاصة ولا دلالة لها على امتناع الجواب ولا على ثبوته (الانصاري):و مفاد هذا على ما ذكر ابن هشام أن يفهم ما تدل عليه «لو» لو دخلت في الجملة أن يفهم من دلالة فعل الشرط مساواته لدلالة فعل الجواب؛ وهو المساواة بين السبب ومسببه؛ وإذا كان ما يفهم من دلالة فعل الشرط أعم من دلالة فعل الجواب، ومثاله على الترتيب:

-لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا.

-لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا.

فوجود النهار أو ثبوته بالضرورة وجود الشمس وثبوتها، وامتناع النهار بالضرورة امتناع الشمس أو امتناع وجودها أصلا، وهذا راجع إلى مساواة السبب وهو الشمس مع المسبب وهو النهار.

أما المثال الثاني فإن الضوء مع وجوده أو ثبوته ليس بالضرورة يحيل على وجود الشمس، فانتفاء الشمس ليس يعني انتفاء الضوء، وثبوت الضوء لا يعني بالضرورة ثبوت الشمس، لأن الضوء لا يستلزم الشمس ضرورة؛ لانتفاء القدر المساوي منه للشرط وهو طلوع الشمس. ولانّ في هذا المثال كما ذكرنا سابقا أن العبرة في ارتباط الشرط بجوابه هو بالأسباب المذكورة لا بالأسباب المفترضة والمحتملة إذ العبرة بالمذكور لا بالمحتمل.

أن تكون حرف شرط في المستقبل: وهي التي تستعمل في الجملة فيدل الفعل بعدها على المستقبل (الانصاري)، مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١﴾(البقرة: 221)، ومثاله أيضا قول تعالى:  ﴿وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا ٩﴾ (النساء: 09).

الشرط عند الأصوليين

اختلف الأصوليون في تعريف الشرط على أقوال نختار منها:

ما يتوقف عليه المشروط ولا يكون داخلا في المشروط ولا مؤثرا فيه (الشوكاني، 2000).

تعليق حكم ما بوجود حكم آخر ورفعه برفعه (ابن حزم).

ما ينتفي الحكم عند انتفائه (الرازي).

ونوضح هذه التعاريف بالمثال الآتي:

إن دخلتِ الدار فأنت طالق.

فإنّ الطلاق متوقف وقوعه على دخول الدار؛ يقول عبد العزيز البخاري : «الطلاق متوقف على وجود الدخول ويصير الطلاق عند وجود الدخول مضافا إلى الدخول موجودا عنده لا واجبا به بل الوقوع بقوله: «أنت طالق» بعد دخولها (البخاري، 1997)، وعلى التعريف الثاني: ‹›أنّ وقوع الطلاق متعلق بدخول الدار ويرفع الحكم أي الحكم بالطلاق على المرأة إذا لم يقع الشرط أي إذا ارتفع، وانتفاء الحكم في التعريف الثالث هو انتفاء حكم الطلاق لأن الشرط الذي علق به الطلاق منتف لم يقع فيصبح الحكم (وهو وقوع الطلاق) منعدما ولا يوجد طلاق.   

حرف لو وتطبيقاتها الفقهية عند الأصوليين

(لو): حرف من حروف المعاني التي يحددها معناها الاستعمال إذا وردت في الجملة: وهو في استعمالاته عند الأصوليين لم يخرج عما هو متعارف عليه عند النحاة. ولأنّ القاعدة اللغوية عند الأصوليين مستمدة كما هي عند النحاة وهي الأصل عندهم إلاّ في بعض تخريجاتهم  لمقاصد الكلام ومقاصد العبارات؛ لأنّ أصل التعامل مع العبارات اللغوية هو الأصل اللغوي، وما أقرّه النحاة في كتبهم والأصل في تعاملهم مع دلالات العبارات وما تدل عليه هو ما يقصده المتكلمون وما يريدون تحقيقه واقعاً،  فالأصوليون لم يختلفوا كثيرا في عباراتهم في تحديد معاني (لو) عن عبارات النحويين، وكما انقسم النحويون في تحديد معانيها كذلك الأصوليون انقسموا في تحديد معانيها إلى ما انقسم إليه النحاة سابقا، ويتبين ذلك فيما يأتي:

المذهب الأول

(لو)تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره. وهذا القول ذهب إليه إمام الحرمين والسمعاني والقرافي؛ يقول إمام الحرمين:›› أمّا (لو) فتدل على امتناع الشيء لامتناع غيره وقد تكون بمعنى «إن» مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١﴾ (البقرة: 221)، فعبارة إمام الحرمين توافق ما ذهب إليه أكثر النحاة بأنّ(لو)تفيد امتناع حدوث الفعل الثاني (جواب الشرط) لامتناع حدوث الفعل الأول (فعل الشرط) أي أنّ شرط حدوث الفعل الثاني هو حدوث الفعل الأول.

أما السمعاني فهو أيضا يتفق مع عبارة أكثر النحاة؛ أنها امتناع وقوع الشيء لامتناع غيره؛ مثاله: لو جئتني لحييتك›› (السّمعاني، 1997).

أما القرافي : فحرف (لو)عنده «تدل على انتفاء الشيء لانتفاء غيره» (القرافي، 2004)؛ والتعبير بالانتفاء من طرف القرافي هو نفي لوقوع الفعل بالأصل مع رفع الايجاب الكلي، ورفع الايجاب الكلي هو رفع ثبوت الجواب كرفع ثبوت الشرط؛ وكأنّ فعل الشرط موجبٌ وقوعه وقوع فعل الجواب؛ فيكون حكمه تابعا لحكم الأول؛  وتبعية الحكم الثاني للحكم الأول؛ لأنّ الأول ممكن الاتصاف بصفة انتفت عنه ولم تحصل له لوجود حالة متعلق بها هي لم تحصل بعد. والمتعلق به الحكم الثاني لو حصلت له تلك الحالة بطل عن الثاني الانتفاء بالضرورة، والعلاقة بين الحكم الأول (فعل الشرط) وبين الحكم الثاني (فعل الجواب)؛ هي علاقة التضايف ونعني بعلاقة التضايف أنّ الحكمين كل واحد منهما مساو للثاني؛ متى وقع الأول وقع الثاني ومتى وجب الأول وجب الثاني، ومتى انتفى الأول انتفى الثاني؛ فالحكم الثاني مضاف إلى الأول وجودا وعدما.

المذهب الثاني

وهو مذهب الذي وافق قول ابن مالك السابق في ألفتيه من أن (لو) حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه؛ يقول ابن السبكي: والصحيح   وفاقا للشيخ الإمام: أنّ (لو) هي حرف امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه، ثم ينتفي التالي إن ناسب ولم يخلف المقدم غيره». (السّبكي، 2003)

والمستفاد من هذا التعريف: أنّ امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه، أي عدم وقوع الفعل الواقع بعد (لو)أصلا واستلزاما؛ وأيضا يستفاد من قوله هذا؛ أنّ عدم وقوعه يلزم عدم وقوع فعل الجواب؛ فإذا وقع فعل الشرط وقع فعل الجواب، وإذا وقع فعل الجواب

@pour_citer_ce_document

, «»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 0000-00-00,
Date Pulication Electronique : 0000-00-00,
mis a jour le : 24/01/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9748.