الشعر والتصوف وحدود العلاقــةpoetry, mysticism and the limits of the relationshipPoésie, mysticisme et les limites de la relation
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


A propos

avancée

Archive PDF

N°02 vol 20-2023

الشعر والتصوف وحدود العلاقــة
Poésie, mysticisme et les limites de la relation
poetry, mysticism and the limits of the relationship
ص ص 221-230
تاريخ الاستلام 2023-03-23 تاريخ القبول 30-11-2023

سفيان زدادقة / كنزة بوعبيد
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

عُدّ التصوف كأحد أبرز التيــــارات الفكريـــــة والفلسفيـــــــــة والإبداعيــــــة نثــرًا وشعــرًا  في الثقـــــافــــــــة الإسلاميـــــــة والعربيــة، والتصوف تجربـــــــةٌ روحانيــــــةٌ وذوقيـــــــةٌ شديــدة الخصوصيّـــة ذات لغــــــةٍ منفـــردةٍ وملغـــــــزةٍ وموحيــــــــــةٍ تميــل إلــى الإبهــــام أحيــانــــًا والاستغلاق لدى القارئ البسيــط ،ولعّــل هذا راجع بالدرجـــــة الأولــى إلــى طبيعـــة التجربــــــة العرفـانيـــــــة ذات الطابع الاستغراقـي والاشراقي النــــازع نحــــو المطلــــق واللانهـــــائي، وهو ما أكسبــه-أي الخطاب الصوفي- ميـــــزة الفــرادة والغرابـــة أحيــانـــًا، حيث يصبــح المتلقي مجبــرًا علــى اكتساب نوعٍ من الخبــرة والعلاقــة الحميمــة مع هذا الخطاب للتقرّب من دلالاتــه وفكّ شفراتــه، وقد ارتبط التصوف أول ما ارتبط بالشعــــر، حيث شاع ما يسمى بالشعــر الصوفي ، وقد عُنيّ هذا النوع من الشعــر بالحبّ والعشق والهوى ،واتخذّ من هذه المعاني  مذهبــًــــا في الحيـــاة ودعــا إليــها، وهو كغيــــــــره من الأنواع الشعريـــة الأخرى لــه خصائصــه وطرائقــــــــه المميّــزة لـــه. والشعر والتصوف عالمان معرفيّــــان متقاربان في نواحٍ، ومتقاطعان في نواحٍ أخرى، فهمــا يكشفــان عن عالــمٍ غيــر قابل للكشف، ويصدران عن رؤيــةٍ روحيــةٍ حدسيــة وتجربــة وجدانيــةٍ خالصــة

le soufisme est concédéré comme l’un des courants intellectuels philosophiques et créatifs les plus importants en prose et en poésie dans la culture islamique et arabe, Le soufisme est une expérience spiritualité et gustative très spéciale avec un langage uniques, énigmatiques et suggestif parfois il est ambigu et non compris par le simple lecteur, Cela peut être dû principalement à la nature de l’expérience soufie d’une nature immersive et orientale qui tend vers l’absolu et l’infini, Cela le rendait unique et étrangeté. Le soufisme a d’abord été associé à la poésie, Où la soi-disant poésie soufie a été popularisée.  Poésie et soufisme deux mondes savants proches en aspects, et se croisent à d’autres aspects, ils révèlent un monde indétectable. Ou le destinataire est contraint d’acquérir une sorte d’expérience et d’intimité avec ce discours pour en approcher les connotations et en décrypter les codes. Ces significations sont une doctrine dans la vie et il l’appelait, et elle, comme d’autre genres poétiques, a sa raison d’être. Propres caractéristiques et méthodes qui le distinquent. La poésie et le soufisme sont deux mondes cognitifs proches sous certains aspects et se croisant sous d’autres aspects, ils révèlent un monde indétectable et émergent d’une vision spirituelle intuitive et d’une pure expérience émotionnelle

Count Sufism as one of the most important intellectual, philosophical and creative currents in prose and poetry in Islamic and Arabic culture, Sufism is a very special spirituality and taste experience with a unique, enigmatic and suggestive language at times it is ambiguous and not understood by the simple reader, This may be due mainly to the nature of the mystical experience of an immersive and oriental nature that tends towards the absolute and the infinite, This made-sufi discourse- it unique and strange .where the recipient becomes forced to a kind of experience and intimacy with this discourse in order to approach its connotations and decipher its codes .these mianings are a doctrine in life and he called for it ,and it ,like other poetic genres ,has its own characteristics and methods that distinguish it. Poetry and Sufism are two congnitive worlds that are close in some ways and intersecting in other ways, they reveal an undetectable world and emerge from an intuitive spiritual vision and pure emotional experience

Quelques mots à propos de :  سفيان زدادقة

Pr. Sofiane Zdeda جامعة محمّد لمين دباغين سطيف2، سطيف، الجزائر sofizdeda@yahoo.fr

Quelques mots à propos de :  كنزة بوعبيد

[1]   Kenza bouabidجامعة محمّد لمين دباغين سطيف2، سطيف، الجزائر Ke.bouabid@univ-setif2.dz
[1]المؤلفالمراسل

مقدمة

اعتُبــر التصوف أحـــــد أبرز ملامح الثقــــــافــــة الإسلاميـــــــــة والعربـيـــــــة، وقـــد ارتبط هـــذا الفـكــــر بفــــــنّ الشعــــر وشاع أكثــــــــر ممّا اقترن بفــــــن  النثـــــــــــــــر، حيث شكّــــــل الفــــــن الشعــــــــري الصوفي أقـــوى اتجـــــاهــــات الأدب العربي التي ظهرت في القرن السابــــع الهجـــــــــــــري، والخطاب الشعــــــــــري الصوفــــي هـــــــو خطاب لغــــــويٌ ودلالــــــــيٌّ كغيـــــــــره من الخطابـــــــات الأخرى، إلّا أنّــــــــــــه  متميّــــــــــــــز بخصوصيّــــــــــــة شديــــــــــــــدة وفريـــــــــــدة ،حيث يسمـــو باللغـــــــــــة إلــى مستوى مليءٍ بالإيحــــاءات والرمـــوز والإشارات، مستوى يجعل من اللغـــــــــة لغـــــــــــةً غامضــةً مبهـمــــــةً مستغلقـــــــةً علــى القارئ البسيــط، ولعّـــــــل هذا راجـــــــعٌ  بالدرجــــــــة الأولــى إلــى الطبيعــــــــــة المعقّــــــدة والفلسفيــــــة للفـكــــــر الصوفــي بصفة عامةٍ.

   إنّ هذا الترابط الشديــد بين التصوف وفنّ الشعـــــــر جعل الباحثيــــــن في مجال التصوف والشعريـــة يواجهون أسئــلة بخصوص هذه العلاقـــة، ولعّل أهمّها: مــــا هـــي حدود العلاقـــــــة بين الشعر والتصوف؟ هل العلاقـــــــة بينهما هـــــي علاقة تكــامل أم أنهمـــــا منفصلان؟ ما هي نقــــاط التقاطع والتواصل بينهما؟ ما هي الركائــز الأساسيــة التي ينهض عليها كلٌّ من الشعــر والتصوف؟ هل الصوفي هو شاعر في الأصل أم أنّــه متصوّف عارف عاش التجـربــــــة ولم يجــد غيــــر القـالب الشعــــري للتعبيــــــــــر عن هذه التجربـــة؟ وهل الشاعــر هو صوفّيٌ بالأصل أم أنّــه يستخدم معجـــــم وقــاموس المتصوفــة موضوعاً لقصيــدتـــه؟

مفهوم الشعــر الصوفـي

  الشعــــــر الصوفـــي هو نــوعٌ من أنـــــواع الخطابــــــات الشعـريـــــــــــة، وهو جنـس أدبيٌ ذو مميّـــــزات متـفـــــــــــردّة تجعـــــل منـــــه نصّـــًا مختــلـفـــــــًا مغـــايـــــــرًا عن بــــاقــي الأجنــــــــاس الأخــرى، يعرّفه عبد المنعم خفاجي بقولــه بأنّه: «أدبٌ وجـدانـــيّ خالص، وهــو مذهــــــب رومانســيٌّ حــــــالـــمٌ، وهـو إشــراقــــيّ النزعــــــــــة، روحـيّ الهــــوى» (خفاجي، د ت)، فالشعر الصوفي شعــــــرٌ يترجـــــــــــــم تجـــربــــــــــــة المتصوف الخاصــة ورحـــــلـتــــــــــــــــــه العرفــــانيـــــــــــــــــــة فــي سبــيــــــــــــل حبّ الذات الإلهيــــــــــــــــــة والفـنــــــــــــاء فيـــهـــا «، فالصوفيـــــون نزعــــوا في شعــــرهـــــم نزعـــــــــةً ذاتيـــــــــــةً عميــقــــــــةً، فضربــــوا في عـــالــــــم مــا بعــــــــــد الحــسّ، وحــاولـــوا أن يصلــوا بقــلوبــهــم إلــى ما لا يتسنّــى للعـقــــــــل والحواس الوصول إليــــــــــه» (خفاجي، د ت)،فالشعر الصوفي في طبيعته شعرٌ ذو طابعٍ رومانسي ورؤيةٍ وجدانية خالصة، فهو تعبيرٌ عن تجربة خاصّة يمتلك مفردات وألفاظٍ خاصّة، غايته الحبّ والفناء في الذات الإلهية.

وقد اختّص هذا النــوع الأدبــــي الشعــــــري بكونـــــــه شعــــــرًا رمـزيّـــــــــــًا بالدرجــــــة الأولــى مستعيـــــــــرًا رمـــــــوز الشعـــر العربي القديـــــــم (الجـــــاهلـــي) مثل: رمزيــــــــة المـــــرأة، رمزيــــــــة الخمــــــرة، رمزيــــة الطبيــعــــــة، مستخدمــًـــا في ذلك معجـــــــــم التصوف وألـــــفــــــاظ الصوفيــــــــــــة ومفـــرداتـهــــــم ومصطلحاتهــــــم المستـقــــــاة من عمـــــق التجربــــــة ذاتهـــــا وفرادتهــــــا اللافـتـــــــــــــــة، ونذكر بعضا من المصطلحــات الصوفــيـــــــــة مثل: الوجــد، الفـنـــــاء، السكر، الغيبــــــة، الصحـــو، الحلـول، الاتّحـــــاد، الشهود، الحــــال، المـقــــــام، الكشــف، وغيــرها من ألـفـــــاظ المعجـــم الصوفــي.

 وقد قسّــم المؤرخ عمر فرّوخ مراحــل تطّور الشعــر الصوفي إلــى خمــسة مراحـــل هي (فرّوخ، 1981) :

المرحلـــة الأولــى

تمتد هذه المرحلة مائة عام، في هذه الفتــرة كان الشعــر الصوفــي أبيــاتـــــًا موجــزة وقصائـــد قصيــرة، أهم شعرائــها: رابعــة العدويـــة الملقبّة بشهيدة العشق الإلهي، تقول في شعرها:

أحبّك حبّين حبّ الهوى                                   

وحبّ لأنّك أهلٌ لذاك

فأمّا الذي حبّ الهوى                                     

فشغلي بذكرك عمّن سواك

وأما الذي أنت أهلٌ له                               

 فكشفُك لي الحجٌب حتى أراك

فلا الحمد لا ولا ذاك لي                            

ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

(بدوي، 1978)

المرحلــة الثـانيــة

تمتد هذه المرحلة نحو مائتين وخمسين عاما، قد تطور الشعر الصوفـي، حيث شهد هذا الشعر بروز عدّة نظريات فلسفية أبرزها نظرية الحلول للحّلاج، وكذلك نظرية الفناء للبسطامي، ومن بين أشعار الحلاج قوله:

عجبتُ منك ومنّي                                        

 يا منية المتمنّي

أدنيتني منك حتّى                                       

 ظننتُ أنّك أّنّي

وغبتُ في الوجد حتى                         

   أفنتني بك عنّي

يا نعمتي في حياتي                               

  وراحتي بعد دفني

مالي بغيرك أُنسٌ                               

   من حيث خوفي وأمني

(الحلاج، د ت)

 وقد اتُهّم الحلّاج بالإلحاد والزندقة، وعُدّ شعره كُفرًا صريحًا، فكانت نهايته أن صُلبَ.

المرحلــة الثــالثــة

تمتّد هذه المرحلة نحو مائتي عام (400ه-600ه)، وقد تميّــزت هذه المرحلــة بوصف الحبّ الإلهــي، أشهر شعرائها السهروردي (المقتول)، عبد القــادر الجيلانـي، من بين أشعار السهروردي قوله:

إذا جنّ ليلي هام قلبي بذكركم                                      

 أنوح كما ناح الحمام المطوّق

وفوق سحاب يمطر الهمّ والأسى                          

       وتحتي بحار الأسى تتدفّق

سلوا أمّ عمرو كيف بات أسيرها                        

         تفّك الأسارى دونــه وهو موثق

فلا هو مقتول ففي القتل راحةٌ                      

            ولا هو ممنون عليه فيطلق

(الخطيب، د ت)

ومن أبرز شعر عبد القادر الجيلاني قصيدته المشهورة(الغوثية)، يقول فيها:

سقاني الحبّ كاسات الوصال             

                      فقلتُ لخمرتي نحوي تعالي

سعت ومشت لنحوي في كؤوس                     

         فهمتُ بسكرتي بين الموالي

فقلتُ لسائر الأقطاب لمّوا                      

                   بحالي وادخلوا أنتم رجالي

أنا الجيلي محي الدّين اسمي                     

               وأعلامي على رأس الجبال

 (الجيلاني، د ت)

المرحلــة الرابعــة

تمتّد هذه المرحلة من (600ه-700ه)، وتميــزت هذه المرحلـــة ببلوغ الشعر الصوفي تطورا كبيــرا حيث تعّد هذه المرحلة العصر الذهبي للشعر الصوفي، بلغ درجةً عليا من الرقيّ والجمال، يحمل بين طيّاته منهجا كاملا للتصوف، أبرز أعلامــه ابن عربي ، ابن الفارض، أبو مدين التلمســاني، ومن شعر ابن عربي قوله:

خليليّ عوجا بالكئيب وعرّجا                         

  على لعلعٍ، واطلب مياه يلملم

فإنّ بها من قد علمت، ومن لهم            

       صيامي وحجّي واعتماري وموسمي

فلا أنس يومًا بالمحصّب من منى            

     وبالمنحر الأعلى أمورًا، وزمزم

محصّبهم قلبي لرمي جمارهم                    

  ومنحرُهم نفسي، ومشربهم دمي

(عربي م.، 2003)

أما ابن الفارض الملقّب بسلطان العاشقين، يقول في شعره:

قف بالديّار وحيّ الأربع الدّرسا                     

  ونادها فعساها أن تجيب عسى

وإن أجنّك ليلٌ من توحشّها                    

       فاشْعل من الشوق في ظلمائها قبَسَا

يا هل درى النفر الغادون عن كلفٍ        

      يبيتُ جُنح الليالي يرقب الغلَسَا

فذو المحاسن لا تحصى محاسنُه      

          وبارع الأنس لاأعدم به أنسَا

يا جنّةً فارقتها النفسُ مكرهةً                 

     لولا التأسّي بدار الخلد متُّ أسا

(الفارض، 1951)  

ويقول أبو مدين التلمساني:

تذلّلتُ في البلدان حين سبيتني         

       وبتُّ بأوجاع الهوى أتقلّبُ

فلو كان لي قلبان عشتُ بواحدٍ      

       وأتركُ قلبًا في هواك يتعذّبُ

ولكنّ لي قلبًا تملكّه الهوى             

         فلا العيشُ يهنى لي ولا الموتُ أقربُ

فيا معشر العشّاق موتوا صبابةً     

    كما مات بالهجران قيسُ المعذّبُ

(التلمساني، 2011)                                 

المرحلــة الخامســة

في هذه المرحلة تراجع العرب عن موقف وحدة الوجود أو الاتحاد إلى موقف أقّل ثورية وجرأة إلى مدح الرسول والتوسل إلى الذات الإلهيــــة، وأبرز من مثّل هذه المرحلة بامتياز هو أبو حامد الغزالي المعروف ب (حجّة الإسلام)، حيث شاع ما يعرف بالتصوف السنّي.

حدود العلاقــــة بين الشعـــر والتصــــوف (اتصــال- انفصــــال)     

يعـــدّ الشعـــــر والتصــــوف مجاليــــــن فكرّييــــــن معرفيـــــــيّــــن جـــدّ متقاربيـــــن، فهمــا متشابهان إلــى حدّ كبيــــر، بوصفهما يصدران عن رؤيــــــــة روحيــــــــة للعـالـــــــم ،وهذه الرؤيــــــــــة  فـــي جوهـــــرهــا  هــــي رؤيــــــــة حدسيــــــة إشراقـيــــــــة نورانيــــــة لانهائيـــــة ومطلقــــــــــة، فالتصوف هو حــدسٌ شــعـــــريٌ ومعظــــم نصوصــه شعريــــــــةٌ خالصـــةٌ. (أدونيس، مقدّمة للشعر العربي، 1979)، فالتجربة الصوفية هي تجربة حدسٍ، وهي تجربة شعريةٍ وفلسفة حياةٍ ورؤية جديدة للوجود والإنسان. 

إنّ الحدس الصوفــــي الشعـــري كما يقول أدونيـــــس: « طريقــــــــة حيـــــــــاةٍ وطريقــــــــة معرفـــــــةٍ في آنٍ بهــــــذا الحدس نتصّل بالحقــائــــق الجوهريـــــــــــة، وبـــه نشعــــــــر أننّـــــــــا أحــــــرارٌ قادرون بلا نهايــــة،إنّه يرفــع الإنسان إلــى ما فوق الإنسان، ونشعــر بالارتفــاع إلــى ما فوق الإنسان أننّــــا نتخطــى الزمــن وقــيـــــــوده ،إنّنـــا حركـــةٌ خالصــة (أدونيس، مقدّمة للشعر العربي، 1979).

إنّ التصوف من المنظور الأدونيسي هو جانب ذو اتجاهين في آنٍ واحدٍ؛ اتجاه في الحياة واتجاه في المعرفة، وبواسطته نصل إلى الحقيقة الكاملة والحرية وكذا القدرة المطلقة، بحيث يسمو الإنسان فوق الواقع والزمن والمادة.

وممــــا يُقــــــرن الشعــــر بالتصوف أيضــًا « هــو أنّ كلّاً منهـــمــا مـأخــــوذٌ بهاجــــس العمــــق وارتيــــــــــاد المجهـــول ،فليس ثمـــة مستقّـــــــــرٌ يمكــن الركون إليــــــه في هذا الانـدفـــــــاع المتجدّد الذي يبــارح كشوفــــاتـــــــه المتحقّقـــــة ويجـوزهــا بقـوّة الكشـف ذاتــها نحـو ما لم يتحقــق بعد (سليطين، 2013).

فالتصوف والشعر كلاهما يُعنيان بالبحث عن الحقائق القابعة في الأعماق، والغوص في غياهب المجهول المطلق، كلاهما يبحثان عن منجى من الحياة الواقعية، فالشاعر متمرّد على واقعه المرير، والصوفي يسعى إلى عالمٍ أكثر كمالا ومثاليةً وهو الفناء في الذات الإلهية.

يرى البــاحــــــــث عاطــف جــودة نصـــــر» أنّ هنــــاك وشائــج قربــى تجمـع بيـــن التصوف والــفــــــنّ بشكــل عــام وبينــه وبيــن الشعـــر بشكـــل خاص، هذه الوشائــج تتمثّل في أنّ كلــيهمـــا يحيــلان إلــى العاطفـــة والوجــدان (نصر، 1978).

فالخاصيّة المشتركة بين الشعر والتصوف تكمن في كونهما يصدران عن العاطفة والمشاعر ويخاطبان الوجدان والحسّ والشعور.

فالتجــربـــــــة الشعريــــــــة والتجربـــــة الصوفيــــــــــة كلاهــمــا يكشف عن واقــع الحيـــــــــاة اليوميـــــــة وانعكـــاساتها على نفسيـــــــــــــــــة كلٍّ من الشاعــــر والصوفّـــي المليئـــــة بالقــلـــق والاغتـــراب والارتياب والحيرة، وبالتـــالي فالنص الصوفـــــي والنص الشعـــري يعتبــران مرآة عاكســةً لمعاناتهمــا وتجــاوزا لواقــــــع مريـــــر طغــــى علــى حيــاتهمـــــــا، وبالتالي فهمــــــا في رحلــــــة سعــــيٍ دائـــــمٍ لتحقيــــق السعــــادة الحقيـقـيـــــــة الكامنــــة وراء الحيــاة المعــيشـــــــة، « فالصوفــي مثل الشــاعــــــــر لا هـــــمّ لــه إلاّ اكتشـــــاف الحقيـقـــــــــــة الكليّـــــــــــة وراء المحسوســات، ولتحقيــــــق تلك الغايـــــــــــــــــــــة يقــــــوم برحلــــــة لتصفيـــــــة النفس وترويضها وتهذيبـــها حتى يكتشف روحــــــه ويكون أهــلاً للكشـــف والمشـــاهــدة والتلقّـــي» (العوادي، د.ت)

وعن مدى ارتبـــــــاط التجــربتيــــــــن ببعض هــو لجــوء الصوفيّــــــــة إلــى الكتــــابــــة الشعريـــــة واتخــــاذّها المعيـــــن الأول الذي يردونــه  للتعبيــــــر عــن أسرارهــــم  ومواجيـــدهـــم وتأملاتـهـــم، حيث رأوا في  القالــب الشعــــــري الأداة الأولــى للمعــرفــــــة  الحقّـــــة ووسيـــلة مثلـــى  للوصول إلــى المطلق (أدونيس، د.ت).

لقد كان الشعر هو الوسيلة الأولى والأداة المثلى التي اتخذّها الصوفية قالبًا لتجاربهم العرفانية ورياضاتهم الروحية، فجاءت نصوصهم الصوفية شعرًا، ربّما لأن القصيدة الشعرية هي الأقرب إلى تصوير حقائق الطريق الصوفي وكشوفاته.

وبالـتـالــي فاللغــة الصوفيـــــة هـــي لغــــــــة شعـريــــــة بالدرجــــــة الأولــى، وهذه الشعريـــــــــة  تتمثـــل أساســـًا في أنّ كل شيء فيــها يبدو رمـــزًا وإيحـــاءً، إنّ الشاعــــر والصوفــــيّ يعبّـــــــران بلغـــــــةٍ مكـثفّــــــــةٍ ورمزيــــــــــةٍ موحيـــــــــــةٍ عمــــاّ هــو كامــــــن وضمنّي يصعب البـــــوح به باللغــــة العـــاديــــة المألـوفـــــــة، وكمـــــا يحتـــــاج الصوفـــــي للشعــــر ليصف رحلتـــــــــــه الروحيـــــــــة وتجربتـــــه الذوقيــــــة وطريقـــــــه السلوكـــــي العرفـــانـــي، كذلك يحتـــــــــــاج الشاعـــــر للمعجـــــم الصوفــــي ليرقـــــى برؤيــتـــــــــه الشعريــــــة وقصيدتـــــــه إلــى مستوى السمـــو والتميّـــــــــــــــز، وبالتالــــي يتحــــــرّر من قفص اللغـــــــــــــة المستهلكـــــــة المتواتـــــرة والمعانـــي المتكــــــــــررة ويصبــح نصــــــه بهــــذا  قــادرا علــى الخلــق والإبــــــــــــــداع والتفــــرّد.

أمــــا البـاحــــــث عــليّ عــشـــــري زايـــــد فيــرى أنّ العـلاقــــــــة بيــــن الشعـــــــر والتصوف هـــــــي علاقـــــــــــــة تشــــابــه وتمــــاثــــل، ويؤكـــــد أنّ الصلــة بين التجربتيــــــــــــــن تتضّح بالخصــوص في أنّ كــلاّ منهـــــمــــــا (الشـــــاعــــر والصوفــــي ) يميــــل إلى الاتحّـــــاد بالوجـــود والامتـــــزاج بــه، وحجتّـــــه في ذلك هو أنّ كبــــــــار المتصوفيـــــــن أمثــــال الحــــلاج وابـــن عربــــي وابــــن الفــــارض ورابــعــــة العــدويــــــة كانـــــوا متصوفــــــة شعــــــــــــــراء، حيث اتخـــــذّوا الشعــــــــر كوسيلـــــــــة للتعبيــــــــــــر عــــــــــــــن الكثيـــــــــــر من تجــــاربـــــهــم، وبالتــــالـــي فهنـــــــــاك تشابـــــه بين التجربتيــــــــــــن فمــــــــا يعانيــــــــــــه الشاعـــــر خلال عمليـــــــــة تصويـــــر مـــــا في ذهنـــــــــــــه من تساؤلات وأفكــــار يشبــــــه ما يقـــوم بــه الصوفّي خلال عروجـــــــــــه ورحــلتـــــــــه الروحيـــــــة (بوسقطة، 2008).

إنّ العلاقة التشابهية بين الشعر والتصوف تكمن في أنّ كليهما يشتركان في الغاية؛ وهي الهروب من واقعٍ مرير، والسعي إلى الاتحاد بالمطلق والحقيقة والكمال.   

ويؤكـد أدونيـــس كذلك عن الرابطــــــة المتينــــــــة بيـــن الشعــــــر والتصوف، فالشعـــــــر في نظــــره «رؤيـــــــا»، والرؤيــــــــا بطبيعتـــها خارج المفهومــــــات السـائدة، وحسب رأيــــــه فإنّ علــى الشعـــــر أن يأخـــــذ من الصوفيــــــــــــــــة الكشـــــــف المستمـــــــر والمتواصل، والكفـــــاح ضدّ العقــلانيـــــــــة المنطقـيـــــــــــة الجافـــــــة، ورفض التسلــيــم والخضوع بشكــــــل مفـروض علــى أنّـــــه شكــــلٌ  حقـيقــــيٌ ونهـــائـــي ومطلــق (أدونيس، 1979)

فأدونيس يرى بأنّ الشعر والتصوف وجهان لعملة واحدةٍ، كلٌّ منهما يحتاج الآخر، فالصوفي يلجأ إلى الشعر كقالب شكلي ظاهري، بينما الشاعر يرى في التصوف رمزًا للتحّدي والخروج عن المألوف والسائد الجافّ.    

لقد حاول أدونيس دمج العلاقة بين الشعر والتصوف دمجًا معرفيًّــا، فالشعر لديه نوعٌ من الوحدة التي يبحث فيها  عن حلّ التناقضات  في الوجود، عن طريق التجاوز والإفلات  من أسر العادي  واليومي  إلى المطلق واللامحدود (زدادقة،  2008) .

فأدونيس يرى بأنّ الشعر والتصوف يمتلكان خاصيّة موحدّة ومشتركة ألا وهي العبور إلى ما فوق المألوف وخرق الأساليب العادية بحثا عن المطلق واللانهائي.

 وهذا الرأي نفســـه يؤكده قول الشاعـــــــر عبد الوهــــاب البيّــاتي: « أنـــــا لست متصوفـــًــــا تقليديـــًـــــا، لكنّ التصوف يشحــــذ نفســـي ويجعلهــــا قـــادرة علــى الاستشراف والحدس والرؤيــــــا (منصور، د.ت).

في إشــــارة منــه علــى أنّ الفلسفــــــة الصوفيــــــة تعــــدّ مستلهمـــــًا للشعــــــراء ورافــــــدًا ثريـــــًـا ومعجمــًـــــا غنّيـــًــــــا يستمـــــد منــــــه الشاعــــر مادتـــــه ولغــتــــــه وأسلوبــــــــــــــــه ومـفـرداتــــــــــــه لإنشـــاء نصّـــه.

ويتحدث البيّــــــاتي كذلك عن العلاقـــــــة بيــن التصوف والشعــــــــــر فيقــــول: «إنّ الشاعـــر يأخـــــذ من المتصوف منهجـــــــه فــي الرؤيـــــــا وطريــقــــــــة الكشـــف، دون أن يتقيــد بأهـــدافــــــه أو بغـــايــــاتـــــــه، إنّهمـــــــا يسيــران في طريــق واحــــــد ولكــــن كلّ منهمــــــا يصل إلــى هدف مغـايـــــــر ومختلـف تمـامــــا عــن هدف الآخــــر، الأول يبحـــث عن العــدالــــــة في السمــــــاء ،والثـانــي يبحث عن العدالـــــــة في الأرض (العشّي، 2009) .

ومن بيــــــن أهـــــــم نقـــــاط التقاطــع بين التصوف والشعـــــــر أيضًا أنّ كلا التجربتيـــــــن لا يستطيـــــــــع صاحبــــها الإفصاح عن أسراره وكوامنــــــه والبوح بهـــــا، ويكتفـــــي بالإشــارة والتلميــــــــــــح فقط، وكذلك تشترك كلا التجربتيــــــــن في النشـــــوة، فتُدرك الأولــى أثـنـــــــــــاء السكــــرة الروحيــــــة أو الغيبـوبــــــــــة (الغيبــــــــة، السكـــــر)، ونشـــوة الشاعـــر تدرك أثنــــــاء الخلــق والابتكـــــار أو ما يسمى بالإلهــــــــام (الوحـــي).

وعـــــــن سبـب لجـــــــــوء المتصوفــــــــــــــة للشعـــــــــــــــــــر يذكــــــــــــر يوســــف زيــــدان فــــي مقـدّمــــــــــة كتــــــابــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ( شعــــــراء الصوفيـــــــة المجهولون) أنّ المتصوفـــــــة وجـــدوا في التعبيـــــــر الشعـــــــري ضالتّــهــــم، وهــــذا نظـرًا لمـــــا يحملــــه من طاقــــاتٍ وإمكـــانــــــاتٍ إيحائيــــــــــــــةٍ وثوبــــــــــًا فضفاضًا يتسّـــــع لمعــــانــي التصوف الهائلــــــــــة غيــر المحدودة، وبهـــذا فإنّ التصوف يُدرك بحقٍ علــى نحوٍ أفضــلٍ من خلال شعــــــر المتصوفــــــــة الذي يعـــــّد أنسبَ طرائــــق التعبيـــــــــــــــــــر عند أهلـــــــــه (زيدان، 1997) .

إنّ يوسف زيــــــــدان يؤكـــــــد على العلاقــــــــــــــة المتكاملـــــــــــة بيــــــن التصوف والشعـــــــــــــــــر، وكيف أنّ الصوفيــــــــــــــــــــــــــــة لجــــأوا إلــى القـــــالب الشعـــــــري لتـرجـمــــــــة أحاسيسهــم وأفكـــــارهــم وتجاربـــهـــــم الخاصة الذوقيـــــــــــــــــة، باعتبــــــــــــــار الشعــــــــــر الفنّ الوحيـــــــد القـــــادر على ترجـمــــــــة وإيصال تلك العلاقــــــــــــــة الروحيــــــــــــــة بين المتصوّف وربّـــــــه للمتـلقـــــي، والمعبّــــــــــر الحقيقـــــــي عن السلوك الروحـــي الذي يعـرجــــــــه الصوفيــــــــــــة خلال مجـاهداتـــــــهم ورياضاتهـم ـ

ويذهــب الشـــــاعــــر صـلاح عـبد الصــبــور فـــــي حديثــــــــه عـــــــن علاقـــــــــــــــــة التصوف بالشـعــــــــــــــر فيـــقول: «إذ تقترب التجربة الشعرية من التجربة الصوفية في محاولة كلٍّ منهما الإمساك بالحقيقة ،والوصول الى جوهر الأشياء بغضّ النظر عن ظواهرها ... إنّ كتابة قصيدةٍ هي نوعٌ من الاجتهاد قد يُثاب عليــه الشاعر بقصيدة أولا يُثاب كذلك قال الصوفيون إنّ الإنسان يمضي في طريق الصوفية يجتهد ويتعبّد، ولكنه قد لا يهبط عليه شيء وهذا الفتحُ ليس إلّا تنزّلاً من الّله « (صلاح، تجربتي في الشعر، 1981).

الملاحظ فـــي هذا التصريــح لصــلاح عبــد الصبـــور هو أنّ عمليــــــة خلـــــق القصيــدة عــند الشاعــــــــر تشبـــــه إلــى حــدّ بعيــــــــــد رحلــــــــــــــة الصوفّـــي أثنــــــــــــــــاء معــراجـــــــــــــــــــــــــه كمــــا أوضحـــها في مراحـــل ثلاث هــــــي (صلاح، تجربتي في الشعر ، 1981).

المرحلــة الأولــى

أن ترد علــى الشاعـر علــى هيئـــة وارد (تهيئـــــة الذات، مواجهـــة الحقيــقـة).

المرحلــة الثانيــة

مرحلــة العقــل، وهـــي التي تلــي الوارد وتنبــع منــه، وتعرف فــي لغـــــــة الصوفيـــة (التلويــــــن والتمكيــن).

المرحلــة الثالثـــة

هــــي مرحلــة العـودة، عودة الشاعـــر إلــى حالتــــــه العاديـــة بعد ولادة القصيــــدة الذي أجـهــد نفســه في تقـويــمــــها حتــى تــم تشكيــلهـا النهائــي، وهــو سرّهـا الفنّـــي.

فصلاح عبد الصبور يبيّــن التشابــه الكبيـــــر بين النص الشعــــري (القصيـــدة) وبيــن النص الصوفــــــــــي باعتبــــــــــــارهــما يتقـاطعــان في القلــــق والمعــانــــــــــــــــاة والمخاض العسيــــــــــــــــــر، فالغـــــايــــة الفنيـــــــــــــــة عند الشاعـــــــــــــر هــــي ميــــلاد القصيـــدة (النص الشعري)، أمـــا عنـد الصوفـــيّ فهــــــي الوصول إلــى الحقيــقـــــة والسعــادة الروحيــــــة.

ويمكن إيراد أهّم النقاط المشتركة بين الشعر والتصوف في مسائل هي:

 

مسألة الإلهام (الوحــي)

لطالمـــا اقــتـــرن الشعـــــــر عند العرب قديــمــــا بمـــا يسمــى بالجـــنّ والشياطيـــــن، حيث كــان لكـــلّ  شاعـــــــر شيطــانـــــــــه الذي يمــدّه بالشعـــــر، وهذا ما يؤكــد بأنّ قول الشعــــــر كـــان ذا طقــسٍ خاصٍ، ولم يكــن مـتاحاً للعامـــة، وهذا الارتبــــــــاط بالجــــنّ هـــو صورة من صور الإلهـــــــام الذي يعـــدّ كشــفـــًا باطنــيًــــــا أو هـو حدسٌ يحصــل بــــــــــه العلـــــــم للإنســان في حق نفســــه، والفكــــرة نفســها نجدهـــا عند اليـونـــــــــــان، وهو ما سمّـــــــاه أفـلاطــون بالإلهـــام الذي يعتــري  الشاعــر وهو ما يطلــق عند الصوفيـــة بالوجــد أو حالــة النشوة، فحالــة التـأمـل لدى الشاعر تشبــه إلــى حـدّ كبــيــر حالــة الفـنـــــاء عند الصوفي (عربي ا.، 1986).

وعن العلاقـــــة الوطيـــــــــــــــدة بين الشعـــر والتصوف يتحدث ابن عربــي عن الواردات الإلهيـــــــــــــــــــــــة التي يتلقـــــــاهــا المريــد أثنـــــــاء عروجـــه علــى سلّـــــــم المجــــاهدات والريـاضات الروحيــــــــــة في وارد إلــهــــي يعبّــــــــــــــــر عن مرتبــــــــــــة من مراتب الوجوديـــــــــة، يقول ابــن عربــي : «رُفــع لك عالــــــم التصويــر والتحسيــــــــن والجمــــال وما ينبغــي أن تكون عليـــه العقول من الصور المقدسّــــــة والنفوس النباتيـــــــة من حسن الشكـــل والنظــام وسريـــــــان الضوء والليــن والرحمــــــة في الموصوفيــــــــن بهــا، ومن هذه الحضرة يكون الإمـداد للشعـــــــراء» (عربي ا.، 1986).

فمن خلال قول ابــن عربــي يتضّــح بأنّ الطريــق الذي يسلكــــه الصوفي بكلّ صوره المقدســـــــــــة وحسنـــــــــــــها وجمــالــــــــها تعتبـــــــــــــر بمثــابـــــــــــــة إمــــداد للشعـــــــراء باعتبــارهـــــم الوحيـــــــــدون القادرون بتحسسّ الجمـــــال والتغنّــي بــه دون غيـرهــــم. والمتــأمل في التجربــــــــــــــة الشعريـــــــــــــــة والتجربــــــــــة الصوفيــــــة يلحــظ التشابــه الحاصل بين مفـــردات الشعــــــــــــــر ومفــردات التصوف نذكر بعضــا منه:

المصطلــــح الشعــري

المصطلـــــح الصوفـــي

يرى  رؤى

الرؤى الصوفيـــة

غائــبا

الفنــاء

الاتصّــال الروحي

الإتصــال الروحــي

يفتــح بها علــى

الفتوحات والكشوفات

المكــان الخالي، الخلوة

العزلـــة، الخلــوة

حالــة، نشوة، غمرة، موجــة

الأحــوال

يفيــض

فيض الأنوار، الإشــراق

خيــال

خيــال

 

إنّ هذا التشابــــــه بيــــن مــفردات الخطاب الشعــــري وكذلك مفردات الخطاب الصوفـــــي ليس محـض الصدفـــــــة فالحالــــة الشعوريــــــــة التي يعيشهـــا كلّ من الشاعـــر والصوفـــي تتقــاطع في مستواهـــــا الشعـــــــوري والإنســانــي وتتلاقـــى، فالشـاعــــــــر لا شك يطمــح الــى نوع من التســامــي فيمــــــــا يرومــــــه من أفكـــــار، وفيمــــا يختلــــــج في نفســــــه من مشــاعـــــــــر وأحاسيـــــــــــــس متجـــــاوزا بذلك قســوة الواقـــــع وتناقضــاتــــــــه.

يقول الكـــاتب عدنــــــان حسيـــــن العـوادي: «الشــاعــــر كالصوفــي ‹›يسعـــــى لإنهـــــاء نقص العالـــــم››، وعلــى هــــذا فإنّ الصلّــة بين التصوف والشعــــــر تنبثــق من سعــي كلٍّ منهــمـــــا إلى تصوّر عالـــــمٍ أكثــر كمــــــالاً من عالـــــم الواقــــــع، مبعـــث هـــذا التصوّر هـــو الإحســاس بفظـاعـــة الواقــــــــع وشدّة وطأتــــــه علــى النفـــــس ،وصبوة الروح للتمّـــــاس مــع الحقيقـــــة التـــي تعذّب كيـاننـــــــا، وبنتيجـــــــة هـــذا الإحســـــــاس وفــــي لحظـــات من تهيـــؤٍ واستعـــــدادٍ الحواس للتأمـــل المركّـــــز، يختّـــــل اتـــــــزاّن الأنـــا لدى كلٍّ من الشاعــر والصوفــــي، بحيث يغـدو السعـــــي إلــى التغييـــــــر أمـــــرًا لا منــــاص منـــــــــه. (العوادي، د.ت).

مسألــــــــة الخيـــــــال

لطالــما ارتبط الخــيـــــــــال بمختلف المجــــالات الفنيـــــــــة والإبداعيــــــة خاصة الشعـــــر، ولعـــلّ أصحـــاب المدرســــــة الرومانسيــــــة كانــوا من الذين أعلــوا من مكانتــه، حيث لم يعــد العنصر الخيــالي مجــــرد أداةٍ فنيّــةٍ لخلــق عالـــــم جديـــد فحسب، بل تحوّل إلــى رؤيــــة فلسفيـــــة ينبنــي عليــها تصوّر الفرد للحقائـــق وتمكّنـــــــه من الكشــف عنــــها في درجـــات عمقــهــا القصــوى.

أمـــا عند الصوفييـــــن فقد عُــدّ الخيـــال بــؤرةً هامـــةً،إذ «هــو الأســاس المعرفـــيُّ للتصور الأنطولوجــي، بحيث جعلـــه الصوفيـــة رهــانــًــا استراتيجيـــًا لبنــــاء الخطاب، فهنــاك أبعـــاد وأقاصٍ لا يلمســها إلّا الصوفــي لا تدخــل تحت العبـــــارة أحيـــانًــا، لأنّ القــاعدة جــرت بــأنّه كلمّــا اتسّعـــت الرؤيـــة ضاقت العبـــــــارة كما بيّــــــن النفّــــــري، وهــي قاعدة تفسّــر كيــف وقع أهـــــل الشطــح فــي مـأزق اللغــــــة والخيـــال في علاقتهمــا بشرك التداول (زايد، 2011).

إلّا أنّ بيــن الشعـــراء والمتصوفــة فرق في بيــان وظيفــة الخيـــال، فالشعـــراء يستندون إلــى العقل باعتبــاره مصدر الحقيقـــة، أمـــا الصوفــيـــــــــة فهو يستندون إلـــى الخيــــــال باعتبــــــاره منبــع التصوّر قبــــــــل العقــل، يقول ابـــن عربــــي مبيّنــــــًا أهميــــــــة الخيـــــال في التصور الصوفــي العرفــــــانــي في كتابه الفتوحات المكيّة: «مــا أوجـــــد الله أعظــم من الخيــــــــال منزلـــةً ولا أعّــم حكــمًـــــا، يسري حكمـــــــه في جميــع الموجودات والمعدومــات، من محـــالٍ وغيــره، فليـــس للقــدرة الإلهيـــــــــــة فيمــــــا أوجــدتــــــــه أعظــم وجـــودا من الخيـــــــــــــــال، فيــه ظهرت القــدرة الإلهيـــــــة والاقتـدار الإلــهــي، وبه كتب على نفسه الرحمة... (عربي ا.، د ت) .

فالمــعنـى الجــــذري الذي يؤسســـه  ابــــن عربــــي للخيـــــــال، يبــدأ من فهمــــــه الدقيـــــــق للنفــس الإنسانيــــــــــــة ومعرفـتــــــه لقـدراتــها غيــر المحــدودة ، ومن كونــها – قبــــل كلّ شـــــيء – مخـلوقــــــــة علــى الصورة الإلهيـــــــــة المبدعـــــــــة، وتبعـــًــــــا لذلــك  فـإنّ الإنســان مبــدع بالضرورة ، ولكــــــن بفضــل الخـيــــــــــال الذي  وهـبـــــــــــه الله إيـــاه .

يقــول أحد الباحثيــن في هذا الشـأن: ‹› والحقّ أنّ المتصوفـــــة هـــم الذيــن منحــــــوا الخيـــــال أسمــــــى ما يمكــن أن ينــالــــــــــــه من قداســةٍ وتقديــــرٍ طوال عصـور الفكــر العربــي، إنّ الخيـــــــال عندهـــــم يسـاعــــد في الكشـف عن نــــوع مهـــــم من المعـرفــــــــــــــة، وينيــــــــــــر الطريــق لإدراك طائفـــــــة من الحقائــق المتعــاليـــــــــــــة التـي لا يصــل إليـــها العقـــــل الصارم (زدادقة، 2011).

هذه الأهميـــــــة العظيمــــــــة للخيـــــال في العرفــان الصوفــــي لا تـقـــلّ أهميــــــة منهـــا في النصوص الإبداعيــــــة الفنيّـــة خاصة الشعريــــة منها، فــقد أعطــى الشعـــــراء للخيــال المكانّــة الهامــة للخيــــال  تعمــل علــى كشـف المعانــي الكامنــة في النفس الإنسانيــــــة فضلا عمّــا في الوجــود من أسرار غامضـــة يقف العقل البشري منها عاجزًا علـــى إدراك أغوارها فكان الخيـــال بهـذا المفـتـــاح السرّي القادر علـــى فضّ مغاليـــق النفس وكذلك الوجــــــود. يقول الشاعــــــر كــــولـردج    في هذه المســألــــــة :» إنّ الخيــــــــــال تتعلـــــق فاعليـتـــــــه في إذابــــــــــــــة الأشيــــــاء وتفكيكــها من أجــل إعــادة خلقـــها من جديــد  وبصيـــغـــةٍ مبتـكــــــرةٍ. (عودة، 2008)

فالفــــــنّ بصفــــــة عامـــــة وخاصة الشعــــــــر منــــــــه يعتمـــــد علــى العنصر الخيـــــالــــي بصورة كبيــــــرة في إنتـــــاج نصوصـــه الإبداعيـــــــــة، ولــــــه دور فعّـــــال في جماليــــــــــة الخطابــــــات الشعريــــــة وأدبيتــــــها، ولأنّ كان الخيــــــال عند  أغلــب الشعـــــراء مقرونـــــــــــاً بجــــــانب وحيـــــــــــد ومحدود هو (الشعـــــــر)، فإنــّــــــــــه عند المتصوفــــــة أوســـــع وأشمــــــل دائــــــــرة ،حيث ارتبــط بصورة عامــــــة بالوجــود ،وهذا ما يؤكـــــــد عمــق التجـربــــــــــة الصوفيـــــــة وشموليــتــها.

مســألــة اللغـــة والرمـــز

لئــن كان الإلهـــــــام والوحـــــي والحدس وكذلك عنصــر الخيـــــــال عوامــل مركزيــــــــــة تربـــــط الشعــــــــر بالتصوف وتجعلهمــا متقاربيـــن إلــى حدّ مــــا ،فإنّ اللغـــــة الرمزيـــــــة هـــي الأخــرى لا تقـــل أهميـــــــــــةً في إبــراز هذا التشــابـــــــه بيــن المجــاليــــــــــــن، ففي الشعــــــــر نجــد عند أصحـــــــاب المدرســـة الرمزيـــــــــة استعمــــالهــم للرمــز بصورة لافـتـــــــــــــــــــــة ( المجــــــــــاز التشبــيـــــه الاستعارة ...)، وقد كـــــان سبب استعمـــالهــــــم للرمـــــــــــــــز هو قصور وفشــــــل القــــاموس المتداول في ترجــمــــــــــة ما يختلــج في صدورهـــــــم وأحاسيسهــم ، وعجـــــــز اللغـــة العاديــــــــــــــــة في التعبيــــــــــــــــــر عن ما يدور في بواطنهــم، فكـــــــــــــــــان الترميــــــــــــــز والتلميــح والإشـــــــــــــــارة متنفسهــــــم الوحيـــد في ترجمــــة ما يدور فــي بواطنهـــم.    

إنّ قيــمــــــــة الشعـــــــــــــر بالنسبــــــة للشاعـــــــــــــــــــــر الرمـــزي تكمـــــــن فــــي قدرتــــــــه علـــى الإيحـــــــاء والتلميــــح بمـــــا عــانــــــــاه وكابـــده من معــــانــــــاة وانفــعــــــالات، أمــــــا الوصـــف والتقــريــــــر فهـمـــــــا قـــالـبـــــــــان تقــليــــــدان جـــاهـــزان ولا شـــــــــأن للشعـــــــــر بهــمـــا، يقــــــول بـــول فـــالـيـــــري: «... من الخطــأ المضّــاد لطبيــعـــــة الشعـــــــر بل القاتـــل لـــه أن نتطلـــب من كلّ قصيـــــــدة أن يكــون لهـــا معنــى واقعــــي واحــــــــــــــد ووحيـــــــــــــــد هو صورة طبــق الأصــل من فكــــــرة ما لدى الشــاعــر (فتوح، د ت).

ولعّــل غايــــــة الشعــــــــراء الرمزييــــــــــــن هــــي›› إقـحـــــام أفكــــــــــار واسعـــــة النطاق فـــي الشعـــر تعبّـــــــــــــر عن أعمــق ما يكمــن في النفــس الإنسانيـــــــــة وفي اللاوعي الباطنــي، وأن يترجمــوا ترجــمـــــــة إيحائيـــــــــــــة فنيّــــــــــة تلك الاهتزازات التي تثــور في أعمـــــــاق الكائـــــــن عند احتكــاكـــــه بمظـاهـــــــر الوجــود ومحسوساتــــــــه (سلمان، 1954).

هذه الرؤيـــــــــة ذات الطابــــــع الاشــــاري والرمـــــزي هـــــي نفســـــها نجدهـــــا عند الصوفييــــــــــــن عندمــــا يمارسون طقوسهــم ومجـــاهداتـــــهم الروحيــــــــــــــة، بحيث يسعــــــون في تجربتــهــــــــم الذوقيـــــــــــــة إلــى ترجمــــــــــة ما يختلج في نفوســهم عن طريــق الرمــــز والإشــارات والإيــمــــــاء غيــــــــــرةً منهــــــم علــى أسرارهــــــــم أن تشيـــــــــــع في غيــر أهلــها.

إنّ قصور اللغــــــة الوضعيـــــــــــة وعجـــــزها عن الإيـفــــــــــاء في التعبيـــــــــــــر عن التجربــــــــــة لدى كلّ من الشاعـــــر والصوفــي جعل اللغـــــــة الترميـزيـــــــة الملجــأ الوحيــــــــد لهــــم باعتبــــــارها لغـــــــــــة ذوقٍ ووجــــدانٍ وحدسٍ وإلهـــــــــامٍ، وتكون اللغـــــــة في هاتــيـــــــن التجربتيــــــن (الشعريــــــــة الفنيــــــــــة والصوفيــــــــة الذوقيـــــــــــة) لغـــــة ذات طابــعٍ خاصٍ تثيـــــــر الدهشــــــة والتوتــــــــــر وتصدم القــــــارئ والمتلقـــــي.

نستطيـــــع القـول بأنّ الشـاعـــــــر الرمـــــــزي والشــاعـــــر الصوفـــي يلتـقـيـــــــــــــان علــى صعيـــــــد النزعــــــة الذاتيـــــــــة والاتجــــــاه الوجـــدانــي، فـفـــي كليهــمـــــــــا تعطّــــشٌ وشغــفٌ إلـى الانطلاق نحــو مــــا هــو لا واقــعـــي ومطلــق، يسمــو بالنفـس الإنسانيـــــــــــة إلــى الكمـــــــــال والمثــاليــــــــة، وفي كـلتــــــــــــا التجربتيـــــــــــــن يظهــر الصراع بيــن الوهـــــــــم والحقيــقـــــــــــــــــة، بيـــن العالـــــــــم السفـــلــي والعالــــــــــــم العلـوي،إلّا أنّ الرمــز ومدلــولـــــــه يختـلف بيــن الشاعـــــــــر والصوفـــي، فالـشــاعــــــــر غرضــه الأول والأخيـــــــــــر فـنّــيٌ، بينــمــــــــــا الصوفــي هدفــــــــــه كتــــــم تجــربتـــــــــه الروحيــــــة وعدم البـــــــوح بــهـــــا خوفــًـــــا أو غيـــــــــــرةً ،ولعّـــــــــــل هــذا راجـــع إلــى طبيعـــــــــــــــــــة التجربـــــــــــــة الصوفيــــــــــــــة وشدّة خصوصيتــها، والتي تعّـــــــد « بمثــابـــــــــة البنيــــــــــة العميــقـــــــــــة التي تتـغلغــــــــل في أحشـــــائــها ذاتيــــــــــــة الصوفّــي الذائبـــــــة في شراييـــــــــــن الاحتـــراق، والصوفيّـــــــون أنفسهـــــــم قــد لوّحــوا إلــى هذه الحالـــة، التـــي لا يمكـــــــــــــن التعبيــــــــــــــر عنها بحروف العـبـــــــــــــارة لضيقـــــــها، وحدود نفــســها، فكـــــــانت الإشـــارة الفضــاء المـوعـــود ... (أحمد، 2001).

إنّ اللغـــــة الشـعـــريــــــــة واللغــــــة الصوفيــــــــــة، هــــــي لغـــة حــدسٍ وكشـــــفٍ فـــي آنٍ، هــي لغـــــــــة برزخيــــــــة منفتحة على كل الاحتمالات والتأويلات، لغة متعددة الدلالات، منفتحة على كل الآفاق، تتجاوز وتخترق كل ما هو سائد ومألوف ومادّي، لتصبح لغةً متحدة بالمطلق واللامحدود والحقيقة.

وبهذا تلتــــقــي الكتــــابـــــــة الشعـريــــــة مع نظيرتــها الصوفيـــــــة فــي كون أنّ كليهمـــــا لا تستجيــب للتأسيــــــــس النسقـــي الذي تتحكــم بــه الروابــط النظاميـــــــــة والعلاقـــــات المنطقيــــــــة، ومن شــأن الكتــابـــــــــــــة التي تنحــو  هذا المنحــى أن تخلّــــــــف علــى المستوى الطبوغــــرافي فجـــــــــــواتٍ نصيّــــــــــةٍ، هـــــي المواضــع التي يقيـــــــم فيــها المختلف، متدثـــــــرا بصمتــــــــه وانقــطاعــــــه عن الثرثـــــــرة الكلاميـــة (سليطين، 2013) .

على اختلاف معظم النـقــــــــــــاد والباحثيـــن الذين أجمعـــــوا على الترابــــط والتمــــازج القــوّي بين التصوف والشعر،وبين الركائــــــز التي يقوم عليها كلا الفنيّيـــــــن الأدبيين، يذهب الشاعــر والنــــاقــــــد  العــراقــــي عـــادل عبد الله إلى القول برأي مختــــــلف تمـــــاما ،حيث ينفـــي نفيـــــــًا قاطعـــًا وجود ذلك الوصل بين التصوف والشعر، ويدّلل على الخاصيّــــــة الشديـــــدة التي يتميّــــــز بها كلّ من الشعـــــــر والتصوف  حيث يقول: «أنّ التصوف لا يصلح أن يكون موضوعـًـــــــا للقصيـــــــدة التي يُراد لهـــــا أن تنقــــــل  تجربــــــــــــــة الصوفـــي بكلّ غرابتـــــــــها وجلالها ، ما لــــم يعش الشاعـــــر وعلى مدى طويل تفاصيل وأسرار وآثـــار تجربــــــــة التصوف في حقيــــقتـــــها العرفــانيـــــــة العميقـــــــــة الحافيــــــــــة... وللشعــــــر أو القصيـــدة أسراره وخصوصياتـــــــه التي لا تسمـــح ولا تمنح نفســـها إلّا للشاعــــــر (عادل، 23-11-2015).

وبهــذا فلكـــــلٍّ من الشعـــــر والتصوف أدواتــــــــــه تجعـلهمــــــا متضادّيــــــن ومختـلفيـــــــــــن في كلّ من : المهمـــــــة والوظيفـــــــــــة والأداة والرسالـــــــة، وكذلك نوع العلاقـــــــــة مع الذات من جهــــة أخرى ،ومع الآخـــــر من جهة أخرى، يقول عادل عبــد اللـــه: «إنّ الشاعــر يسيء إلى الصوفـــــي في قصديـــــــــة اتّــخــــــاذه المعـرفــــــــة الصوفيـــــــــــة مضمونــــــــًـا لقصيدتــــــه، تمــامــــًا كمـــــا يسيء الصوفــــي إلى الشـــاعـــر حين ينظــــم تعــاليمــــــه في قصيـــــدة ،لأنّ هذه التعاليـــــم  الحرّة الخاصة بـــه وحــــــده  والمستحصلـــــة من فضـــاء التجربــــــــة والحريّـــــــة والتــأمـــــل  تضطّر إلى الدخول في العـالــــم الضيّق للحواس والشكل واللغـــــة (عادل، 23-11-2015).

في إشارة منـــه إلــى ضرورة الفصل بيــن التجربـتيـــــن الصوفيـــــــة والشعـــريــــــة، حيث يؤكـــد علــى أنّ الشعــر ونظــم القصائــد لا يكون إلاّ من شاعــــرٍ حقيـــــــقيٍّ، شاعــــــر خُلــق ليقول شعــــرًا فقط، أمّــا المتصوف فإنّــه عــاش تجربـــــــة التصوف ومعــانــــاتها بكلّ مراحلــها فاستعــان بالقصيـــــدة كوسيـــلـــة فقط، ولم تكن كتــابـــة الشعــر هدفـــــــــــًا لــه بالأساس لعدم امتلاكـــه موهبـــة الشاعــر الفذّ.

مناقشة

نخلص في نهايـــة هذا المقــــال إلــى عدة نتــائــج أهمــها : أنّ التصوف هـــو تجربـــــة ذوقـيــــــة وعرفــانيــــــــة خاصّة جـدّا ،أمّــا الشعـــــــر فهـــو تجربــــــة شعـوريــــــة تعتمــــد الحس والوجـــــدان، تلتقـي التجربـــــة الصوفيــــــــــة والتجربـــــة الشعريــــة في كون أنّ التصوف وجــد في القول الشعـري الوسيــلة المثلــى للتعبيــــــر عن تجــاربـــــــه وما يدور في دواخلـــه وخلجاتـــه، أمّا الشعراء فقد اعتمــدوا قاموس المتصوفــة وألـفـــــاظــه لإثــراء قصائدهـــم وإكسابها جماليــــــة ملفـتـــة وتميّــــــزا فريـــدًا وهذا لا يدّل أنّ كلّ متصوف هو شـــاعـر بالضرورة أو العكس، فهمــا يختلفــان ويتقــاطعــان في الهدف والغايــــــــة فغـــايـــــــة الصوفــــي هـــي المحبـــــــــة الإلهيـــــــــــــة والفـنــــــــــاء فيهــــا، بينــما الهدف الأول والأخيـــر عند الشاعــــر فنّــي(خلــق قصيـــدة ) ذات بُعــــد جمالــي أدبّـــي.

وأخيرًا نستطيـــع القول أنّ العلاقــــــة بين التصوف والشعـــر هــي علاقـــــة اتصالٍ وانفـصال ٍفي آنٍ؛ اتصّالٌ في اللغـــة وانفصالٌ في التجربــــة

إبراهيم محمد منصور. (د.ت). الشعر والتصوف (الأثر الصوفي في الشعر العربي المعاصر). دار الأمين للنشر والتوزيع.

ابن الفارض. (1951). الديوان. القاهرة: مكتبة القاهرة.

ابن عربي ابن عربي. (1986). الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار. القاهرة: مكتبة عالم الفكر.

ابن عربي. (د ت). الفتوحات المكيّة. بييروت: دار الكتب العلمية .

أبي مدين شعيب الغوث التلمساني. (2011). الديوان. لبنان: كتّاب ناشرون.

أحمد الطربيق احمد. (2001). الخطاب وخطاب الحقيقة (مبحث في لغة الإشارة). الدار البيضاء.

أحمد محمد فتوح. (د ت). الرمز والرمزية في الشعر المعاصر. مصر: دار المعارف.

أدونيس. (د.ت). الصوفية والسريالية. دار الساقي للنشر .

أدونيس. (1979). مقدّمة للشعر العربي. بيروت: دار العودة.

الحلاج. (د ت). الديوان.

أمين يوسف عودة. (2008). تأويل الشعر وفلسفته عند الصوفية. الأردن: عالم الكتب الحديث.

سفيان زدادقة. (2008). الحقيقة والسراب (قراءة في البعد الصوفي عند أدونيس مرجعا وممارسة). الجزائر: منشورات الإختلاف.

سفيان زدادقة. (2011). الرمز ودلالته في الشعرية الصوفية( متوالية الصورة ، المجاز، الخيال، الأسطورة). الجزائر: مجلة الآداب والعلوم الإجتماعية.

عادل عبد اللّه. (23-11-2015). الشعر والتصوف (تكامل أم ممانعة). الحوار المتمدن.

عبد الرحمن بدوي. (1978). شهيدة العشق الإلهي. الكويت: وكالة المطبوعات.

عبد الصبور صلاح. (1981). تجربتي في الشعر .

عبد الصبور صلاح. (1981). تجربتي في الشعر. مجلة فصول المجلذّ 2، العدد 1.

عبد القادر الجيلاني. (د ت). الديوان. بيروت: دار الجيل.

عبد اللّه العشّي. (2009). أسئلة الشعرية. الجزائر: منشورات الاختلاف.

عدنان حسين العوادي. (د.ت). الشعر الصوفي حتى أفول مدرسة بغداد وظهور الغزالي. دار الرشيد للنشر.

عليّ الخطيب. (د ت). اتجاهات الأدب الصوفي بين الحلاج وابن عربي. القاهرة: دار المعارف .

عمر فرّوخ. (1981). التصوف في الإسلام. بيروت: دار الكتاب العربي.

محمد زايد. (2011). أدبية النص الصوفي بين الإبلاغ النفعي. الأردن: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع.

محمد عبد المنعم خفاجي. (د ت). الأدب في التراث الصوفي. مكتبة غريب.

محي الدين ابن عربي. (2003). ترجمان الأشواق. بيروت: دار صادر.

نور سلمان. (1954). معالم الرمزية في الشعر العربي رسالة مقدّمة لنيل شهادة أستاذ العلوم . بيروت: الجامعة الأمريكية.

وفيق سليطين. (2013). الشعر والتصوف. سوريا: دار الحوار للنشر والتوزيع.

يوسف زيدان. (1997). شعراء الصوفية المجهولون. بيروت: دار الجيل

@pour_citer_ce_document

سفيان زدادقة / كنزة بوعبيد, «الشعر والتصوف وحدود العلاقــة»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ص ص 221-230,
Date Publication Sur Papier : 2024-01-24,
Date Pulication Electronique : 2024-01-24,
mis a jour le : 24/01/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9749.