مقاربة المتخيل في بناء الشخصية التاريخية» حميدو بن علي«في رواية »الرايس«لهاجر قويدريThe Imaginary Approach in Building the Historical Character «Hamido Ben Ali» in the novel «arais» by Hajar Koueidry L’approche imaginaire dans la construction du personnage historique «Hamido Ben Ali» dans le roman «arais» de Hajar Koueidry
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 21-2024

مقاربة المتخيل في بناء الشخصية التاريخية» حميدو بن علي«في رواية »الرايس«لهاجر قويدري
L’approche imaginaire dans la construction du personnage historique «Hamido Ben Ali» dans le roman «arais» de Hajar Koueidry
The Imaginary Approach in Building the Historical Character «Hamido Ben Ali» in the novel «arais» by Hajar Koueidry

تاريخ الاستلام 2022-12-26 تاريخ القبول 28-02-2024

شفيقة عاشور / خير الدين دعيش
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

تعددت التقنيات السردية في صياغة البنية الأساسية للنص الروائي، حيث تشكّل الصيغة أحد المكوِّنات المركزية في إعطاء الانطباع الذهني والجمالي وإحداث التأثير في المتلقي، ورواية «الرايس» اعتمدت ظاهرة جديدة في الكتابة الروائية العربية، هي ظاهرة تعدد الضمائر المتكلمة في النص فأقحمت ضمائر متنوعة منها ضمير المتكلم والغائب والمخاطب، حيث منحت هذه السمة جمالية الأسلوب السردي، وأبعادا متعددة لقراءة النص وبنيته الحكائية.

Il existe de nombreuses techniques narratives pour formuler la structure de base du texte de fiction, car la formule est l’un des éléments centraux pour donner l’impression mentale et esthétique et influencer le destinataire, y compris le pronom de la première personne, la personne absente et Cette caractéristique a donné l’esthétique du style narratif et de multiples dimensions à la lecture du texte et de sa structure narrative

There are many narrative techniques in formulating the basic structure of the fictional text, as the formula is one of the central components in giving the mental and aesthetic impression, and influencing the recipient, Including the pronoun of the first person, the absent person, and the interlocutor, This feature gave the aesthetics of the narrative style and multiple dimensions to reading the text and its narrative structure.

Quelques mots à propos de :  شفيقة عاشور

Dr. Chafika Achour  جامعة عبد الرحمن ميرة، بجاية، الجزائر  chafika.achour@yahoo.fr

Quelques mots à propos de :  خير الدين دعيش

Pr. Kheireddine Daiche  جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، الجزائر  k.daiche@univ-setif2.dz
مقدمة
تعدّ الرواية من أكثر الأجناس الأدبية استيعابا للواقع ومتغيراته، ولهذا بات الاشتغال عليها والحديث عنها حديثا مهما للغاية حتى قيل: إنّ الرواية ديوان العرب الحديث فهي بمثابة وعاء تُصب فيه أفكار الإنسان وتاريخه في صراعه مع واقعه، حيث تجاوزت في علاقاتها الأجناس الأدبية ومدّت جسورا بينها وبين شتى الحقول المعرفية المتفاعلة.  وضمن هذه الأنساق المعرفية المتفاعلة يأتي التاريخ بوصفه منظومة من الأحداث والتمثّلات الواقعية التي عرفت حضورا قويا ومتميزا في متون النصوص الإبداعية عموما والنصوص الروائية على وجه الخصوص.
تتّصف الكتابة النسائية الجزائرية بالتميّز والخصوصية على مستوى الإنجاز الإبداعي، حيث نجد معظم الكتابات النسائية العربية على العموم والجزائرية على الخصوص قد سلّطت أضواءها على ثنائية الذات والآخر، ورسمت لنا معاناة الذات و تأزماتها جراء الآخر ومظالمه، و»هاجر قويدري» واحدة من الكاتبات الجزائريات اللائي صورن لنا الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي كان يعيشها الفرد الجزائري طيلة حكم الإمبراطورية العثمانية، فتعود بنا إلى هذه المرحلة التاريخية البعيدة المدى التي لم تتعود جل الروايات على اقتحامها والغور فيها، فلقد أعادتنا إلى فترة حكم العثمانيين للجزائر وجسدت لنا الصراعات التي شهدتها هذه الفترة، كما جعلت شخصيتها المحورية شخصية تاريخية «حميدو بن علي» التي تناوبت مختلف الشخصيات للتعريف بها لأجل إيصالها إلى أذهان القراء، فتجاوزت مرحلة الكتابة الراهنة التي تستند إلى تخييل الواقع وتخطتها إلى مرحلة جديدة هي تخييل التاريخ وذلك بالعودة إلى مرحلة تاريخية غابرة هي  زمن تسيّد الإمبراطورية العثمانية  وحكمها للإيالة الجزائرية.
ونسعى من خلال بحثنا هذا إلى مقاربة الشخصية التاريخية «حميدو بن علي»، هذه الشخصية المرجعية التي تحيلنا إلى دلالات وأدوار محددة سابقا في الثقافة والمجتمع، بحيث يكون إدراك القارئ مضامينها ودلالاتها مرتبطة بدرجة استيعابه لهذه الثقافة التاريخية.  وقد تمثلت المرجعية التاريخية في رواية الرايس في مجموعة العناصر السردية التي بُبنيت عليها الرواية من خلال الأحداث التي حركت الفعل النص، وكذا الزمن الذي غطته الرواية، وأيضا الشخصيات التاريخية، ومن أبرزها الشخصية المحورية «حميدو» التي هي موضوع بحثنا، انطلاقا من هذه الرؤيا وجب علينا طرح الإشكال الآتي كيف تعاملت الروائية مع الشخصية التاريخية الجاهزة البناء؟ وكيف أخضعتها لمنطق السرد الروائي؟.
وللإجابة على هذه التساؤلات استندنا إلى ثلاثة مقاربات نقدية بداية بالمقاربة الموضوعاتية أثناء معالجتنا للتيمة التي جسدتها الرواية، إلى جانب حضور آليات المنهج التاريخي للبحث عن أبرز الأحداث التاريخية التي اشتهرت بها هذه الشخصية سابقا كما اعتمدنا على منظورات سيمياء التأويل بما تتيحه من إمكانات القراءة القائمة على التأويل على معطيات نصية تخدم التحليل الموضوعاتي وتعززه.
والجدير بالذكر  أنّ رواية الرايس رواية حديثة الصدور ، ومن ثمّة لم يسبق أن تناولتها  أقلام الباحثين ضمن أعمال أكاديمية باستثناء بعض المقالات وبحوث لطلبة الماستر، عالجت جوانب من الرواية لا كلّها، وهذا ما  يزيد من أهمية الموضوع وخصوصا أنّه يناول عنصرين أساسيين في الإبداع الروائي وهما التاريخ والتخييل.
شخصية الرايس «حميدو بن علي»
تعتبر الشخصية عنصرا أساسا في بنية العمل الروائي، بحيث لا يمكن تصور رواية بدون شخصيات ومن ثم كان «التشخيص هو محور التجربة الروائية»(هينكل، صفحة 231)، وما من شك أن أغلب النقاد والباحثين اتفقوا على أهمية الدور الذي تقوم به داخل العمل الروائي، فهي «العنصر الحيوي الذي يضطلع بمختلف الأفعال التي تترابط وتتكامل في مجرى الحكي»(يقطين، 1997، صفحة 87)، فبفضلها تتاح فرصة التعبير لمنتج النص عن كل ما يمور بداخله؛ فيتخذها وسيلة للتعبير عن أحاسيسه وعواطفه وكذلك طرح أفكاره ورؤاه وهذا ما يجعل صاحب الرواية التاريخية مجبرا على توظيفها كوّنها نماذج واقعية عاشت الحدث وشهدت وقوعه.
إن التعامل مع الشخصية التاريخية تعاملا صعبا ومرهقا لكتاب الرواية بصفة عامة وكاتب الرواية التاريخية بصورة خاصة؛ لأنها تدخل إلى العمل الروائي بحقيبة ملابس جاهزة لا يمكن إبعادها عنها أو اقتراح ملابس جديدة لها لا علاقة لها بالصورة المرسومة عنها(الشمالي، 2006، صفحة 226)، وكذلك توظيفها الذي يحتاج إلى وعي كامل بالأحداث التي اشتركت فيها وتلك التي لم تشترك فيها(الشمالي، 2006، صفحة 227)، فهذا النوع من الشخصيات يحدّ من حرية الروائي؛ لأنه يمتلك مرجعية ماضية سابقة لابد من التقيّد بها ولكن هذا لا يعني أن مهمة الروائي تقتصر على تسجيل أحداث التاريخ فحسب بل تتجاوز ذلك ويعيد الصياغة وفق ظروف العصر وإيديولوجيته التي تعكس قيَّماً يؤمن بها وأهدافا يريد الوصول إليها «لأن التاريخ معطى موضوعي في الماضي، قائم هناك ولكنه متغير، إننا في كل عصر نفهم الماضي فهما جديدا من خلال التغييرات الباقية لنا، ويكون فهمنا للماضي أفضل كلما توافرت شروط موضوعية في الحاضر»(المويفن، صفحة 112)شبيهة بما كان في الماضي.
تعتبر شخصية» حميدو بن علي» شخصية محورية في نص «االرايس» ولها طابع خاص؛ فهي الأكثر حضورا مقارنة بالشخصيات الأخرى، إذ سيطرت على معظم المسارات السردية والأحداث الروائية، «فاستأثرت بكثير من المقاطع الحكائية، وأنجزت دوراً بارزاً في تشغيل كثير من الحقول الدلالية، كما أنها شكّلت موضوع تبئير بارز»(أقلمون، 2010، صفحة 243) في موضوع الرواية.
إن الشخصية هي أكثر المكوّنات السردية فاعلية في بناء الرواية التاريخية، فهي العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده العناصر والمكوّنات الأخرى، باعتبارها الرابط الذي يجمع باقي البنى السردية في الرواية، فمن خلالها يبرز الحدث ويتشكل الزمان والمكان.
وبالعودة إلى نص «الرايس» نجد أحاديثه تسرد لنا سيرة البطل التاريخي «حميدو بن علي» الشخصية المحورية التي بُنيت عليها أحداث الرواية، ف»حميدو» البطل الذي لا يروي كثيرا ونعرف حكايته من مرويات الآخرين عنه، فهو شاب جزائري الأصل، ولع بالبحر منذ الصغر وجعله منفاه وموطنه الذي لا يقدر على مفارقته وتركه، كما كان من الأبطال الأفذاذ الذين يردّون الغزاة الأوروبيين ويصدّون هجماتهم عن السواحل الجزائرية، حيث كانت له الرغبة الملّحة في كسب الغنائم، هذه الأخيرة التي كانت تعد آنذاك المصدر الرئيس لخزينة الدولة فاستطاع أن يستولي على سفينتين إحداهما برتغالية وأخرى أمريكية.
ولعل الغاية المدركة من لجوء الكاتبة إلى الماضي التاريخي، وتسليط ضوئها على تاريخ هذه الشخصية، التي قلّما كتبت عنها النصوص السردية التخييلية هو قصد إعادة بعث تاريخها من جديد كي لا يبقى في طي الكتمان ومن القضايا المسكوت عنها، وربما أيضا وجدان الكاتبة وإحساسها بأن شخصيتها التاريخية بدأت تضمحل وتغيب صورتها عند الجميع، ومن ثم كان هدفها الرئيس من استحضار شخصية الرايس «حميدو» هو «لاستعادة الذات الضائعة»(الشمالي، 2006، صفحة 136)، وبعث الروح فيها لتستمر ويدوم وجودها بين القراء، وهذا ما دفعها لفتح سجلات الماضي البعيد بغية إيجاد حل لمأزقها وإعطائها فرصة الحضور في النص الروائي، كوّن هذا الأخير يسهم بدور خلاق في إعادة الإحياء والبعث من خلال القراءة المتجددة بين القراء.
لاشك أن الروائي هو المتحكم/ المتصرف في زمام السرد، فهي المستثمر لهذا النمط من الشخصيات التاريخية، فكلما كان على صلة وثيقة بشخوصه وعارفا بكل أفعالها وحركاتها وأقوالها اتسم عمله بالتناسق والانتظام، إلاّ أن التعامل معها يعد مجازفة صعبة التجاوز، لأنها مستوحاة من «كتب التاريخ وأحداثه ويكونموضوعها مقتبسا من سير القادة ورجال الدين، أو أصحاب الحركات والثورات التاريخية للشعوب مع مختلف أجناسها»(عبد الخالق، 2009، صفحة 59)، فهي شخصيات جاهزة محددة المعالم، لها وجودهاوحضورها في التاريخ الرسمي، مما يقلل من حرية الروائي، ومن ثم تقوده «إلى مصيرها هي كما حسم قبل مئات وعشرات السنين»(الشمالي، 2006، صفحة 226)، وهذا ما يجبره على اختلاق شخصيات من صنع خياله بغية التخفيف من قيد الشخصيات ذات المرجعية الثابتة.
إن إقحام الشخصية التاريخية في النص الروائي وجعلها تتحاور مع الشخصيات المتخيلة هو الذي يسهم في تغيير حركاتها وأفعالها، ولكن هذا لا يعني أن الروائي يغفل على حرص الخصوصية التاريخية المميزة لها.
تحتل شخصية «حميدو» بؤرة اهتمام الشخصيات، فهي المسيطرة على الحدث الروائي طلية مراحل مسار الحكاية، إذ قدم لنا النص مراحل نمو هذه الشخصية من طفولتها إلى غاية وفاتها في البحر؛ فاستهلت الروائية بتقديم طفولة «حميدو»، عندما كان قاطنا في «يسّر» أينما كان عاشقا لمريم، ثم رحيله إلى الدزاير وعودته مرة أخرى بسبب انتشار مرض الطاعون، كما صورت لنا حرفة الخياطة التي كان يتعلمها، ثم توجهه إلى عالم البحر في سن لا تتجاوز ثلاثة عشر سنة والبطولات البحرية التي حققها في ظرف وجيز.
تبرز وظيفة الشخصية التاريخية «حميدو» في تحريك الحدث النصي وتفعيله، وفاعليتها واضحة في أدائها من خلال مساحات المحكي الروائي، فهي صانعة الأحداث وخالقتها، إذ تدفع بها نحو الأمام، حيث تشكّل في النص التيمة/الموضوعة الرئيسة للرواية التي يسعى الرواة السبعة إلى إضاءة جوانبها والتفاعل معها ما يجعلها مركز اهتمام الشخصيات الروائية الأخرى والرواة على السواء.
تعاملت شخصية «حميدو» مع المواقف بشكل اعتيادي وتحاورت مع غيرها من الشخصيات، فكان لها دور فعّال، جعل حركة السرد ديناميكية(حية)، وأحيانا تخلل المونولوج صوت هذه الشخصية، فكان هذا الأخير موردا آخر خرجت منه جميع المكبوتات التي صرحت بها الشخصيات هنا تظهر وظيفة التخييل في التعامل مع هذه الشخصيات وكأن الروائية تعلم مسبقا بأن تفعيل الحدث السردي لا يتم إلاّ بالضغط على الضمير الداخلي للشخصيات.
استثمرت الروائية سيرة «حميدو» من طفولتها إلى شبابها مركزة على أهم المحطات التاريخية  التي شهدتها، مستندة في ذلك إلى استراتيجية التخييل التي تمنح لها الحرية المطلقة في استكمال الفجوات التي خلفها التاريخ، فنقلت إلينا المواقف والمغامرات التي عاشها «حميدو» في البحر، بطريقة تجعل القارئ يعيش «تجربة التكوّن التاريخي للشخصيات التاريخية المهمة، وإنها لمهمة الكاتب من ذلك الوقت فصاعدا، أن يترك أفعالهم تجعلهم يظهرون بمظهر الممثلين الفعليين لهذه الأزمات التاريخية»(لوكاش، 2005، صفحة 41)، وذلك بالاستناد إلى عامل التخييل الذي يضفي عليها طابعا فنّيا يرتقي بها إلى مستوى العمل الإبداعي ويتحاشى في الوقت نفسه التعامل مع الوقائع التاريخية بطريقة تسجيلية، كوّنها تضعف من قيمة الوظيفة الأدبية للرواية «فالتخييل يستلهم عوالمه من الواقع ويقصد إلى إعادة بنائه في صورة يعتقد المرسل أنها النموذج الذي يجب أن يكون عليه، ومن ثم فإن عوالم التخييل تتداخل فيها الكيانات التخييلية والكيانات الواقعية»(بن يطو، 2018، صفحة 92)، وهذا ما جسدته رواية «الرايس»، حيث تعالقت فيها المكوّنات التاريخية بالتخييلية لأجل رسم صورة «حميدو» فاستحضرت سيرته من خلال اعتمادها على المؤلفات التاريخية مع طبعها بمسحة فنّية تخدم النص الروائي وذلك باعتمادها على الآليات الفنّية المختلفة من أبرزها خطاب الذاكرة الذي كان يسترجعه مختلف الرواة، ومثال على ذلك استرجاع وكيل الحرج «مصدق» لحادثة طرد  «حميدو» من ميناء الدزاير يقول:» قبل سنوات طرد حميدو من ميناء الجزائر وأرسل إلى أرزيو، ومنع من العودة إلى الدزاير غير أن هذه العقوبة لم ترض وكيل الحرج السيد علي الذي أراد قطع رأسه»(قويدري، 2015، صفحة 32).
إن علاقة «حميدو» بوكيل الحرج «السيد علي» هي علاقة صراع؛ فإذا كان «حميدو» يسعى إلى خدمة الإيالة وشعبها ككل، فإن «السيد علي» همه الوحيد هو جمع الغنائم والاستيلاء على ثروات غيره، فشأنه شأن كل الدايات في تلك الفترة فهدفهم هو جمع المال والتسلّط على الغير.
لقد سبق الذكر بأن التاريخ الجزائري العثماني هو من أهم المرتكزات التي ارتكز عليها نص «الرايس» حيث أبرز لنا هذا الأخير محطات «حميدو» التاريخية، ولعل أهم محطاته التاريخية التي استوقفنا النص عندها هي ما يأتي:
- مرحلة الدفاع عن الإيالة الجزائرية ضد الغزو الإسباني، حيث أبان فيها «حميدو» حبه الشديد وشجاعته في الدفاع عن وطنه، وهذا ما جاء على لسان «مريم»، تقول:» إنه في وهران، ولن يتمكن من الحضور إنه يجاهد في سبيل الله، يحارب الإسبان، فادعوا له بالنصر إن شاء الله» (قويدري، 2015، صفحة 32).
إن «حميدو» من الشخصيات التاريخية البطلة التي أثبتت وجودها في التاريخ، وأثبت الروائي مرة أخرى وجودها في العالم الروائي الفنّي، فعدم حضوره لجنازة أبيه هو دلالة على اشتغاله بقضية الغزو الاسباني فأولوية العامة عنده قبل الخاصة، ومن هنا يتضح هدف الروائية من هذه الدلالة الرمزية، لأن ما يهم الكاتب في توظيفه الشخصية التاريخية أو الموقف التاريخي ليس الشخصية في حد ذاتها، ولا التاريخ الصحيح، ولكن دلالة الشخصية أو الموقف، لأن «دلالة الشخصية التاريخية بما تحمله من قابلية للتأويل والتفسير هي التي يستغلها الكاتب للتعبير عن واقعه وواقع عصره»(ثليلاني و طاجين، صفحة 4)، فلا تكمن أهمية التوظيف التاريخي في وعي الكاتب للتاريخ، وإنما تكمن بالأساس في كيفية توسيع دائرة التاريخ واستغلال دلالاته التأويلية لأجل فهمه وتفسيره. فالمقطع السابق الذكر يبرز لنا الدلالة الرمزية لشخصية «حميدو»، باعتباره رمزا للشجاعة والوفاء وفي الوقت نفسه رمز النضال نظرا إلى موقفه البطولي و الجبار الذي غيّبه عن جنازة أبيه، وكأن ما يهم الروائي من استثمار الشخصية التاريخية هو إطلاع القارئ على مواقفه وبطولاته ومن ثم الاحتذاء بهذه النماذج التي كان لها تاريخ مشرق ونيّر، فالرجوع إلى الماضي واستثمار مثل هذا النمط من الشخصيات هو رغبة الكاتبة في تحفيز هذا الجيل الجديد على الاقتداء بمثل هذا النموذج الأمثل الذي يخدم نفسه ووطنه في وقت واحد.
- الدفاع عن الذات المظلومة؛ لقد اتخذت شخصية «حميدو» في النص نموذج البطل العادل على خلاف الشخصيات الأخرى كوكيل الحرج «السيد علي»، والباشكاتب «يحي المديلي» والداي «مصطفى باشا» والداي «أحمد باشا»...الخ، فكل هذه الشخصيات كان همها الوحيد والأوحد هو السلطة وتحقيق النفوذ دون خدمة الإيالة وشعبها، أما «حميدو» فقد كان البطل العادل والشجاع فلا يرضى بالذل والجور، وخير مثال على ذلك إنقاذه لبنات وكيل الحرج «مصدق» من وحشية الداي «مصطفى باشا» الذي طلب منه إرسال أحد بناته ليقضي فيها شهوته، يقول الراوي:»...، لقد تمادى مصطفى باشا من انتقامه مني وجاء رسوله ليقول لي بكل وقاحة:
-إن مولاي الداي يريدك أن ترسل له واحدة من بناتك» (قويدري، 2015، صفحة 125).
إن فترة حكم الداي «مصطفى باشا» هي أضعف المراحل في تاريخ الجزائر العثمانية، فقد كان عنيد جدا ولا يمكن عصيان أوامره، مما جعل وكيل الحرج «مصدق» في حيرة شديدة ووجل كبير إلى أن جاء «حميدو» وأنقذه من هذا المأزق، يقول وكيل الحرج» مصدق»:»... غفوت جالسا على الباب؛ أحرس بناتي وأحرس عقلي الذي كاد أن يضيع مني فجأة تحرك الباب، ارتعبت ونهضت مفجوعا.
لا عليك... أنا حميدو، لا تخف.
استغربت حضوره ثم مشاداته العنيفة على الحراس، لقد قام بكسر الباب وأخرجني أنا وعائلتي ثم قام عدد من البحارة التابعين له بتطويق طريق سيرنا نحو أول زورق صادفنا»(قويدري، 2015، صفحة 125).
على الرغم من جبروت الداي «مصطفى باشا» وقوّته، إلاّ أن «حميدو» لم يكن خائفا من قرارات الداي أثناء سماعه لخبر فرار وكيل الحرج وعائلته، يقول «مصدق»: لم يشأ حميدو أن نبقى في مرفأ اسكندرونة ولو بضع يوم، لقد كان راضيا على أقدم عليه ولم يكن خائفا من مصير محتوم ينتظره في الدزاير»(قويدري، 2015، صفحة 127).
إنّ استعانة الروائية بهذا النموذج العادل، هو بغرض تمجيد الماضي والحنين إليه، هربا من حاضرٍ قاتم يفتقر إلى حاكم عادل(وتار، 2002، صفحة 81)، وهذا واقع الدول العربية التي تعاني من ظلم الحكام وجبروتهم، فهم يسعون لخدمة مصالحهم الشخصية لا المصالح العامة التي تخدم الشعب والوطن.
فمن خلال المقاطع السابقة الذكر، يكون «حميدو» البطل التاريخي الذي يحمل رمزا لمعنى من المعاني الإنسانية، فقد كانت شخصيته مفّعمة بدلالات رمزية عدة منها: رمز المناضل الفدائي الذي يجاهد من أجل وطنه وشعبه، ورمز العادل الذي يدافع عن الحق وكل مظلوم مهما بلغ ذلك درجة الخطورة، ورمز الإنسان بأسمى معاني الإنسانية ويتجسد ذلك في طيبته وشفقته على الآخر وخير مثال على ذلك شفقته على جثة «سيتا» التي نكّل بها الجميع من أجل الوصول إلى الثروة التي كانت تحت قبرها، إذ استخرجها هذه المرة كل من «يحي المديلي» و»مزيان» و»إقزيرا» كما اتفقوا على تقسيم الثروة بعضهم مع بعض، حتى دق «حميدو» الباب فوجدهم أخرجوا جثة «سيتا» وجعلوها مركونة على جنب، فعاتبهم على تصرفاتهم المشينة، ثم خرج إلى الجامع ليحضر النعش، يقول «حميدو» :»سوف أذهب وأدفنها وأريدكم أن تتبعوني جميعا بعد ردم هذه الحفرة، هل حقا تريدون ثروة سيد علي، وهي تحت حرمة قبر، عار عليكم جميعا»(قويدري، 2015، صفحة 157).
وهكذا فإن استحضار شخصية البطل العادل في سياق السرود الروائية يأتي بدافع الكشف عن القطيعة بين جيل الأحفاد وجيل الأجداد، وإظهار تقاعس الأحفاد عن حمل رسالة الأجداد من جهة أخرى(وتار، 2002، صفحة 81) وأيضا لخدمة الوظيفة الاعتبارية، لأن الوعي بالتاريخ ليس حفظا للذاكرة وتسجيلا للحدث، وإنّما إعمالا للتفكير، واستنتاجا للعبرة والعظة، وامتلاك المؤهل لاستيعاب الحاضر وتفسيره والتنبؤ بتداعياته ومآلاته وعواقبه(أقلمون، 2010، صفحة 44).
- مرحلة الظفر، لقد استطاع «حميدو» أن يستولي على سفينة برتغالية سماها «البرتغيزة» وأخرى أمريكية سماها» المريكانة»، وهذا ما يثبته النص في قول «علي طاطار- بفاريتو»:» كانت الفرقاطة البرتغالية تتبعنا وبذات السرعة إلى غاية اقترابها النهائي منا، كان حميدو يستدرجها إلى السواحل الدزيرية حتى لا تتمكن من المقاومة... احتدمت المعركة، وبدأنا نطلق المدفعية تباعا، كما تمكن رجالنا من التسلل والصعود إلى الفرقاطة، ومن ثم السيطرة على قيادة الفرقاطة. لقد فقدنا تسعة بحارة في هذه المعركة، لكننا عدنا بأكبر غنيمة عرفها دفتر الغنائم، قرابة ثلاثمائة أسير و44 مدفعا، والكثير من الذخيرة الحربية»(قويدري، 2015، صفحة 133).
وانطلاقا من هذا الحدث التاريخي المؤثّث بالأحداث الجزئية التخييلية، نستشف أن رواية الرايس حرصت على التوظيف المباشر للتاريخ وذلك بطبع هذا الحدث الواقعي بصبغة فنّية مع محافظتها على جوهر الحدث، وبهذا تكون رواية «الرايس» من الأعمال العربية التي توسلت بالتاريخ لتشييد التجربة التخييلية ولإثراء قيمها الرمزية، والبحث عن إمكانات تنحت طرائق مستجدة في السرد والكتابة الحكائية(htt)، فلا تكون الرواية تاريخية إلاّ إذا استوعبت مشاكل عصرها وقضاياها وهذا ما حاولت رواية «الرايس» أن تجسده في متنها الحكائي، فانصبت مشاغلها على القضايا السياسية والاجتماعية التي سادت في الزمن العثماني وكذا الصراعات الحادة من أجل السلطة والحكم والأمر نفسه في الزمن الحاضر الذي يشهد المؤامرات والمكائد من أجل تحقيق الكيان الذاتي وتهميش الآخر(الشعب)، وبهذا كانت عودة الكتاب والروائيين إلى التاريخ من أجل التعايش مع الواقع «لأن الحديث عن القديم يمكن من رؤية فنّية، وكلما أوغل الباحث في القديم حلّ طلاسمه وفك رموزه، وأمكن رؤية العصر والقضاء على المعوّقات»التي تعيق المجتمع.
ومن الملاحظ أن الروائية اختارت لهذا العمل الروائي أهم الأحداث البارزة في تاريخ حكم الإمبراطورية العثمانية للجزائر من فترة 1791م إلى غاية 1815م، إذ أعادت تركيب الأحداث بطريقة فنّية سلسة وموزعة توزيعا تسلسليا، فجعلت كل حديث من أحاديث الرواة السبعة يحكي جزءا معينا من قصة ما لتكتمل بعدها وتشكّل حكاية كاملة لتاريخ «حميدو بن علي» وتاريخ الجزائر العثمانية ككل.
لا شك أنّ هدف الروائية من استعانتها بشخصية تاريخية عادلة «حميدو بن علي»، هو رؤية الآخر في عين الذات(حميدو)، هذا الأخير الذي يسعى جاهدا إلى الإنصاف ونشر العدل بين مختلف طبقات المجتمع على خلاف الشخصيات التاريخية الأخرى التي كان همها الوحيد هو حب التملك وفرض السيطرة على بقية أفراد الإيالة. ولعل غاية الروائية من إقحام الشخصيات التاريخية في المتن الروائي وإبراز دورها التاريخي المشين هو إيجاد حلول لمستعصيات الزمن الراهن وعدم الوقوع في المأزق نفسه، ومن هنا يتضح لنا أكثر دور الكاتبة التوعوي الذي يسعى بدوره إلى نشر الوعي بين أفراد المجتمع وعدم السماح للتاريخ المشوّه أن يعود مرة أخرى ويفرض سلطته على الضعيف.
تتميّز الشخصية التاريخية في الرواية بأنها لا تحيل على ذاتها؛ أي أنها تبقى أسيرة تاريخيتها وتظل بمعزل عن مشاركة القارئ الذي لا يجد قاسما مشتركا بينه وبينها، فهي جاهزة ومحدّدة المعالم قبل ولوجها إلى العالم الروائي التخييلي، وهذا لا يعني أن الروائي لا يتعامل معها فنّيا بل على العكس من ذلك، فهو من يضفي عليها لمساته الفنّية التخييلية مع محافظته على مصداقيتها، ومن ثم يقول النص ما لم يقله التاريخ، باعتبار الرواية أكبر وأوسع من التاريخ فهي «خطاب يقول العالم»(بن دحمان، 2013، صفحة 74)، وفي الوقت نفسه يقرب المسافات بين العالم.
إنّ شخصية «حميدو» هي شخصية محورية تنهض بمهمة أساسية في الخطاب الروائي، إذ تحظى باهتمام كبير من طرف السارد، «يتوقف عليها فهم التجربة المطروحة في الرواية، فعليها نعتمد حين نحاول فهم مضمون العمل الروائي»(بوعزة، 2010، صفحة 57)، والإلمام به، وهكذا تتضح أهمية الشخصية المحورية والدور الكبير الذي تضطلع به في صنع الحدث وبلورته، مما «يمنحها حضورا طاغيا وتحظى بمكانة متفوقة، وهذا ما يجعلها مركز اهتمام الشخصيات الأخرى وليس السارد فقط»(بوعزة، 2010، صفحة 56)، فقد كانت شخصية «حميدو» بؤرة اهتمام الرواة السبعة الذين يسعون إلى رصد حركاته وتتبع خطواته كما أنها اكتسبت في النص طابعا خاصا ودلالات فنّية تتماشى مع طبيعة الرواية التاريخية، لأن الشخصية المرجعية ذات الطابع التاريخي تتغير طبيعتها بمجرد دخولها في شبكة من العلاقات المكتسبة من النص اللاحق ذاته، ومن ثم تصبح تابعة للنص رغم وجودها التاريخي.
وعليه فرواية «الرايس» وإن تناولت شخصيات تاريخية وأحداثا تاريخية، فهي رواية أدبية متميّزة كتبت بلغة تجاوزت الخطاب التاريخي إلى الخطاب السردي، مستفيدة من آليات النص السردي الذي يبرز تلك الجمالية التي تميّز الرواية، فسعت هذه الأخيرة إلى تقديم قراءة جديدة للشخصية التاريخية بمستويات معرفية مختلفة عن التناول التاريخي الصرف، الذي لا تسعى منهجيته وخطابه من ملامسة هذه المستويات، ولهذا يتولى السرد مسؤولية إخراج المسكوت عنه في ثنايا خطاب التاريخ وفي أعماق خطاب الذات، فهو مساءلة للتاريخ، وحوار مع الشخصية لاستنطاقها من جهة واستلهام رمزيتها واكتنازها الدلالي لمساءلة العصر وإشكالاته(مربن، صفحة 2).
لا شك أن كتابة رواية «الشخصية التاريخية» تتطلب جهدا ووعيا كبيرا من الروائي، فعليه أن يتسلح بذخيرة تاريخية عميقة لصعوبة التعامل مع هذا النمط من الشخصيات، لأنها تفرض بحضورها في العمل الروائي طوقا يحدّ من حرية الروائي، ما جعل هذا الأخير مجبرا على إقحام نمط آخر من الشخصيات للتخفيف من قيّدها، ألا وهي الشخصيات المفترضة التي تعطي له حرية التعبير المطلقة عن آرائه وأفكاره.
تمظهرات المتخيل في شخصية الرايس «حميدو بن علي» 
لا شك أن كل رواية تاريخية تقوم بعملية الحفر في ذاكرة التاريخ، بغية استقصاء المستور عنه وكذا المزيّف من التاريخ، ومن هنا  نستشف أن الرواية مهما سعت إلى تحقيق المتعة الفنّية فإنها لا تغفل عن تحري الحقيقة التاريخية من خلال الشخصية الجاهزة المكتملة البناء، رغم أن حضورها في العمل الروائي «لا يحدث في تكوينها أي تغيير، وإنّما يحدث التغيير في علاقتها بالشخصيات الأخرى فحسب، أما تصرفاتها فلها دائما طابع واحد»(الزمرلي، صفحة 27)، لأن لها شروطا معينة أثبتها التاريخ، فلا يستطيع الروائي أن يقف أمامها إلاّ مطيعا، فأي مخالفة بحق الشخصيات التاريخية تفقد العمل مصداقيته على مستوى الحكاية، ف»حميدو» باعتباره بطلاً للرواية لم نلحظ أي تغيير أو تطور في شخصيته، حيث استخدمت الروائية هذه الشخصية المكتملة كوسيلة للتعبير عن أهدافها ورؤاها الفكرية وإيديولوجيتها لتقف من خلال ذلك على أهم أسباب تدهور الأوضاع الاجتماعية وكذا العوامل البحرية والسياسية في مرحلة حكم الدايات الأتراك للإيالة الجزائرية، كما استوقفنا النص عن المسوّغات التي مهّدت السبيل لدخول القوات الفرنسية للجزائر، وأيضا دسائس وصراعات الدايات من أجل السلطة وفرض النفوذ. ولكي تفسح المجال لبروز هذه الإيديولوجية وتفسح المجال للواقع التخييلي حتى يتلاحم ويأتلف مع الأحداث والشخصيات التاريخية لجأت إلى تقنيات من شأنها أن تحررها من أسر الشخصية الجاهزة وقيودها، ومن قوالب الأحداث التاريخية كي تتجنب الوقوع في مأزق التسجيل والنقل الحرفي المباشر للتاريخ.
استطاعت الروائية «هاجر قويدري» أن تخضع الشخصية التاريخية الموظّفة لمنطق السرد الروائي وخصائصه، فتصبح شخصية روائية كأي شخصية أخرى، وذلك عن طريق تقديمها بثلاث طرائق، فإما أن تقدّم بوساطة ضمير الغائب أو ضمير المخاطب أو ضمير المتكلم(وتار، 2002، صفحة 77).
ستخدام ضمير الغائب
لقد اختارت الروائية مجموعة من الرواة، لتتولى مهمة سرد الأحداث وتقديم شخصية الرايس «حميدو بن علي»، ومن بين هؤلاء الرواة «مصدق» الذي يقوم بدوره هذه المرة ويخبرنا عن شخصية «حميدو»، يقول: «وصل حميدو فاتحا، كان الجميع يهتف باسمه، لا أفهم ما الذي فعله حتى يستحق كل هذه الحفاوة، لقد قام بطرد سفينتين حربيتين قادمتين من جنوة أثناء مرورهما بسواحل وهران، كانتا متوجهتين نحو جبل طارق. لم يكن يملك العدة للمواجهة فاختار ترهيبهما ومنعهما من المرور...»(قويدري، 2015، صفحة 55).
يتولى الراوي «مصدق» سرد الأحداث المتعلقة بشخصية «حميدو» ويتخذ دور المؤرخ في التأريخ لحدث تاريخي واقعي، فاستخدام ضمير الغائب في السرد يسهم في تقديم الشخصية التاريخية عن وجهة نظر غريبة عنها، وهذا يعني أن التجني على الحقيقة يبقى احتمالا قائما لدى المتلقي الذي يراوده الشك حول صحة المعلومات المقدّمة عن الشخصية التاريخية(وتار، 2002، صفحة 78).
يمتلك الراوي في هذه الحالة حرية كبيرة في نقل خطاب الغير، ويماهيه مع كلامه بحيث يصبح من الصعب الكشف عن مدى الصدق في نقله خطاب الغير، وتتراجع هذه الهيمنة والسلطة والتدخل في خطاب الشخصيات عندها تتكلم هذه الأخيرة بصوتها ضمير «الأنا- المتكلم»(عيلان، 2002، صفحة 192).
ونستشهد بمقطع آخر يتولى فيه راوٍ آخر مهمة السرد نيابة عن «حميدو»، يقول «بفاريتو- علي طاطار»:»... لقد هرب حميدو إلى وهران بعد أن أصدر الداي حكما بقطع رأسه...»(قويدري، 2015، صفحة 67).
يروي لنا «بفاريتو» قصة الحكم الذي أسقط على «حميدو» جراء التهمة الموجهة إليه، حيث اتهموه بأنه السبب في قتل أربعة أرواح، فلم يكن هو السبب في ذلك وإنّما السبب الوحيد هو عدم توفر الإمكانيات اللازمة لإرساء السفينة في ميناء هارون. ونظرا إلى الحقد الدفين بين الرايس «حميدو» وأحد بحارته «عبد الله»، لذلك فقد وشى به هذا الأخير إلى الداي وأخبره أن:» حميدو قام بذلك عمدا وقد خطط لتحطيم السنبك ولم يشأ أن يربطه في مرسى هارون؛ رغم إمكانية ذلك بشهادة كامل البحارة وأراد أن ينتقم من حضرتكم عندما رفضتم أن تعطوه السفينة النابولية التي غنمها منذ شهرين، وفضلتم أن تلحق بالأسطول الحربي»(قويدري، 2015، صفحة 68).
لعل غلبة ضمير الغائب وهيمنته في النص راجع إلى بساطة استخدامه؛ فهو من الوسائل السردية البسيطة الاستخدام، لما يتسم به من ليونة ووضوح عند استخدامه من قبل الراوي، وكذلك بالموضوعية وذلك بنقله لمجريات الأحداث دون تأثير ذاتية المؤلف عليه، فهو بمثابة «القناع الذي يتموقع خلفه الراوي(الكاتب) حتى يتمكن من تقديم أفكاره وتصوراته دون أن يتدخل بصفة مباشرة»(حبيلة، 2010، صفحة 302)، كما تتجلى بساطة استخدام هذا الضمير بشكل بارز في الشكل السردي القديم الذي تجسده حكايات «ألف ليلة وليلة» فهو سيد الضمائر، كوّنه الوسيلة المثلى التي يتخذها الروائي لتمرير أفكاره وإيصالها إلى القارئ.
يلجأ الروائي إلى استثمار ضمير الغائب بدرجة عالية مقارنة بضميري (المتكلم والمخاطب)؛ لأنه الملاذ الذي يجد فيه حرية التعبير عن آرائه وأفكاره، وكذلك لتبني إيديولوجيته في النص دون أن يتعرى أمام القارئ، حيث يتعامل مع الأحداث كأنه مجرد راوٍ ولا تربطه أية صلة بالحديث والعمل السردي، هو موكل بمهمة السرد فحسب.
وللتوضيح أكثر نستعين بمثال آخر يبرز فيه ضمير الغائب، والذي جاء هذه المرة على لسان «مريم»، تقول:» إنه في وهران، ولن يتمكن من الحضور، إنه يجاهد في سبيل الله، يحارب الإسبان فادعوا له بالنصر، إن شاء الله»(قويدري، 2015، صفحة 32).
تستحضر لنا «مريم» مكان تواجد «حميدو»، كما تعلل سبب غيابه عن جنازة أبيه لاشتغاله بالجهاد ومحاربة الإسبان، وهذا يدل على حبه الشديد لوطنه ورغبته الملِّحة في خدمته، كما يلعب ضمير الغائب في هذا المقطع دورا بارزا في تعريف القارئ ببطولات «حميدو» التاريخية وكذلك شجاعته العالية في محاربة العدو.
يدرك القارئ للنص السردي «الرايس» تمام الإدراك مدى هيمنة ضمير الغائب على الضمائر الأخرى، ولعل ذلك مخافة من الوقوع في فخ «الأنا». وقد أرجع الباحث الجزائري «عبد المالك مرتاض» سبب شيوع هذا الضمير في النصوص السردية إلى جملة من الأسباب أهمها(مرتاض، 1998، الصفحات 153-154):
أنه وسيلة صالحة لأن يتوارى وراءها السارد فيمرر ما يشاء من أفكار وأيديولوجيات. 
يجنب اصطناع ضمير الغائب الكاتب السقوط في فخ الأنا الذي قد يجر إلى سوء فهم العمل السردي.
يفصل اصطناع ضمير الغائب زمن الحكاية عن زمن الحكي من الوجهة الظاهرة على الأقل؛ وذلك حيث إن «الهو» في اللغة العربية يرتبط بالفعل السردي العربي «كان» الذي يحيل على زمن سابق على زمن الكتابة.
اصطناع ضمير الغائب في النص يحمي السارد من إثم الكذب، بجعله مجرد حاك يحكي، لا مؤلف يؤلف، أو مبدع يبدع. وقد يتولد عن هذا الاعتبار انفصال النص عن ناصه؛ وذلك بحكم أنه مجرد وسيط أدبي ينقل للقارئ ما سمعه أو علمه من سوائه.
استعمال ضمير الغائب يتيح للكاتب الروائي أن يعرف عن شخصياته وأحداث عمله السردي كل شيء.
يفصل ضمير الغائب النص السردي فصلا عن ناصه الذي نصّه، ويجعل المتلقي واقعا تحت اللعبة الفنّية، التي اللغة أداتها والشخصيات ممثلات فيها.
يرى «عبد المالك مرتاض» أن «رولان بارث» من أبرز النقاد الغربيين حديثا عن ضمير الغائب (هو،il) ويقول: «إن الهو يأتي في العمل الروائي بمنزلة العقد الممتاز للرواية؛ إنه معادل للزمن السردي؛ فهو يدل على الفعل الروائي وينجزه؛ إذ من دون ضمير الغائب يعتور الرواية الخور، بل ربما حلّ بها الدمار»(مرتاض، 1998، صفحة 155)، فكأن «الهو» البارتي هو الرواية نفسها، بل كأنّه زمنها نفسه، فهو المنشط للسرد وفاعله، وأيضاً الدال عليه والدافع إليه.
يضاف إلى هذا كله أن هوية الشخصية الحكائية ليست ملازمة لذاتها؛ أي أن حقيقتها لا تتمتع باستقلال كامل داخل النص الحكائي، لأن بعض الضمائر التي تحيل عليها إنّما تحيل في الحقيقة، كما يؤكد بنفنيست BENVENISTE « على ما هو ضد الشخصية، وخير مثال على ذلك «ضمير الغائب»، فهو في نظره ليس إلاّ «شكلا لفظيا وظيفته أن يعبر عن اللاشخصية»(لحمداني، 1991، صفحة 50)، لأن القارئ بإمكانه أن يتدخل بذخيرته الثقافية ليقدم صورة مغايرة عما يراه الآخرون عن الشخصية الحكائية.
وعليه فإن استخدام ضمير الغائب في السرد الروائي يؤدي إلى الفصل بين ما مضى وما هو حاضر وبناء عليه تصبح الشخصية التاريخية شخصية منتمية إلى زمن مضى دون رجعة، زمن منقطع عن الحاضر انقطاعا كاملا(وتار، 2002، صفحة 79).
استخدام ضمير المتكلم
يقوم المؤرخ في تقديمه للشخصية التاريخية باستعمال «ضمير الغائب»، هذا الأخير الذي يسهم بدوره في تغييب الشخصية وتقديمها من وجهة نظر غريبة عنها، في حين يتفاعل الروائي مع مختلف الضمائر من (الغائب، المتكلم، المخاطب)، ويجعل الشخصية التاريخية تقدم نفسها بنفسها؛ يعني باستخدامها ضمير «الأنا- المتكلم» الذي يسمح لها أن تتحاور وتتفاعل مع شخصيات الرواية، وهذا ما يجعلها شخصية روائية شأنها شأن الشخصيات المصطنعة في النص الروائي.
ظهرت شخصية الرايس «حميدو» في السرد الروائي، وهي تتحدث بضمير المتكلم، يقول «حميدو»:»...عليّ أن أتمكن من إيجاد غنيمة كبيرة من شأنها أن تنسي الداي مصطفى باشا ما أقدمت عليه معك»(قويدري، 2015، صفحة 126).
لا شك أن استخدام ضمير المتكلم يؤدي بالشخصية التاريخية إلى قول ما يخصها هي شخصياً، ولا يعلم به الراوي، ف»حميدو» يخبرنا عن هدفه المتمثل في إيجاد غنيمة ترضي الداي «مصطفى باشا»، لأنه هو القائم الفعلي بخطة فرار وكيل الحرج «مصدق» وعائلته، لذلك كان الضغط على هذه الشخصية واستنطاقها ملائما ومبدأ السرد الروائي؛ فهو سرد ما لا يعرفه أحد غيره ويجهله الراوي نفسه/ ما الذي قام به «حميدو» مع «مصدق» في رحلة فرارهما إلى إسكندرونة فغياب الراوي في المقطع المقبوس السابق يوحي إلى عدم استطاعته استخدام ضمير الغائب، لأنه يجهل كثيرا من المعلومات التي لا يعرفها إلاّ صاحب القصة نفسه.
إذا كان ضمير الغائب يحيل إلى زمن مضى دون رجعة، فإن ضمير المتكلم من شأنه أن يقرب بين الزمنيين، الماضي والحاضر، ويجعل الشخصية التاريخية شخصية حية تغادر الزمن الماضي لتعيش في الحاضر من جديد(وتار، 2002، صفحة 79)، وهذا ما قامت به الروائية «هاجر قويدري» مع شخصيتها التاريخية، حيث جعلتها تغادر زمانها البعيد وتحيى مرة أخرى في النص الحاضر لتعبر عن ذاتها بذاتها، وهذا ما يؤكده هذا المقطع، يقول «حميدو» :»ربما أردت أن ترسمني حتى أرسلها لمريم، لكنني متأكد أنني لن أفعل، كما أنني متأكد أنني لن أتزوجها وأنني ضيّعت حياتها بالكامل. أجهل لماذا أفعل ذلك، إنها لا تستحق وأنا في داخلي أحبّها أكثر من روحي ومع كل هذا لا يمكنني الزواج بها. كل ما حدث هو ورطة كبيرة، من الصعب أن أجد نفسي منساقا خلف حكايات الزواج وتربية الأولاد وأنا غائب كبير عن البيت. الزواج يعني أن أكون على اليابسة لوقت أكثر وأن أترك البحر لوقت أكثر، وأنا قد حسمت أمري في هذا الأمر منذ زمن طويل»(قويدري، 2015، صفحة 111).
يسرد لنا «حميدو» قصة حبه ل»مريم» باستخدامه ضمير المتكلم «الأنا»، الذي قلما ونجد حضوره في النص؛ إذ أخبرنا عن شدة حبه لخطيبته «مريمّ» وكذلك تحسره عليها لعدم قدرته على الزواج منها، فهو أعطى حياته وروحه للبحر، فيصعب عليه العيش في اليابسة وتكوين أسرة، التي تحتاج إلى مسؤولية كبيرة مثل مسؤولية البحر أو أكثر.
فقد سمح له الراوي أن يسرد أطوار حكاية حبه ل»مريم» وتركه يروي عن الحب العميق بينها، والمعاناة المؤلمة التي جلبها إياه هذا الحب، كما أتيحت له الفرصة لأن يخرج ما في داخله من أحاسيس وعواطف والغوص في أعماق نفسه حيث لا يستطيع التاريخ أن يصل، فيفصح عن آلامه وعواطفه من خلال المشاهد الحوارية الموجودة في الرواية.
إن الغاية الفنّية التي تحققها هذه الآلية من خلال استنطاق الشخصية التاريخية ودفعها إلى الكلام، هو «كسر حاجز الزمن والتقريب بين الماضي والحاضر»(وتار، 2002، صفحة 80) وخير مثال على ذلك ما تقوله شخصية الرايس «حميدو بن علي» التي غادرت من ماضيها البعيد لتعيش في الحاضر وتتفاعل مع مختلف شخصيات الرواية، ما يمنحها وجودا وحرية على مستوى الإبداع الروائي.
كما تسهم هذه الآلية في تحقيق المتعة الفنّية والجمالية للنص الروائي، من خلال الابتعاد عن آلية التسجيل والنقل الحرفي للأحداث التاريخية وأيضا الابتعاد عن السرد السيري «السيرة الغيرية» فاستنطاق الشخصية التاريخية وطرح أفكارها والتعبير عن مشاعرها وأحاسيسها هو الذي يجعلها فنّية لا تأريخية، وفي الوقت نفسه يجعل النص الروائي حافظا ومتمسكا بآلياته الفنّية التي لابد لكل نص تخييلي أن يتحلى بها.
لقد سلف الذكر أن ضمير «المتكلم» له القدرة العالية على إذابة الفروق الزمنية والتقريب بين الزمنين(الماضي/الحاضر)، فكأن السرد بهذا الضمير ينطلق من الحاضر نحو الوراء. ومن جمالياته التي يتسم بها ما يأتي(مرتاض، 1998، صفحة 159):
دمج الحكاية المسرودة أو الأحدوثة المروية في روح المؤلف.
جعل المتلقي يلتصق بالعمل الروائي ويتعلق به أكثر.
إحالته على الذات، لكوّن مرجعية «الأنا» جوانية.
قدرته العالية على التوغل في أعماق النفس البشرية وسبر أغوارها، باعتباره ضميرا للسرد المناجاتي.
ونظرا للقدرة العالية التي يملكها ضمير المتكلم في سبر أغوار الشخصية والكشف عن أعماقها ومعرفة ما يجول بداخلها، فإن الشخصية التاريخية «حميدو» تفصح لنا عن أمانيها وحبها الشديد لعالم البحر، يقول «حميدو» مخاطبا «بفاريتو- علي طاطار»: «...لو حدث لي شيء في البحر فلا تأخذوني إلى اليابسة، قل لهم يا عليلو أن يرموا بي في عمق البحر، حتى أتناغم مع السكينة وأشفى من هذا العالم الصاخب»(قويدري، 2015، صفحة 112).
إن هدف الروائية من استنطاق الشخصية التاريخية «حميدو» هو للكشف عن أعماقها وما يدور في خلدها، إذ أطلعنا «حميدو» عن أمنياته، عن شدة حبه للبحر وسكينته، فالقارئ لسيرته يجد أن هذه الأماني حقيقية، فقبل وفاته أوصى أن يرموا بجثته في البحر، وتتضح وظيفة هذه التقنية أكثر من خلال إفصاح الشخصية عما يختلج في صدرها وكأنّها وسيلة لتفريغ المعاناة العالقة في الصدور.
استخدام ضمير المخاطب
تعتبر هذه الآلية من أحدث الآليات، وأشهر من اصطنعها هم الغربيون وبالتحديد «ميشال بيتور M. BUTOR» في روايته «التحويل la modification» مصرحاً عن علة استخدام هذا الضمير في العمل السردي قائلا:»لما كان الأمر يتعلق باستعادة الوعي، فإنه كان على الشخصية الروائية أن لا تقول «je». وكان عليّ إذاً أن أعمد إلى اصطناع مناجاة تكون أدنى من الشخصية نفسها في شكل يقع وسطاً بين ضمير المتكلم وضمير الغياب. إن الأنت «le vous» يتيح لي توصيف وضع الشخصية من وجهة، ورصد الكيفية التي تولد بها اللغة في نفسها من وجهة أخراة»(مرتاض، تحليل الخطاب السرديّ - معالجة تفكيكية سيمائيّة مركّبة لرواية «زقاق المدق»، 1995، صفحة 197)، يأتي هذا الضمير في المرتبة الثالثة والأخيرة، وهو الأقل ورودا في نص «الرايس»، حيث يتسم بالتعقيد والطولية إلى حد بعيد، فهو متشعّب يتجه تارة نحو الماضي القريب وأخرى نحو المستقبل القريب؛ أي يتقدم ويلتف إلى الوراء، لذا تتجاذبه جميع الأزمنة وكأن هذا الضمير يأتي استعماله وسيطاً بين ضمير الغائب والمتكلم، فهو يقع بين بين، يتنازعه الغياب المجسد في ضمير الغياب، ويتجاذبه الحضور الشهودي المماثل في ضمير المتكلم(رواينية، 2000، الصفحات 188-189).
تبرز لنا هذه الآلية في النص من خلال الحوار الذي دار بين وكيل الحرج» السيد علي» و»حميدو»، يقول وكيل الحرج مخاطبا «حميدو:» لا أسمح لك بالبقاء هنا أكثر من ثلاثة أيام. أنتَ تعرف عقوبتك جيدا، لولا وفاة والدك لما تركت هذا السنبك يرسو هنا أبدا»(قويدري، 2015، صفحة 38).
لقد اتخذ وكيل الحرج «السيد علي» في هذا الموقف دور المحقق البوليسي، الذي تحدث عنه «ميشال بيتورB.Michel» إذ يقوم بجمع كل المعلومات المتعلقة بشخص ما ليواجهه بها(وتار، 2002، صفحة 78)، فوكيل الحرج بصفته وكيلا للشؤون الخارجية والبحرية فهو واعي بالعقوبة التي تلحق ب»حميدو» إذا مكث أكثر من ثلاثة أيام، أضف إلى ذلك أنه يسعى من خلال تحقيقه هذا إلى إدانته والتقليل من شأنه أمام بحارته.
إن استخدام ضمير المخاطب في النص يخدم غرضين: أولهما رفض الراوي الإفصاح عن الكلام المتعلق بالشخصية، أو عدم قدرته على الإدلاء به، وثانيهما كذب المتكلم أو محاولته إخفاء شيء ما أو عدم معرفته ما حدث له(وتار، 2002، صفحة 78).
يخاطب في هذا المقطع «علي طاطار» «حميدو» قائلا:» لقد ضيعت على نفسك منصب الداي، يبدو أن الداي الجديد خاف أن تأخذ مكانه؟»(قويدري، 2015، صفحة 177). يتضح لنا من خلال هذا المقطع رغبة «علي طاطار» في معرفة ردّة فعل «حميدو» لما ضيّع منصب الداي، وفي الوقت نفسه يكشف لنا عن عدم رغبته في استلامه لهذا المنصب، نظراً إلى غطرسة الدايات ورغبتهم المخيفة في الحصول على غنائم كثيرة، وأيضاً فرض سلطتهم على جميع أفراد الإيالة.
يستوقفنا مرة أخرى حوار «جون جاكسون» مع «حميدو»، يقول:» لو أنك تقبل بالخدمة في البحرية الأمريكية، سيكون هذا مكسبا كبيرا لنا»(قويدري، 2015، صفحة 179).
إن مطالبة «جون جاكسون» بقبول «حميدو» بالخدمة البحرية الأمريكية، ما هو إلاّ استفزاز ل»حميدو» الذي لا يرضى بالخدمة مع الدولة الأمريكية الكافرة، لأن من أبرز مبادئه الدفاع عن الدين الإسلامي، باعتباره عمود الإيالة، ثم الدفاع عن المبادئ الأخرى التي تخصها، وكأن ضمير المخاطب يستخدم لمعرفة ردّة الفعل و من ثم دفع الشخصية إلى المواجهة.
خاتمة
وهكذا استلهمت الروائية الأحداث التاريخية بغية تمديدها وتركيبها بالتخييل، فقد أضافت على الحوارات التاريخية كثير من المخيالية السردية واستنطقت التاريخ الذي سكت عنه المؤرخون في كتاباتهم وذلك وفق عملية تذويب التاريخ  مع التخييلي وجعل هذا الأخير في خدمة الأول المسكوت عنه لعوامل عديدة قد تكون ذاتية أحيانا وموضوعية أحايين أخرى، كما استعانت بتقنية تعددية الضمائر(الغائب، المتكلم، المخاطب)، في العمل الروائي ما هي إلاّ آلية فنّية جديدة يستعين بها الروائي المعاصر لبناء نصه وتزيينه وفي الوقت نفسه وسيلة لإبعاد الشخصية التاريخية عن فخ التسجيل والنقل الحرفي للتاريخ، ومن ثم جعلها تتحاور وتتفاعل مع باقي الشخصيات الروائية مما ينتج نصا روائيا مكتملا ومحافظا على المرجعيتين التاريخية والفنّية.
أحسن ثليلاني، و سماح طاجين. (بلا تاريخ). حضور التاريخ وتوظيفه في الكتابة الروائية رواية « البيت الأندلسي» لواسيني الأعرج أنموذجا.
الشريف حبيلة. (2010). بنية الخطاب الروائي - دراسة في روايات نجيب الكيلاني. الأردن: عالم الكتب الحديث.
الطاهر رواينية. (2000). سرديات الخطاب الروائي المغاربي الجديد – مقاربة نصية نظرية تطبيقية في آليات المحكي. قسم اللغة العربية وآدابها، الجزائر.
جورج لوكاش. (2005). الرواية التاريخية. (صالح جواد الكاظم، المترجمون) القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
حميد لحمداني. (1991). بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي (الإصدار 1). المركز الثقافي العربي.
روجر ب هينكل. (بلا تاريخ). قراءة الرواية. (صلاح رزق، المترجمون) القاهرة: دار غريب.
سعيد يقطين. (1997). قال الراوي- البنيات الحكائية في السيرة الشعبية. المغرب: المركز الثقافي العربي.
عبد الرحمان بن يطو. (2018). الشخصية الروائية بين المرجعية التاريخية والمتخيل السردي - مقاربة تحليلية لثلاثية «أرض السواد» لعبد الرحمان منيف. مجلة جسور المعرفة، 4(1).
عبد الرزاق بن دحمان. (2013). الرؤية التاريخية في الرواية الجزائرية المعاصرة «روايات الطاهر وطار أنموذجا»- دراسة تحليلية تفكيكية. قسم اللغة العربية وآدابها، الجزائر: جامعة الحاج لخضر باتنة.
عبد السلام أقلمون. (2010). الرواية والتاريخ - سلطان الحكاية وحكاية السلطان (الإصدار 1). الرباط: دار الكتاب الجديد المتحدة.
عبد الملك مرتاض. (1995). تحليل الخطاب السرديّ - معالجة تفكيكية سيمائيّة مركّبة لرواية «زقاق المدق». الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية.
عبد الملك مرتاض. (1998). في نظرية الرواية – بحث في تقنيات السرد. الكويت: عالم المعرفة.
عمر عيلان. (2002). الضمائر ودلالة تعدد الصيغة في رواية «حمائم الشفق» لجيلالي خلاص. مجلة العلوم الإنسانية، 13(1).
فوزي الزمرلي. (بلا تاريخ). الرواية التاريخية عند البشير خريف. تاريخ الاسترداد 01 11, 2018، من
 https://www.4shared.com/document/pyMrPHpx/online.htm
محمد بوعزة. (2010). تحليل النص السردي – تقنيات ومفاهيم (الإصدار 1). الرباط: دار الأمان.
محمد حسن مربن. (بلا تاريخ). الأمير: الشخصية التاريخية في الرواية. تاريخ الاسترداد 11 09, 2018، من https://massareb.com//?p=7819
محمد رياض وتار. (2002). توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة. دمشق: منشورات اتحاد كتاب العرب.
مصطفى المويفن. (بلا تاريخ). تشكل المكونات الروائية.
نادر أحمد عبد الخالق. (2009). الشخصية الروائية بين علي أحمد باكثير ونجيب الكيلاني. العلم والإيمان.
نضال الشمالي. (2006). الرواية والتاريخ – بحث في مستويات الخطاب في الرواية التاريخية العربية (الإصدار 1). الأردن: عالم الكتب الحديث.
هاجر قويدري. (2015). الرايس (الإصدار 1). الجزائر: منشورات الاختلاف.
(s.d.). Récupéré sur https://www.maghress.com

@pour_citer_ce_document

شفيقة عاشور / خير الدين دعيش, «مقاربة المتخيل في بناء الشخصية التاريخية» حميدو بن علي«في رواية »الرايس«لهاجر قويدري»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : ,
Date Publication Sur Papier : 2024-07-01,
Date Pulication Electronique : 2024-07-01,
mis a jour le : 01/07/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9887.