التصوف تجربة كونية قراءة في اعمال اريك فرومReading in the mystical experience in the philosophy of Erich FrommUne approche philosophique de l’expérience du soufisme dans le projet d’Erich Fromm
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 21-2024

التصوف تجربة كونية قراءة في اعمال اريك فروم
Une approche philosophique de l’expérience du soufisme dans le projet d’Erich Fromm
Reading in the mystical experience in the philosophy of Erich Fromm
65-71
تاريخ الاستلام 2023-04-22 تاريخ القبول 25-02-2024

نصيرة بوطغان
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

يسعى المقال إلى الوقوف على طبيعة التجارب الإيمانية( الصوفية) في الفضاءات الغربية من خلال رؤية الفيلسوف الألماني اريك فروم، الذي يعتقد أن المجتمعات الغربية مجتمعات التقنية والحداثة والأنوار قد غرقت في عالم التشؤ والمادة وفقدت كل القيم الإنسانية الحقيقية، فهي تعيش حالة اغتراب مضاعف، وهي تتجه إلى المجهول، وقد صار الإنسان أحادي البعد عبدا لمنتجاته فاقدا للمعنى، ولانتشال الإنسان من هذا الضياع حاول فروم بنزعته الإنسانية تقديم سبل خلاص الإنسانية وتحررها، والخلاص مرهون بضرورة العودة إلى التجارب الإيمانية والصوفية بكونها تتضمن قيم إنسانية حقيقية يمكن أن تساعد الإنسان على استرداد كرامته وكينونته المنسية والأمل المفقود. إنها سبيل أي تغيير في التاريخ، هذا الإيمان الذي تم تحييده تحت ضغط النزعات العلمية وقد ادى هذا النزوع للعلم الجديد إلى انهيار القيم الروحية، كما أن القيم الإنسانية السامية التي تتجاوز الحاجيات المادية فقدت وزنها وتأثيرها، والإنسان المعاصر اعتقد انه مطالب بالتحرر من الدين والممارسات الطقوسية، لكنه اكتشف أن العودة للدين وللتجارب الدينية في صورتها الصوفية الروحية هي الأمل الوحيد لنيل حريته

L’étude vise à se positionner sur la nature des expériences de foi dans les espaces occidentaux à travers la vision du philosophe allemand Eric Fromm, qui estime que les sociétés occidentales, les sociétés de la technologie, de la modernité et des lumières, se sont perdues dans le monde des choses, et ont perdu toutes les vraies valeurs humaines, qu’ils vivent dans un état de double aliénation, et qu’ils se dirigent vers l’inconnu, dépourvus de sens, et Fromm, avec sa tendance humaine, a essayé de fournir des moyens pour sauver l’humanité et la libérer, et le salut dépend de la nécessité de revenir à la foi et aux expériences mystiques, car elles contiennent de vraies valeurs humaines qui peuvent aider une personne à retrouver sa dignité, son être oublié et son espoir perdu. C’est le chemin de tout changement dans l’histoire.

The study aims to stand on the nature of faith experiences in Western spaces through the vision of the German philosopher Eric Fromm, who believes that Western societies, the societies of technology, modernity and lights, have been lost in the world of things, and have lost all true human values, that they live in a state of double alienation, and they are heading to the unknown , lacking meaning, and Fromm, with his human tendency, tried to provide ways to save humanity and liberate it, and salvation depends on the need to return to faith and mystical experiences, as they contain real human values that can help a person recover his dignity, his forgotten being, and lost hope.

Quelques mots à propos de :  نصيرة بوطغان

Dr. Nassera Boutaghan   جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، الجزائر  nasserasafo@yahoo.com
مقدمة إستشكالية
سعى المفكر الالماني اريك فروم Erich Fromm(1900-1980) إلى تفكيك الوضع الانساني للوقوف على الاسباب الفعلية التي ادت به إلى فقدان إنسانيته وكرامته وكينونته في عالم الاشياء والتقنية التي أنتجها، فصارت الملكية هي المعيار الوحيد في تعريف الإنسان وتحديد قيمته بل ماهيته، وهذا الوضع جعل الإنسان المعاصر يشعر بالاغتراب والضياع والقلق وفقدان الأمل، لقد صار أحادي البعد عبدا لمنتجاته فاقدا للمعنى، وفي ظل هذا الوضع المأزوم حاول اريك فروم بنزعته الإنسانية تقديم سبل خلاص الإنسانية وتحررها لاكتشاف كينونتها الحقيقية المنسية، ولعل الإيمان والنزعة الروحية(التصوف) كما يراه، هو سبيل البشرية اليوم، لأن التجارب الصوفية عبر التاريخ أثبتت أنها عزاء البشرية في محنها، ولا أمل للإنسان في معزل عن الإيمان، فهو ضروري لأي تغير اجتماعي في التاريخ، هذا الإيمان(الدين) تم تحييده والتقليل من دوره تحت تأثير النزعات العلمية.
 وقد ادى هذا النزوع للعلم الجديد إلى انهيار القيم الروحية، كما أن القيم الإنسانية السامية التي تتجاوز الحاجيات المادية فقدت وزنها وتأثيرها، والإنسان المعاصر اعتقد انه مطالب بالتحرر من الدين والممارسات الطقوسية، لكنه اكتشف أن العودة للدين وللتجارب الدينية في صورتها الصوفية الروحية هي الأمل الوحيد لنيل حريته، وهو يلتقي واعتقاد بول ريكور الذي يقول:»متى لم يعد هناك اعتقاد نتشبث به، ولا بقي بين أيدينا ما نؤمن به، فإن كل شيء سيتبخر ويتحول إلى هباء منثور»(الاعتقاد والانتقاد،ص05). 
لهذا السؤال المشروع هو كيف قارب إريك فروم أزمات الإنسان المعاصر؟ وماهي العوامل الفاعلة التي أدت بالإنسان إلى الانحراف عن إنسانيته؟ وهل يمكن أن يكون الإيمان(التصوف) هو سبيله للخروج من ضيق التملك إلى أفق الكينونة(الإنسانية)؟ وسنركز في هذه الدراسة على النقاط التالية:
أولا: اغتراب الإنسان المعاصر في عالم التملك (الاشياء).
ثانيا: جدل السوسيولوجي والسيكولوجي والديني. 
ثالثا: الإيمان (التصوف) في مقاومة التملك.
اغتراب الإنسان المعاصر في عالم التملك(الأشياء)
الإنسان هو الكائن الذي يحيا في افق المعنى، معنى يستمده من انتمائه الثقافي والاجتماعي والتاريخي واللغوي، أفق يساعده على الاستمرار والتحرك في التاريخ، وبه يسمو عن عالم الأشياء بكونه كائن هوياتي يشعر بانتمائه المستمر للإنسانية، لكن هذا الكائن فقد المعنى في هذا العصر، عصر الحداثة الفائقة والتقنية المتجاوزة المنفلتة من كل معنى وقيمة إنسانية، وكأن الإنسان أنتج عالم مضاد لعالم المعنى، إنه عالم الأشياء والتقنية التي أنتجها وسرعان ما انفلتت منه فصار جزءا منها يعيش داخلها، لا يعي مايحدث من حوله، إنه كائن شقي فعلا بلغة نيتشه.
 هذا الوضع الذي آل إليه إنسان العصر دفع بالفيلسوف الألماني إريك فروم إلى التفكر في وضعه المأزوم عبر النقد محاولا تعرية المجتمع التقني الذي سلب الإنسان حريته وجعله عبدا لعالم الأشياء، إنسان انتصر للوجود على حساب كينونته التي تم نسيانها حسب هيدجر)( Martin Heidegger)‏ (1889-1976، لأن «نسيان الوجود كان بمثابة السبب الأكثر قوة ومركزية في تحديد انحطاطها لاحقا» (هيدجر، 2015).
والمهمة التي تكفل بها فروم هي العمل على تحرير الإنسان ليعود إلى ذاته مرة ثانية ويمارس كينونته الحقيقية، وتقديم رؤى علها تساعد الإنسان على اكتشاف ذاته ووجوده الأصيل بلغة ياسبرز Karl Jaspers(1883-1969م) (كارل، 2007)، إنسان فقد القدرة على التواصل مع غيره أو مع الإنسان كآخر مختلف فصار كائن دو بعد واحد (ألكسيس كاريل)، رهينة لعالم الاستهلاك والتملك، فصار يدرك وجوده عبر الأشياء التي أنتجها كوسيط ومن ثم زاد اغتراب الإنسان عن إنسانيته، لقد فعلت الحداثة فعلتها فحطمت مقولة المعنى والأنسنة مساوية بين كل الكائنات، وهي عودة إلى المرحلة الديكارتية، أين جعل ديكارت السيطرة على عالم الأشياء سبيل ادراك الكينونة.
 وبين الوجود المستلب والوجود الأصيل يحاول فروم انقاذ الإنسانية بداية بتشخيص أمراض الحداثة خاصة الأمراض المتأتية عن التقنية، والخروج مرهون بأنسنة كل مظاهر الحياة من سياسة وتقنية وتملك واقتصاد وإعادة الاعتبار لمقولة الكينونة والمعنى. والمعنى يسترد عبر اعادة الاعتبار للدين والنزعة الإيمانية، هذا الوضع دفع فروم إلى توظيف جملة من المناهج والمقاربات حيث نجده يعتمد على المقاربة السيكولوجية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية والنقد الفلسفي والتاريخي، فهو سليل مدرسة فرانكفورت المعروفة بنقدها لكل مظاهر الانحراف الاجتماعي والعلمي، لهذا كانت الإشكالية التي انطلق منها تتعلق بآليات انتشال الإنسان المعاصر من عالم الأشياء والتملك والإلحاد وإعادة موضعته في أفق الكينونة والإيمان والأخلاق؟
جدل السيكولوجي والسوسيولوجي والديني
ارتكزت رؤية فروم لواقع الإنسان المعاصر على الرؤية السيكولوجية التي انحدرت من فرويدSigmund Freud(1856-1939)، والمعروف أن فرويد من واضعي أسس التحليل النفسي، وهو منهج يُعتمد في علم النفس بغية دراسة الظواهر النفسية من خلال تمظهراتها السلوكية محاولا تفسير وتأويل تلك السلوكات لفهم العالم الباطني واستنباط قوانينها، وتبقى الغاية الأسمى هي التحكم في الفرد داخل المجتمع ومراقبة علاقاته مع ذاته ومع غيره، لأن هذا التيار يعتقد بإمكانية فهم البنية النفسية لأفراد المجتمع ومن ثم توقع ردود أفعالهم مسبقا والتحكم فيها وتوجيهها، لكن فروم كان يرى أن علم النفس المعاصر في أزمة ينبغي تشخيصها، ومن تمظهرات تلك الأزمة هو عزوف الطلبة والمرضى على معاهد التحليل النفسي (فروم، 1998).
 ويعود فروم لأسباب ظهور علم النفس وانتشاره وتوسعه في كل الحقول المعرفية والجوانب الحياتية إلى ألازمات التي عاشها الإنسان بسبب الحروب أولا التي خلفت مآسي كان من مظاهرها الشعور بالقلق والخوف والعزلة والضياع، وثانيا بسبب تحييد الدين عن الفضاءات العامة تحت ضغط الحداثة والنزعة العقلانية والتقنية المتطرفة، وتراجع الدين كان سببا في انتاج إنسانية فاقدة للمعنى تشعر بالاغتراب في هذا الوجود، وعليه فهذا الوضع النفسي والاجتماعي والديني ساهم في ظهور التحليل النفسي كحاجة أنطولوجية ملحة، فحل المحلل النفسي محل رجل الدين والفلسفة والسياسة، وهكذا انتقلت البشرية من قداسة الدين إلى قداسة المحلل النفساني، وهذه الوضعية الهشة التي عاشها الإنسان الغربي جعلته رهينة لأناس غير متخصصين يعبثون بجسده وبوعيه وبقيمه، فكان هذا الانفلات سببا في فشل التحليل النفسي على تقديم حلول واقعية للإنسان الغربي (فروم، 1998).
وبدأت أزمة التحليل النفسي عندما تحول كبديل عن القيم الدينية فصار دينا وطقوسا بلغت درجة التقديس والدوغما، لأن المجتمع صار رهينة الرؤية الفرويدية لحياته السيكولوجية ولسلوكياته الاجتماعية، أي أن التحليل الفرويدي صار بمثابة البراديغم الذي يحرم الخروج عنه، وكل محاولة للتحرر وتقديم تصور مغاير عن الإنسان تدخل دائرة التكفير (قاسم، 2011).
وأزمة الإنسان الغربي تضاعفت مع سيطرة التحليل النفسي وبلوغه درجة القداسة، وهذا كلام تلميذ فرويد نفسه(فروم)، لأن التحليل النفسي عمل على بث الشك في الأديان وقدرتها على تمكين الإنسان من الخروج من أزمة القلق والضياع إلى أفق الاستقرار والطمأنينة، لقد شكك التحليل النفسي في الإيمان. رغم تأكيد فروم على أن التحليل النفسي يعكس شخصية فرويد النفسية، معتبرا التحليل النفسي «وسيلة لفهم الذات...ووسيلة في فن العيش» (فروم، فن الإصغاء، ت، 2004)وإذا أردنا فهم طبيعة التحليل النفسي فينبغي البحث عن أسسه داخل شخصية فرويد.
 ورغم هذا الموقف السلبي الذي اتخذه فروم إلا أن التحليل النفسي يظل منهجا ضروريا لمقاربة الثقافات وتحليلها من وجهة نظر بول ريكور Paul Ricoeur(1913-2005)، لأن الإشكال لا يكمن في المنهج وفرويد وإنما في طريقة فهمنا لبنية التحليل النفسي، لأننا لم نفهم التحليل النفسي على أنه آلية هيرمينوطيقية  وطريقة في التفسير يمكن اعتمادها في فهم البنى الثقافية وعلاقتها بحياتنا النفسية (بول، 2003). فهو تقنية منهجية تساعدنا على التحرر من كل أنواع الحتميات الخارجية التي تضغط على حياتنا النفسية وتولد لدينا القلق والشعور بالعجز، فينبغي أن ننظر للتحليل من زاوية ايجابية على أنه سبيلنا للخروج من ضيق القلق إلى أفق فن العيش على طريقة شوبنهاورArthur Schopenhauer(1788-1860).
والتحليل النفسي في نظرنا مكن المجتمعات الغربية المعاصرة من فضح القوى التي تتحكم في حياته الاجتماعية عبر قوالب ثقافية جاهزة، لكن فروم يعتقد أن التحليل النفسي لم يتمكن من انتاج إنسان متزن أخلاقيا ونفسيا واجتماعيا في ظل سيطرة التقنية وطغيان عالم الأشياء وثقافة الاستهلاك، هذه الثقافة التي أوهمت الإنسان بإمكانية التحرر وبلوغ الرفاهية والسعادة في حالة تنكره للقيم الدينية والروحية، لهذا عمل فروم على اعادة بناء مفهوم التحليل النفسي ليشمل الظواهر السوسيولوجية، وهو مايطلق عليه بعلم النفس الاجتماعي الذي يحاول فهم وتفسير الظواهر الاجتماعية من خلال ربطها بباقي الظواهر الاقتصادية والسياسية والثقافية، وهنا يكون قد انتج نظرية وأسس لمنهج يجمع فيه بين التحليل النفسي الفرويدي والتفسير المادي لماركس، فإذا كان فرويد مكتشف قارة اللاوعي وتأثيرها على حياة الفرد وعلاقاته الاجتماعية فإن ماركس قد أشار إلى أن الإنسان هو الذي يصنع تاريخه وأن الحياة النفسية (حب، كره، قلق، وخوف) تحركها الحاجات المادية، ليصبح دور علم النفس الاجتماعي هو محاولة تعرية البنية الليبيدية للمجتمع (فروم، ماوراء الأوهام، 1994). 
إذا أردنا فهم الشخصية الاجتماعية فينبغي ربط سلوك الأفراد بالمعطيات الثقافية لما لها من تأثير كبير على تشكيل وعيهم الفردي والجمعي، ولا ينبغي التركيز على البعد الغريزي، وهذا ما حاول توضيحه فروم من خلال تحليله لحالة الكبت الفردي والاجتماعي، فالكبت له علاقة بظاهرة النبذ والعزل الاجتماعي التي يمارسها على أفراده، وبالظروف المادية والثقافية والسياسية والعقدية التي ينتمي إليها، ولا يمكن تفسيره غريزيا، وهكذا يصل فروم إلى اعادة بناء مفهوم الإنسان والمجتمع، فالإنسان كائن انثروبولوجي يتميز بحرية الارادة والقدرة على العقلنة والأنسنة والميل إلى العيش المشترك، في حين المجتمع عبارة عن كيان يلتقي فيه ماهو مادي بماهو روحي ويمارس فيه الفرد علاقاته في أفق الحب والتعاطف، وبهذا التصور يكون فروم قد حاول التوفيق بين التحليل النفسي والتفسير المادي أو بين فرويد وماركس (فروم إ.، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، صفحة 1979)، وهذا هو مفهوم الشخصية الاجتماعية التي يركز عليها فروم في نظريته، فكل مجتمع مطالب بأن يعمل على تكوين أفراده تكوينا ايجابيا في أفق الحب والإيمان (الخوف من الحرية، 1979).
إن تحرير الإنسان المعاصر من ثقافة التملك مشروط بإعادة بناء الكثير من المفاهيم وتصويبها، وهو العمل الذي قام به فروم أين اعاد بناء مفهوم الفرد وعلاقته بالمجتمع وببنيته الثقافية، وفي كل محطات فكره كان يسير على خطى مدرسة فرانكفورت(ماكس هوركايمر، ماركيز، تيودور أدورنو، ...)، مدرسة اعلنت عن أهدافها بصراحة وهي العمل على تحرير الإنسان من كل مظاهر التسلط والهيمنة والتملك، ووسيلتهم في ذلك النقد (ماركس، 1990)، وعبر النقد يمكن انتشال الإنسان من عالم المادة وإعادة موضعته في أفق الكينونة التي تكتشف ذاتها من خلال علاقتها بالغير والتواصل معه.
الإيمان (التصوف) في مقاومة التملك
يعتقد فروم أن الجماليات التي فقدها الإنسان بفعل سيطرة عالم الأشياء يمكن العثور عليها في الدين والتجارب الروحية(الصوفية)، لأن الدين أو لوساكري(sacré) يمنح الإنسان القيم التي تسمو به عن عالم التملك، لهذا ينبغي أن يكون هو مصدر القيم وسبيلنا للخلاص، فهو الذي يمكن الإنسان من التمييز بين المقدس والمدنس(profane)، ولا غرابة في هذا الموقف الذي اتخذه فروم من الدين إذا علمنا أنه تَلقى تربية دينية (أرثوذكسية)، فكان يؤمن بأن هوية الفرد ليست معطى اجتماعي وثقافي فحسب وإنما تتحدد بمقومات دينية (فروم، حب الحياة، نصوص مختارة، 1998)، وهذا ما اكتشفه في الأرثوذكسية اليهودية التي تدافع عن ضرورة الحفاظ على الهوية الأصيلة، وسبيل ذلك هو المحافظة على وحدة الدين، والدين خزان للقيم الإنسانية كلما استند الإنسان عليها كلما أمكنه تجاوز أزماته الأنطولوجية، لأننا نجد في الدين «إجابة على كل مشاكل الوجود الإنساني التي وجدت إلى الآن» (فروم إ.، 2013)، 
كما أن الدين يساعد المجتمع على ضبط أفراده في أفق القيم المشتركة، والمطلوب أنسنة الدين ليستجيب لحاجياته الروحية والمادية، وكل إنسان له ميل طبيعي للدين، فينبغي إعادة تأويل النصوص الدينية لتصبح وظيفة الدين انتشال الإنسان من ظاهرة التملك وإعادته لكينونته الأصيلة، وهنا يعارض موقف ماركس من الدين، لأن ماركس اعتقد أن الدين هو سبب تعاسة الإنسان، وما هو إلا خرافات تمكنت من وعي الناس وارتقت إلى مرتبة القداسة، هذا الموقف رفضه فروم ونادى بضرورة الاهتمام بالعالم الروحاني لإحداث التوازن، ولن يتم الأمر إلا إذا نظرنا للدين على أنه تعبير عن هوية الإنسان، والإنسان الذي»يحاول أن يعيش دون اعتقاد يصبح عقيما دون أمل» (فروم إ.، الإنسان المستلب وآفاق تحرره، 1978)، أي أن الإيمان la foi عند فروم هو ضرورة إنسانية ليس لها علاقة بدين أو معتقد معين أو بفكرة إلهية، ولكن الإيمان ضروري لكي ينفتح الإنسان على عوالم متعددة ومختلفة، فعبر الإيمان ينفتح على الإنسانية التي تشاركه الألم والأمل، فهو سبيله للعيش المشترك في أفق السلام.
 وكل المجتمعات المعاصرة مطالبة بالاهتمام بمادة الدين في برامجها لإشباع حاجيات أفرادها الروحية، وينبغي أن لا ننظر للدين على أنه مجرد مجموعة من الطقوس والسلوكات والمعتقدات وإنما هو قوة محركة للسلوك وميل طبيعي في الإنسان، فهو هويتنا التي فقدناها بنسيانا للدين ويمكن استعادتها بعودتنا للدين، ونحن مكرسون للدين، وهذا الموقف تأثر فيه فروم بالصوفي الألماني ايكهارت الذي استطاع في رأي فروم من بناء إيمانه على حقيقة وجود الله كحقيقة كلية وإتحاد الإنسان بالله (إريك، كينونة الإنسان، 2013)، والإنسان المؤمن هو الذي يملك قدرة التحرر من عالم الأشياء، وقدرته مستمدة من إيمانه بأن السعادة لا تستفاد من امتلاك الأشياء، وفعلا عمل إيكهارت على تحرير فكرة الله من التصورات البشرية، وهذا الموقف نجده عند سبينوزا Baruch Spinoza(1632/1677)في كتابه «رسالة في اللاهوت والسياسة  Traité théologico-politique» (Spinoza, 1965). وانتبه ايكهارت إلى ضرورة التركيز على التملك الروحي بدل تملك الأشياء، لأن التملك الروحي هو عزاء البشرية اليوم لتخرج من هيمنة العقل الأداتي. وعبر الإيمان يمكن للإنسان أن يكتشف الحقيقة التي فقدها في سيرورته نحو التقدم، لكن التقدم في نظر فروم لا معنى له بعيدا عن الإيمان وعن القيم الإنسانية التي تشير إليها كل الأديان التوحيدية، وهو يثق في قدرة الأديان على قول الكوني وعلى تمكين البشرية من العيش في سلام دائم، فهي قادرة على نقل الإنسانية من أفق الصراع والتنافر إلى أفق الوحدة والتسامح، فكل الأديان تؤكد على كرامة الإنسان بكونه غاية الوجود، لهذا كلما سعت حضارة أو ثقافة إلى تهميش الدين شأن العلمانية الغربية، كلما ساهمت في اغتراب الإنسان عن ذاته وعن حقيقته الروحية (Fromm, 1978). وهذا التصور يلتقي وموقف باسكال من الدين الذي يرى أن خروج الإنسان من التعاسة والشقاء مرهون بالعودة إلى الله عبر الإيمان (Pascal, 1943).
ويبدو أن الإنسان المعاصر، الإنسان الذي أنتج الأنوار والحداثة ومابعدها بحاجة لمقولة باسكال وهو العودة مرة ثانية إلى الله عبر الإيمان بعد أن فقد الثقة في الوعود التي قدمت له من قبل عقل الأنوار الذي كان يعده بالسعادة التي ستتحقق على يد العلم وليس الدين (ايمانويل، 2005). لكن الذي حدث هو تحطيم مقولة الحقيقة باسم المعرفة، وصارت المعرفة مجرد شيء قابل للبيع في تحلل من القيم الأخلاقية والإنسانية، وتم رمي الإنسان في العدمية الفائقة، عدمية نيتشه(موت الإله) (فاتيموجياني، 1998)، وفي عالم الاستهلاك المفرط، وفي عالم الحرية الوهمية، وفي الأنا المزيفة والمشوهة، هذا الإنسان أطلق عليه فروم بالإنسان المريض طالما يتعامل مع ذاته تعامله مع الأشياء التي صنعها، والإنسان المريض عاجز على التواصل مع ذاته ومع غيره، لكنه في نفس الوقت مسؤول عن الوضع الذي آل إليه ومسؤول عن الخروج من هذا الوضع عبر العودة إلى الإيمان والتمسك بالأمل.
 والأمل هو حالة نفسية داخلية تجعل الإنسان يشعر بإمكانية أن يكتشف كينونته ويستردها، فهو طاقة تدفع الإنسان باستمرار صوب الوجود الأصيل، وينبغي على الإنسان ادراك زيف وجوده الفردي والاجتماعي والعمل على تغييره (إريك، 1979)، إنه عامل مقاومة كل مظاهر الانحلال والتفكك وفقدانه يؤدي إلى أمراض اجتماعية يصعب علاجها، والأمل مرتبط بالإيمان، إذ لا يمكن تصور أمل في معزل عن الإيمان، ولا يمكن للإنسان أن يخرج من هذا الشعور بالضياع والاغتراب إلا عبر الإيمان، فهو سبيل الإنسان المعاصر في زمن تأليه العقل الأداتي، وبالإيمان يمكن التحرر من عبادة الأصنام التي أنتجها هو بنفسه، 
لقد آمن فروم بدور الإيمان في تحرير الإنسان من ذاته، وهنا نعود مرة ثانية لبول ريكور الذي يقول:»متى لم يعد هناك اعتقاد نتشبث به، ولا بقي بين أيدينا ما نؤمن به، فإن كل شيء سيتبخر ويتحول إلى هباء منثور» (بول، الاعتقاد والانتقاد، 2011).
خاتمة
بعد تحليلنا لأطروحة فروم وعرض العناصر المشكلة لها يمكن استنتاج بعض النتائج التي نرى أننا حققناها في هذه الدراسة ومنها:
 - الإنسان المعاصر يعيش حالة اغتراب عن كينونته متنكرا لكرامته وقيمه الإنسانية خاضعا لمقولة التملك وعالم الأشياء التي أنتجها، فهو يعيش حالة قلق دائم فاقدا للأمل وللمعنى. فهو ضحية أحلامه اللامعقولة(عقل الحداثة).
- يقترح فروم لخروج الإنسان من هذه الأزمات ضرورة عودة الإنسان إلى الدين والاستثمار في التجارب الروحية والصوفية التي كانت عونا له وسندا في خروجه من الكثير من المحن، مؤكدا أن التجارب الإيمانية هي التي تجعل الإنسان قادرا على التواصل مع ذاته ومع الآخر. 
- الإيمان هو الذي يعطي لحياتنا معنى في هذا الوجود وعبره يمكن أن نستمر في التاريخ صوب الأفضل.
- مقاومة عالم الأشياء لا يتم إلا عبر التجارب الإيمانية التي تخلق لدينا التوازن وتبعث فينا الجانب الإنساني.
-ينبغي الاستثمار في التجارب الصوفية في كل الثقافات من أجل التأسيس لفضاءات التعايش في أفق الاختلاف كحق طبيعي للجميع.
المراجع
إريك فروم. (1979). الإنسان المستلب وآفاق تحرره (المجلد ط1). (ت، لشهب حميد، المترجمون) الرباط: فيديبرات لنشر والتوزيع.
اريك فروم. (1979). الخوف من الحرية (المجلد ط1). (ت، مجاهد عبد المنعم مجاهد، المترجمون) سوريا: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
إريك فروم. (1994). ماوراء الأوهام (المجلد ط1). سوريا، دار الحوار للنشر والتوزيع.
إريك فروم. (1998). أزمة التحليل النفسي. (، ت، طلال عريسي، المترجمون) بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
إريك فروم. (1998). حب الحياة، نصوص مختارة (المجلد ط1). (ت، محمد سيد، المترجمون) سوريا: دار الحصاد للنشر والتوزيع.
إريك فروم. (2004). فن الإصغاء، ت (المجلد ط1). (محمود منقذ الهاشمي، المترجمون) سوريا: اتحاد الكتاب العربي.
إريك فروم. (2013). كينونة الإنسان (المجلد ط1). (ت، محمد حبيب، المترجمون) سوريا: دار الحوار للنشر والتوزيع.
إريك فروم. (بلا تاريخ). الإنسان المستلب وآفاق تحرره. مصدر سابق.
أريك فروم. (بلا تاريخ). مساهمة في علوم الإنسان. 
إريم فروم. (2013). مساهمة في علوم الإنسان»الصحة النفسية للمجتمع المعاصر. (ت، محمد حبيب، المترجمون) سوريا: دار الحوار للنشر والتوزيع.
جمعة قاسم. (2011). النظرية النقدية عند إريك فروم (المجلد ط1). لبنان: منتدى المعارف.
ريكور بول. (2003). في التفسير، محاولة في فرويد (المجلد ط1). (ت، وجيه أسعد، المترجمون) سوريا: أطلس للنشر والتوزيع.
ريكور بول. (2011). الاعتقاد والانتقاد (المجلد ط1). (ت، حسن العمراني، المترجمون) المغرب: دار توبقال، للنشر والتوزيع.
فاتيموجياني. (1998). نهاية الحداثة، الفلسفة العدمية والتفسيرية وثقافة ما بعد الحداثة. (ت، فاطمة الجيوشي، المترجمون) سوريا: منشورات وزارة الثقافة.
كانط ايمانويل. (2005). ثلاث نصوص، تأملات في التربية، ماهي الأنوار، ما التوجه في التفكير. (ت، محمود بن جمعة، المترجمون) تونس: دار محمد علي للنشر.
مارتن هيدجر. (2015). مدخل إلى الميتافيزيقا (المجلد ط1). (عماد نبيل، المترجمون) بيروت لبنان: دار الفرابي.
هوركهايمر ماركس. (1990). النظرية التقليدية والنظرية النقدية (المجلد ط1). (ت، مصطفى الناوي، عيون المقالات، المترجمون) المغرب: الدار البيضاء.
ياسبرز كارل. (2007). تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية. (عبد الغفار مكاوي، المترجمون) بيروت: دار التنوير للطباعة و النشر.
B Pascal. (1943). Les Pensées. (Neslon Editeurs،) paris.
Fromm, E. (1978). Psychanalyse et religion (Vol. ed1). (D. Merllie, Trad.) paris.
Spinoza. (1965). Traité théologico-politique. paris: GF Flammarion.

@pour_citer_ce_document

نصيرة بوطغان, «التصوف تجربة كونية قراءة في اعمال اريك فروم»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 65-71,
Date Publication Sur Papier : 2024-07-01,
Date Pulication Electronique : 2024-07-01,
mis a jour le : 01/07/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9902.