المصطلح الطّبي في معجم مفاتيح العلوم للخوارزمي: الخصائص والوظائفThe medical term from the dictionary of the keys of science of Al-Khawarizmi: The characteristics and the functions Les Termes médicaux dans le Dictionnaire de «Mafatih al-Ulum»d’Al-Khawarizmi: caractéristiques et fonctions
Plan du site au format XML


Archive: revues des lettres et sciences sociales


N°01 Avril 2004


N°02 Mai 2005


N°03 Novembre 2005


N°04 Juin 2006


N°05 Juin 2007


N°06 Janvier 2008


N°07 Juin 2008


N°08 Mai 2009


N°09 Octobre 2009


N°10 Décembre 2009


N°11 Juin 2010


N°12 Juillet 2010


N°13 Janvier 2011


N°14 Juin 2011


N°15 Juillet 2012


N°16 Décembre 2012


N°17 Septembre 2013


Revue des Lettres et Sciences Sociales


N°18 Juin 2014


N°19 Décembre 2014


N°20 Juin 2015


N°21 Décembre 2015


N°22 Juin 2016


N° 23 Décembre 2016


N° 24 Juin 2017


N° 25 Décembre 2017


N°26 Vol 15- 2018


N°27 Vol 15- 2018


N°28 Vol 15- 2018


N°01 Vol 16- 2019


N°02 Vol 16- 2019


N°03 Vol 16- 2019


N°04 Vol 16- 2019


N°01 VOL 17-2020


N:02 vol 17-2020


N:03 vol 17-2020


N°01 vol 18-2021


N°02 vol 18-2021


N°01 vol 19-2022


N°02 vol 19-2022


N°01 vol 20-2023


N°02 vol 20-2023


N°01 vol 21-2024


A propos

avancée

Archive PDF

N°01 vol 21-2024

المصطلح الطّبي في معجم مفاتيح العلوم للخوارزمي: الخصائص والوظائف
Les Termes médicaux dans le Dictionnaire de «Mafatih al-Ulum»d’Al-Khawarizmi: caractéristiques et fonctions
The medical term from the dictionary of the keys of science of Al-Khawarizmi: The characteristics and the functions
72-90
تاريخ الاستلام 2022-11-04 تاريخ القبول 06-02-2024

حياة أحمد الصّيد
  • resume:Ar
  • resume
  • Abstract
  • Auteurs
  • TEXTE INTEGRAL
  • Bibliographie

الأصلُ في المصطلح أنْ يكونَ علامةً لسانيّة مخصوصةً وَضَعَتها جماعةٌ خاصّة في مجال معرفيّ علميّ أو ثقافيّ مخصوصٍ ليدلَّ على مفهومٍ مخصوصٍ ويحقّق التّداول فيها، لكنّ الواقع اللّغوي يُثبتُ استعارةَ المجالات المختلفة مصطلحات بعضها البعض بشكلٍ يزيدُ أو ينقص حسب الحاجة، حيثُ ينتَقِل المصطلح من مجالِه إلى مجالٍ آخر حاملاً مفهومَه الأصلي ومتحلّلا بعض الشّيء من علاقاته المُسبقَة في مجاله الأصلي ليُنشئ َ علاقات جديدة مع مصطلحات المجال الجديد بطريقٍ فيه انتقائية وقصدية. تَهدف هذه الدّراسة إلى التّحقّق من أهمّية النّقل المصطلحي بين المجالات من خلال معجم الخوارزمي المتخصّص الموسوعي «مفاتيح العلوم» حيثُ دعا الخوارزمي الكُتّابَ واللّغويين إلى ضرورة التّمكّن من مصطلحات المجالات المعرفيّة على اختلافها، وعدم تركها حِكراً على جماعتها الخاصّة، هذا التّمكّن يتمَظهَر في مُستَوَيَي فَهم خطابات المجالات الأخرى ، وإنتاج خطابات غير مُنغلقة على نَفسها مُنفتِحة على المعارف الإنسانية باختلافها، واخترنا المصطلح الطّبّي نموذجا للدّراسة ببحثِ خصائصه وتعريفاته ووظائفه التّي يمكنُ أن تتجاوزَ بناء المعرفة الطّبّيّة وتنظيمها إلى استثمارِها تداوليّا في إنتاج معارف جديدة في مجالات غير طبّيّة كالدّين والفلسفة خصوصا.  انتهى العَمل إلى أنّ دعوة الخوارزمي لها جدواها؛ فتوظيفُ المصطلحات الطّبّية في الخطابات المتنوّعة يسهِم في تداوليتها أكثر، وانفتاحها على آفاق أعمق دون أن تقطع المصطلحات الطّبّيّة خُصوصياتها الطّبّيّة وانتماءاتها الأصليّة للميدان الطّبّي.

l’origine du terme est qu’il s’agit d’un signe linguistique spécifique, développé par un groupe spécial dans un domaine scientifique ou culturel spécifique, pour indiquer un concept spécifique et y parvenir, mais la réalité linguistique prouve que les différents domaines empruntent des termes entre eux, de manière croissante ou décroissante selon les besoins, où le terme passe de son domaine à un autre, portant son concept original et se décomposant un peu de ses relations précédentes dans son domaine d’origine, pour établir de nouvelles relations avec les termes du nouveau domaine de manière sélective et intentionnelle.cette étude vise à vérifier l’importance du transfert terminologique entre les domaines à travers le lexique encyclopédique spécialisé d’Al-Khawarizmi «Mafatih al-Ulum», où Al-Khwarizmi a appelé les écrivains et les linguistes à la nécessité de maîtriser la terminologie des différents domaines cognitifs, et ne pas la laisser exclusive à son propre groupe, nous avons choisi le terme médical comme modèle d’étude en examinant ses caractéristiques, ses définitions et ses fonctions qui vont au-delà de la construction et de l’organisation des connaissances médicales à son investissement délibératif dans la production de nouvelles connaissances.Le travail a conclu que l’appel d’Al-Khawarizmi était utile, parce que l’utilisation des termes médicaux dans divers discours contribue davantage à leur caractère délibératif, et son ouverture vers des horizons plus profonds sans que la terminologie médicale interrompe ses particularités médicales et ses affiliations originales au domaine médical.

The origin of the term is that it is a specific linguistic sign, developed by a special group in a specific scientific or cultural field, to indicate a specific concept and achieve it, but the linguistic reality proves that the different domains borrow terms from each other, in an increasing or decreasing way according to the needs, and the term passes from one domain to another, carrying its original concept; and decomposing from its previous relations in its original domain, to establish new relations with the terms of the new domain in a selective and intentional way.
This study aims to verify the importance of the terminological transfer between the domains through the specialized encyclopedic lexicon of Al-Khwarizmi “Mafatih al-Ulum”, So, Al-Khwarizmi called writers and linguists to be able to understand the terminology of various domains of knowledge and not to leave the terminology exclusive to its own group, we have chosen the medical term as a study model, by examining its characteristics, definitions and functions, which go beyond the construction and organization of medical knowledge to its deliberative investment in the production of new knowledge.
The work concluded that Al-Khawarizmi’s call was useful, because the use of medical terms in various discourses contributes more to their deliberative character, and medical terminology is expanding, without losing its medical specificity, its original affiliations to the medical field

Quelques mots à propos de :  حياة أحمد الصّيد

Dr. Hayette Ahmed Sid كلّية الآداب واللّغات، عنّابة، الجزائر  hayatseid047@gmail.com
مقدّمة
ارتباطُ الإنسان العربي المعاصر بتراثه العربيّ الإسلامي ارتباطا معرفيا فكريّا وجدانيّا ثقافيّا كان من أسباب نشأة صراعٍ بين التّراث والعلوم الحديثة الوافدة من الآخر الغربي، من مبرّرات ذلك، انصباغُ هذا التّراث بالصّبغة الدّينية وتجلّيه باللّغة العربية وهمَا العنصران المعقود عليهما تشكيل هوية العرب المسلمين الجامِعة المنوط بالمسلم حمايتُها من الذّوبان والتّشوّه، إضافةً إلى ثراء هذا التّراث وتنوّعه وإبداع علمائه في كلّ الميادين التّي طالَتها عقولهم بالدّرس والبحث، ها هو معجم مفاتيح العلوم للخوارزمي (محمّد بن أحمد بن يوسف ت 387ه/997م) يقِفُ شامخا لا تكادُ تصدّق أنّه أوّل معجم متخصّصٌ موسوعيّ تُراثي، وأنّ واضِعَه ألّفه على غيرِ تقليد وهو الذّي يستوفي شروط الصّناعة المعجميّة الحديثة جَمَع فيه أهمّ مصطلحات علوم عصره مرتّبة موضوعيّا مقرونة بتعريفات مفاهيمها داخل مجالها العلمي المخصوص بعيدا عن التّطويل والحشو. 
موضوع هذه الدّراسة هو المصطلح الطّبّي في المفاتيح من حيثُ آليات صياغته، وخصائص تعريفاته التّي تقدّم مفاهيمَه الأساسية، وأبعاده المعرفيّة والأخلاقيّة والتّداوليّة التّي يمكنُ أن نَفهمها ضمنيّاً من دعوة الخوارزمي اللّغويّين إلى التّمكّن من مصطلحات المجالات المعرفيّة المختلفة، وعلى ذلك كانت أهداف الدّراسة: 
- الدّعوة إلى الإفادة من المصطلح التّراثي الطّبي في المجال الطّبّي العربي المعاصر بشكلٍ عقلاني وموضوعي. 
- توضيح أنّ على المصطلحات الطّبّيّة ألاَ تظلّ حبيسة الاستخدام الخاص داخل الميدان الطّبّي المخصوص، من حقّ مُستَعمِل اللّغة خصوصا القادر على التّأثير في الآخرين خِطابيّا أن يمتلك معرفة متخصّصة بالمصطلحات، وعلى المُصطلحيّين أن يراعوا ذلك في إنجاز معاجمهم الخاصّة. 
- الأخذ بدعوة الخوارزمي كلّ مشتَغِلٍ بالخطاب مهما كان تخصّصه أن يكون موسوعيّا، وأن يأخذ من كلّ علمٍ بطَرَف. 
مَدخل إلى التّراث والمصطلح التّراثي
التّراث العربي الإسلامي وقيمته العلميّة والحضارية 
مفردةُ «تراث» مُشتقّة من الجذر (و، ر، ث)، وذكر الأصفهاني أنّ أصلها «وُراث» ثمّ أجرِيَ عليها الإبدال للضّرورات الصّرفيّة الصّوتيّة المناسبة. 
يعتَقدُ الجابري أنّ المفردتين الأجنبيّتين Heritage وPatrimoine لا تحملان المضامين نفسها التّي نَفهمها نحن العرب المعاصرين للتّراث من حيثُ إنّ معناهما لا يتعدّى: « تَرِكةَ الهالِك إلى أبنائه»، وحتّى لو حملتا معنىً وجدانيّا حضاريا فإنّه يظلّ فقيرا بالمقارنة مع المعنى العربي المُسْنَد للتّراث  (الجابري، 2006، صفحة 24)، ولذلك يكون معنى التّراث كما نفهمه حاليا بِقِيَمه الوجدانيّة، وحمولاته الإيديولوجيّة، وأبعاده الرّمزية غير معروف عند قدمائنا، وعند المحدثين الغربيّين على السّواء، بمعنى أنّه من نواتج الخطاب العربي المعاصر. 
إذا كانت المشتقّات المشهورة للجذر (و، ر، ث) خصوصا الميراث كما حدّدها الفقهاءُ في باب الفرائض تفيدُ معنى التّركة التّي تُوَزّعُ على الوَرَثة بحيثُ تختفي في النّهاية ولا تظلّ شيئا مجموعًا واحدًا، فإنّ التّراث يدلّ على ما تَركه السّلَف للخلف لا ينقُص منه شيء، بل يجمع الخلف ويوحّدهم: «وإذا كان الإرث أو الميراث هو عنوانُ اختفاء الأب وحلول الابن محلّه، فإنّ التّراث قد أصبح بالنّسبة للوعي العربي المعاصر عنوانًا على حضورِ الأب في الابن، حضور السّلف في الخَلَف، حضور الماضي في الحاضر» (الجابري، 2006، صفحة 24)، من أجل هذا، ليس التّراثُ في الخِطاب العربيّ المعاصِر عودةٌ إلى الأصول العربيّة القديمة وإفادةٌ منها في نقد الحاضر والتّحضير للمستقبل فقط، بل التّراثُ هو درعُ حماية لهويّة الأمّة من الذّوبان والتّلاشي. 
لم تكن للتّراث العربي الإسلامي هذه المكانة العظيمة تعصّبا فيه، إنّ المخزون المعرفي الفكري الذّي يزخر به هو ما أكسبه قيمته، ثمّ إنّ انصباغَه بالصّبغة الدّينية، وتجلّيه باللّغة العربية هو ما جعله غير منفصلٍ عن وجدان الإنسان العربي وعقله، وعلى هذا نفهم حقيقة الصّراع بين العلوم التّراثية والعلوم الوافدة الغربيّة التّي لم تحظَ بالقبول عند قطاعٍ كبير من المفكّرين والعلماء المسلمين القدامى منهم والمحدثين، فللأمر حقيقة نفسيّة حضارية رمزيّة تنظرُ للآخر دوما بحذر، واستعدادٍ للصّراع معه والحَرب. 
أحسن المناهج تعاملاً مع التّراث هي التّي تنظر إليه في ذاته؛ في خلفياته ومنطلقاته، في إنتاجاته ومؤلّفاته، في إجراءاته وتطبيقاته ورؤاه وتصوّراته، وفي نتائجه وعلاقتها بمقدّماته من أجل استخراج أوجه الإبداع الفكري والعلمي والأخلاقي فيه بغضّ النّظر عن مقارنته بغيره، أو الاجتهاد في إثبات تفوّقه عليه، فقيمته في خصوصيّاته. 
يحفلُ تراثنُا بزاد عظيمٍ من علوم ومعارف وآداب وفلسفة، ومن الأدوات التّي أقدرتنا على التّعامل مع ما وَصَلَنا منه نجدُ المصطلحات، فما هو المصطلح؟ وما هو المصطلح التّراثي؟ 
المصطلح والمصطلح التّراثي 
وُجودُ زادٍ مُصطلحيٍّ عظيمٍ في التّراث الإنساني جميعه العربي الإسلامي وغيره، وأدائه وظائف حفظ المعارف المُستَجدّة وتحقيق الأغراض التّواصليّة التّداوليّة آنيا بين مُنتجيها المتخصّصين في بيئاتهم الخاصّة، وتاريخيا بين السّابقين واللاّحقين المنتمين للسّياقات اللّغوية والاجتماعيّة ذاتها دليلٌ على أنّ للوضع المُصطلحيّ ارتِباطٌ بالمُمارسة اللّغوية بعدّها قدرةً فطريةً عند الإنسان، يدلّك على ذلك، السّبق التّاريخي للمنتوجات المصطلحيّة على تأسيس العلم المنشغل بموضوع الوضع المصطحي. 
كلمة مُصطلَح في اللّغة العربية مصدرٌ ميميّ أو اسم مفعول للفعل ‹› اِصْطَلَحَ ‹› من المادة ‹›صَلَحَ›› (حجازي، د ت، صفحة 7) ،تُجمِعُ المعاجم العربية على أنّها تحمل دلالة الصّلاح والاتّفاق: «صَلَحَ صَلاحًا وصَلُوحًا: زالَ عنه الفسادُ، والشّيء كان نافعا ومناسبا، يقال هذا الشّيء يصلُح لك، صَالَحَهُ، مُصَالَحَةً وصَلُوحًا: سالمه وصَافَاه، ويقال صَالَحه على الشّئ: سَلَكَ معه سِلك المُسالَمة في الاتّفاق». (أنيس وآخرون، 1982، صفحة 520)
أمّا في الثّقافة الغربية فمفردة مصطلح ‹›terme›› مأخوذة من الجذر اللاتيني: term أو termo الذّي يحمل معاني التّمييز، والنّهاية، والحدّ في تقسيم الحقول والمساحات الزراعية...ويدلّ المصطلح في لغتهم العامة على الحد المكاني أو الزّماني أو الشّرط» (حابس، 2002، صفحة 210).
ومنه نفهم أنّ المعنى اللّغوي للمصطلح عند الغربيين يرتبط بوظيفة المصطلح في تمييزه بين الدّلالات في الحقول المعرفية المختلفة بما يحفظ المعاني من التّداخل والاختلاط.
- «المصطلح ترجمة لغوية بحتة لفكرة تسبقها». فالمصطلح إذن عمليّة منفصلة عن المفهوم، وتالية لها. (DUBOIS, 2001, p. 480)
- حسب فيلبر(Felber): «هو رمزٌ اصطلاحيّ يمثّل مفهومًا يُحدَّد بدوره في مجالٍ معرفيّ معين». (الأشهب، المصطلح العربي البنية والتمثيل، 2011، صفحة 33)المصطَلَحُ هو وَضع تَسميةٍ لاحقةٍ لمفهومٍ تَحَدَّدَ بعد دراسةٍ متخصّصة، مستفيدا من طاقات اللّغة المتعدّدة وقدراتها على التّولّد والتّحوّل، لا يكونُ ذلك دون الانتماء إلى مجالٍ معرفيّ فكريّ معيّن. 
- الكلمة نتاجُ تواضع الجماعة اللّغوية، والمصطلح هو تواضع جماعة خاصة داخل الجماعة اللغوية. 
- الكلمة تقيمُ علاقات دلالية مع الكلمات الأخرى بالترّادف والاشتراك، ولها معانٍ عدّة يُرجّحُ المقصودَ منها السّياقُ، أمّا المصطلحُ فإنّه لا يحتاجُ سياقًا لغويا ليُعرَف مفهومُه، يكفي ذكرُ مجالِه الذّي ينتمي إليه ليتخصّص أكثر ويُعرف. 
 المُصطلحُ عمليةُ تواضعٍ بين جماعة متخصّصين على تسمية مفاهيم تمّ تنظيمها علميّا تجريبيّا منظورٍ إليها ضمن مجالٍ معرفيّ معيّن. وعليه يكون المصطلح التّراثي هو التّسميات التّي أنتجها علماء التّراث العربي الإسلامي المتخصّصون في ميادين الفكر والمعرفة: لغويا وفقهيا وفلسفيّا وطبّيا وسياسيا ورياضيا وهندسيا...إلخ. والمصطَلح موضوع علمٍ مهمّ منبثقٍ من رحم اللّسانيات التّطبيقيّة يتناولُ بالدّراسة الأسس العلميّة لوضع المصطلحات وتوحيدها مُهتمّا بالمفاهيم اعتمادًا على معايير أساسيّة تنبع من اللّسانيات وعلم المنطق. (الحمزاوي، 1995، صفحة 115)، هو علمُ المصطلح». Terminologie»
وهناك علم متكاملٌ مع علم المصطلح هو المصطلحية ‹›Terminographie›› :››نشاط علميّ تطبيقيّ يقوم بجردِ المصطلحات وبناء المعطيات وتوثيق مصادرها ... ثم نشرها في شكلِ معاجمَ علميّة متخصّصة سواء ورقية أو إلكترونية». (لوم، 2012، صفحة 41)، والعلاقة بين العلمين أنّ الاوّل علمٌ نَظَريٌّ بالأساس، يبحثُ في طبيعة المفاهيم وخصائصها وعلاقاتها ببعضها البعض، وفي كيفيّة وضع مصطلحاتها وإشكاليات ذلك اللّغوية والمعرفيّة والثّقافيّة من أجل الوصول إلى قواعد الاستعمال والتّداول الموحّدة العالية، بينما تظهر الطّبيعة التّطبيقيّة للمصطلحيّة حيثُ تنشغِل بالمادة النّظرية من العلم الاوّل من أجل تنظيمها ونشرها في شكل معاجم متخصّصة ورقيّة أو إلكترونيّة تواكب تطوّرات الحياة التّكنولوجيّة والعلميّة الإنسانيّة المتسارعة. 
يهدفُ علم المصطلح من المنظور اللّساني العلمي إلى ضبط المفاهيم المجرّدة، والانتقال بأمانٍ علميٍّ ومنهجيّ إلى إمكانيّة تعريفها لسانيّا في مجموعة من الخصائص والسّمات التّي تتّفق عليها الجماعات المتخصّصة، ثمّ وضع التّسميّات المناسبة لها حسب الخصائص اللّسانية والثّقافيّة لكلّ لغة، في مقابل ذلك، يبرزُ اسمُ الفيلسوف جيل دولوز (Gilles Deleuze) وهو يطرح رؤية فلسفيّة متميّزة عن وظائف الفلسفة وعلاقاتها بالعلوم ، فليس من وظائفِها التّأمّل في الأشياء، لأنّ هذه وظائف العلوم الخاصّة: فالجسد له الطّبّ والأرض لها علوم الأرض، والمادة لها علوم الفيزياء وهكذا، وليسَ من وظائفْها تَنظيم حياة النّاس لأنّهم بالأصل يقومون بذلك كُلٌّ في ميدانِ تخصّصه، فالفلسفة ليست أمّ العلوم ولا ملكتها، بل ليست هي من العلوم التّواصليّة تَطرَحُ الأفكار وتناقشها في دوائر الإعلام والحوار، مع أنّ ذلك لا يعني قَطع الفلسفة كلّ صلة لها بالعلوم الإنسانيّة والتّجريبيّة، مسؤوليتها مُتوجّهة إلى أن تفكّرَ فيما فكَّرَ فيه المختصّون وحَصّلوه من مفاهيم عن ميادينهم ، فهي فكرٌ أعمَق، أو فكرٌ ثانٍ، ولذلك «يَنخرط الفيلسوف في مهمّات تشقيفِ الأغيار بما قد تَحدُسُ به عن نَفسِها، وبما لا تَعرفُ عن نفسها معًا، أي بما يَكشفُ عن حادثَتها وذلك خارج مُصطَلحها الخاص» (دولوز و غتاري، 1997، صفحة 12)، ولأنّ مفهوم الشّيء لا يتطابق كما تحدّده جماعته الخاصّة مع ما يقوله غيره الفيلسوف تنشأ تعدّدية المفاهيم، بل قُل لا نهائيتها وتوالدها المستمر، وعلى هذا تكونُ الفلسفة عند الرّجل: «الحقل المعرفيّ القائم على إبداع المفاهيم». يُفيدنا توجّه دولوز الفلسفي هذا في جانبين:
-إثبات قدرة المفاهيم الطّبّية الخالصة على توليد مفاهيم أشمَل في ميادين أخرى.
- موافَقة دولوز في مقولة عدم انحصار المفاهيم في قوالب صارمة خاصّة بميدانٍ معرفيّ ما معزولٍ عن غيره، وهذا ولاشكّ أمرٌ يرتبط بآلية عمل الذّهن البشري.
المصطلح في مفاتيح العلوم: مادته وخصائصه
يُعَدّ معجم «مفاتيح العلوم للخوارزمي» أوّل معجم موسوعي متخصّص في التّراث العربي الإسلامي، وضعه الخوارزمي وفقَ شروط الصّناعة المعجميّة المتخصّصة الحديثة، «فالمعجمَ المختصّ بصورة عامة هو كتابٌ يتضمّن بين دفّتيه رصيدا مصطلحيا لموضوعٍ ما مرتّبا ترتيبا معيّنا، ومصحوبا بالتّعريفات الدّقيقة الموجزة(...) ويُعنَى المعجم المختصّ بمصطلحات موضوع خاص». (سماعنة ج.، 1999، صفحة 36) ومفاتيح العلوم معجم متخصّص موسوعيّ لأنّه لم يختصّ بمجالٍ علميّ واحدٍ، لقد كان مرآةً لعلوم عصره في القرن الرّابع الهجري. 
انبهر المستشرقون بطريقة بنائه، وتقديم موضوعاته، وحتّى مقدّمته التّي حملت زادا مصطلحيّا نظريا يمكن التّأسيس عليه لبناء نظريات مصطلحيّة، توجد ثلاث مخطوطات من المعجم في المتحف البريطاني في لندن، وظهر لأوّل مرّة بنصّه العربي في نشرة للمستشرق البريطاني فان فلوتن (Gerlov van Vloten) عام 1895، هذا ومع الأسف، لم يحظَ بالاهتمام العربي المطلوب الذّي يجعل منه مُؤَلَّفاً فاعلاً في خطابنا اللّساني العربي المعاصر. 
سبب التّأليف
يقول الخوارزمي في مقدّمة معجمه إنّه ألّفَ معجماً: «يكونُ جامعاً لمفاتيح العلوم وأوائل الصّناعات مُتَضمّناً ما بين كلّ طبقةٍ من العلماء من المواضعات والاصطلاحات التّي خَلَت منها- أو من جُلّها- الكُتب الحاضرة لعلم اللّغة حتّى إنّ اللّغويّ المُبرَّز في الأدب إذا تأمّل كتابا من الكُتب التّي صُنّفَت في أبواب العلومِ والحِكمة ولم يكُن شدَّ صدراً من تلك الصّناعة لم يفهم شيئاً معه، وكان كالأمّيّ الأغتَم عند نَظرِه فيه. (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 8)، يتجلّى وعي الخوارزمي المصطلحيّ في مُلامسة كلامه لقضايا مصطلحيّة ومعرفيّة مهمّة:
- المصطلحات عنده «مفاتيح العلوم»، وَصْفُها بالمركّب الإضافي هذا مجازيّ يقدّم العلوم التّي هي معارف ومفاهيم وكأنّها أبواب بيوت، أو أقفال خزنات لا يمكن ولوجها إلاّ بمفاتيح خاصّة تُنَاسِبها، ولم يكن توظيف المجاز هنا لدواعٍ إمتاعية ترفيهيّة وإنّما لتقرير حقيقة، وشرح رؤية، سيظلّ الباب مغلقا في وجه من لا يملك مفتاحَه، كذلك العلم يظلّ محتفظا بكنوزه ما لم يتمكّن طالبُه من القبض على مصطلحاته. 
- المصطلحات من نواتج التّواضع والاصطلاح، إنّها عمليّة خاصّة تَقوم بها جماعة خاصّة في مجالٍ معرفيّ أو ثقافيّ أو أدبيّ أو دينيّ لبناء المعرفة فيه، وتصنيف قضاياها بشكلٍ يمكّنهم من التّواصل والتّفاعل والتّداول النّاجع. 
- الكُتب العلميّة والمتخصّصة تُكتَبُ بلغةٍ خاصّة، والمصطلحات هي اللّبنة الأساسيّة في هذه اللّغات العلميّة الخاصّة، فقد يكون العربيّ بارعا في اللّغة واستعمالاتها في المنظوم والمنثور، ولكنّ عدم امتلاكه معرفة مُسبقةً بمصطلحات مجالٍ ما واتّفاقات مُتخصّصيها فيها يقطَع تواصله بذلك المجال، ويمنَع من تحَقّق التّواصُل النّاجع معها.
- المصطلحات تحيا في مجالاتها الخاصّة، وتبني علاقاتها مع بعضها البعض لتُقيمَ حقيقةَ تلك المجالات العلميّة، ولذلك، يكونُ للمصطلح نفسه قيمة مفهوميّة مختلفة حسب المجال الذّي يُوَظَّف فيه، وقد وعى الخوارزمي هذه الحقيقة النّظرية بوضوح، ومثّل لذلك بمصطلحات الوَتَد والرّجعة والفكّ حيثُ تختلف مفاهيمها حسب جماعاتها الخاصّة التّي تستعملها. 
- يقول الخوارزمي: «أحوجُ النّاس إلى معرفة هذه الاصطلاحات الأديبُ اللّطيفُ الذّي تحقّق أنّ علم اللّغة آلةً لدرسه الفضيلة، لا يُنتَفَع به بذاته مالم يُجعَل سَببا إلى تحصيلِ هذه العلوم الجليلة، ولا يُستَغنى عن عِلمها طَبقاتُ الكُتّابِ لصدقِ حاجتهم إلى مطالعة فنون العلوم والآداب» (الخوارزمي م.، المرجع السابق، صفحة 8)، لقد سبقَ الخوارزمي وعلماؤنا التّراثيون المعرفيّين المحدثين الذّين قالوا بمعرفيّة اللّغة، وأنّها ما به يمكن فهمُ العالم وإدراكه، ثمّ إعادة تقديمه بالشّكل الذّي يخدُم تصوّراتنا، إنّ فهمنا للعالم هو فهمٌ لغويّ لا ينفصلُ فيه اللّغوي عن التّصوّري العقليّ الثّقافي، بمعنى أنّ اللّغة موطن الدّلالة والتّداول معًا، ففي اللّغة يكون كلّ شيء، ومن يشتغل باللّغة عليه أن يفهم من كلّ شيء شيئاً. 
دعوة الخوارزمي تَستلزم ضرورة الاستعمال العام للمصطلحات العلميّة بحيثُ لا تبقى حكراً على جماعتها المتخصّصة، واللّسانيّون أولى من غيرهم بهذه الدّعوة، في الدّراسات الحديثة يعمل اللّساني جنبا إلى جنب مع المتخصّصين في الميادين الأخرى، فنتجت المَعارف اللّسانيّة الحاسوبيّة والعصبيّة والجغرافيّة والتّاريخيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة وغيرها. ممّا يعيدنا إلى حقيقة أنّ وجودَ كلّ شيء هو وجودٌ لغويّ بالأساس. 
أراد الخوارزمي أن يكونَ معجمهُ مدخلاَ للمتعلّمين والمثقّفين، للكّتّاب المتخصّصين كما عامة المتلقّين ليكون دليلهم إلى ولوج العلوم المختلفة، في باب الكتابة، الفصل الثّامن «في مواضعات كُتّاب الرّسائل» يقول الخوارزمي»: أمّا الكُتّابَ فإنّ كلّ ما تقدّم في هذا الباب ممّا يستعملونه»، (الخوارزمي م.، المرجع السابق، صفحة 50)، ويقصد بكلّ ما تقدّم أسماء الدّفاتر والمهمّات في الدّواوين، والخراج، والخَزن، والبريد، وديوان الجيش، وديوان الضّياع والنّفقات، وديوان الماء، وهذه كما ترى ميادين تشمل جوانب كثيرة في الحياة اقتصاديا وعسكريّا وسياسيّا...على اللّغويّ أن يتمكّن منها بمعرفة اصطلاحاتها الأساسة على الأقل، وانظُر إلى جسامة المهام التّي تتحقّق بالكِتابة كما وَصفها النّحّاس: «قد غَلِط من زَعَمَ أنّ أحكامَ الكتابة مُباينةٌ لأحكامِ الشّريعة، لأنّ ذلك مخالفٌ لما يوجد في العقل والدّين، لأنّ الكتابة فَرعٌ من فروع الدّين، والمُلكُ لا قِوامَ له إلاّ بالدّين، وما كانَ فرعاً لشيءٍ لم يُبايِنه»، وقال:» الكتابةُ...نَسَبٌ وقرابة ورحِمٌ وماسّة ووسيلة، وهي أسّ الملك، وعمادُ المَملَكَة، وهي قُطبُ الأدب، وفَلَك الحكمة، ولسانٌ ناطقٌ، وهي نورُ العلم، وتزكيةُ العقول وميدانُ الفضل والعدل»... « وبها وُسِمت التّوراة والإنجيل والقرآن والكتب المُنزّلة، ولو أنّ فضلا ونُبلاً تَصوَّرا جِسماً لتَصوّرتِ الكتابةُ». (النّحّاس، 2004، الصفحات 363-364)، لَيسَت فضيلة الكاتب منسوبة إلى بلاغته فقط، وإلى حسنِ سَبكه كلماته في نَسَقِ لغويّ جميلٍ يَقَع الوقع الحسن في نفس قارئه، واجبُ الكاتب أن يكونَ ذا عقلٍ راجح تزوّدَ من مختلف العلوم بزبدَتها المعرفيّة الفكرية، ونفسٍ كريمةٍ تَهذّبَت بمطالعةِ الجيّد الحَسَن من علوم الاخلاق والتّربية والفنون، ليكونَ في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه؛ فيكونَ لسان العلوم والأفكار والأخلاق والجسر الآمن لوصولها إلى القارئ، ويكونَ أيضاً ضميرَ القارئ ووعيِه وصوتَ الحقّ والعلم، بل وصورة الإنسان الكامل فيه. 
على ما تقدّم، يمكن أن نفهم أنّ جهود الخوارزمي في توسيع مجالات عمل اللّغوي العربي مُتساوقة وسياسة تعريب الحياة العربية الإسلاميّة في كافّة مناحيها؛ هذا المشروع الذّي كُتِبت له الحياة بعد أن استكمل عبد الملك بن مروان جهود عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان في إطار منهجيّ رائع وضمن خطة إستراتيجيّة محبوكة تعريب وجه الدّولة الإسلاميّة في الدّواوين التّي كانت تحت سيطرة غير العرب من الفرس والرّوم، ففي العراق كانت الدّواوين تُنظّم باللّغة الفارسيّة، وفي الشّام باليونانيّة، وفي مصر بالقبطيّة، ومعنى هذا الكلام هو بقاء تلك اللّغات منافسات للّغة العربيّة، وبقاء أصحابها بنفوذٍ قويّ فاعِلٍ يؤثّر على الدّولة الإسلاميّة كلّها مع اضطرار العرب وغيرهم إلى تعلّم تلك اللّغات طلباً للوظائف السّامية في الدّولة، فكان التّعريب عاملا مهمّا في الارتقاء باللّغة العربية لغة الدّولة الرّسميّة، وينتج عن ذلك إعادة تنظيم معرفيّ وفكريّ وإداري ومالي اقتصاديّ عربيّ موحّد. 
مادة المعجم المصطلحيّة 
من أركان المعجم: ‹›الجمعُ الذّي هو مفهومٌ اصطلاحيّ قد يراد به عادة جملة الألفاظ المدوّنة في المعجم». (العواضي، 1991، صفحة 28)
يقول الخوارزمي إنّه: « جَمَع في هذا الكتاب أكثر ما يُحتاجُ إليه من هذا النّوع (. . .) وألغى ذكرَ المشهور والمُتعارَف بين الجمهور، وما هو غامِضٌ غريبٌ لا يكادُ يخلو إذا ذُكِرَ في الكُتب من شرحٍ طويل، وتفسيرٍ كثير». (الخوارزمي م.، المرجع السابق، صفحة 9)، جمَعَ الخوارزمي مصطلحات معجمه بالنّظر إلى تَقديرِه حاجةَ المستعملين إليها، وخلفياتهم واهتماماتهم وأغراضهم العلميّة والثّقافية والأخلاقيّة، وجَعَل موضوعاته في مقالتين: « إحداهما لعلم الشّريعة وما يقترِنُ بها من العلوم العربيّة، والثّانية لعلوم العَجَم من اليونانيين وغيرهم من الأمم». (الخوارزمي م.، المرجع السابق، صفحة 9) المقالة الأولى فيها ستّة أبواب، وفيها اثنان وخمسون فصلا؛ في الفقه والكلام النّحو والكُتّاب والشّعر والعَروض والأخبار، والمقالة الثّانية فيها تسعة أبواب بواحد وأربعين فصلا؛ في الفلسفة والمنطق والطّب والعدد والهندسة وعلم النّجوم والموسيقى والحِيَل والكيمياء.
أساسُ تصنيف الخوارزمي لعلوم عَصره أساسٌ موضوعيّ علميٌّ لا تجدُ معه تعصّبا للاتّجاه العربي على حساب الآخر الاعجميّ، ولا تَلمَحُ فيه تفريطا في علمٍ لصالح علمٍ أخر من حيثُ إنّه نَظَر في أصلِ العلوم ونِسبَتِها إلى أهلها، فوَجد علوماً أصيلةً ابنة العقل العربي الخالص هي العلوم الدّينيّة واللّغوية، وعلوما دخيلةً ضمّت المجالات التّي سَبَق فيها غيرُ العربِ العربَ من مثل الطّب والرّياضيات والفلسفة وغيرها.
 
المصطلح الطّبّي في مفاتيح العلوم 
مع أنّ الخوارزمي لم يُعرّف الطّبّ إلاّ أنّ ذكَره مجالاته المفهوميّة الفرعيّة الكبرى أسهَم في تقديم تصوّر واضح عن هذا المجال، يُمكّن مُستَعمل المعجم من فَهمِ موضوع الطّبّ وقضاياه بالشّكل نفسه الذّي يؤدّيه تعريف الطّب، بحيثُ إنّ ذكر الخوارزمي للمجالات المفهوميّة الفرعيّة للطّبّ يتلاقى مع تعريفِ العالم الجليل التّهانوي(مُحَمّد بن الشّيخ بن علي بن محمّد، عالمٌ موسوعيّ هنديّ جليل، تُوفّي في 1158ه، عاشَ في عصر سلاطين الدّولة المغوليّة في الهند، وقيل إنّه كان قاضيا في قريته تِهانة يعيشُ بكلّ عفّة وخير، وقد نال حظّا وفيرا من مختلف العلوم العربيّة والشّرعيّة، والفلسفيّة والحِكميّة، ويُعدّ معجمه الموسوعي كشّاف اصطلاحات العلوم والفنون شاهداً على نبوغه المعرفيّ وتميّزه) للطّب في كونه: «علمٌ يُبحثُ فيه عن بدَن الإنسان من جهة ما يُصِحّ وما يُمرِض لالتماسِ حفظِ الصّحّة وإزالةِ المرض، وموضوعه بدنُ الإنسان وما يشتمل عليه من الأركان والأمزجة والأخلاط، والأعضاء والأرواح والقِوى وأحواله من الصّحّة والمرض وأسبابها». (التّهانوي، د.ت، صفحة 59). 
 وَقع اختيارُنا على المصطلح الطّبي للدّراسة للأسباب التّالية:
- مكانة الطّب الأساسيّة في حياة الإنسان بعدّه المجال الذّي يختصّ بشكل مباشر بصحّة الجسد وسلامته، فهو مجالٌ تستفيدُ من تطوّراته المذهلة الإنسانيّةُ جمعاء بغضّ النّظر عن الانتماءات العرقيّة والدّينيّة للإنسان، ومن أجل هذا لم يجد المسلمون حرَجًا من الإفادة من مُكتَسبات غير المسلمين الطّبّيّة.
- تًبيّن جدوى دعوة الخوارزمي في تعميم استعمال المصطلحات الطّبّية عند غيرِ جماعتها الخاصّة، فهذا أمرٌ يقودنا إلى التّساؤل: هل سيكتفي ذلك المُستعمِل بتوظيف المصطلح الطّبّي كما قرّرته الجماعة المختصّة الطّبّيّة أم أنّه سيُجري عليه تغييرات تتناسب مع خلفيته الفكريّة والمعرفيّة؟ وهل سيكونُ لهذا التّوظيف آثار معرفيّة جديدة؟ وهل ستوفّر هذه المصطلحات لغير المتخصّص في الطّبّ فُرصة لتكون سبيلَه في بناء معارف أخرى من مجالات أخرى بتلك المعرفة الطّبّية نفسها؟ 
المُصطَلحات الطّبّيّة في المفاتيح وَرَدت في مجالات مفهوميّة كما يلي:
التّشريح
تبدأ معرفة الجسد البشري بمعرفة أعضائه وآلية عملها ثمّ تفهّم حالة الصّحة ودواعي الحفاظ عليها، والمرض وما يتطلّبه علاجُه، ومع أنّ كثيرا من المستشرقين قالوا بامتناع المسلمين عن تطبيقِ تشريح الجثث لأسبابٍ دينيّة، وأنّهم اكتَفوا بنقل المعارف في هذا الموضوع من اليونانيين خصوصا أبقراط وجالينوس، إلاّ أنّ الإضافات العظيمة التّي تزخر بها المؤلّفات الطّبية التّراثية تشي بغير ذلك تماما، والمؤلّفات التّي وَثّقت ما فاقَ فيه طبّ التّشريح الإسلامي الآخَر الغربي أكثر مِن أن تُحصى، ذكرَ راغب السّرجاني مثلا:
-معارضة ابن النّفيس لتفسير أبقراط انتقالَ الدّم من البطين الأيمن إلى البطين الأيسر بوجود طريقٍ غير مرئيّ في الحاجز البطيني، لقد بيّن ابن النّفيس عدم وجود أي حاجز وأنّ انتقال الدّم إنّما يتمّ عن طريق الرّئتين، وهو ما عُرِف بالدّورة الدّموية الصّغرى. (السّرجاني، 2009، صفحة 33).
-كان ابنُ سينا (370ه-427ه) الشّيخ الرّئيس المرجع الرّئيسي في علم الطّب، فهو من اكتشف العديد من الدّيدان الطّفَيليّة، وأوّل من وصفَ الالتهاب السّحائي، وله باعٌ مشهودٌ في مجال الأمراض التّناسليّة، والأمراض المُعدية، وطب العيون، وحتّى الأمراض النّفسية عَرَف كثيرا منها وشَرَحَ أثرها على صحّة الجسم العضوية. يدلّنا على مكانة الرّجل الرّفيعة ما ناله كتابه القانون في الطّب من احترام وتبجيلٍ من الغرب قرونا طويلة، فقد ذَكر السير ويليام أوسلر أنّه كان بمثابة الإنجيل في عالم الطّب ما يزيد على سبعة قرون من الزّمن. (السّرجاني، 2009، صفحة 188)
- والزّهراوي البارع كانَ أوّل من فَرّق بين الجِراحة وبين ميادين الطّب الأخرى، فجعلها علما طبّيّا مستقلاّ بذاته، وهو أوّل من أوقف نزيف الدّم أثناء العمليّات الجراحيّة وذلك بربط الشّرايين الكبيرة، وجهوده في طبّ الأسنان وعلاج السّرطان وغيرها سبقت الطّب الحديث بمئات السّنين. (السّرجاني، 2009، صفحة 56 و ما بعدها)
أفاد الخوارزمي من هذه المعرفة العميقة، يظهر هذا في مصطلحات هذا المجال الفرعي الطّبي الدّقيقة: 
الشّرايين، وفيها: العروق؛ الأبهران: الباسيليق والقيفال، الأكحل، الوَدَجان الظّاهر والغائر، حبل الذّراع، الأشيلم، الصّافن، عرق النَّسا، العضَل، النّخاع، طبقات العين: المشيمة، الشّبكية، العنكبوتيّة، القرنية، الملتحم، قصبة الرّئة، المريء، الحنجرة، المعدة، البوّاب، الاثنا عشر، المعي الصّائم، المرابض، القولون، الأعور المعِي المستقيم، الحجاب، المسامّ. بالمجموع: 34 مصطلحا لتسمية أعضاء كبيرة. 
الغاية من التّشريح أن يتجنّب الطّبيب العارف بالأعضاء ومواضعها أذيّة تلك الاعضاء وقطعها بشكلٍ قد يتسبّب في تدميرها، وهي غاية كما نرى جليلة تَفرض على الطّبيب التّمكّن من التّشريح نَظَراً وإجراءً.
الأمراض والأدواء
الأصلُ أن يكون جسدُ الإنسان في حالة اعتدالٍ أي سليماً صحيحا وعلى هذا فالمرض العضوي حدثٌ طارئٌ يضطرّ الإنسان إلى الاستطباب لمواجهة المرض وإرجاع حال الاعتدال أو الصّحة، ويحدث ذلك بمساعدة الطّبيب في الغالب، قال الأصفهاني: « المرضُ خروجٌ عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك ضربان؛ الأوّل جِسميّ وهو المـــذكور في قوله تعـالى: ﴿ولا عَلَى المريضِ حَرَجٌ»﴾ (سورة النور/ الآية 61)...والثّاني عبارة عن الرّذائل كالجـهلِ والجبن والبُخل والنّفاق وغيرها نحو قــوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِـهِم مَرَضٌ فَزَادَهُم الله مَرَضًا﴾(البقرة /10)». (الأصفهاني، 2010، صفحة 353).
يقوم كلّ معجمٍ على ركيزتين هما الجمع والوضع، (بن مراد، 1993، صفحة 5) ومعجم الخوارزمي معجم موضوعيّ موسوعي ترتيبُ مادته المصطلحيّة كان على حسب المفهوم/الموضوع وليس المصطلح /التّسمية اللّغوية.
 أورد الخوارزمي قائمة الأمراض على غيرِ تصنيفٍ لها، لا نعدّ صنيعَه هذا عيباً منهجيّا في معجمه لسببٍ بسيطٍ جدّا وهو أنّه ارتضى التّرتيب الموضوعي لمَدَاخِلِه المعجميّة المصطلحيّة، وجُلّ اهتمامه أن يجمَع أشهَرها وأكثرها فائدة لمُستعمل المعجم ضمنَ عنوانٍ واحدٍ هو عنوانُ المَرَض، وقد نَظّمنا مصطلحات الأمراض التّي ذَكَرها الخوارزمي تحت عناوين مصطلحيّة من وضعنا لتكون حقولا فرعيةّ طبّيّة مصطلحيّة ضمن مجال «المرض» (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، الصفحات 106-109):
*- أمراض في الرّأس: السّعفة، الهبرية/الإبرية، الحُزاز، الدّوار، الشّقيقة.
*-أمراض العيون: الشُّعيرة في الجَفن: الجساء، السّبل في العين، الظّفرة، الطّرفة، الانتشار، الغَرْب. 
*-أمراض الفم والأسنان: الحَفر في الأسنان، الخَلوف. 
*-أمراض الأنف: البواسيرُ في الأنف، الخَشَم. 
*-أورام وانتفاخات جلدية (الأمراض السّرطانيّة والجلديّة): الخنازير، السّرطان، السّلعة، النّملة، النّار الفارسيّة، الدّاحس، ومجموعة ذوات السّموم: الجرارات، الرّتيلاء، الشّبث، الكَلْب. 
*-الحمّى ودرجاتها: السّرسام، حمّى يوم، الدِّق، الوِرد، الغِبّ، الرّبع والخِمس والسّدس، الحمّى المطبِقة، الحمّى المحرقة، الوباء.
*- أمراض تسبّب فقدان الوعي: السّكتة، السّبات، الشّخوص.
*- درجات الشّلل (أمراض الجهاز الحَرَكي): الفالج، الخَدَر، التّشنّج، اللّقوة، الصّرع. 
*-أمراض نفسية: الكابوس، المالنخوليا. 
*-آلام في الصّدر والأضلاع (الأمراض الصّدريّة): ذات الجنب، ذات الرئة، الشّوصة، السّل.
*- أمراض في المعدة (الجهاز الهضمي): الهيضة: الاستسقاء، وفيه الزّقّي والطّبلي، واللّحمي، القولنج، الخِلفة، الزّحير، الفتق، الرّحا. 
*-أمراض في جهاز الإطراح (له علاقة بأمراض المسالك البوليّة): سلس البول، البواسير، القَروُ، القَرو.
*- أمراض التهابيّة: الحصاة، النّقرس، عِرق النّسا. الدّوالي، داء الفيل، الوباء: بالمجموع 81 مصطلحاً. 
 تخصّص علمِ تصنيف الأمراض (Nosologie) يهدف إلى تصنيف الأمراض في مجموعات متقاربة بعد توفّر المعرفة الطّبّية الكافية عنها بتجميعها في صنفٍ واحدٍ نظرا لوجود دَرجاتٍ من التّشابه في: أسبابها، وأعراضها، والعلاجات المناسبة لها وخطورتها وكلّ ما يتعلّق بها، وكما سبقَ ذكره، لم يكن الخوارزمي مهتمّا بتصنيف الأمراض فقد أوردها دون ذلك، لكنّ قيامنا بتصنيفها أعطانا نظرةً واضحةً عن تقدّم الطّب الإسلامي في زمنه، فالأمراض المذكورة استَغرقَت كلّ الجَسَد البشري ظاهرا وباطنا، حتّى الامراض النّفسيّة كانت لها مساحتها من الاهتمام والبحث.
لم تكن المعرفة الطّبّية هذه طارئة أو بالعَرَض، يدلّنا على ذلك ورودها بمُصطلحاتٍ عربيّة معروفة في السّاحة الثّقافيّة آنذاك مقرونة بتعاريفها الاصطلاحيّة التّي وضعتها الجماعة الطّبّيّة المتخصّصة، وهذه من أكبر الأدلّة على ترسّخ هذه المعرفة المتخصّصة في الثّقافة الإسلاميّة العربيّة.
الأغذية
النّظام الغذائي الصّحي الذّي يُفَاد من مفاتيح العلوم نظامٌ نباتيّ بالأساس مضافٌ له أنواعٌ من السّمك والأفراخ من ذلك:
الأطرية، الفراني، النّشا، حبّ الصّنوبر الكبير، النّارجيل، الملبّق، البهطة، كشك الحنطة والشّعير، القَطَف، الطّرخسقوق، الحُمّاض، الحزاء، التّوت الشّامي، الملوكية /الملوخيّة، الحلزون، الإربيان والصّدف، الهازباء البنّي والجُرّيت، والشّبّوط، والسّميكات والمجموع: 31 مصطلحا. (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، صفحة 111):
 عَرف عماؤنا مبكّرا ارتباط الغذاء بالدّواء والصّحة الجسدية، يدلّك على ذلك المؤلّفات المتفرّدة في هذا الجانب، مثلا: منافع الأغذية ودفعُ مضارها لأبي بكر الرّازي، والجامع لمُفردات الأدوية والأغذية لعبد الله بن أحمد الأندلسي، الغذاء بمكوّناته وأصله ووظائفه وكونه أصلا لكثير من الأدوية سواء بطريق مباشر أو عن طريق تحضيرٍ بخلط أو طهيٍ شكّل فرعًا تابعا للطّب هو ما يمكن أن نسمّيه الصّيدلة، وقد كان متطوّرا بشكل كبير معرفيّا وتنظيميّا في شكل صيدليّات لها قوانينها وضوابطها الصّارمة. 
الأدوية المفردة
ذكر الخوارزمي مصادرها فهي إمّا نباتيّة: ثمرٌ أو بذور، أو زهر أو ورَق قضبان أو أصول أو قشور أو عصارات أو ألبان أو صموغ، وإمّا معدنيّة: وهي حجرية أو ممّا ينبع مثل القار أو الزّفت، وإمّا حيوانيّة كالّذراريح وأعضاء الحيوانات وأحشاءها ومراراتها، وفيه 27مصطلحا. (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، الصفحات 111-113).
وافهم أنّ الأدوية المفردة هي التّي تتكوّن من مادة واحدة في تحضيرها، وهنا يبرزُ السّبب الحقيقي الذّي دعا علماء المسلمين المهتمّين بالطّبّ إلى إقامة علمٍ كامِلٍ خاص بالنّبات، فهو فَرعٌ مُساعدٌ في صناعة الادوية، لابدّ من معرفة النّبات إذن، تفاعلاته بمقادير معيّنة مع أعضاء جسم الإنسان.
أدوية مشتبهة الأسماء 
مثالها: إكليل الملك، رِجل الغراب، شقائق النّعمان، عصى الرّاعي، قاتل ابيه، لسان الجمل، ألسنة العصافير، لسانُ الثّور، لحية التّيس، فيها 36 مصطلحاً (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، الصفحات 113-114).
 وتسمية هذا الحقل بالأدوية مشتَبهة الأسماء يعكسُ حقائق لغوية مهمّة: 
-تَحمِل اللّغة طاقات دلاليّة لامتناهية بسبب طبيعتها التّطوّرية، وخاصيتها الإبداعيّة التّي تسمح بتوليد الدّلالات وتحوّلها، لذلك لابدّ من تحديد الخلفيات العلميّة والمنهجيّة في وَضع المصطلحات. 
-تحديد المجال المصطلحي في تقديم المصطلحات جُزءٌ مهمّ من تعريف تلك المصطلحات، فلولا ذكر المجال المفهومي الفرعي» الأغذية» في المجال الرئيسي «الطّب» لما عَرَف المتلقّي مثلا أنّ مصطلح «قاتل أبيه» مصطلحٌ طبّي وليس تركيبا إضافيّا لغويا يعيّن إنسانا حقيقيّا أو مفترضا يقوم بجريمة قتل أبيه.
-إنّ المشتغِلين في الميادين العلميّة مسؤولون عن ضبط المعجم المصطلحي الخاص بهم ونشره لعموم المستعمِلين. 
الأدوية المركّبة
هي الأدوية المركّبة من عدّة مواد، ذكر الخوارزمي: التّرياق، ترياق الأفاعي، ترياق الأربعة، أطريفل. 
أصناف الأدوية: المعجونة والأرياجات والمطبوخات والحبوب واللّعوقات والأقراض والجوارشنات والأضمدة والأطلية والأدهنة والأشربة والرّبوب والأنبجاتن ذكَر فيها حوالي 40 مصطلحاً. . (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، صفحة 111)
أوزان الأطباء ومكاييلهم
مثالها: القنطار، قيراط، تُرمُسة، درخميّ، الكُفّ، درخميّات اليهودية، الجوزة، الإبريق، النّاطل. فيها 43 مُصطَلحاً.  (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، الصفحات 111-113).
 للأوزان والمكاييل أهمّية عظيمة في الحفاظ على الصّحة أو إعادتها، فهذا القانون لابدّ أن يسري على الغذاء، والمواد الأولية المُستَعمَلة في تحضير الأدوية، و على طريقة خلط تلك المواد مع بعضها بعضا، وجرعات الدّواء ومواقيتها، هذه الأوزان وَضَعها المختصّون بناءً على تجارب علميّة وخبرات متراكمة، انظُر مثلا إلى إشارة ابن رشد إلى كمّيات الغذاء المناسبة للحفاظ على الصّحة عندما قال إنّ العسل غذاءٌ ودواء، لكن إذا أكثر منه الإنسانُ استحالَ سمّا وانعكس مفعوله، وهكذا: نجاعة كلّ شيء يدخُل الجَسد البشريّ تكونُ بمقداره المناسب في حالاته المتعدّدة، فحال المرض غير حال الصّحة، وحاجات جسد المرأة غير حاجات جسد الرّجل والطّفل وهكذا.
تتناسبُ معرفة المكاييل وتطبيقاتها المناسِبة مع ثقافة الاعتدال التّي هي من سمات الفكر الإسلامي العظيم، فالاعتدالُ يَحفَظُ التّوازن، والتّوازُن هو القانون العام الطّبيعي الذّي تسير بفضله كلّ الأنظمة في الكون؛ في الأرض والفضاء، في جَسَد الإنسان يكفي أن نطّلع على عدد يسيرٍ من البحوث العلميّة الحديثة لَنشهد عظَمة التّوازن في خَلق الله تعالى الذّي أثبته الإعجاز العلمي، وإذا نَظَرت في تكاليف الله تعالى عباده رأيتَ حقيقة التّوازن حاضرة من حيثُ إنّه تعالى لم يكلّفهم مالا يُجاوزُ طاقتهم ويُفسِدُ توازنهم، فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما ذكَرَ البيهقي إلى التّفكّر في نِعَم الله وليس الله تعالى لأنّ ذلك أمرٌ فوق الطّاقة وغيرُ مأمون العواقب، وقال تعالى في غير موضعٍ من القرآن الكريم إنّه لا يُكلّف كلّ نَفسٍ إلاّ وُسعَها، قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: «ما أمرَ الله تعالى بأمرٍ إلاّ وللشّيطانِ فيه نزعتان؛ إمّا تَفريطٌ وإضاعةٌ، وإمّا إلى إفراطٍ وغلوٍّ، ودينُ الله وَسطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بينَ جبَلَين، والهُدى بينَ ضلالتين، والوَسط بين طَرفينِ ذَميمَين، فكما أنّ الجافي عن الأمر مُضيعٌ له، فالغالي فيه مُضيعٌ له، هذا بتقصيره عن الحدّ، وهذا بتجاوزه الحد». (ابن القيّم، 2003، صفحة 2/492).
نوادر: الأمزجة تسعة 
المعتدل، الحار، البارد، الرّطب، اليابس، الحار الرّطب، الحار اليابس، البارد الرّطب، البارد اليابس. 
الأخلاط. والأعضاء الرّئيسة
الدّماغ والقلب والكبد والأنثيان، الكَيموس، الكَيلوس، البراز، التّفسرة، الطّبيعة، العلاج، السِّحنة، النّاقه، الاستِفراغ، النّفض بالفَصد أو الإسهال أو القَيئ ... (الخوارزمي م.، 2020، الصفحات 116-117)
تبني المجال المعرفيّ الطّبّي مجالاتٌ مفهوميّة فرعيّة تترابطُ جينيّا مع بعضها البعض لا ينفصل أحدها عن الآخر، فالوضع المعتدل في جسد الإنسان هو حال الصّحّة، وبغيابها يتقدّم إلى الواجهةِ مجالُ معرفة الأسباب والتّشخيص الذّي يتأسّس علميّا على خطوات من بينها التّشريح، ومعرفة أسباب الأمراض يوضّح ماهيتها، ويَهدي إلى سبل علاجها بالغذاء، والدّواء وغيرهما، فمصطلحات المجالات الفرعيّة تأخذ قيمتها نَظرا وإجراءً من علاقاتها المتشعّبة مع بعضها البعض، وهي بتكاملها تبني المعرفة الطّبّية وتحدّد قضاياها، وتزيدها تخصيصا ودقّة.
آليات توليد المصطلح الطبّي في المفاتيح: 
لم نعلم عن الخوارزمي أنّه كان طبيبًا أو صيدليّا، ولم نعلم عنه أنّه كان من المشتغلين في التّنظير المصطلحي، ولكنّنا علمنا أنّه كان عالما مبرّزا، وأنّه إلى ذلك مقرّب من الوزراء والطّبقة الحاكمة الأمر الذّي مكّنه من الاطّلاع على خزائن المكتبات النّفيسة ليجمعَ من مصادرها المتعدّدة أهمّ مصطلحات علوم عصره، ويُقدّر الأهمّ منها، فهو لم يجمع كلّ مصطلحات العلوم بل الأمر معقودٌ عنده على اختيار ما يَعتَقِد أنّه أنجع للمتلقّي، يقول: 
«جَمعتُ في هذا الكتابِ أكثرَ ما يُحتاجُ إليه من هذا النّوع، متحرّيا الإيجاز والاختصَار...وألغيتُ ذكرَ المشهور المتعارَف عليه بين الجُمهور، وما هو غامِضٌ غريبٌ لا يكادُ يخلو إذا ذُكِرَ في الكُتُبِ من شرحٍ طويل، وعُنيتُ بتحصيلِ الواسطة بين هذين الطّرفين، إذ كانَ هو الذّي يُحتاجُ إليه دون غيره». (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، صفحة 9)، يصحّ هذا التّقرير ليكون منطلقا تداوليا عاما في أيّ مشروعِ وضعٍ مصطلحيّ عربي نريدُ به تمكين البحث المصطلحيّ العربي من التّميّز نظريّا، أو إجرائيا بإثراء خطابنا العربي بالزّاد المصطلحي المواكب لتطوّر الحياة. 
فيما يلي أهم آليات توليد المصطلحات الطّبّية في المفاتيح:
الاشتقاق
هو عملية توليد تمسّ جانب المبنى وما ينتج عنها من معانٍ جديدة. جاء في تعريفه أنّه: ‹›الطريقة التي تتكوّن بها الكلمات، وذلك عن طريق إضافة السّوابق واللّواحق والدّواخل إلى جذر ثابتٍ، ويأتي في كلا التّعريفين الكلمة المتولّدة - والمتحصّل عليها - بعد إضافة سوابق ولواحق لجذر ثابت» (خليل، 1998، صفحة 72)، فالاشتقاق إذن عمليةُ توليد كلمات جديدة من جذر عربي هو الحروف الأصلية تُفرَغ في قالبِ صرفيّ هو البنية سواء أَتبَع ذلك زيادة أم بقيت على حالها من التّجريد، فتكون لدينا: جذر + صيغة صرفية + عناصر لسانيّة هي السّوابق واللّواحق. 
أمثلة: العَضَل، الصّرع، الخَدَر، الخَشَم، البَهَق، الحَصَف(فَعَل). 
الدِّق، الوِردُ، الغِبُّ، الرّبْعُ، الخِمْس، السِّدْس (فِعْل). 
لُقوَة، تُخمة، ظُفرة، طُرفة (فُعلة). 
دُوار، قُلاع، جُذام، صُنان، سُبات، نُخاع(فُعال). 
كَلْب وكَلِب، سَحْج، سَلْعة، نملة، سَكْتة، هَيْض، فَتْق(فَعْل) و(فَعلة).
داحِس، فالج(فاعِل). 
تشنّج (تَفعّل)، كابوس (فاعول)، انتشار (افتِعال)، خُنّاق (فُعّال)، سُلٌّ (فُعْل)، يَرَقان (فَعَلان)، استسقاء (استفعال)، مشيمة (فَعيلة)، ملتحِم (مفتَعِل)، معدة (فَعِلة من المعد الذّي هو الضّخم)، بوّاب (فعّال)، مُرابض (مفاعِل)، حِجاب(الفِعال) وغيرها. 
أغلب المُشتقّات كانت على أوزان المصادر وخصوصا في فَصلي التّشريح والأمراض، حيث كانت المصطلحات مشتقّات من جذورٍ عربيّة مبنيات على صيغ المصادر التّي بسبب دلالتها على أحداثٍ مع خلوّها من الزّمن تأخذُ طابع التّجريد والشّموليّة، وهما مناسِبَان للاصطلاح على الخصائص العامّة في المصطلحات. 
ظَهرت بنية المصطلحات الطّبّية في المفاتيح مُوزّعة بين كونها بسيطة، أي متكوّنة من كلمة مفردة، وبين كونها مركّبا، فمصطلحات الأمراض بالخصوص كانت بسيطة: «في المصطلحات البسيطة الصّغيرة تسكُنُ صغار العلم وجزئياته». (خيّاط وآخرون م.، د ت، صفحة 199)، أمّا في الأغذية والأدوية فغالبية مصطلحاتها كانت مركّبة تركيبا إضافيا أو وصفيّا بالأساس. 
المجاز
المجازُ نقلُ لفظٍ من معنى إلى معنى آخر يلتقي معه في جانبٍ دلاليّ مُعيّن. (وغليسي، 2008، صفحة 84) فالأصل في المجاز نقلُ اللّفظ من معناه الأصلي إلى معنى لعلاقة بينهما معقولة مبرّرة، ومع أنّ العلوم المعرفيّة الحديثة تنفي النّظرة الثّنائية للمعاني حقيقيّةً ومجازيةً وتعدّ المجاز ضرباً رئيسيا من ضروب اشتغال الذّهن البشري إلاّ أنّ توفّر القصد في الوضع الأوّل، والوعي بمتطلّبات القول بالمعاني الأولى والثّانية يجعلنا نعتَرف بانتقال معانٍ انتقالا معروفا تتوفّر فيه شروط الرؤية القديمة، لعلّ فصل أدوية مشتبهة الأسماء كلّه مُنبَنٍ على المجاز، حيثُ كانت المصطلحات مركّبة كلّها تركيبا إضافيا أو وصفيّا، المصطلح في الوضع الأوّل يقوم بوظيفة التّعيين، أو الوصف والتّعريف لأشياء في الواقع؛ رجل غراب أو آذانُ فأر أو غير ذلك لها مرجعها الحقيقي الأوّل الذّي اتّفق عليه متكلّمو اللّغة، وهو هنا مركّب لغوي غير مصطلحي، ثمّ حدث التّواضع الثّاني داخل مجال معرفي فكري خاص هو الطّب في حقل مفهومي فرعي هو الدّواء لعلاقة مشابهة موضوعيّة شكليّة كما في حالة رِجل الغراب، وقد تكون المُشابهة رمزية أسطورية ثقافيّة اجتماعيّة عقليّة وهذا هو الأغلب والأكثر إبداعاً في أمثلة أخرى، مثال ذلك:
قال ابنُ منظور في مصطلح الشّريان:» الشّريانُ بفَتح السّين وكسرها: شجَرٌ من عضاه الجبال يُعملُ منه القِسِيّ، واحِدَتُه شريانة، وقال أبو حنيفة: نباتُ الشّريان نَباتُ السّدر يسنو كما تسنو السّدر...وشريانُ: وادٍ...: (أبو الفضل، 1990)ابن منظور، لسان العرب، مادة (ش ر ي). المعاني اللّغوية المعجميّة تُعطينا: شجر، سدر، التّفرّع، طريق، الشّق...إنّ هذه المعاني العامة موجودة في المصطلح الطّبّي شريان من حيثُ إنّه طريقٌ للدّم، ومن حيثُ تشعّب الشّرايين إلى فروع تشبِه تَشعّبات نباتِ السّدر، فالمُشابهة بين المَعنيين الوضعي والطّبّي عقليّة.
 جزءٌ كبيرٌ من مصطلحات الفصل الثّامن مُنبَنٍ بالكناية والاستعارة، فمصطلحات الطّبيعة التّي يُكنّى بها عن حال البطن في اللّين واليُبس، أو التّفسِرة التّي هي كناية عن البول انتقل معناها من عامٍ إلى خاصّ بعلاقة تخصيص كنائية تأدّبا في التّواصل، وترفّعا عن ذكرِ ما تعافُه النّفس بشكلٍ صريح. 
 حضَر المجاز بشكلٍ طاغٍ آليةً في وضع مصطلحات الطّب في هذا المعجم، فاللّغة العربية كما قال ابن جنّي أكثرها مجاز، والمجاز يتناسب وطريقة اشتغال الذّهن البشري في فهمِ أشياء جديدة بأشياء قديمة نعرف عنها الكثير فنوظّف ما نعرفه لندركَ مالا نعرفه ونُحسِنَ التّعامل معه. 
 الاقتراض
ظاهرة لا تخلو منها لغة من اللّغات، ويعرّف الاقتراض على أنّه أخذُ مفردةٍ أو أسلوب من لغة واستعماله في لغة أخرى، ويَشتهِر له في العربية نوعان: 
التّعريب
نقل المفردة الأعجمية من لغتها الأصلية إلى العربية مع إخضاعها لطرائق العربية في تعاملها مع مفرداتها، وكلّ مفردة مقتَرضَة مُعَرّبة ستدخل النّظام الصّرفي العربي وتصبح تُعامَل معاملة زميلاتها العربيّات يجري عليها ما يجري عليهنّ، وردت في المعجم بكثرة في فصل الأوزان والمكاييل والأدوية المفردة مثل النّارجيل أصلها فارسية ناركيل، البهطة، الرواصير، سنجسبويه مخفّفة من سك بستان...التّدخّل العربي كان غالبا صوتيا وبدرجة أقل صرفيّا مراعاة للذّوق العربي ومواضعات العربية في اجتماع حروف مفرداتها بالأساس. 
الدّخيل
إدراج المفردة الأجنبيّة بصيغتها الأعجمية، قليلة الورود جدّا، مثالها البيض نيمرَشت (فارسية). 
التّرجمة
الحُزاء ترجمة ل دينارويه، البسباسة ترجمة لقشور جوزبوّا، أي جوزة الطّيب، الكاكنج هو عنب الثّعلب الأحمر. 
قلّ ورود المصطلحات المُترجمة، ومن البديهي أن تكون بسبب اختلاف الجماعات اللّغوية في تسميّة المراجِع نفسها، لم يجد علماؤنا نقصا في أن يستخدموا المصطلح الأجنبي بحاله الأصلي أو بإدخال بعض التّغييرات عليه، فمن الطّبيعي أن يستفيدوا من خبرات الأمم الأخرى التّي سبقتهم في مجالات غالبا ما كانت مادية طبيعيّة لا روحية ثقافيّة دينيّة، في هذا الأمر نركّز على أنّ هناك اكتفاء ذاتي عربي من النّاحية الدّينية الرّوحية. 
التّعريفُ المصطلحيّ للمصطلح الطّبّي في المفاتيح
إذا كان دي سوسير قد جعَل المفردة ثنائية الحقيقة تتكوّن من دال ومدلول تربطهما العلاقة الاعتباطيّة، فإنّ الفلاسفة واللّسانيين بعده اشتغلوا على المكوّن الثّالث الذّي هو المرجع لتكون المفردة ثلاثية الأبعاد الأمر الذّي يوسّع حدود تعريفها بالنّظر إلى البعد الذّي تعرّفه: هل هو الدّال(التّعريف اللّغوي)، أو المرجع(التّعريف الحقيقي)، أو المدلول(تعريف التّصوّر والخصائص)، لا يختلف المصطلح عن المفردة إلاّ في التّواضع المخصوص به في مجالٍ معيّن، لكنّه يحتَفظ ببنية ثلاثيّة الأبعاد؛ المصطلح (التّسمية)، والمفهوم، والمرجع أو الشّيئ في الواقع، بالنّسبة للباحثين: «لا يُعَرّف اللّفظ ولا يُعرّف الشّيء الذّي يدلّ عليه، وإنّما يُعرّف المفهوم أو التّصوّر الحاصل في الذّهن عن الشّيء». (القاسمي، 1998، صفحة 114)
للتّعريف المصطلحي أنواع كثيرة وتصنيفات متعدّدة حسب المدارس المصطلحيّة أهمّها: التّعريف القصدي والوظيفي، التّعريف بالخصائص والمكوّنات، التّعريف بالقسمة او التّقسيم والتّفريع وذكر الأجزاء (خيّاط وآخرون م.، صفحة 231)، لكنّ التّعريف المصطلحي النّاجع هو الذّي يعرّف التّسمية أو المصطلح ويعرّف المفهوم بكلّ الطّرق الممكنة، وهذه بعض الأمثلة من المعجم: 
الشّرايين
تعريفها يعطي الخصائص التّالية: 
 العروق+ نوابض +منبتُها من القلب + تنتشر فيها الحرارة الغريزيّة. (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 104)
هذه الخصائص الجوهرية في المعرّف توجّهت إلى المفهوم المأخوذ من الشّيء في الواقع بعد أن جرّبها المعجميّ بنفسه أو ثقافيا بما انتقل إليه من معارف المتخصّصين من الأطباء والمترجمين والجرّاحين، وهي على وضوحها ودقّتها وبساطتها تحقّق غاية معرفيّة تداوليّة، فالشّريان هو سبيل نقل الدّم النّقي القوي من القلب إلى سائر أعضاء الجسم، غناه بالأوكسجين يجعل مستوى الدّم مرتفعا، وقوّة الشّرايين وصلابتها المناسِبة لوظيفتها القوية تجعل بنيتها العضلية أقوى وضغط الدّم فيها أعلى من الأوردة، ولذلك هي «نوابض». 
 أضاف الخوارزمي تعريفاً بالقسمة لأقسام الشّرايين: الأبهران+ الباسيليق والقيفال+ الأكحل + الودجان الظّاهر والغائر + حبلُ الذّراع+ الأشيلم + الصّافن. (الخوارزمي م.، مفاتيح العلوم، 2020، صفحة 104).
قصبة الرّئة: التّسمية الشّائعة
عند متكلّمي العربية هي الحلقوم، في تعريف ماهيتها ذَكَر: مجرى النّفس المتّصل بالرّئة، وفي موقعها: أمام المريء الذّي هو مجرى الطّعام والشّراب إلى المعدة، وهو إلى القفا الحنجرة وهي العظم النّاتئ في العنق تحت اللّحى، وهي آلة الصّوت. (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 106)، وكما ترى فالتّعريف هنا امتداديٌّ ينقُلك من عضوٍ إلى عضوٍ مرتبطٍ به منتمٍ معه إلى المجموعة الكبرى ذاتها لكنّه يستقلّ بنفسه بوظيفة وهوية تُفرّقه عن شركائه. 
المسامّ 
المنافذ التّي يخرُجُ منها العرق: تعريفٌ بالماهية والوظيفة معا. 
السُّعفة 
في الرّأس والوجه، قروح فيه، يابسة أو رطبة يسيلُ منها الصّديد (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 106) تعريف بالخصائص الجوهرية. 
الحقل المفهومي لأمراض الجلد: البَهَق
: بياضٌ على الجلد دون البَرَص، وربّما أسود. 
الشّرى: داءٌ يأخذُ في الجلد أحمر كهيئة الدّراهم. 
الحَصَف: بثورٌ تهيجُ من كثرة العَرَق، القوباء: معروفة، خلطُ غليظٌ يظهَر إلى ظاهر الجلد ويأخذ فيه. النّملة: بثورٌ صغارٌ مع ورم مع حكّة وحرقة وحرارة في اللّمس تسرع إلى التّقرّح (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 107)،المشترك في هذه الأمراض أنّها أمراض جلدية سطحيّة ظاهرة، وتتمايز في نوع تجَلّيها ما بين تغيّرٍ في لون الجلد وتهيّجه. 
*-الحقل المفهومي لأمراض المعدة: الهَيضة: مَغسٌ وكربٌ يحدث بعدهما قيئٌ واختلاف، الشّهوة الكلبيّة: أن يدومَ جوعُ الإنسان ثمّ يأكلُ الكثير ويثقل عليه ذلك فيقيئه أو يغيثه، الاستسقاء: أن ينتفخ البطن وغيره من الأعضاء، الزّحير: معروف. القولنج: اعتقال الطّبيعة لانسدادِ المعي المسمّى قولون، الخِلفَة: ألاّ يلبثَ الطّعام في البطن، يخرج سريعاً وهو بحاله لم يتغيّر من لذعٍ ووجع. (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 108). الخصائص المشترَكة بين مصطلحات هذا الحقل هي خروج وظيفة المعدة عن حال الاعتدال، أمّا تمايزها ففي مظاهر ذاك الخروج وتوزّعه ما بين ألم، وانتفاخ، ودوام عطش المريض، أو دوام جوعه مع ما ينتج عن ذاك من ضعف أو سوء استهلاك للماء والطّعام فينتج أثرٌ آخر سلبيّ. 
أدّى المجال الطّبي دوراً حاسما في تخصيص المصطلحات الطّبية خصوصا تلك المشتقّات وزيادة تدقيق تعريفها، إنّه من غير الممكن مثلا أن يعرف العربيّ أنّ «الانتشار» هو مصطلح يدلّ على مرضٍ يصيبُ العين إلاّ إذا سبقت معرفته بانتمائه إلى هذا المجال؛ فهو اتّساعُ ثَقبِ النّاظر حتّى يلحقَ البياضُ من كلّ جانبٍ، مِن ضَربةٍ أو عقِبَ صُداعٍ شديدٍ. (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 108) 
 نالت الأمراض الجَسديّة الدّاخلية حظّها من تعريف الخوارزمي، لعلّ سبب اهتمامه بها هو شيوعها بشكلٍ واضح؛ فالنّقرس: وَرَمٌ في المفاصل لموادّ تنصبّ إليها (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 109): الخصائص الحقيقيّة التّي تبني هويّة/ طبيعة هذا المرض: ورم+ مكانه هو المفاصل+ سببه: مواد تترسّب فيها. وعِرق النّسا: مفتوح مقصور (إشارة لغويّة صرفيّة) + وجعٌ يمتدّ من لدن الورك إلى الفخذ كلّه في مكانٍ منه في الطّول+ وربّما بلغ السّاق والقَدَم مُمتدّا. والدّوالي: عُروقٌ تَظهَر في السّاق غِلاظٌ ملتويةٌ شديدة الغِلظ والخُضرة: وصفَ آثار المرض لا أسبابه (الخوارزمي م.، 2020، صفحة 109). وكذلك الحال مع الحمّى وأنواعها وما يصاحبها من أعراض أخرى ومقدار مكثها بالأيّام، أو زوالها وعودتها. 
أكثر المصطلحات كانت للحقل المفهومي للأمراض والأدواء باعتباره بؤرة الميدان الطّبّي، فهو العارض الّذي يزيل الحال المعتدلة أي الصّحة، لتبدأ سيرورة متجدّدة على الدّوام من البحث عن الصّحة ومحاربة الأمراض بما تيسّر من سبل وأدوات. 
حضر التّعريف بالمقابل من اللّغات الأخرى اليونانية والفارسية والسّندية والهندية، والحال أنّ العرب أمّة كانت متأخّرة عن الأمم الأخرى في الجانب الطّبي لكنّها تداركت التّأخّر ذاك بالنّقل والإضافة المبدعة. 
أوفى الخوارزمي بوعوده التّي وَضَعها في مقدّمة معجمه الموسوعي: لقد عرّف مَداخِلَه المصطلحيّة بِلُغة دقيقة، مختصرة، بعيدا عن الحشو، فكانت بحقّ تعريفات علميّة تداوليّة للمتخصّص تَدفعُه لمزيد من البحث، وللعربي المتلقّي العام تُدخِل إلى لغته وفكره رصيدا مصطلحيّا ومفاهيميّا مفيدا. 
دلّ ما سَبق بشكلٍ لا يقبلُ الجدال على قدرة اللّغة العربية على تقديم المعرفة الطّبية بهيئة عربية: فقد كان الأطبّاء المسلمون يقرأون الطّبّ بالعربيّة، ويفهمونه بالعربيّة، ويُسجّلون ما يَكتشفونه من جزئيات جديدة تمسُّ كلّ فروعه باللّغة العربيّة، وكانت المعرفة الطّبّيّةُ عربية والمصطلحاتُ عربيّة، وكانت كتبُ كثيرٍ من الأطبّاء المسلمين العربيّة أساس نهضة أوروبا في العصر الحديث، لكنّ النّاظر إلى واقع الطّب في البلاد العربيّة في العصر الحديث يلمحُ شيئا يدعو إلى الأسى، فمعظم الدّول العربية أصبح الطّب فيها يُدَرّس بلغات غير العربيّة تأكيدا لدراسة نَشَرَتها مُنظّمة الصّحة العالميّة عام 1988 عن أكثر من ألف كلّية طب في أكثر من 120 دولة اتّضحَ فيها أنّ الدّول القوية والمُستقلّة سياسيا تُدرّس الطّب بلغاتها الأم، بينما الدّول التّي تَعَرّضت للاستعمار يُقَدَّم الطّبّ فيها بلغة المُستَعمِر وهذا أخطر مظاهر الاستعمار اللّغوي الثّقافي، إنّه دليلٌ على هزيمة نفسيّة وانبطاح للعدوّ لا يجابهه إلاّ صاحب المناعة الشّخصيّة القوية المتحصّن بهويته الذّاتية الخاصّة.
 تُقدّم التّجربة العربيّة السّورية شعاع فَخرٍ وأملٍ بأن تحذو البلدان العربية حذوها ليس في تعريب الطّب فيها ولكن في إعادة الطّب إلى حضن العربية.
لا يعني تَعريب الطّب في عالمنا العَربي أن نُديرَ ظهرنا لما تُسجّله الإنسانيّة من ثورات معرفيّة طبّيّة هائلة، فالتّجربة السّورية الرّائدة في التّعريب سجّلت صعوبات كبيرة كادت تَعصفُ بجدواها خصوصا في صعوبة اطّلاع الأطبّاء السّوريين على المستجدّات الطّبّية المنشورة بلغات أجنبيّة، أو في عدم مواكبة المعاجم العلميّة المتخصّصة العربيّة لتلك المستجدّات، وهذا الأمر يدلّ دلالة قاطعة على أنّ تعريب الطّب فقط بمَعزل عن إستراتيجيّة سياسية شاملة للتّعريب هو أمرٌ عَبثيٌّ، فكلّ مؤسّسات الدّول العربيّة وهيآتها السّياسيّة والعلميّة مدعوّة إلى تحمّل مسؤوليّات جسيمة في التّعاون والتّكاتف لتجسيد مهماتها الخاصّة. لعلّه من المفيد أن نُذكّر بالواجبات التّالية:
-إعطاء الأهميّة القصوى للتّرجمة سياسيا وعلميّا تخطيطاً وتنفيذا.
-إعطاء صلاحيّات رسميّة للمراكز العلميّة العربيّة المسؤولة عن وضع المصطلحات لتكونَ توصياتها مُلزمة للباحثين والدّارسين.
-توفّر الإرادة السّياسيّة الصّادقة لتحقيق التّعريب، والاستعانة بخبراء متخصّصين لوضع إستراتيجيّات دقيقة تُخطّط لتطبيق التّعريب وتنفيذه وفق برامج واضحة.
-تشجيع دور النّشر على نشر الأعمال التّرجميّة الطّبّية ودعمها رسميّا بشكلٍ متزامنٍ مع ما يُنتجه العقل الإنساني من جديد.
انتقال المصطلحات الطّبّيّة إلى الميادين غير الطّبّية وقدرَتها على بناء معارف جديدة فيها 
ارتبط تاريخ الطّب بتاريخ الفِكر البشري في نموّه وتطوّره وثرائه وتخصّصه، يدلّنا على ذلك حضور هذا المجال بمصطلحاته ومفاهيمه في الفلسفة وعلم الأخلاق والسّياسة والاجتماع والتّشريع وغيرها، لقد كانَ –ولازال- معينًا لا ينضب من الإمكانيات التّي وفّرها للفلاسفة وغيرهم ليستثمروا المعارف الطبّية في تقديم تصوّراتهم ورُؤاهم المتنوّعة، يجد هذا الكلامُ تبريره فيما تؤكّده العلوم المعرفيّة التّي تشتغل على معرفة كيفيّة عمل الذّهن البشري بالإفادة مِنَ العلوم الحديثة مِنْ أنّ الدّلالةَ لا تنفصل عن التّداول، فالدّلالةُ بنيةُ معلوماتٍ مركوزةٍ في الذّهن البشري تشكّل مُستوى التّمثيل الذّهني الذّي هو البنية التّصوّرية بفضله تكون المعلومات التّي تقدّمها اللّغة منسجمةً مع تلك المعلومات الآتية من أنساقٍ أخرى غير لغويّة، بحيثُ تَنسحب مبادئ البنية التّصوّرية تلك على كلّ تجاربنا الفيزيائيّة والمجرّدة الأمر الذّي يُثبت أنّ دراسة اللّغة هي دراسةٌ للفِكر والتّصوّرات . (جاكندوف، 2010، صفحة 191 و ما بعدها ).
 من النّتائج الخطيرة لعدم فصل البنية الدّلالية عن البنية التّصوّرية:
- التّأكيد على أنّ مصدر إحالة التّعابير اللّغويّة ليس ما هو موجود في العالم الخارجي بل ما يوجَد في ذهن المتكلّم، وما يوجد في ذهن المتكلّم هو نتاجُ تأويله لتجاربه مع العالم الواقعي. (راغين، 2011، صفحة 74)فإذن ليس العالم الخارجي هو مصدر المعطيات الدّلاليّة بل ما يُسمّى بالعالم المُسقَط- هو ناتجٌ عن التّفاعل مع العالم الواقعي- وهذا الذّي رأينا المصطلحيّين يقولون به من حيثُ إنّ التّعريف المصطلحيّ هو تعريفٌ للمفاهيم وليس للعالم الخارجي.
- التّأكيد على أنّ الذّهن البشري في جزءٍ كبيرٍ منه استِعاريّ مجازيّ، يتّخذ من المجاز أداة معرفةٍ وفهمٍ بفضل جملة الإسقاطات المعرفيّة التّي يقيمها بين المجالات التّي يعرف عنها كثيرا وتلك التّي لا يعرف، مُستثمرا المعارف المسبقة في انتقاء ما يناسب عمليّات الإسقاط. 
 ترتبط الصّحةُ بالجسد حالَ الاعتدال، ويُشكّل غيابها خللا في التّوازن يَستدعي في العادة تدخّل الطّبيب القادر على تشخيص المَرَض ومن ثمّة علاجه إمّا بتحفيز الجسد داخليــا بإمكاناته المناعيّة الخاصة، وإمّا خارجيا باقتراح غذاءٍ أو دواء مُناسبَين، وإذا كان هذا البناء المفهومي المادي الخاص بمَرَض الجَسد سَهل الاستحضار فإنّه قابلٌ للنّقل إلى مواضيع أخرى في حياة الإنسان، لأنّه مرتبطٌ بحصيلة تفاعُلنا مع واقعنا ومحيطنا، وهذه الحصيلة تُشكّل بنيتنا التّصوّرية الحركية التّي تسمحُ بفهم مجالات بمجالات بجملةٍ من الإسقاطات الانتقائيّة المناسبة بينها، وهكذا تظلّ البِنية العامة لمفهوم المـــــرض في المجالات كلّها هي نفسها؛ حدوثُ خللٍ في حالة التّوازن لأسباب مُعيّنة داخليّة أو خارجيّة تبـــدو أعراضــها مؤثّرة على الوضع العام للمجال سلبا الأمر الذّي يتطلّب تدخّلا عاجلا لإصلاحه قبل فوات الأوان في السّياسة وفي الفلسفة وفي النّفس والأخلاق:
*- جاءَ في معاجِمنا العربية إمكانية توظيف المصطلح الطّبي في مجالات غير الطّب عندما يتواتَرُ بالاستعمال اللّغوي الطّبيعي جزءٌ جوهريّ من مفهوم «مرض»في مجالات عديدة أثبَتتها الاستعمالات العربيّة الثّقافية: فالمرض في الأبدان فُتورُ الأعضاء. وإذا كان في العين: فهو فتور النّظر، وفي الرّيح: سكونها، وشدّة حرّها، وفي الأرض: كثرة الهرج بها والفِتَن والقتل، وفي الرّأي: انحرافٌ عن الصّواب، وفي اللّيلة: إظلامُها ونقص نورها لا تُرَى كواكبها، وفي الطّبيعة: إظلامُها واضطرابها بعد صفائها واعتدالها، وفي القلب: فتورٌ عن الحق. (أبو الفضل، 1990)، لقد تمّ نَقل المعرفة الطّبّية الجَسدية عن المرض إلى مجالات غير مجال الجسد البشري بحيثُ احتَفظ النّقل بالخصائص الرّئيسة للمرض وبالمقابل تخلّى عمّا يربط تلك الخصائص بالجَسد ورَبطها بالمجال المُنتَقَل إليه.
 *- كان المجال النّفسي الأخلاقي من أكثر المجالات انبناءً بالمعارف الطّبّيّة، حيثُ يتمّ تصوّر النّفس جَسدا يَعرِضُ لها ما يَعرِض للجسد من صحّة ومرض، قال الفارابي: «إنّ للنّفسِ صحّةً ومرضا...كما للبدن صحة ومرض». (نجّار، 1993، الصفحات 24-25)، وقال مسكويه: «في مقالةٍ عن شفاء الأمراض التّي تلحق بنفس الإنسان وعلاجها وبذكر أسبابها والعلل التّي تولّدُها وتحدّث منها فإنّ حذّاقَ الأطبّاء لا يُقْدِمون على علاج مرضٍ جسماني إلاّ بعد أن يعرفوه ويعرفوا السّبب والعلّة فيه، ثمّ يرموا مقابلَته بأضداده من العلاجات، ويبتدؤون من الحمية والأدوية اللّطيفة التّي إن انتهوا في بعضها إلى استعمال الأغذية الكريهة والأدوية البشعة، وفي بعضها إلى القطع بالحديد والكيّ بالنّار(...)، وأيضا لمّا كان طبّ الأبدان ينقسمُ بالقسمةِ الأولى إلى قسمين أحدهما حفظُ صحّتها إذا كانت حاضرةً، والآخر ردّها إليها إذا كانت غائبة وجبَ أن تُقسّم طبّ النّفوس هذه القسمة بعينها فنردّها إذا كانت غائبة، ونتقدّم في حفظ صحّتها إذا كانت حاضرة». (مسكويه، 1985، الصفحات 145-146)، وقال ابن رشد: «الفضيلةُ ضربٌ من الصّحة والجمال، والرّذيلة ضربٌ من المرض». (ابن رشد، 1998، الصفحات 122-123).
 وفّر المجال الطّبي العضوي بعناصره المادية فرصةً عظيمة للفلاسفة لإدراك جوانب خفيّة من مجال النّفس شديد التّجريد، حيثُ انتقلت المصطلحات الرّئيسة: المرض والصّحّة العلاج من مجالها الاصلي إلى مجالٍ أخر بحيث تحلّلت من علاقاتها المعقّدة بمصطلحات الطّب لتقيمَ علاقاتٍ لها أخرى أساسية مع المجال المُنتَقّل إليه، ووفّرت معرفة جديدة سواء في فهمِ جوانب مظلمة من هذا المجال، أو في إمكانية توفير حلولٍ ناجعة لمشاكله التّي تقوم مقام امراضٍ فيه. لابدّ من تشخيصها ووضع الأدوية النّاجعة لها.
 عمليّة النّقل من المجال الطّبي لا تكونُ بشكلٍ آليّ كامل، فالفيلسوف يقومُ بانتقاء ما يناسب المقام الخطابي له ليبني جزءًا من المعرفة الفلسفيّة النّفسيّة، ولا يمتنع الإفادة من مجالاتٍ غير الطّب في إضاءة جوانب جديدة من المجال المدروس، كتابُ ابن سينا الشّفاء يبدو من عنوانه أنّه كتابٌ في الطّب ولكنّه ليس كذلك، هو كتابٌ في الفلسفة والمنطق والإلهيات ، وكتاب القانون كتابٌ في الطّب مع أنّ تسميته قضائيّة قانونيّة، ومنه نلمَس النّظرة الكُلّية التّي كان ينظُر بها إلى المعارف وأنّها في الأصل تمتدّ إلى مَنبعٍ واحدٍ، سواء كانت في الإنسان أو في الكون أو في علاقة الإنسان بربّ الكونٍ، يبدو أنّ هناك قانون واحدٌ تسير حسبَه أنظِمة الكون، وجميع المعارف تكون صحيحة سليمة عندما تضمَنُ صحّة وخيرا وقدرة على الإنتاج المفيد مهما كان نوع العائد.
 انتَقلت المصطلحات الطّبّيّة إلى المجال الدّيني، وأسهمت في شرح جوانب معيّنة منه ومكّنت العلماء من إفهام المتلقّين قضايا مجرّدة معرفةُ الإنسان فيها فقيرةٌ، لننظُر إلى قول البيهَقي( 384ه-458ه): «أمّا الطّبيب فهو العالم بحقيقة الدّاء والدّواء، والقادر على الصّحة والشّفاء، وليس بهذه الصّفة إلاّ الخالق البارئ المصوّر، فلا ينبغي أن يُسمّى بهذا الاسم أحدٌ سواه، فأمّا صفةُ تسمية الله جلّ ثناؤه فهي أن يُذكَر ذلكَ في حال الاستشفاء مثل أن يُقَال: اللّهم إنّك المُصحّ والمُمرِض، والمداوي والطّبيب ونحو ذلك... (البهيقي، د ت، صفحة 25)، يبني تصوّر «الطّبيب» مجموع الخصائص الدّلاليّة المُتّفق عليها بين جماعة المتخصّصين في المجال الطّبّي من مثل: هو الذّي يمتلك معرفةً دقيقةً بالجسد البشري+ شروط الحفاظ على الصّحّة+ معرفة أحوال المَرض وأسبابه...+ الأدوية وعلاقتها بكلّ جزءٍ من الجسد، فليست الأدوية دائما جالبة للبُرء لأنّها لا تتفاعل بالشّكل ذاته مع الأغذية ومع أعضاء الجسد، يتفاوت الأطبّاء البَشر في هــذه المعرفة ويظلُّ عِلمُ أمهَرِهِم قليلا، لذلك فَهِم البيهقي أنّ الطّبيب في الحقيقة هو الله تعالى، وفَهِمَ ابنُ رشد(520ه-595ه) الشّارعَ (أي المشرّع: ولا مشرّع إلاّ الله تعالى) بخصائص الطّبيب في الوظيفة: «إنّ الطّبيب هو الذّي يطلُب أن يحفَظ صحّة الأبدان إذا وُجدت، ويستردّها إذا ذهبـت، والشّارع هو الذّي يبتغي هذا في صحّة الأنفُس، وهذه الصّحة هي المسمّاة بالتّقوى». (العسري، 1997، صفحة 121) ، لا تتأتّى هذه الصّحة الشّرعية بالغذاء والدّواء الطّبيعيين، فهُما في المجال الجديد من طبيعة أخلاقية معنويّة تمكّن الإنسان من كبحِ جماح رغباته الفاسدة وشهواته المُهلكة اتّقاء غضب الله تعالى، فالتّقوى هي الدّرع الذّي يحمي الإنسان من عقاب الله تعالى يُنشِؤه بفضل الطّاعات الكثيرة والدّائمة، تماما مثلما يواظب الإنسان على احترام نظام حياةٍ سليم من نومٍ وغذاء ورياضة خوفا على صحّة جسده من الاختلال، وليعيدها إن غابت، عندما يدخل المصطلح الطّبّي مجالاً ما يحتفظ بخصائصه العامّة المجرّدة وتنضاف له خصائص تحدّدُه ضمنَ ذاك المجال، وتُشكّل علاقاته الجديدة مع المصطلحات الاصليّة . 
 من أجل كلّ ما سبق وغيره، لم يجد الفلاسفة حرَجاً في تبيانِ جدوى الفلسفة، نذكُرُ مثلا كيف يُشبّه ابن رشد الفلسفة بالعَسَل في سياق توضيحه المنافع الفلسفيّة بمنافع العسل لصحّة الجسد، يقول:» العسل ...غذاءٌ دوائيّ وخاصّة للشّيوخ، فإنّه من أنفع الأدوية لهم، إذ ينقلب فيهم إلى دَمٍ محمود...». (ابن رشد، لكُلّيات في الطّب، 1999، صفحة 428)
ومع أنّ هذه الفوائد ظاهرة للنّاس إلاّ أنّ للعسل مضار يعلمها المتخصّص إمّا بسبب الإكثار منه، وإمّا بسبب خصائص في جسد المريض ، لكن مع ذلك يظلّ العسل نافعاً ولا أحد يقول بإيقاف استعماله، فالحالُ نفسه مع الفلسفة والحاجة إليها: «فإنّه ليس يلزمُ مِن أنّه إن غَوى غاوٍ بالنّظر إليها ، وزلّ زالٌّ، إمّا مِن قِبَلِ نُقصِ فطرته ، وإمّا من قِبل سوء تَرتيب نظَره فيها ، أو مِن قِبَل غَلَبة شهوته عليه، أو أنّه لم يجد معلّما يُرشده إلى فَهم ما فيها أو مِن قِبَل اجتماع هذه الأسباب فيه أو أكثر من واحدٍ منها أن نمنَعها عن الذّي هو أَهلٌ للنّظَر فيها، فإنّ هذا النّحو من الضّرر الدّاخل من قِبلها هُوَ شيءٌ لَحِقها بالعَرَض لا بالذّات». (ابن رشد، 1997، صفحة 94).
 فالفلسفة بعدّها علم النّظَر العقلي الحكيم المفيد لا تتحقّق إلاّ بتوفّر شروطٍ مُسبقة في المشتغل عليها تماما كما لا يفعل العَسل فعله المفيد في جسم مستعمله إلاّ بتوفّر شروطٍ واستعدادات قبليّة، بمعنى أنّ الحاجة إلى الفيلسوف لا تقلّ أهمّية هن الحاجة إلى الطّبيب في المجتمع العقلاني.
في الفلسفة الحديثة نَظَرَ ميشال فوكو(Michel Foucault)إلى ظاهرة معقّدة نظرة فريدة؛ الجنون ، الذّي لا نفهم منه عنده أنّه يعدّه حالة مَرَضية عقليّة فردية فقط، إنّها عنده حالة غير عادية للعقل البشري، خارجة عن المألوف ، مَظهر للإبداع، أو التّفوّق، أو السّخرية من واقع ظالم، وانتقاده بقول ما يجب قوله تحت غطاء انعدام المسؤولية القانونيّة والاجتماعيّة، الجنون قد يكون مرادفاً للحرية، ليقظة العقل في أقصى حدودها، وإذا كان الجنون في الطّب النّفسي مَرضا عقليّا يجعل المصاب به غير قادر على التّمييز السّليم، أو قصور عقله عن أداء وظيفته، فقد جَعل فوكو من دراسته للجنون في العصور الوسطى في أوروبا وسيلة لدراسة سلوكيات وأخلاق المجتمع الأوروبي، لقد نَظَر إليه كقوّة فكرية لها دواعيها ونتائجها ومظاهرها وامتداداتها اللّامتناهيّة، لها وجودٌ أدّى إلى رَفض الفكر الرّسمي سياسيا وثقافيّا لها ونبذه، فاعتمد المخيال في رسم قصّة سفينة المجانين الرّمزية، سفينةٌ ضائعة قلِقة لا وِجهة لها ولا غاية ولا انتماء تماما مثلما هو حال المجنون المنبوذ، ولذلك كان الجنون عند فوكو مظهَرا مُختَلِفا جدّا من مظاهر العقل الجَمعي اتّخذه أداة لتحليل السّلوك الرّسمي ونقده في سلبيّات تعامله مع المصابين بهذه الحالة تعاملا رمزيّا أكثر منه موضوعيّا وطبّيّا ،»إنّ ما يُفسّر فرادةَ كتاب فوكو ويمنحه طابعه الخاص هو الاستناد إلى خَبَرات الإنسان وتجربته مع حدوده الدّنيا والقُصوى على حدٍّ سواء، فقد استقى مادته من الطّبّ الوضعي بطبيعة الحال فالفصل الثّاني بفصوله الأربعة مُخصّصٌ بالكّلّية للحديث عن المعرفة الطّبّية(المجنون في حديقة الأنواع، وتسامي الهذيان، وأشكال الجنون، والاطبّاء والمرضى)، لكنّه استقاها أيضا وربّما أساساً من الأدب والفنّ والمسرح والفلسفة، كما استقاها من الشّعوذة والكيمياء وكلّ المُمارسات السّحريّة، ومن تاريخ ممارسات الدّولة والشّرطة والمُستَشفيات العامّة والسّجون، ومؤسّسات الحجز»: (فوكو، صفحة 12 و ما بعدها)، كان كتابا تقييميا تأريخيا سياسيا ودينيا واجتماعيّا ونفسيّا للنّفس الإنسانيّة الغربيّة وهي من منظور الطّب أولى خطوات العلاج.
 في الميدان السّياسي، يفيدُ انتقال المصطلح الطّبّي إلى مجال الخطابات السّياسيّة السّياسيين الذّين ينتجون هذا الخطاب، والمشتغلين في فلسفة السّياسة والأخلاق الذّين يبحثون في شروط بناء الخطابات السّياسية وخصائصها وأزماتها وعلاقتها بالمجالات الأخرى وتوصياتها لتتجدّد دوما وتؤدّي وظيفتها في إدارة الحكم.
ليس من الغريب أن يُقَدّم السّياسيون خُصومَهم على أنّهم مَرضى، أو مُدمِنون على السّلطة، أو أنّهم من مُسبّبي حالة التّأزّم في الوضع السّياسي بكلّيته، ويقدّمونَ مشاريعهم السّياسيّة على أنّها ما به يتحسّن الوضع السّياسي العام لأنّها مشاريع قامت على تَشخيصٍ سليمٍ نتيجة لخبرة كبيرة ورؤية ثاقبة ونية صادقة في علاج الوضع السّياسي المريض، فالمجال الطّبي يُمِدّ الخطاب السّياسي بزادٍ مصطلحيّ مهم تتعدّى وظائفه التّعريف بجوانب كثيرة من السّياسة إلى تمكين المشتغِلين فيها من التّعامل الحقيقي مع المشاكل المتنوّعة التّي تَعرض لهم. 
بوجهٍ عام: استثمارُ المصطلحات الطّبّية بتوظيفها في مجالات غير طبّيّة يُثري المعرفة البشرية، ويُثبتُ تكاملها ويوجّه التّركيز إلى أهمّية انفتاح مجالاتها على بعضها البعض. 
خاتمة 
- الاعتِزاز بالتّراث العربي الإسلامي يكون أفضل بالتّوظيف العلمي المنهجي التّداولي لمقولاته ومصطلحاته في خطابنا المعاصر، والاستثمار في مصطلحاته يكون بشكلٍ مباشر بمفاهيمها التّراثية المناسبة للأوضاع العلميّة الحالية أو بإجراء التّغييرات المناسبة على صعيدَي البنية والدّلالة، مع وضع المصطلحات المناسبة لكلّ جديد طالما خزّانُ اللّغة العربيّة لا ينفد من الإمكانات.
- وَضعُ المصطلحات يكون بالشّروط المعروفة لتحقّق الأغراض المعرفيّة التّواصليّة المخصوصة، لكن يجبُ ألاّ تَبقى المصطلحات حكراً على جماعتها الخاصّة، من الأجدى أن يعُمّ استعمالها ومن الأنفع أن يتّسع تداولها، لتُصبح ملكاً للجماعة اللّغوية كلّها، تثري خطابها العام دون أن تفقد هويتها وخصوصيتها، ولنا في دعوة الخوارزمي جماعة الكّتّاب والأدباء ضرورة التّزوّد بمعرفة المصطلحات والمجالات العلمية سبيلا نهتدي به في طريق نشر المعرفة المصطلحيّة وتعميمها، فكلّ من بإمكانِه أن يظهَر خِطابيّا للآخَر معنِيّ بهذه الدّعوة، في عصرنا الحالي في التّعليم، والإعلام، والسّياسة، والأدب والفن وغيره. 
- الطّب هو علمٌ يبحثُ في صحّة الجسد البشَري وما يعرض له من أمراض، قدّمه الخوارزمي في ثمانية فصول بمصطلحاتها ومفاهيمِها المتشابكة المتكاملة لتبني معرفةً مناسبة عن هذا المجال، لكنّ الطّبّ أيضا بمصطلحاته ومفاهيمه تلك يعدّ مجالاً يمكن أن تتأسّس عليه معارف موسوعية تمسّ مجالات حياة مهمّة أخرى، ويكونُ هذا بمثابة نتائج تداوليّة للمعارف الطّبّيّة. قَولك مثلا: الكيانُ الصّهيوني سرطانٌ نمَا في جسدِ الأمّة العربية الإسلاميّة استثمار للمعرفة الطّبّية المتخصّصة في خطابٍ سياسيّ يصفُ واقعا حقيقيّا، وقولك للمنافق أو الكاذب إنّك مَريضٌ إيمانيّا وسلوكيّا تحتاجُ علاجا عاجلا ليسَ زخرفاً لفظيا ولا ترفاً لغويا، إنّه تشخيصٌ حقيقيّ لحاله واستثمارٌ ناجحٌ للمعارف الطّبّية الدّقيقة بما يتناسب والمقام. 
- اللّغة العربية هي الخزّان الأوّل لتوليد المصطلحات الطّبّية بآلِيَتَي الاشتِقاق والمجاز، ويُكمِل الاقتراضُ ما نَقُصَ منها، أمّا التّعريف المصطلحيّ فحفَظ المعارف التّي اكتسبها الإنسان بالتّجريب أو النّقل أو الاستنتاج في شكل خصائص وسمات جوهريّة في مجالات فرعيّة تخدم المجال الطّبّي وتنفَتحُ على غيرِه.
- دَلّنا الخوارزمي على أنّ الفائدة من المعاجم ليست في كثرة جمعِ المصطلحات وتكديس المعارف بل في مُراعاة ما يحتاجه الإنسان وما سيوظّفه في حياته، أي أنّ رؤية الخوارزمي المعجميّة المصطلحيّة هي رؤية علميّة تداوليّة بامتياز.
إبراهيم أنيس وآخرون. (1982). معجم الوسيط (الإصدار 2، المجلد المجلد 1). القاهرة.
إبراهيم بن مراد. (1993). المعجم العلمي العربي المختص حتّى نهاية القرن الحادي عشر هجري (الإصدار 1). بيروت، لبنان: دار الغرب الإسلامي.
ابن القيّم. (2003). مدارج السّالكين بينَ منازل إيّاك نعبُدُ وإيّاك نستَعين. بيروت: دار الكتاب العربي.
ابن رشد. (1997). فصل المقال وتقرير ما بين الشّريعة و الحكمة من الاتّصال.(عبد الواحد العسري، المحرر) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
ابن رشد . (1999).ا لكُلّيات في الطّب. (مراد محفوظ، و آخرون، المحررون) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
أبي بدر أحمد بن الحسين البهيقي. (د ت). الأسماء والصّفات (الإصدار 1). السّعودية: مكتبة السّوادي للتّوزيع.
أحمد بن محمّد بن إسماعيل النّحّاس. (2004). عُمدة الكُتّاب (الإصدار 1). بيروت، لبنان: دار ابن حزم للطّباعة والنّشر والتّوزيع.
أحمد حابس. (2002). مصطلحات أمراض الكلام، دراسة إبستيمولوجية تحليلية. ملتقى اللّغة العربية والمصطلح (صفحة 210). عنابة: جامعة باجي مختار.
ابن رشد. (1998). الضّروري في السّياسة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
الأصفهاني. (2010). مُعجم مُفردات ألفاظ القـرآن. بيروت: دار الفكر للطّباعة والنّشــر والتّوزيع.
التّهانوي. (د.ت). كشّاف اصطلاحات الفنون (الإصدار 1). بيروت، لبنان: دار الكتب العلميّة.
الحسين بن محمّد أبو القاسم الأصفهاني. (2010). معجم مفردات ألفاظ القرآن. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
بوشعيب راغين. (2011). البنى التّصوّرية واللّسانيات المعرفيّة في القرآن الكريم. إربد، الأردن: عالم الكتاب الحديث.
جواد حسني سماعنة. (1999). المعجم العلمي المختص (المنهج والمصطلح). (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب تنسيق التعريب، المحرر) مجلّة اللّسان العربي (48).
جيل دولوز، و فليكس غتاري. (1997). ما هي الفلسفة؟ (الإصدار 01). (مركَز الإنماء القومي، المترجمون) بيروت.
حلمي خليل. (1998). الكلمة، دراسة لغوية معجمية (الإصدار 2). الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية.
حميد مطيع العواضي. (1991). المعاجم اللّغوية المعاصرة قضاياها النّظرية والتّطبيقية (الإصدار 1). اليمن: مؤسّسة عفيف الثقافية.
خالد الأشهب. (2011). المصطلح العربي البنية والتمثيل (الإصدار 1). الأردن: عالم الكتب الحديث.
راغب السّرجاني. (2009). قصّة العلوم الطّبيّة في الحضارة الإسلاميّة (الإصدار 01). القاهرة: مؤسّسة اقرأ للنّشر والتّرجمة والتّوزيع.
راي جاكندوف. (2010). علم الدّلالة والعرفانيّة. (عبد الرّزّاق بنّور، المترجمون) تونس، المركز الوطني للتّرجمة.
ميشال فوكو. تاريخ الجُنون في العصر الكلاسيكي (الإصدار 01). (سعيد بن كراد، المترجمون) بيروت، لبنان: المركز الثّقافي العربي.
سورة النور/ الآية 61. 
علي القاسمي. (1998). النّظرية الخاصّة في علم المصطلح وتطبيقاتها في مهنة المحاماة. مجلّة اللّسان العربي (45).
فوزي متري نجّار. (1993). فصولٌ منتزعة (الإصدار 2). بيروت: دار المشرق.
ماري كلود لوم. (2012). علم المصطلح، مبادئ وتقنيات (الإصدار 1). (ريما بركة، المترجمون) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة.
محمّد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي. (2020). مفاتيح العلوم. مؤسّسة هنداوي.
محمد بن مكرم أبو الفضل. (1990). لسان العرب (الإصدار 1، المجلد 2). بيروت، لبنان: دار صادر.
محمّد رشاد الحمزاوي. (1995). المصطلحيّة العربية المعاصرة، سبيل تطويرها وتوحيدها. مجلّة اللّسان العربي (39).
محمّد عابد الجابري. (2006). التّراث والحداثة، دراسات ومناقشات. بيروت، لبنان: مركز دراسات الوحدة العربيّة. 
محمّد هيثم خيّاط وآخرون. (د ت). علم المصطلح لطلبة كلّية الطّب والعلوم الصّحيّة. فاس: منظّمة الصّحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط.
محمود فهمي حجازي. (د ت). الأسس اللّغوية لعلم المصطلح. القاهرة: دار غريب.
مسكويه. (1985). تهذيب الأخلاق. بيروت: دار الكتب العلمية.
يوسف وغليسي. (2008). إشكالية المصطلح في الخطاب النّقدي العربي الجديد، الدار العربية للعلوم (الإصدار 1). بيروت.
DUBOIS, J. (2001). Dubois est autres dictionnaire de linguistique. France: édition Larousse.

@pour_citer_ce_document

حياة أحمد الصّيد, «المصطلح الطّبي في معجم مفاتيح العلوم للخوارزمي: الخصائص والوظائف»

[En ligne] ,[#G_TITLE:#langue] ,[#G_TITLE:#langue]
Papier : 72-90,
Date Publication Sur Papier : 2024-07-01,
Date Pulication Electronique : 2024-07-01,
mis a jour le : 01/07/2024,
URL : https://revues.univ-setif2.dz:443/revue/index.php?id=9917.